أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داود السلمان - ليس دفاعًا عن ترامب














المزيد.....

ليس دفاعًا عن ترامب


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 21:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل سنوات، قرأتُ تحليلًا للكاتب الدكتور قاسم حسين صالح، وهو أساتذة علم النفس، يتناول فيه شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مستخدمًا أوصافًا مثل التكبر، الغرور، العنجهية، وحب الدمار والحروب. هذه الكلمات، رغم أنها قد تبدو مغرية في سياق التحليل النفسي السياسي، إلا أنها في جوهرها تبقى اختزالية وغير منصفة إذا ما طُرحت دون فهم السياق السياسي والتاريخي والدولي الذي تتحرك فيه شخصية مثل ترامب. حين نصف رجلًا على رأس دولة كبرى مثل الولايات المتحدة بهذه البساطة، فإننا لا نظلمه فحسب، بل نظلم أيضًا فهمنا للدور الذي تلعبه القيادة في دولة تتربع على قمة النظام العالمي.
ترامب ليس فيلسوفًا، ولا مفكرًا سياسيًا كلاسيكيًا، ولم يدّعِ يومًا أنه رجل مبادئ أممية أو منظّر ديمقراطي في قوالب مثالية. لكنه رجل أعمال ناجح، جاء من خلفية السوق، الصفقات، والمصالح. وعندما دخل البيت الأبيض، دخل بعقلية رجل يرى العالم كسوق مفتوح لا مكان فيه للضعفاء أو للمجاملات. وهنا يكمن الفارق. ما يعتبره البعض “عنجهية” أو “غرورًا” يمكن أن يُقرأ، من منظور آخر، على أنه تعبير حاد عن الرغبة في الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة، حتى لو جاء ذلك على حساب اللغة الدبلوماسية الناعمة أو الخطاب السياسي المهذّب.
في الحقيقة، ترامب لم يكن محبًا للحروب، بل كان في كثير من الأحيان ضد التورط العسكري في الخارج. بخلاف ما رُوّج عنه، فإن ترامب في فترته لم يبدأ حربًا جديدة كبرى، بل سعى إلى سحب القوات الأمريكية من مناطق نزاع مزمنة مثل أفغانستان وسوريا، وقلّص الوجود الأمريكي في بعض قواعد الشرق الأوسط، كالعراق. هو رجل قد يُهدد، ويرفع الصوت، ويتحدث بنبرة حادة، لكن خلف هذا كله تقبع فلسفة استراتيجية قد تبدو قاسية، لكنها مفهومة ضمن عقلية (أمريكا أولًا) التي رفعها شعارًا من أول يوم ترأس مهام الدولة.
إنّ ما أخطأ فيه كثير من المحللين، ومن بينهم ذلك الدكتور صالح، هو أنهم أسقطوا معايير الشخصية الفردية على طبيعة المنصب السياسي. هناك فرق كبير بين التحليل النفسي لشخص عادي، وتحليل سلوك رئيس دولة يمتلك مفاتيح القوة النووية، ويتحرك ضمن منظومة مصالح ضخمة تحكمها المؤسسات، المال، الضغط السياسي، والأمن القومي. ترامب، في كثير من سياساته، لم يكن يرتجل كما يُشاع، بل كان يعكس توجهات شريحة مؤثرة من الشعب الأمريكي، وخاصة من الطبقة الوسطى البيضاء المحافظة، التي شعرت بتراجع مكانتها في ظل العولمة والهجرة والتحولات الاجتماعية الكبرى.
عندما يتحدث ترامب عن ضرورة وقف الهجرة غير الشرعية، أو حول قضة الصدام مع ايران، لم يكن ذلك تعبيرًا عن عنصرية شخصية بالضرورة، بل موقفًا سياسيًا يحمل مخاوف شريحة كبيرة من الأمريكيين الذين يرون في ذلك تهديدًا اقتصاديًا وثقافيًا. وعندما انسحب من اتفاقيات دولية مثل اتفاق باريس للمناخ أو الاتفاق النووي الإيراني، لم يكن يفعل ذلك بدافع "حب الدمار"، بل انطلاقًا من قناعة أن تلك الاتفاقيات لا تخدم مصالح بلاده كما ينبغي، وأن أمريكا ينبغي أن تفاوض من موقع القوة لا المجاملة. قد يرفض البعض هذا المنطق، لكنه لا يخرج عن حدود التفكير السياسي البراغماتي الذي يُعلي مصلحة الدولة على المجاملات الدولية.
كما أن وصف ترامب بالغرور والتكبر، رغم أنه قد يبدو صحيحًا ظاهريًا في بعض خطاباته، إلا أنه يتجاهل جانبًا مهمًا في صناعة الشخصية القيادية في العالم الحديث، حيث تُعد الثقة الزائدة بالنفس، والقدرة على المواجهة، والتحدث بصوت مرتفع عن المصالح القومية، جزءًا من أدوات الزعامة التي تجذب جمهورًا عريضًا في الداخل. علينا أن نضع في الاعتبار أن الديمقراطية الأمريكية لا تنتج زعماء مصادفة، بل عبر صناديق اقتراع، وصعود ترامب لم يكن انقلابًا، بل نتيجة طبيعية لتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة.
ومن باب آخر فأن ترامب لا يمكن فهمه من زاوية واحدة. إنه مركّب، متناقض، مثير للجدل، وهذا جزء من قوته وجزء من مشكلته أيضًا. لكن الأكيد هو أنه ليس ساذجًا كما يحاول البعض تصويره، وليس متهورًا دون حساب. إنه رجل يعرف تمامًا كيف يوجه الخطاب نحو جمهوره، وكيف يصوغ صورته بالشكل الذي يخدم رسالته، حتى لو كانت تلك الصورة مزعجة للنخبة التقليدية أو للمراقبين من الخارج. من السذاجة اختزال هذه الشخصية بكلمات مثل "يحب الدمار"، في حين أن الوقائع تدل على رئيس سعى لإعادة ترتيب الداخل الأمريكي، وإعادة النظر في أولويات بلاده عالميًا، حتى لو جاء ذلك بطريقة صادمة.
وبالتالي، لا يمكن أن نحكم على رئيس دولة بحجم أمريكا بمعايير العاطفة أو الانطباع الشخصي. ترامب لم يكن ملاكًا، لكنه أيضًا لم يكن مهرجًا. كان، وما زال، يمثل تيارًا أمريكيًا قويًا، يرفض التنازلات، ويؤمن بأن بلاده يجب أن تبقى رقمًا صعبًا في معادلات العالم. وهذا ليس تطرّفًا ولا "جنون عظمة"، بل فهم حاد لطبيعة اللعبة الدولية، التي لا ترحم المترددين، ولا تكافئ الطيبين.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتمالات الذات بين الخيبة والقداسة
- هبّ الله: وجوه الأمومة المفقودة
- أياد الطائي… ضحية وطن
- من بغداد إلى هلسنكي: خيبة الهجرة وصراع الذات
- حين صار الشيطان شيخًا… والفقر طريقًا إلى الجنة!
- نيتشه والمرأة: سردية الحب والعزلة
- حين يكتب الشعر وجعه: قراءة في مجموعة هاجس الزوال
- في العاشرة: كانت تحلم بلعبة فوجدت نفسها زوجة!
- (المدعو) لخضير فليح الزيدي: الهوية كعبء وجودي
- دور رجال اللاهوت في تسطيع العقل وصناعة الجهل*
- دلالة الزمن في السرد
- المثقف المقولب: السلطة بصوت ناعم(36)
- المثقف في مواجهة القوالب الأيديولوجية(35)
- النماذج الفكرية كيف تؤثر على المثقف(34)
- المثقف المقولب: فقدان الاصالة أم اكتساب القوة؟(33)
- نبيّ الخمرة ونقّاد الوهم: تفكيك قصة (دمية راقصة) للكاتب عبد ...
- تأثير التكنولوجيا على قولبة أفكار المثقف(32)
- المثقف والقيود الذاتية: هل المثقف يصنع قيوده؟(31)
- جسر على نهر الاسئلة: الشاعر طه الزرباطي
- المثقف المقولب في عصر العولمة: تحديات وآفاق(30)


المزيد.....




- واشنطن تبشر الرهائن بالعودة.. وحماس: الإفراج عن 48 رهينة يوم ...
- اشتباكات عنيفة بين باكستان وأفغانستان بعد غارات جوية مزعومة ...
- نظام جديد لدخول الاتحاد الأوروبي.. تعرف على التفاصيل
- الجزيرة تحصل على وثيقة تفصيلية بالخطوات التنفيذية لخطة ترامب ...
- رويترز: وفاة 3 دبلوماسيين قطريين في حادث بشرم الشيخ
- لماذا تريد مصر إضفاء شرعية دولية على اتفاق وقف الحرب في غزة؟ ...
- قيادي بحماس: سنرد على أي عدوان إسرائيلي إذا استؤنفت الحرب
- مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال في عدة مناطق بالضفة
- شاهد.. أسباب الريمونتادا الإماراتية على عُمان
- مستقبل مظلم في أميركا وإسرائيل


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - داود السلمان - ليس دفاعًا عن ترامب