أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مكسيم العراقي - الذكاء الصناعي الراسمالي والة الغباء الصناعي الديني الطائفي الشيطاني















المزيد.....



الذكاء الصناعي الراسمالي والة الغباء الصناعي الديني الطائفي الشيطاني


مكسيم العراقي
كاتب وباحث يؤمن بعراق واحد قوي مسالم ديمقراطي علماني بلا عفن ديني طائفي قومي

(Maxim Al-iraqi)


الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 17:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(1)
اسس الغباء الصناعي وكيف تنتج سياسات التدمير المجتمعات وتهشم الدول

هناك غباء سياسي واجتماعي لا علاقة له بالذكاء بالفطرة بل هو نتاج منظومات متعمدة او فاشلة تصنع قرارات قصيرة الرؤية وتؤدي الى خراب طويل الامد. اسميه هنا الغباء الصناعي وهي آلة اخطاء تدار بسياسات وظواهر مكشوفة. نعرض اركانه وخصائصه وجذوره التاريخية وتأثيره على المجتمع والدولة.
الغباء الصناعي ليس قدرا بل هو سلسلة اختيارات بشرية يمكن قلبها بعكسها. كل قرار يقوي الشفافية ويكبح الفساد ويرفع قيمة المعرفة ويحارب المحسوبية والمناطقية والعمالة والتجسس ويوقظ الروح الوطنية سوف يطفئ جذوة هذه الالة. والعبرة ان الانقاذ يبدأ عند اعادة الاعتبار للمواطنة والكرامة والكفاءة لا بزيادة الخطاب الحماسي الديني الطائفي العرقي المزيف بل ببناء مؤسسات دولة حقيقية كفوءة تؤمن مستقبلا افضل للجميع.

1. لب الالة تاجيج النعرات كوقود
تعمل سياسات التاجيج الطائفي والقبلي والاثني والمناطقي كوقود لهذه الالة. باثارة الخوف والحنق وتحول الاختلاف الى عدو ويصبح المجتمع شبكة من الجماعات المتناحرة بدل ان يكون فضاء للتعاون. الخطب التحريضية والاعلام المضلل وانتقاء احداث بعينها لتكبيرها تشكل دورة متواصلة من التصعيد, بل حتى بصناعة العنف المبرمج الذي يؤدي بذلك.

2. عنف مبرمج للقتل والاستعباد والاغتصاب كادوات
عندما تعطل قيم المواطنة وتشرعن الجرائم الاخلاقية تتحول الجرائم القاسية الى وسائل لتحقيق اهداف سياسية او اقتصادية. استخدام العنف الجنسي او الاستعباد او القتل والفساد والنهب والتخريب كاداة كسر للمجتمع هو علامة على انهيار سيادة القانون والفكر الانساني وليس علامة قوة.

3. فساد المنظومة وتولية الفاسدين
الغباء الصناعي يتغذى على الفساد فمن يضع الكفاءة جانبا ويعوضها بالولاءات والرشاوى سوف يضمن استمرار سوء الادارة. وعندما تسند مناصب الامن والاقتصاد والقضاء لمن هم غير مؤهلين او متورطين في جرائم يتحول الجهاز العام الى منجم مصائب واقتصاد منهار ونظام صحي متداع وتعليم مكمم ودبلوماسية عاجز ودولة فاشلة بامتياز لاتنتج شيئا وتعتاش فقط على النفط الناضب مثلا.

4. الية العمل وكيف تدار السياسة التدميرية عبر:
-تشويه المؤسسات واضعاف القضاء والبرلمان والجيش والثقافة وكل الاقتصاد وعوامل القوة.
-نزع الثقة وزرع الشك في كل مكون من مكونات الدولة حتى يصبح المواطن محايدا او مدافعا عن زعيم ما رغم الضرر الذي لحقه.
-صنع الاعداء في الداخل او الخارج حيث يصبحان سببا لتبرير القيود والسياسات القمعية.
-احتكار السرد التحكم في الاعلام والتاريخ والتعليم لتثبيت رواية واحدة مزورة لااساس لها صنعت قبل 1400 عاما!
-استلام الاوامر من الخارج وتنفيذها ونهب مقدرات البلاد لخدمة مشاريع شيطانية خارجية.

