أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - فيصل يعقوب - في عتمة المصطلحات.














المزيد.....

في عتمة المصطلحات.


فيصل يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 21:51
المحور: قضايا ثقافية
    


💥في عتمة المصطلحات، يبحث الإنسان عن نور في زقاق ضيق من الذاكرة الكردية، حيث تلتقي أطلال القرى المحترقة بأحلام الأطفال الذين لم يعودوا. يقف مثقف يحمل قلما أثقل من جبال كردستان. يكتب عن (الانحراف) فتسقط الكلمة ثقيلة كالصخرة، لكن لا أحد يعرف أين تكسرت تلك الصخرة، و من ارتطم بها؟ يكتب عن (المبادئ) فتطير الكلمة كطائر بلا جناحين، تدور حول نفسها في فضاء من الضباب. في تلك اللحظة، أتخيل جدتي التي لم تكتب يوما، لكنها كانت تعلق على كل حدث كبير بقول: (الحقيقة مثل الحليب، اذا لم تبرد جيدا، تتجبن و تصبح جبنا لا يشبع احدا). كانت تعني أن الكلام البعيد عن التفاصيل، البعيد عن طعم الأرض و ريح الشجر و رائحة الدم، لا يشبع جوعا و لا يروي عطشا. 🔸أعود إلى المثقف الكردي، فأراه يكتب في غرفة مضاءة بمصباح قديم، ظلاله تتراقص على الجدران كأشباح الماضي. يكتب: (انحرفت الحركة الكردية عن مبادئها) لكنني أتساءل:
🔶هل كان هناك طفل في عام 1960، في قرية نائية، فهم تلك المبادئ؟ هل شرحها له احد بلغة لا تتطلب شهادة جامعية؟ هل جلس معه احد ليقول: انظر يا بني، هذه المبادئ ليست نصوصا مقدسة، بل مجرد محاولة بشرية لفهم معنى أن تكون إنسانا في أرض لا تُرى في خرائط الآخرين؟ 🔶في قرية أخرى، حيث لا يصل المثقفون الا في المناسبات، تجلس عجوز على عتبة من حجر. تسألها عن (المكونات الديمقراطية) فتضحك ضحكة تكشف عن سنين قليلة باقية، و تقول: (الديمقراطية)؟ هو أن يأتي ابني من الجبل دون أن يُقتل في الطريق. هو أن أزرع طماطمي دون أن تُحرق بالدبابات. هو أن أُسمي حفيدي آزاد دون أن يُسأل في كل حاجز: من أين جئت بهذا الاسم؟.
🔶أكتب هنا، في هذه اللحظة، و أتذكر أن أبي كان يحتفظ بمذكراته في علبة من الحديد تحت سريره. لم يكن يكتب عن (الانحرافات)، بل عن أسماء الأشخاص الذين ماتوا في يوم معين، و عن نوع الخبز الذي كانوا يأكلونه قبل الموت، و عن آخر كلمة قالوها.🔶 كان يكتب: مات باوور و هو يمسك بيد ابنته الصغيرة. كانت يدها دافئة، لكنه شعر بالبرد يدخل من بين أصابعه . لم يكن يعرف أن هذه هي (المبادئ) التي يبحث عنها المثقفون:
🔶 أن تكون آخر ما يشعر به الإنسان هو دفء يد طفله، لا برودة فكرة مجردة. في مدينة بعيدة، يجلس كاتب آخر يكتب عن (المكونات الديمقراطية) لكنه لا يذكر أن في قرية صغيرة، امرأة تُدعى بيريفان كانت تُخبئ أوراقا بسيطة في جيبها الداخلي.🔸 كانت تكتب على تلك الأوراق أسماء من يُعتقل ليلا، و تُخفيها في خبزها الذي تخبزه كل فجر. كانت بيريفان تمارس ديمقراطيتها الخاصة:
🔸أن يعرف كل معتقل أن اسمه لم يُمح، أن يعرف أهله أن احدا ما مازال يتذكر. لم تكن تعلم أنها تمثل (مكونا ديمقراطيا) كانت فقط تعلم أن النسيان أشد قتلا من الرصاص. 🔸أعود إلى المثقف في غرفته المضاءة، فأتخيله يكتب جملته الأخيرة: الهدف الأساسي من الكتابة هو الفهم. أتوقف عند هذه الكلمة: (الفهم) أتخيل أن الفهم ليس أن أكتب عن (الانحراف) من ، بل أن أنزل إلى ذلك المستوى حيث يكون الانحراف مجرد طفل يبكي لأنه فقد أمه في ليلة من ليالي القصف. أن أكتب عن (المبادئ) لا كأنها نصوص مكتوبة على جدران المدارس، بل كأنها ذلك الشعور الغامض الذي يأتي الإنسان حين يُمسك بيد مبتلة بالدم، فيدرك أن لا شيء يُبرر هذا الدم سوى محاولة بائسة لأن يكون الإنسان إنسانا. في تلك اللحظة، أدرك أن الكتابة الحقيقية ليست أن أُطلق أحكاما، بل أن أُعيد الروح إلى الكلمات. أن أكتب (الحركة الكردية) و أرى وجه آزاد الطفل الذي مات و هو يحمل قطة صغيرة، لا أرى فكرة مجردة. أن أكتب (الديمقراطية) و أتذكر أن بيريفان كانت تُخبئ أسماء المعتقلين في خبزها، لا أرى مصطلحا في كتاب سياسي. هنا، في هذه اللحظة، أكتب و أعلم أن قيمة أي نص لا تكمن في ما يقوله عن (الانحرافات)، بل في ما يُضيء من وجوه بشرية محددة. في أن أكتب: في يوم معين، في قرية معينة، مات إنسان معين، و ترك وراءه فراغا لا يملؤه أي مصطلح. في أن أكتب: في ليلة معينة، امرأة معينة كتبت اسم ابنها على ورقة صغيرة، و خبزتها في خبزها، فعاش اسمه رغم أنه مات. عندها فقط، 🔶حين تكون الكتابة مسؤولية أخلاقية عن هذا الإنسان المحدد، و ليست استعراضا لغويا عن الإنسان المجرد، تصبح الكلمة فعلا إنسانيا. تصبح جسرا يعبر منه من مات دون أن يُرى، إلى من يقرأ فيتذكر أن هناك من مات دون أن يُرى. تصبح الكتابة تنويرا لا تشويها، حوارا لا جدارا، لأنها تبدأ من الاعتراف بأننا جميعا ( كتابا و قراء ) مجرد بشر نحاول أن نفهم معنى أن نكون بشرا في أرض لا تُرى في خرائط الآخرين، و لا في مصطلحاتنا نحن أحيانا. و في تلك اللحظة، حين أُغلق قلمي، أتخيل أن آزاد الطفل، و بيريفان المرأة، و عجوزي التي تقول إن (الحقيقة مثل الحليب) كلهم يقرأون ما كتبت. لا يقرأون ليحكموا على (الانحرافات)، بل ليروا أن احدا ما ما زال يتذكر أنهم كانوا بشرا قبل أن يكونوا مصطلحات. و أدرك أن هذه هي الكتابة الإنسانية الوحيدة: 🔶أن نكتب لنُعيد الروح إلى من سُلبت منهم، لا لنُضيف المزيد من الضباب إلى الضباب.



#فيصل_يعقوب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو نضال تحرري وطني كُردستاني يستند إلى الشرعية الدولية
- العبودية إدمان و الإدمان عبودية ❗
- القضية الكردية في أفق الشرعية الدولية
- الهوية الوطنية الكردستانية هي المدخل الحقوقي للتحرر.
- الهوية الوطنية
- مؤتمر الأمن و السلام أم إعادة تدوير الخطاب العاطفي ؟
- الخطأ التاريخي في نضال الأحزاب الكردية و أخذ العبر و الدروس ...
- القضية الكردية بين واقع الإحتلال و إنكار الذات الوطنية
- من وضع قوانين و حقوق يتحمل مسؤولية توضيحها و شرحها للعالم
- لماذا تقول الدول المحتلة لأرض كردستان إنها لا تحارب الشعب ال ...
- مؤتمر مكافحة الإستعمار في الشرق الاوسط و حوض البحر الأبيض ال ...
- الأدب الذي لا يصنع وعيا
- تحويل الحرية إلى عادة مجتمعية
- القضية الكردية بين أخطاء الماضي و ضرورات الحاضر
- السياسة الحقيقية... انتزاع الحقوق لا سمسرتها
- القضية الكُردبة و معرفة الذات ❗
- كُردستان مستعمرة دولية
- من أجل أن لا نبقى مخدوعين ❗
- من أجل تدويل القضية الكردية
- المشهد المعقّد في الشرق الأوسط!


المزيد.....




- سيناريوهات -البيك أب- والتسلّل البرّي.. على ماذا يتدرّب الطي ...
- إسرائيل تعلن مقتل -أحد مهندسي- هجوم السابع من أكتوبر 2023
- -مرشحو الغلابة- يُعيدون رسم المشهد الانتخابي في مصر
- افتتاح أطول -تلفريك- في أوروبا جنوب العاصمة الفرنسية باريس
- رامه الشققي: علاقتي بسوريا كانت مزيجا من الحب والخوف
- ياسين براهيمي يكشف لماذا ترك أوروبا واختار قطر
- صور مفبركة وقرار علاجي حكومي.. لماذا عاد اسم عبلة كامل إلى ا ...
- وزيرا خارجية الإمارات والصين يؤكدان عمق الشراكة بين البلدين ...
- البنتاغون: مقتل جنديين من الجيش الأمريكي ومترجم مدني في سوري ...
- مشاهد فوضى واحتجاج جماهيري ترافق انطلاق جولة ميسي في الهند


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - فيصل يعقوب - في عتمة المصطلحات.