|
-مأساة النرجس، ملهاة الفضة-... عن تجربة بنيوية في ذاكرة شخصية
محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 22:47
المحور:
الادب والفن
ذات يوم من أواخر ثمانينيات القرن الماضي، في طرابلس الغرب، وقع بين يدي عدد من مجلة "اليوم السابع"* التي كان يصدرها الراحل بلال الحسن من باريس (وهو، على كل حال، أحد مؤسسي صحيفة "السفير في العام 1974 إلى جانب طلال سلمان). وقد تضمن ذلك العدد دراسة للناقد والكاتب اللبناني جهاد فاضل عن قصيدة محمود درويش "مأساة الفضة، ملهاة النرجس"، ركّز فيها ــ إن لم تخني الذاكرة بعد مرور هذا الزمن ــ على ما سماه "بنية اللغة" في القصيدة كسبب أساسي لشعريتها. فلم ينصرف التحليل الموسيقا الداخلية (وهي من مميزات شعر درويش لا شك) أو المعاني المباشرة (وهي من مميزات شعر المقاومة)، بل انشغل بلغة كجهاز دلالي مستقل محاولاً تفكيك إيقاع المعنى من خلال البنية، دون استنتاجه، أو هكذا فهمت الأمر آنذاك. كانت تلك أول مرة أقرأ فيها لجهاد فاضل، وأول احتكاك لي بنقد شعري بدا مختلفاً، وربما أعمق مما اعتدت عليه. ومع أنني كنت قد قرأت القصيدة ذاتها سابقاً، حتى قبل أن تُنشر ضمن ديوان شعري لاحقاً**، . فقد فتحت لي هذه الدراسة مدخلاً جديداً لمقاربة القصيدة من زاوية التأمل البنيوي والمجازي، بعيداً عن حصرها في إطار الإعجاب الشخصي. وما زلت أذكر تلك النسخة من المجلة بإخراجها اللافت، وحجم صفحاتها غير المألوف، وتنوّع موضوعاتها، ومقالة جهاد فاضل تحديداً. بل إن القصيدة، منذ ذلك الوقت، ارتبطت في ذهني على نحو لا واعٍ بتلك العناصر: لحظة الاكتشاف، المكان، وسبب وجودي في ليبيا... جميعها تشكّلت في ذاكرتي كنسيج واحد. وعلى الجانب الآخر، ظلّ البُعد البنيوي في قراءة، أو استحضار القصيدة، هو الأكثر غموضاً بالنسبة لي، نظراً لصعوبة انفتاحها، وتكاثف رمزها وتشابك طبقاتها الدلالية، وتداخلها في بنية لغوية معقدة تحركها عدة مستويات تعبيرية، تفسح المجال لتأويلات لا حصر لها. وبجدر القول -ابتداءً- لا أدعي امتلاكي ناصية النقد الأدبي أو الشعري، ولا أحسب نفسي متخصصاً في هذا المجال. لكني أزعم ــ بقدر من الثقة ــ أنني قارئ جيّد. وما أقدّمه هنا ليس سوى جهد قراءة تستند أولاً وأخيراً إلى انطباعاتي عنها وإلى ذائقتي الشخصية في التعامل مع الشعر. ومنذ تلك الأيام في ليبيا، ظلّ سؤال ملحّ يدور في ذهني كلّما استحضرت القصيدة: كيف يمكننا استعادة حدث شعري بكامل تفاصيله من الذاكرة، إذا لم يكن ذلك مرتبطاً بتجربة ذاتية قابلة لإعادة إنتاج الوقائع؟ هل الأمر يتعلق بإعادة تأويل الرمز، أكثر من الحدث بحد ذاته؟ أي بفعلٍ تأويلي يتجاوز الحكاية إلى البنية العميقة؟ هذا السؤال، على بساطته الظاهرية، يكثف مسار قراءتي للقصيدة التي رافقتني قرابة خمسة وثلاثين عاماً. قراءة تراكمت على هيئة "تحويشة عمر"-كما يُقال- لا تُقاس بمقدار ما فهمت، بل بمقدار ما اكتشفت وما انفتح أمامي من طبقات متولدة داخل ما قرأت. وفي كل مرة كنت أعود فيها إلى القصيدة، كنت أواجهها من جديد، ضمن شروط قراءة متغيرة، تارةً تنبع من حالة نفسية مضطربة، وتارة أخرى من استقرار ذهني نابع من مسافة تأمل هادئة. وتارة من استعجال الانتهاء بدافع الضجر. لقد كانت القراءة تخضع لحالةٍ شخصية بقدر ما كانت تتأثر بسياقٍ معرفي وظرفٍ ثقافي ومعيش يومي. ما أفهمه من الشعر القول بأن الأصل في تعريف القصيدة، أي قصيدة، لا يكمن فقط في ما يُقال، بل في كيف يُقال: هل يُقال بصوتٍ مكسور، أم بهمسٍ متقطع، أم من خلال صورٍ تتسلل إلى الأعماق؟ أهي صرخة تنفجر من قحف الرأس لتعلن الرفض القاطع لغبنٍ تاريخيّ لم ننجُ منه بعد؟ أم أنها، ببساطة، كل هذا معاً وأكثر؟ في شعر محمود درويش، تغدو كل قصيدة عتبة تأسيسية لإعادة تعريف الأشياء، حتى تلك التي بدت ــ للوهلة الأولى ــ غير محتاجة لتعريف. كل قصيدة إعلان هُوية، لكنه إعلان مكسور، مهلهل، مفردات منكسرة، تبني من فتاتها جغرافيا الذاكرة الإنسانية. لإعادة تشكيل الرموز الكبرى مثل الوطن، والأرض، والأم، والحياة، لتتحول هذه المفردات إلى طقسٍ وجودي يتخلل كل كلمة وكل جملة، بحيث تتعالق الدلالة بالانفعال، ويتحوّل الشعر إلى تجربة معرفية ونفسية في آنٍ معاً. وإذن، تنطلق هذه القراءة من منظور بنيوي (أو هكذا أظن)، يتجاوز الانشغال بهُوية القائل أو انتمائه، أو الظروف التاريخية لإنتاج النص، ليركّز على العلاقات الداخلية بين وحداته. هي قراءة أشبه بعمل "مخبري"، تقني ومحايد قدر الإمكان، تهدف إلى كشف شبكة المعاني من خلال تتبع العناصر "البنيوية" التي تشكّل القصيدة، كالتكرار، والثنائيات الضدية، والإيقاع الداخلي، والتوازي، والتناص، وهي جميعها أدوات تكوّن البنية وتولّد دلالتها. تتأسس القصيدة، بدءً من العنوان، على ثنائيات لا تكتفي بالمقابلة المعجمية المباشرة، بل تعكس صراعاً داخلياً عميقاً تعبر عن امتداد عمودي جدلي بين ما هو جوهري وما هو عابر، بين الذات المنطوية والانفتاح على الآخر، بين الحنين والعبث، بما يجعل القصيدة-ضمن هذا التوتر البنيوي- مجالاً مفتوحاً للتأويل المستمر، لا يتوقف عند لحظة تاريخية أو انفعالية بعينها، بل يعيد إنتاج ذاته في ومع كل قراءة جديدة. ويقدّم العنوان بنية دلالية مزدوجة، ترتكز على ثنائية مأساة/ملهاة، نرجس/فضة. فالمأساة تجسّد ذاتاً منغلقة، مهووسة، غارقة في عمقها. أما الملهاة فتحيل، على عكس ذلك، إلى سطح لامع، خفيفاً، بلا جوهر، اللافت في هذه الثنائية عدم جمودها ضمن أي إطار، بل تفتح النص على شبكة من التقاطعات تنوس بين العمق والسطحية، الحنين والعبث، البطولة واليومي. ومثل ذلك "النرجس"، إذ لا يُشير إلى الزهرة فحسب، بل إلى أسطورة الذات المأسورة بانعكاسها. إلى من عشق صورته حد الفناء، ليضيع في مرايا ذاته. وتأتي مأساته من انغلاقه وانبهاره بما يرى، حتى لم يعد يرى شيئاً سواه. أما "الفضة"، فيعكس الضوء دون أن يحتفظ به، نموذج للجمال ناقص والبريق الزائف الذي يحاول احتواء المأساة لكنه يمنحنا بدلاً من ذلك الملهاة، وإن بصورة ساخرة، معدن لا يقو على نفي المأساة فيتجه لإنتاج الضوء البارد يلقيه على جراح النرجس الدامية. العنوان، بهذا، لا يُقدّم مقابلة بل مشهداً درامياً مركباً: "المأساة" كتجلي للتوتر والانغلاق، و"الملهاة" كاستمرار ساخر لها، هي بالأحرى ظل المأساة أكثر منها نقيضها. ومن هنا، يُبنى النص على هذا التوازي: انغماس في الذات يقابله ابتذال ساخر، تأمل قاتل يواجه سخرية منقذة، حيث تتأرجح اللغة بين العمق والسطح، وتذوب الحدود بين الجوهر والتمثيل. والمأساة هنا لا تخص الفرد فقط، بل الجماعة، فالعائد من المنفى (فرداً أو جماعة)، سيجد المكان كما كان، لكنّه، بكل تأكيد، لم يعد كما كان. زمنه لن يعود، كما لا تعود صورة نرسيس -حين ينظر ليرى خيبته- إلى أصلها. لا تتوقف القصيدة عند طرح الثنائيات، بل تُفكّكها، فتستبدل الأسطورة بالكلام البسيط، وينزع عن العودة هالتها البطولية، لتصبح مجرد سلوك اعتيادي، يحمل شقاء اليومي من دون مجد الملحمة. هكذا، تتحرك الكلمات في فضاء دلالي مفتوح (لا تخضع لنظام مغلق) لتمارس نقداً ذاتياً للأسطورة والبطولة، فتنكشف هشاشة المعنى إزاء اليقين، بهذه العملية التفكيكية، تشكل القصيدة نواة مركزية في مشروع درويش الشعري لتعرية الخطاب الأسطوري. وتقع اللغة في نواتها فتحاذر من الانزلاق نحو البيان السياسي لتُكتب بصفتها قصيدة متأملة، صادقة، حزينة بلا انكسار، ومتصالحة مع هشاشتها، فترفض المديح، مديح الماضي، وتُصِر على أن تكون تأمل في الذاكرة، وفي ضرورة أن نكتب الأرض كما نكتب القصيدة، بشهوة الإغراء دون وهم، ولكن بكثير عناية. أن نعود، ولكن ليس كأبطال، بل كناجين، نحمل في قلوبنا "البسيط من الكلام" وملح