أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (50)















المزيد.....

عن الطوفان وأشياء أخرى (50)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 04:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


من أوسلو إلى انتداب ترامب
يقال إن اتفاق أوسلو كان أسوأ من النكبة*، لأنه يمثل- مهما حاولنا قراءته بلغة متفائلة- لحظة انحراف استراتيجي في مسار القضية الفلسطينية.
نعم.. إنه لحظة انحراف، أكثر منه لحظة انعطاف ضمن سياقات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية على مدار قرن تقريباً.
ومن أبرز ملامح تلك اللحظة أنها حولت م ت ف من حركة تحرر وطني إلى سلطة ذات سيادة محدود تستمد وجودها _حياتها إن شئنا الدقة- من الاحتلال ذاته، وينقلها من موقع المواجهة مع المحتل إلى موقع الشراكة "منقوصة" معه.
يستطيع كثير منا القول بثقة أن الهدف من أوسلو لم يكمن إنهاء الاحتلال، وإنما إعادة تدويره بإيجاد إدارة مدنية فلسطينية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية أمنياً واقتصادياً وسياسياً**، ولا تقل محادثات كامب ديفيد 2000 سوءً عن أوسلو، فقد أكّدت منطق «السلام المشروط بالهيمنة» بدفع الفلسطينيين نحو تقديم تنازلات صريحة عن القدس الشرقية وحق العودة، مقابل الحصول على وعود ومسارات لـ "كيان" ناقص الأهلية والسيادة.
أما خطة ترامب "العشرينية" فتذهب أبعد من ذلك بكثير. فهي لا تعرض شراكة من أي نوع، ولا حتى تسوية، سواء أكانت منقوصة أو مجحفة، بل تفرض الاستسلام الكامل. فهي تلغي أي تمثيل سياسي حقيقي للفلسطينيين، وتنزع عنهم مطلبين، بالأحرى حقين أساسيين لطالما سالت الدماء بسببهما: الحق في المقاومة (الذي صارت تصنفه خطة ترامب إرهاباً يعاقب عليه المقاوم وعليه أن يطلب العفو مقابل التخلي عن سلاحه***)، والحق في السيادة (عبر مقترحات بوضع غزة تحت وصاية دولية واستبعاد الضفة الغربية من أي سيادة مستقبلية).
باختصار، تسعى خطة ترامب بالتنسيق التام مع إسرائيل إلى تفكيك القدرة السياسية الفلسطينية، وإعادة إنتاج تجربة الانتداب الكولونيالي، حيث يعاد رسم خريطة شعوب المنطقة وفق منطق الوصاية الدولية، باستخدام أدوات تحقق المزيد من الهيمنة الخارجية؛ الاقتصادية والسياسية. وإعادة صياغة إنتاج العنف الاستعماري بصيغة إدارية ناعمة، استكمالاً لمقولات أوسلو وواي ريفير وكامب ديفيد وغيرها.
لقد استطاعت إسرائيل، باصطفاف موضوعي إقليمي مضمر أحياناً وصريح في أحيان أخرى، أن تسحب من الفلسطينيين- بموجب أوسلو- أدوات الصراع السياسي كافة، ودفعهم إلى بيروقراطية مطيعة؛ فأضحى «المناضل» موظفاً يتقاضى راتبه عبر آليات التنسيق الأمني، وتحول «الوطن» إلى مشروع ممول دولياً، وصارت «الثورة» ذكرى سنوية في عروض المانحين. وقد عملت هذه البيروقراطية بصفتها سمسار- أو مقاول بالباطن في أحسن الأحوال- تقوم بوظائف ومهام الضبط والمراقبة بدل المواجهة، وتنفذ أوامر الحاكم العسكري، بما يخدم منطق الاحتلال.
إن مثل هذه البيروقراطية لا تدير الاحتلال، بل تبيعه للفلسطينيين كسلطة "وطنية" يجب الدفاع عنها. إذا لم تعد إسرائيل بحاجة إلى حكم عسكري مباشر في الضفة الغربية؛ فالسلطة تقوم بالمهمة بدقة تفوق أحياناً أدوات الاحتلال نفسه.