5.جذور تاريخية مختصرة
مرت تجارب تاريخية متنوعة على الارض, حيث استخدمت سياسات الانقسام والاقتتال والفساد كادوات للحكم او للمقاومة من اجل السلطة باستخدام الدين والله الخ, من سياسات فرق تسد في عصور متباينة الى انظمة استبدادية خانت مؤسساتها عبر الولاء بدلا من الكفاءة او والت اعداء البلاد. الدرس المشترك هو ان استغلال الخوف والهوية لصالح مكاسب قصيرة الاجل يؤدي دائما الى خسائر طويلة الاجل.

6. خصائص الغباء الصناعي:
-انه قصير النظر بحلول انية على حساب بناء المجتمع ومن اجل مصالح قلة اجرامية.
-معاداة التعقيد وتشجيع وبث السرديات البسيطة عن الشرير والبطل, المظلومية, القداسة, الوصاية, الولاية الخ
-تجريم الفكر الحر وقمع الاصوات العقلانية والاعلام المستقل
-هدر الكفاءات وطرد او قتل او تهميش العلماء والمثقفين والمهنيين
-تحكم الاحزاب والمليشيات بالقانون بقوانين تسن لحماية المنتفعين لا لحماية المجتمع
-نشر الفساد والخراب والتدمير بكل اشكاله التي لم يسمع بها احد من قبل والتي جلبت من كتب صفراء في قعر تاريخ مظلم مزيف

7. الارتباط بالايديولوجيات المتطرفة نقديا وبالخارج
الحركات السياسية التي تقدم قراءة وحيدة للدين او للهوية سوف تسهم في تحويل الخلافات السياسية الى صراعات وجودية. حين لا تعترف حركة سياسية بمشروعية الدولة الحديثة او تلجأ لتحالفات خارجية تقوض السيادة فان ذلك يسهم في خلق فراغ يملؤه العنف والتطرف والفساد. النقد هنا ينبغي ان يكون موضوعيا ومحددا فلا مساواة بين الافراد المتدينين العاديين وبين من يستغل الدين لتحقيق مصالح سياسية ضيقة ومن يدمر الدولة والوطن ويامر بذلك.

8. النتائج العملية ماذا يخسر المجتمع:
-اقتصاد محطم ومعدلات بطالة مرتفعة
-نزوح وهجرة العقول والشباب بل ومناطق باكملها
-تاكل الهوية الثقافية والتراثية بسبب العنف والتدمير
-خلل امني وتفكك خدمات اساسية كالزراعة والصناعة والتعليم
-عزلة دولية وتدهور في الدبلوماسية
-خراب متعدد الابعاد ونظام قمعي اجرامي فاشل عميل فاسد فاشي

9. مداخل الخروج مضادات الغباء
-استعادة حكم القانون ومحاسبة الفاسدين
-حماية وتكريم الكفاءات الوطنية ودمجها لصناعة القرار
-تعليم نقدي وتعدد روايات التاريخ والثقافة
-بناء مؤسسات مستقلة للاعلام والقضاء والتعليم
-تشجيع الحوار المدني وفضح خطاب التحريض
-سحق كل الاحزاب والمليشيات الاجرامية وفق القانون ومنع ظهورها من جديد وتجريم الاسلام السياسي واجتثاثه

(2)
الإطار المفاهيمي والسياق الاستراتيجي

1. تحديد المسار الاستراتيجي للدولة
ان التحول الذي يشهده الاقتصاد العالمي اليوم يتجاوز مجرد التطور التكنولوجي ليصبح عملية اعادة هيكلة شاملة لأسس القوة والقيادة الوطنية. في هذا السياق يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) ليس مجرد تقنية حديثة بل كـ نظام تشغيل جديد للحوكمة الاقتصادية والجيوسياسية في الاقتصادات الرائدة مبني على الكفاءة والقيادة القائمة على البيانات والشفافية. وفي المقابل يظهر مفهوم الغباء الصناعي كمنظومة مضادة يمكن تعريفها على انها فشل ممنهج في نظام التشغيل المؤسسي يضمن نتائج متدهورة يمكن التنبؤ بها.
يعرّف الغباء الصناعي هنا- في هذا السياق- بانه استراتيجية اختيار اداري وسياسي تهدف الى توظيف الأفراد الأقل كفاءة بشكل ممنهج. وتستخدم المناصب العليا والإدارية في هذا النموذج كعملة سياسية لدفع ثمن الولاء الشخصي او دعم النظام الحاكم حتى لو كان ذلك يتم على حساب الكفاءة التشغيلية والقدرة التنافسية الوطنية. هذا التبني للولاء على حساب القدرة يمثل نقيضا تاما لمسار الذكاء الاصطناعي الذي يركز على الجدارة والإنتاجية, ناهيك عن صناعة وتطوير الفساد والتخريب والتدمير الممنهج

