|
|
الفنان والكاتب يحيى ااشيخ
هاشم معتوق
الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 17:58
المحور:
الادب والفن
الفنان العراقي يحيى الشيخ
وُلد يحيى الشيخ خضر في قلعة صالح (قلعة صالة) بمحافظة ميسان جنوب شرق العراق عام 1945. منذ الصغر بدأ شغفه بالرسم، وامتلك مخزونًا بصريًا ثريًا مهدَّ له الدراسة الأكاديمية لاحقًا. التحق بأكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد وتخرج منها عام 1966. بعد ذلك واصل دراسته في لوبيانا (سلوفينيا) في أكاديمية الفنون الجميلة، حيث حصل على ماجستير في الفنون الغرافيكية عام 1970. ثم حصل على دكتوراه في علم الفنون من معهد بحوث الاتحاد في موسكو عام 1984. منذ بدايات حياته المهنية، لم يكتفِ بالرسم فقط، بل عمل أيضًا كمصمم ومصوّر، وكأستاذ فنون منذ أوائل سبعينات القرن الماضي. عاش في عدة بلدان: بعد مغادرته العراق في منتصف السبعينات، أقام في دول مثل سوريا، ليبيا، الأردن، تونس، واستقر في نهاية المطاف في النرويج. له معارض شخصية كثيرة — في بغداد، موسكو، طرابلس، تونس، لندن، باريس، مسقط، وغيرها. كما أنه عضو في جمعيات فنية عدة: جمعية الفنانين العراقيين، اتحاد الفنانين النرويجيين، “مدينة الفن” في باريس، واتحاد الفنانين التونسيين. إلى جانب كونه رسامًا، يحيى الشيخ كاتب وشاعر، وقد أصدر عددًا من الكتب مثل: سيرة الرماد، بهجة الأفاعي، ساعة الحائط، الغايات، الشوق، مبررات الرسم. سيرته الذاتية “سيرة الرماد” تعد من أهم كتبه، حيث يجمع بين الكتابة السردية والتأمل الفني. ينشأ يحيى الشيخ في بيئة جنوب العراق؛ مدينة العمارة (ميسان) ذات الطبيعة الغنية بالماء والقصب وشجر البردي والجريد، وهذه العناصر البيئية تشكّل جزءًا مهمًّا من مخيلته الأولى. دراسته في بغداد في الستينات وضعتّه في قلب الحركة التشكيلية العراقية الناشئة، التي كانت تتبنى الحداثة، التجريب، والانفتاح على المدارس الغربية. دراسته في أوروبا (يوغسلافيا) ومن ثم في موسكو تعرضه لتيارات فنية عالمية (الغرافيك، الفنون النظرية، البحوث، التجريب بالتقنيات المتقدمة)، ما سمح له بتشكيل لغة فنية تجمع بين الجذور العراقية/المشرقية والحداثة الأوروبية. تنقّله بين الدول (سوريا، ليبيا، الأردن، تونس، ثم النرويج) منح تجربته بعدًا عالميًا وأتاح له الاحتكاك بثقافات فنية متعددة. هذا الهجر جعل من فنه ليس فقط انعكاسًا للعراق، لكنه تجربة مغايرة تعكس الهجرة، الغربة، الحنين والهوية المتبدلة. يملك الشيخ لغة فنية تأملية عميقة؛ لوحاته تغلب عليها رمزية الجسد، الطبيعة، والعلامات الطقوسية (الشمس، الطيور، الحيوانات، الطواطم) كما أشار النقّاد. ثيمة الجسد تحتل موقعًا معرفيًا لدى الشيخ: الجسد ليس مجرد شكل بشري، بل “علامة” دلالية تحمل الرمز والمعنى. استخدامه للخامات متنوع ومبتكر: من اللوحة التقليدية إلى اللبّاد (الفِلت) والألياف الزجاجية. في معارض مثل “لبّاد” استخدم مادة اللباد لخلق أعمال تجمع بين الملمس والموضوع. هنالك توازن تركيبي بين المادة والموضوع؛ المادة ليست مجرد وسيط، بل جزء من التعبير، إذ تتبادل المادة والموضوع أدوارًا في تشكيل المعنى البصري. الناقد سهيل سامي نادر يرى أن في عمل الشيخ “حس واعٍ وتشاؤمي عقلي”؛ لكنه في الرسم يسعى إلى اندماج مع العالم، اندماج يرقى من وجهة نظره إلى “اتحاد صوفي” (فناء). هذا الاتجاه الصوفي يتجلى في تجاربه الفنية ليس كابتعاد عن الواقع، بل كمواجهة وجودية مليئة بالشوق، الفقد، والحنين، والتي تجسَّدت في لوحات تبدو وكأنها محاولات لتجاوز الذات نحو ما وراء العالم المادي. أعماله تخاطب السيرة الذاتية: معارضه مثل “أكثر من سيرة” توضح كيف أن الفن لديه ليس مجرد رسم، بل سرد للهوية والتجربة الحياتية. اللوحة عنده تكون كصفحة من مذكرات مُصوّرة؛ كل قطعة تحمل من زمنه الخاص، من ذاكرته، من انفعالاته وشوقه. الشيخ يكتب شعرًا ونثرًا، وهو يصف نفسه في مقابلة بأنه “أكثر من واحد يعيش الزمن ذاته” — تعبير قوي عن تعدد الشخصية والتجربة. في بداياته الأدبية، يرى أن شخصيته متعددة: “الرسام، الشاعر، السيري، القاص” — فهذه الشخصيات تتبادل الأدوار في داخله بشكل متناغم. شعره يمتاز بالتأمل الوجودي، الأسئلة الوجودية، الحنين، الفقد. إنه لا يكتب الشعر فقط للتعبير عن الجمال، بل كجزء من مشروع وجودي: الكتابة والرسم وسيلة لفهم الذات والعالم. في “سيرة الرماد” (أحد أهم كتبه) يستعرض طفولته، ذكرياته، موروثه البيئي (المندائي الجنوبي)، تأملاته الوجودية، والهوية. أسلوبه في السيرة ليس سردًا جافًا: هو كتابة يومية تأخذ شكل تأملات، لحظات تأرجح بين الذكريات والحنين، لكنه أيضًا نقد ذاتي. كما أشار في مقابلة: “كتابة يومية قبل أن تكون فكرة كتاب … كنت أطارد أرواحًا سكنتني يوماً.” في كتاباته النقدية (مثل “مبررات الرسم”)، يعرض فلسفته في الرسم، جانبًا من نظرته إلى لماذا يرسم، ما هو الرسم بالنسبة له، وكيف يمكن أن يكون الرسم عنصرًا وجوديًا وليس مجرد مهنة أو هواية. خامسًا: ما يميّز تجربة يحيى الشيخ في الحركة الفنية العراقية والعربية والعالمية استخدامه للّباد (الفِلت) ليس شائعًا جدًا بين الرسامين العراقيين التقليديين، ما يجعله رائدًا في دمج المادة النسيجية مع الفن التشكيلي. علاوة على ذلك، استخدام الألياف الزجاجية في بعض أعماله يُظهر جرأته في تجاوز المادة التقليدية والبحث عن خامات تعكس معنى الموضوع بما يتناسب مع رؤيته. تجربته كفنان وكاتب وشاعر تمنحه عمقًا فريدًا: ليس فنانًا تشكيليًا فقط، بل مؤلف وجودي يكتب عن فنه كما يرسم، ويعيش فنه كما يكتب. هذا التعدد يعكس أن فنه ليس “لوحة فقط” بل مشروع حياة متكامل، تجربة متعددة الأبعاد: البصري، الأدبي، انتماؤه الجغرافي (ميسان – العمارة) والموروث المندائي منحاه حسًا خاصًا تجاه الطبيعة (الماء، القصب، التراب…) الذي ينعكس في لوحاته بطريقة عميقة ورمزية. هذه الجذور ليست مجرد زينة في فنه، بل هي دعامة أساسية في اللغة اابصرية لديه. دراسته في أوروبا (يوغسلافيا) وروسيا، وتنقّله بين بلدان متعددة، جعله فنانًا عالميًا: أفكاره وأساليبه ليست محصورة في السياق العراقي فقط، بل تحمل طابعًا كونيًا، لكنها تظلّ متسَمتة بجذورها العراقية. مشاركاته في بيناليات ومعارض دولية، وانتسابه لهيئات فنية عالمية يمنح تجربته حضورًا في الساحة الفنية العالمية. عمق وجودي وروحي واضح في العمل – ليس رسمًا تجميليًا فقط، بل بحثًا عن المعنى. تنوّع الخامات والتقنيات (غرافيك، لوحات زيتية/أكرليك، اللبّاد، الألياف الزجاجية) – وهذا يدل على مرونة فنية وقدرة تجريبية. إنتاج أدبي غني يُكمّل البعد البصري، مما يمنح تجربته شمولية نادرة: فنان + شاعر + كاتب + ناقد. استمرارية ونضج عبر الزمن: من الستينات إلى اليوم، مع مراحل واضحة في حياته (بداية في بغداد، دراسة خارجية، إقامة في النرويج، معارض دولية). استخدام الجسد كرمز معرفي — الجسد عنده ليس فقط شكلًا، بل لغة رمزية تنقل القيم، الصراع، الطقوس، الهوية. في بعض الأحيان، قد يُنظر إلى تركيزه الكبير على الذات (الهوية، السيرة، التأمل) على أنه انعزال داخلي: هل فنه يفتح دائمًا للتفاعل الاجتماعي أو الجماعي، أم أنه يظل تجربة فردية جدًا؟ اللغة البصرية الرمزية الصوفية، مع قدرتها على عمق المعنى، قد تكون معقدة للجمهور غير المتخصص في الفلسفة أو الصوفية؛ بعض اللوحات قد تحتاج تأويلًا ثقافيًا أو وجوديًا لا يفهمه الجميع بسهولة. التعدد (شاعر/رسام/كاتب) يمكن أن يكون سلاسة أو تشتيتًا: فالتنقل بين الشخصيات قد يضعف تركيز المتلقي أو نقده إذا لم يكن هناك إطار موحد يجمع تلك الأبعاد. بما أن جزءًا كبيرًا من حياته كان في المنفى أو التنقل، قد يفقد بعض المتابعين المحليين في العراق أو العالم العربي الاتصال المباشر ببعض مراحله الفنية في ظل غربة جغرافية. يُعد يحيى الشيخ من أبرز فناني جيل الستينات في العراق، الذين شكلوا