أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - أدونيس أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة المودة بينه وبين المتلقي














المزيد.....

أدونيس أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة المودة بينه وبين المتلقي


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


أدونيس: بين طغيان الشكل واغتراب المعنى في الشعر العربي الحديث

وُلد أدونيس، واسمه الحقيقي علي أحمد سعيد إسبر، عام 1930 في قرية قصابين قرب اللاذقية في سوريا. نشأ في بيئةٍ ريفية بسيطة، حفظ القرآن وبعض دواوين الشعر العربي القديم، مما شكّل بدايات علاقته بالتراث اللغوي العربي.
لاحقاً، درس في جامعة دمشق وتخرّج في الفلسفة، ثم انخرط في الحياة الثقافية السورية قبل أن ينتقل إلى لبنان حيث أسّس مع الشاعر يوسف الخال مجلة "شعر" سنة 1957، التي مثّلت لحظة تحوّل في مسار الشعر العربي الحديث.

هذه المجلة كانت بمثابة بيان ثوري ضد القصيدة العمودية التقليدية وضد النزعة الخطابية في الشعر العربي، إذ نادت بـ«القصيدة الجديدة» التي تحرر الشكل وتمنح اللغة وظيفة وجودية وجمالية تتجاوز الموضوع
في شعر أدونيس نجد ميلًا واضحاً إلى لغة الاختصار والاقتصاد — ليس بمعنى البساطة، بل بمعنى التكثيف الرمزي.
فهو لا يشرح ولا يفسّر؛ بل يلمح ويكثّف، حتى تغدو الكلمة لديه كياناً مغلقاً مشحوناً بالطاقة الدلالية.

هذا الأسلوب يولّد شعوراً بالغموض، إذ يختصر التجربة إلى ومضات لغوية أو صور متقطعة لا تربطها دائماً علاقة منطقية، ما يجعل القارئ أمام نص شعري مفتوح يحتاج إلى تأويل دائم.
يقول أدونيس في إحدى قصائده:
«أحمل لغتي على ظهري وأمشي / كلُّ حرفٍ طريقٌ إلى المجهول».
هنا يتضح كيف تتحول اللغة إلى عبءٍ ومعنى في الوقت نفسه، وإلى أداة استكشاف لا مجرد وسيلة تواصل.
لكن هذا الاقتصاد اللغوي، رغم فرادته، جعل شعره أحياناً غامضاً إلى حد الانغلاق، بحيث يصبح الشكل هو الغاية، لا الوعاء. فيغيب الموضوع أو يتبخر، كما وصفه بعض النقّاد، “كالدخان الزائراب” — أي لا يمكن الإمساك به.
من أبرز سمات تجربة أدونيس هي هيمنة الشكل الفني على بنية المعنى.
فهو يؤمن بأن الشعر ليس مرآةً للواقع، بل خلقٌ لغويّ جديد. لذلك، لا يتعامل مع القصيدة كحامل لمضمون سياسي أو اجتماعي، بل كـ«تجربة لغوية مطلقة» تنحت عالمها من داخلها.

