أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الشرايطي - من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر















المزيد.....



من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 22:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقدمة :

كانت تونس، على مدى عقود طويلة، مسرحا لتوترات اجتماعية وسياسية عميقة، حيث تراكمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على خلفية نظام سياسي مركزي، أعاد إنتاج الفجوات الطبقية، وحوّل المواطن العادي إلى مراقب سلبي لسياسات لا تخدم إلا مصالح النخبة. تلك التراكمات لم تكن مجرد أرقام وإحصاءات، بل قصص يومية يعيشها الإنسان التونسي في حيه، في مدينته، في قريته، في عمله، وفي كفاحه المستمر من أجل البقاء والكرامة. البطالة، الفقر، غياب العدالة الاجتماعية، ضعف الخدمات العامة، تضييق الحريات، جميعها كانت شرارة لثورة شعورية تراكمت داخل المجتمع التونسي، لتصل في نهاية المطاف إلى نقطة الانفجار الكبرى في ديسمبر 2010، مع بروز شخصية بائسة لشاب بائع الخضر والفاكهة، محمد البوعزيزي، الذي أضرم النار في جسده، ليصبح رمزًا لأحلام الملايين وحسرة الآخرين على سنوات من الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
كانت الانتفاضة التونسية ليست مجرد احتجاج شعبي ، بل ثورة كبرى اتسمت بوعي جماعي واسع، وحددت شعارها المركزي: شغل – حرية – كرامة وطنية. هذا الشعار لم يكن مجرد كلمات شعاراتية على لافتات، بل كان تجسيدا لحلم شعبي شامل، يحاكي مطالب الفئات الشعبية، الشبابية، العمالية والفلاحية، ويحمل مشروعا لإعادة توزيع القوة والموارد والكرامة الوطنية على كل المواطنين. الشغل يعني فرصة اقتصادية حقيقية، الحرية تعني مشاركة في القرار السياسي والاجتماعي والثقافي، والكرامة الوطنية تعني احترام الفرد ومكانته في المجتمع والدولة، وحقه في العيش بسلام وبدون إقصاء أو تهميش.
لكن سرعان ما بدأت مسارات الانتفاضة تأخذ اتجاهات مزدوجة ومعقدة، نتيجة تدخل القوى السياسية التقليدية والجديدة، وظهور هيمنة الأحزاب على القرار الرمزي والسياسي، واستخدام الثورة كأداة شرعية للوصول إلى السلطة، بعيدًا عن تحقيق مطالب الشعب الفعلية. هنا ظهر التناقض بين روح الانتفاضة وإرادة الجماهير، وبين مصالح الأحزاب وسعيها لتأطير الطاقة الشعبية في أطر حزبية تخضع للزعيم أو القيادة المركزية، وغالبًا ما تحيد عن الممارسة الديمقراطية الحقيقية.
في هذه المرحلة بدأ الخطاب السياسي يتحول تدريجيا إلى خطاب شكلي رمزي، حيث استُخدم شعار مكافحة الفساد لتبرير السيطرة، بينما بقي كبار الفاسدين خارج دائرة المساءلة. الجماهير شعرت تدريجيا أن الديمقراطية شكلية، وأن الأحزاب تعمل وفق مصالحها الضيقة، بعيدا عن الشغل والحرية والكرامة اليومية التي انتفضوا من أجلها. ضعف خطاب اليسار، الذي بقي تخبويا، وعدم قدرته على التوسع شعبيا، أدى إلى تراجع أي قوة سياسية قادرة على ترجمة الحراك الشعبي إلى مشروع واقعي شامل، بينما الجبهة الشعبية، التي كانت شمعة أمل، تم تدميرها داخليًا بفعل الزعامتية وعبادة الشخصية، ما جعل اليسار عاجزًا عن استعادة الحضور الشعبي المؤثر.
مع هذا الفشل النسبي للأحزاب وغياب البديل الشعبي الفعلي، بدأت السلطة تتجه نحو تركيز القرار في يد الرئيس، وتحويل المؤسسات إلى أدوات تنفيذية، وإضعاف المجتمع المدني، مع الحفاظ على السيطرة على الإعلام والموارد الاقتصادية. هذا التركيز الفردي أفرغ المؤسسات من محتواها، وحولها إلى أدوات تنفيذية تضمن استمرار نفوذ الرئيس والنخبة السياسية والاقتصادية، بينما المواطن بلا ممثل حقيقي قادر على التأثير في السياسات العامة. هنا يظهر التناقض البارز بين “الحزب يقرر” و”الرئيس يقرر”: الأول يسيطر على الثورة ويحاول تأطيرها ضمن مصالح حزبية محدودة، والثاني يركز السلطة في الفرد ويعيد إنتاج النمط السلطوي ذاته، لكن بصيغة جديدة، مؤسساتيًا وفرديًا.
كما أن الانتفاضة، التي انطلقت بمطالب شاملة، تعرضت للانحراف التدريجي عن شعارها الأساسي: شغل – حرية – كرامة وطنية. الشغل تحول إلى خطاب انتخابي رمزي أو أداة للسيطرة الاقتصادية، الحرية أصبحت مقيدة أو مشروطة بموافقة السلطة، والكرامة الوطنية صارت شعارا مستهلكا سياسيا، بعيدا عن تحقيق الواقع الملموس للفئات الشعبية. في هذا السياق، تتجلى أزمة المؤسسات والسياسة والثقافة المدنية في تونس، حيث الشعب ما زال يسعى لتحقيق أحلامه المتمثلة في الشغل والحرية والكرامة، لكنه يواجه حزبيات مستهلكة وسلطة فردية مركزة تقيد إمكانياته وتضعفه اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

