أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى 40














المزيد.....

عن الطوفان وأشياء أخرى 40


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 04:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


-الإسكات Silencing
الشعب لا يخون... لكن المثقف قد يخون
الشعب لا يساوم... لكن النخبة قد تساوم
الشعب لا يموت... المثقف الخائن والنخبة المساومة ينتهون... إلى مزابل التاريخ مجازاً وحرفياً وعملياً.
يتحدث ميشيل فوكو في تحليله لعلاقة السلطة بالمعرفة عن آليات تشكيل الخطاب عبر الرقابة والضوابط المؤسسية والاجتماعية التي تفرض ما يعتبر "صحيحاً" أو "مقبولاً" وتقصي ما سواه.
فالإسكات هنا جزء عضوي من منظومة السلطة والهيمنة، وأداة لإدارة علاقات القوة وتعيين حدود ما يمكن قوله ومن له الحق في الكلام.
وفي السياقات الاستعمارية يتحول الإسكات إلى سياسة مركزية غايتها النهائية إخضاع الشعوب*، وفرض نظام معرفي وثقافي وسياسي يُعزز الهيمنة ويعيد تشكيل بنية القوة داخل المجتمع المستعمَر للسيطرة على الرموز الثقافية والمعرفية عبر بالتحكم في الخطاب والرواية. ليبدو كأنه "صيرورة" نسقية نشير بها إلى مجمل عمليات منع أو قمع التعبير عن الأفكار، أو المشاعر، أو الآراء للأفراد، أو الجماعات السياسية وغير السياسية؛ لمصلحة هُوية، أو جماعة أو ثقافة مهيمنة.
وتسلك مركزية الخضوع بالإسكات الاستعماري ممارسة قمعية ممنهجة ضد السكان الأصليين لإخضاعهم وسلبهم صوتهم وحقهم في التعبير عن أنفسهم أو إشهار روايتهم، ومنع "صوت" التاريخ الأصلي واستبداله برواية استعمارية تقدم المستعمِر كمنقذ أو كصانع للحضارة لمنع و"إسكات" أي تعبير عن المقاومة أو المعارضة، باستخدام عنف مادي مباشر وقوانين (كم هو المستعمِر مغرم بالقوانين التي تضفي عليه هالة من الهيمنة الرمزية والشرعية)، ورقابة تُجرم أي خطاب يتحدى الهيمنة الاستعمارية.
فتتحول اللغة والصورة إلى ساحات معركة، حيث يعاد تشكيل المفردات والمعاني لخدمة مشروع السيطرة، بينما يُصوَّر خطاب المقاومة بأنه "بدائي" أو "غير عقلاني" أو "إرهابي"، تمهيداً لتبرير قمعه.
الإسكات في الواقع ليس فعلاً عرضياً، إنه جزء أساسي من مشروع تفريغ المجتمع من قدرته على المقاومة والتعبير، وإعادة تشكيله وجعله تابعاً لصوت المستعمِر، يتحدث لغته.. وهذا يعني أن يختار المستعمِر إعلاء أصوات محددة دون غيرها وتوجيهها بما يخدم مشروعه فيعليها ويمنحها شرعية لخدمة أجندته عبر الوكلاء -أفراد أو مجموعات من المجتمع- غالباً هم من النخب الاقتصادية أو الثقافية، ويدعم أصواتهم لتكون ممثلة، بزعمه، للمجتمع، لتتحدث بلغته وتروج لرؤيته، فتمحى الأصوات الحقيقية، وتستبدل بأخرى معدة مسبقاً لتكرار الرواية المهيمنة وإعادة صياغة اللغة في إطار ثقافي معين سيجعل الأصوات الأخرى غير مسموعة أو "غير مفهومة" باعتبارها أصوات "بدائية" أو "غير مناسبة" أو "إرهابية" أو "متطرفة" أو "جهادية" ... إلخ ،(القصد هنا الأصوات بالمعنى المقابل للإسكات، وليس اللغة بمعناها الخاص)، مما يمنح المستعمِر ذريعة لإسكات المقاومة أو تحييدها.
لا يبقى الإسكات، بهذا المعنى، عملية منع، وإنما أداة إعادة تشكيل المجتمع و"صوته" للتماهي مع رؤية المستعمِر ومشروعه. وهو حين يجعل المجتمع يتحدث، بصوته، فإنما يعمل على حجب الأصوات الحقيقية والمقاومة. وتعمل ديناميكية الإسكات على إعادة إنتاج علاقات القوة بما يضمن بقاء المستعمِر في مركز الهيمنة وهيمنة منتجه الثقافي وقيمه، ليعيد تشكيل هوية السكان الأصليين ويجعلهم يتبنون قيمه ومعاييره.
في الحالة الفلسطينية، يتخذ الإسكات أشكالاً أكثر تعقيداً، إذ يقتات على "النفاق" الغربي الذي يبرر الرواية الإسرائيلية ويقيد الرواية الفلسطينية لمصلحة المشروع والتاريخ الإسرائيلي، أو أحد أسبابه أو نتائجه. (حظر فعاليات BDS في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وتجريم استخدام مصطلحات مثل "الأبارتيد الإسرائيلي" في بعض المنابر الإعلامية، بدعوى "معاداة السامية" وحظر رفع الأعلام الفلسطينية أو ارتداء الكوفية... وغيرها كثير)
