|
|
نحو معاهدة ويستفاليا شرق اوسطية مضمونة دوليا ...اليات واهداف ونتائج استخدام المقدسات الدينية في الانظمة الاجرامية
مكسيم العراقي
كاتب وباحث يؤمن بعراق واحد قوي مسالم ديمقراطي علماني بلا عفن ديني طائفي قومي
(Maxim Al-iraqi)
الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 09:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
11ص (1) معاهدة ويستفاليا ودورها في انهاء المسيحية السياسية العابرة للحدود واقامة دول علمانية مستقلة متطورة في اوروبا!
تُعدّ معاهدة ويستفاليا عام 1648 نقطة تحول كبرى في تاريخ أوروبا السياسي، إذ أنهت حرب الثلاثين عامًا التي دمّرت القارة وأغرقتها في صراعات دينية وسياسية لا نهاية لها. وقد جاءت المعاهدة في لحظة بدا فيها الجميع منهكًا: المدن الألمانية مدمّرة، الاقتصاد منهار، السكان مشرّدون، والجيوش المتحاربة عاجزة عن تحقيق نصر حاسم. الحرب التي بدأت كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت تحوّلت تدريجيًا إلى حرب مصالح، تتداخل فيها أطماع فرنسا والسويد وإسبانيا وهولندا. وهكذا أصبحت الحرب بلا معنى، تغذيها الكراهية وغياب النظام واستغلال الدين لتبرير الطموحات السياسية. في هذا المناخ المشحون، نشأت الحاجة إلى نظام جديد يوقف الدمار ويمنع عودة الحروب الدينية. جاءت معاهدة ويستفاليا لتعيد تشكيل القارة من جذورها. فقد اعترفت لأول مرة بمبدأ سيادة الدولة، أي حق كل دولة في إدارة شؤونها الداخلية دون تدخل خارجي أو سلطة دينية فوقية. كما كرّست حرية اختيار الدين داخل حدود الدولة، وأنهت طموح الكنيسة في استعادة وحدة أوروبا المسيحية تحت راية واحدة. ورغم أن البابا إنوسنت العاشر رفض المعاهدة وأدانها رسميًا، معتبرًا أنها تقوّض السلطة الكاثوليكية وتشرعن الانقسام الديني، إلا أن الدول الأوروبية تجاهلت اعتراضاته وواصلت بناء نظامها الجديد. لقد أصبح الدين شأنًا داخليًا، ولم يعد أداة تتحكم فيها القوى العظمى أو الكنيسة لتشعل الحروب. أهمية ويستفاليا لم تكن في بنودها فقط، بل في الفلسفة التي أسست لها. فقد رسّخت فكرة أن السلام لا يتحقق إلا حين تحترم الدول سيادة بعضها، ويصبح استخدام الدين في السياسة محدودًا، ويُترك للمجتمعات أن تنظم شؤونها بعيدًا عن صراعات رجال الدين وتحالفاتهم مع الحكم. لقد نقلت أوروبا من عصر الحروب المقدسة إلى عصر الدول الحديثة، وبنت أساسًا جديدًا للعلاقات الدولية ظل مؤثرًا حتى اليوم. وإذا نظرنا اليوم إلى الشرق الأوسط، نجد أن المشهد يشبه إلى حدّ بعيد أوروبا قبل ويستفاليا: صراعات مذهبية لا تنتهي، تدخلات دينية عابرة للحدود، طموحات توسعية مغطاة بثياب العقيدة، وانهيار لمبدأ السيادة الوطنية أمام قوى إقليمية تستثمر الدين في السياسة، وعلى رأسها إيران التي بنت مشروعها على تفكيك الدول من الداخل عبر الميليشيات والتيارات العقائدية. الدين السياسي، سواء كان شيعيًا أو سنيًا، يعيد إنتاج نفس المأساة التي عاشتها أوروبا قبل أربعة قرون: صراع بين ولاءات فوق وطنية، وحروب بالوكالة، وانقسامات مجتمعية تقوّض