أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - صلاح نيازي الاغتراب، الشعر، والترجمة














المزيد.....

صلاح نيازي الاغتراب، الشعر، والترجمة


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 12:30
المحور: الادب والفن
    


صلاح نيازي في رحاب الاغتراب، الشعر، والترجمة

الدكتور صلاح نيازي (ولد 1935 في الناصرية جنوب العراق) هو أحد أبرز الشعراء والمترجمين والنقاد العراقيين في قرننا الحديث، عرفته الساحة الأدبية العربية كمبدع متعدّد الأبعاد، يتقاطع فيها الشعر مع الاغتراب الثقافي، وتشظّى الوجدان بين الوطن والمنفى، فجاءت تجربته انعكاسًا لتوترات تاريخية وسياسية وسيكولوجية عميقة في الذاكرة العراقية والعربية.
ولد نيازي في بيئة جنوبية عراقية متأثرة بثقافة شعرية عريقة، لكنه سرعان ما وجد نفسه في خضمّ التحولات السياسية الحادة التي عرفتها العراق في منتصف القرن العشرين. بعد دراسته في بغداد وعمله في الإذاعة والتلفزيون العراقيين، تعرض للاعتقال في انقلاب شباط 1963، تاركًا وراءه مجتمعًا سياسيًا معقّدًا وعنيفًا دفعه إلى ترك وطنه نهائيًا والسفر أولًا إلى حلب ثم تركيا، ثم الاستقرار في لندن منذ عام 1963–1964.
هذا الاغتراب الغيّري، الذي لم يختاره نيازي لكنه وُجّه إليه بفعل الظروف القاسية والعنف السياسي، شكّل نقطة التحول في مساره الشعري والثقافي؛ إذ أصبح الاغتراب ليس مجرد حالة جغرافية وإنما حالة نفسية وجدانية وعنوانًا لوجوده الإبداعي.
ولعلّ هذا ما جعل تجربته المختلفة عن مجمل الشعر العربي التقليدي في ذلك العصر؛ فهي ليست تمجيدًا للسياسة أو التموقع الحزبي، بل نظرة نقدية حذرة تجاه السياسة، وميل إلى الجمالي الإنساني والتجربة الفردية في ظلّ تحولاته الكبرى.
انطلقت تجربة نيازي الشعرية في أوائل الستينات، بديوان «كابوس في فضة الشمس (1962)، مرورًا بمجموعات مثل الهجرة إلى الداخل» (1977)، نحن (1979)، الصهيل المعلّب (1988)، وهم الأسماء (1996)، وصولًا إلى دواوين لاحقة تشمل الاهتمام بالوجود والهوية والكتابة في المنفى.
تتميّز هذه الأعمال بالاندماج بين الشكل الكلاسيكي والإيقاعات الحديثة، وهي تعبّر عن الذات في مواجهة الاغتراب والعزلة، اللتين لعبتا دورًا جوهريًا في تشكيل رؤيته الشعرية ووجدانه المكاني
الاغتراب في شعر نيازي ليس مجرد غربة في المكان، بل هو غربة الوعي والهوية، وعزلة الذات أمام التاريخ والمكان والذاكرة. لقد عبّر نيازي في نصوصه عن «حالة انقسام الوجود، بين ذاكرة الماضي التي لا تُمحى، وبين واقع المنفى الذي يفرض إعادة تأسيس الذات. يلعب الاغتراب هنا دورًا مركزيًا في بناء النصوص الشعرية، باعتباره تجربة وجودية قبل أن يكون واقعة جغرافية بحتة.
لا يمكن فهم تجربة نيازي الأدبية بمعزل عن نشاطه النقدي والترجمي، اللذين شكّلا جسورًا بين الثقافات العربية والغربية.
عمل نيازي على قراءات نقدية متعددة، تبرز فطنة تحليلية وفهمًا عميقًا للغة والرمز والتاريخ الأدبي، بعيدًا عن الضبابية النظرية الجافة، وهو ما يجعل نصوصه النقدية ممتعة وذات بعد إنساني عميق.
لقد انخرط نيازي في مشروع ترجمي طموح، حيث ترجم مجموعة من الأعمال الأدبية الكبرى إلى العربية، مثل:
رواية العاصمة القديمة لياسوناري كاواباتا
مسرحيات شكسبير مثل ماكبث وهاملت
رواية يوليسيس لجيمس جويس، وهي واحدة من أهم الإنجازات في الترجمة الأدبية إلى العربية والتي أنجزها على مدى سنوات طويلة بمفرده في لندن.
ولا تقتصر قيمة الترجمات عند نقل النص فحسب، بل في كيفية نقل «الصوت» والأسلوب والعمق الدلالي، وهو ما ناقشه نيازي نفسه لدى تأمله في الترجمة كنص إبداعي وليس مجرد نقل لفظي.
