أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - الشاعر عبد الكريم كاصد















المزيد.....

الشاعر عبد الكريم كاصد


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 14:36
المحور: الادب والفن
    


عبد الكريم كاصد

حياة الشاعر وسياق التحول

وُلد عبد الكريم كاصد في مدينة البصرة عام 1946م، ونشأ فيها، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي. في عام 1967 حصل على الإجازة في الفلسفة من جامعة دمشق. بعد ذلك، تعلّم الفرنسية وأتقنها من خلال زيارته باريس، ثم في العقد 1990 نال شهادة الماجستير في الترجمة من جامعة وستمنستر بلندن عام 1993، ثم بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة نورث لندن عام 1995.
من الناحية المهنية، عمل مدرساً لعلم النفس واللغة العربية في العراق والجزائر. في عام 1978 غادر العراق – وفق المصادر بسبب ضغوط النظام – إلى الكويت، ثم إلى عدن في اليمن حيث عمل محرّراً في مجلة «مجلة الثقافة الجديدة». ثم في نهاية العام 1980 انتقل إلى سوريا، وبعدها إلى لندن أواخر التسعينيات حيث يقيم.
سياسياً وإنسانياً، تُعد تجربته من تجارب المنفى الداخلي أو الغربة؟ فهو ترك وطنه، وعايش التنقل بين البصرة وعدن ودمشق ولندن، وهذا الانتقال ليس صدفة بل مؤشّر على تفاعل الشاعر مع وضع سياسي وثقافي مضطرب. مثلا، في حوار له أشار إلى مغادرته العراق “متخفياً برفقة الشاعر الفقيد مهدي محمد علي” هرباً من بطش النظام البعثي.
بدأ كاصد بنشر شعره في منتصف السبعينيات، من بين دواوينه الأولى: «الحقائب» 1975، ثم «النقر على أبواب الطفولة» 1978، ثم «الشاهدة» 1981. ويُلاحظ عبر هذه المراحل أن الطفولة والذاكرة والبصيرة الذاتية حضر فيها بقوة، إلى جانب هموم المكان والانتماء والغربة.
الطفولة والذاكرة: عنوان «النقر على أبواب الطفولة» يدلّ على شغفه بالذاكرة المبكرة، وما تبقى منها في الحبّ والمدينة والمنفى. تحليلاً نقّادياً، يُنظر إلى ذلك كاسترجاع لنشأة البصرة، لتكون مكاناً ماضوياً ومفتاحاً للهوية.
المنفى والاغتراب: تجربة التنقّل بين العراق واليمن وسوريا وإنجلترا أحدثت في شعره مسارات موضوعية قائمة على الرحيل، الاستعادة، الحنين، والمساءلة الذاتية. مثلاً، أحد المقالات يرى: «قصائده مشبعة بتأثيراتها الغنائية على نفسية المتلقي لأنها قريبة من وجدانه وإرادته وأفكاره».
– المدينة والفضاء الشعبي: البصرة بشطّها وبساتينها، العدن بموانئها، لندن بضجيجها، كلها دفعت الشاعر إلى توظيف المكان كذاكرة مركبة. مقاله «محطات» يقول: «من يعرف عبد الكريم كاصد… يلمس مدى الغليان الثقافي الذي يجيش داخل روحه الهادئة والوادعة».
البساطة والصنعة: رغم أن شعره يبدو أوّلاً بسيطاً في المفردة، فإنّ هناك صنعة دقيقة في التركيب والصورة. كما وصفه أحدهم «كم يبدو شعره بسيطاً، ولكن ثمة صنعة خفية.. صنعة ماهرة لم تفارقه قطّ».
يمكن ملاحظة التحول من قصيدة النثر إلى تنويعات أقصر، ومن فضاءات وصفية إلى فضاءات تأملية وتجريبية. كتاباته في مجال الهايكو، مثل كتابه «أعراس الهايكو» (2025) تؤشر إلى اتجاه نحو التجريب في الشكل الشعري. لذا يمكن القول إنه ليس شاعراً «تقلّدياً» بل مسعى نحو التجديد ضمن سياق الحداثة العربية، مفعم بالوعي بالترجمة والقراءات العالمية.