الفصل الأول: الشعب يريد… الشرارة الأولى للثورة .

النقطة 1: الفقر والبطالة كشرارة الغضب:
الفقراء والمعطلون لم يكونوا مجرد أرقام في تقارير الحكومة، بل كانوا وجوهًا حية تعكس معاناة المجتمع اليومي.
العمال في المصانع المتوقفة عن الإنتاج، يواجهون البطالة بلا حماية اجتماعية.
الفلاحون في الريف، رغم العمل الشاق، يتقاضون أجورا زهيدة لا تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية.
الطلبة والشباب العاطلون عن العمل يشعرون بالإقصاء، ويعيشون حالة من الإحباط المزمن.
هذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي كان قنبلة موقوتة، تراكمت عبر عقود، تنتظر الشرارة لتنفجر في فعل جماعي ثوري.

النقطة 2: الوعي الجماعي وصوت الشعب:
في الميادين، التقى كل الفقراء والمعطلين والنساء والطلاب وكبار السن في فعل تاريخي جماعي.
الشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" لم يكن مجرد كلمات، بل إعلان ولادة فاعل جماعي واع لمصيره، مدرك لمخاطر الاستلاب، ومصمم على استعادة كرامته وحقوقه الأساسية.
هذا الوعي الجماعي كشف أن الثورة ليست مجرد إسقاط نظام، بل مطالبة بإعادة توزيع القوة والثروة، واستعادة الحق في المشاركة الحقيقية في القرار السياسي والاقتصادي.
الميادين أصبحت مختبرا للتغيير الاجتماعي والسياسي، حيث الفئات المهمشة بدأت تدرك قوتها، وتطالب بحقها في التعليم، الصحة، والعمل، والسكن الكريم.

النقطة 3: التحديات أمام الثورة:
الشارع التونسي كان يختبر الحرية لأول مرة منذ عقود، لكن الثورة واجهت جملة من التحديات المركبة والمتداخلة، التي لم تكن مجرد عراقيل تنظيمية، بل صراعات تاريخية متجذرة في تركيبة الدولة والمجتمع:
-القوى التقليدية للدولة:
أجهزة الدولة العميقة، من أمن وجيش وبيروقراطية، كانت تمتلك الخبرة والقدرة على تحجيم أي حركة شعبية. هذه القوى لم تختفِ بعد سقوط النظام، بل أصبحت أكثر حذرًا، متربصة، تبحث عن طرق لتحويل الثورة لصالحها، أو على الأقل تفريغها من مضمونها الاجتماعي والسياسي.
-الأحزاب التقليدية:
الأحزاب القديمة، التي لم تتغير جذريا منذ عقود، حاولت استغلال الفراغ السياسي بالتحالفات البيروقراطية، أو السيطرة على بعض المؤسسات الجديدة مثل البلديات، وحتى بعض وسائل الإعلام. الهدف كان احتواء الثورة وتوجيهها بعيدا عن مطالب الفئات الشعبية الفعلية، مع تقديم صورة زائفة للتمثيل الشعبي.
-الإعلام الموجه:
الصحافة والإعلام الإلكتروني، جزء كبير منه خاضع لنفوذ السياسيين الجدد والقدامى، عمل على تشويه الثورة، تفريغ شعاراتها من مضمونها الطبقي والاجتماعي، وتحويل النقاش عن مطالب الفقراء والمعطلين إلى مواضيع سطحية أو نزاعات شخصية بين الزعماء الجدد.
-المؤسسات الهشة:
مؤسسات الدولة الجديدة، من حكومة مؤقتة إلى محاكم وإدارات، لم تكن مستعدة لاستيعاب الثورة ومتطلباتها. هذا الفراغ المؤسسي أتاح للقوى الجديدة وللأحزاب الكبرى فرض جدولها السياسي ومصالحها الخاصة على الشعب، بعيدًا عن الإرادة الجماعية.
-النتيجة النهائية:
الوعي الشعبي، رغم قوته التاريخية، لم يكن كافيا لوحده. كانت هناك حاجة ماسة لقيادة جماعية استراتيجية، قادرة على تحويل الغضب والميادين إلى مشروع سياسي واقعي ومستدام، وهو ما لم يتحقق، فتوزعت الثورة بين جماهير واعية وأحزاب جديدة لم تتبنى مطالبها الحقيقية، مما مهد الطريق لتفريغ الثورة من مضمونها الاجتماعي والطبقي.

