أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها














المزيد.....

نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 20:12
المحور: الادب والفن
    


عبقرية الشكل، وألم الحداثة، وروح إنسانية تتوحد مع العالم
تقف قصائد الشاعرة نجاة عبدالله عند نقطة التماس العميقة بين الألم الإنساني والحداثة الشعرية، حيث تمتزج اللغة بالجرح، وتتماهى الصورة الشعرية مع الوعي الإنساني في أقصى درجاته. إنها كتابة تعبر من حدود الشعر إلى مقام الشهادة الإنسانية، ومن بوح الذات إلى وجع الوجود.
في هذا الديوان القصير، أو هذه المقطوعات الخاطفة، نكتشف نصوصًا جريئة تنفتح على مستويات متعددة من التأويل، وتبني عالَمًا رمزيًا مكثفًا لا يُقرأ قراءة واحدة، بل يستدعي قارئًا يتأمل، ويتوقف، ويُعيد الإنصات إلى نبض الكلمات كما يُنصت إلى قلبٍ في غرفة طوارئ.
أولاً: الحداثة كألم لا كترف
منذ المقطع الأول:
أغدو خلفكَ
قدمٌ في القلب
وقدمٌ في الباب.
تؤسس الشاعرة لعالمها الحداثي ليس عبر كسر الشكل أو القافية فحسب، بل عبر تفكيك الصورة الكلاسيكية للعاطفة. نحن أمام مشهد حبّ لكنه ممزق بين الداخل والخارج، بين القلب والباب، أي بين الإقامة في العاطفة والرحيل عنها.
هذه الحداثة ليست تقنية، بل هي رؤية للعالم قائمة على اللايقين، وعلى حضور الذات في منطقة الحدود بين الممكن والمستحيل، بين الحب والفقد، بين الجسد والروح.
ثانيًا: تشظي اللغة واتساع الرمز
في المقطع التالي:
كنا نقتسم القهوة
كنا نقتسم الصباح الأسود
يدهُ تُشير إلى العصافير الوقحة
ويدي تُشير إلى الفنجان
تصبح القهوة هنا رمزًا للمشاركة والحميمية، لكن الشاعرة تخرق هذا المعنى المعتاد لتقلبه: الصباح أسود، والعصافير "وقحة"، واليد تشير إلى فنجان لا إلى أمل.
اللغة تنزاح عن معجمها التقليدي لتفتح فضاء من المعاني المنحرفة والدالة، إذ تتبدل العصافير من كونها رمزًا للبهجة إلى كونها "وقحة"، والفنجان من كونه أداة دفء إلى كونه شاهدًا على الخيبة.
ثالثًا: صورة المرأة/الأنثى: حرب داخلية وسلام مفقود

في الليل
تضع العجائز
أسنانهن
ونظاراتهن
وابتساماتهن الميتة
على خوذة بيضاء
ويذهبن إلى الحرب
عميقاً
إنه واحد من أقوى المقاطع في النصوص، حيث تُعيد الشاعرة بناء صورة المرأة خارج النمط التقليدي: المرأة هنا ليست رمزًا للسلام أو الحنان، بل هي محاربة رغم الشيخوخة، رغم الخيبة.
"الخوذة البيضاء" ترمز إلى ما يشبه براءة منقرضة، أو محاولة لحماية ما تبقى من الأنوثة في وجه حرب يومية لا تنتهي.
هنا تلعب الشاعرة دورًا لاهوتيًا دنيويًا: تُسائل مصير المرأة في مجتمعات الاستهلاك، الشيخوخة، الحرب، والإنكار.
رابعًا: تفكيك الطمأنينة وبناء الاغتراب
لم أغرق في النوم
حين قلعوا مني
ضرس الطمأنينة
الصورة الصادمة لاقتلاع "ضرس الطمأنينة" تفتح النص على أفق جسدي/روحي مزدوج. الألم هنا لا يخص الجسد فقط، بل هو تشبيه عميق لاقتلاع السكينة، الأمان، الأمل، وربما الوطن.
إنه ألم حداثي لا يحتفي بالمأساة بقدر ما يُعريها، يفضحها، ويحوّلها إلى شكل شعري محمّل بالدلالات.
خامسًا: عبقرية الشكل وتكثيف الصورة