2. أسس التنافسية العالمية الجديدة حيث يكون الذكاء كبنية تحتية للقوة الوطنية
يشكل الذكاء الاصطناعي اليوم محور التنافس بين القوى العظمى حيث اصبح التفوق التكنولوجي الأساس الجديد للأمن القومي. ان الاختراقات المتسارعة في هذا المجال لا تقتصر على تغيير المشهد التجاري فحسب بل تعيد تشكيل البيئة الأمنية الدولية بالكامل وتغير الطريقة التي تسعى بها الدول لفرض نفوذها او ممارسة الاكراه والسيطرة على المجتمعات الأخرى.
الذكاء الاصطناعي يوفر قوة استراتيجية للدول المتبنية له حيث يعزز القدرات السيبرانية والتقليدية وحتى النووية بطرق تجعل العلاقات الأمنية بين الخصوم اكثر صعوبة في التنبؤ بها وإدارتها. في المقابل تظهر الدول التي تتبنى الغباء الصناعي ضعفا هيكليا عميقا. ان هذه الدول التي تختار الولاء الأعمى بدلا من الكفاءة التحليلية تفقد القدرة على التفكير الاستراتيجي او التعامل مع التكنولوجيا المعقدة. بالتالي لا يفشل الغباء الصناعي في توليد القوة الاقتصادية فحسب بل يضمن تحويل الدولة من منافس استراتيجي الى هدف سهل للاختراق خاصة وان المجتمعات المفتوحة التي تفتقر الى حوكمة قوية تعتمد بشكل متزايد على شبكات رقمية غير مؤمنة جيدا مما يجعلها عرضة للخطر. الذكاء يولد القوة والقدرة على السيطرة بينما الغباء يضمن الهشاشة الشاملة والتبعية.

(3)
الذكاء الصناعي,قوة دفع النمو والكفاءة (نموذج الجدارة)

1. خريطة الاستثمارات العالمية والتركيز الجغرافي وتسارع الفجوة الاستراتيجية
شهد الاستثمار الخاص العالمي في الذكاء الاصطناعي نموا غير مسبوق حيث وصل استثمار الشركات الى 252.3 مليار دولار في عام 2024 مسجلا نموا بنسبة 26% مع نمو اجمالي للاستثمار يتجاوز ثلاثة عشر ضعفا منذ عام 2014. يشير هذا النمو الهائل الى ان الذكاء الاصطناعي يمثل تحولا نوعيا في بنية الاقتصاد العالمي وليس مجرد تطور تكنولوجي خطي.
تواصل الولايات المتحدة توسيع ريادتها العالمية في الاستثمار الخاص بالذكاء الاصطناعي حيث بلغ استثمارها 109.1 مليار دولار في عام 2024. هذا الرقم يكاد يكون اعلى بـ 12 مرة من استثمار الصين (9.3 مليار دولار) و 24 مرة من استثمار المملكة المتحدة (4.5 مليار دولار).
ان هذا السباق الاستثماري يعتمد على بنية تحتية مادية ضخمة. تشير التقديرات الى انفاق متوقع يبلغ 3 تريليونات دولار على مراكز البيانات العالمية. هذه المراكز هي الجهاز العصبي المركزي الذي يدعم تدريب وتشغيل ادوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ان حجم الانفاق الرأسمالي الاستثنائي في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي كان احد العوامل الرئيسية التي دعمت النمو الاقتصادي للولايات المتحدة في عام 2024، حيث تجاوزت المساهمة الناجمة عن الاستثمارات المتعلقة بمراكز البيانات في الفترة بين الربع الأخير من عام 2024 ومنتصف عام 2025 مساهمة الانفاق الاستهلاكي، مما يشير الى الدور المحوري لهذه التكنولوجيا في نمو الناتج القومي.
ويحذر البعض من ان ذلك قد يشكل فقاعة ستنفجر بسبب عظم الاستثمارات في هذا الجانب!