النقطة 4: التفاعل الاجتماعي والسياسي اليومي للثورة:
الميادين لم تكن مجرد فضاء للاحتجاج، بل مختبرًا للتجربة الاجتماعية والسياسية اليومية:
-الطبقات الشعبية تكتشف قوتها:
العمال، الفلاحون، المعطلون، النساء، الطلاب، كانوا يرون لأول مرة قوتهم عندما يتجمعون، يهتفون، ويطالبون بحقهم في العيش الكريم.
-شبكات التضامن اليومي:
تم إنشاء لجان شعبية، مجموعات دعم، مبادرات لتوزيع الماء والطعام، وتأمين التواصل بين الأحياء المختلفة. هذه التجربة العملية كانت تجربة ديمقراطية حقيقية، تظهر قدرة المجتمع على التنظيم الذاتي.
-تشكّل خطاب الثورة:
كل فئة كانت تضيف بعدا جديدا للثورة؛ العمال مطالبهم بالحقوق الاقتصادية، الفلاحون بالوصول إلى الأرض والمياه، الشباب بالحق في العمل والكرامة، والنساء بالمساواة والاعتراف بحقوقهن.
هذا التفاعل اليومي يعكس كيف أن الثورة لم تكن مجرد إسقاط نظام، بل إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين السلطة والشعب، وبين الطبقات الاجتماعية المختلفة.

الفصل الثاني: النهضة تقرر… التكفير كأداة للهيمنة .

النقطة 1: الاستحواذ على المشهد السياسي:
النهضة استغلت الفراغ السياسي بسرعة وذكاء استراتيجي، مستفيدة من ضعف الأحزاب الأخرى، ومن هشاشة الفعل الشعبي:
-داخليا: استخدمت خطابا دينيا عقائديا لربط الولاء السياسي بالطاعة الدينية، وتحويل أي نقاش اجتماعي أو اقتصادي إلى مسألة أخلاقية ودينية.
-خارجيا: استخدمت خطابا ليبراليا ديمقراطيا ليطمئن المجتمع الدولي، ويظهر كحركة معتدلة، بينما على الأرض لم يحدث أي تغيير ملموس في حياة الجماهير.

النقطة 2: التكفير السياسي كأداة للإقصاء:
التكفير السياسي أصبح أداة لإضعاف أي معارضة أو مطالبة شعبية بالحقوق.
أي نقاش حول العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو حقوق المواطنين كان يُوصف بالكفر السياسي، وكأن المطالبة بالحقوق المدنية تهدد الهوية الوطنية والدينية.
هذا أضعف المعارضة الشعبية والسياسية، وترك الفقراء والمعطلين بلا أي تأثير على القرار السياسي.

النقطة 3: استلاب إرادة الجماهير :
بعد هيمنة النهضة، تحول الخطاب السياسي بشكل كامل:
-تحويل المطالب الاجتماعية إلى نقاش ديني عقيم:
أي نقاش حول العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أصبح محاطا بالبعد الديني، حتى المطالب البسيطة مثل تحسين الأجور أو إعادة توزيع الأراضي تم تصويرها كمسائل عقائدية.
-احتكار القرار داخل الحزب الواحد:
البرلمان، الحكومة، القضاء، والإعلام أصبحوا أدوات للهيمنة الحزبية، حيث يتم توجيه المجتمع وفق مصالح النهضة، وليس وفق إرادة الشعب.
-التحكم في الرموز والثقافة الشعبية:
إرادة الشعب لم تعد محور القرار، بل أصبحت شعارات فارغة للتظاهر بالحرية، بينما السلطة الحقيقية تتركز داخل أطر حزبية ضيقة، مع تهميش كل صوت شعبي مستقل.

النقطة 4: تآكل الجبهة الشعبية وتأثير الزعامتية:
الجبهة الشعبية، التي كانت رمز الأمل للطبقات الشعبية، تعرضت لأزمات داخلية:
-الزعامتية وعبادة الشخصية:
التركيز على قادة محددين قلل من قدرة الحزب على التعبير عن مطالب الشعب، وجعل القرارات مرتبطة بأهواء الزعماء بدلًا من إرادة الجماهير.
-تراجع المصداقية الطبقية والاجتماعية:
كل الخطابات التي كانت تدافع عن الفئات الشعبية فقدت وزنها بسبب الصراعات الداخلية.
-فتح الفراغ للشعبويين والدين السياسي:
مع انهيار التنظيم الداخلي والقدرة على التعبير عن مطالب المجتمع، أصبح الساحة خالية للتيارات الشعبوية والدينية، التي ملأت الفراغ السياسي وفرضت خططها على المجتمع.
النتيجة:
الفقراء والمعطلون والطبقات الشعبية ظلوا بلا صوت حقيقي، بلا تأثير على القرار السياسي، بينما الخطاب الشعبي والاجتماعي تحول إلى مشهد رمزي، يفقد الثورة مضمونها ويعيد إنتاج السلطة نفسها بوجوه جديدة.