الاستقرار وتمنع بناء دول قوية. في هذا السياق، تبدو الحاجة إلى "معاهدة ويستفاليا شرق أوسطية" ضرورية، لا كنسخة من الماضي، بل كإطار جديد يضمن سيادة الدول، ويمنع تسييس الدين، ويُعيد ضبط العلاقة بين الطوائف داخل الحدود الوطنية. مثل هذه المعاهدة يجب أن تقوم على مبادئ واضحة: أن الدين لا يمكن أن يكون أداة للهيمنة الإقليمية، وأن ولاء المواطن للدولة لا لأي مرجعية خارج حدودها، وأن السلاح لا يكون إلا بيد الحكومات الشرعية. كما ينبغي أن تتضمن التزامات دولية تمنع دعم الميليشيات وتفرض احترام الحدود الوطنية، تمامًا كما فعلت أوروبا عندما أغلقت الباب أمام الحروب الدينية وأعادت تنظيم نفسها على أساس الدولة الحديثة. إن الشرق الأوسط اليوم يمتلك فرصة تاريخية شبيهة بما مرّت به أوروبا في القرن السابع عشر. فإما أن تستمر الفوضى الدينية والسياسية وتتوسع الصراعات، وإما أن يُعاد صياغة النظام الإقليمي على أسس جديدة تُعلي من سيادة الدولة وتحدّ من تغوّل الأيديولوجيات العابرة للحدود. معاهدة ويستفاليا في الشرق الأوسط ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية لضمان استقرار المنطقة وإنقاذ شعوبها من دورات الدم والاقتتال التي تُغذّيها مشاريع سياسية تتخفّى خلف شعارات الدين. وتمامًا كما تجاهلت أوروبا اعتراضات البابا ومضت في بناء نظام أكثر واقعية، يبدو أن الشرق الأوسط بحاجة إلى قرار جماعي شجاع ينزع الشرعية عن كل فاعل مسلح خارج الدولة، ويضع حدودًا صارمة لتدخلات القوى الإقليمية، ويعيد الدين إلى مكانه الطبيعي كعنصر ثقافي وروحي لا كسلاح سياسي. بدون ذلك، ستبقى المنطقة أسيرة قرون من الفوضى، وسيظل الدين وقودًا لصراعات لا تنتهي، بينما العالم يتقدم نحو أنظمة أكثر استقرارًا ورشدًا. إن الدرس الذي تقدمه ويستفاليا اليوم هو أن السلام الحقيقي يبدأ عندما تتوقف الدول عن استخدام الدين كسلاح، وعندما يتفق الجميع على أن السيادة والهوية الوطنية فوق الانقسامات العقائدية. وهذا بالضبط ما يحتاجه الشرق الأوسط للخروج من نفقه الطويل.
(2) المقدس والسلطة والدوافع والاثار
1. القراءه الفلسفيه للعلاقه بين السلطه والمقدس توضح التجارب الفكريه القديمه والحديثه ان الانظمه القمعيه حين تستعير المقدس فانها تجعل السلطه ذات طابع فوقي غير قابل للمراجعه. يتحول الدين الى وسيله ضبط اجتماعي ويتم بناء منظومه هيمنه ثقافيه تجعل طاعه النظام جزءا من الطاعه الاخلاقيه. تكشف القراءات الحديثه ان السلطه حين تستخدم الرموز الدينيه فهي تعيد انتاجها كاداه لتوجيه العقول والسيطره على المجال العام وليس لخدمه البعد الروحي او الاخلاقي. ان توظيف المقدس من قبل انظمه قمعيه ليس امتدادا للدين بل اعاده تشكيله لاغراض سياسيه. يرتكز هذا التوظيف على خليط من الاساطير المؤسسه والبناء التعليمي والاعلامي والامني الذي ينتج سلطه يصعب نقدها. تحليل الظاهره يبين ان اعاده الفصل بين المجال الديني والمجال السياسي واستقلال المؤسسات الثقافيه والفكريه والعسكرية والامنية والاقتصادية والقضائية يشكل شرطا لانهاء هذا النمط من التحكم.
