أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - (المدعو) لخضير فليح الزيدي: الهوية كعبء وجودي














المزيد.....

(المدعو) لخضير فليح الزيدي: الهوية كعبء وجودي


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 20:13
المحور: الادب والفن
    


رواية "المدعو" للكاتب خضير فليح الزيدي تدور أحداثها حول شخصية محددة أطلق عليها صدام حسين فرحان. الرواية تتخذ من بطلها محورًا أساسيًا لتفكيك الواقع العراقي، في مرحلة معينة، لا من خلال صدام كرمز أو استعارة، بل كحالة بشرية واقعية، خاضعة للتمزقات النفسية والاجتماعية والسياسية التي طبعت العراق بعد عقود من العنف والفوضى والتشظي. الكاتب يقدّم هذا البطل كشخصية محورية، لا بوصفه بطلًا تراجيديًا أو رمزيًا، بل باعتباره نتاجًا طبيعيًا لزمن ما بعد الكارثة، زمن الفوضى، والانهيار القيمي، وسقوط المعايير، حيث أصبح الإنسان في العراق مجرد وظيفة غامضة، أو وجه غائم لا يتذكره أحد. ومنذ لحظة دخول القارئ إلى عالم الرواية، يشعر أن هناك عبثًا مقصودًا في اختيار الاسم: صدام حسين فرحان، وكأن الروائي أراد أن يضعنا أمام مفارقة مزدوجة: الاسم الذي يثقل كاهل الشخصية بحمولة رمزية ثقيلة، والمصير البسيط أو التافه أو الغامض الذي يعانيه صاحب الاسم في الواقع.
الاسم هنا ليس تفصيلًا اعتباطيًا، بل مفتاح قراءة. فـ"صدام حسين فرحان" ليس الرئيس، لكنه يحمل اسمه، ويحمل معه تاريخًا سياسيًا مشحونًا بالدماء والخوف والرعب. هو مواطن بسيط، لكن اسمه يُلقي عليه عباءة لا يريدها، يُعامل من خلالها، ويُنظر إليه بوصفه نسخة هزيلة أو شبحًا كاريكاتيريًا من شخصية مازالت كامنة في الذاكرة العراقية، رغم أنطفاء بريقها. وهنا يلعب الزيدي لعبته الفنية الذكية: إنه لا يصنع بطله من البطولة، بل من التباسها. لا يضعه في قلب الفعل، بل على حافته، حيث يصبح الاسم عبئًا، والهوية مصادفة، والحياة مجرد سلسلة من الإحالات الساخرة والمهينة.
الرواية تتبنى سردًا متأنيًا، بطيئًا أحيانًا، لكنه ضروري للكشف عن التحوّل الداخلي الذي يعيشه صدام حسين فرحان، والذي لا يحدث نتيجة وعي فردي، بل كاستجابة قسرية لواقع لا يرحم. تتبع الرواية خطواته اليومية، حواراته الهامشية، تعامله مع البيروقراطية، مع الآخرين، مع ذاته، لتكشف حجم التهشيم النفسي الذي يتعرض له الفرد في العراق. بطل الرواية كما تسرده هذه المدونة، ليس مريضًا، وليس بطلًا، وليس مجنونًا تمامًا، لكنه محطّم بطريقة باردة، بطيئة، لا درامية، كما لو أنه ضحية لمصنع كبير لإنتاج الحطام البشري.
الكاتب خضير فليح الزيدي يكتب عن فرد لا يعني شيئًا إلا باسمه، ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع أن يعيش وفق هذا الاسم، لأن كل شيء حوله يذكره بأنه لا يشبه ما يُنتظر منه. هنا تتحول الحياة اليومية إلى محكمة صامتة. المجتمع، المؤسسات، وحتى الغرباء، يحمّلون الاسم ما لا يحتمله الجسد. وتصبح الرواية في هذا السياق نقدًا مريرًا لفكرة الهوية المفروضة، والورطة التاريخية التي قد يجد الإنسان نفسه فيها فقط بسبب سخرية الأقدار. الروائي لا يقدّم صدام حسين فرحان كشخصية سياسية أو رمزية خالصة، بل ينزعه من أي خطاب جاهز. هو رجل يبحث عن عمل، عن مكان، عن أن يُنسى اسمه فقط ليعيش، لكنه لا يستطيع. الرواية تتعمق في هذا الإحساس الساحق بالغربة داخل الوطن، في العبء الوجودي الذي لا ينبع من خطأ ارتكبه البطل، بل فقط من الصدفة الملعونة أن اسمه مطابق لاسم الطاغية السابق. وهذا ما يمنح الرواية طابعًا تراجيديًا فريدًا: لا بسبب ما يحدث، بل بسبب ما لا يحدث. لا يوجد حدث كبير، لا انقلاب، لا مؤامرة، لا لحظة خلاص. فقط رجل يمشي تحت شمس بلدٍ لا يرحم، متهم بصمته، وباسمه، وبملامحه التي تشبه ولا تشبه، في الوقت نفسه.