لا يكتفي هذا النفاق لا يكتفي بتهميش الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، بل يسهم في محوها من المجال العام، ما يجعل الإسكات حلقة متقدمة في تفريغ الوعي المقاوم. وتكون النتيجة النهائية: فرض الرواية الإسرائيلية كحقيقة وحيدة، وتجريد الفلسطينيين من حقهم في تمثيل أنفسهم سياسياً وثقافياً وديموغرافياً.
نحن نعلم عدم اقتصار تأثير هذا النمط من السيطرة على المجال السياسي، بحكم تجربتنا الطويلة مع المستعمِر**، فالسرديات الكبرى التي ينتجها المستعمِر تخترق الوعي، فتدفع بعض الأفراد إلى التشكيك في شرعية أفكارهم، أو التراجع عن التعبير عنها، تحت ضغط معيشي أو ثقافي يخنق النقاش الحر ويشلّ الفكر النقدي. ومن هنا يكون الإسكات جزءً من سياسة "الفناء الطبيعي" للسكان الأصليين: بالاستيلاء على الأرض، وتدمير البيئة، وتحجيم القدرة على التعبير، والسيطرة على اللغة والثقافة.
الصورة في الحادي عشر من آب الجاري 2025، قُتل مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، إلى جانب زملاء لهما في خيمة إعلامية قرب مستشفى الشفاء بغارة إسرائيلية. القتل جاء أثناء تقديمهم تغطيات مباشرة للعدوان، وأثار موجة غضب دولية، واعتُبر "اغتيالاً بوعي" لتصفيتهم كآخر الأصوات المستقلة في غزة
.....
* اعتمدت الإدارة البريطانية في فلسطين (1920–1948) على قوانين الطوارئ لمنع الصحف العربية المعارضة من الصدور، مثل إغلاق صحيفة "فلسطين" عدة مرات، وفرض رقابة مسبقة على المقالات التي تنتقد الانتداب أو الهجرة الصهيونية، و كان الهدف واضحاً: إسكات الأصوات، وتضييق الحيز العام أمام أي خطاب مقاوم.
** في الانتفاضة الأولى (1987–1993)، على سبيل المثال، أغلقت سلطات الاحتلال أكثر من 40 مؤسسة ثقافية وتعليمية في الضفة الغربية، بينها جامعة بيرزيت لفترات طويلة، وأغلقت الصحف والمجلات المحلية، بهدف حرمان الفلسطينيين من فضاءات إنتاج خطابهم الذاتي.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (38)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (39)
- قراءة في كتاب -المملكة الكتابية المنسية-: حين يغمس إسرائيل ف ...
- عن الطوفان واشياء اخرى (37)
- عن الطوفان واشياء أخرى (35)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (35)
- عن الطوفان واشياء أخرى (34)
- الطوق والأسورة: من الرواية إلى السينما... ميلودراما عجزت عن ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (33)
- -مأساة النرجس، ملهاة الفضة-... عن تجربة بنيوية في ذاكرة شخصي ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (32)
- -شقيقات قريش-: قراءة أنثروبولوجية في سرديات العرب الكبرى
- فاضل الربيعي: رثاء بفكرة مؤجلة (إعادة قراءة)
- قراءة في -دروس الحرب والهزيمة-: عبرة العرب من هزيمتهم
- ستة أقدام بحجم قبر. قصة قصيرة
- عن الطوفان وأشياء أخرى (31)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (30)
- الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (29)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (28)


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: شرخ في القيادة الأمنية بسبب تعيينات في الجيش ...
- ذعر في شرق أوكرانيا بسبب -صفقة ترامب وبوتين- المحتملة.. ما ا ...
- قمة ألاسكا.. كيف يمكن لترامب أن يحقق نجاحا خلال التفاوض مع ب ...
- -سنتحول من دولة ميتة إلى فاشلة-.. -العدل- الأمريكية تحذر من ...
- هل تحتاج روسيا إلى 100 عام للسيطرة على أوكرانيا؟
- ترامب يقول إنه سيحاول إعادة أراضٍ لأوكرانيا في محادثاته مع ب ...
- ترامب يمدد الهدنة التجارية مع الصين تسعين يوما قبل ساعات من ...
- حفتر يعين نجله صدام نائبا له
- ترامب عن خطة إسرائيل بشأن غزة: تذكروا السابع من أكتوبر
- ثلاثة خيارات صعبة أمام حزب الله


المزيد.....

- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى 40