أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - ما بعد الطوفان : تفكك -الهلال الشيعي- والنظام الإقليمي الجديد















المزيد.....

ما بعد الطوفان : تفكك -الهلال الشيعي- والنظام الإقليمي الجديد


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 02:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كشف "طوفان الأقصى"، في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة، عن تحولات جيوسياسية عميقة سوف تعيد، في المدى المنظور والبعيد، تشكيل خريطة النفوذ في الشرق الأوسط. إذ لم تعد المنطقة كما عهدناها، فإيران التي ظلت لعقود تطرح نفسها في طليعة محور المقاومة، تكشف اليوم عن هشاشة هذا الدور وبالتالي هشاشة مشروعها الإقليمي برمته. بينما تبرز تحالفات غير مسبوقة تعيد تعريف معادلات القوى في المنطقة. لقد كان "طوفان الأقصى" اختباراً حقيقياً لمدى مصداقية المشروع الإيراني. فرغم الخطاب الناري، الذي لا ينقطع عن دعم المقاومة وحماية المقدسات، وقفت طهران عاجزة عن تقديم دعم فعلي حينما احتاجها الفلسطينيون. ويكشف هذا التناقض، بين الخطاب والممارسة، زيف الادعاء الإيراني وترهل أحد أهم ركائز شرعيته في المنطقة.
وما يسمى بـ"الهلال الشيعي"، ذلك المشروع الجيوسياسي الذي راود مخيلة صناع القرار في طهران-كما يعتقد البعض- يبدو اليوم خريطة بالية لم تعد تعكس الواقع. فمن العراق إلى اليمن مروراً بلبنان وسوريا، تتناثر أجزاء من هذا الهلال الممزق، حيث تتصارع الميليشيات الموالية لإيران مع واقع جديد لم تعد فيه الولاءات الطائفية كافية لضمان الاستمرار. لقد تحول هذا الهلال من كتلة جيوسياسية متماسكة(؟) إلى شبكة هشة من التحالفات المتنافرة، تتصارع فيها المصالح المحلية مع الأجندات الإيرانية.
عملياً، فشلت إيران في ترجمة هذه الشعارات إلى دعم مباشر وفعّال، ما يعني تراجع "الرمز" مقابل ثبات، بالأحرى عناد "الواقع"، مما يحيل إلى إخفاق إيراني من تحقيق مكاسب حقيقية، هي أو حلفائها في المنطقة، أو ردع العدوان الإسرائيلي.
ويبرز هذا الإخفاق أكثر ما يبرز على هيئة أزمة في "الرمزية" التي اعتمدت عليها النظام في إيران لإضفاء شرعية على مشروعه السياسي (لقد حول دخول إيران على خط الحروب الأهلية نظام "الثورة الإسلامية" من رمز للرفض إلى قوة طائفية، خصوصاً بعد تواطؤها في جرائم نظام الأسد.).
وإلى جانب انهيار مشروع الهلال الشيعي كإطار تعبوي تأسيساً على بناء تكتل طائفي، يعزز النفوذ الإيراني في العراق ولبنان واليمن (سوريا خرجت عملياً من هذا التكتل بعد الثامن من كانون الأول 2024).
لكن واقع ما بعد "الطوفان أظهر محدودية هذا التحالف، بسبب الانقسامات الداخلية بين قوميات المنطقة (العرب والكرد والفرس والأتراك)،التي أثبتت هشاشة هذا البناء الطائفي. علاوة على محدودية التأثير الشعبي في العالم العربي الذي بات يبحث عن حلول أخرى.
في المقابل، يشهد الشرق الأوسط ولادة نظام إقليمي جديد تقوده تحالفات غير مسبوقة. فالتعاون الاستخباراتي والأمني بين إسرائيل ودول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، لم يعد أمراً سرياً، بل أنه تجاوز حتى مرحلة التنسيق السري إلى شراكة استراتيجية علنية، تقوم على أسس متينة من المصالح المشتركة والرؤى المتقاربة. فإسرائيل، التي ظلت لعقود "الكيان المغتصب" في الخطاب العربي الرسمي، تتحول اليوم إلى "الشريك الاستراتيجي" في معادلة الأمن الإقليمي، ولم تعد تل أبيب دولة محاصرة، بل قوة إقليمية عظمى تقدم نفسها كمزود رئيس للأمن والتكنولوجيا في المنطقة. ويمثل هذا التحول الجذري في الدور الإسرائيلي أحد أهم نتائج المتغيرات الإقليمية الأخيرة.
