مكسيم العراقي
كاتب وباحث يؤمن بعراق واحد قوي مسالم ديمقراطي علماني بلا عفن ديني طائفي قومي
(Maxim Al-iraqi)
الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 17:27
المحور:
الفساد الإداري والمالي
(1)
مقدمة
تعاني العديد من الدول من ظاهرة الفساد المتفشّي والارهاب الحكومي وإفلات من العقاب، تدهور المؤسسات، وازدهار الجريمة المنظمة. في هذا السياق، يمكن تبنّي نظرية النافذة المكسورة كإطار تشغيلي لاستعادة النظام والسيطرة، ليس فقط على الجريمة البسيطة، بل على الفساد والسرقة السياسية والاقتصادية. النظرية تقول: عندما تُركت نافذة مكسورة بلا إصلاح، فإنها تشير إلى ضعف الرقابة، وتفتح الباب لتحطيم نوافذ إضافية، وصولاً إلى اقتحام المبنى كاملا!
نظرية النافذة المكسورة (Broken Windows Theory)، وهي نظرية في علم الاجتماع والجريمة، وتوضح كيف يمكن للإهمال والتخريب البسيط أن يؤدي إلى تفاقم الجريمة والفوضى في المجتمع.
• تجربة فيليب زيمباردو والنافذة المكسورة
في عام 1969، أجرى عالم النفس الاجتماعي فيليب زيمباردو تجربة شهيرة لتوضيح هذه النظرية، حيث ترك سيارتين متطابقتين، إحداهما في حي فقير ومضطرب (في برونكس، نيويورك) والأخرى في حي غني ومرتب (في بالو ألتو، كاليفورنيا)، وكلاهما تُركت بأبواب مفتوحة ولوحات أرقام مفقودة.
السيارة في الحي الفقير: تعرضت للتخريب والنهب خلال دقائق قليلة ودُمّرت بالكامل في غضون ثلاثة أيام.
السيارة في الحي الغني: بقيت سليمة لفترة طويلة. عندها تدخل زيمباردو وقام بكسر إحدى نوافذها بمطرقة. بعد كسر النافذة، بدأ المارة في المنطقة الغنية بكسر المزيد من النوافذ وسرقة السيارة وتدميرها بالكامل خلال فترة قصيرة، مماثلة للسيارة في الحي الفقير.
لقد أظهرت التجربة أن البيئة ونظافة الممتلكات وعدم وجود علامات واضحة للإهمال هي التي تبعث رسالة بأن (أحدًا يهتم!)، وأن هناك نظامًا يراقب. وبمجرد ظهور (النافذة المكسورة (أي علامة التخريب والإهمال، حتى في بيئة منظمة، فإنها ترسل رسالة خفية بأن لا أحد يهتم وأن لا توجد عواقب على المزيد من التخريب، مما يشجع الأفراد العاديين، وليس بالضرورة المجرمين، على الانخراط في أعمال تخريبية.
(2)
تطبيق النظرية على الوضع العراقي بعد 2003
يمكن استخدام هذه النظرية كعدسة لتحليل تدهور الأوضاع في العراق بعد عام 2003، حيث يُمثّل سقوط النظام وغياب سلطة القانون في أعقاب الغزو هو النافذة المكسورة الكبرى التي شجعت على الفوضى والتخريب.
1. الفرهود والنافذة المكسورة الأولى
الفرهود (النهب): بدأت أعمال الفرهود والنهب الواسعة للمؤسسات الحكومية ومقرات الدولة والممتلكات العامة والخاصة، مثل نهب المتحف الوطني العراقي، بعد سقوط النظام مباشرة. هذه الأعمال كانت بمثابة أولى النوافذ المكسورة على مستوى الدولة.
كما قامت المعارضة العراقية التي اتت خلف الدبابات الامريكية بالاستحواذ على ممتلكات ومباني الدولة وحتى مراكز الشرطة ووزارات وموسسات خدمية! وقصور ومباني فخمة تعود لاركان النظام السابق, كانت تلك البصمة الاولى التي كانت تستحق التامل لاولئك الاوباش!
اما مخازن الدولة وموسساتها فقد نهبت من قبل الجماهير وبالاخص الكادر العامل في تلك المؤسسات والمخازن لانهم يعرفون اماكنها ويجب تجنب تلك التجربة عن سقوط النظام الحالي باجراءات منع التجول والعقاب الفوري!
كانت الرسالة الامريكية هي الإفلات من العقاب على نهب الثروات والممتلكات العامة, قد بعثت رسالة واضحة للمجتمع بأن الدولة لا وجود لها وأن المالك مجهول، مما شجع على المزيد من الفوضى والاستيلاء.
2. قوننة الإهمال والفساد (النوافذ المكسورة المستمرة)
تشير النظرية إلى أن إصلاح النافذة فوراً يمنع المزيد من التخريب. ولكن في العراق، تحولت النوافذ المكسورة إلى سياسات وقوانين، مما أرسل رسالة بأن التخريب مُشرّع ومحمي:
• الفساد المستشري: أصبح الفساد المالي والإداري يمارس من قلب النظام، حيث تتحول الأموال والثروات الوطنية إلى ملكيات مجهولة أو تستحوذ عليها نخب سياسية. هذا يمثل نافذة مكسورة دائمة تُفقد المواطن إيمانه بالدولة والمصلحة العامة، وتكرّس مبدأ الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه.
• قوانين العفو والتسوية: أدت قوانين العفو العام ,والخاص أو التسويات إلى الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم الخطيرة أو الفساد، وهذا يشكل قوننة للإجرام ويرسّخ فكرة أن النظام يشجع على الفوضى والتخريب.
• تشريع الميليشيات (قانون الحشد): رغم أهمية محاربة الإرهاب الذي صنعته امريكا وايران والاحزاب القادمة للعراق وبرزاني ودول الجوار، فإن غياب السيطرة الحصرية للدولة على السلاح، وتغوّل الميليشيات خارج نطاق القانون، يمثل نافذة مكسورة خطيرة تقوّض هيبة الدولة وسيادة القانون وتشجع على التهريب والتأمر.
3. الإسلام السياسي وتأثيره على الملكية
يمكن ربط هذا التحليل ببعض جوانب فكر الإسلام السياسي في سياق حكم ما بعد 2003:
• مجهولية المالك للثروات: التفسيرات التي تتبناها أطراف سياسية ودينية حول المال العام وبيت مال المسلمين تجعله ملكًا غير محدد، مما يُسهم في تذويب مفهوم الوطن الحديث وتسهيل عملية الاستيلاء والنهب بدعاوى دينية أو طائفية، مما يعزز فكرة لا أحد يهتم.
• الولاءات فوق الوطنية: التركيز على الولاءات العابرة للحدود أو الطائفية يضعف مفهوم المواطنة ويقلل من الحرص على حماية الثروة الوطنية بوصفها ملكًا لجميع العراقيين.
• العمالة المشرعنة: يشير هذا إلى وجود أطراف سياسية تابعة لأجندات خارجية، مما يفاقم شعور المواطن بأن قرارات الدولة لا تخدم المصلحة الوطنية، وبالتالي، تُصبح الدولة نفسها هي النافذة المكسورة التي لا يُهتم بها.
إن تطبيق نظرية النافذة المكسورة على الوضع العراقي يشير إلى أن التخريب والفساد لم يأتيا فقط من مجرمين أو فقراء، بل نشآ وتفشيا نتيجة غياب سلطة القانون في 2003، ثم ترسّخا وتفاقما بسبب نظام سياسي جديد فشل في إصلاح النوافذ المكسورة بل قنّنها وشرّعنها عبر قوانين وسياسات عززت الفساد والإفلات من العقاب وتغوّل الجهات المسلحة غير الرسمية. هذا الإهمال النظامي حول الدولة نفسها إلى بيئة حاضنة للتخريب والفوضى بدلاً من أن تكون الحارس عليها.
(3)
كيف يتصرف نظام حكم وطني كنتاج لتلك النظرية في بلد فاسد؟
1. تشخيص الحالة وبثّ الرغبة السياسية واتخاذ الاجراءات الحاسمة المختلفة وعدم التنازل عن اي حق للعراق ومعاقبة وملاحقة كل من تورط في ذلك ويشمل ذلك كل تاريخ العراق.
ان فساد نوري المالكي في ولايتيه شجع فساد السوداني المتعدد الابعاد الذي لم يحدث في تاريخ العراق وربما العالم.
يجب أن تفضخ القيادة الجديدة الثورية كل الفساد وفتح كل الملفات امام الراي العام وبالاسماء والاموال والتاثيرات والتخريب وكم من تلك الاموال ذهب لاي دولة او لاي حزب او شخص .
فالفساد شكل جزءاً اساسيا من النظام الإداري والقانوني، وليس مجرد شذوذ.
2. استهداف النوافذ الكبيرة اولا وبقوة – الفساد الكبير والقتل والارهاب- بلا رحمة ولا شفقة.
وتدمير كل الركائز المسلحة واصلاح عاجل لتنخر وتسوس الدولة كافة وخصوصا القوات المسلحة والقضاء والمالية والخارجية الخ!
يُعزز ذلك بإصلاحات مؤسّسية: مثل استقلال القضاء، تعزيز الرقابة المالية، الإبلاغ العام., عقوبات وقوانين رادعة.
3. إصلاح النوافذ الصغيرة بالتزامن مع اصلاح النوافذ الكبيرة
بالتزامن يبدا النظام بتطبيق عقوبات صارمة على حالات فساد صغيرة أو متوسطة مثل الرشوة البسيطة، تزوير عقود، إساءة استعمال الامتيازات, التزوير الخ ورفع الكلفة السياسية والاجتماعية للفساد البسيط حتى لا يتطوّر إلى فساد كبير.
4. إرساء قواعد واضحة وشفافة
يجب أن تُسن قوانين واضحة حاسمة في اطار العقوبات وان يتم تنفيذها دون تلكوء ويعاقب كل من يتناغم مع الفساد والارهاب بعقوبات مضاعفة ينص عليها وكشف الذمة المالية ومن اين لك هذا وتاريخ الاشخاص وملفاتهم الاجرامية والسياسية الخ
ان المؤسسات الرقابية تُمنح استقلالاً حقيقياً، وليس مجرد واجهة.
الإعلام والمجتمع المدني يُشركان في عملية إصلاح النوافذ – أي رفع مستوى الشفافية.
5. استمرارية العقاب والردع
لايجب ان تكون مجرد حملة مؤقتة ثم يعود الامر كما كان بطبقة جديدة بل يجب الاستمرار في ذلك حتى النهاية وان يكون نظاما دائما
وكل مخالفة – مهما كانت بسيطة – يُفترض أن تُتابع. ان ذلك يمنع اشارة النوافذ المكسورة.
يجب ايجاد بنية العقاب الصارم تضمّن أن يتم تنفيذه بسرعة، فلا يشعر المواطن أن الفساد يمكن أن يستمر بحالة الإفلات.
6. استعادة الثقة الجماعية
حين يرى المواطن أن النوافذ تُصلح، تبدأ ثقة المجتمع بالنظام تُستعاد.
الثقة بدورها تُصبح وسيلة فعّالة لمكافحة الفساد: المواطنُ يصبح شريكاً، وليس مجرد متفرّجاً.
هذه مرحلة تحتاج وقتاً، لكنها حاسمة.
7. التحدّيات والمخاطر ويمكن تلخيصها:
• إذا لم يكن هناك إرادة سياسية حقيقية، فستظل عملية إصلاح النوافذ شكلية فقط.
• قد يركّز النظام على الفساد الصغير لذرّ الرماد في العيون، بينما النوافذ الكبيرة تبقى مفتوحة.
• خطر الانتقامية أو استخدام العقاب كأداة سياسية ضد خصوم فقط.
• الإصلاح المطلوب يشمل الثقافة، المؤسسات، التشريع، وليس فقط الحملات الإعلامية.
(4)
المصادر
1. Alford, Roger P., “A Broken Windows Theory of International Corruption,” Ohio State Law Journal 73 (2012): 1253. (scholarship.law.nd.edu)
2. “Broken-Windows Theory,” Encyclopaedia Britannica. (Encyclopedia Britannica)
Louridas, Panos & Spinellis, Diomidis, “Conspicuous corruption: Evidence at a country level,” PLOS ONE, 2021. (pmc.ncbi.nlm.nih.gov)
3. نظرية النافذة المكسورة : كيف تؤثر التفاصيل الصغيرة على سلوك
https://www.youtube.com/watch?v=ZkVkZoHTZ_0
4. the 2025 Elections: Hybridity, Legitimacy, and Internal and External Pressures
https://eismena.com/en/article/the-popular-mobilization-forces-and-the-2025-elections-hybridity-legitimacy-and-internal-and-external-pressures-2025-10-14
5. Alford, Roger P. — A Broken Windows Theory of International Corruption. Ohio State Law Journal, Vol. 73, No. 5, 2012. Available at: https://scholarship.law.nd.edu/law_faculty_scholarship/572/ (NDLScholarship)
6. García-Tejeda, Enrique & Fondevila, Gustavo — Policing Social Disorder and Broken Windows Theory: Spatial Evidence from the “Franeleros” Experience. ISPRS International Journal of Geo-Information, Vol. 12, No. 11, 2023. Available at: https://doi.org/10.3390/ijgi12110449 (MDPI)
#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)
Maxim_Al-iraqi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