هذا التصور جعله في نظر البعض شاعراً شكلياً مفرطاً في التجريب، حتى على حساب التواصل مع المتلقي.
فالقارئ أمام نصوص أدونيس كثيراً ما يجد نفسه مأخوذاً بإيقاع الجمل وتراصف الصور، لكنه يفقد خيط المعنى المركزي.
تبدو القصيدة لوحة تشكيلية لغوية أكثر منها خطاباً شعرياً واضحاً.
ومع مرور الزمن، اتخذ هذا الاتجاه طابعاً نخبوياً، إذ لم يعد شعر أدونيس قابلاً للقراءة الشعبية، بل صار مجالاً لتأمل النخبة الثقافية والمفكرين، مما أوجد فجوة بينه وبين
يميل أدونيس إلى الزخرفة البلاغية الميتافيزيقية، حيث يتراكب المجاز فوق المجاز، وينحسر الحسّ الواقعي لصالح لغةٍ مشحونةٍ بالتجريد.
في نصوص مثل "الكتاب" و*"مفرد بصيغة الجمع"* و*"أغاني مهيار الدمشقي"*، نجد أن الصورة تتضخّم حتى تبتلع الفكرة، فيغدو الموضوع عائماً كالدخان.
وهذا التكلف اللغوي ليس ناتجاً عن ضعف في المعنى، بل عن إرادة فنية لتفجير اللغة نفسها.
فأدونيس يرى أن اللغة العربية — في صورتها التراثية — قُتلت بالبلاغة التقليدية، ويجب إعادة بنائها من الصفر. لذلك يكتب بلغةٍ "غريبة مألوفة" في آنٍ واحد، تعيد إلى الكلمة ألقها الأول، لكنها تُربك المتلقي وتدفعه إلى التأويل المستمر.
لم يكن أدونيس مجرّد شاعر؛ بل مفكر نقدي شغله سؤال الحضارة العربية الحديثة.
في كتبه مثل "الثابت والمتحول", "زمن الشعر", و*"مقدمة للشعر العربي"*, قدّم رؤية شاملة لإشكالية التراث والحداثة.
يرى أدونيس أن الثقافة العربية تعاني من ثنائية قاتلة:
الثابت: هو التقليد والسلطة والموروث الديني والسياسي.
المتحوّل: هو الإبداع والتمرد والتجديد.
ويعتقد أن العرب لم ينجحوا بعد في تحويل ثقافتهم من مجال التكرار إلى مجال الخلق، لأنهم ما زالوا يعيشون تحت ثقل الماضي.
لذلك دعا إلى ثورة فكرية وثقافية تبدأ من اللغة والشعر باعتبارهما المجال الأعمق للتغيير.
من هذا المنطلق، يمكن فهم شعره لا كمجرد لعبة شكلية، بل كمحاولة لتفكيك اللغة التقليدية التي تحكم العقل العربي. غير أن الإفراط في هذا المسار جعل شعره، في نظر بعض النقاد، ينزلق نحو الغموض الميتافيزيقي والانغلاق الجمالي.
أثار أدونيس طوال مسيرته جدلاً حاداً بين مؤيد ومعارض:
فالمؤيدون يرونه مجدّد الشعر العربي الأكبر، الذي حرّر القصيدة من قيود الوزن والمعنى.
والمعارضون يرونه منظّراً متعالياً لغوياً، أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة التجربة الإنسانية.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أنه شكّل منعطفاً حاسماً في تاريخ الشعر العربي الحديث، إذ فتح الباب أمام شعراء ما بعد الستينيات ليكتبوا بحريةٍ لغويةٍ غي
يمثّل أدونيس في الشعر العربي الحديث لحظة صراعٍ بين الشكل والمعنى، بين الوعي الجمالي والهمّ الإنساني.
قصيدته تومض كشرارةٍ فكرية ولغوية، لكنها كثيراً ما تتبخر كالدخان، فلا يبقى منها إلا الأثر الجمالي الصافي.
إنه شاعر الفكر واللغة معاً، لكنه أيضاً شاعر المفارقة: من جهةٍ يريد تحرير اللغة، ومن جهةٍ تقع قصيدته أسيرة لغتها.
وبين هذا التناقض يولد سحر أدونيس وغموضه، ليبقى نموذجاً للشاعر الذي حمل مشروعاً ثقافياً يتجاوز الشعر إلى إعادة التفكير في معنى الحضارة العربية نفسها.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللوحة
- جنان الحسن الجمال والفن
- نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها
- موزارت عبقري الموسيقى الكلاسيكيةحياة مفعمة بالإبداع والمعانا ...
- المسؤول وغضب المواطن
- دولة ضعيفة تهيمن عليها الأعراف لا القوانين
- محافظة كربلاء قبلة لملاين الزوار تفتقر لحطات تدوير الفايات
- محافظة كربلاء هي قبلة لملايين الزوار تفتقر لمحطات تدوير النف ...
- الغجر أمة عريقة لها ثقافتها وهويتها
- بغداد مدينة السلام
- الحسين بن علي ابن أبي طالب
- تروتسكي كرمز للثورة الأممية والنقد الجذري للبيروقراطية والاس ...
- ملحمة كلكامش ترويض أنكيدو وتحويله من عالم الوحوش إلى عالم ال ...
- منصور السعيد لوحات تستدعي المفقود لتجعله حضورا متجددا
- الكالفالا العالم يُبنى باليد كما يُبنى بالكلمة
- تشايكوفسكي الموسيقى والتجربة الإنسانية العميقة
- لينين العظيم الإنسان
- زياد رحباني: موسيقى يرجح أن تبقى
- الفن التشكيلي بين القولبة والابتكار
- الشمس


المزيد.....




- قناة مائية قديمة في ذمار تكشف عبقرية -حضارة الماء والحجر-
- ما أبرز الرسائل والمخرجات عن القمة الصينية الأمريكية؟
- توفيا أثناء تأدية عملهما.. رحيل المصورين ماجد هلال وكيرلس صل ...
- وزيرة الثقافة الفرنسية تمثل ماكرون في افتتاح المتحف المصري ا ...
- صالون الجزائر الدولي للكتاب يفتح أبوابه أمام الزائرين
- العبودية الناعمة ووهم الحرية في عصر العلمنة الحديث
- كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما
- صدر حديثا. رواية للقطط نصيب معلوم
- أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صن ...
- كاتب نيجيري حائز نوبل للآداب يؤكد أن الولايات المتحدة ألغت ت ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - أدونيس أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة المودة بينه وبين المتلقي