تأتي خطة ترامب اليوم لتسلط الضوء على ما حذرت منه الأدبيات السياسية الفلسطينية منذ عقود من مخاطر هذه المسارات الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وخطر شطب "الكيانية الفلسطينية"، برفض التفاوض مع م ت ف وعدم الاعتراف بالسلطة الحالية كمرجعية مستقبلية، بل وحتى إنكار وجود شعب له حق تقرير مصيره. وما الحرب الراهنة في غزة، بكل ما حملته وتحمله من إبادة ممنهجة وتجريدٍ للإنسانية، إلا كشف عملي عن الجوهر الثقافي والسياسي لمؤسسات وسلوكيات المجتمع الإسرائيلي، الذي يرى في الفلسطيني «موضوعاً قابلاً للإزالة» وتهديداً وجودياً.
فما يجري طرحه اليوم من «إدارة انتقالية» لغزة تحت إشراف أمريكي-إسرائيلي، مع وعود غامضة لمشاركين فلسطينيين غير محددين، يعيد إلى الواجهة تلك المحاذير والأخطار في صورة عملية. وتكشف هذه البنية عن منطق الإمبريالية الأمريكية والغربية التي تفترض امتلاكها قدرة مطلقة على تدمير من يقف في طريقها، لكنها في ذات الوقت تحاول تجنب تكلفة التدخلات المباشرة. حيث ينتهك العنف شرعية حقوق الشعوب ويقوض القيم الأخلاقية الإنسانية.
ومن أوسلو إلى خطة ترامب الانتدابية، أعيد تصميم الفعل الفلسطيني برمته، وتحولت مقاومة الاستعمار إلى إدارة وهندسة متقنة للفعل الفلسطيني ليخدم منطق الهيمنة وإعادة إنتاجه على الأرض.
كم هو محزن أن يتحول أرشيف الشهداء إلى عروض "باوربوينت" للمانحين.
.....
* في الحقيقة ما زالت النكبة أكبر خطر وجودي تعرض له الفلسطينيين فهي ليست مجرد هزيمة عسكرية، وإنما بداية تفكيك المجتمع الفلسطيني، بسبب التهجير ومصادرة الأرض والاستيلاء عليها وفرض هيمنة عسكرية مباشرة على الأرض بقوة الاحتلال. وقد مثل هذا التحول التاريخي "نقطة الانطلاق الاستعمارية" لفلسطين الحديثة، أي دولة غير موجود فعلياً ومجتمع مشتت وموزع بين كيانات تحت سيطرة مباشرة وغير مباشرة.
**للمزيد، انظر، "فلسطين: وطن للبيع"، مؤسسة روزا لوكسمبورغ، رام الله 2011 (النسخة العربية 2014). يشير نخلة إلى أن فلسطين "لم تُبع في المؤتمرات والاتفاقيات فحسب، بل جرى خصخصتها على شكل رواتب ومشاريع ومناصب".
*** من أخطر ما تدعو إليه خطة ترامب، نزع سلاح المقاومة. إن مخاطر التخلي عن السلاح يجعل من الفلسطيني طرفاً ذي كلفة صفرية، فضلاً عن فقدان ورقة تفاوضية مهمة. ثمة نقطة نفسية مهمة داخل المجتمع الإسرائيلي هنا، إذ يمثل نزع سلاح المقاومة لهم قبول أو اقتناع الطرف الفلسطيني باختيار "الحلول الإدارية" وهذا يعني البحث عن "حل إداري" لهم، ما يلغي تماما فكرة الحقوق السياسية كافة. عدا عن جعل السكان المدنيين في الضفة وغزة والداخل عرضة لأبشع السياسات العنصرية والتهجير. و التخلي عن السلاح ليس قراراً تقنياً بقدر ما هو تغيير جذري في موقع القوة والشرعية. وهو ترجيح لمبدأ «الاستسلام السياسي» كبديل عن التفاوض الفاعل؛ ونتيجته المباشرة أن يصبح الفلسطيني طرفاً يسهل فرض الشروط عليه. وفي سياق خطة ترامب، يقرأ نزع السلاح بصفته شرطاً مسبقاً لفرض وصايات أو إدارات انتقالية، أو