قلبي
أغمسه في الشاي
يتفتت بين أصابعي
وأنهضُ
كمن يفقدُ برتقالة
الصورة هنا تُعيدنا إلى جوهر الشعر الحديث: الدهشة المقلقة. تشبيه القلب المفتّت كـ"برتقالة مفقودة" يحمل سخرية حزينة، وفقدانًا فادحًا لكن من دون صراخ.
إنه شعر ما بعد الألم، حيث يصبح الحزن عاديًا مثل برتقالة، والإنهاك النفسي لا يحتاج إلى ضجيج.
سادسًا: الروح الوجودية – اللاهوت الإنساني
يا شمس
لا تأبهي
بظلام أحبتنا
ويقين فراقهم
نصل هنا إلى أرقى تجليات التصوف الشعري الإنساني، حيث يخاطَب الكون (الشمس) لا بوصفه رمزًا للضوء فقط، بل بوصفه شاهدًا على خذلان الإنسان.
القصيدة لا تستجدي النور، بل تطلب من النور التحرر من الشفقة.
هنا الإنسانوية التي تنبع من ألم شخصي لكنها تنفتح على العالم، على "جميع نساء الأرض والعالمين"،
سابعًا: الضوضاء كقوة خلاقة
حينما يكون
الهدوء قاتلاً
تناولي سيفكِ وأمضي
أيتها الضوضاء
في هذا المقطع تظهر بوضوح قوة المفارقة الشعرية، حيث تُستدعى "الضوضاء" لا كعدو للهدوء، بل كحليف في مواجهة "هدوء قاتل".
تُحول الشاعرة المعجم الشعري بالكامل: السيف للضوضاء، والهدوء قاتل، والمعركة قائمة بين الأصوات لا الصمت.
إنه خطاب شعري يرفض السكون المتواطئ، ويختار الحركة كفعل وجود.
خاتمة: شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها
نجاة عبدالله تكتب نصًا يخترق العادي، ويفكك المألوف، ويعيد ترتيب الألم في صور مبتكرة وجريئة.
ليست شاعرة تلهو بالشكل، بل هي صوت أنثوي/كوكبي يقف عند تقاطع الإنساني والمقدس.
تستخدم أدوات الشعر الحديث — من التكثيف، والاقتصاد اللغوي، وتكسير التوقعات — لكنها تضيف إليه شعريتها الخاصة جدًا:
شعرية القلب المفتت، والمرايا الصامتة، والبرتقالة الضائعة، والنساء المحاربات.
نحن أمام شاعرة نسيج وحدها، لا تشبه جيلها ولا حتى أبناء تجربتها.
كتاباتها تتطلب قارئًا لا يكتفي بالإعجاب، بل يخضع لطقس القراءة كما يخضع المؤمن لصلاته: بخشوع، وتأمل، وربما بدمعة.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موزارت عبقري الموسيقى الكلاسيكيةحياة مفعمة بالإبداع والمعانا ...
- المسؤول وغضب المواطن
- دولة ضعيفة تهيمن عليها الأعراف لا القوانين
- محافظة كربلاء قبلة لملاين الزوار تفتقر لحطات تدوير الفايات
- محافظة كربلاء هي قبلة لملايين الزوار تفتقر لمحطات تدوير النف ...
- الغجر أمة عريقة لها ثقافتها وهويتها
- بغداد مدينة السلام
- الحسين بن علي ابن أبي طالب
- تروتسكي كرمز للثورة الأممية والنقد الجذري للبيروقراطية والاس ...
- ملحمة كلكامش ترويض أنكيدو وتحويله من عالم الوحوش إلى عالم ال ...
- منصور السعيد لوحات تستدعي المفقود لتجعله حضورا متجددا
- الكالفالا العالم يُبنى باليد كما يُبنى بالكلمة
- تشايكوفسكي الموسيقى والتجربة الإنسانية العميقة
- لينين العظيم الإنسان
- زياد رحباني: موسيقى يرجح أن تبقى
- الفن التشكيلي بين القولبة والابتكار
- الشمس
- ملح الصحو
- الصدق المؤقت
- السعيد


المزيد.....




- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...
- في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة  ...
- كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول ...
- تظاهرة بانوراما سينما الثورة في الجلفة بطبعتها الثانية


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها