أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - جنان الحسن الجمال والفن














المزيد.....

جنان الحسن الجمال والفن


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 13:30
المحور: الادب والفن
    


قصيدة الشاعرة جنان الحسن

" دموع المدينة "

عند ذلك النهر والمدينة
كل شيء شاحب
حزين

على أرصفتها
ترك العابرون ظلهم
كوابيسهم
ومضوا

تركت الحياة ضحكاتها على
حبال الشّمس تتأرجح
حتى جفت

الغيمة الصغيرة التي لوحت بيدها
كانت أصغر من أن تمطر

الوردة التي ما زال يقطفها كلّ صباح
عاشق مخادع
عطرها مالح

البيت المهجور على الضفة البعيدة
منذ رحيل
مقفلة أبوابه
على أحلام
غادر أصحابها وتركوها

الأقدام الصغيرة المرسومة على
ظلمة الضفاف
أسرها النور البعيد
غدت فراشات

أحاديث واردات الماء
فرغت من عذوبتها
كل ما بقي في قلوبهن
بقايا طحالب ناعمة الملمس
كالأفاعي تأسر الصياد

مقاعد الدراسة
فشلت في بث الدفء
في مفاصل الحروف

السواقي الصغيرة التي فتحها عابرون
في الأرض الحزينة
لن تدوم
فكلّ عشوائي قابل للإقتلاع

البائسون فيها يسكرون
بأقوال المنجمين
وأفواه العرافين لا تكف عن الثرثرة
والحديث لا يغني ولا يسمن
من جوع

عند ضفة النهر تقبع
مدينة عطشى
في طين الجِّرار قضى ليله
حزن أعمى

الأعمى الذي يقود اللؤم خطواته
لا ذريعة له تُقبل ولا تبرير
فحزن المدينة قد أغرق النهر ..

"دموع المدينة" عنوانٌ مكثف ومحمّل بالرمز.
يجمع بين المكان والوجدان، فيحيل منذ البداية إلى مأساة جماعية لا تخص فرداً بعينه.
المدينة تبكي، والنهر شاهد، مما يخلق منذ اللحظة الأولى تجسيداً درامياً للحزن — إذ تتحول الجمادات إلى كائنات حية تنزف.
العنوان بذلك يفتح أفق التلقي على ثنائية الحياة والموت، الذاكرة والنسيان، الحضور والغياب.
البنية العامة
القصيدة مكتوبة بلغة شعرية حرة تميل إلى النثر الشعري، حيث تتكئ على الصورة والرمز أكثر من الوزن أو الإيقاع.
تسير القصيدة في بنية تراكمية: صورٌ متتابعة، مشاهد تتوالى كأنها لقطات سينمائية من مدينةٍ غارقة في حزنها، وهذا الأسلوب يعزز من الإحساس بالجمود والزمن المتوقف.
الثيمة المركزية
الثيمة الأساس هي الحزن الجمعي والفقد، إذ تحوّل الشاعرة المكان إلى كائنٍ يتألم:
"عند ضفة النهر تقبع مدينة عطشى"
"الأعمى الذي يقود اللؤم خطواته..."
المدينة هنا رمزٌ للرقة، مدينةٍ أنهكها الدمار والنسيان، لكنها ما تزال تحتفظ ببقايا ذاكرة نابضة في "الضحكات الجافة" و"البيت المهجور" و"الأقدام الصغيرة".
الحزن ليس لحظة عابرة، بل قدرٌ متجذّر، يظهر في كل تفصيلٍ من تفاصيل النص.
الصورة الشعرية والرمز:
جِنان الحسن تمتلك قدرة عالية على تشخيص الجمادات وإضفاء الحياة على الأشياء، ما يجعل القصيدة غنية بالاستعارات والرموز:
النهر: شاهد التاريخ، وسجلّ الذاكرة، لكنه أيضاً رمز الحياة التي تحولت إلى مأوى للحزن.
الغيمة الصغيرة: رمز الأمل الضعيف الذي لا يكتمل.
البيت المهجور: تجسيد للمنفى الداخلي ولغياب الألفة.
الأقدام الصغيرة المرسومة على ظلمة الضفاف: رمز للطفولة المفقودة والأحلام التي لم تكتمل.
هذه الصور تمنح القصيدة جمالاً بصرياً وعمقاً دلالياً، وتجعل القارئ يعيش تجربة حسّية ومشاعرية متكاملة.
اللغة والأسلوب:
اللغة بسيطة في ظاهرها، لكنها محمّلة بالإيحاء.
توظّف الشاعرة ألفاظاً تنتمي إلى حقلين متضادين:
حقل الحزن والموت: شاحب، حزين، كوابيس، مقفلة، أعمى، طين، عطشى.
حقل الحياة والضوء: ضحكات، شمس، فراشات، عذوبة، السواقي.
التضاد بين هذين الحقلين يعمّق البعد المأساوي للنص، ويجعل اللغة نفسها تعيش صراع المدينة الداخلي بين الحياة والموت.
كما أنّ الجمل القصيرة المتقطعة تضيف إيقاعاً داخلياً يشبه أنيناً متواصلاً، يتناسب مع عنوان النص ومع حال المدينة.
"ترك العابرون ظلهم / كوابيسهم / ومضوا"
الإيقاع هنا ينبع من التقطيع والتكرار، لا من الوزن، ما يجعل النص أقرب إلى موسيقى الحزن البطيئة.
البعد الإنساني والرمزي:
القصيدة تتجاوز الحزن الفردي إلى مأساة إنسانية شاملة.
المدينة العطشى تمثل أي مكان منكوب بالحرب أو الفقد أو النسيان، فتصبح "الرقة" رمزاً لكل المدن التي ذبلت روحها.
كما أن الخاتمة:
"فحزن المدينة قد أغرق النهر"
تؤسس لمشهدٍ كونيٍّ بالغ الكثافة — حيث يتحول الحزن إلى طوفان، يمحو الفواصل بين المدينة والنهر، بين الحياة والموت.
التقييم الجمالي والفني:
القصيدة متقنة من حيث اللغة والصورة والانسجام الداخلي، وتمتاز بـ:
صدقٍ شعوري واضح.
اقتصادٍ لغوي مؤثر.
بناءٍ بصري يجعل القارئ يرى الحزن أكثر مما يسمعه.
توظيفٍ رمزيّ ذكيّ يخدم الفكرة دون تعقيدٍ مفتعل.