يُعدّ كاصد أيضا مترجماً وناقداً أدبياً. من ترجماته: «كلمات» لجاك بريفير (من الفرنسية، 1981)؛ «أناباز» لسان‑جون بيزس (1987)؛ «قصاصات» ليانيس ريتسوس (1987)؛ وغيرها.
في مقالاته النقدية، ينظر إلى الشعر كـ «بناء مشرّع على الحياة… ليس نصاً مغلقاً». كما في الحوار معه قال:
… ليس ثمة توصيف عام لكتابة الشعر… الفكرة لا تتجسد شعراً مالم تتخذ لها شكلاً ملموساً…
بهذا، يمكن اعتباره منظّراً ذاتيّاً لتجربته، لا محض منتِج، متعاطٍ لا بمعزل عن الحياة، بل معها.
رغم أن كاصد ليس سياسياً حكومياً، إلا أن تجربته تتماهى مع حالة المثقف المُنافي والمشرّد والمراقب. هروبه من العراق في السبعينيات، مشاركته الثقافية في عدن، حضورهم السوري/العراقي في دمشق والمهجر، كل ذلك يجعل موقفه سياسياً بوعي – في معنى «المعذّب من النظام»، «المهجّر»، «المشارك في ثقافة المهجر». مثلاً، في أمسية له بلندن تمّ التذكير بأنه هرب «هارباً عبر الصحراء على جملٍ» من العراق.
إن انخراطه في الصحافة المعارضة، العمل التحريري، الترجمة، والكتابة في المنافي، كلها تنمّ عن «مناهضة» ضمنية لقمع الثقافة، وتمثّل موقفاً إنسانياً من الاستبداد والاختفاء والسياسات التي تُفرّق الإنسان عن موطنه. نقدياً، يمكن القول إن تجربته تمثل مقارَبة لواقع المثقف العراقي ذي الصلات بالماركسية/الشيوعية (لم يُكشف عنها تفصيلاً ولكنه يُشار إليه في المصادر: «نظام البعثي، هربا مع الشاعر مهدي محمد علي»).
العمق الوجداني: شعره لا يكتفي بوصف المكان أو الذات بل ينفتح على الآخر والزمن والغربة، ما يعطيه بعداً إنسانياً ليس محصوراً بالعراق أو البصرة فقط، بل بالوجود في المنفى.
الصنعة اللغوية والمفردات: رغم بساطة المفردة، فهناك دقة في اختيار الصورة، تماسك في البناء، وتركيب مركّب يعكس قدرته على «الصدور من الداخل» لا مجرد السرد الخارجي.
التجريب والانسداد/الانفتاح: توجهه نحو الهايكو، والقصيدة القصيرة، والترجمة، يدلل على مرونة في الشكل والمضمون، واستعداد للمواجهة مع التراث والحداثة.
المسؤولية الثقافية والسياسية: موقفه ليس مجرد قول شعري بل فعل ثقافي – في مغادرته وطنه، في كتاباته، في تدخله في المجتمعات المهجّرة – مما يمنح شعره ومقولاته بعداً مزدوجاً: جماليّاً وإنسانياً.
البُعد الموضوعي/التاريخي قد يكون أقل وضوحاً: بالرغم من اهتمامه بالمكان والغربة، إلا أن قراءة بعض النصوص تُري أن التفاعل مع التاريخ السياسي العراقي، أو البنى الاجتماعية للبصرة، يبقى إذ ذاك ضمن الطبقة الشعرية/الذاتية، وليس ضمن بحثٍ تحليليٍّ موسّع. من ثم، هناك ما يمكن أن يُقال بأنه «قصائد نصّية أكثر منها دراسات سياقية».
التجريب يشكل مخاطرة: إذ أن الانتقال إلى الهايكو أو النصائح القصيرة أحياناً يفضي إلى ما يُسمى «إيجاز مفرط» يفقده بعض القرّاء الذين اعتادوا على القصيدة الموصولة. أي أن التحول الأسلوبي قد يُضعف تواصل بعض الفئات معه.
التوزيع والانتشار: كجيل المهجر أو المنفى، قد يكون حضور كاصد داخل العراق وفي المشهد العربي أقل من مستحقّه، بسبب التشتت، والحياة في الخارج، ونمط النشر عنده. وهذا من جهة لا يُعدّ نقصاً في الموهبة، لكن في الحضور الثقافي قد يُحسب له.
اللغة والتقنيات الجديدة: في عصر يتجه فيه الشعر نحو التجريب الرقمي والميديا، قد يحتاج الشاعر إلى مزيد من البُنى التي تُواكب ذلك، أو على الأقل يطرحها نقدياً، وهذا ليس مُلمّاً به في المصادر المتاحة حتى الآن.
