أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - أياد الطائي… ضحية وطن














المزيد.....

أياد الطائي… ضحية وطن


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 20:13
المحور: الادب والفن
    


هكذا يرحل الفنان والمثقف والأديب في بلدٍ اعتاد أن ينظر إلى المبدعين على أنهم كماليات لا ضرورة لهم، وأن الإبداع ترف لا يستحق أن يُمنح العناية أو التقدير. في وطن تحكمه حكومة تغرق في وحل الفساد والمحاصصة والانشغال بالمنافع الشخصية، يغيب أياد الطائي، الفنان العراقي الكبير، في صمت موجع، لا لشيء سوى أنه لم يملك 3000 ألف دولار، هو ثمن عملية جراحية كانت لتعيد له فرصة الاستمرار في الحياة، والاستمرار في العطاء. مبلغ، بالنسبة لأصحاب المناصب والمليارات المنهوبة، لا يساوي شيئًا، لكنه بالنسبة لرجل أفنى عمره في خدمة الفن والثقافة، كان أكبر من أن يُوفر.
أياد الطائي لم يكن مجرد فنان، بل كان رمزًا من رموز المسرح والدراما العراقية، اسماً نُقش في ذاكرة أجيال تربت على صوته وأدائه وإخلاصه للفن. لم يكن يعيش برفاه، ولم يكن من أولئك الذين يساومون على مواقفهم أو يلهثون وراء السلطة. بل بقي مخلصًا لما آمن به، منح حياته للفن، للناس، للثقافة، ولصوت الضمير. وفي النهاية، رحل كما رحل كثيرون قبله، بصمت، بتجاهل، وبخذلان رسمي مريب، وكأن فقدان فنان لا يعني شيئًا في عرف من يتربعون على كراسي الحكم في العراق اليوم.
كيف يُعقل أن يكون فنان بمكانة أياد الطائي عاجزًا عن دفع كلفة علاج؟ وأين الدولة؟ أين وزارة الثقافة التي يُفترض أنها المعنية بهؤلاء؟ بل أين الحكومة برمتها من هذه الكارثة الأخلاقية؟ نحن لا نتحدث عن حالة فردية، بل عن منظومة كاملة انهارت فيها القيم، وغابت فيها المسؤولية. بلد يمتلك واحدًا من أغنى خزائن النفط في العالم، لكن لا يستطيع أن يؤمّن لمبدعيه الحد الأدنى من الرعاية الصحية! في بلد تُسرق فيه المليارات سنويًا، لا يجد فنان بحجم الطائي من يسأل عنه أو يمد له يد العون.
هذا هو المشهد الثقافي في العراق: لا مكان للمبدعين فيه، ولا تقدير لأصحاب العطاء الحقيقي. الفن والثقافة أصبحا مجرد شعارات جوفاء تُرفع في المناسبات، بينما يعيش الفنانون في الهامش، ويُدفنون غالبًا دون تكريم، دون حضور رسمي، وأحيانًا دون حتى أن يُذكروا في وسائل الإعلام الحكومية. الحكومة، بأذرعها المختلفة، تتعامل مع الفنان كما لو كان عبئًا، بينما هو في الحقيقة أحد أهم أعمدة المجتمع وأكثرهم تأثيرًا. لكن كيف لحكومة لا تؤمن إلا بالسلطة والمال أن ترى في الفن قيمة أو في الثقافة مشروعًا وطنيًا يستحق الدعم؟.
أياد الطائي لم يكن وحده، وقبله رحل الكثير من المبدعين بصمت مماثل، وسيأتي غيره إذا استمر الحال على ما هو عليه. لا توجد آلية واضحة لدعم الفنانين، لا توجد ضمانات صحية، ولا دعم مادي، ولا حتى اعتراف معنوي بقيمة ما قدموه. كل ما في الأمر خطابات إنشائية وبيانات رثاء تُكتب بعد فوات الأوان، في وقت لا يكون الفنان بحاجة فيه لكلمات، بل لرعاية، لوقفة حقيقية، لاعتراف بفضله، وليس لتأبينه.