جيلًا حداثيًا ومبتكرًا في الفن التشكيلي العراقي، مع تركيز على التجريب، اللغة الداخلية، الرمزية. من خلال معارضه الدولية، ساهم في تمثيل الفن العراقي المعاصر على المستوى العالمي، وكان جسراً بين الثقافة العراقية التراثية والحوار الفني العالمي. ككبير في أعماله الفكرية (الكتابة، النقد)، فإن مساهمته تتجاوز الرسم البصري إلى المساهمة في النظرية الفنية: فكتاباته تمنح الباحثين نافذة على فكر فنان معاصر جمع بين التصوّف، الحداثة، والهوية. تأثيره الأدبي (سيرة الذات، الشعر) يجعل تجربته مفيدة ليس فقط لدراسة الفن التشكيلي، بل أيضًا لمجالات أدب السيرة والكتابة يحيى الشيخ هو فنان متعدد الأبعاد: فنه لا يقتصر على الرسم فقط، بل هو مشروع وجودي يجمع بين البصر والكلمة، بين الخامة والفكر، بين الذات والعالم. تأثره العميق بموروث بيئته الجنوبية في العراق، وصقل تجربته من خلال الدراسة العالمية والتنقّل بين ثقافات مختلفة، منحه لغة فنية فلسفية ورمزية. من وجهة نظر نقدية أكاديمية، تجربته هي شهادة على كيف يمكن للفنان العراقي أن يبسط حضوره بين التراث والحداثة، بين المحلية والعالمية. لكنه ليس خالٍ من التحديات: التوازن بين الشخصيات المتعددة، استيعاب الجمهور لرمزيته الصوفية، وربما الحاجة إلى مزيد من التفاعل الجماعي أو الاجتماعي في فنه. في الأدب، يساهم الشيخ بعمق في السيرة الذاتية والفلسفية، مما يجعله أكثر من رسام؛ إنه مفكّر وفيلسوف بصري. قدرته على التعبير عن الأسئلة الوجودية من خلال الشعر والرسم تمنحه ثراءً فكريًا لا تجده في جميع الفنانين التشكيليين.
#هاشم_معتوق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيركو بيكس شاعر الحرية والخيال
-
الشاعر عبد الكريم كاصد
-
الفنان والأديب سمير عبد الجبار
-
الشاعر سعدي يوسف
-
الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء
-
بيورنسن النرويجي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1903
-
جائزة المربد للشعر
-
الصوت قصة للكاتبة سنية عبد عون
-
راقية مهدي وجه الحب السابع
-
الفنان التشكيلي عبد الأمير الخطيب الهوية الأصيىة
-
الفنان علي النجار بين الوطن والمغترب
-
أدونيس أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة المودة بينه وبين المتلقي
-
اللوحة
-
جنان الحسن الجمال والفن
-
نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها
-
موزارت عبقري الموسيقى الكلاسيكيةحياة مفعمة بالإبداع والمعانا
...
-
المسؤول وغضب المواطن
-
دولة ضعيفة تهيمن عليها الأعراف لا القوانين
-
محافظة كربلاء قبلة لملاين الزوار تفتقر لحطات تدوير الفايات
-
محافظة كربلاء هي قبلة لملايين الزوار تفتقر لمحطات تدوير النف
...
المزيد.....
-
لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي
...
-
الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال
...
-
ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
-
لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
-
مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار
...
-
جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم
...
-
شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه
-
في مثل هذا اليوم بدأت بي بي سي بثّها الإذاعي من غرفة صغيرة ف
...
-
معالم الكويت.. صروح تمزج روح الحداثة وعبق التاريخ
-
أبرز إطلالات المشاهير في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي
...
المزيد.....
-
الذين باركوا القتل رواية
...
/ رانية مرجية
-
المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون
...
/ د. محمود محمد حمزة
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية
/ د. أمل درويش
-
مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز.
...
/ السيد حافظ
-
إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
المزيد.....
|