الفصل الثالث: الحزب يقرر… الديمقراطية الشكلية وصوت الأقوياء .

النقطة 1: هيمنة الأحزاب التقليدية على القرار:
بعد الثورة، ظهرت الأحزاب التقليدية بشكل جديد شكليا، قديم جوهريا.
في المدن الكبرى، احتلت البرلمانات والبلديات أسماء معروفة من النظام السابق، مع تغيير بسيط في الأسماء لتبدو متجددة. لكن القرارات الحقيقية كانت تعكس مصالح النخبة السياسية فقط، بعيدًا عن مصالح الفئات الشعبية.
المواطنون أصبحوا مجرد مراقبين، يشاهدون كيفية اتخاذ القرار بعيدا عن إرادتهم اليومية وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
على المستوى الشعبي، هذا خلق شعورا بالاغتراب السياسي وفقدان الثقة في المؤسسات الرسمية، ما زاد من انحسار المشاركة الجماعية خارج الأطر الرسمية.
-تحليل طبقي واجتماعي:
النخبة السياسية والاقتصادية الجديدة أعادت إنتاج الفجوات القديمة، فالقرارات الاقتصادية والسياسية تظل محصورة في دائرة ضيقة من الأقوياء.
الجماهير العمالية والفلاحية بقيت خارج التأثير المباشر، مما عزز شعورهم بأن الديمقراطية شكلية وليست حقيقية.

النقطة 2: خطاب مكافحة الفساد كأداة شرعية:
شعار مكافحة الفساد استُخدم كأداة سياسية لخلق شرعية رمزية للحكم:
حلقات الفساد الصغيرة كانت دائما الهدف، بينما كبار الفاسدين وأصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي ظلوا خارج دائرة التحقيق والمساءلة.
الإعلام ركّز على النجاحات الرمزية، مثل إلقاء القبض على موظفين أو مسؤولين محليين، لإظهار الحكومة كمنقذة للشعب، بينما الصفقات الكبرى وموارد الدولة بقيت محمية للنخبة.
المواطن بدأ يرى شعار مكافحة الفساد على أنه أداة سياسية لاستهداف الضعفاء، وليس إصلاحا حقيقيا.
-التحليل الاقتصادي والسياسي:
التباين بين الخطاب والممارسة يعكس ازدواجية السلطة: من جهة يظهرون اهتمامهم بالمواطن، ومن جهة أخرى تظل مصالح النخبة محفوظة دون مساءلة حقيقية.

النقطة 3: ضعف خطاب اليسار:
اليسار بقي تخبويا، غير قادر على الوصول إلى الجماهير الشعبية.
الجبهة الشعبية، التي كانت رمزا للأمل، دمّرت داخليا بسبب الزعامتية وعبادة الشخصية.
خطاب اليسار فشل في تقديم مشروع اقتصادي واجتماعي شامل يترجم الثورة إلى واقع ملموس، مما دفع الجماهير للبحث عن بدائل شعبوية أو دينية.
-الشواهد الواقعية:
الانتخابات أظهرت ضعف الأحزاب اليسارية في المدن الكبرى والقرى، رغم وجود قاعدة انتخابية تاريخية.
المبادرات الاجتماعية للجبهة الشعبية غالبا ما فشلت بسبب نقص التمويل والقدرة التنظيمية، مما أضعف تأثيرها الشعبي والسياسي.

النقطة 4: الفجوة بين الخطاب السياسي والواقع اليومي:
المواطن اليومي يختبر فشل الأحزاب من خلال ارتفاع البطالة والفقر المستمرين، الغلاء، نقص الخدمات الأساسية، وانقطاع الكهرباء والماء في بعض المناطق.
المواطن يدرك أن الديمقراطية الشكلية تخدم الأقوياء فقط، وأن صوته لا يُسمع إلا في المشاهد الرمزية.
الشباب بدأوا يلجأون إلى المبادرات الشعبية والشبكات الاجتماعية للتعبير عن مطالبهم، بعيدا عن المنظومة الرسمية، ما يعكس أزمة ثقة عميقة بين الشعب والسياسة التقليدية.

الفصل الرابع: الرئيس يقرر… السلطة الفردية والفراغ المؤسساتي .

عندما نصل إلى مرحلة "الرئيس يقرر"، فإننا ننتقل من مرحلة الأحزاب والسيطرة الحزبية الرمزية إلى مرحلة تركيز السلطة الفردية في يد شخص واحد، مع تراجع كامل لدور المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية.
هذا التحوّل لا يمثل مجرد تغيير شكلي في السلطة، بل أزمة هيكلية في النظام السياسي بأكمله، حيث يصبح القرار مركزا في فرد واحد، والمؤسسات مجرد أدوات تنفيذية، والشعب فاقدا لمقدار كبير من التأثير على السياسة العامة، بينما تبقى النخب الاقتصادية والسياسية محمية، والفئات الشعبية محرومة من التمثيل الحقيقي.

