أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان واشياء أخرى (35)















المزيد.....

عن الطوفان واشياء أخرى (35)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 20:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


فرية الدم... وأطفال غزة
عندما يُقتل إسرائيلي، سواء أكان مدنياً أو دبلوماسياً، يتحول الحادث فوراً إلى دليل على "العداء الأبدي لليهود". ويجري ربط الواقعة بالعنف والتطرّف، وتوظيف هذا الربط لترسيخ شرعية الردّ العسكري، ولتبرير ما يقوم به الجيش والمستوطنون، سواء داخل الأرض المحتلة أو ضد الفلسطينيين في أي مكان. ويضطلع الإعلام المأجور أو المتواطئ أو المنافق بدوره فوراً، فيستدعي رموز الخوف والكراهية، يكرّرها حتى تُطبّع في الذهن، وتتحول إلى "حقيقة راسخة". ويُنقل النقاش من حيز القانون والأخلاق إلى حيز المعركة "الحضارية" ضد "الهمجية"، بما يسد أفق أي حل محتمل أو انفراجة ممكنة، وتُفرَض ثنائية الخير والشر. ويُعاد إنتاج سردية "الضحية الأبدية" بطريقة تمنع أي مساءلة أو نقد.
قبل مدة (14 أيار 2025) استخدم نتنياهو مصطلح "فرية الدم"* Blood Libel للرد على اتهام أوروبي لإسرائيل بتجويع وقتل أطفال غزة. ما استخدمه نتنياهو ليس كلمة عادية، ولا عبارة تُقال وتُنسى، إنها مصطلح مثقل بالرموز والحمولات التاريخية (الدينية والاجتماعية والنفسية)، يعود إلى القرون الوسطى** حين كان يتهم اليهود -دون إثبات- بخطف وقتل أطفال مسيحيين واستخدام دمائهم في طقوس عيد الفصح اليهودي(بيساح).
ما حصل الآن، أن نتنياهو أعاد استخدام وتفعيل هذا الرمز الخطير سياقاً معاصراً لنزع شرعية الانتقادات الأوروبية لسياسات إسرائيل. وشيطنة هذا الموقف بوصفه استمراراً لمعاداة "السامية" التاريخية. ونقل المعركة -أخلاقياً على الأقل- إلى الجانب الرمزي والتاريخي للمظلومية اليهودية، وكأن أوروبا الحديثة تكرر خطاياها القديمة.
فبدلاً من القيام بمناقشة الوقائع (كالمجاعة في غزة أو قتل الأطفال)، قام بربط هذه الانتقادات المعاصرة بإرث دموي قديم، يزيد من شعور الأوروبيين بالذنب ويمنح إسرائيل حصانة أخلاقية.
ولكن مهلاً [دائماً هناك ولكن] من المتهم هنا؟... من القاتل؛ ومن الضحية؟
عبر التاريخ، كان اليهود يتهمون بقتل الأطفال، أما اليوم، فالعالم كله يرى -بالصوت والصورة- الأطفال يقصفون ويقتلون ويموتون جوعاً في غزة، وما استعارة نتنياهو لفرية الدم -تلك الشيفرة السحرية المشحونة بالخوف والاضطهاد والذنب المسيحي، ناهيك عن المظلومية اليهودية، سوى أداة لإنتاج خطاي دفاعي (وهجومي بآن معاً) لحماية جيشه فيقوم بخلط الوقائع بالرموز، متلطياً وراء مظلومية عمرها قرون كمحاولة استباقية لترسيخ الاتهام الأخلاقي بتوظيف ذاكرة الاضطهاد القديم، مع تجاهل السياق المادي والمعاش اليوم في غزة.
هو لا يخاطب الأوروبيين فحسب، بل يخاطب الوعي الجمعي الإسرائيلي، وكأنه يقول لهم "نحن لسنا قتلة أطفال. نحن ضحايا فرية عمرها قرون. وأنتم، (أيها الغرباء)، تعيدون إنتاجها اليوم بصيغة مختلفة." مستنفراً آليات دفاع نفسي مقدسة وراسخة في الوعي اليهودي (يدعى في علم النفس آلية الإنكار الدفاعي Defensive Denial التي ترفض الاعتراف بالواقع، وتهرب من الشعور بالذنب أو المسؤولية، إلى خطاب أسطوري يدّعي البراءة، بمعنى: " ما دمنا ضحايا فرية الدم، فكل نقد لنا هو ظلم، وكل مقاومة ضدنا هي كراهية، وكل طفل يموت ليس بسببنا بل بسبب "استخدامهم له كدرع بشري".)
