أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - رياض الشرايطي - القطاع والضفة بين معماريّة الخراب ومخطّطات الاقتلاع: جغرافيا الإعمار كأداة حرب، من الغاز البحري إلى مشاريع المياه الكبرى.















المزيد.....



القطاع والضفة بين معماريّة الخراب ومخطّطات الاقتلاع: جغرافيا الإعمار كأداة حرب، من الغاز البحري إلى مشاريع المياه الكبرى.


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 00:07
المحور: القضية الفلسطينية
    


فلسطين ليست مجرد رقعة جغرافية، ولا صراعا سياسيا مؤقتا، بل هي مختبر التجربة الاستعمارية الحديثة، حيث تتلاقى الحرب العسكرية مع الحرب الاقتصادية، والسيطرة على الأرض مع السيطرة على الموارد، والمراقبة الرقمية مع المراقبة البشرية، لتتشكل منظومة متكاملة لإلغاء الشعب وتحويله إلى تابع، وعزل المقاومة، وإعادة هندسة المجتمع بأدوات السيطرة الشاملة.
على مدى أكثر من مئة عام، شهدت فلسطين محاولات مستمرة لتفكيك جسدها الجغرافي والاجتماعي والسياسي. لم تكن القضية مجرّد تهجير أو قصف عشوائي؛ بل كانت سلسلة خطط متواصلة لإلغاء الكيانية الفلسطينية، لإعادة توزيع الأرض، لتحويل الإنسان إلى أداة، والموارد إلى حصص تتحكم بها مؤسسات اقتصادية واستعمارية. كل خطوة احتلالية، كل مشروع استيطاني، كل طريق التوسع، وكل اتفاقية “سلام” أو “تعاون” كانت تهدف إلى إعادة صياغة الواقع بحيث يصبح الفلسطيني رهينًا للآخرين، عاجزًا عن بناء اقتصاد مستقل، أو تثبيت سيادته على الأرض والبحر والسماء.
إن الاحتلال لم يكتفِ بالقوة العسكرية وحدها، بل قام بخلق آلة متكاملة للاستعمار الشامل، تشمل:
-السيطرة على الأرض: عبر التهجير، الاستيطان، فرض الطرق الالتفافية، وإعادة رسم الخرائط الإدارية.
-السيطرة على الموارد: من مياه الشرب إلى الأراضي الزراعية، ومن الغاز البحري إلى مصادر الطاقة المحتملة، بما يجعل الفلسطيني خاضعا اقتصاديا قبل أن يكون سياسيًا.
-السيطرة على الحياة اليومية: من التعليم إلى الصحة، من السكن إلى الحركة، حيث يصبح كل جانب من جوانب الحياة خاضعًا لشبكة التحكم الاحتلالية.
-التحكم بالوعي والإعلام: من خلال الخطاب الإعلامي الدولي، تصفية الوعي السياسي، تسويغ الاحتلال تحت شعارات “الأمن”، و”التنمية”، و”حلول البيئة”، حتى تتحول الجريمة إلى مشروع، والاغتصاب إلى إدارة مخطّطّة.
في هذا السياق، لا يمكن فصل الجانب العسكري عن الاقتصاد، ولا السياسة عن الجغرافيا، ولا التنمية عن التبعية. فكل مشروع،سواء كان استيطانا، قناة مائية، طريقا، مشروع غاز، أو شبكة كهرباء ، هو جزء من نظام متكامل لإعادة هندسة الواقع الفلسطيني، بحيث يتم تحييد أي قدرة على مقاومة فعلية، ويصبح الفلسطيني مجرد عنصر ضمن لعبة السيطرة العالمية، بينما يستمر الاحتلال في الاحتفاظ بكل أدوات القوة: الأسلحة، المال، القانون الدولي المُسوّغ من منظومة الأمم المتحدة، وحتى المساعدات الإنسانية.
إن الحديث عن فلسطين اليوم هو الحديث عن تجربة استعمارية معاصرة متعددة الأبعاد، حيث تتداخل عناصر الهيمنة العسكرية، الاقتصادية، الجغرافية، البيئية، والطاقة، لتخلق آلية تحكم شاملة لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأرض، بل إلى السيطرة على حياة الناس، على المستقبل، وعلى كل أفق للسيادة والحرية.
وبالرغم من كل هذا، يظل الشعب الفلسطيني، بما يمتلكه من وعي تاريخي وارتباط عميق بالأرض، نواة مقاومة حيّة، قادرة على مواجهة الاستيطان، مقاومة التهجير، تأمين الموارد، وإعادة تعريف العلاقة مع البحر، الأرض، والهوية الوطنية. فالفلسطيني ليس مجرد ضحية، بل هو فاعل سياسي، اقتصادي، وجغرافي، حاضر في كل شبر من أرضه، حاضر في كل قطرة ماء، حاضر في كل مشروع يحاول الاحتلال تحويله إلى أداة.
هذه المقدمة تمهّد لقراءة معمقة لكل الأبعاد التي يتحرك فيها الاحتلال، من السيطرة على الغاز البحري في غزة، إلى المشاريع المائية الكبرى مثل قناة البحرين، إلى التهجير المستمر، إلى التوسع الاستيطاني، إلى التحكم بالطرق والتضاريس، وصولًا إلى كل أشكال المقاومة الممكنة، التي تجعل من فلسطين اليوم مختبرا عالميا للصمود والكرامة الإنسانية، ومثالا صارخا على كيفية مواجهة الاستعمار الحديث في كل أبعاده، العسكرية والاقتصادية والجغرافية والاجتماعية والسياسية.

1. الدمار كمنهج سياسي لهندسة الفضاء: حين يصبح الهدم وسيلة لإعادة كتابة الواقع.

المدفع لا يطلق صدفة. والقصف لا يستهدف مبنى باعتباره مبنى.
إنّ من يظن أنّ الهدم في غزة هو “ردّ فعل” على مقاومة، أو “تكتيك عسكري”، لا يرى الطبيعة الحقيقية للآلة الاستعمارية:
الهدم هنا هو عقل كامل، استراتيجية، فلسفة، إدراك للمكان بوصفه مادة قابلة للنحت.
في كلّ غارة تسقط بيتا، توجد يد أخرى ترسم فوق الخرائط:
– أين سيعيش الناجون؟
– كم مترا مربعا ستصبح المنطقة “آمنة للعسكر”؟
– كيف يمكن تفكيك الحي وفصل كتلة سكانية عن أخرى؟
– هل سيقطع هذا القصف الطرق التي تسهّل الحركة الاجتماعية؟
– هل سيحوّل الشارع إلى مقبرة قابلة للمراقبة بدل أن يكون ممرًا للناس؟
إنّه عسكرة كاملة للفضاء.
المدينة لا تقصف لأنها مدينة، بل لأنها “نسيج”، والنسيج الاجتماعي هو أصل المقاومة.
والبيت لا يُمحى لأنه خطر عسكري، بل لأنه مساحة للدفء، والدفء يولّد الانتماء، والانتماء يولّد الصمود.
هكذا يصبح الدمار نظاما، لا حدثا.
يصبح أداة لتفكيك المجتمع، ولإعادة تشكيل العلاقات بين الناس، ولإنتاج “فضاء فارغ” يمكن بعد حين إعادة ملئه بشروط استعمارية جاهزة.
إنّ الهدم هو شكل من أشكال إعادة كتابة التاريخ بالحديد، وإعادة إنتاج الجغرافيا بالدمار.
إنّه محاولة مستمرة لتحويل غزة إلى “فضاء بلا مركز”، بلا ذاكرة، بلا امتداد، بلا جذور، كي يصبح وجودها ذاته حالة هشّة.
لكن ما يغفل عنه المخطّط هو أنّ الدمار حين يكون شاملا يتحوّل إلى ذاكرة جماعية، وإلى هويّة، وإلى إصرار على العودة.
فالركام في فلسطين ليس نهاية؛ إنّه لغة المقاومة الجديدة.