النقطة 1: تحوّل القرار إلى الشخص الواحد:
تركز السلطة: الرئيس أصبح محور كل القرارات الكبرى، سواء السياسية الداخلية، الاقتصادية، أو حتى الثقافية والاجتماعية. المؤسسات التشريعية والتنفيذية لم تعد مُنشئة للقرار، بل أدوات لتنفيذه.
المواطن العادي بلا ممثل: الأحياء الشعبية، المدن الصغيرة، والريف أصبحوا غير قادرين على التأثير المباشر في السياسة اليومية. صوتهم السياسي أصبح شبه معدوم، والتفاعلات المجتمعية أصبحت محدودة بالمبادرات الفردية والمجتمعية الصغيرة التي لا تصل إلى السلطة.
-السيطرة على الموارد الاقتصادية:
القرارات الاقتصادية الكبرى المتعلقة بالصفقات، المشاريع العمومية، التحكم في القطاعات الحيوية مثل الكهرباء، الماء، النقل، وحتى التعليم، أصبحت محصورة بإرادة الرئيس وفريقه الضيق.
-تحليل طبقي واجتماعي:
تركيز القرار يعمّق الفجوة بين النخبة والطبقات الشعبية. النخبة السياسية والاقتصادية تستفيد من الموارد، بينما المواطن العادي عاجز عن تحسين وضعه المعيشي.
هذا التركيز يعكس فشل الديمقراطية التشاركية، حيث تبقى المؤسسات مجرد مظاهر خارجية، والشعب يُحرم من أدوات الضغط والمساءلة.
الشباب العاطل عن العمل، العمال في القطاعات غير الرسمية، الفلاحون، وحتى موظفو الدولة، يجدون أنفسهم غير قادرين على التأثير على السياسات التي تحدد حياتهم اليومية.
-شواهد واقعية:
القرارات الاقتصادية الكبرى، مثل رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية أو صفقات البنية التحتية، كانت تتخذ دون استشارة البرلمان أو أي مؤسسة تشاركية.
بعض المبادرات الرئاسية كانت تُعلن إعلاميا بشكل مفاجئ، لتصوير الرئيس على أنه صاحب الإنجاز، بينما المؤسسات الأخرى مجرد أدوات تنفيذية.

النقطة 2: شعار مكافحة الفساد تحت إدارة فردية:
الفساد أداة سياسية: شعار مكافحة الفساد أصبح يستخدم لإظهار النشاط السياسي وإضفاء شرعية على السلطة الفردية، وليس لإصلاح حقيقي.
-الاستهداف الانتقائي:
حلقات الفساد الصغيرة والمتوسطة هي الضحية دائما، بينما كبار الفاسدين وأصحاب النفوذ الاقتصادي والسياسي محميون أو مستفيدون من النظام.
-الإعلام والرمزية:
الإعلام يظهر القبض على المسؤولين الصغار، أو الفضائح الصغيرة، لتصوير الحكومة على أنها "قوية"، بينما الواقع يكشف استمرار هيمنة النخبة الاقتصادية والسياسية الكبرى.
-تحليل سياسي واقتصادي:
هذا الاستخدام الاستراتيجي لشعار الفساد يبرز ازدواجية السلطة: من جهة توهم الشعب بالعدالة، ومن جهة أخرى تظل مصالح النخبة محفوظة.
المواطن العادي يرى أن الفساد صار أداة للسيطرة الفردية وليس مشكلة عامة تهم الجميع.

النقطة 3: التحول من التكفير إلى التخوين:
النهضة سابقا استخدمت التكفير السياسي كأداة للسيطرة على الساحة السياسية والاجتماعية.
الآن السلطة الفردية تعتمد على التخوين السياسي والإعلامي لإقصاء أي معارض أو صوت نقدي.
أي نقد صار خيانة للوطن أو للسياسة، ويتم وصمه إعلاميا وجماهيريا، ما يجعل المعارضة مقيّدة ومخنوقة بالكامل.
-تحليل اجتماعي وسياسي:
هذا التحول يوضح غياب القيم الديمقراطية في النقاش العام، وتحويل السياسة إلى أداة للسيطرة الفردية على المجتمع.
التخوين السياسي يخلق جوا من الخوف والرقابة الذاتية، حيث يتجنب المواطنون والنشطاء أي معارضة خوفًا من التهم والوصم الاجتماعي والسياسي.
في المجتمع المدني، هذا التحول أدى إلى تراجع المبادرات الشعبية المستقلة، وترك مساحة واسعة للقرارات الفردية.
-شواهد:
نشاطات الأحزاب المعارضة والمجتمع المدني تم تضييقها عبر ملاحقات قضائية ، مراقبة الإعلام، وتهديدات مباشرة للفاعلين المحليين.
شبكات التواصل الاجتماعي، و المرسوم 54، تحولت أيضا إلى أداة للرقابة السياسية، حيث يهدد التخوين الأفراد ويقيد النقاش العام ، و سيف هذا المرسوم سيء الذكر مسلط على كل من يصدح برايه.

