أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء














المزيد.....

الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 12:44
المحور: الادب والفن
    


قصيدة عدالة عرجاء

للشاعرة سلمى الزياني هي نصّ مكثّف الدلالة، يزاوج بين الرمزية العميقة والواقعية المؤلمة، ويقدّم رؤية نقدية للعدالة الدولية من موقع «الكرسيّ» — هذا الكائن الصامت الذي يتحوّل إلى شاهد وشهيد في آن واحد.
فيما يلي تحليل أكاديمي تفصيلي للقصيدة من حيث البنية الدلالية، الصورة الشعرية، الأسلوب، والرمز.
«عدالة عرجاء» عنوانٌ يقوم على مفارقة قوية: العدالة — بما يفترض أن تكون عليه من كمال واتّزان — تُوصَف بالعرج، أي بالخلل والنقص.
التركيب الاسمي يُحدث توتّراً دلالياً بين القيمة المثالية (العدالة) والحالة الجسدية الناقصة (العرج)، فيتحول العنوان إلى مفتاح تأويلي للنص بأكمله، إذ يُمهّد لفكرة أن العدالة العالمية ليست سوى هيكلٍ فاقد لأحد أركانه.
«تسند رأسها على خشبتي المتشقّقة
أنا الكرسي المنصوب أمام بوابة الأمم»
القصيدة تبدأ بمشهدٍ ساكنٍ لكنه متوتر: العدالة (المؤنّث المجازي) تُسند رأسها على خشبةٍ متشققة، أي أنها تستند إلى ما هو ضعيف، هشّ، فاقد القدرة على الاتزان.
ثمّ يُفاجئنا الصوت الشاعر المتكلم: «أنا الكرسي» — هنا يتحول الجماد إلى ذات ناطقة، وهو اختيار رمزي ذكي، إذ يجعل من «الكرسيّ» مرآةً للسلطة الدولية وموقع الحكم والقرارات.
إسناد الصوت إلى كرسيّ أمام بوابة الأمم يشي بأن المتكلم هو رمز العدالة العالمية، لكنه مخلوع من كماله، ناقص الأركان، كما سيتضح لاحقاً.
«كرسيّ بثلاثة أرجل
أُبقيت واقفا كي لا ينسى العالم
أن ساقا رابعة أُكلت في حرب ما»
الكرسيّ بثلاث أرجل هو صورة مركزية في النص، تشكل رمزاً للتوازن المفقود.
فهو لا يمكن أن يستقيم، ومع ذلك «أُبقي واقفاً» — أي أن العالم يُصرّ على الإبقاء على مظهر العدالة رغم عجزها البنيوي.
الساق الرابعة المفقودة التي «أُكلت في حرب ما» تختزل التاريخ الإنساني من الحروب والمجازر، وكأنّ العدالة فقدت إحدى ركائزها حين صمتت عن الجرائم أو تواطأت مع القوّة.
هذا الجزء يقدّم نقداً عميقاً للمنظومة الدولية التي تُزيّن نفسها بالرموز الإنسانية بينما تقوم على تاريخٍ من الاستباحة.
«من هنا
يمرّ السفراء
بربطات أعناق لامعة
وأحلام باهتة
يتحدّثون عن السلام
وأسمع في الريح أصوات الألغام»
هذه المقاطع تمثل نقطة التحوّل في النص من الرمز إلى المشهد الواقعي.
يتجسّد التناقض بين المظهر (ربطات الأعناق، الخطابات عن السلام) وبين الجوهر (أصوات الألغام في الريح).
تعمل الأفعال «يمرّ»، «يتحدّثون»، «أسمع» على إحداث تتابع زمني يشبه الكاميرا الشعرية التي تلتقط المشهد من موقع الشاهد الصامت.
الكرسيّ — الذي يمثل هنا ضمير الإنسانية — يسمع ما لا يسمعه السفراء: صدى الألغام، أي صوت الموت الذي يُغطّى بالديبلوماسية.
القصيدة تعتمد على إيقاع حرّ قائم على توازن الجمل القصيرة والمتوسطة.
تكرار الأصوات الصلبة (ك، ق، ر) يعزّز الإحساس بالتصدّع، في حين أن الجمل الاسمية («أنا الكرسي»، «أنا تذكاركم الثقيل») تُرسّخ الثبات الصوري للكرسيّ، على عكس عدالةٍ مهتزّة.
الإيقاع هنا مضادّ للوزن التقليدي، لكنه ينتج موسيقى داخلية تعتمد على التوازي الصوتي والمعنوي، كما في:
«ربطات أعناق لامعة / وأحلام باهتة»
المقابلة بين «لامعة / باهتة» تصنع إيقاعاً حسّياً ودلالياً معاً.
«أنا تذكاركم الثقيل
أقف على عرجة شاهدة
على عدم عدلكم»
هنا تبلغ القصيدة ذروة الاتّهام. الكرسيّ يتحوّل من مجرّد رمز إلى وثيقة إدانة.
«تذكاركم الثقيل» يعني أن العدالة ليست فخراً بل عبءٌ على ضمير العالم، «أقف على عرجة» تُجسّد النقص الأخلاقي الذي يطبع المؤسسات الدولية.