2. التهجير كأداة لإعادة توزيع البشر: من جريمة حرب إلى تقنية حكم.

التهجير في فلسطين لا يبدأ بعد الحرب، بل يبدأ قبلها، ويستمر بعدها، ويدار خلالها.
إنّه ليس حالة طارئة، بل وظيفة سياسية، تستخدم لإعادة توزيع الشعب على الخارطة كما تُعاد طباعة نقاط البيانات في برنامج هندسة.
التهجير هنا ليس حركة نحو اللجوء فقط، بل عملية مدروسة تهدف إلى:
-تفريغ مناطق كاملة من سكانها الأصليين لتحويلها لاحقا إلى مناطق “قابلة لإعادة التطوير”.
-تقليص الكتلة الديمغرافية المقاومة بحيث تصبح أقل قدرة على تشكيل قوة سياسية أو اجتماعية.
-خلق تجمّعات بشرية محاصرة يسهل التحكم فيها بالغذاء والماء وتصاريح العمل.
-تحويل الإنسان من مالك أرض إلى مقيم مؤقت لا يعرف إن كان سيعود غدا إلى البيت ذاته.
وبينما يبدو التهجير مأساة إنسانية في الإعلام العالمي، فهو في العقل الاستعماري أداة لترتيب المشهد.
كلّ خيمة تنصب ليست فقط علامة على كارثة، بل خطوة في مشروع:
“اجمعوا السكان في رقع ضيقة كي يصبحوا أسهل في الإدارة، وأبعد عن الأرض، وأقل قدرة على التمرد”.
وفي الضفة، يجري التهجير بطرق أكثر دهاء:
إغلاق طريق، محاصرة قرية، اقتحام فجري، تهديد المستوطنين، مصادرة أرض بحجة الأمن، تجفيف مصادر المياه…
الهدف ليس دفع الناس للرحيل مباشرة، بل تحويل حياتهم إلى عبء يومي بحيث يصبح البقاء ذاته معركة شاقة.
وهكذا، يكتشف الناس أنّهم لم يهجّروا دفعة واحدة، بل ببطء:
قليلا قليلا، مترا مترا، مزرعة بعد أخرى، حتى تصبح القرية “غير ممكنة” للحياة.
والأخطر من ذلك أنّ التهجير يحوّل الفلسطيني إلى مستفيد من المعونة بدل أن يكون صاحب أرض.
وتلك هي السياسة الأخبث: إفقار الإنسان كي يتمّ إدارته عبر المساعدات، لا عبر الحقوق.
لكن ما يغيب عن العقل الاستعماري هو أنّ المقتلع لا يفقد جذوره، بل يورّثها.
وأنّ المنفي لا ينسى، بل يعيد تشكيل ذاكرته كقوة.
وأنّ التهجير لا يُنتج الخضوع، بل يُنتج حق العودة كمنهج حياة.

3. هندسة الإعمار بوصفها استمرارًا للحرب: حين تصبح الخرسانة سلاحا ناعما لإعادة إنتاج السيطرة.

لا يمكن النظر إلى الإعمار في فلسطين كما لو أنّه عمل إنساني أو مبادرة خيرية أو مشروع تقني لتحسين الظروف. الإعمار، في بنيته العميقة، هو امتداد مباشر للنسق الاستعماري، لكن بلهجة لطيفة وبملابس مدنية. ما يجري ليس بناء، بل صوغ جديد للحيّ وفق معايير القوى المانحة والاحتلال والبيروقراطيات العالمية.
يبدأ الإعمار عادة بخطاب عن “المساعدة” و“الواجب الأخلاقي” و“إعادة الأمل”.
لكن خلف الستار، يجلس خبراء هندسة ومخططون حضريون وممثلو منظمات دولية يرسمون مستقبل المدينة خارج إرادة سكانها.
هنا تتكثّف المشكلة:
– من يملك الأرض؟
– من يقرر شكل البيت؟
– من يرسم الشارع؟
– من يحدّد كثافة السكان؟
– ومن يقرّر عدد الطوابق؟
هذه الأسئلة ليست تقنية؛ إنّها سياسية حتى العظم.
الإعمار في حالته المفروضة على غزة يتحوّل إلى:
-مراقبة مشددة على دخول مواد البناء فيصبح كلّ حجر يمرّ عبر المعابر خاضعا لموافقة الاحتلال، كأنّ الحق في البناء يحتاج إلى ختم من الخصم نفسه.
-تحويل الإعمار إلى اقتصاد يعتمد على الجهات المانحة، بحيث يتحول المجتمع إلى متلقّ أبدي للمساعدة لا إلى منتج مستقل.
-إعادة تشكيل المدينة في صورة “أحياء صامتة”: وحدات سكنية صغيرة، أزقة ضيقة، غياب البنية الإنتاجية، أي بناء مدينة بلا قدرة على الاكتفاء الذاتي.
-خلق سوق مربحة لمنظومة المقاولات العالمية التي ترى في كلّ مبنى مهدم مشروعا جديدا، وفي كلّ ضحية فرصة اقتصادية.
وما يزيد الطين قتامة أنّ خرائط الإعمار ترسم على طاولات الطبقة السياسية العالمية، لا في مجالس الأحياء، ولا في ورش المقاومة، ولا في ساحات النقابات الشعبية.
إنّه إعمار من الأعلى، إعمار يشبه دائما حدود من صنعه:
محايد في الظاهر، ولكنه مسَيّس في العمق؛ إنساني في الخطاب، لكنه رأسمالي استعماري في التنفيذ.
إنّ بناء بيت في غزة ليس مجرد بناء.
إنه إنتاج لمعنى جديد للفضاء.
وكلما بني بيت بمواد خاضعة للرقابة، وبتمويل مشروط، وبمخطط مسبق، وبقياسات مفروضة، يصبح هذا البيت جزء من “جغرافيا الطاعة” التي يحاول الاستعمار فرضها.
لكنّ ما لم ينتبه إليه المموّلون هو أنّ البيت، مهما كان سقفه منخفضا أو جدرانه رقيقة أو تصميمه مراقبا، سيظلّ في الوعي الفلسطيني قلعة مقاومة؛
فالأرض ليست ترابا، بل علاقة.
والبيت ليس إسمنتا، بل ذاكرة.
والمكان لا يعاد تشكيله بخرائط، بل بما يملأه الناس من حياة وصلابة.
وهكذا، يصبح الإعمار في فلسطين ساحة قتال أخرى، وإن كانت ناعمة، بين من يريد للمدينة أن تبنى على صورة المستعمِر، ومن يريد لها أن تتجذّر كفضاء للتحرر.

4. الضفة الغربية كمختبر للاستيطان البطيء: كيف تعاد كتابة الجغرافيا شجرة شجرة، وقريةً قرية.