إن التذكير بسلوك قديم ومنسي مثل "فرية الدم" يعني استدعاء تاريخ طويل من الاضطهاد يستحضر معه حزمة رمزية كاملة من خيوط الذاكرة الجمعية اليهودية***: محاكم التفتيش، فطير صهيون، الهولوكوست، وصورة "اليهودي الضحية المظلومة" المحاطة بالكراهية، ويصبح هدف هذا الخطاب قلب المعادلة. فبدلاً من أن تكون إسرائيل هي قاتلة الأطفال، تصبح هي الضحية، والمجتمع الدولي هو الجلاد. ولأن "فرية الدم" لم تقتصر على أوروبا، بل وقعت حادثة مشابهة في دمشق (قضية الأب توما سنة 1840، انظر الهامش ** أدناه)، فإن خطاب نتنياهو يحمل رسالة مبطنة للعرب والمسلمين "أنتم لستم أفضل منهم، ولا أقل عداءً لنا منهم، لقد شاركتم هذه التهمة أيضاً".
ويحمل هذا القول معنىً مزدوجاً، فهو من جهة، يخاطب الغرب بمنطق المظلومية اليهودية العريقة واعتبار اليهود ضحايا التاريخ الأوروبي. ومن جهة أخرى، يتهم العرب والمسلمين بالاستمرار في تكرار عدائية هذا التاريخ عبر تبني خطاب متجذر معادي لإسرائيل وللسامية لا يمت للأخلاق والسياسة بصلة.
ورغم سمعته الشهيرة بالكذب والمراوغة، يظل نتنياهو خطيباً بارعاً (هل نسينا ما قاله في الكونغرس؟). قادر على تحويل أبشع التهم الأخلاقية إلى سرديات عاطفية ورمزية ذات بنية متماسكة، وهو لا يدحض الواقع، بل يستخدم الذاكرة اليهودية كمخزن لا ينضب ليعيد تشكيل الصور والأساطير والكوابيس التاريخية لتُنقذه من مواجهة الوقائع، والتأكيد على أن إسرائيل ليست قاتلة للأطفال، بل ضحية.
هو لا يناقش الجوع في غزة، بل يهاجم "لغة الجوع" التي تُذكّره بجروح سرديته الجماعية. واستخدامه لمصطلح "فرية الدم" ليس عفوياً، بل محسوباً بعناية شديدة، لأنه يعيد تموضع إسرائيل كـ"ضحية"، لا كقوة محتلة، كما يربط نضال الفلسطينيين بنمط قديم من الكراهية الأسطورية ضد اليهود، ويشكك في صدقية الخطاب الإنساني والأخلاقي الموجّه ضد ممارسات جيشه. وبالتالي ثبيت صورة "الضحية الخالدة" التي نسجتها الصهيونية والتي تصور إسرائيل كملاذ آمن وامتداد للشتات اليهودي المضطهد. وبهذا المعنى، لا فرق، في هذا الخطاب، بين حاخام قتل في وارسو أو كييف قبل خمسة قرون، وطفل مات أو قتل طفل يهودي في سديروت الآن (نحن حتى الآن لا نعرف من قتله أصلاً)، فجميعهم، عند نتنياهو، ضحايا لكراهية واحدة أبدية لا عقلانية.
وهكذا، يلغي مثل هذا التعميم السياق تماماً، فلا احتلال، ولا استعمار، ولا أبارتيد، ولا قتل يومي لشعب أعزل، ولا اقتلاع وطني، ولا اضطهاد قومي، ولا طرد... لا قصف، ولا تجويع. لا تغول القوة العسكرية ولا بطش سادي، لأن "اليهودي يظل ضعيفاً حتى لو امتلك القنابل النووية.
وهذا تحديداً ما نشهده اليوم.
فبعد مقتل موظفين في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، أعاد الإعلام العبري تشغيل الأسطوانة ذاتها.
أحد القتلى، "يارون ليشينسكي"، كان قد نشر تغريدة قبل مقتله بيوم واحد (22 أيار 2025) على منصة X يتهم فيها الأمم المتحدة بـ"نشر الأكاذيب" حول تجويع أطفال غزة... ، ويصف ليشينسكي في هذه التغريدة، الادعاءات بأن "14 ألف طفل في غزة معرضون لخطر الموت" بأنها "فرية دم حديثة"، مشيراً إلى أن هذه المعلومات مضللة وتغذي معاداة السامية.