النقطة 4: إضعاف الأحزاب والمجتمع المدني:
-الأحزاب السياسية:
أصبحت أدوات رمزية، تتحرك وفق أولويات الرئيس، بدون أي تأثير حقيقي على السياسات.
-المجتمع المدني:
محاصر بين الدولة والنخبة الاقتصادية والسياسية، فقد أثره وقدرته على التغيير.
-الشارع:
المواطن عاجز عن التأثير في السياسات، بينما السلطة تعيد إنتاج الهياكل القديمة للفساد والاستبداد بوجوه جديدة، مركّزة وفردية بالكامل.
-تحليل طبقي واقتصادي:
تركيز القرار في يد الرئيس يزيد من احتكار النخبة للثروة والفرص الاقتصادية.
الفئات الشعبية، وخاصة الشباب والعمال والفلاحين، تجد نفسها محرومة من أي دور حقيقي في صنع القرار، مع تراجع مؤسسات التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
هذا التركيز يعيد إنتاج التفاوت الطبقي والاقتصادي ويؤجج الإحباط الاجتماعي.
-شواهد يومية:
القرارات المفاجئة حول الأسعار، الدعم، الضرائب، مشاريع البنية التحتية، كلها تظهر غياب التشاور أو مساءلة المؤسسات.
المبادرات الشعبية للتغيير الاجتماعي والسياسي غالبا ما تواجه تقييدا مباشرا أو رمزيا، مما يعزز الشعور بالاستسلام واليأس لدى المواطن.

النقطة 5: الأبعاد التاريخية والثقافية للسلطة الفردية:
تاريخيا، تونس شهدت محاولات لتركيز السلطة منذ العهد البايلي مرورًا بالاستقلال وحتى ما بعد الثورة، لكن الثورة كانت فرصة لإعادة توزيع القوة إلى الشعب.
اليوم، العودة إلى تركيز السلطة الفردية تعكس استمرار نمط تاريخي، حيث القرار الحقيقي لا يعود إلى المؤسسات أو الشعب، بل إلى شخص واحد قادر على المناورة بين النخب والمجتمع الدولي.
ثقافيا، المجتمع يواجه فقدان أفق المشاركة السياسية الحقيقية، مما يولّد إحباطًا جماعيًا، ويضعف الثقافة المدنية والديمقراطية.

الفصل الخامس: الشعب يريد… الحلم الانتفاضي والشعارات المهدورة .

الشعار الذي رفعه الشعب منذ بداية الانتفاضة، وهو شغل، حرية، كرامة وطنية، كان يمثل روح الثورة الحقيقية وطموحات الجماهير الشعبية. هذا الشعار لم يكن مجرد كلمات، بل موجة أمل شعبي هائل، تجسدت في الميادين والطرقات والأحياء الشعبية والمدن الكبرى.
لكن مع مرور الوقت، بدأ هذا الشعار يتعرض للاستهلاك من قبل الأحزاب والسياسيين، وتحويله إلى أدوات سياسية تحقق مصالح محددة، بعيدا عن تحقيقه الحقيقي للشعب.

النقطة 1: الحزب يريد – الاستحواذ على الثورة:
الأحزاب التقليدية والجديدة حاولت الاستحواذ على الطاقة الشعبية للانتفاضة، وتحويلها إلى شرعية حزبية أو صوت انتخابي.
الحراك الشعبي، الذي كان متنوعا وغير منظم، أصبح مرهونا لمشاريع الأحزاب ومصالحها الداخلية.
-المقارنة مع الرئيس يقرر:
إذا كان الحزب يريد يركز على تجميع الأصوات والمكاسب الحزبية، فإن الرئيس يريد يركز على تركيز السلطة الفردية وإقصاء أي بديل شعبي أو حزبي.
-تحليل طبقي واجتماعي:
الشعب الذي انتفض ضد البطالة والغلاء والفقر وجد نفسه مستهدفا أو مستغَلا من قبل القوى السياسية، بدلا من أن يُعطى أدوات للتغيير الحقيقي.
هذا التحول أضعف الأفق الطبقي والاجتماعي للثورة، وجعل مطالب الشغل والكرامة أكثر بعدًا عن التحقيق الفعلي.
-شواهد واقعية:
استخدام الأحزاب شعار الشغل والكرامة في الحملات الانتخابية، بينما المشاريع الاقتصادية الحقيقية لم تُنفذ، أو كان تطبيقها جزئيا ومجزأً بحيث تستفيد النخبة فقط.
مناطق كاملة من الريف والمدن الصغيرة بقيت خارج دائرة التنمية، بالرغم من الشعارات الكبرى للأحزاب.