إخوتنا الذين لم يعودوا. وهكذا، حين تنفتح القصيدة على مشهد "العودة"، فهي لا تفعل ذلك بنبرة احتفالية أو تمجيدية، بل تنزع عنها طابعها البطولي الكلاسيكي، وتعيدها إلى مستوى الفعل الإنساني اليومي***. فالعائدون ليسوا أبطالاً يشدّهم حنين رومنسي إلى المجد، بل أفرادٌ عاديون يعودون إلى حياتهم البسيطة، إلى تفاصيلهم، إلى ما تبقّى من إخوتهم، ومن الكلام، هم في الحقيقة عادوا إلى يومياتهم. "عادوا من آخر النفق الطويل إلى مراياهم... وعادوا حين استعادوا ملح إخوتهم، فرادى أو جماعات، وعادوا من أساطير الدفاع عن القلاع إلى البسيط من الكلام..." عادوا ليحتفلوا بماء وجودهم، ويرتبوا هذا الهواء ويزوجوا أبناءهم لبناتهم ويعلقوا بسقوفهم بصلاً، وبامية، وثوماً للشتاء عادوا على أطراف هاجسهم إلى جغرافيا السحر الإلهي ليس القصد من تكرار الفعل "عادوا" بإيقاع داخلي منتظم، التأكيد على العودة، بل الهدف إعادة تشكيل هذه العودة. ويتحول هذا التكرار إلى عنصر توليدي يُنتج دلالات جديدة، ويمنح القصيدة بنية تراكمية، تنقلها من المجاز إلى المعنى. فـ"العودة" هنا لا تُقرأ كذروة، بل كحركة وجودية ناعمة، يومية، تنبش في التفاصيل المنسية التي طمرتها الرواية الكبرى عن الوطن والبطولة. وهذا الاكتشاف للتفاصيل، للمنسي والهلامي والعادي، وللتفاصيل الصغيرة الني نسيناها في خضم انشغالنا بقضايا كنا نظن أنها عظيمة، يخفف من عبء البطولة. (من قال إن البطولة قدر أصلاً)؟ القصيدة تنقض هذا الافتراض. إنها تخلخل السردية الكلاسيكية عن الوطن، والشعور بالديمومة وتعيد تأويل العودة كفعل داخلي، بعيداً عن أي انتصار أو وهم انتصار، بل محض فعل وجودي وامتداد يتجاوز زخرف القول نحو كشف الذات لنفسها وهي تمارس العبور من مجاز إلى آخر، من "القلعة" إلى "المرآة"، من "الأسطورة" إلى "الكلام البسيط". وتنغلق بما يعكس طبيعة الصراع الذي لا يُحسم، والهُوية التي تتكرّس مع كل جولة، وليس مع كل نهاية، فالعائدون -في حركتهم الوجودية تلك- لم يعودوا إلى "القدس" رافعين رايات التحرير، بل يعودون إلى "ما تبقى من ملح إخوتهم"، إلى ما يشبه الحياة أكثر مما يشبه الحلم. في هذه الحركة، يكشف النص عن الهوية كصيرورة تتكرّس مع كل جولة، وتظل مفتوحة على الخسارة والانكسار. رغم مجازات جوهرها الثابت حول الحسم والانتصار كتجسيد واضح لإشكالية العلاقة بين الواقع وظلاله المتخيلة، وتفاصيل اليوم العادي، ورخاوة ما يعمق ارتباطهم بملح الحياة وليس بأوهام مجد أفل. وبهذا المعنى، تصبح القصيدة تأملاً لغوياً في العودة: أهي ممكنة فعلاً؟. هل تعني استرداد المكان، أم استعادة الذات؟. هل هي فعل فردي أم تجربة جماعية مهددة بالفَقد؟. وهل تكفي اللغة، بوصفها ميراث الأرض، لتجسيد انتماء لا يتحقق بالجغرافيا وحدها؟ هذه أسئلة لا تكتفي بدلالاتها، بل تتجاوز ما هو "سرد" لحدث أو تأريخ للعودة، أو توثيق لزمن. بل هي أسئلة تُطرح لتظل مفتوحة، مضيئة بالاحتمالات، ممتنعة عن الحسم. هكذا تتجلى قوة القصيدة في خضّ المسلمات، دون الالتفات نحو الإجابة على الأسئلة، وفي كشف سيولة الذاكرة، وفي أن الأرض تكتب مثل القصيدة، وفي أن الوهم لا يبني وطن ولا نصر. ولكن هل يفقد التفكيك شعرية النص؟ خاصة حين ننتقل من البنية المغلقة إلى التأويل المفتوح؟ يعمل التفكيك على كشف القصيدة وعمقها شريطة أن يكون هو بحد ذاته فعل قراءة شعرية، وليس مجرد تفكيك تقني أو عقلاني جاف يجرد النص من روحه، بل فعل يقوم مقام الإضاءة الداخلية للنص، فيجعلنا ننصت إلى صوته الخافت ونستخرج ما توارى خلف البلاغة أو خلف العاطفة. فحين نقول إن السخرية وجودية، أو أن الجمال يصبح مرضياً حين يُفرغ من معناه، أو أن الأرض تتحول إلى رمز يُمارس كما تُمارس اللغة، فنحن هنا لا نشرح نصاً، بل نعيد إليه الحياة -أو هكذا أرى وأعتقد-. وفي قصيدة درويش هذه، التي تُقيم في المسافة الحرجة بين المأساة والملهاة، بين نرسيس والمنفى، بين الحنين والسخرية، يصبح التأويل ضرورة شعرية. لأن النص ذاته لا ينغلق على معنى، بل يقترح بنية من التوترات المفتوحة. فالقصيدة لا تطلب من القارئ أن يصدقها، بل أن يؤمن بتعدّد تأويلاتها، أن يقرأها ليس بوصفها بياناً وطنياً، بل اعترافاً وجودياً متهافتاً. وعندما نقرأ أن "الأرض تورث كاللغة"، فنحن لا ننزع عن القصيدة بعدها العاطفي، بل نمنحها تعقيدها الرمزي، إذ تتحوّل الأرض من مساحة صلبة إلى مساحة سرد، ومن ملكية عقارية إلى أثر لغوي. وهذه واحدة من أعظم إنجازات درويش في قصائده الأخيرة: إعادة الوطن إلى اللغة، ولكن ليس إخضاع اللغة للوطن. فالقراءة الحساسة للطبقات الداخلية للقول الشعري بمعزل عن شرحه أو تفسيره، والوصول إلى مستنبت التجربة الجمالية كمحاولة نهائية لإنقاذ النص من المباشرة، هو باعتقادي الشرط الأساسي لعدم سقوط القصيدة في رخص الخطاب وتحولها إلى أداة سياسية مباشرة. والابتعاد عن التعقيب "العقلاني" ربما هو أحد سبل إنقاذ القصيدة من هذا التحول بإظهار مفارقاتها: الوعي الباطني بالمأساة، ركاكة المجد، تحوّل البطولة إلى صدى مَرَضي، واللغة إلى وطن رمزي. هذه، في نهاية المطاف، ليست "تجريدات"، بل كشف شعري لطبقات التجربة. تنهض القصيدة على بنية شكلية متماسكة ظاهرياً، تتوسّل أدوات كلاسيكية مثل التكرار والتناظر والثنائيات، لكنها، مع ذلك، تُخِلّ بوعد الانغلاق، وتقاوم الاكتمال. فكل صورة أو استعارة لا تؤسس لمعنى قاطع، بل تفتح شبكة من التفسيرات المحتملة، تتعدد فيها القراءات وتتقاطع دون أن تنغلق على مركز واحد. بهذا المعنى، لا يعمل التكرار بوصفه آلية ترسيخ للمعنى، بل بوصفه أداة بعثرة، إذ كل عودة على العنصر المتكرر تؤسّس سياقاً جديداً له، يحرّفه بدل أن يرسخه. فيكتب الشاعر قصيدته ليقترح لا ليشرح، ليفكّك لا ليؤكد. ومن ثم، تتزعزع مركزية البطل لفائدة سلطة اللغة، التي تمتلك القدرة على البدء مجدداً، كبنية رمزية تعيد بناء التجربة وتعيد توجيهها، بمعزل عن كونها وسيلة تواصل. تتفكك الثنائيات التقليدية داخل النص، فلا تعود معادلات صلبة، بل أنساقاً مرنة تعيد إنتاج معانيها عبر الامتزاج أو المفارقة، فتتداخل الأسطورة مع البسيط، وتُستبدل البطولة باليومي، والمجيد بالمألوف، من دون إلغاء أي طرف. وتتحول العودة والمنفى من مفصلين متقابلين إلى حالة واحدة نمارسها على صعيد اللغة والثقافة. وينتقل الحديث من العودة كلحظة بطولة إلى وصفها كممارسة يومية . كما يتبادل العالي من الكلام والبسيط منه، المواقع؛ فتغدو اللغة البسيطة حاملة لأشدّ المعاني كثافة، ويتحول الكلام من رمز للمجد إلى وسيلة للتواصل. فالمفاهيم السياسية الصلبة مثل الأرض والهُوية، يعاد تشكيلها كخطابات قابلة لإعادة التأويل، فالأرض تُورث، والهًوية تصاغ (بالقول وليس برابطة الدم). وحين نمارس الأرض ونورثها مثلما نمارس ونورث اللغة، فسوف تتحول، حينها، إلى معادلة دلالية مشحونة بإعادة تشكيل الانتماء. وهي لا تكتفي بتقريب الأرض من اللغة، بل تذيب الفاصل بينهما، لتُنتج بنية رمزية مزدوجة، تَصدر عن فكرة أننا لا ننال الانتماء كوصفة جاهزة، بل نكسبه ونمارسه ونعيد تشكيله باستمرار، ضمن سياق الأرض- اللغة كخطاب، ونظام رمزي، وسرد ثقافي. وهذا، في واقع الأمر، ليس تشبيه عارض، فالتماثل (بين الأرض واللغة)، الذي يقيمه الشاعر بلغة مباشرة يعيد إنتاج المفهوم ذاته؛ فالأرض تُمارَس، تُكتَب، وتُعاد صياغتها، مثل اللغة تماماً. وبهذا، تنقل القصيدة مفهوم "الوراثة" من المجال الطبيعي إلى المجال الثقافي، ومن البيولوجيا إلى السرد. وتُنتج هُوية لا تقوم على التملك، بل على التمثُّل، ولا على الجغرافيا الثابتة، بل على إمكان إعادة التعبير. كما تتجلى هذه الجدلية بين الأرض واللغة أيضاً في البنية النصية ذاتها بنوع من التكرار البنائي الذي يُحدث انزياحاً دلالياً (لو جاز لنا استعارة مفاهيم دو سوسير) مع كل عودة، حيث تُعاد عبارة "الأرض تورث كاللغة" أكثر من مرة، بحيث تكتب -أكثر مما تؤكد- العلاقة بين الأرض والهوية ضمن حقل لغوي متحوّل. الأرض هنا لا تُوصَف بل يعاد تخيُّلها. والقصيدة، من ثمّ، لا تروي تجربة العودة، بل تُجسّدها كفعل لغوي، يجري ممارسته في الحاضر، بل ويتجاوز الحاضر، فتصبح القصيدة فضاءً رمزياً تلتقي فيه مفارقات متعددة: الماضي والحاضر، الخاص والعام، الذات والجماعة، الحنين والوعي، الحقيقة والتأويل. لافت هنا أن هذه المفارقات لا تشرح، بل تقترح، لا تحتفي بالمكان بل تُعيد تأويله، بحيث يغدو الوطن نفسه نظاماً رمزياً، غير قابل للتملك، بل يحصل إعادة تمثله وتداوله عبر سردية تنتج هوية مرنة، لغوية، ثقافية لا نهائية. تمتاز البنية الداخلية للقصيدة بدرجة عالية من الاتساق والترابط، حيث تشكل وحداتها الشعرية شبكة محكمة من الإيقاع والتكرار والتناظر، لكنها في الآن ذاته تنفتح تأويلياً على فضاء أوسع، يؤسس لوجود من خارج الوطن، يتداخل فيه السياق التاريخي، وتجربة الشاعر الذاتية، والعلاقات الرمزية التي تنتجها مفرداته وصوره. هذه البنية الثنائية – المغلقة شكلياً والمنفتحة دلالياً – تميز مراحل درويش الشعرية المتأخرة، التي تحوّلت فيها القصيدة إلى فضاء لإنتاج المعنى، لا لتثبيته. في هذا الأفق، لا تُكتب القصيدة لتصف وطناً غائباً، بل لتعيد تعريفه وتعريف الوجود من نقطة الصفر، من خارج الجغرافيا ومن خارج الإيديولوجيا. فالقصيدة، بهذا المعنى، لا تُمجّد الرموز بل تزعزعها، ولا تستعيد الذاكرة بل تفتّش فيها عن الممكن. إنها إعلان عن الحضور الإنساني، وعن إرادة المعنى في مواجهة خواء الرموز وتكلس المفاهيم. وما يمنح القصيدة هذا الحضور القوي (والبهيّ بذات الوقت) هو تلك المجازات الكلية التي ربما تُشبه -في اتساعها الرمزي- مجازات نيرودا: الوطن، الأرض، الأم، الحياة، الرحلة، المطارات، الهجرة، الذاكرة، الموت. غير أن هذه الرموز لا تحضر بوصفها وقائع أو مشاهد حسية، بل كيانات متعالية، تُجسّد التجربة الوجودية للشاعر، وتُعيد ربطه بالعالم، ليس من خلال الانتماء السياسي أو الإيديولوجي، بل من خلال الاشتياق إلى السلام الداخلي والتماسك الروحي والعاطفي. هكذا تبني القصيدة ذاتها بذاتها، على هيئة رحلة داخل رموز "الوجود الأول"، حيث يتماهى البحر مع الذكرى، والموت مع العودة، واللغة مع الأرض، في نسيج استعاري يُشكّل هوية شعرية مرنة، تنبع من الألم ولكنها لا تُختزل فيه، ومن المنفى ولكنها لا تقف عنده. في شعر درويش، يتحوّل "الوطن السياسي" إلى جثة لغوية، لا حياة فيها. تغدو رموزه صور لا تستعيد مادة الماضي، ولن تقي راياته من المطر، بل مثقلة بالفراغ فمفاتيح البيوت القديمة لا تفتح شيئاً في الواقع، وأغاني الفلاحين، وضجة دبكتهم لن تعيد من قضوا، أو غيبوا، بل -على العكس- ستسهم في تشويه الرمز الوطني حين تفرغ من معناها، وحين تفتقد إلى أي حياة أو جوهر. هكذا يتكشّف الوطن بوصفه شعاراً منكسراً، لا يسكنه إلا الحنين، ولا يمتد إلا داخل الذاكرة. حيث يقتات هناك على ذلك الماضي (الفردوس المفقود؟... أندلس أخرى؟). لكن قوة الشاعر لا تكمن في البكاء على هذا الوطن الرمزي، بل في مقاومة تحوله إلى جثة لغوية. فهو يبني وطناً آخراً من داخل اللغة، وليس على حدود الجغرافيا. من الحاضر والذاكرة، ومن الكلمات التي ترفض أن تتحول إلى أجسام خاوية. وما يعمق الفكرة أن وطن درويش ليس مجرد مكان مادي، بل فكرة مجازية معقدة، يُعاد "صناعتها" عبر اللغة. ففي عجز الأرض عن إحياء الرموز الوطنية القديمة (مفاتيح البيوت، الأغاني)، تتحقق المأساة؛ وتُصبح هذه الرموز مجرد صور مشوهة، تفتقد لأي جوهر حيّ. الأرض أصبحت لغوية أكثر منها مادية، وأصبحت الذاكرة هي التي تحدد الهوية، بعيداً عن التحديدات الجغرافية. هذه المفارقة بين الأرض واللغة تُبرز مأزق الوجود الفلسطيني في الشتات، وتفتح أسئلة فلسفية عن معنى الوطن بعد فقدانه. غير أن ذلك يطرح سؤالاً وجودياً مريراً: إذا كانت اللغة تحولت إلى "وطن مضاد"، فما قيمة وطن كهذا يُختزل في كلمات؟ وما جدوى لغة كهذه لم تعد تفضي إلى مكان؟ لن تجيبنا القصيدة، أو على الأقل ليس تلك مهمتها، بل تُمعن في الطرح. تتقشف، تختصر، تكثّف، ترفض الزينة والبلاغة الجاهزة. تُنتج بلاغتها الخاصة من خلال الإيجاز المشبع بالدلالة، حيث الكلمة الواحدة تفتح طبقات متعددة من المعنى: الملهاة، العود الأبدي، النرجس... كلها إشارات تنهض بوصفها عوالم رمزية، تمثل التوتر بين الحاضر والذاكرة، بين الحدث والصورة. واللغة الشعرية التي تنتقل من محسوس الكلام إلى الفلسفي، فلا تبقى وظيفتها وصفية فحسب، بل تؤدي دوراً تأويلياً أيضاً. فالصورة في شعر درويش لا "تزخرف"، بل "تفكر" و"تنطق". وإذن لا تهتم القصيدة بصورة النرجس إلا بقدر ما تحاكم افتتان الذات بما لم يعد لها، ولا تصف الأرض لتجمّلها، بل لتُجرّدها من الأسطورة. فليست الأرض هي الأصل واللغة انعكاساً لها، بل العكس: اللغة صارت تُورَث كما تُورَث الأرض. إنها الوطن البديل، الموضع الرمزي الذي يسكنه الشاعر بعد أن خسر حقه في المكان. في لحظة الاختصار اللغوي والتكثيف، حيث ترفض القصيدة الزوائد البلاغية، تُحاكي الكلمات الشاعرية موت الأرض من خلال اختزال المعنى، فتقدم رموزاً كثيفة تُعيد تعريف الوجود الفلسطيني، وتُعيد تمثيل الوطن بشكل نقدي، بعيداً عن الصور المثالية التي تكوّن الأسطورة الوطنية. هكذا، تكون القصيدة الموجعة هي في ذاتها مكاناً رمزياً يحمل تأملات حول الهوية والانتماء، التي لا يُعاد اكتسابها بل تُعاد كتابتها. لكن هذا التعويض مأزوم بحد ذاته، ومحفوف بأخطار القلق والشك، لأن اللغة ـ على كثافتها وتأويلها ـ لا تشفي الغياب، بل تُعمّقه. ومع ذلك، فهي ما كل تبقّى لنا. فما العمل؟ لا تعود اللغة وسيلة للعودة إلى الوطن، بل تصبح نوعاً من تعويض ذي طابع تأويلي، يمنحها وظيفة فلسفية جديدة: إنها "اللحظة التي نقع فيها في هشاشة الاستسلام النبيل، ولحظة السقوط في هشاشة المعنى". استسلام يعترف بالخسارة، لكنه لا يتحوّل إلى خنوع، بل إلى نوع من الوعي المليء بالتحدي العاطفي والفكري، ليس قبولاً بالخسارة، بل اعترافٌ بها. ليس ضعفاً، بل وعياً شعرياً عميقاً بأن لا مفر من هذا القدر. وهنا ينقلب المشهد، فلم تعد الأرض بحوزتنا، بل جل ما نملكه اسمها، فلا حقول، لا تلال ولا مدى، بل ما تبقّى هو اللغة، واللغة وحدها. لكنها لم تعد أداة استعادة، إنما تحوّلت إلى تمثيل فارغ يحاكي غياب الأرض، أشبه بقبر حيّ. قبر رمزي، ننشل منه أسماء أبناءنا، قرانا وخربنا وجبالنا وبحرنا التي لم يروها، ونسكن بذلك في فجوة بين الاسم والمسمى، بين الرمز والحقيقة. وهي كما يُصوّرها الشاعر، ليست أداة للشفاء أو استعادة المعاني، بل تصير فخّ اللاجئ يعزل الذوات عن مكانها، فخّ الحنين الطاهر، والنقاء الأولي (نقاء ما قبل الهجرة). لكنها -هذه اللغة- خطر أيضاً، خطر في تحوّلها إلى أداة تطهير وطني، معيار خفيّ يُحاسب به الآخرين. تتداخل في شعر محمود درويش عدة مفاهيم تشكّل بنية فكرية متكاملة، حيث تتصادم الأرض بالذاكرة، والوطن باللغة، والوجود بالفَقد. في قصيدته، يعيد درويش تعريف مفهوم الوطن بعيداً عن الحدود الجغرافية أو الرموز السياسية المعهودة، حيث يجعل من اللغة ساحة جديدة للوطن، ويحول الذاكرة إلى أرض رمزية. فمعادلة "الأرض تورث كاللغة"، لا تقتصر على تعبير شاعر عن فكرته فقط، بل تبرز باعتبارها نافذة للفهم الرمزي العميق للعلاقة بين الإنسان والمكان، والتي لا تعود كما كانت، بل تُعاد تشكيلها في قلب المعاناة الفلسطينية، خاصة في ظل الشتات واللجوء. والقصيدة، بتكرارها وتوازيها، تطرح