أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - سقوط النجمة في جيب الزورق














المزيد.....

سقوط النجمة في جيب الزورق


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 18:13
المحور: الادب والفن
    



"جيب الزورق" هي أقصوصة من المجموعة القصصية (جنيّ الأكفان) للشاعر والقاص واثق الجلبي- تمثل مثالاً صريحاً على الكتابة القصصية الرمزية التي تتجاوز الواقع الظاهري لتغوص في طبقات أعمق من المعنى، عبر استخدام مكثف للصور الوصفية والانزياحات البلاغية. حيث يتعامل النص مع موضوعات متعددة مثل الخوف، الحب، الفقد، والرغبة في الخلود، لكنه لا يقدمها من خلال سرد خطي تقليدي، بل يطرحها في بنية مجازية مفتوحة تجعل من التأويل جزءاً من تجربة القراءة ذاتها.
وهنا يبدأ النص القصصي بجملة غامضة ومفاجئة: "بين عينٍ وشفة وقلوبٍ لاهثة تسقط النجمة في جيب الزورق"، وهي جملة تفتح الباب على رمزية مكثفة. النجمة، بما تحمله من دلالة على الهداية والجمال والعلو، تسقط، لكن ليس في الماء أو في الظلمة، بل في "جيب الزورق"، وهي صورة تبدو متناقضة لأنها تدمج بين المفرد والمجرّد. الزورق هنا ليس وسيلة نقل مائية فقط، بل كائن أو كيان له "جيب"، أي مساحة للاحتواء، وربما للافتراس. وهذه النجمة الساقطة ترمز إلى حلمٍ أو رغبة أو شيء سماوي يتم احتواؤه أو التهامه في سياق أرضي مشوّه.
يتبع النص القصصي بعد ذلك مسارًا من التداعي الحرّ، حيث تنقلب الموجودات على طبيعتها. "سمكة تحاول أن تصبح قرداً" في مفارقة وجودية تعكس قلق الكينونة، وانزياح الكائن عن هويته. ما يرسمه النص هنا ليس عالمًا طبيعياً بقدر ما هو كابوسي، تتحرك فيه الصور ضمن منطق داخلي لا يخضع للقوانين الفيزيائية أو الزمنية، بل لقوانين الرغبة والقلق والفقد. النخلة لا تبحث عن ماء أو ثمر، بل عن "خلود"، والزوارق المنسية تتحول إلى أفواه رمال، والشيخ الذي أحب أنثى انتهى في جوف حوت كمجرد "حبة ملح". في هذه الصورة تتجسد مأساة الحب والخيبة، فالحب في النص لا يقود إلى التحقّق، بل إلى الذوبان والانمحاء. الأنثى، التي تبدو في البداية ككيان محاور ومحبّ، تتحول هي الأخرى إلى جزء من هذا العالم المتآكل. تحاول ستر عورة الرجل بقبلة رماد، وهي صورة تحكي عن علاقة قائمة على التلاشي والخذلان. القبلة هنا ليست حياة، بل رماد، والمحبّ ليس رجلاً، بل كائن محطم "يحطم أخشابه بعويل أبكم".
ولا نكتم القارئ سرًا، إذ نقول بأن هذا النص القصص، يحيلنا الى الكوابيس الكافكية، تلك الكوابيس التي عودنا كافكا على طرحها.
وفي نهاية الاقصوصة، يتكثف الشعور بالاغتراب والخذلان، حين تجد الأنثى صدرها مكشوفاً أمام الزوارق وساقها معطلة إلا بـ"ختم الأواخر من أصداف الأوجاع". هذه الجملة بالغة الكثافة، تعني أن جسدها نفسه قد صار خريطة ألم وخاتمة رحلة. ولحظة إخراجها “جيبا من جيبها”، الذي وجدته يحوي إصبعها وهو يمسك بوجه الحبيب “بلا شفتين”، توصل القارئ إلى ذروة العبث الرمزي: الحبيب بلا شفتين لا يستطيع التعبير أو الحب أو حتى الردّ، وهي تمسك بوجهه في صورة من الحنين المستحيل.
وبالتالي، الأقصوصة تنتهي بتحول الأنثى إلى "وردة نوتيٍّ لا يرغبها القدر"، وهو ختام شديد السخرية والمرارة. فهي تتحول إلى رمز للجمال والانتظار، لكن في ذات الوقت تُقصى عن مصيرها، لا يُراد لها أن تُقطف، لا لأن الزمن لم يحن، بل لأن "القدر" ذاته لا يرغبها. هذه نهاية تُعيد إنتاج معاناة الكائن الأنثوي في نصوص الوجود الإنساني المأزوم.
باختصار شديد، "جيب الزورق" قصة غارقة في الرمزية، تنتمي إلى أدب ما بعد الحداثة في تقنيتها، لا تقدم حكاية واضحة بل انفعالات وهواجس وصوراً تتناسل عبر اللاعقلاني والغامض، مما يجعلها نصاً مفتوحاً على أكثر من قراءة، ومرآة لانهيار المعنى في عالم لا يُهدي نجومه، بل يسقطها في جيوب النسيان.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلاصة كتابي (اعترافات) قيد النشر
- حين يصير التفكير ألمًا: قراءة في (محنة الإنسان في عالم الإمك ...
- إلى أين يمضي الفساد في العراق
- ليس دفاعًا عن ترامب
- احتمالات الذات بين الخيبة والقداسة
- هبّ الله: وجوه الأمومة المفقودة
- أياد الطائي… ضحية وطن
- من بغداد إلى هلسنكي: خيبة الهجرة وصراع الذات
- حين صار الشيطان شيخًا… والفقر طريقًا إلى الجنة!
- نيتشه والمرأة: سردية الحب والعزلة
- حين يكتب الشعر وجعه: قراءة في مجموعة هاجس الزوال
- في العاشرة: كانت تحلم بلعبة فوجدت نفسها زوجة!
- (المدعو) لخضير فليح الزيدي: الهوية كعبء وجودي
- دور رجال اللاهوت في تسطيع العقل وصناعة الجهل*
- دلالة الزمن في السرد
- المثقف المقولب: السلطة بصوت ناعم(36)
- المثقف في مواجهة القوالب الأيديولوجية(35)
- النماذج الفكرية كيف تؤثر على المثقف(34)
- المثقف المقولب: فقدان الاصالة أم اكتساب القوة؟(33)
- نبيّ الخمرة ونقّاد الوهم: تفكيك قصة (دمية راقصة) للكاتب عبد ...


المزيد.....




- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة
- هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
- حلم مؤجل
- المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا ...
- أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع ...
- باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل ...


المزيد.....

- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- پیپی أم الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - سقوط النجمة في جيب الزورق