إن الطفل الفلسطيني الجائع في غزة، والخائف في الضفة ليس جزءً من أسطورة، بل حقيقة حاضرة، يجب أن يُعاد إليها السياق والاسم والمكان والزمن. يريد نتنياهو ومؤيدوه أن نصدق أنّ ثمة مؤامرة كونية على إسرائيل. كل تقرير حقوقي، كل تصريح أممي، كل صورة من غزة، هو مجرّد جزء من تلك المؤامرة. وليس سوى تكرار لأسطورة "فرية الدم" المعادية لليهود.
بعبارة أخرى: إنكار الواقع يصبح أداة دفاع أخلاقي. لكن الأخطر أنّه لا يُستخدم للدفاع فقط، بل للتحريض أيضاً. حين يُصوَّر كل نقد لإسرائيل ككراهية لا عقلانية، تُلغى شرعية هذا النقد تماماً. وعندما يُساق أطفال غزة ككذبة مقصودة لتشويه سمعة الدولة، يصبح من "الواجب الأخلاقي" دحض هذه الكذبة بالقوة. القوة التي لا تفرّق بين رضيع ومقاتل، بين مشفى وموقع عسكري، بين صورة مجاعة وشائعة إلكترونية.
نتنياهو لا يدافع عن إسرائيل، هو يُعدّها نفسياً لحرب مفتوحة على كل من يشكّك بسرديتها. يقدّم لهم درعاً أخلاقياً يتجاوز القانون الدولي، ويؤسّس لحق "مقدّس" في البطش. وحين تتكرّر الكلمة—"فرية الدم"—في إعلامهم، يتكرّر معها نمط في التفكير: "نحن لا نقتل الأطفال، نحن نُتهم بقتلهم زوراً"
هذه العبارة تفتح المجال أمام تحويل كل جريمة إلى ردّ مشروع. كل غارة إلى فعل دفاعي. كل شهيد فلسطيني إلى حلقة في مؤامرة أبدية ضد "شعب النور".
لكن هذا الخطاب، الذي يلبس ثوب التاريخ، يُسقط الواقع. كم طفلاً مات في غزة؟ كم واحداً مات جوعاً؟ كم أمّاً دفنت أبناءها تحت الركام؟
لن تجد رقماً في خطابات نتنياهو. لن ترى صورة واحدة. لأنه لا يريدك أن تنظر هناك. يريدك أن تلتفت إلى أوروبا القرن الثالث عشر، وإلى دمشق القرن التاسع عشر، إلى مجازر الذاكرة. يريدك أن تنسى المجازر الجارية الآن.
لا يكفي أن نقول "إسرائيل مجرمة"، بل يجب كشف كيف تحتمي بصور أسطورية تبني جداراً نفسياً ضد النقد. فغزة الآن، في المخيال الإسرائيلي اليهودي الصهيوني، تُشبه "عماليق"**** التوراة لأسباب مركبة: هناك مقاومة لا تخضع، وكثافة سكانية "شبه خرافية"، حيث يولد جيل جديد من الأطفال كل عام، مما يعيد إنتاج "العدو"، إنها محاصرة ومحاصِرة في الوقت ذاته. لهذا، حين تُقصف وتُمحى عائلات كاملة من السجل المدني فإنما هذا لأن هؤلاء الغزيين "ليسو بشراً عاديين"، بل "حيوانات بشرية" ... "عدو توراتي" خارج التاريخ الطبيعي، وبالتالي كل من يعترض على إبادتهم يكون كمن يعارض إرادة إلهية عمرها 3000 سنة، كما استعار نتنياهو ذلك في أحد خطاباته (28 تشرين الأول 2023). واستعارة نتنياهو أو غيره من الساسة الصهاينة لمفهوم "العماليق ليست تفصيلاً لغوياً، بل مفتاح تأويلي بالغ الخطورة في فهم البنية الدينية–السياسية التي تحكم تعاملهم مع الفلسطينيين، ومع غزة تحديداً. وحين يُشَبَّه الفلسطينيون بـ "العماليق"، فإن هذا يُحوّلهم من خصم سياسي إلى عدو وجودي مطلق، لا يجوز التفاوض معه ولا حتى مجرد إبقائه حياً.