2. دوافع اعتماد المقدس كغطاء تستخدم انظمه قمعيه فاسده ترتبط بمشاريع خارجية, المقدس كغطاء لاضفاء شرعيه لتوهم الجمهور بانها تحمي الدين والهوية بينما تمارس سياسات تخدم بقائها. هذا الاستخدام ليس عفويا بل جزء من استراتيجيه منظمه تعتمد على دمج الخطاب الديني بالسلطه لضبط المجتمع وفق اهدافهم ومنع النقد وتحويل الاعتراض السياسي الى اتهام اخلاقي او ديني. ومن اهم الاهداف لتلك الانظمة: • الحصول على شرعيه سريعه تمنح النظام حصانه ضد النقد عبر ربطه بالدين بحيث يصبح الاعتراض عليه اعتراضا على الدين والقيم عليا في استنساخ للنموذج الايراني بان الراد على الولي الفقيه راد على الله كما جرى في غابر التاريخ والقرون الوسطى. • خلق تعبئه عاطفيه تعتمد على الرموز الدينيه لبناء هوية جماعيه تذيب الفوارق الاجتماعيه والسياسيه والاقتصادية وتناقضاتها لصالح طاعه السلطه. • عزل المعارضه من خلال اتهامها بالخروج عن الدين او الاساءه للمقدسات لاضفاء صفه اخلاقيه على القمع. واتهامها بانهم ابناء (سيفارات) وكانت الطغم الحاكة ذاتها تتسكع على ابواب السفارات الاجنبية! • تبرير سياسات قاسيه اقتصاديه وامنيه باعتبارها ضروريه لحمايه الدين والامن المجتمعي. • تبرير العمالة والتجسس باعتبار ان الدين عابر للحدود والدول! وان مال الشعب هو مجهول المالك لان الشعب لاوجود له وبناء مليشيات من المرتزقة لتنفيذ المخططات الاجرامية وهي مرتاحة الضمير والنفس! • نهب المال العام من قبل رجال الدين ومؤسساتهم باعتبارها اموال الله والائمة! في الوقت الذي يعيش الشعب مستويات غفر مدقع بينما تتنعم طغم الحكم الدينية والادارية والمليشياوية والامنية 3. الاثار الاجتماعيه والسياسيه: • تراجع الحريات المدنيه بسبب دمج المقدس بالسلطه. • تفكيك المجال العام وتحويل الخلاف السياسي الى صراع اخلاقي. • اضعاف المؤسسات المستقله وتعزيز النفوذ المركزي. • ترسيخ الفساد من خلال منحه غطاء اخلاقيا يمنع المساءله. • ترسيخ الارهاب لان الفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة. • نشر التخلف والفشل والتلوث والتدمير والامراض والنهب والفساد في كل مكان وصلوا له!
(3) الجذور الفكريه والتاريخيه واليات عمل النظام
1. الجذور الفكريه والتاريخيه لاستخدام المقدس • رؤيه قدماء الفلاسفه لفكره الاسطوره المؤسسه باعتبارها اداه لصياغه وعي جمعي يحافظ على النظام حتى لو لم تكن حقيقه كامله. • طرح مفكرين سياسيين كلاسيكيين لفكره استثمار الدين كوسيله لاداره المجتمع وتوجيهه في اتجاه يخدم بقاء السلطه. • تحليل فلاسفه معاصرين لطبيعه السلطه التي تحول الرموز الدينيه الى جزء من منظومه حكم تعمل على تشكيل السلوك الاجتماعي والولاء السياسي. • ادراك المفكرين الاجتماعيين ان الخلط بين السلطه الدينيه والسياسيه يمهد لخلق زعامه مقدسه يصعب نقدها ويمنحها طابع الهيمنه.