2. قياس الأثر الكلي للذكاء الاصطناعي على الإنتاجية والناتج القومي الإجمالي
تؤكد الأبحاث الكمية وجود علاقة ايجابية وواضحة بين تبني الذكاء الاصطناعي والنمو الاقتصادي. تظهر الدراسات ان زيادة في كثافة الذكاء الاصطناعي بنسبة 10% (المقاسة بعدد براءات الاختراع لكل فرد) ترتبط بزيادة قدرها 0.3% في الناتج القومي الإجمالي (GDP). ويلاحظ ان هذا التأثير يكون اكثر قوة في البلدان ذات الدخل المرتفع وقطاع الخدمات مما يؤكد ان الذكاء الاصطناعي يعزز بشكل أساسي الاقتصادات القائمة على المعرفة والخدمات المتقدمة.
على مستوى العمالة يتوقع ان تحدث ادوات الذكاء الاصطناعي التوليدي طفرة في كفاءة العمال في المهام التي تعتمد على المعالجة الرقمية. وتشير نتائج التجارب الفردية الى ان استخدام نماذج اللغة الكبيرة يمكن ان يؤدي الى زيادة في الانتاجية تتراوح بين 8% و 36% في مهام محددة.

3. تحديات حوكمة الذكاء الاصطناعي ومخاطر التركيز الاحتكاري
على الرغم من قدرته على تعزيز الناتج القومي الإجمالي فان نموذج الذكاء الاصطناعي ينطوي على مخاطر هيكلية كبيرة تتعلق بتركيز القوة الاقتصادية. نظرا لان نماذج الذكاء الاصطناعي هي سلع معلوماتية تتطلب تكلفة هائلة للتدريب الأولي ولكن تكلفة انتاج منخفضة بعد التدريب تميل الأسواق نحو التركيز ما قد يؤدي الى الاحتكار او احتكار القلة (Monopoly´-or-Oligopoly).
يعد الانفاق الرأسمالي الهائل على البنية التحتية حاجزا رئيسيا للدخول. تنفق الشركات الكبرى مبالغ هائلة على تدريب النماذج مما يجعل من المستحيل تقريبا على الأكاديميين والشركات الصغيرة والقطاع العام مواكبة ذلك. ان احتفاظ الشركات بالسيطرة الحصرية على النماذج الأكثر تقدما يهدد بتركيز القوة الاقتصادية المستمدة من هذه التقنيات مما يعيق الابتكار الأوسع.
لمعالجة هذه المخاطر اعتمدت الأطر المرجعية للحوكمة مثل اطار ادارة المخاطر للذكاء الاصطناعي الصادر عن المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في الولايات المتحدة (NIST AI RMF) مبادئ جوهرية منها المساءلة والشفافية والسلوك الأخلاقي والأمن لضمان انظمة ذكاء اصطناعي موثوقة. ان هذا التركيز على الحوكمة التشاركية والشفافة يهدف الى دمج اصحاب المصلحة لتعكس اطر الحوكمة القيم المجتمعية والأولويات الوطنية.

(4)
الغباء الصناعي بين المفهوم والبناء الإداري وآليات الفشل الممنهج (نموذج التدهور)

1. التعريف المنهجي للغباء الصناعي والتوظيف الممنهج للفشلة
الغباء الصناعي ليس مجرد نتيجة عرضية لسوء الإدارة بل هو استراتيجية إدارية يتم تبنيها للحفاظ على التوازن السياسي على حساب الكفاءة. هذا النظام يتبنى التوظيف الممنهج لغير الأكفاء حيث تستخدم المناصب العليا والإدارية كـ عملة سياسية لدعم النظام. ان المبدأ الأساسي هو ان التعيين يتم كمكافأة للولاء وليس بناء على المؤهلات المهنية.
احدى صور هذا المفهوم هي شبكات الأولاد القدامى (The Old Boy Network) حيث يتم اختيار المعينين للمناصب الرسمية حصريا من شبكة اجتماعية او حزبية او مناطقية او عائلية مغلقة بدلا من اختيار المرشح الأكثر كفاءة. ان استخدام السلطات الرسمية بشكل غير شرعي لإيذاء الخصوم وقتلهم وتشويه سمعتهم واعادة ارهابيين من الخارج من اجل مارب خاصة بعد ان انجزوا هدف تدمير العراق واسقاط الموصل مثلا وتقنين ذلك بالقوانين –كما في العراق-مثل رفع تهم ملفقة ضد الصحفيين ومنع مرشحين للانتخابات بسبب فقرة حسن السلوك غير المحددة بقانون او تهمة او حكم قضائي او اغتيال مرشحين وعدم اقرار الحسابات الختامية ونهب متعدد الابعاد لكل شيء والتجسس والعمالة العلنية الخ هو ايضا مظهر من مظاهر هذا الغباء الإداري الذي يركز على تصفية الحسابات بدلا من ادارة الدولة. ان هذا التوظيف الممنهج للأشخاص الأقل كفاءة او الدجالين او الانتهازيين كدفع مقابل لدعمهم للنظام يعد شكلا من اشكال الفساد السياسي.

2. الأساس الفلسفي والتاريخي والصراع بين الولاء والجدارة
يكمن المحور الفلسفي للغباء الصناعي في ان الحكام غير الآمنين تاريخيا يواجهون هاجس الخيانة من المقربين. عندما يكون لدى المتحدين المحتملين وصول الى موارد كبيرة يضطر الحاكم الى التركيز بشكل اكبر على الولاء بدلا من الكفاءة. تتطلب هذه المعضلة من الحاكم ان يضحي بكفاءة وكلائه ويوظف مرؤوسين متوسطي القدرة ولكن مخلصين لضمان بقائه وتقليل مخاطر الانقلاب وهناك فائدة اخرى وهو انتاج سماسرة الفساد والتخريب.
تاريخيا تُقارن هذه الظاهرة بمفهوم الجدارة (Meritocracy). تعرف الجدارة السياسية بانها الفكرة المفادها ان النظام السياسي يجب ان يهدف الى اختيار وترقية القادة ذوي القدرة والفضيلة الفائقة. هذا المفهوم يختلف عن الديمقراطية التي تختار المسؤولين عن طريق التصويت وعن الملكية التي تختار الحكام بناء على مبدأ الوراثة. تعود اقدم الأمثلة على الجدارة الإدارية الى الصين الإمبراطورية حيث دعا كونفوشيوس الى اختيار الحكام بناء على الجدارة وليس الوضع الموروث مما ادى الى انشاء الامتحانات المدنية. ان القيادة الحكيمة تتطلب بيئة ترحب بالآراء والأفكار المتنوعة والمختلفة وتستمد قوتها من الكفاءة والخبرة وسجل النجاح المثبت وليس مجرد الولاء السياسي.

(5)
المخرجات المدمرة للغباء الصناعي
1. التدهور الاقتصادي والتبعية للامبريالية
ان نموذج الغباء الصناعي يظهر ان الثروة الهائلة من الموارد الطبيعية لا يمكن ان تمنع الانهيار الاقتصادي اذا كان هناك سوء ادارة ممنهج وفساد متفش. فمثلا تواجه ايران ازمة طاقة شديدة على الرغم من احتياطيات النفط والغاز الضخمة بسبب عقود من سوء الإدارة والفساد والعقوبات الدولية التي شلت بنيتها التحتية وشوهت اسواق الطاقة. هذه المشاكل الهيكلية تفاقمها سيطرة كيانات مرتبطة بالنظام مثل الحرس الثوري والمؤسسات الدينية على جزء كبير من النشاط الاقتصادي مما يسبب خنقا مزمنا للمنافسة ويجعل الإصلاح صعبا للغاية.
اما الوضع العراقي فهو كارثة الكوارث.
على صعيد التبعية يظهر ان الحركات التي تتبنى الاسلام السياسي لا تتخذ موقفا حقيقيا معاديا للامبريالية الا اعلاميا، بل انها تتوافق مع الرأسمالية التابعة وتخدم المصالح الامبريالية. هذه الحركات تدافع عن مبدأ قدسية الملكية وتشرعن عدم المساواة والفساد والتقسيم والتخريب والتجهيل وكل متطلبات الاستنساخ الرأسمالي الاسوا.

2. الفشل الحكومي كسبب للتفكك الاجتماعي والطائفية
عندما يفشل الغباء الصناعي في ادارة النمو الاقتصادي يتحول النظام الى البحث عن مصادر بديلة للشرعية والسيطرة وغالبا ما يتم ذلك من خلال التلاعب بالهوية الوطنية. يرى معظم علماء السياسة ان الطائفية اليوم هي اداة سياسية اي تسييس الهوية لإنتاج القوة. ان الطائفية ليست سببا للصراع بل هي ناتج مصطنع وعميق لفشل الحوكمة.
عندما تفشل الدولة على المستوى الوطني في بناء عقد اجتماعي موثوق به يوفر الخدمات وفرص الازدهار تلجأ النخب الحاكمة المتنافسة على الشرعية الى اعادة تشكيل الهويات لخلق الانقسام. هذا العمل المصطنع للخصومات الدينية يستخدم لإخفاء الدوافع الحقيقية للصراع وهي الدوافع الاقتصادية والسياسية.
بالإضافة الى ذلك غالبا ما يتم التعامل مع الطائفية كاستراتيجية استعمارية للحوكمة حيث قامت القوى الغربية بتوظيف وتضخيم التنوع الديني والعرقي في المنطقة لخدمة مآربها الامبريالية. في حالة لبنان مثلا تم الاشارة الى ان التمويل الخارجي للفساد والسياسات الطائفية ساهم في تحويل الدولة الى كيان مشلول لا يتحرك الا وفق اشارات خارجية. يمكن للطائفية ان تكون ظاهرة مدفوعة بالنخب السياسية للحفاظ على انظمتها او لزيادة النفوذ الإقليمي او من قبل القادة الدينيين غير الراغبين في قبول شرعية الأديان الأخرى.

3. آليات تدمير الهوية والثقافة (Culturecide) وكراهية الدولة
يتطور الغباء الصناعي من كونه فشلا اداريا داخليا الى عدوان منهجي حيث ان الفشل في ادارة النمو الاقتصادي يتطلب سيطرة كاملة على السردية الوطنية. وتتطلب السيطرة على السردية تدمير او اعادة كتابة التاريخ ومن هنا يأتي التدمير الثقافي.
يشكل التدمير المنهجي للتراث جزءا من استراتيجيات تسمى الإبادة الثقافية (Culturecide) ويتم استخدام تدمير التراث وتوظيفه كـ سلاح في الصراعات الحديثة لتعزيز او تآكل هويات الشعوب. ان استهداف المعالم والرموز هو تكتيك ضمن التطهير الثقافي الذي يسعى الى محو تاريخ المجتمع لإعادة تشكيل هويته لصالح اجندة المعتدي.
ان تدمير التراث ليس مجرد اعتداء على الآخر بل هو ايضا جرح ذاتي يمكن التلاعب به لخدمة اهداف سياسية او ايديولوجية معاصرة. بالتالي يؤدي الغباء الصناعي الى تدمير الهوية كخط دفاع اخير ضد فقدان السلطة مما يفكك الهوية الوطنية كأحد اخطر المخرجات المدمرة للأنظمة القائمة على الولاء.

(6)
المصفوفة المقارنة والنتائج الاستراتيجية
يضمن نموذج الذكاء الصناعي التميز والنمو المستدام لكنه يتطلب حوكمة ديمقراطية للتخفيف من مخاطر التركيز التكنولوجي والطبقية. في المقابل يضمن نموذج الغباء الصناعي الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحتمي ولكنه يوفر استقرارا مؤقتا للنظام الحاكم على حساب مستقبل الوطن.
هنا مقارنة تفصيلية لمخرجات النموذجين على المستوى الاقتصادي والسياسي:
• الاستقرار الاستراتيجي: الذكاء الصناعي ينتج قيادة تقنية عالمية وامن قومي مدعوم بالتكنولوجيا وتفوقا جيوسياسيا. بينما الغباء الصناعي ينتج هشاشة للدولة واعتمادا على القوة الوكيلة وصناعة الخلافات الداخلية لضمان البقاء السياسي.
• أسس الحوكمة: الذكاء الصناعي يعتمد على الولاء للكفاءة. بينما الغباء الصناعي يعتمد على الولاء للأشخاص.
• رأس المال البشري: الذكاء الصناعي يعتمد على التوظيف على اساس الجدارة والاستثمار في التعليم النوعي الموجه نحو المستقبل والتنوع في الآراء. بينما الغباء الصناعي يعتمد على التوظيف على اساس الزبونية والمحسوبية وتكديس الفاشلين وهجرة الكفاءات والإخلاص الأعمى كقيمة عليا.
• القدرة على التوظيف: الذكاء الصناعي يبحث عن القدرة على المنافسة. بينما الغباء الصناعي يبحث عن القدرة على الطاعة.
• الحوكمة والإدارة: الذكاء الصناعي يعتمد على المساءلة والتركيز على الأداء والالتزام بالحوكمة التشاركية والشفافة. بينما الغباء الصناعي يعتمد على الفساد المتفشي وسوء الإدارة الممنهج واستخدام السلطة لتحقيق مكاسب شخصية وإيذاء الخصوم.
• القاعدة الإدارية: الذكاء الصناعي يعتمد على حكم الجدارة. بينما الغباء الصناعي يعتمد على تبرير الفشل.
• الهوية الوطنية والثقافة: الذكاء الصناعي يعزز الهوية من خلال الابتكار والتقدم وخلق سرديات مستقبلية. بينما الغباء الصناعي يعتمد على تدمير ممنهج للتراث وتشويه الهوية واعادة صياغة التاريخ لخدمة الأجندة الفاشلة.
• الأساس الفكري: الذكاء الصناعي يركز على البناء المستقبلي. بينما الغباء الصناعي يركز على التفكيك الماضي والحاضر.
تؤكد المقارنة التحليلية ان الذكاء الاصطناعي يتطلب بيئة شفافة وعادلة قائمة على الجدارة في حين ان الغباء الصناعي ينتج بيئة فاسدة وغير شفافة قائمة على الزبونية. هذا التناقض يعني ان اي محاولات لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في نظام قائم على الغباء الإداري محكوم عليها بالفشل.

(7)
المصادر
1. Ussama Makdisi, The American Academy in Berlin,
https://www.americanacademy.de/mythology-sectarian-middle-east
2. MDPI, The Impact of the Islamic System on Economic and Social Factors: A Macroeconomic Uncertainty Context
https://www.mdpi.com/2227-7099/11/12/303
3. Wikipedia,
https://en.wikipedia.org/wiki/Meritocracy
4. Wikipedia,
https://en.wikipedia.org/wiki/Political_corruption
5. The Global Observatory, April 2024
https://theglobalobservatory.org/2024/04/when-protectors-become-perpetrators-the-complexity-of-state-destruction-of-cultural-heritage
6. Federal Reserve Bank of St Louis, 04 April 2024
https://www.stlouisfed.org/on-the-economy/2024/apr/ai-productivity-growth-evidence-historical-development-other-technologies
7. The Guardian, 02 November 2025
https://www.theguardian.com/technology/2025/nov/02/global-datacentre-boom-investment-debt
8. Carnegie Endowment for International Peace, June 2025
https://carnegieendowment.org/sada/2025/06/irans-energy-dilemma-constraints-repercussions-and-policy-options?lang=en
9. Brookings Institution,
https://www.brookings.edu/articles/irans-foreign-policy-weaknesses-and-opportunities-to-exploit-them
10. Carnegie Corporation of New York,
https://www.carnegie.org/our-work/article/political-sectarianization-middle-east-and-beyond
11. Eric Schmidt, American Academy of Arts & Sciences,
https://www.amacad.org/publication/daedalus/ai-great-power-competition-national-security
12. Council on Foreign Relations,
https://www.cfr.org/article/will-artificial-intelligence-do-more-harm-good-us-growth
13. Stanford University,
https://hai.stanford.edu/ai-index/2025-ai-index-report/economy
14. National Telecommunications and Information Administration (NTIA),
https://www.ntia.gov/programs-and-initiatives/artificial-intelligence/open-model-weights-report/risks-benefits-of-dual-use-foundation-models-with-widely-available-model-weights/competition-innovation-research
15. Palo Alto Networks,
https://www.paloaltonetworks.com/cyberpedia/nist-ai-risk-management-framework
16. Cambridge University Press,
https://www.cambridge.org/core/books/east-asian-challenge-for-democracy/political-meritocracy-and-meritorious-rule/ED69C738CF3E74A5F1ED9DB7B7C78EC3
https://schubart.com/loyalty-or-competence
17. Monthly Review
https://monthlyreview.org/articles/political-islam-in-the-service-of-imperialism/
18. RAND Corporation
https://www.rand.org/pubs/research_briefs/RB10052.html