علماً أن آليات الهيمنة في هذا النظام الجديد تختلف جذرياً عن سابقاتها. فبينما اعتمدت إيران على الميليشيات والحروب بالوكالة، يعتمد التحالف الجديد على حروب الجيل الخامس التي تجمع بين القوة السيبرانية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن شبكة معقدة من التحالفات الاقتصادية التي تعيد تشكيل خريطة المصالح في المنطقة. ولم تعد الثنائيات التقليدية التي ظلت تحكم فهمنا للصراع في الشرق الأوسط - مثل مقاومة مقابل تطبيع - قادرة على تفسير الواقع الجديد. فنحن لحاجة إلى توليد مفاهيم تحليلية جديدة لفهم هذا المشهد المعقد، حيث لم يعد "الهلال الشيعي" هو الإطار التحليلي الملائم، وحلت محله مفاهيم مثل "الشبكات الجيوسياسية المتشابكة" و"التحالفات المرنة متعددة الأقطاب".
فإسرائيل، الآن، تملك القدرة على تحديد مسارات الصراعات وبناء التحالفات وفرض السياسات التي تتناسب مع مصالحها، عبر شبكة واسعة من العلاقات السياسية والأمنية. كما أصبحت الراعي الأمني الإقليمي والمزود الرئيس للتكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية، ومصدر الثقة لأمن للدول الخليجية وشركاء آخرين بما يعزز من نفوذها بشكل مباشر وغير مباشر.
ويعكس تسارع التطبيع والعلاقات الاقتصادية معها تحولاً في طبيعة الارتباطات الاقتصادية، حيث باتت إسرائيل، منذ عقود، مركزاً للتكنولوجيا المتقدمة والاستثمارات وطريق حيوي لربط اقتصادات المنطقة. وهذا ما يسمح لها بتعزيز مكانتها المرجعية الإقليمية من خلال الضغط على المؤسسات الدولية، والتحكم في الخطاب الإعلامي، وإعادة صياغة الروايات التاريخية والسياسية.
في ضوء كل هذا، سوف تتعامل القوة الأمريكية-الإسرائيلية بحسم مع أي محاولة للانفلات من الهيمنة. ولن يتردد هذا التحالف في استخدام أدوات القوة الاقتصادية أو العسكرية أو لاستخباراتية وحتى الحصار والحروب الوكالة والتدخلات المباشرة أو غير المباشرة. في وجه من يقف في طريقهما.
يشهد الشرق الأوسط لحظة تحول تاريخية، حيث تتراجع قوى وتصعد أخرى، وتتغير التحالفات وتتبدل الاستراتيجيات. وما من شك أن النظام الإقليمي الناشئ يحمل في طياته بذور صراعات جديدة، لكنه بلا ريب يختلف جذرياً عن كل ما عرفناه في العقود الماضية.
تفرض التحولات الراهنة ضرورة مراجعة شاملة للسياسات الأمنية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، وتبني مفاهيم جديدة تعكس الواقع المتغير. ويبقى التفوق الإسرائيلي-الأميركي-الخليجي العامل الحاسم فيه، مما يحتم على الدول العربية إعادة ترتيب أوراقها بسرعة ووعي، لتجنب المزيد من التهميش وضياع فرص بناء مستقبل مستقر. فقد تغيير منطق الصراع حيث لم تعد الثنائية التقليدية بين محور المقاومة ومحور التطبيع تعبر عن الواقع، بل ظهرت مفاهيم جديدة تعبر عن محور جديد عنوانه "التفوق الاستراتيجي" الذي يجمع بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول خليجية.
في حين سوف تعيش إيران -قليلاً أو كثيراً- في فضاء متشظي كتوصيف مؤلم لدرجة تفكك الهيمنة الإيرانية. وسوف يعتمد تحالف التفوق الاستراتيجي على مبدأ الردع الاستباقي المتكامل، كاستراتيجية أمريكية إسرائيلية خليجية جديدة متعددة الأبعاد، وسوف تكون مكانة إسرائيل الجديدة محفوظة على هيئة هيمنة استراتيجية إقليمية، في إطار تحالفات ديناميكية متعددة الأقطاب لتحاصر أي محاولات تركية طموحة لقيادة المنطقة تعكس الطبيعة المرنة للعلاقات الإقليمية والدولية. مما لا شك فيه أن السعودية والإمارات لعبتا أدواراً محورية في تعميق ضعف إيران عبر تنسيق استخباراتي وأمني مع الولايات المتحدة وإسرائيل، واعتماد استراتيجيات ردع هجومية متقدمة، وتشكيل جبهة متماسكة ضد النفوذ الإيراني عبر الانخراط في اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. (ليس سراً الحديث عن الاستثمارات الإماراتية في بناء منظومات دفاع جوي متقدمة، وتطوير برامج طائرات مسيرة هجومية استخدمت بنجاح في اليمن وأماكن أخرى، والحديث يمتد إلى توسيع السعودية وسعت نطاق التعاون مع إسرائيل، خاصة في مجالات الحرب السيبرانية، والمراقبة الإلكترونية، والتدخلات السرية ضد شبكات الدعم الإيرانية.)
ويبقى السؤال : هل ستتمكن القوى الإقليمية من التكيف مع هذا الواقع الجديد، أم أننا أمام فجر حقبة من عدم الاستقرار الأطول والأعمق؟