جدلية عميقة بين الذات والعودة، بين الأرض التي لا يمكن استعادتها إلا عبر الذاكرة، وبين اللغة التي تصبح، في سياق التشرّد، وسيلة لتمثيل الأرض بدلاً من كونها مجرد أداة للتواصل. هذه التحولات في بنية الشعر تأتي نتيجة للتناص الداخلي، والتكرار الذي لا يُراد منه الاستعراض، بل خلق حوار داخلي بين الذات وما فقدته. فالشاعر لا ينقل مرثاة للوطن، بل هو في صميم التفاعل الرمزي مع الذاكرة، التي تصبح الحامل الرئيس للوجود. تبني القصيدة وعياً جديداً بالوطن، وعياً لا يتجذر في الأرض فقط، بل في إعادة تأويلها من خلال الكلمات. بلغة مشبعة بالإيحاءات والانزياحات. يقدم درويش وطناً يتم تشييده مرة بعد أخرى من خلال الكلمات التي ترفض أن تكون فارغة، وهي بذلك تُمثّل الفقد، وتعبّر عن الحنين والتأمل في مصير لا مفر منه. القصيدة لا ترفع راية نصر، ولا تصوغ بطولات رمزية. على العكس، تعترف بالخذلان، وتمنحه بعداً إنسانياً، لا لتجمله، بل لتكشِف صدقه. القصيدة لا تقدم إجابات حاسمة، بل تبقى مفتوحة على تأويلات متنوعة. ويبقى السؤال المهيمن: ما الذي يتبقى حين لا يتبقى شيء؟ وفي ظل الاستفهام عن الشجاعة اللازمة للاعتراف بأن ما بين أيدينا ليس الوطن، بل مجرد اسمه فقط، يبقى درويش في حالة بحث مستمر عن هويته المتلاشية، وعما تبقّى من أرض لا تَحِلُّ على هذه اللغة إلا كصورة، ليس أكثر. نعم... ماذا يتبقى حين لا يتبقى شيء؟ ونعم أخرى... هل نملك شجاعة الاعتراف بأن الذي بين أيدينا... ليس الوطن، بل اسمه فقط؟ .... *يستذكر بشير البكر البدايات الأولى للمجلة فيقول "صدر العدد الأول من مجلة "اليوم السابع" في تشرين الأول 1983، بطلب مباشر من الرئيس باسر عرفات. عمل فيها حشد وفير من رجل الصحافة العرب المرموقين آنذاك، فكان جوزيف سماحة، مديراً للتحرير، رفقة عدد من الكتّاب المعروفين منهم محمود درويش، إميل حبيبي، سميح القاسم، شاكر مصطفى، حسن حنفي، محمد عابد الجابري، طارق البشري، صلاح محمد ابراهيم، أنور عبد الملك، برهان غليون، الباهي محمد... وغيرهم". راجع https://www.almodon.com/culture/2021/1/11/%D8%A8%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9 **يقال أن "مأساة الفضة، ملهاة النرجس" ظهرت كاحتفالية بالانتفاضة الفلسطينية الأولى(راجع هنا، https://www.diwanalarab.com/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B1%D8%AC%D8%B3-%D9%88%D9%85%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B6%D8%A9#nb2). نشرت أول مرة في مجلة الكرمل عدد 32، 1989 . ونشرت يشكل مستقل في العام 1990 في ديوان "أرى ما أريد". قبل أن تظهر في الجزء الثاني من الطبعة الأولى لديوان درويش عن دار العودة في بيروت 1993. وهي من أبرز أعمال درويش - بعد مرحلة بيروت-، ومن أطول قصائده إلى جانب أنها من أكثرها عمقاً في تركيبها النصي وقت صدروها. ولا شك في أن محمود درويش أحد أبرز وجوه الشعر العربي المعاصر، ليس بصفته شاعر قضية، بل بوصفه "مفكراً جمالياً" متخماً بلغة شعرية قلّ مثيلها لدى شعراء العربية في العصر الحديث (على صعيدي الشخصي وذائقتي أضعه مع نزار قباني ومظفر النواب على سوية واحدة في هذه الميزة)، وهذا ليس كلاماً مرسلاً ولا مجرد افتراض معطى دون توكيد. فقد استطاع درويش إعادة تشكيل اللغة الشعرية ومفاهيم الانتماء والهوية والبطولة في السياق الفلسطيني، وهذا ما نراه في القصيدة بصفتها ذروة هذا التحول، إذ تقدّم تجربة شعرية تتداخل فيها الذات بالأسطورة، والذاكرة باليومي، والبطولة بالسخرية الذاتية، وتتقاطع الفردية مع هواجس الجماعة الفلسطينية. كما تنبثق مفاهيم الانتماء والهوية الوطنية في سياق يعكس حالة الفلسطينيين الممزقة بين الأمل والألم، بين الواقع والذاكرة. من خلال أسلوبه المبدع والمعقد، يعبر درويش عن الأسطورة والحلم، فينسج صورة الشعر