المؤلم أكثر أن المجتمع نفسه بدأ يتعود على هذه النهايات المأساوية، وكأنها قدر لا فكاك منه، وكأن من اختار طريق الفن والثقافة عليه أن يدفع الثمن من حياته وصحته وكرامته. وهذا أخطر ما يمكن أن نصل إليه: أن يتحول موت الفنانين في ظل الإهمال إلى أمر عادي، لا يُثير الاستنكار، ولا يُحرّك ساكنًا.
أياد الطائي، في لحظاته الأخيرة، لم يكن يطلب شيئًا غير حقه الطبيعي في الحياة، في العلاج، في البقاء. لكن هذا الحق سُلب منه، ليس بفعل المرض، بل بفعل منظومة فاسدة جعلت من العجز قاعدة، ومن التجاهل سياسة، ومن الصمت وسيلة للهروب من المسؤولية. وهو ما يجب أن يتوقف.
رحيل أياد الطائي جرس إنذار يجب أن يُقرع في آذان الجميع. ليس فقط الفنانين والمثقفين، بل المجتمع كله. لأن سقوط الفن هو مقدمة لسقوط القيم، ولأن الإبداع ليس رفاهًا بل روح الأمة، ومرآتها التي تعكس حقيقتها. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فلن يكون فقدان الطائي هو الأخير، بل سيكون واحدًا من سلسلة خسائر لن تنتهي إلا حين نعيد الاعتبار للثقافة والفن، ونُدرك أن المبدعين هم ثروة لا تقل أهمية عن النفط، بل هم أثمن وأبقى.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بغداد إلى هلسنكي: خيبة الهجرة وصراع الذات
- حين صار الشيطان شيخًا… والفقر طريقًا إلى الجنة!
- نيتشه والمرأة: سردية الحب والعزلة
- حين يكتب الشعر وجعه: قراءة في مجموعة هاجس الزوال
- في العاشرة: كانت تحلم بلعبة فوجدت نفسها زوجة!
- (المدعو) لخضير فليح الزيدي: الهوية كعبء وجودي
- دور رجال اللاهوت في تسطيع العقل وصناعة الجهل*
- دلالة الزمن في السرد
- المثقف المقولب: السلطة بصوت ناعم(36)
- المثقف في مواجهة القوالب الأيديولوجية(35)
- النماذج الفكرية كيف تؤثر على المثقف(34)
- المثقف المقولب: فقدان الاصالة أم اكتساب القوة؟(33)
- نبيّ الخمرة ونقّاد الوهم: تفكيك قصة (دمية راقصة) للكاتب عبد ...
- تأثير التكنولوجيا على قولبة أفكار المثقف(32)
- المثقف والقيود الذاتية: هل المثقف يصنع قيوده؟(31)
- جسر على نهر الاسئلة: الشاعر طه الزرباطي
- المثقف المقولب في عصر العولمة: تحديات وآفاق(30)
- المثقف والحدود الفكرية: كيف تُرسم(29)
- القولبة الفكرية: خطر على الحوار الثقافي(28)
- المثقف كصانع قوالب أو كضحية لها؟(26)


المزيد.....




- -كنت أكره أنني أبدو آسيوية-: نجمة فيلم -كيه بوب ديمون هانترز ...
- مصر.. وزير الثقافة يوضح التطورات الصحية للموسيقار عمر خيرت
- مهرجان إدفا 2025.. السينما الوثائقية وتشريح الاحتجاج زمن الح ...
- بيروت: سفارة دولة فلسطين تستضيف عرض الفيلم الوثائقي
- أنتوني هوبكنز.. السير يروى سيرته السينمائية
- خيول ومقاتلات وموسيقى.. استقبال مهيب لولي العهد السعودي في ا ...
- لا رسوم على خدمات الترجمة في الرعاية الصحية في بليكينغه
- تداول فيديو لتوم كروز وهو يرقص مع ممثلة قبل فوزهما بجوائز ال ...
- هل هززتَ النَّخلة؟
- ‎-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - أياد الطائي… ضحية وطن