إعادة صياغة «عدالة عرجاء» في صورة «عرجة شاهدة» تُظهر براعة الشاعرة في تدوير المعنى دون تكرار لفظي مباشر.
«وحين تهبط الشمس على جنيف
أُظلّل ساحة الأمم
بظلّ مكسور
يشبه العالم كلّه.»
النهاية تتّخذ شكل صورة بصرية مهيبة: الشمس تغرب، والكرسيّ — برغم عرجه — يُلقي ظلاً مكسوراً على ساحة الأمم.
الظلّ هنا الاستعارة الكبرى للعالم المكسور: فكما أن الظلّ مائل أو مشقّق بسبب نقص الكرسيّ، كذلك العدالة مائلة بسبب انكسار الضمير الإنساني.
القصيدة تُغلق بدائرة رمزية تعيدنا إلى العنوان: العرج ليس جسدياً فقط، بل كونيّ، شامل.
الجانبالملاحظةالفكرةمبتكرة، تُوظّف رمزية المكان (ساحة الأمم في جنيف) بذكاء سياسي وشعري.اللغةدقيقة، مشحونة بالصور المجازية دون إسراف. المفردات ملموسة لكنها ذات عمق دلالي.الأسلوبيجمع بين نبرة التوثيق (شبه تقريرية) ونبرة الرثاء، مما يمنح النصّ توازناً بين العاطفة والعقل.الصورةالكرسي بثلاث أرجل – رمز عبقري للتوازن المفقود في العدالة الدولية.الإيقاعحرّ لكنه منضبط داخلياً، يوظّف التكرار والتوازي بنجاح.الخطاب النقديالنصّ يوجّه مساءلة أخلاقية إلى المجتمع الدولي دون خطابة مباشرة.
القصيدة تمثّل نموذجاً لما يمكن تسميته بـ "الشعر السياسي الإنساني"؛ فهي لا ترفع شعارات، بل تكتفي بصورة رمزية واحدة تُحمّلها العالم كلّه.
إنها قصيدة موقف، وفي الوقت نفسه قصيدة جمالية، حيث يتّحد الفنّ مع الضمير.
«عدالة عرجاء» نصّ ناضج من حيث الرؤية والبناء، يرسّخ مكانة سلمى الزياني كشاعرة تمتلك وعياً نقدياً بالعالم، وتستثمر الرمز البسيط (الكرسيّ) لإدانة منظومة معقّدة من النفاق الإنساني والسياسي.
إنها قصيدة تُعيد تعريف الشعر بوصفه شهادة على الخلل الأخلاقي للعالم الحديث، وتُبرهن أن اللغة — حين تُصاغ بعُمقٍ وبصيرة — تستطيع أن توازن بين الجمال والموقف، بين الفنّ والعدالة التي ما زالت، كما تقول، عرجاء.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيورنسن النرويجي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1903
- جائزة المربد للشعر
- الصوت قصة للكاتبة سنية عبد عون
- راقية مهدي وجه الحب السابع
- الفنان التشكيلي عبد الأمير الخطيب الهوية الأصيىة
- الفنان علي النجار بين الوطن والمغترب
- أدونيس أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة المودة بينه وبين المتلقي
- اللوحة
- جنان الحسن الجمال والفن
- نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها
- موزارت عبقري الموسيقى الكلاسيكيةحياة مفعمة بالإبداع والمعانا ...
- المسؤول وغضب المواطن
- دولة ضعيفة تهيمن عليها الأعراف لا القوانين
- محافظة كربلاء قبلة لملاين الزوار تفتقر لحطات تدوير الفايات
- محافظة كربلاء هي قبلة لملايين الزوار تفتقر لمحطات تدوير النف ...
- الغجر أمة عريقة لها ثقافتها وهويتها
- بغداد مدينة السلام
- الحسين بن علي ابن أبي طالب
- تروتسكي كرمز للثورة الأممية والنقد الجذري للبيروقراطية والاس ...
- ملحمة كلكامش ترويض أنكيدو وتحويله من عالم الوحوش إلى عالم ال ...


المزيد.....




- اتحاد الأدباء يحتفي بشوقي كريم حسن ويروي رحلته من السرد إلى ...
- الناصرية تحتفي بتوثيق الأطوار الغنائية وتستذكر 50 فناناً أسه ...
- زهران بن محمود ممداني.. من صفعة ترامب بفوز -فخر الهند- والنا ...
- من غزة إلى عيتا الشعب.. حين يتحول الألم إلى مسرح
- الممثلة التركية فهريّة أفجين تتألّق بتصميمين عربيين في أبوظب ...
- تعاون جديد بين دمشق وأنقرة عنوانه -اللغة التركية-
- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام
- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء