أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - منى الصرّاف امرأة واحدة تمثل آلاف النساء














المزيد.....

منى الصرّاف امرأة واحدة تمثل آلاف النساء


هاشم معتوق

الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 15:04
المحور: الادب والفن
    


منى الصرّاف في يومٍ ما على أرض الوطن

منى الصرّاف شاعرة عراقية معاصرة، تنتمي إلى جيل خبر الحروب المتتالية، والحصار، والاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طبعت وجه العراق خلال العقود الأخيرة. تعتمد الصرّاف في تجربتها الشعرية على السيرة الذاتية الممزوجة بالشهادة الإنسانية، إذ تنقل ملامح المرأة العراقية بوصفها ذاتاً فردية، لكنها في الوقت نفسه تمثّل “الجماعة” وذاكرتها الجمعية.
هذه القصيدة تنتمي إلى ما يمكن وصفه بـشعر السرد الاعترافي أو القصيدة السيرية، التي تتخذ من الأنا محوراً لقراءة وطنٍ مأزوم وذاتٍ مجروحة. يبدو أن الدافع الرئيس للقصيدة هو الحاجة إلى تدوين ما بقي في روح الشاعرة من ذاكرة الألم فالنص يشتغل على استعادة اليوميات القاسية التي مرّت بها، لتسجلها باعتبارها وثيقة شعرية لزمن مرعب ولتجربة أنثوية نادرة في جرأتها ووضوحها.
تتأسس القصيدة على بنية التكرار البنائي عبر اللازمة المركزية:
في يومٍ ما على أرض الوطن
هذه العبارة ليست مجرّد افتتاحية، بل هي إطارٌ بنائي، وزمنٌ شعري معلّق، وسياقٌ تحليلي يُرجع كل حدث إلى الوطن بوصفه مكان الألم.
التكرار هنا وظيفي وليس زخرفياً؛ فهو يمنح النص نبرة الاعتراف، وملمح الحكاية المتقطّعة، ويحوّل القصيدة إلى سلسلة مشاهد أشبه بمذكرات امرأة تعيش وسط الخراب.
الزمن في القصيدة غير محدد؛ كأن كل الأيام يوم واحد، بما يكشف استمرارية المأساة.
اللغة في القصيدة مزيج من سرد واقعي قوي وصور شعرية ممتدة ويمكن تحديد أهم ملامحها كالآتي:
الصرّاف تكتب بوضوح؛ لكنها تتجنب النثرية الجافة عبر إحاطة الجملة اليومية بالانفعال والصورة، مثال:
جعلتُ من مزرعتي ساحة ميدان للتدريب بدل زراعة الزهور فيها
صورة تجمع بين الحياة الزهر والموت النار.
النص لا يغرق في الترميز، لكنه يستخدم الرمز حين يحتاجه، مثل:
الزهر السلاح
النجمات اللامعات الأمنيات المسروقة
الخبز الأسود الخبز الأبيض
بوصفهما صورة طباقية لحياة الأم العراقية.
نبرة اعتراف أنثوية عالية
اللغة تنطلق من زاوية المرأة التي تحوّلت جبراً إلى:
رجل صيانة
جندي
شرطي
طبيبة
معلمة
هذه الوظائف ليست مجرد مهام؛ إنها رموز لتحمّل أدوار الدولة كلها حين تغيب الدولة.
القصيدة ثرية بالمستويات الدلالية، ويمكن تفكيك أهم قضاياها في المحاور الآتية
تبدأ القصيدة بطفلة تحمل صحفاً ممنوعة، ثم تصبح شابة تهرّب الفتيات، ثم أمّاً تدرب أطفالها على أصوات القصف، ثم معيلة في غياب الزوج…
هذه السلسلة تكشف تحوّلاً وجودياً من البراءة إلى البطولة، ومن الحلم إلى الصمود.
العنف السياسي والنظام الأمني
القصيدة توثق:
الوشاية
الاعتقال
القمع الثقافي
الهروب من الموت
إنها موسوعة مختصرة عن آليات القمع في حقب مختلفة من تاريخ العراق الحديث.
الحرب والحصار وما بعدهما
في صور مؤلمة:
تدريب الأطفال على القصف كألعاب نارية
الخبز الأسود الممزوج بالنفايات
هذه المشاهد تكشف كيف انقلبت الحياة اليومية إلى عبثية قاتلة.
الأب الأم الأخ: رموز الجماعة المنكوبة
الأب الذي يغادر وهو يقبّل يد ابنته
الأخ الهارب
الأبناء الذين ينتظرون قراءة العالم عبر صوت الأم
بهذا يصبح النص سيرة عائلة هي صورة مصغرة عن سيرة وطن.
من أهم عناصر قوة القصيدة أنها:
الصرّاف لا تكتب خطاباً أيديولوجياً؛ بل تكتب الإنسان داخل السياسي
هذا يعطي النص قوة عالمية؛ إذ يستطيع أي قارئ أن يرى في القصيدة صورة إنسانٍ مسحوقٍ في أي مكان من العالم.
الوطن في النص ليس معادلاً للانتماء بل معادلاً لتجربة الاختبار القاسي.
إنه مكان:
يدرَّب فيه الأطفال على القصف
وتتحول فيه المزارع إلى ميادين قتال
وتحمل النساء فيه المسدسات للدفاع عن أجسادهن
بهذا يصبح الوطن قدراً محتوماً لا يستطيع أحد الفكاك منه.
تقديم المرأة كفاعل لا كضحية
الصرّاف لا تقدّم المرأة ككائن منكسر، بل كقوة:
تهرّب
تواجه
تحمي
تعيل
تقاوم
وهذا يمنح القصيدة بعداً نسوياً أصيلاً.
يمكن تلخيص بعض المميزات الفنية في النص:
على الرغم من أن النص يتألف من مشاهد متقطعة، إلا أن الوحدة متحققة بسبب
تكرار اللازمة
وحدة المتكلمة
وحدة المكان الوطن
الصرّاف تنتمي لمدرسة الشعر السردي، حيث تُستمدّ الشعرية من:
الصورة البسيطة
المفارقة
التوتر النفسي
البوح
غياب الوزن الخليلي لا يمنع وجود إيقاع داخلي متولّد من
التكرار
تضاد الصور
المفردات الحادة نار رصاصة القصف الوحوش الموت الذل
أحد أجمل المقاطع المشحونة دلالياً
كان هناك ما هو أتعس
تحت ظل من أكل الأخضر واليابس كما هي المجترات
صورة قاتمة تختصر دورة كاملة من الفساد والاستهلاك الجشع.
ترسيخ مفهوم الذاكرة كوثيقة شعرية
إعادة تعريف الشجاعة الأنثوية في سياق العنف
تصوير الخراب بمعجم حيّ ومباشر ومكثّف
بناء سردية امرأة واحدة تمثل آلاف النساء
التقاط التفاصيل الصغيرة التي تكوّن تاريخ الظل للحروب
كما تمنح القصيدة القارئ فرصة لفهم كيف يتشكل الوعي في ظل الدولة الأمنية والحرب، وكيف تتحول المرأة إلى جوهر المقاومة اليومية.
قصيدة منى الصرّاف ليست مجرد نص شعري إنها تجربة إنسانية مكتملة، تجمع بين السيرة والمأساة والبطولة والأمومة، وتستعيد اليوميات المهملة لتجعلها جزءاً من تاريخ الألم العراق
لغتها الصريحة الواضحة تُخفي تحت بساطتها عمقاً إنسانياً وفلسفياً، وتقدّم نموذجاً لشعرٍ يمزج بين شهادات الواقع والأسلوب الفني البليغ.
إنها قصيدة امرأة عاشَت ولم تكن شاهدة فقط امرأة صنعت من حياتها نصاً ومن نصها حياة.