بينما يسقط الحديد على غزة بلا انقطاع، تنسج جريمة أخرى في الضفة الغربية، ولكن على مهل، وبأدوات تبدو أقلّ صخبا وأكثر مكرا: مصادرة قطعة أرض صغيرة، اقتلاع بستان زيتون، فتح طريق التفافي، زرع بؤرة استيطانية، إعلان “منطقة عسكرية”، حظر بناء، هدم غرفة زراعية…
هذه التفاصيل هي في الحقيقة آلة استعمارية كبرى تعمل بالملليمتر.
يتمّ التعامل مع الضفة كخارطة مرنة، يمكن قصّها وتقطيعها وإعادة توزيعها بطريقة تجعل من الوجود الفلسطيني مجرد نقاط متناثرة بين كتلة متماسكة من المستوطنات.
الاستيطان هنا ليس عفويا، ولا نتيجة ضغط ديني أو سياسي فقط، بل هو مشروع معماري-أمني-اقتصادي له هدف واحد:
تحويل الأرض الفلسطينية إلى مساحة مجزّأة يستحيل أن تتشكل فيها حياة طبيعية، فما بالك بتشكّل قوة مقاومة.
تعمل المنظومة الاستعمارية في الضفة وفق منطق ثلاثي:
1. تفريغ الأرض ببطء:
لا يُهجّر الناس في الضفة عبر القصف الشامل، بل عبر استنزاف القدرة على الحياة.
يستيقظ الفلاح ليجد طريقه مقطوعا.
يريد الذهاب إلى أرضه، فيفاجأ بحاجز جديد.
يحاول بناء سقيفة لأدواته الزراعية، فيأتي أمر الهدم.
تترك قريته أسبوعا بلا ماء.
تتحول حقوله إلى منطقة عسكريّة.
يمشي ليصل إلى المدرسة، فيجد جنودا.
لا أحد يقول له “ارحل”، ولكن كلّ شيء حوله يُصمَّم كي يشعر أن البقاء صار مستحيلا.
2. إعادة تشكيل الفضاء الريفي:
الفضاء الريفي في الضفة ليس مجرد بساتين، بل معاقل مقاومة اجتماعية.
كانت القرى دوما قاعدة متينة للمجتمع الفلسطيني، تربط الإنسان بالأرض عبر علاقة إنتاج لا عبر علاقة سكن.
لذلك تُستهدف القرى تحديدا:
– يُقتلع الزيتون لأنه رمز الجذور.
– تُقطع الطرق لتفكيك التداخل الاجتماعي.
– تُعزل القرى عن بعضها لخلق “جزر بشرية”.
– تُبنى المستوطنات على التلال للسيطرة على الرؤية والموارد.
هكذا تتحول الجغرافيا إلى خريطة طائفية مقلوبة: المستوطنات على القمم، الفلسطينيون في السفوح والوديان؛
تماما كما تبنى العلاقات الطبقية في أي نظام يستغلّ الأرض والمكان لخنق الطبقة الشعبية.
3. تحويل الفلسطيني إلى مقيم:
أخطر أدوات الاستيطان ليست الجرافات، بل القوانين.
يصبح ابن الأرض “مخالفا للقانون” إن بنى غرفة لأطفاله!
وتصبح مزرعته “غير مرخّصة”!
ويصبح بستانه “مصادرة”!
وهكذا، يتحول الفلسطيني من صاحب أرض إلى إنسان يحتاج إذنا ليزرع، ويحتاج تصريحا ليحصد، ويحتاج وثيقة ليصل إلى بيته.
إنه تحطيم للسيادة الذاتية، وسلب للسلطة الطبيعية للناس على أرضهم.
لكن وسط كلّ ذلك، ينسى المستعمِر شيئا واحدا:
أنّ الضفة ليست أرضا فقط، بل نسيج اجتماعي حيّ، وأنّ كلّ فلاح يقتلع من أرضه يخلّف في الوعي الجمعي جرحا يتحول إلى نار.
وأنّ كلّ زيتونة تنتزع تصبح رمزا.
وأنّ كلّ صخرة تصادر تعيد الروابط بين الناس، لا تفكّها.
وهكذا، بينما يظن الاستعمار أنّه يصوغ جغرافيته الخاصة، فإنّ المجتمع الفلسطيني يعيد صياغة مقاومته، ويحوّل القمع البطيء إلى نظام إنذار دائم بأنّ المقاومة ليست خيارًا، بل جزء من البقاء.
5. “الإعمار” كواجهة لتثبيت الهزيمة: كيف تتحوّل مشاريع البناء إلى مشاريع إخضاع؟ :
يسوّق الغرب مشاريع “إعادة الإعمار” كأنّها مبادرات إنسانية، لكنّها في الحقيقة تمثّل الشكل الناعم للاستعمار. فالذي يدمّر ليس هو الذي يعمّر، إلا إذا كان يريد استخدام الإعمار لتثبيت الخراب. هنا بالضبط تكمن التحوّلات الخطيرة:
أوّلا، الإعمار كما يخطّط له ليس عودة لما كان، بل تغيير كامل لهوية المكان.
سيعاد رسم المخيمات بحيث تمحى أزقّتها الضيقة التي كانت تشكّل بيئة مقاومة، وسيعاد بناء مناطق كاملة بما يضمن فصلها عن طرق الالتفاف العسكرية، وسيفرض شكل عمرانيّ يخضع من حيث بنيته لرقابة الاحتلال.
بهذا يصبح “البيت” ، الذي هو رمز الانتماء ، جهازا أمنيا.
ويصبح “الحيّ” ، الذي هو وحدة اجتماعية ، مخططا وظيفيا للسيطرة.
ثانيا، التمويل الخارجي ليس مجانيّا:
إنّه شبكة شروط سياسية واقتصادية تهدف إلى إدماج غزة في اقتصاد يعتمد كليا على السوق الصهيونية والرقابة الدولية. أي أنّهم يريدون “تهذيب” غزة اقتصاديا لتحويلها من فضاء مقاومة إلى فضاء تابع، من مجتمع منتج إلى مجتمع استهلاكي يحتاج إلى المانحين ليعيش.
ثالثا، الإعمار يسبق التهجير في المنطق الاستعماري.
حين يعاد تخطيط مدينة مدمرة وفق رؤية الاحتلال، فإنّ الهدف ليس إعادة الناس إليها، بل إعادة “اختيار” من تعاد له العودة. أي يصبح الحق في السكن مرهونا بالقبول السياسي.
فمن يقاوم يقصى من الخارطة.
ومن يرفض “السلام الاقتصادي” سيجد نفسه خارج الأحياء الجديدة.
إنّه تطهير ديموغرافي مُقنّع بقبّعة مقاول.
رابعا، الإعمار يستخدم أداة لخلق طبقة اقتصادية عميلة.
ستظهر شركات محلية مرتبطة بالمموّلين والاحتلال، وسيُعاد تشكيل النخبة الاقتصادية الفلسطينية بحيث تكون جزء من نظام السيطرة.
إنّها “برجوازية الإعمار”، التي تتحالف مع سلطة خارجية وتتحوّل إلى وسيط مالي-سياسي ضدّ شعبها.
وعلى هذا النحو، سيكون الإعمار تكريسا للهزيمة إن لم يربط بسيادة الشعب على القرار، وبحقّه في الأرض، وبحماية نمط حياته وجغرافيته ومخيماته وهويته. لأنّ المكان ليس جدرانا فحسب، بل ذاكرة مقاومة.
وكلّ إعمار بلا سيادة هو هدم مؤجّل.

6. الضفّة الغربية: المختبر الهادئ لتجريب “الهندسة السكانية” قبل تطبيقها في القطاع .

الضفّة ليست ساحة جانبية، بل هي “مختبر السياسات” التي تطبَّق لاحقا في غزة. هناك، تصاغ أدوات السيطرة الأكثر نعومة وفعالية، ويجري اختبار أنماط جديدة من التهجير البطيء.
أوّلا: التهجير الزاحف
بين المستوطنات، والطرق الالتفافية، والحواجز، والمناطق العسكرية، تحوّل الضفّة إلى فسيفساء معقّدة تمنع التواصل الجغرافي بين الفلسطينيين.
هذا التفكيك الجغرافي ليس عرضيا، بل هو المقصود: كل قرية تصبح جزيرة، وكل مدينة تصبح جيبا منعزلا.
وحين تتفكك الجغرافيا، يتفكك الاقتصاد، وحين يتفكك الاقتصاد، يتفكك المجتمع.
إنّه تهجير بلا شاحنات، واحتلال بلا ضجيج.
ثانيا: تحويل المدن إلى "مضخّات طرد" للسكان.
عندما يخنق الاحتلال القرى بالمستوطنات، تدفع الأسر نحو المدن بحثا عن فرصة. لكن المدن نفسها محاصرة اقتصاديا، فتصبح “مضخّات طرد” لا استقرار فيها.
بهذا تتراكم طبقة واسعة من الشباب بلا عمل، بلا أفق، بلا قدرة على البقاء في أرضهم.
إنّها سياسة دفع نحو الهجرة الخارجية دون أن يقول أحد كلمة “تهجير”.
ورأس المال الإمبريالي يستفيد من هذه اليد العاملة الرخيصة منزوعة الأرض.
ثالثا: تحويل السلطة إلى جهاز ضبط سكاني.
لا يمكن فصل ما يحدث في الضفّة عن دور السلطة الفلسطينية التي تحوّلت ، برعاية أميركية ، إلى جزء من منظومة هندسة الجغرافيا.
أجهزتها الأمنية ليست جهازا وطنيا كما يجب أن يكون، بل أداة ضبط ومنع لأيّ مقاومة تعرقل “رؤية الإعمار الاقتصادي” التي يحضّر لها.
وهذا يحوّل الفلسطيني من مقاوم إلى مستهلِك، من صاحب قضية إلى “مواطن” محاصر في جيوب اقتصادية.
رابعا: الضفّة كمركز تجارب.
إنّ كلّ ما يطبّق في الضفّة سيعاد إنتاجه في غزة بصيغة أكثر عنفا:
التهجير الزاحف → التهجير الجماعي
الطرق الالتفافية → مناطق عازلة
تفكيك الاقتصاد → خنق تام
ضبط السلطة → إعادة هندسة القطاع سياسياً بعد الحرب
الضفة هي دليل التشغيل.
غزة هي نسخة التطبيق الكامل.

7. قطاع غزّة كمختبر للقتل البطيء: تحويل الحياة اليومية إلى ساحة حرب مستمرة.

لم يعد القطاع مجرّد منطقة محاصرة؛ إنّه اليوم مختبر عالمي لسياسات الإبادة البطيئة، تختبر فيه تقنيات قتل الإنسان دون إعلان الموت، ودون أن ترتفع جثّته فوق خريطة العالم. هنا يتحوّل الخبز إلى معركة، والماء إلى معضلة، والدواء إلى حلم.
إنّه المكان الوحيد في العالم الذي يمكن فيه للطفل أن يدخل معركة من أجل لتر ماء، وللعائلة أن تشنّ حربا من أجل علبة حليب، وللمريض أن يعيش بلا أفق سوى انتظار شحنة الأدوية التي قد لا تصل.
أوّلا: تجفيف مقومات الحياة باعتبارها “سلاحا”.
الاحتلال لا يحتاج إلى قنبلة كي يقتل. يكفيه أن يقطع الماء 48 ساعة، أو الكهرباء أسبوعا، أو يسمح بالشاحنات أن تمرّ ببطء قصد خنق الدورة الاقتصادية.
هكذا يخلق زمن جديد: زمن الإبادة البطيئة، حيث يموت الناس تدريجيا تحت وطأة الفقر والجوع والعتمة، بلا صور انفجارات، وبلا “لحظة درامية” تشغل الإعلام.
ثانيا: تحويل القطاع إلى سجن بيولوجي.
إنّ منع السفر ومنع العلاج ومنع التعليم ليس إجراءات أمنية؛ إنّها بنية كاملة تهدف إلى إنتاج إنسان منهك، غير قادر على بناء مستقبل، وغير قادر على تجديد قواه.
إنّه سجن يعمل على مستوى الجسد، والعقل، والأفق.
وكلّما خسر الإنسان الأفق، خسر القدرة على تحويل الغضب إلى مقاومة.
ثالثا: تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد نجاة.
في غزة اليوم لا يوجد اقتصاد، بل اقتصاد بقاء: كلّ شيء موجّه لكي يجعل الناس يعيشون الحدّ الأدنى الممكن، دون قدرة على الادخار أو الاستثمار أو الاستقرار.
وهذا يعني شيئا واحدا: تحويل الفلسطيني إلى كائن يبحث عن “النجاة” بدل أن يفكّر في “التحرّر”.
وهنا تتجلّى عبقرية الاستعمار: احتلال لا يكتفي بالقتل، بل يريد أن يسرق قدرة الإنسان على التفكير في الغد.
رابعا: تكسير المجتمع من الداخل عبر خلق فجوات طبقية مصطنعة.
في غزّة، كما في كل مواقع الاستعمار، يعمل الاحتلال على خلق تفاوتات طبقية:
من يستطيع العمل في مؤسسات دولية سيعيش أفضل؛ من يحصل على تصاريح سيصبح أكثر قدرة؛ من يدخل سوق الأنفاق (سابقا) يصبح أكثر ثراء.
بهذا يحوّل الاحتلال المجتمع إلى طبقات متباينة، فيصبح النضال الجماعي أكثر صعوبة.
إنّه تقسيم طبقي هدفه ضرب الوحدة الداخلية.
خامسا: قطاع غزة كمرآة لمستقبل المنطقة إن نجح المشروع الاستعماري.
ما يحدث في القطاع ليس “استثناء”، بل نموذجا يريدون تصديره إلى كل المنطقة:
شعوب منهَكة، بلا سيادة، تعيش في اقتصاد تبعية، حيث القوة الإمبريالية تدير الغذاء والماء والدواء.
غزة ليست مكانا، بل نبوءة سياسية لما قد تكون عليه شعوبنا إن تركنا آلة الاستعمار تسير بلا مقاومة.
في هذا كله، يتجسّد المعنى العميق لكلمات تشومسكي:
“في عالم الاستعمار، تدار الجغرافيا كما تدار المختبرات: بهدف دراسة كيف يموت الناس دون أن يثوروا.”
غزة، باختصار، هي المختبر الأكثر دموية لإدارة الفقر والموت.

