هاشم معتوق
الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 18:13
المحور:
قضايا ثقافية
بين موكب المسؤول وغضب المواطن: حين تتحول الخدمة إلى استعراض
في شوارع مدن العراق، لم تعد مواكب المسؤولين تمر مرور الكرام، بل أصبحت رمزًا صارخًا للفوارق الطبقية، والاستعلاء على المواطن البسيط. فحين يسير مسؤول محلي أو مدير دائرة يتبعه رتل من السيارات السوداء المضللة، فإن الرسالة التي يتلقاها الناس ليست "هيبة الدولة"، بل "احتقار المواطن".
المثال الأقرب على هذا المشهد المتكرر هو ما نشهده في محافظة كربلاء، حيث يُرافق مدير المرور عدد كبير من السيارات الرسمية، بلا مبرر ولا فائدة حقيقية، سوى تضخيم الذات واستعراض السلطة. أما المحافظ، فموكبه لا يقل عن ست سيارات فارهة، مظللة، تحاصر الشارع وتعرقل الحياة اليومية. والسؤال الذي يطرحه المواطنون ببساطة: من يخدم من؟ هل المسؤول جاء ليخدم الشعب، أم ليُرينا كم أصبح بعيدًا عنه؟
الأدهى من ذلك، أن مكاتب هؤلاء المسؤولين تغرق في الفوضى، والمحسوبية، والتمييز بين المواطنين على أساس المظهر، والمكانة الاجتماعية، والولاءات الحزبية. أما المواطن البسيط، فمراجعته لأي دائرة حكومية أصبحت في نظره إهانة لا تُغتفر، ولعنة يتمنى ألا تتكرر.
هذا التفاوت الصارخ بين الشعب والمسؤولين، ليس فقط نتاج تصرفات فردية، بل نتيجة مباشرة لترهل منظومة الحكم، وامتيازات الرئاسات الثلاث التي فاقت حدود المعقول، وعمّقت الهوة بين المواطن والدولة. فعندما يرى الناس الرواتب الفاحشة، والحمايات، والمخصصات، يشعرون أن لا قيمة لهم، وأنهم فقط أرقام في تقارير حكومية.
بل إن المحاصصة الطائفية، والقومية، والحزبية، أصبحت هي القاعدة التي تُدار بها مؤسسات الدولة، بدلًا من الكفاءة، والنزاهة، ونكران الذات. وفي ظل هذا الواقع، كيف نطلب من المواطن أن يثق بدولته أو يحترم مسؤوليها؟
المطلوب اليوم ليس مجرد انتقاد، بل مراجعة جذرية لشكل العلاقة بين الدولة والمواطن. يجب تقليص الامتيازات المبالغ بها، وإلغاء مظاهر الاستعلاء في الشارع، وتفعيل الرقابة على أداء المسؤولين، مع إعادة الاعتبار لمبدأ المواطنة المتساوية. حين يشعر المواطن أن الدولة تُعامله بكرامة، سيحترمها ويدافع عنها.
إن مسؤولية القيادة لا تبدأ بموكب فخم، بل تبدأ من مكتب بسيط، وخدمة متواضعة، وابتسامة صادقة في وجه مواطن جريح. فهل من يسمع؟
#هاشم_معتوق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