#هاشم_معتوق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كريم ناصر الذات التي تكتب الذات
- عبدالباقي فرج صور ومحطات مكانية وزمانية
- الشاعر حمد شهاب الأنباري أسلوب الاعتراف
- وداد الواسطي المرونة والإنسياب الشعري
- الشاعر يوسف الصائغ على حافة الجرح
- الناي قصبة جوفاء كانت يومًا ما خضراء
- عصمان فارس المغني الفنان الممثل المخرج الناقد المسرحي
- الشاعر عبدالله كوران عمل في إذاعة يافا فلسطين القسم الكردي
- الشاعرة السعودية عطاف سالم
- الشاعرة جيهان محمد حسن خلف قضبان المسافة
- الفنان والكاتب يحيى ااشيخ
- شيركو بيكس شاعر الحرية والخيال
- الشاعر عبد الكريم كاصد
- الفنان والأديب سمير عبد الجبار
- الشاعر سعدي يوسف
- الشاعرة سلمى الزياني قصيدة عدالة عرجاء
- بيورنسن النرويجي الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1903
- جائزة المربد للشعر
- الصوت قصة للكاتبة سنية عبد عون
- راقية مهدي وجه الحب السابع


المزيد.....




- الفرنسي فارس زيام يحقق فوزه السادس في بطولة الفنون القتالية ...
- الفيلم التونسي -سماء بلا أرض- يحصد النجمة الذهبية بالمهرجان ...
- الممثل بورتش كومبتلي أوغلو قلق على حياته بسبب -بوران- في -ال ...
- -أزرق المايا-: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ض ...
- وزير الثقافة الباكستاني يشيد بالحضارة الإيرانية
- تحقيق يكشف: مليارديرات يسعون لتشكيل الرواية الأمريكية لصالح ...
- زيارة الألف مؤثر.. بين تسويق الرواية والهروب من الحقيقة
- إبادة بلا ضجيج.. اغتيال الأدباء والمفكرين في غزة
- -سماء بلا أرض- للتونسية اريج السحيري يتوج بالنجمة الذهبية لم ...
- جدة تشهد افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان البحر الاحمر السينمائ ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم معتوق - منى الصرّاف امرأة واحدة تمثل آلاف النساء