في النهاية، لا يُعيد نتنياهو إحياء "فرية الدم" إلا ليُفرغها من معناها. يحوّلها إلى سلاح بلاغي يقتل به الحقيقة، لا ليُظهرها. لكن الدم، حين يُسفك علناً، لا يحتاج إلى فرية ليُدين قاتله، وإذا كان كلّ نقد لإسرائيل معاداة للسامية، فمتى يصبح القتل جريمة؟ وإذا كان كلّ طفل يُقتل في غزة مجرّد "ضحية كذبة"، فمن يملك الحقيقة؟ ومن يملك الجسد؟ ومن يملك الصوت؟
نحن في معركة مصيرية حاسمة علينا أن نثبت فيها الفارق بين معاداة السامية ومناهضة الاستعمار، فنقد إسرائيل ليس معاداة لليهود، بل رفضاً لنظام فصل عنصري واستيطان عرقي. فهل من الممكن أن تكون الرواية الرسمية، التي تتحدّث عن "النور"، هي ذاتها التي تخفي المجازر في الظلّ؟ وهل يمكن أن تتحوّل ذاكرة الضحايا إلى درع لجلادين جدد؟
متى ينكسر هذا التعاقد بين العمى والبراءة؟ ومتى يُصبح الصمت تواطؤاً وليس حياداً؟ ومتى يُصبح السكوت عن الأطفال قتلاً آخراً، وليس محض موقف سياسي ؟
الأسئلة لا تنتهي، لكن الجثث أيضاً لا تتوقف.
فهل نكتفي بالتاريخ ذريعة، أم نواجه الحاضر وجهاً لوجه؟
لا بد من إعادة صياغة الخطاب على هذا الأساس، وبأدوات دقيقة غير عشوائية، تخضع لمنطق الأمور أكثر من العاطفة.
علينا التفكير بعقل بارد وقلب حار
....
*للمزيد انظر https://www.alquds.co.uk/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%88%D8%B5%D9%81-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%87-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B2%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%AA%D9%86/
وانظر هنا https://x.com/IsraeliPM/status/1922621353808597434?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1922621353808597434%7Ctwgr%5Ec04cb8285e8e35ebeec2ec43bf450374e0b28ebf%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2FD8A8D8B9D8AF-D988D8B5D981-D8B3D98AD8A7D8B3D8AAD987-D8AAD8ACD8A7D987-D8BAD8B2D8A9-D8A8D980D8A7D984D985D8AED8B2D98AD8A9-D986D8AAD986%2F
** أول توثيق معروف لهذه التهمة يعود إلى قضية الطفل ويليام William of Norwich من مدينة نورويتش شرق إنكلترة، حيث اتهم اليهود بقتله ضمن طقوس معينة في العام 1144، مما مهد لاحقاً لتكرار مثل هذه التهم -دون أساس صحيح لها- ضد اليهود في دول أوروبية مختلفة، مثل ألمانيا، بولندا، فرنسا، والنمسا، وغالباً ما كانت تؤدي إلى مذابح أو عمليات طرد جماعي لليهود. لعبت هذه الفرية دوراً كبيراً في تشكيل صورة "اليهودي الخبيث والغامض" في المخيال المسيحي الأوروبي، فتم تصوير اليهود ككائنات غريبة لا تتبع القيم الأخلاقية أو الإنسانية، وهو ما غذى معاداة "اليهود" لأجيال عدة.
جدير بالذكر الإشارة السريعة لحادثة دمشق الشهيرة التي وقعت في العام 1840 والمعروفة بقضية "فطير صهيون" وتُعد من أبرز وقائع "فرية الدم" في العالم العربي، بل من أوائل تجلياتها العنيفة في السياق الحديث، والتي ارتبطت باسم محدد وصريح، أي فطير صهيون إلى فطير الفصح اليهودي. ففي شباط من ذلك العام اختفى الراهب الفرنسيسكاني الإيطالي الأب توما مع خادمه المسلم إبراهيم عمارة في حارة اليهود بدمشق. فاتهم اليهود، بالأخص بعض كبار الطائفة، بقتلهما لاستخدام دمهما في صناعة فطير عيد الفصح (الماصّا أو ماتساه המצה) وهو نوع من الخبيز غير المخمر يتناولونه في طقس "ليلة السيدر" في افتتاح الفصح (بيساح). ولا يغيب عن العارفين دلالة هذا الطقس، إذ تذكر المرويات الكتابية أن بني إسرءيل أكلوا هذا النوع من الخبز عندما خرجوا مسرعين من مصر، فلم يكن لديهم وقت ليُخمّروا عجينهم. ويرمز فطير صهيون في التقليد اليهودي إلى الحرية والخروج من العبودية والتطهر والانضباط الروحي حيث يُمنع أكل أي طعام مخمّر خلال العيد.
*** تمثل "فرية الدم" في الذاكرة الجمعية اليهودية "جرح نفسي ووجودي". وهي لا تشير فقط إلى الاتهام، بل إلى كل ما تبعه: المطاردة، الحرق، الطرد، القتل، العزلة. وهو ما جعل تلك الذاكرة تقوم على دعائم مرتبطة بهذه المعاني أي :المنفى والاضطهاد و الخلاص المأساوي، لذلك، عندما يشعر زعماء إسرائيل بتهديد أخلاقي أو رمزي، فإن رد الفعل النفسي الغريزي هو استدعاء هذه الذاكرة وتفعيل وضعية الدفاع الوجودي. لكنهم يتجاهلون، في المقابل، التحول الجذري في الرموز، فالضحايا الآن لم يعودوا يهود أوروبا، بل فلسطينيي غزة والضفة والشتات، والدم المسفوك لم يعد "فرية"، بل موثق بالصوت والصورة.
**** تذكر النصوص الكتابية العماليق كأشد "أعداء بني إسرائيل، حيث هاجموهم بعد خروجهم من مصر، واعتُبروا رمزا ل ـ"الشر المتجسد". وأوصى يهوه في سفر صموئيل الأول (الإصحاح 15) شاؤول بقتالهم "2 هكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ.3 فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا». هذا النص، في حالته هذه، دعوة صريحة إلى الإبادة التامة، بما يشمل الأطفال والرضّع والدواب. واللافت أن شاؤول "فشل" في تنفيذ الإبادة الكاملة، فغضب عليه الرب وسُحب منه الملك. وحين يستخدم نتنياهو هذا المجاز، ولو تلميحاً، فهو لا يقول فقط إن "غزة عدو"، بل: هي شرٌّ لا يمكن إصلاحه، ويجب استئصاله جذرياُ.الأطفال ليسوا أبرياء، بل هم بمنزلة "عماليق صغار". كل تساهل أو شفقة تُعد خيانة لأمر إلهي/تاريخي. للمزيد انظر https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D8%B6%D8%B1%D8%A8%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D9%84/ وهكذا بدل أن يُسأل الجندي عن ضميره، يُقال له: أنت تُنفذ وصية الرب القديمة. كما أنه يسلب الفلسطينيين إنسانيتهم، فإذا كانوا "عماليق"، فهم ليسوا بشراً مثلنا، بل كائنات شيطانية تتوارث الحقد، ويُجب قتلهم واستئصالهم "من الجذور"، فلا تسوية معهم إذ لا يمكن التفاوض مع "العماليق"، لأنهم، حسب بنية الخطاب، لا يعترفون إلا بالقوة، ولا يُبادلون إلا بالكراهية.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (35)
- عن الطوفان واشياء أخرى (34)
- الطوق والأسورة: من الرواية إلى السينما... ميلودراما عجزت عن ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (33)
- -مأساة النرجس، ملهاة الفضة-... عن تجربة بنيوية في ذاكرة شخصي ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (32)
- -شقيقات قريش-: قراءة أنثروبولوجية في سرديات العرب الكبرى
- فاضل الربيعي: رثاء بفكرة مؤجلة (إعادة قراءة)
- قراءة في -دروس الحرب والهزيمة-: عبرة العرب من هزيمتهم
- ستة أقدام بحجم قبر. قصة قصيرة
- عن الطوفان وأشياء أخرى (31)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (30)
- الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (29)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (28)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (25)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (24)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (23)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (26)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (27)


المزيد.....




- القاهرة تعلن إجلاء 71 مصريا من ليبيا
- روسيا تعرض على أسرى الحرب الأوكرانيين الانضمام إلى قواتها -ل ...
- مساعدات تتعرض للنهب وغوتيريش يندد بـ-الفترة الأكثر وحشية- في ...
- هل يجبر ترامب إيران على التخلي عن برنامجها النووي؟
- طلاب إيرانيون يشكلون سلسلة بشرية أمام منشأة -فوردو- النووية ...
- كل التضامن مع معركة الفرع المحلي لجمعية المعطلين حاملي الشها ...
- واشنطن تصدر ترخيصا عاما لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا
- نابولي ينتزع لقب الدوري الإيطالي للمرة الرابعة في تاريخه
- قاضية توقف قرار إدارة ترامب منع -هارفارد- من قبول الطلاب الأ ...
- مفوضية أممية: اليأس دفع مئات الروهينغا للهلاك في البحر


المزيد.....

- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان واشياء أخرى (35)