أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (33)














المزيد.....

عن الطوفان وأشياء أخرى (33)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8342 - 2025 / 5 / 14 - 02:52
المحور: القضية الفلسطينية
    


نقد الوعي البصري في تشكيل سردية الحرب والمقاومة
يحدث أن تخرج الصورة، أحياناً، عن السيطرة، وباعتبارها سردية بصرية سوف تؤثر على المتلقي بشكلها ومحتواها من ثلاثة جوانب رئيسة: ذائقة المتلقي الجمالية، تحصيله التعليمي والثقافي، ومرجعيته المرتبطة بحزب/ تنظيم -إن وجدت-. وسوف تشكل هذه الجوانب الأدوات المعرفية اللازمة للتفاعل مع الصورة سواء كانت هذه الأخيرة ثابتة أم متحركة، لتشكيل ما يطلق عليه، الأخ رولان بارت، "العتبة التأويلية" التي ستكون المنطلق لتقويم رسالة الصورة، سواء بتبني مضمون الصورة أو رفضه أو نقده.
فالصورة معدّة أصلاً لتصدق، لأنه يجري تقديمها بوصفها الأقرب إلى الحقيقة من الكلمة، ولست أدري أين قرأت كيف أن التصوير "لا يكتفي بالتوثيق، بل يصنع وقعاً موازياً يعيد تشكيل نظرتنا للأحداث". ألا يقال إن الصورة لا تكذب، والعين لا تكذب، وكأن ترى ليس كأن تسمع. ولعل هذا ما ينطبق على العمل الفني البصري باعتباره "صورة" بطريقة ما.
في محطات النضال الفلسطيني المتعددة لعبت الصورة/ الملصق دوراً مهماً، فقد كان كافياً للقطة واحدة أن تختزل تاريخاً وتثير نقاشاً سياسياً محتدماً ، وقد يتحول البعض منها إلى أيقونات وطنية ورموز عالية القيمة مثل صورة الرئيس ياسر عرفات ودلال المغربي ومحمد الدرة، وتوقيع ناجي العلي (حنظلة) وغيرها الكثير. لافت للنظر أن هذه الأيقونات حافظت على سياقاتها كما هي حتى في ظل التبدلات السياسية والاجتماعية وهذا يؤكد ما سبق عن أهمية الصورة وطريقة إعداداها لتكون برنامج أو جزء من برنامج أو "هوية". ومن الواضح حين نقول إنها أيقونات فإننا نقصد انحيازها وتوجهها – عدم حياديتها- بسبب دورها الوظيفي.
لكن خطورة الصورة لا تكمن فقط في رمزيتها، بل في قابليتها للتلاعب. في العدوان المتواصل على قطاع غزة، ظهرت نسخ معدلة من صور الشهداء والمصابين، وقد أُعيد إنتاجها بتقنيات الذكاء الاصطناعي، كما في حالة صورة "روح الروح" أو الصور المتعددة لوائل الدحدوح، (حيث بدا وجهه مفرغاً من الانفعال)، أو صور أطفال غزة،ـ والكثير غيرها. وأظهرت معالجة صور الذكاء الاصطناعي عدم احترافية واستخفاف في رسالة الصورة، فظهرت الصور "نظيفة" و "معقمة" و "ناعمة"" كمحاولة لتلطيف أصحابها إلى درجة شديدة الحيادية بحيث انتزعت منها "الحرارة" الإنسانية المفترضة للتعبير عن الحالة التي يعيشها صاحب الصورة، فأفرغتها من دلالاتها الأخلاقية والوجدانية ومعيش المجزرة اليومي، كما أنها تذكرنا ( على الأقل تذكرني أنا شخصياً) بالبروباغاندة الصهيونية التي تعمدت خلق حالة هلامية غير واضحة لضحايا الهولوكوست من خلال صبغهم بصفات فوق إنسانية (وبالتالي غير إنسانية) ووضعهم ووضع ألمهم في مراتب مبهمة (يحضر في ذاكرتي مقاربة التصور الأيقوني للطفلة آن فرانك في المخيال الغربي) وكذلك الاستعراض الفاشل لأقارب الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قبل عدة أشهر في لاهاي، فمن كان يسمع لهم سيعتقد أنهم لا يتحدثون عن بشر بل كائنات لطيفة شفافة ملائكية سطحية لا عمق لها.. وهذا باعتقادي فشلاً واضحاً في محاولة كسب تعاطف عبر تعليب المعاناة بصيغ حداثية سينمائية تلعب على وتر العاطفة، وتصادر "حق المشاهدة" بوصفه فعلاً سياسياً لا حياد فيه.
للصورة قوة.. قوة واضحة، لا سيما في زمن الحرب، فهي لا تكتفي بالتوثيق، بل تصنع ذاكرة، فتنقل لنا يوميات الحرب بدلالتها السياسية فتعيد إنتاج الحدث زمنياً، وتثبت اللحظة من الآني إلى الدائم (مجزرة مثلاً) في وقت لا يرغب البعض بتثبيتها، وهكذا لا ينبغي للصورة "تجميل" الموت بل يجب فضحه، فالموت ليس حيادياً بل هو -مثل الصور- منحاز. وفي حرب غزة؛ تحول الموت إلى لاعب أساسي يحمل "وعياً" له صلة بالمجزرة، وهذا لا يمنع من القول إن الصورة تحمل دلالات أخلاقية تفوق كثيراً دلالاتها السياسية، وهي بذلك تطالبنا بأن ننظر للمكان/ الحدث بوصفه فردوساً مفقوداً، وتذكرنا -بمرارة- بما لم نعد نراه



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مأساة النرجس، ملهاة الفضة-... عن تجربة بنيوية في ذاكرة شخصي ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (32)
- -شقيقات قريش-: قراءة أنثروبولوجية في سرديات العرب الكبرى
- فاضل الربيعي: رثاء بفكرة مؤجلة (إعادة قراءة)
- قراءة في -دروس الحرب والهزيمة-: عبرة العرب من هزيمتهم
- ستة أقدام بحجم قبر. قصة قصيرة
- عن الطوفان وأشياء أخرى (31)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (30)
- الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (29)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (28)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (25)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (24)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (23)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (26)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (27)
- استثمار الكارثة بين العقاب الإلهي والشخصنة والتأويل
- قتل الأب عند دوستويفسكي
- عن الطوفان وأشياء أخرى (22)
- مختبر فلسطين: تسويق وتصدير تقنيات الاحتلال


المزيد.....




- زلزال في اليونان يتسبب بهزة أرضية بمصر
- القوات التابعة لرئاسة أركان الجيش الليبي تبدأ المرحلة الثاني ...
- -ذاهيل-: الخطوط القطرية ستعلن عن صفقة لشراء 150 طائرة بوينغ ...
- غزة.. ماكرون يصف ما تفعله حكومة بنيامين نتنياهو بـ-العار-
- أول رد من قناة السويس على طلب ترامب بعبور السفن الأمريكية مج ...
- الثلاجة قنبلة بكتيرية موقوتة!.. كيف نتجنب هذا الخطر؟
- علماء: أقدم الرماح المكتشفة في ألمانيا صنعها إنسان نياندرتال ...
- الإمارات.. الكشف عن مادة مخدرة جديدة وتوثيقها عالميا
- خطر خفي غير متوقع قد يكون السبب وراء اضطراب النوم!
- مصادر لـ RT: هزة أرضية تضرب اليونان وشعر بها سكان فلسطين ومص ...


المزيد.....

- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى (33)