من أهم منجزات نيازي الثقافية كانت مجلة الاغتراب الأدبي التي أسسها عام 1985 مع زوجته الكاتبة سميرة المانع، واستمر في تحريرها حتى 2002، وقد مثلت منصة مهمة للأدب العربي في المهجر، وساهمت في دعم الكتاب المغتربين، والاحتفاء بالإبداعات الجديدة خارج دوائر النشر التقليدية.
تميزت المجلة بكونها مساحة حرّة للكتابة وتجريب الأشكال الأدبية، وغدت مرجعًا للعديد من الأدباء المغتربين، ومثالًا على كيفية استعمال الاغتراب كمنطلق للنقد والتفاعل مع تجارب أدبية عالمية.
يحظى نيازي باعتراف ثقافي داخل العراق وخارجه، إذ تناقش كتاباته في العديد من الدراسات والأبحاث الأدبية، ويمثل أحد الأصوات الشعرية العراقية التي حاولت الدمج بين الذاكرة التاريخية والحداثة.
ترجمات شعره إلى لغات مثل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية تؤكد حضوره خارج السياق العربي، كما ضُمّت بعض نصوصه ضمن مختارات شعرية في بريطانية مثل كتاب أفضل الشعر البريطاني 2015، ما يعكس اهتمامًا دوليًا بتجربته الشعرية وإسهاماته الثقافية في المنفى.
تمنحنا تجربة الدكتور صلاح نيازي رؤيةً فريدة عن كيف يتحول الشعر إلى مرآة للوجود في زمن الاغتراب، وكيف يمكن للترجمة أن تكون فعل مقاومة ثقافية وتوسيعًا لإمكانات التعبير والوعي. إن أسلوبه ينطلق من الذات إلى العالَم، ومن الاغتراب الفردي إلى مساحات مشتركة مع الثقافات الإنسانية الكبرى.
يبقى نيازي في مثلث الشعر، النقد، والترجمة، شخصية متميزة في الأدب العربي الحديث، إذ لم يكتفِ بتسجيل الوجدان، بل جعله موطنًا للإبداع الذي لا يرضى بالحلول السطحية، ولا يتراجع أمام صعوبة التجربة ووتائر التاريخ الصعبة.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .جلالة الملك التطوّر
- ملائكة المسافات
- منى الصرّاف امرأة واحدة تمثل آلاف النساء
- كريم ناصر الذات التي تكتب الذات
- عبدالباقي فرج صور ومحطات مكانية وزمانية
- الشاعر حمد شهاب الأنباري أسلوب الاعتراف
- وداد الواسطي المرونة والإنسياب الشعري
- الشاعر يوسف الصائغ على حافة الجرح
- الناي قصبة جوفاء كانت يومًا ما خضراء
- عصمان فارس المغني الفنان الممثل المخرج الناقد المسرحي
- الشاعر عبدالله كوران عمل في إذاعة يافا فلسطين القسم الكردي
- الشاعرة السعودية عطاف سالم
- الشاعرة جيهان محمد حسن خلف قضبان المسافة
- الفنان والكاتب يحيى ااشيخ
- شيركو بيكس شاعر الحرية والخيال
- الشاعر عبد الكريم كاصد
- الفنان والأديب سمير عبد الجبار
- الشاعر سعدي يوسف
- الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء
- بيورنسن النرويجي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1903


المزيد.....




- عام من -التكويع-.. قراءة في مواقف الفنانين السوريين بعد سقوط ...
- مهرجان البحر الاحمر يشارك 1000 دار عرض في العالم بعرض فيلم ...
- -البعض لا يتغيرون مهما حاولت-.. تدوينة للفنان محمد صبحي بعد ...
- زينة زجاجية بلغارية من إبداع فنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة ...
- إطلاق مؤشر الإيسيسكو للذكاء الاصطناعي في العالم الإسلامي
- مهرجان كرامة السينمائي يعيد قضية الطفلة هند رجب إلى الواجهة ...
- هند رجب.. من صوت طفلة إلى رسالة سينمائية في مهرجان كرامة
- الإعلان عن الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي ...
- تتويج الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...
- -ضايل عنا عرض- يحصد جائزتين في مهرجان روما الدولي للأفلام ال ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - صلاح نيازي الاغتراب، الشعر، والترجمة