بالنتيجة الزيدي يستخدم هذه المفارقة – بين الاسم والمصير – ليبني نقدًا عميقًا للزمن العراقي الحديث، حيث الاسم قد يكون لعنة، والهوية قد تصبح محكمة، والإنسان ليس أكثر من ظلّ لتاريخ لم يطلبه. الرواية لا تتحدث عن صدام حسين، انما تتحدث عن مصير شعب، شعب محطم فاقد لوجوده، الشعب الذي لم يستطع أن يفرّق بين الطاغية والضحية، بين الصورة والأصل، بين الخطأ والحياة العادية. وهكذا نجد أن "المدعو" ليست مجرد رواية عن شخصية غريبة، بل عن مجتمع لم يتخلص بعد من أشباحه، وعن ذاكرة جماعية مشوهة، لا تنسى، ولا تغفر، ولا تسمح لأحد أن يبدأ من جديد.
وبالتالي، الرواية لا تتحدث عن اسم كبير، بل عن رجل عادي جدًا، يتحول اسمه إلى محنة وجودية. إنها عمل يتجاوز السرد إلى تفكيك فلسفة الهوية في مجتمع مأزوم، ويسائل بشكل مرير: من نحن حين لا نختار أسماءنا؟ من نكون حين يحاسبنا الناس على وقع الاسم لا على ما نفعل؟ بطل الرواية "صدام حسين فرحان" هو كل فرد في العراق الحديث يحمل عبء ماضٍ لم يصنعه، لكنه لا يستطيع الإفلات من أشباحه.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور رجال اللاهوت في تسطيع العقل وصناعة الجهل*
- دلالة الزمن في السرد
- المثقف المقولب: السلطة بصوت ناعم(36)
- المثقف في مواجهة القوالب الأيديولوجية(35)
- النماذج الفكرية كيف تؤثر على المثقف(34)
- المثقف المقولب: فقدان الاصالة أم اكتساب القوة؟(33)
- نبيّ الخمرة ونقّاد الوهم: تفكيك قصة (دمية راقصة) للكاتب عبد ...
- تأثير التكنولوجيا على قولبة أفكار المثقف(32)
- المثقف والقيود الذاتية: هل المثقف يصنع قيوده؟(31)
- جسر على نهر الاسئلة: الشاعر طه الزرباطي
- المثقف المقولب في عصر العولمة: تحديات وآفاق(30)
- المثقف والحدود الفكرية: كيف تُرسم(29)
- القولبة الفكرية: خطر على الحوار الثقافي(28)
- المثقف كصانع قوالب أو كضحية لها؟(26)
- أوجاع غير قابلة للغفراف
- الضغوط المؤسسة على حرية المثقف(26)
- هل سيتعافى العراق بعدما حلّ به من دمار؟
- المثقف المقولب: نمطية الفكر أم تنوعه؟(25)
- تشكيل الأفكار: هل هو فعل واع أم ملقن؟(24)
- المثقف بين الانصياع والتمرد الفكري(23)


المزيد.....




- آنا وينتور تدلي برأيها الحقيقي في فيلم -الشيطان يرتدي برادا- ...
- فاطمة الشقراء... من كازان إلى القاهرة
- هل يعود مسلسل (عدنان ولينا) من جديد؟!
- فيلم -متلبسا بالسرقة-.. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا ...
- طالبان وتقنين الشعر.. بين الإبداع والرقابة
- خطأ بالترجمة يسبب أزمة لإنتر ميلان ومهاجمه مارتينيز
- فيلم -هند رجب- صرخة ضمير مدويّة قد تحرك العالم لوقف الحرب عل ...
- خالد كمال درويش: والآن، من يستقبلنا بابتسامته الملازمة!
- فنانون عالميون يتعهدون بمقاطعة مؤسسات إسرائيل السينمائية بسب ...
- الترجمة بين الثقافة والتاريخ في المعهد الثقافي الفرنسي


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - (المدعو) لخضير فليح الزيدي: الهوية كعبء وجودي