النقطة 2: حرية متلاشية – بين الخطاب والممارسة:
الحرية، التي كانت شعار الانتفاضة، بدأت تتلاشى تحت ضغط الهيمنة الحزبية والإعلامية والسياسية.
الأحزاب استخدمت حرية التعبير كأداة انتخابية، بينما الواقع اليومي يظهر محدودية حرية المواطنين في التعبير أو المبادرة.
-المقارنة بين الحزب يريد والرئيس يريد:
الحزب يريد يقتصر على حرية مشروطة داخل إطار حزبي محدود، يضمن الولاء وعدم الخروج عن حدود اللعبة السياسية.
الرئيس يريد يركز على ضبط كل أشكال التعبير، سواء الإعلامية أو الاجتماعية أو النقابية، مع استخدام التخوين والإقصاء.
-التحليل الاجتماعي والسياسي:
الحرية، التي كانت مطلبا شعبيا واضحا، تحولت إلى أداة خطابية تستعملها النخبة للهيمنة على المجتمع، وليس لإعطاء المواطن قوة حقيقية في التأثير على مصيره.

النقطة 3: الكرامة الوطنية – شعار استُهلك:
الكرامة الوطنية كانت محور الثورة، لكنها استهلكت سياسيا من قبل الأحزاب لتبرير المكاسب الرمزية، ومن قبل الرئيس لتبرير تركيز السلطة والسيطرة الفردية.
المواطن العادي لم يعد يشعر بالكرامة اليومية، بينما الفساد، التفاوت الطبقي، وسياسات التحكم الفردية في الاقتصاد والسياسة مستمرة.
الكرامة أصبحت شعورا مفقودا لدى الشباب والفئات الشعبية، الذين رأوا استغلال الشعار من قبل الجميع لتحقيق مصالح ضيقة.
-شواهد يومية:
قرارات اقتصادية مثل رفع الأسعار أو رفع الضرائب أو تهميش مناطق كاملة من التنمية أثرت على كرامة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.
في الوقت ذاته، الإعلام الرسمي والسياسي كان يروّج للانتصارات الرمزية، ما جعل المواطن يشعر بالغربة عن القوة السياسية والاقتصادية لبلده.

الفصل السادس: مقاربة بين “الحزب يريد” و”الرئيس يريد”… الفراغ المؤسساتي والانحراف عن الثورة.

الفصل السادس يعالج المقاربة بين سلطة الأحزاب وسلطة الرئيس، وكيف أدى كل منهما إلى فراغ المؤسسات وتحريف الشعار المركزي للانتفاضة: شغل – حرية – كرامة وطنية.

النقطة 1: الحزب يريد – السلطة الحزبية والاختراق الرمزي:
الحزب يريد يمثل محاولة الأحزاب السيطرة على الثورة والاستفادة منها سياسياً.
القرارات كانت رمزية غالبا، تضمن الولاء الحزبي، وتستهدف الوصول للسلطة بدون إصلاح حقيقي.
الشعب وجد نفسه مستهدفا أو مستغَلا بدل أن يكون فاعلا حقيقيا في تحديد مصيره.
-تحليل طبقي وسياسي:
استغلال الطاقة الشعبية للحراك جعل الخطاب السياسي الحزبي بعيدا عن مطالب الشغل والكرامة اليومية.
الفئات الشعبية بقيت خارج التأثير، بينما النخبة الحزبية استفادت من السلطة والموارد.

النقطة 2: الرئيس يريد – السلطة الفردية والمركزية المطلقة:
الرئيس يريد يمثل تركيز السلطة في يد شخص واحد، وإلغاء أي منافسة مؤسساتية أو حزبية.
القرارات الفردية أصبحت حصرية، والشعب بلا أدوات للتأثير المباشر على سياساته اليومية.
الإعلام، القضاء، المجتمع المدني، جميعها أدوات لتنفيذ إرادة الرئيس، مع إقصاء المعارضة والشعب من المشاركة الفعلية.
-شواهد وتحليل يومي:
المبادرات الفردية للرئيس غالبا ما تُعلن بشكل مفاجئ، لتصويره صاحب الإنجاز، بينما المؤسسات التشريعية والتنفيذية مجرد أدوات تنفيذية.
المواطن اليومي يواجه غياب فرص الشغل الحقيقية، ضعف الخدمات، والتفاوت الاقتصادي المستمر، ما يعكس انحراف شعار الثورة الأساسي.