2. اليات عمل النظام في استخدام المقدس وآليات استغلال المقدسات في الأنظمة القمعية: • الدين والطائفية والعشائرية كأدوات لتثبيت السلطة تتخذ الأنظمة الاستبدادية الدين والشعائر الدينية أدوات تبرير أيديولوجي لخدمة هدفها. فمهما ادّعت هذه الأنظمة احترام المقدسات أو قيم المجتمع بينما تتصرف وتعمل بالضد من كل ذلك على الارض، فإن جوهر حكمها يبقى ديكتاتوريًا استئصاليًا. لذا تُستخدم القضايا الطائفية والشعائر الدينية كمبرر لتضييق قاعدة السلطة والحفاظ على الوضع القائم؛ حيث يصبح العنوان الطائفي مبرراً لاحتكار السلطة أو ضيق القاعدة الاجتماعية لها على حساب الشعب والدولة ومصالحها العليا. وبفعل ذلك يتعاظم تمزيق النسيج الاجتماعي، إذ أن تكتيكات المسألة الطائفية أثبتت فاعليتها وقادرة على ضرب أسفين بين أبناء المجتمع الواحد. استراتيجيات مثل تأجيج الكراهية أو الخطاب الطائفي تولِّد افتراقاً داخلياً عميقاً يخدم القوى الحاكمة. • الأواصر العشائرية والاجتماعية وقاعدة السلطة تناور الأنظمة القمعية أيضاً بالروابط القبلية والعائلية والقيم الاجتماعية. فالروابط العشائرية غالباً ما تُعامل كركيزة سلطة موازية عندما تضعف المؤسسات المركزية. كما أن العديد من هؤلاء الشيوخ الجدد استغلوا فراغ السلطة لتكريس ولائهم المحلي، لاسيما في مناطق الأطراف حيث تتقاطع المصالح الانتخابية مع الهويات القبلية. بعبارة أخرى، تتحول القبيلة من رابطة اجتماعية تقليدية إلى أداة ريع سياسي، حيث تدعم الأحزاب السياسية أو النخب القبلية علاقاتها من أجل الحصول على مكاسب مادية. وهذا الاستخدام المتعمد للعشائر والعلاقات التقليدية يهدف إلى تعزيز القاعدة الانتخابية أو التسيطرية للسلطة الحاكمة دون إشراك شرائح أوسع من المجتمع. راهن شياع السوداني باموال الدولة الطائلة التي افقرها واغرقها في الديون على شيوخ عشائر ومستشارين! تدفع لهم الدولة اموال طائلة لتنسيق مصالح السوداني ولكنهم جميعها فشلوا وحصدت المليشيات باساليب شراء الذمم والتجنيد المزيف اغلب الاصوات لاول مرة! • سن قوانين تمنح المؤسسات الدينيه دورا رسميا يخدم السلطه وتقييد اي خطاب مستقل خارج اطارها. ومنحها اموال واراضي وسلطات الدولة وحتى تشكيل عصاباتها ومليشياتها وقواتها المسلحة وشركاتها التي تنهش جسد البلاد! • صياغه مناهج تعليميه تعتمد على روايات تاريخيه ودينيه موجهه تدعم سرديه النظام وتضفي عليه مشروعيه اغلبها او كلها مزورة لااساس له من الصحة. • انتاج اعلام يربط بين طاعه السلطه وطاعه المقدس مستخدما خطابا دينيا لتحقيق اهداف سياسيه. • منح الاجهزه الامنيه والمليشيات غطاء دينيا يبرر اجراءاتها باعتبارها دفاعا عن القيم الدينيه. وافتى الخامنائي والحائري وغيرهم بقتل ابناء الشعب العراقي في ثورة اكتوبر 2019 والمنفذين هم زمر من الاوباش والقتلة والعتاكة. • عقد تحالفات خارجيه تقدم دعما للنظام تحت شعار الاستقرار الديني مما يمنحه قوة اضافيه للبقاء.
(4) نماذج من العراق وغيره 1. خطاب صدام وحملته الإيمانية يبرز تاريخ النظام البعثي في العراق مثالاً واضحاً لاستغلال الدين والطائفة. ففي أعقاب حرب الكويت وانهيار الأيديولوجيات القومية، أدرك صدام حسين أنه لا بد من تبني شعارات جديدة لتبرير حكمه. وقد أعاد تغيير العلم العراقي بإضافة عبارة الله أكبر قبيل الحرب، معلناً بذلك أسلمة الدولة بشكل كامل، وتقريب الموالين للنظام على أساس القبيلة والعائلة. وانتقل صدام بهذا التحول من كونه القائد العروبي وبطل التحرير القومي إلى عبد الله المؤمن في حملته الإيمانية. وبموازاة ذلك، أُطلق على الرعية فكرة التمسك بالقيم الإسلامية والعشائرية كرموز تحصن النظام، بينما توسّعت سلطات رجال الدين وشيوخ القبائل الذين استُند إليهم لتثبيت الحكم. 2. تحولات العشائر ودور الدين والطائفة ودينامية ما بعد 2003 شهد العراق مابعد سقوط صدام فراغاً مؤسسياً دفع قادة مستوردين إلى استثمار المرجعيات الدينية والولاءات القبلية بتخطيط وتنفيذ ايراني من نظام قائم على احتلال المقدس لتحقيق الاهداف العنصرية القومية الفارسية التاريخية وتدمير المنطقة خدمة لاعداءها. 3. ودور المرجعية الدينية في دعم هولاء بعد عام 2003 ودعم الدستور الحالي غير المقدس الملي بالالغام والخراب وغير القابل للتغيير بارادات برزانية فارسية خارجية يحتاج الى بحث معمق لوحده. وفي المجال العشائري, تزايد عدد من يدعون رئاسة عشائرية بطرق سياسية، فأصبح الشيخ لقباً يَعطي نفوذاً في السياسة والاقتصاد أكثر من القيم التقليدية الأصيلة. ومن ذلك نشوء ما يُعرف بالشيوخ الجدد الذين نصبوا أنفسهم شيوخاً بدعم سياسي أو حزبي، واستغلوا فراغ السلطة لتكريس نفوذ محلي، خصوصاً في مناطق الأطراف وامتداد لداخل المدن وحولها الى ارياف متخلفة وليست متطورة. وخلال هذه المرحلة تعاملت قوى سياسية مختلفة مع العشائر على أنها موارد انتخابية أو حاضنة لمليشيات، مما زاد من الانقسام الطائفي والعشائري في البلاد. برغم أن الاستغلال قد استهدف كسب التأييد وهدر المعارضة، إلا أنه فتح الباب أمام فوضى العنف وتعميق الميليشياتية، حيث بات خطاب السلطة العراقية يتماهى أحياناً مع خطاب التطرف الذي يستهدف فئات اجتماعية محددة. ترتكب بعض العشائر وشيوخها اعمالا منكرة من الفساد والتسليب والتخريب والنهب والارهاب مدعوما بسلطة الحكومات من اجل اعادة انتخابها على حساب القانون والنظام والعدل والاخلاق!
4. نماذج أخرى من الأنظمة القمعية وترسانة الخطاب الديني لمواجهة التغيير لا يقتصر توظيف الدين والطائفة على العراق فقط بل يمتد إلى أنظمة استبدادية أخرى. فرغم تنوع الأنظمة العربية، لاحظ محللون أن كثيراً منها يستدعي أسلحة دينية وثقافية وقومية لمواجهة أي توجه للإصلاح. فالدعاية الدينية تصبح درعاً سياسياً؛ يزرع في الجمهور مشاعر الخوف من التغيير المؤثر ويشرعن القمع. فإن الدول العربية بقيت مقاومة لأي تأثير شعبي للإصلاح، وغالباً ما تلجأ إلى إطلاق هذه الأسلحة الدينية من أجل إرباك المعارضين وإفشال أي تحول حقيقي. إن استغلال الأنظمة القمعية للمقدسات الدينية والطائفية والعشائرية يؤدي إلى نتائج كارثية على المجتمع. فالاعتماد على الخطاب العقائدي والعشائري في السياسة يولّد فجوات عميقة داخل الأمة، ويحول الخلافات السياسية إلى صراعات عنيفة غير مدنية. كما أن هذه السياسات تؤدي إلى فوضى السلاح وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وحرب شاملة ضد الفئات الأكثر اضطهاداً، وعلى رأسها النساء والأقليات الطائفية والعرقية. وفي النهاية، إن مجتمعاً تسوده الدعاية الدينية والتعصب القَبَلي لا يمكن أن يحلّ نزاعاته بطرق حضارية، ولا ينتج أي تنمية أو ازدهار؛ إذ تظل السلطة تستند في بقائها على القمع وخلق عداء داخلي دائم.
(5) جذور تاريخية وفكرية لاستخدام المقدس... ماذا قال الفلاسفة القدامى والمحدثون؟
1. الفلاسفة الإغريق والرومان (أفكار أساسية) أفلاطون — «الكذبة النبيلة» (Myth/Noble Lie): في الجمهورية اقترح أفلاطون استخدام أساطير/أساليب تعليمية لتثبيت النظام الاجتماعي؛ هذه الفكرة تُظهر أن فكرة استخدام «أسطورة» أو «خرافة مدروسة» لخدمة النظام السياسي لها جذور عميقة في الفكر السياسي الغربي. 2. عصر النهضة والافكار الاولية • ماكيافيلي: نصائحه العملية للحاكم تتضمن استغلال الديانة والظاهر الديني كأداة انضباطية أو تكتيك سياسي — أي أن المظهر الديني قد يكون مجرد أداة فعّالة للحفاظ على السلطة. • توماس هوبز (Leviathan): دعا إلى بسط سلطة السيادة على الدين/الطقوس العامة لتجنّب الفوضى؛ من منظور هوبزيّ، منح السيادة دوراً في ضبط المعتقدات العامة يُبرر كآلية للحفاظ على النظام. هذا يبيّن كيف أن مشروع ضبط المقدّس لصالح الدولة لديه قاعدة نظرية في الفكر السياسي الحديث المبكر. 3. الكلاسيكيات الحديثة / المعاصرون المؤثرون • ماكس فيبر: قدّم تصوّراً لأنواع السلطة (تقليدية، قانونية-عقلانية، كاريزمية). السلطة «الكاريزمية» غالباً تتحول إلى عبادة شخصية ويُستعاد فيها الأبعاد المقدّسة للزعيم، وهي آلية أساسية لشرعنة أنظمة استبدادية • كارل شميت (Political Theology): يرى أن الكثير من مفاهيم السياسة الحديثة هي «مفاهيم لاهوتية مُعلّبة»؛ تحوّل السيادة إلى «مقدّس» يجعل القرار السياسي مطلقاً أحياناً، ويُبرّر اتخاذ إجراءات استثنائية تحت ستار الشرعية الدينية أو الميتافيزيقية • هانا آرندت: درست ظاهرة الأنظمة الشمولية، وبيّنت كيف أن الأيديولوجيا (وهي وظيفة أقرب إلى «دين سياسي» علماني) تتحوّل إلى سببٍ لشرعنة الإرهاب السياسي والقتل المنهجي؛ هنا المقدّس أو «الحتمية التاريخية» تعمل كغطاء لتجاوز القيم الأخلاقية التقليدية. • أنطونيو غرامشي: قدّم مفهوم «الهيمنة الثقافية» (hegemony)؛ السلطة لا تُبنى فقط بالقهر بل عبر بناء «عقيدة» ثقافية تدعم النظام — أي أنه من خلال السيطرة على المؤسسات الثقافية والدينية يُثبّت النظام سلطته. • مايكل فوكو: قدّم أدوات تحليلية مثل «السلطة الرعوية» (pastoral power) والـ«حكومية» (governmentality) لشرح كيف تُمارس السلطة عبر الاهتمام/العتـم على الحياة وتوجيه سلوك الناس بطرق تبدو كـ«عناية» دينية بينما هي أدوات رقابية وسياسية. 4. علماء معاصرون في دين/سياسة أكاديميون مثل Talal Asad وJosé Casanova وSaba Mahmood درسوا كيف يتقاطع الدين والحداثة والسياسة وكيف تُعيد الدول تشكيل المقدّس أو تستغله لتأمين نفوذ سياسي واجتماعي؛ نتائجهم تؤكد أن «المقدّس» ليس بالضرورة حائط صد ضد الاستبداد — بل قد يصبح وسيلة له.