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن عبد الكريم كاصد يمثل حالة جديرة بالاهتمام في الشعر العراقي المعاصر والعربي المعاصر عمومًا: فهو يجمع بين تجربة الطفل البصري، والمدرس المُهاجر، والمحرّر الثقافي في المنافي، والشاعر الذي لا يفصل بين الشعر والإنسان والسياسة. إنتاجه الشعري يحمل آفاقاً إنسانية واسعة، فهو ليس حكراً على الذات الفردية، بل يتوسّع نحو «الآخر»، نحو الوطن/المنفى، نحو اللغة والهوية والترجمة.
من الناحية الأكاديمية، يمكن وضعه في إطار «شعر المهجر» أو «شعر المنفى»، مع إضافة خاصة تتمثّل في تنوّع لغاته (العربية، الإنجليزية، الفرنسية)، وترجماته، وانفتاحه التجريبي. هذا ما يجعله ليس فقط شاعراً عربياً بل شاعراً عالمياً/متعدّداً اللغات.
وفي تقييمي الشخصي: إن كاصد يستحق دراسة موسعة، تتناول:
تأثير تنقّلاته على بنية النصّ الشعري لديه.
دوره في نقل التجربة العراقية إلى الخارج، وكيف تغيّرت رؤيته بعد الهجرة.
مقارنات بين دواوينه الأولى ودواوينه الأخيرة (مثل «من يعرف الأرض؟ من يعرف السماء؟» 2020) من حيث الموضوع، الأسلوب، الصوت الشعري
دوره في حركة الهايكو العربية، وما شكّله هذا الاشتغال من إغناء لتجربته ولفضاء الشعر العربي بشكل عام.
باختصار، أرى أن عبد الكريم كاصد شاعر يستحق أن يُدرّس ضمن المناهج الجامعية كأحد علامات الشعر العراقي المعاصر، ويُعدّ مرجعاً للتداخل بين الشعر والترجمة والمنفى والهوية.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان والأديب سمير عبد الجبار
- الشاعر سعدي يوسف
- الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء
- بيورنسن النرويجي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1903
- جائزة المربد للشعر
- الصوت قصة للكاتبة سنية عبد عون
- راقية مهدي وجه الحب السابع
- الفنان التشكيلي عبد الأمير الخطيب الهوية الأصيىة
- الفنان علي النجار بين الوطن والمغترب
- أدونيس أسرف في الشكل حتى أضاع حرارة المودة بينه وبين المتلقي
- اللوحة
- جنان الحسن الجمال والفن
- نجاة عبد الله شاعرة نادرة، بنصوص لا تُشبه إلا ذاتها
- موزارت عبقري الموسيقى الكلاسيكيةحياة مفعمة بالإبداع والمعانا ...
- المسؤول وغضب المواطن
- دولة ضعيفة تهيمن عليها الأعراف لا القوانين
- محافظة كربلاء قبلة لملاين الزوار تفتقر لحطات تدوير الفايات
- محافظة كربلاء هي قبلة لملايين الزوار تفتقر لمحطات تدوير النف ...
- الغجر أمة عريقة لها ثقافتها وهويتها
- بغداد مدينة السلام


المزيد.....




- مكتبة الملك عبدالعزيز تطلق فيلم الحج -على خطى ابن بطوطة-
- الجمال آخر ما تبقى من إنسانيتنا
- -ستيريا-: أول مهرجان ستاند أب كوميدي في سوريا!
- أبوالغيط يؤكد أهمية الثقافة كجسر للتواصل في العلاقات الدولية ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم وثائقي عن ترامب يطيح بالمدير العام ...
- صورة -الجلابية- في المتحف تثير النقاش حول ملابس المصريين
- مهرجان -القاهرة السينمائي- يعلن عن أفلام المسابقة الدولية في ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم عن ترامب يطيح بالمدير العام ورئيسة ...
- 116 مليون مشاهدة خلال 24 ساعة.. الإعلان التشويقي لفيلم مايكل ...
- -تحيا مصر وتحيا الجزائر-.. ياسر جلال يرد على الجدل حول كلمته ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - الشاعر عبد الكريم كاصد