8. تهجير من دون حافلات: كيف يتحوّل التطهير العرقي إلى عملية صامتة عبر الأدوات الاقتصادية والعمرانية؟.

التهجير في فلسطين لم يعد يأتي عبر حافلات تجبر الناس على الرحيل، بل عبر سياسات تجعل البقاء نفسه مستحيلا. إنّه تطهير عرقي بلا جنود، بلا طوابير لجوء واضحة، بلا بندقية على الرأس؛ بل عبر أدوات “ناعمة” تبدو وكأنها إدارة مدنية أو إجراءات أمنية أو شروط مالية.
أوّلا: تحويل المعيشة إلى عبء لا يحتمل.
حين تصبح الحياة اليوميّة سلسلة من الإهانات:
ماء ملوّث
كهرباء مقطوعة
عمل مفقود
أسعار نار
مستقبل معدوم
حرب كل عام أو عامين
حينها يدفع الاحتلال الناس نحو التفكير:
“البقاء هنا انتحار”.
هذه هي النقطة الخطيرة: الاحتلال لا يريد أن يطردك بيده، بل أن يجعلك تُخرج نفسك بنفسك.
ثانيا: ضغط نفسي طويل الأمد.
القصف المستمر لا يقتل فقط، بل يحوّل الليالي إلى حقول رعب، ويحوّل الطفولة إلى اضطراب دائم.
التدمير المتواصل للمنازل يخلق شعورا بالفقد المستمر، وكأنّ الإنسان يعيش في حلقة تراجيدية بدون خط نهاية.
هذا الضغط النفسي المدروس هدفه دفع الناس إلى القناعة بأن المكان غير قابل للعيش.
ثالثا: إذابة المجتمع عبر تفكيك روابطه.
التهجير لا يحتاج فقط إلى هدم البيوت، بل إلى هدم العلاقات:
حين تهاجر العائلات الصغيرة إلى الخارج.
حين تفقد المدن هويّتها نتيجة النزوح الداخلي.
حين تتفكك الأحياء والمخيّمات.
حين تعاد هندسة الفضاء بطريقة تشتّت الشبكات الاجتماعية.
عندها يتفتّت المجتمع، ويصبح التهجير قرارا فرديا ممكنا.
رابعا: البنية التحتية كأداة تطهير
حين تصمّم شبكات الطرق بحيث تقطع الأحياء الفلسطينية؛ حين يمنع بناء المدارس الجديدة؛ حين تمنع خطوط الكهرباء من الإمداد؛ حين يخلق نقص دائم في المياه…
كل ذلك ليس عجزا: إنّه سياسة هندسية هدفها واضح:
جعل البقاء مكلفاً أكثر من الرحيل.
خامسا: “الهجرة الاقتصادية” كغطاء لتهجير سياسي.
الغرب يقدّم الهجرة للفلسطينيين كـ“فرصة”.
لكن الحقيقة أنّها وسيلة لنقل الفائض السكاني الفلسطيني إلى أوروبا وأميركا وكندا، لتخفيف الضغط الديموغرافي عن الاحتلال.
الهجرة الاقتصادية ليست بريئة، بل جزء من المنظومة.
لأنّ العامل الفلسطيني في أوروبا يصبح مدمجا في اقتصادهم، ويعاد إنتاجه كفرد بعيد عن وطنه.
سادسا: استراتيجية “الاختناق الصامت”.
هذا هو جوهر النقطة: احتلال لا يحتاج إلى طرد مباشر، بل إلى خلق فضاء يجعل البقاء مستحيلا، فيصبح الرحيل عملا طبيعيا، بل ضروريا.
وذلك أخطر بكثير من التهجير القسري التقليدي لأنه:
بلا صور صادمة
بلا جنود يطلقون النار
بلا جريمة واضحة
وبالتالي بلا إدانة دولية.
إنّه تطهير عرقي يرتدي بدلة مدنية، ويمشي على أطراف أصابعه، ويخنق الناس بحيث لا يفهم العالم ماذا يحدث.
سابعا: ولأنّ المقاومة تدرك هذا، فهي تقاتل من أجل البقاء كما تقاتل من أجل التحرير
لأنّ معركة الفلسطيني اليوم ليست فقط “معركة ضد الاحتلال”، بل معركة ضدّ الطرد الصامت.
ضد الإذابة، ضد التفكك، ضد هندسة الانقراض البطيء.

9. دور رأس المال العالمي في شرعنة الإبادة: كيف تتحوّل الشركات إلى جيشٍ آخر يكمّل عمل القنابل؟.

لا يمكن فهم الحرب على فلسطين دون تفكيك دور رأس المال العالمي بوصفه أحد الأذرع المركزية في المشروع الاستعماري. فالإبادة اليوم لم تعد تتمّ فقط بالطائرات والمدافع، بل تتمّ أيضا عبر البنوك، الشركات، صناديق الاستثمار، شركات التكنولوجيا، وشبكات التمويل التي تتحكّم بالاقتصاد العالمي.
هنا يتحوّل العالم الرأسمالي، بمؤسساته العابرة للقارات، إلى شريك مباشر في الجريمة، ليس فقط عبر الدعم السياسي أو الإعلامي، بل عبر تحويل الحرب إلى قطاع اقتصادي مربح.
أولا: تحويل الحرب إلى سوق
الشركات التي تصنّع الأسلحة لا تبيع سلعا؛ إنها تنتج موتا جاهزا للتصدير.
وكلّما ارتفع عدد الضحايا، ارتفعت أسهمها في البورصات.
إنه اقتصاد دموي مكتمل:
شركات سلاح تربح من القتل،
شركات تأمين تربح من إعادة البناء،
شركات اتصالات تربح من التحكم بالفضاء الرقمي،
شركات أدوية تربح من علاج الإصابات،
وشركات هندسة تربح من “إعمار” ما دمّر.
الحرب في فلسطين سلسلة إنتاج رأسمالية يتحوّل فيها الفلسطيني إلى “مادة خام” لإنتاج الأرباح.
ثانيا: تمويل الاستيطان عبر النظام المالي العالمي.
البنوك ليست محايدة؛ إنها تموّل المستوطنات، القروض، الطرق الالتفافية، شبكات الكهرباء الإحلالية.
وكل هذا يتمّ تحت شعارات “التنمية” و“الاستثمار” و“الاستقرار”.
في الحقيقة، ما يجري هو تحويل الضفة إلى مشروع عقاري ضخم، تستثمر فيه الشركات العالمية كما لو أنّها منطقة تطوير سياحي، لا أرض شعب يقتلع.
ثالثا: التكنولوجيا كأداة استعمارية
شركات التكنولوجيا الكبرى توفّر أدوات الرقابة، الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، والطائرات المسيّرة.
هذه الأدوات لا تستخدم ضد “الإرهاب”، بل ضدّ مجتمع كامل يراد إخضاعه.
الرأسمالية الرقمية هنا لا تحدِث تقدّما، بل تحدِث نوعا جديدا من الاستعمار يراقب حركة الإنسان، جسده، صوته، وحتى حياته الداخلية.
رابعا: المنظمات الدولية كواجهة لشرعنة السيطرة.
يقدّم البنك الدولي، وصندوق النقد، والوكالات الإنمائية تقارير عن “احتياجات التعافي”، لكنهم في الحقيقة يقدّمون قالبا جاهزا لإعادة تشكيل الاقتصاد الفلسطيني بما يناسب السوق العالمية، وليس بما يناسب المجتمع أو مقاومته.
إنها إعادة استعمار اقتصادي:
ديون، شروط، مراقبة، مشاريع استهلاكية بلا إنتاج، اعتماد على المساعدات بدل الاعتماد على الذات.
خامسا: تبرئة العدو عبر لغة “الأسواق”.
عندما تتحوّل الحرب إلى أرقام، والموت إلى مؤشرات، والتهجير إلى “تكلفة”، تضيع الجريمة في لغة الاقتصاد.
يصبح القصف “اضطرابا في العرض”،
ويصبح الحصار “اختناقا في سلاسل التوريد”،
ويصبح التجويع “ضغطا على السوق”.
هكذا تغسل الدماء من اللغة، ويصبح الاستعمار ملفا اقتصاديا، لا جريمة ضد الإنسانية.
سادسا: المواجهة ليست عسكرية فقط، بل اقتصادية–طبقية.
لا يمكن تحرير فلسطين دون ضرب هذه البنية الرأسمالية التي تغذّي المشروع الاستعماري.
النضال ضدّ الاحتلال هو أيضا نضال ضدّ:
رأس المال المفترس
الشركات العابرة للقارات
البنوك التي تموّل الاستيطان
الاحتكار العالمي للتكنولوجيا
إمبراطورية المساعدات المشروطة.
إنّ تحرير الأرض يمرّ عبر تحرير الاقتصاد من بنيته الاستعمارية.

10. الجغرافيا بوصفها أداة للسيطرة: كيف تصاغ الأرض نفسها كآلية لقمع السكان واحتواء المقاومة؟.

في فلسطين، الجغرافيا ليست مجرد تضاريس؛ إنها سلاح سياسي.
فالاستعمار لا يكتفي بالسيطرة على الناس، بل يسيطر على الأرض بطريقة تجعلها تعمل لصالحه، وتصبح جزء من آلته القمعية.
إنه لا يحتلّ الفلسطيني فقط، بل يحتلّ الفضاء الذي يتحرك فيه.
أولا: تفكيك التواصل الجغرافي لبناء “شعب مجزّأ”
حين تفصل غزة عن الضفة،
والضفة عن القدس،
والقرى عن بعضها،
وكلّ مدينة عن محيطها الريفي،
يصبح الفلسطيني مجموعة جزر بشرية لا تمتلك وحدة مكانية، وبالتالي لا تمتلك وحدة سياسية.
الجغرافيا تستخدم هنا كمنشار يقطع الجسد الوطني.
ثانيا: السيطرة على الجبال والتلال للتحكّم بالأفق.
لا تبنى المستوطنات في الوديان، بل على القمم.
لأنّ من يسيطر على المرتفع يسيطر على:
– الرؤية
– الحركة
– الموارد
– المياه الجوفية
– الحدود الطبيعية
– شبكات الطرق
هذا ليس صدفة، بل تصميم عسكري–عمراني.
الاستعمار يعرف جيدا أن من يملك التلّ يملك السيطرة الإستراتيجية.
ثالثا: الطرق الالتفافية كأداة لخلق واقع جديد.
الطرق تبنى ليس لخدمة الناس، بل لإعادة صياغة الأرض.
طريق هنا يعزل قرية،
وطريق هناك يقطع مدينة،
وآخر يمنع التواصل بين الشمال والجنوب.
بهذا تتحوّل الأرض إلى رقعة شطرنج:
المستوطن يتحرك بسهولة،
والفلسطيني يتحرك “داخل قفص متحرك”.
رابعا: تقطيع الأرض إلى مناطق (A/B/C) كأكبر عملية هندسة استعمارية.
هذه التقسيمات ليست تقنية، بل سياسية.
ما يحدث هو تحويل الأرض الفلسطينية إلى نظام طبقي جغرافي:
منطقة للأمن
منطقة للإدارة
منطقة للسلطة
منطقة للمستوطن
منطقة للفلسطيني
منطقة ممنوعة
منطقة عسكرية
منطقة زراعية مصادرة
منطقة توسع مستقبلي
الأرض نفسها أصبحت خارطة للقمع.
خامسا: المياه بوصفها حدودا سياسية.
من يملك الماء يملك الحياة.
ولذلك يسيطر الكيان الصهيوني على مصادر المياه الجوفية، وتحدد للفلسطيني حصة أدنى من الحد الأدنى.
بهذا تتحوّل قطرة الماء إلى أداة إذلال وإخضاع.
سادسا: تحويل الجغرافيا إلى “فضاء خانق”.
كيف يمكن لشعب أن يعيش حين تكون:
– سماؤه مراقبة
– أرضه مقطّعة
– مياهه مسروقة
– طرقه مغلقة
– حدوده محتلة
– موارده منهوبة
– فضاؤه العام تحت التصوير
– مخيماته عاجزة عن التمدد
– مدنه محاصرة
الجغرافيا تصبح هنا أداة خنق، لا فضاء حياة.
سابعا: المقاومة تفهم الأرض أكثر من المستعمر.
رغم كل شيء، تظلّ المقاومة قادرة على إعادة ابتكار علاقتها بالأرض، لأنّ علاقتها ليست عسكرية فقط، بل اجتماعية وروحية ومعرفية.
الفلسطيني يفهم تضاريس بلاده كما يفهم نبضه.
وهذا ما يربك المستعمر دوما:
أنّ الأرض لا تصير محايدة، بل تصبح جزء من الوعي المقاوم.

11 ـ غاز بحر غزّة: الاستعمار يعيد رسم البحر بحدّ السكين.

ليس البحر أمام غزّة مساحة زرقاء تعانق الأفق، بل هو حدّ سياسي وعسكري، خطّ مشدود بين الجغرافيا والاحتلال، بين الوجود والعدم. في عمقه ترقد ثروة ضخمة ، 30 إلى 35 مليار متر مكعّب من الغاز ، تكفي لتغيير ملامح الاقتصاد الفلسطيني رأسا على عقب، وتكفي لتمويل تعليم وصحة وسكن وعمل، بل لخلق دولة ذات سيادة طاقية، لو ترك الشعب يقرّر مصيره.
لكنّ الغاز هنا ليس موردا اقتصاديا، بل موقع صراع بين:
من يريد أن يعيش،
ومن يريد لهذا الشعب أن يظلّ فقيرا، محتاجا، معوّما بين المساعدات والابتزاز.
الغاز في بحر غزّة لم يترك للفلسطيني لأنه يهدّد طبيعة النظام العالمي نفسه.
فعلى مدى أكثر من 25 سنة، لعبت القوى الإمبريالية دور الحكم والمصمّم والمالك في آن واحد. حين اكتشفت الحقول أواخر التسعينيات، سارعت الشركات البريطانية والأمريكية إلى العقود. وحين بدأ النقاش حول التلزيم والتسويق، تدخّل الكيان الصهيوني مباشرة:
منع، تجميد، تعطيل، قتل اقتصادي.
ذلك أنّ وجود غاز فلسطيني مستقل يعني:
مصدر تمويل مستقل لحكومة فلسطينية خارج قنوات المانحين.
انتهاء الحاجة إلى الكيان في الطاقة، وبالتالي سقوط ورقة الضغط الاقتصادية.
نشوء طبقة عاملة فلسطينية مرتبطة بقطاع إنتاجي لا يمكن خنقها بسهولة.
تشكّل بنية تحتية وطنية تتيح بناء اقتصاد مقاوم، لا اقتصاد تبعيّ.
والقضية أبعد من المال. الغاز في سياسته يشبه الأرض: من يملك الأرض يتحكم في الجغرافيا، ومن يملك الطاقة يتحكم في الزمن السياسي للأمم.
ولذلك، يعمل الاحتلال على تحويل البحر إلى “منطقة أمنية” لا منطقة اقتصادية.
فلا يسمح للصيادين إلا بأميال قليلة،
ولا يسمح لشركات دولية بالعمل دون موافقته،
ويتعامل مع مياه غزّة كأنّها ملكه البحري الخاص.
إنها سرقة صامتة، لا تراها القنوات، لكنها لا تقلّ وحشية عن القصف.
الغاز جزء من مشروع أكبر: تجريد الفلسطيني من أي قدرة على البقاء الحرّ.
كلّ ما يدمَّر فوق الأرض في غزّة له غاية، وكل ما يمنَع تحت الأرض وحولها له وظيفة.
البيوت تقصف كي لا يكون هناك “مستوطن بشري” على الشاطئ.
السكان يهجّرون كي تصبح عملية الاستكشاف “أكثر أمنا”.
طبقات المجتمع تفكَّك كي لا تنشأ طبقة منتجة قادرة على فرض شروطها الاجتماعية.
إن إعادة صياغة المشهد الديمغرافي ، الطرد نحو سيناء، أو التفريغ الداخلي ، جزء من مخطط استعماري طويل لتحويل الحقول البحرية إلى حقول استعمارية.
غاز غزّة هو “دولة فلسطينية محتملة” يخافون أن تولد.
لذلك يحاصر البحر،
ويسرق الغاز،
ويهجّر السكان،
ويعاد رسم الساحل بأوامر عسكرية،
ثمّ يقال للعالم: “لا نعرف كيف نعيد إعمار غزّة”.
الإعمار ليس المشكلة؛ وجود الفلسطيني هو المشكلة بالنسبة للمحتل.

12 ـ مشروع "قناة البحرين": حين تتحوّل المياه إلى حدود جديدة للتطبيع والهندسة الإقليمية.

مشروع “قناة البحرين” ، الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الميت ، ليس مشروعا هندسيا بيئيا كما يُسوّق له، بل هو مشروع سياسي استعماري مقنّع، يعاد طرحه كلّما أراد النظام الرأسمالي العالمي تمرير “حلول إقليمية” تعيد ترتيب ميزان القوى لصالح المركز الإمبريالي والمستوطن الصهيوني.
إنّ القناة المقترحة ليست مجرد مياه تسيل؛ إنها معادلة سلطة تُفرض على المنطقة:
الأردن يدخل في شبكة اعتماد مائي واقتصادي مع الكيان،
الفلسطيني يدفع ليصبح مُلحقا بالنظام الإقليمي،
والاحتلال يصبح محور إدارة الموارد في مشروع ثلاثي تجتمع فيه السياسة بالماء، والماء بالسيطرة، والسيطرة بالتطبيع.
لماذا يصرّون على هذا المشروع؟
لأنّ المنطقة تدار اليوم كغرفة واحدة: من يدير الماء يدير الأرض، ومن يدير الطاقة يدير الشعوب.
والقناة تحقق للمحتل أهدافا كبرى:
تثبيت وجوده بوصفه المزود المائي والتقني المركزي ، وهذا أخطر من الاعتراف السياسي.
ربط الأردن بنيويا بالاقتصاد الصهيوني، بحيث يصبح الانفكاك مستحيلا دون انهيار مائي.
تذويب القضية الفلسطينية داخل مشاريع “التعاون الإقليمي”.
خلق بنية تحتية للتطبيع لا يمكن تفكيكها لأنّها تمسّ البقاء اليومي للشعوب.
والمفارقة المرّة: المشروع يسمّى “مشروعا مشتركا”، بينما الفلسطيني مغيّب.
ليس شريكا، بل موضوعا.
ليس مقرِّرا، بل مفعولا به.
ليس جزء من السيادة، بل جزء من قرار خارجي يفرض عليه.
يستدعى الفلسطيني فقط ليضفي شرعية على مشروع أُعدّ ليتجاوز كل شكل من أشكال سيادته المفترضة.
قناة البحرين هي “كامب ديفيد مائية” جديدة.
ليست اتفاقا، بل ربطا عضويا:
مياه مشتركة،
ضخ مشترك،
أسعار مشتركة،
بنية تحتية مشتركة،
وحقيقة واحدة:
السيطرة في يد الاحتلال.
إنها محاولة لإعادة هندسة الجغرافيا السياسية بحيث يصبح الاحتلال مركز المنطقة لا غريبا عنها.
تصبح مسألة «التطبيع» جزء من الهندسة الطبيعية:
كما لا يمكن إيقاف الماء، لا يمكن إيقاف العلاقات المبنية حوله.
الأخطر من ذلك: المشروع جزء من صفقة سرّية أكبر تتعلق ببحر غزّة نفسه.
فحين يعاد تعريف الممرات المائية من العقبة إلى البحر الميت،
تعاد تلقائيا صياغة حدود الاستغلال البحري قبالة غزّة.
أي أن خطط السيطرة على الغاز لا تنفصل عن خطط إعادة تشكيل البنية المائية للمنطقة.
قناة البحرين هي الوجه الآخر لسرقة غاز غزّة.
ومثلما يراد للفلسطيني أن ينتزع من ساحله كي ينتزع غازه،
يراد له أن ينتزع من سيادته المائية كي ينتزع دوره السياسي.
المسألة ليست قناة؛ إنها مستقبل المنطقة بكاملها.
إنها محاولة لصناعة شرق أوسط جديد، لا تقوم فيه الحدود على الأرض بل على الماء والطاقة.
شرق أوسط تكون فيه الكيان الصهيوني الموزّع الإقليمي للطاقة والمياه،
ويكون فيه الفلسطيني مستقبِلا لمعادلات جاهزة،
ويكون فيه الأردن رهينة مائية،
وتكون فيه المنطقة كلها حديقة تطبيع واحدة.

خاتمة: من الحصار إلى الاستعمار الشامل، المقاومة كحق وسيادة.

حين ننظر إلى فلسطين اليوم، نجد أنّ ما يسمّى “صراعا سياسيا” ما هو في الحقيقة حرب متعددة الأبعاد: عسكرية، اقتصادية، جغرافية، بيئية، وحتى نفسية. ليس الاحتلال فقط من يقصف ويدمّر، بل هناك آلة استيطانية-رأسمالية-إقليمية تعمل على جميع الأصعدة لتفكيك المجتمع الفلسطيني، تدمير اقتصاده، تهجير شعبه، وسرقة موارده الطبيعية.
غزة، الضفة الغربية، القدس، كلّها مختبرات حية لهذه الاستراتيجية الاستعمارية:
-غزة: مختبر الإبادة البطيئة، حيث يصبح الماء والخبز والدواء أدوات قتل.
-الضفة الغربية: أرض للتهجير الاقتصادي، إعادة هندسة المدن والقرى، وتحويل الأرض إلى شبكة محاصرة، حيث يصبح الإنسان أداة تتحرّك في رقعة شطرنج استعمارية.
-غاز البحر: مورد استراتيجي يُمنع على الفلسطيني ليس لأنه مصدر طاقة، بل لأنه يمثل سيادة حقيقية ممكنة.
-مشروع قناة البحرين: أداة هندسية لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية، وتثبيت التطبيع، وتحويل الفلسطيني إلى تابع، وإلغاء أي أفق سياسي مستقل له.
إنّ ما نراه اليوم ليس مجرد احتلال، بل نظام كامل لإعادة إنتاج التبعية والهندسة الطبقية والسياسية:
-رأس المال العالمي والشركات الكبرى ليست محايدة، بل هي جزء من آلة الاستعمار، تربح من الحرب، الاستيطان، الهيمنة على الموارد، وحتى من إعمار ما دمّر.
-البنية التحتية، الطرق، القنوات المائية، وحتى المدارس والمستشفيات، جميعها تحوّل إلى أدوات لإعادة هندسة المجتمع بحيث يصبح الفلسطيني خاضعًا، مفككا، ضعيفا، بلا أفق سياسي واقتصادي.
كلّ تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية ، من الماء، إلى الكهرباء، إلى الغاز، إلى العمل، إلى التعليم ، يدار بحيث يعمّق التبعية، ويجعل المقاومة صعبة، والنجاة نفسها تحديا.
لكن، في مواجهة هذه الهجمات المستمرة على الجغرافيا، على الاقتصاد، وعلى الحياة اليومية، تظهر المقاومة الفلسطينية بأبعادها المختلفة:
المقاومة المسلحة، في أشكالها المتنوعة، تعكس رفضا مباشرا للقتل والتهجير.
المقاومة الاقتصادية والاجتماعية، من الإنتاج المحلي إلى تحدي الحصار، تظهر قدرة الشعب على إعادة خلق اقتصاده داخل قيود الاحتلال.
المقاومة الفكرية والثقافية، من الأدب إلى الفن إلى التعليم، تؤكد أن السيطرة على الجسد لا تعني السيطرة على الوعي، وأن الأرض المحتلة لا تصبح مهجورة بالأفكار، ولا التاريخ يختفي مع الحصار.
إنّ فلسطين اليوم ليست مجرد أرض، بل اختبار عالمي لجدوى المقاومة ضدّ الاستعمار الحديث:
اختبار للقدرة على مواجهة آلة عسكرية واقتصادية واستراتيجية متعددة الأبعاد،
اختبار للقدرة على الحفاظ على الهوية الوطنية رغم التجزئة الجغرافية والطبقية،
اختبار لإمكانية بناء اقتصاد مقاوم يعتمد على الموارد الذاتية، على المعرفة المحلية، وعلى التضامن الشعبي الإقليمي والدولي.
إنّ مستقبل المنطقة مرتبط بفهم هذا الاختبار: كل مشروع هندسي، كل قناة مياه، كل حقل غاز، كل طريق التوسع الاستيطاني، كل اتفاقيات التطبيع، كل آلة إعلامية، كلها أدوات لإلغاء الفلسطيني كفاعل سياسي مستقل.
لكن الشعب الفلسطيني، عبر تاريخه الطويل في مواجهة الاحتلال، يثبت أنّ الحياة لا تقهر، والسيادة لا تموت، والمقاومة ليست خيارا بل واجب وجودي.
التحرر ليس فقط استعادة الأرض، بل استعادة القدرة على العيش، على الإنتاج، على السيادة، على تقرير المصير.
التحرر ليس مشروعا فلسطينيا فحسب، بل معركة ضدّ الاستعمار الحديث بكل أشكاله: العسكري، الاقتصادي، التقني، الجغرافي، الطبقي.
فلسطين، بحرها، أرضها، سماؤها، مواردها، هي مختبر عالمي للصمود والكرامة الإنسانية، وهي رسالة لكل الشعوب المضطهدة: الحرية ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية؛ والسيادة ليست هبة، بل صراع مستمر.
إنّ كل قطرة دم، وكل قطرة ماء، وكل شبر من الأرض الفلسطينية يصرخ بأن: المقاومة مستمرة، والبقاء الفلسطيني حق، والعدالة الدولية، رغم كل العقبات، ليست خيارا بل واجبا تاريخيا وأخلاقيا.



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية والحريات في صراع الهيمنة: الشيوعية والنضال من أجل الإ ...
- تونس الآن الآن ..
- فنزويلا في قلب الصراع العالمي
- الحرية والمواطنة في مواجهة آلة القمع وبناء جدار الخوف... قرا ...
- قراءة في أحزاب اليسار الكلاسيكية، واليسار الثوري الحديث، وال ...
- أمريكا اللاتينية: المكسيك وكولومبيا وفنزويلا والبرازيل بين ا ...
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ...
- بعد غزة… الضفة الغربية على صفيح النار: التهجير القسري والاست ...
- الدّولة البوليسية المعاصرة
- من مانهاتن إلى القصبة: حين تتكلم الأزمات بلغتين
- السّرياليّة والسّرياليّة الثوريّة. من الحلم إلى التمرّد: في ...
- النضال البيئي بين العفوية والتنظّم في تونس: الواقع والآفاق.
- بين تاريخ الوصاية وإغراءات «الإعمار»: ما يقترَح اليوم ليس مج ...
- مشروع قانون المالية لسنة 2026: بين الوهم الاجتماعي وتكريس ال ...
- الديني و الماركسي في خندق المقاومة وحدود الالتقاء: من طهران ...
- اتفاق شرم الشيخ: عودة الانتداب بثوب أمريكي – قراءة في مشروع ...
- غزة والمقاومة: غنيمة التّاريخ وبوصلة الأحرار
- من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر
- الأفقية والقاعدية: تفكيك مفاهيمي وتحليل تطبيقي.
- البناء القاعدي والتسيير الذاتي: بين النظرية، التجارب، والتحو ...


المزيد.....




- فرنسا تفتح تحقيقا بعد رصد مسيرات فوق قاعدة تابعة لقوة الردع ...
- علماء يعلنون عن -اكتشاف استثنائي- لمئات التماثيل الجنائزية ف ...
- أفريكا ريبورت: اتفاق الكونغو ورواندا موقَّع بالأيدي لا بالقل ...
- غزة مباشر.. الاحتلال ينسف مباني بالقطاع والداخلية تدعو أفراد ...
- قاعدة بيانات تدعم تصنيف تنظيم إخوان السودان جماعة إرهابية
- بيان عربي إسلامي يرفض تصريحات إسرائيل بشأن معبر رفح
- شاهد.. إنقاذ عاملي تنظيف نوافذ علقا على ارتفاع 15 طابقًا
- تحذير عربي - إسلامي من -تهجير الفلسطينيين-: 8 دول بينها مصر ...
- سيناريو روسي يتخيّل حربًا مع أوروبا: صواريخ باليستية يتبعها ...
- لوموند: على فرنسا أن تستعد لتفادي شتاء ديمغرافي قاس


المزيد.....

- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - رياض الشرايطي - القطاع والضفة بين معماريّة الخراب ومخطّطات الاقتلاع: جغرافيا الإعمار كأداة حرب، من الغاز البحري إلى مشاريع المياه الكبرى.