(6) استراتيجيات عملية ونظرية لمواجهة ظاهرة الغطاء المقدّس استخدام المقدّس كغطاء من قبل أنظمة قمعية هو استراتيجية ذات جذور فكرية طويلة وآثار اجتماعية خطيرة؛ مقاربتها تتطلّب إجماعاً على إصلاح مؤسسي، حركة ثقافية مضادّة، عدالة انتقالية، وشراكات محلية ودولية لحماية المقدّسات الحقيقية وإعادة الدين إلى مكانه كفضاء روحي وأخلاقي بدل أن يكون ستاراً للقمع والفساد. الفلسفة تساعدنا في تشخيص الآليات (من أفلاطون إلى فوكو وغرامشي وآرندت)؛ أما السياسات فتعطي أدوات عملية للخروج من دائرة الاستغلال ومن ذلك:
1. إصلاح مؤسسي وسياسي (قواعد اللعبة) • فصل واضح وعملي بين المؤسسة الدينية والدولة مع ضمان حرية العبادة الفعلية وحماية الأقليات؛ ليس المقصود «علمنة قسرية» بل أطر قانونية تمنع استغلال الدين سياسياً. (مبدأ مدعوم في الأدبيات السياسية والنقدية عن إشكاليات الأمن والدين). • قوانين شفافة لمكافحة خطاب التحريض وتقييد استخدام الرموز الدينية لأهداف سياسية مع مراعاة حرية التعبير (التوازن القانوني مهم كما نصت توصيات الأمم المتحدة). مستندات الأمم المتحدة • حوكمة مؤسسات المسجد/الكنيسة/المعاهد الدينية بحيث تكون مُراقبة من المجتمع المدني ولا تُصبح أجهزة للدولة. • بناء مواجهة ثقافية (استراتيجية غرامشية مضادّة) تنمية «مقاومة ثقافية» من خلال بناء خطابٍ مدني بديل — مدارس، مسارح، صحافة مستقلة، قادة دينيين مستقلين — تعمل لتفكيك السرد الرسمي وزرع روايات بديلة. (فكرة العمل على تأسيس «هيمنة مضادة» عند غرامشي). • تعليم نقدي في المدارس — مناهج تعلّم التفكير النقدي وتاريخ الأديان والسياسة تساعد في مقاومة التلقين الطائفي/السلطوي. • عدالة انتقالية ومحاكمات/كشف الحقائق لما بعد النظام: لجان حقائق، توثيق الانتهاكات، محاسبة القائمين — الأدبيات في مجال العدالة الانتقالية تؤكد أن كشف الحقائق وإصلاح المؤسسات جزء أساسي من كسر رواية «الحماية المقدّسة» التي تُستخدم لتبرير الانتهاكات • إشراك الفاعلين الدينيين الوسطيين الشراكة مع رجال دين مستقلين ومؤسسات دينية معتدلة لبناء سردٍ مضادّ يفضح استغلال المقدّس ويعيده إلى وظيفته الروحية والاجتماعية الحقيقية. تقارير خبراء مكافحة التطرف تؤكد أهمية هذا المسار في بناء الثقة والمناعة المجتمعية. وهناك الكثير من تلك الشخصيات العلمية مثل رحيم ابو رغيف وكمال الحيدري او احمد الكبنجي الخ • آليات دولية ومجتمعية للوقاية توصيات أممية وبرامج مدنية للدفاع عن الأماكن المقدّسة ومنع تحويلها إلى واجهات حزبية/قمعية؛ هذه أدوات مُعتمدة عالمياً للحفاظ على المساحات الدينية من الاستغلال.
(7) المصادر 1. محمد محفوظ – النبأ – المسألة الطائفية وجدلية الديني والمدني – 18-11-2020 https://annabaa.org/arabic/studies/25212 2. محرر بغداد اليوم – بغداد اليوم (وكالة أنباء) – قبائل العراق: من النخوة إلى المليار والسياسة.. زمن "الشيوخ الجدد" يقوض هيبة العشيرة! – 13-10-2025 https://baghdadtoday.news/285130-.html 3. محمد بهادل – حيز – العشيرة والمقدّس: لماذا لا تتوقّف “الحملات الإيمانية” في العراق؟ – 27-09-2023 https://7ayez.com/2023/09/27/العشيرة-والمقدّس-لماذا-لا-تتوقّف-الحم/ 4. د. حيدر إبراهيم علي – الجزيرة – تجدد الاستبداد في الدول العربية – 03-10-2004 https://www.aljazeera.net/2004/10/03/تجدد-الاستبداد-في-الدول-العربية 5. Wilson Center – The Jihadi Threat 5: Drivers of Extremism – 08-12-2016 https://www.wilsoncenter.org/article/the-jihadi-threat-5-drivers-extremism 6. Gonda Joseph — platojournal — A New Interpretation of the Noble Lie — 2021 https://impactum-journals.uc.pt/platojournal/article/view/8978 7. Machiavelli — MDPI — The Concept of Religion in Machiavelli Political Methodology Propaganda and Ideological Enlightenment — 2023 https://www.mdpi.com/2077-1444/15/10/1203
8.Plato Intelligence — Platos Concept of the Noble Lie in Modern Political Discourse — https://platointelligence.com/platos-concept-of-the-noble-lie-in-modern-political-discourse/ 9.Stanford Encyclopedia of Philosophy — Michel Foucault — https://plato.stanford.edu/entries/foucault/ 10.Open online platform — Pastoral Power — https://onlineopen.org/pastoral-power 11.PolSci Institute — Webers three types of authority — https://polsci.institute/comparative-politics/webers-three-types-of-authority 12.Britannica — Governmentality — https://www.britannica.com/topic/governmentality 13.Foucault info — The Subject and Power — https://foucault.info/documents/foucault.power.en.html
#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)
Maxim_Al-iraqi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسارات الفلسفة الالمانية واتجاهاتها من التنوير الى النقد الم
...