انسحابات... إلخ. وتظهر التجارب العملية أن الفراغ الأمني أو التفريغ من عناصر القوة لا يفتح بالضرورة باباً للمناورة السياسية، بل يفرض، أحياناً، حصار وتهجير وابتلاع أرض جديدة ووصايات جديدة. وفي العموم- ولكي لا يتهمنا أحد بالعدمية ورفض جميع الحلول- إن الاحتفاظ بحق المقاومة لا يبرر العشوائية أو المزاجية أو الفصائلية في استخدام السلاح، فالشرعية الأخلاقية والقانونية هي أساس أي مقاومة ناجحة. ويعني تنازل الفلسطيني عن سلاحه، عملياً، التخلي عن أي قدرة فعلية على المقاومة المسلحة ضد الاحتلال أو أي أداة ضغط على إسرائيل. وهذا لا يقتصر على البند العسكري وحده، بل يشمل فقدان وسائل الردع والقدرة على فرض أي شروط على الأرض ومقاومة إملاءات الاحتلال والسياسات الأمريكية-الإسرائيلية. وتحويل "المقاوم" إلى موظف مقيد بالتنسيق الأمني، وواجهة للهيمنة الإسرائيلية. إلى جانب التخلي التام عن جزء أساسي من الهُوية الوطنية وحق تقرير المصير، وتسليم كامل لأدوات السيطرة، ومحو القدرة على الصمود والمقاومة.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (48)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (49)
- قراءات في كتاب عصور الرأسمالية الأمريكية : تاريخ الولايات ال ...
- في معنى أن تكون فلسطينياً: -باراديم- الفعل السياسي والمعنى
- كيف يصبح الخوف مصنعاً لحكايات -الغولة-
- أنطولوجيا الخوف في ظل الدولة الأسدية
- من -الكيانية- إلى -الفلسطينيزم-: تحولات الوعي الفلسطيني بين ...
- المثقف السمسار والمستعمِر: التبعية والهيمنة
- ما بعد إيران: صعود نموذج -القوة الوظيفية- وانحسار استراتيجية ...
- رائحة الحياة الأولى: حكاية الجيوسمين
- إيران في عمق التداعيات والتحولات الجيوسياسية: هامش تحليلي
- حدود السلطة على النص
- العقوبات الاقتصادية على إيران: هندسة جديدة للشرق الأوسط
- ما بعد الطوفان : تفكك -الهلال الشيعي- والنظام الإقليمي الجدي ...
- من بلفور إلى ترامب: الدلائل الجوهرية
- الحصار الأخلاقي: عن عسكرة التفوق اليهودي في إسرائيل
- عن الطوفان وأشياء أخرى (47)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (46)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (45)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (44)


المزيد.....




- ترامب: ندرس ترحيل عائلة رحمن الله لاكانوال المشتبه به في إطل ...
- ترامب: العمليات البرية ضد عصابات المخدرات في فنزويلا ستبدأ - ...
- تونس: قلق أوروبي إزاء -تدهور دولة القانون والحريات الأساسية- ...
- إيداع الصحافي الجزائري سعد بوعقبة الحبس الاحتياطي على خلفية ...
- توتر بين الصين واليابان بشأن تايوان: هل تخطت طوكيو خطاً أحمر ...
- ترامب يأمر بمراجعة شاملة لطلبات اللجوء المعتمدة في عهد بايدن ...
- نتنياهو يعقد اجتماعا طارئا لبحث جبهة لبنان
- فيديو.. إسرائيل تقتل رجلين في الضفة رغم استسلامهما
- إسرائيل تشن ضربات جديدة ضد حزب الله جنوب لبنان
- منعطف جديد للحرب في السودان.. ضغوط غربية على حكومة البرهان


المزيد.....

- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (50)