#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)       Maxim_Al-iraqi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحليل ايديولوجي وسياسي لعداء الاسلام السياسي للحضارتين المصر ...
- صعود اليسار الجديد في معاقل الراسمالية الغربية وافول نظيره ا ...
- نظرية ناش وتوازن الفشل, في تحليل الأوضاع السياسية والاقتصادي ...
- ستراتيجيات قمع الثورة المضادة في مراحل التحول السياسي الحرجة ...
- كيف استغل الاستعمار والإمبريالية الجديدة الإسلام السياسي لتح ...
- تاثير شركات السلاح الغربية في صياغة واستدامة الحروب (1914-20 ...
- تاريخ وتطور الادعاءات الأمريكية الزائفة لتبرير العدوان والهي ...
- الاقتصاد السياسي للاستدامة الحزبية - دروس الصين وفشل روسيا و ...
- ستراتيجية الاحتواء الدموي وسحق المد اليساري في العالم
- الفعل التاريخي التأسيسي للقوة والمفاجأة في قلب مسار التاريخ ...
- الأنظمة الطارئة كأدوات للتدبير الخارجي وآليات تفكيك الدولة ا ...
- تفكيك اللامساواة في العالم لاسباب دينية في ضوء نظرية رأس الم ...
- تفكيك اللامساواة في العالم لاسباب دينية في ضوء نظرية رأس الم ...
- تفكيك اللامساواة في العراق في ضوء نظرية رأس المال لتوماس بيك ...
- تفكيك اللامساواة في العراق في ضوء نظرية رأس المال لتوماس بيك ...
- ستراتيجية التحول الثوري في الدول الهشة المنتهبة المدمرة!
- أزمة الولي الفغيه المعين والتناقض اللاهوتي مع علي والحسين وا ...
- تهديدات الجيل الرابع من الصراعات غير المتكافئة (عام 2025 وما ...
- الفساد السيادي العابر للحدود لاستنزاف الاصول العراقية عبر تف ...
- تقييم المخاطر الوجودية للعراق في ظل الاطماع الايرانية التركي ...


المزيد.....




- مستعمرون يحطمون قبورا في مقبرة باب الرحمة قرب المسجد الأقصى ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزاز ...
- يهود ضد الصهيونية والاستعمار
- الاحتلال يعتقل 8 مواطنين غرب سلفيت بينهم أسير محرر
- إيران تتاهل الى نهائي كرة الصالات بدورة العاب التضامن الاسلا ...
- السودان.. كيف أخرج الإخوان الجيش عن -المسار الوطني-؟
- رئيس الوزراء العراقي: المسيحيون مكون أصيل وشريك في ترسيخ الت ...
- قوات الاحتلال تهدم منزل أسير غرب سلفيت وتهجّر ثلاث عائلات في ...
- فوز ممداني بثلث أصوات اليهود يكشف أزمة اللوبي الصهيوني
- قوات الاحتلال تهدم منزلا في بلدة بروقين غرب سلفيت


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مكسيم العراقي - الذكاء الصناعي الراسمالي والة الغباء الصناعي الديني الطائفي الشيطاني