الفلسطيني كأداة للثورة على الانكسار، والتمرد على الظلم. جسدت القصيدة حالة تعبيرية مميزة للصراع في فلسطين، ليس بصفته قضية سياسية بل كقضية وجودية وجمالية، فالقصيدة مليئة بصور الفقد والشتات بعبارات تحمل عمقاً فكرياً وشاعرياً في آن واحد، يستعيد الشاعر في سطورها تلك الرموز الوطنية في صور تطرح معادلة بين الذاكرة المعيشية والوطن المفقود. فلا يقتصر على سرد الأحداث أو استحضار التراجيديا، بل يحاول إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني، من خلال لغته الخاصة المتحركة بين الأبعاد الفكرية والجمالية بأسلوب فني يتسم بالتكثيف الدلالي. وترفع من قيمة المعنى الرمزي لواقع الفلسطينيين، حيث يصبح الوطن ليس مجرد أرض مفقودة بل تمثيل يستحضر في اللغة. *** ينقل د. عادل الأسطة في حواره مع محمود درويش، بعد عودة هذا الأخير إلى رام الله، إثر اتفاق أوسلو، ما قال له الشاعر "لقد تخيلت حلم العودة قبل سنين وعبّرت عنه، بل لقد صوّرت عودتنا". ويذكر له الشاعر قصيدته "مأساة النرجس.. ملهاة الفضة"، التي نشرها في ديوانه "أرى ما أريد "1990، ويصيف د. الأسطة "لقد رأى ما أراد وعبّر عنه". ويؤكد أيضا على أن "دال العودة في الأدبيات الفلسطينية دال حاضر منذ الأعوام المبكرة جداً للنكبة. لقد تكرر في عناوين الأعمال الأدبية وتكرر في القصائد أيضاً". للمزيد انظر، https://samanews.ps/ar/post/332407/%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%C2%AB%D9%85%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B1%D8%AC%D8%B3-%D9%85%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B6%D8%A9%C2%BB-%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B7%D8%A9
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (32)
-
-شقيقات قريش-: قراءة أنثروبولوجية في سرديات العرب الكبرى
-
فاضل الربيعي: رثاء بفكرة مؤجلة (إعادة قراءة)
-
قراءة في -دروس الحرب والهزيمة-: عبرة العرب من هزيمتهم
-
ستة أقدام بحجم قبر. قصة قصيرة
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (31)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (30)
-
الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في
...
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (29)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (28)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (25)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (24)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (23)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (26)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (27)
-
استثمار الكارثة بين العقاب الإلهي والشخصنة والتأويل
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (22)
-
مختبر فلسطين: تسويق وتصدير تقنيات الاحتلال
-
الطوفان وأشياء أخر (21)
المزيد.....
-
نادي السرد في اتحاد الأدباء يحتفي بالروائي حميد المختار
-
صراع في نقابة الفنانين السوريين.. مازن الناطور يلغي قرار عزل
...
-
نقيب الفنانين في سوريا مازن الناطور يرد على قرار عزله بإقالة
...
-
-مين فيهم-؟.. صناع فيلم -درويش- يشوقون الجمهور لشخصية عمرو ي
...
-
سوريا.. هل قرار سحب الثقة من نقيب الفنانين مازن الناطور صائب
...
-
قداس يتسم بأجواء أفلام -حرب النجوم-.. كنيسة ألمانية تبتكر وس
...
-
قبل حوالي 2500.. كيف أسست أميرة بابلية أول متحف في العالم؟
-
سناء الشّعلان تفوز بجائزة مهرجان زهرة المدائن الفلسطينيّة عن
...
-
نقابة الفنانين السوريين تسحب الثقة من نقيبها مازن الناطور وس
...
-
مصر.. مقترح برلماني بتقليص الإجازات بعد ضجة أثارها فنان معرو
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|