وربما يُؤخذ عليها – من منظور نقدي محض – غياب منحنى تصاعدي واضح في التوتر الشعري، إذ يحافظ النص على وتيرة واحدة من الحزن حتى النهاية، ما يمنحه ثباتاً جميلاً لكنه قد يقلل من عنصر المفاجأة أو التحول.
"دموع المدينة" ليست مجرد مرثية مكان، بل مرآة لوجعٍ إنساني شامل.
القصيدة تزاوج بين الرمز الواقعي والتجريد الشعري في أسلوبٍ تأمليّ عميق.
جِنان الحسن تكتب هنا بلسان مدينةٍ تموت ببطء، لكنها ما تزال تملك القدرة على البكاء — والبكاء في النص ليس ضعفاً، بل فعل مقاومة ضد النسيان.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها
- موزارت عبقري الموسيقى الكلاسيكيةحياة مفعمة بالإبداع والمعانا ...
- المسؤول وغضب المواطن
- دولة ضعيفة تهيمن عليها الأعراف لا القوانين
- محافظة كربلاء قبلة لملاين الزوار تفتقر لحطات تدوير الفايات
- محافظة كربلاء هي قبلة لملايين الزوار تفتقر لمحطات تدوير النف ...
- الغجر أمة عريقة لها ثقافتها وهويتها
- بغداد مدينة السلام
- الحسين بن علي ابن أبي طالب
- تروتسكي كرمز للثورة الأممية والنقد الجذري للبيروقراطية والاس ...
- ملحمة كلكامش ترويض أنكيدو وتحويله من عالم الوحوش إلى عالم ال ...
- منصور السعيد لوحات تستدعي المفقود لتجعله حضورا متجددا
- الكالفالا العالم يُبنى باليد كما يُبنى بالكلمة
- تشايكوفسكي الموسيقى والتجربة الإنسانية العميقة
- لينين العظيم الإنسان
- زياد رحباني: موسيقى يرجح أن تبقى
- الفن التشكيلي بين القولبة والابتكار
- الشمس
- ملح الصحو
- الصدق المؤقت


المزيد.....




- تل أبيب تنشر فيلم وثائقي عن أنقاض مبنى عسكري دمره صاروخ إيرا ...
- قراءة في نقد ساري حنفي لمفارقات الحرية المعاصرة
- ليبيريا.. -ساحل الفُلفل- وموسيقى الهيبكو
- بطل آسيا في فنون القتال المختلطة يوجه تحية عسکرية للقادة الش ...
- العلاج بالخوف: هل مشاهدة أفلام الرعب تخفف الإحساس بالقلق وال ...
- دراسة تكشف فوائد صحية لمشاهدة الأعمال الفنية الأصلية
- طهران وموسكو عازمتان على تعزيز العلاقات الثقافية والتجارية و ...
- محاضرة في جمعية التشكيليين تناقش العلاقة بين الفن والفلسفة ...
- فلسطينيون يتجمعون وسط الأنقاض لمشاهدة فيلم -صوت هند رجب-
- مونيكا بيلوتشي تشوق متابعيها لفيلم 7Dogs بلقطة مع مع أحمد عز ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - جنان الحسن الجمال والفن