أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان واشياء أخرى (52)














المزيد.....

عن الطوفان واشياء أخرى (52)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 04:52
المحور: القضية الفلسطينية
    


المقارنات التاريخية بين رفض وقبول
الأصل في القول إن كل حركة تحررية تحتاج إلى وعي كامل بسياقها الداخلي لأن السياق هو ما ينتج المعنى، وإن إنتاج أدواتها وخطابها الخاص ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة وجودية. يتعلق الأمر بـ "فرادة" التجربة، وفهم خصوصياتها، بعيداً عن أي محاولة لتقليد أو نسخ تجارب الآخرين . وأي حديث عن رفض حاجة هذه الحركة إلى "شرعية خارجية" أو مقارنة ميكانيكية مع غيرها، قد يغفل جوانب مهمة حول قيمة المقارنة والتعلم من تجارب التحرّر الأخرى. فالمقارنات التاريخية ليست مجرد استهلال أو تأمل فلسفي بلا طائل، بل أداة حيوية لفهم الواقع واستلهام الدروس وصياغة استراتيجيات مستقبلية. ورفضها ليس من العلم بشيء، بل أقرب إلى تمويه سياسي.
نظرياً، تعمل المقارنات كأداة لفهم الظواهر بشكل أعمق، وتوسيع أفق التفكير وطرح أسئلة جديدة، واكتشاف بدائل لم نكن نفكر فيها، وفهم ديناميكيات القوة والتغيير في سياقات مختلفة. وهذا يتيح الكشف عن الخصائص "الفريدة" لتجربتنا وتحديد ما هو خاص بالحركة أو المجتمع الفلسطيني، وما هو عام في تجارب التحرر الأخرى. كما تحقق المقارنات نقداً ذاتياً متوازناً ضمن معايير موضوعية نسبية لمنع الوقوع في أحكام سطحية أو إيديولوجية مسبقة.
إن رفض المقارنات التاريخية أمر مبالغ فيه، لأنه يمنع الحركة من استغلال أداة أساسية لفهم تجارب الآخرين، وتكييفها بما يناسب سياقنا الخاص. المشكلة ليست في وجود نماذج خارجية، بل في كيفية التعامل معها؛ إذ علينا فهم التجارب كـ"حالات دراسة"، وليس تحويلها إلى مرجعية مقدسة أو معيار تقويم للحركة التحررية الفلسطينية. بقدر ما يعني هذا من ثراء الفهم وزيادة مرونة التفكير وتقاطع (أو التقاء) ما هو نظري بما هو عملي تجريبي.
الادعاء بأن أي ربط بتجارب التحرر الأخرى هو شكل من أشكال الإرهاب الفكري يختزل النقد في صورة قاسية، ويغفل حقيقة أساسية: أي حركة تحرر تتقدم بنجاح تحتاج أن تكون "حالة" مفهومة ضمن التاريخ العالمي، لها أدواتها وخطابها واستراتيجياتها. الحقيقة أن المشكلة ليست في وجود نماذج خارجية، بل في إساءة استخدامها، لأن التجارب يجب أن تُفهم كـ"حالات دراسة". والادعاء عكس ذلك يغفل أن أي حركة تحرّر تحتاج إلى وعي عالمي لتطوير أدواتها وخطابها وفق واقعها. وهذا -لعمري- أشد حالات الانعزال الفكري المعيقة للإبداع.
رفض المقارنات التاريخية يعكس في كثير من الأحيان تورم الأنا الفكرية، أو شعور التفرد المفرط بالسيطرة على التحليل، مما يغلق الباب أمام التعلم الحقيقي، ويحول القرارات الاستراتيجية لمجرد أدوات لإثبات صحة رؤية مسبقة. هذا الموقف لا يتيح التفكير النقدي الحر، ويضعف الفهم الواقعي للحركة، ويجعل أي نقد داخلي مشروط بأطر خارجية أو أيديولوجية، بدل أن يكون مبنياً على دراسة دقيقة للسياق التاريخي والاجتماعي والسياسي.
لا يعبر رفض المقارنات التاريخية عن موقف معرفي صائب؛ كما أنه ليس مجرد اختلاف في تقويم الأحداث، بل غالباً ما يمثل موقفاً أو أداة سياسية، بحيث يبدو وكأنه نقد فكري.
علينا التفريق (التمييز) بين موقفنا السياسي ومنهجنا النقدي، فالنقد المنهجي يستند إلى فهم واعٍ للسياق الي هو كفيل بإنتاج المعنى. بينما الموقف السياسي المسبق يستخدم حجج شكلية لإضفاء عقلانية على الخيارات الإيديولوجية.
باختصار، إلغاء المقارنات بهذه الطريقة ليس منهجاً علمياً ولا نقدياً، بل أداة لإعادة إنتاج رؤية مسبقة، بغض النظر عن صحة التحليل أو معقولية النتائج أو فهم الواقع أو السياق التاريخي والاجتماعي.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى(51)
- انتفاضة الحجارة في زمن الإبادة والتطبيع والتنسيق
- قراءة في كتاب ستانلي ميلغرام. الطاعة للسلطة: وجهة نظر تجريبي ...
- انتفاضة الحجارة :بين العفوية و القصدية
- سوريا اليوم... نحو لغة سياسية جديدة
- زمن الضفادع: مجازات الطغيان في التجربة السورية
- جدل الصمت، الحضور الخفي وانكسار الإيمان
- دونالد ترامب وعصر ما بعد الحقيقة في الخطاب السياسي
- عن الطوفان وأشياء أخرى (50)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (48)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (49)
- قراءات في كتاب عصور الرأسمالية الأمريكية : تاريخ الولايات ال ...
- في معنى أن تكون فلسطينياً: -باراديم- الفعل السياسي والمعنى
- كيف يصبح الخوف مصنعاً لحكايات -الغولة-
- أنطولوجيا الخوف في ظل الدولة الأسدية
- من -الكيانية- إلى -الفلسطينيزم-: تحولات الوعي الفلسطيني بين ...
- المثقف السمسار والمستعمِر: التبعية والهيمنة
- ما بعد إيران: صعود نموذج -القوة الوظيفية- وانحسار استراتيجية ...
- رائحة الحياة الأولى: حكاية الجيوسمين
- إيران في عمق التداعيات والتحولات الجيوسياسية: هامش تحليلي


المزيد.....




- صحيفة التايمز: لقاء بين وفدين إسرائيلي ويمني
- عون: تطور العلاقات مع سوريا -بطيء-.. وجاهزون لترسيم الحدود
- إدارة ترامب تستعين بشركات خاصة لشنّ -حروب سيبرانية-
- ماذا قال ترامب عن ظهوره في صور من أرشيف إبستين؟
- الزعيم كيم يكرّم وحدة عسكرية شاركت في معارك كورسك بروسيا
- هل ستصادر أمريكا المزيد من أصول النفط الفنزويلية؟.. ترامب ير ...
- بيانات ملاحية تكشف تحركات عسكرية.. ما الذي يجري قبالة الساحل ...
- ظهور ترامب وكلينتون وغيتس في مجموعة جديدة من صور إبستين
- مصادر لرويترز: أميركا حجبت معلومات مخابرات عن إسرائيل خلال ع ...
- أميركا حجبت معلومات مخابراتية عن إسرائيل خلال عهد بايدن


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان واشياء أخرى (52)