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بلفور إلى ترامب: الدلائل الجوهرية
- الحصار الأخلاقي: عن عسكرة التفوق اليهودي في إسرائيل
- عن الطوفان وأشياء أخرى (47)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (46)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (45)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (44)
- The Company You Keep حلم ثورة لم تأتِ
- عن الطوفان وأشياء أخرى (43)
- ثمة مدزرة هنا :الصورة التي نزفت معناها
- عن الطوفان وأشياء أخرى(42)
- -الفلسطينزم- والسؤال الأساس للمثقف
- تاجر البندقية: The Merchant of Venice أو سرديات الغنيمة
- ما بعد إيران... أم ما بعد الخطاب؟
- عن الطوفان وأشياء أخرى (41)
- عنتريات السيادة في العصر الإسرائيلي: لبنان المقاطعجي نموذجاً
- عن الطوفان وأشياء أخرى 40
- عن الطوفان وأشياء أخرى (38)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (39)
- قراءة في كتاب -المملكة الكتابية المنسية-: حين يغمس إسرائيل ف ...
- عن الطوفان واشياء اخرى (37)


المزيد.....




- إيتاي تشين.. إسرائيل تعلن تسلمها رفات آخر رهينة أمريكي إسرائ ...
- الأزمة الجزائرية الفرنسية: ماكرون يمد يده لتبون؟
- لبنان قد يخفض أو يلغي كفالة الإفراج عن هنيبال القذافي بحسب م ...
- موريتانيا: المحكمة العليا تثبت الحكم بسجن الرئيس السابق محمد ...
- فرنسا: رئيس الوزراء سباستيان لوكورنو يجدد رفض إلغاء اتفاقية ...
- الانتخابات الأمريكية المحلية: -اختبار- للديموقراطيين والجمهو ...
- القوة الدولية في غزة كما تراها إدارة ترامب
- مشوع قانون المالية لسنة 2026: طاحونة الشيء المعتاد (2)
- بوتين: صاروخ -بوريفيستنيك- يضمن أمن روسيا لعقود
- صور..كنوز توت عنخ آمون تعرض لأول مرة في المتحف المصري الكبير ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود الصباغ - ما بعد الطوفان : تفكك -الهلال الشيعي- والنظام الإقليمي الجديد