-
اليسار الألماني بين حصار المؤسسات وصعود اليمين المتطرف في ظل
...
-
نحو تقييم الدول بشرعية الانجاز فقط لا بالانظمة او الدساتير ا
...
-
العراق واقتصاده من البلوتونومي الى خزانات البلوتونيوم واقتصا
...
-
4 سنوات كارثية قادمة بتامر ايراني امريكي بعد سيطرة امة الجبن
...
-
الانكفاء العلماني وصعود الثيوقراطية الفاشية الفاسدة في الشرق
...
-
نظرية النافذة المكسورة في بلد مكسر منتهب مدمر مثل العراق
-
الذكاء الصناعي الراسمالي والة الغباء الصناعي الديني الطائفي
...
-
تحليل ايديولوجي وسياسي لعداء الاسلام السياسي للحضارتين المصر
...
-
صعود اليسار الجديد في معاقل الراسمالية الغربية وافول نظيره ا
...
-
نظرية ناش وتوازن الفشل, في تحليل الأوضاع السياسية والاقتصادي
...
-
ستراتيجيات قمع الثورة المضادة في مراحل التحول السياسي الحرجة
...
-
كيف استغل الاستعمار والإمبريالية الجديدة الإسلام السياسي لتح
...
-
تاثير شركات السلاح الغربية في صياغة واستدامة الحروب (1914-20
...
-
تاريخ وتطور الادعاءات الأمريكية الزائفة لتبرير العدوان والهي
...
-
الاقتصاد السياسي للاستدامة الحزبية - دروس الصين وفشل روسيا و
...
-
ستراتيجية الاحتواء الدموي وسحق المد اليساري في العالم
-
الفعل التاريخي التأسيسي للقوة والمفاجأة في قلب مسار التاريخ
...
-
الأنظمة الطارئة كأدوات للتدبير الخارجي وآليات تفكيك الدولة ا
...
-
تفكيك اللامساواة في العالم لاسباب دينية في ضوء نظرية رأس الم
...
المزيد.....
-
السيد الحوثي: أمّتنا الإسلامية تضرّرت بالحرب الناعمة أكثر من
...
-
ترميم المعالم الإسلامية.. بلدية الفاتح في إسطنبول تحاول استع
...
-
شيخ الأزهر يلتقي لجنة جائزة زايد للأخوّة الإنسانية بالقاهرة
...
-
وفد الألف مؤثر.. يدّعون المسيحية ويُروّجون للصهيونية
-
بابا الفاتيكان يجدد عرض الوساطة بين روسيا وأوكرانيا لتحقيق ا
...
-
حملة اعتقالات إسرائيلية واسعة تطال سلفيت بالضفة الغربية
-
فالح الفيّاض: كان لفتوى السيد السيستاني دور حاسم في انتصار ا
...
-
بابا الفاتيكان ينتقد خطة ترامب للسلام في أوكرانيا.. ماذا قال
...
-
تحالف الدول العربية والإسلامية يضغط على الاحتلال بشأن غزة
-
أميركا تشدد إجراءاتها ضد الإخوان.. ماذا فعلت؟
المزيد.....
-
رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي
...
/ سامي الذيب
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
المزيد.....
|