النقطة 3: الانحراف عن شعار الانتفاضة: شغل – حرية – كرامة وطنية:
-الشغل:
تم تحويله إلى خطاب انتخابي وحزبي، أو أداة للسيطرة الفردية على الاقتصاد، بعيدًا عن تحسين حياة المواطنين اليومية.
-الحرية:
استُخدمت كأداة خطابية، أو تم تقييدها عبر التخوين والمراقبة، سواء في الإعلام، المجتمع المدني، أو النقابات.
-الكرامة الوطنية:
شعار تم استغلاله سياسيا، بينما المواطن يشهد استهداف الفئات الضعيفة واحتفاظ النخبة بحقها في الموارد.
-التحليل الاجتماعي والسياسي:
الانحراف عن شعار الثورة يعكس أزمة متكاملة في المؤسسات والسياسة والثقافة الشعبية.
الجماهير التي رفعت شعار شغل – حرية – كرامة وطنية لم تجد أدوات عملية لتحقيق مطالبها، بل وجدت خطابًا مستغلاً وسيطرة حزبية وفردية مركزة.

النقطة 4: خلاصة المقاربة بين الحزب يريد والرئيس يريد:
-الحزب يريد:
السيطرة الحزبية ، استغلال الثورة لتحقيق المكاسب السياسية، إبقاء المواطنين تحت إطار محدود من الحرية والمشاركة.
-الرئيس يريد:
تركيز السلطة الفردية، التحكم الكامل في المؤسسات، الإعلام، الاقتصاد، المجتمع المدني، وإقصاء أي منافس أو بديل شعبي أو حزبي.
-النتيجة:
فراغ مؤسساتي كامل، انحراف عن شعار الثورة المركزي، وتهميش مطالب الشغل والحرية والكرامة اليومية للشعب.
-شواهد يومية:
البطالة المتزايدة، التفاوت الطبقي، فساد بعض القطاعات، ضعف الحريات المدنية، الانتهاكات الرمزية للشعارات الشعبية، جميعها تؤكد الانحراف الكامل عن أهداف الثورة الأولية.

الفصل السابع: التقاء المتنافرين – النهضة والرئيس في خدمة المنظومة ذاتها.

حين نتأمل المسار السياسي في تونس بعد 2011، يبدو وكأننا أمام خصمين لدودين: حركة النهضة من جهة، وقيس سعيد من جهة أخرى. لكنّ قراءة متأنية للوقائع والقرارات والمؤسسات تكشف أن الصراع الظاهري بينهما يخفي لقاء جوهريا في العمق، لقاء على مستوى المصالح الطبقية، والهروب من المحاسبة، وإعادة إنتاج المنظومة ذاتها التي ثار ضدها التونسيون في شعارهم التاريخي: “شغل، حرية، كرامة وطنية.”

1. المحكمة الدستورية: وحدة الهروب من المحاسبة:
ينص دستور 2014، الذي صاغته نخب التوافق بين النهضة ونداء تونس، على إرساء محكمة دستورية تكون الضامن الأول لعلوية الدستور، والحاجز أمام كل نزعة استبدادية أو انقلابية.
لكن هذا الفصل بقي معطلا طوال سبع سنوات كاملة، بسبب رفض النهضة وحلفائها إرساءها فعليا، إذ كانت تدرك أن محكمة دستورية حقيقية ستضع حدودا لمناوراتها داخل البرلمان، وستكشف تلاعبها بالتشريعات وبالتحالفات. لقد كان الغياب المقصود لهذه المحكمة غطاء سياسيا للهروب من المساءلة، وتجميدا لأحد أهم آليات الرقابة في الجمهورية .
ثم جاء قيس سعيد، الذي جعل من “تصحيح المسار” شعارا ثوريا جديدا، لكنه سار على نفس النهج:
فـدستوره الجديد لسنة 2022 أعاد التنصيص على المحكمة الدستورية، لكنه أبقاها حبرا على ورق. لم يفعّلها، ولم يفتح حتى نقاشا عاما حول تركيبتها أو صلاحياتها، لأن وجودها الفعلي يعني وضع سلطاته المطلقة تحت المجهر.
هكذا، تلتقي “النهضة تريد” و“الرئيس يريد” في نقطة واحدة: تعطيل أدوات الرقابة والمؤسسات المستقلة، وترك المجال مفتوحا أمام الحكم الفردي، سواء في شكل برلماني فوضوي أو في شكل رئاسي مركزي.
بهذا المعنى، كانت المحكمة الدستورية مرآة للمنظومة بأكملها:
منظومة ترفض أن تُحاسَب، وتتهرب من الشفافية باسم “المصلحة العليا” حينا، وباسم “التصحيح التاريخي” حينا آخر.
في الجوهر، هو تحالف غير معلن بين الإسلام السياسي والشعبوية السلطوية ضد الدولة القانونية التي حلم بها الشعب.

2. البلديات والمجالس المحلية: من نهضة البلديات إلى رئاسية المجالس:
في المستوى المحلي، تعمّق هذا الالتقاء أكثر.
فبعد انتخابات 2018، هيمنت حركة النهضة على المشهد البلدي، مستفيدة من ضعف الأحزاب الأخرى ومن هشاشة القانون الانتخابي، لتجعل من البلديات قلاعا حزبية تتحكم من خلالها في القرار المحلي وتمويلات التنمية، وتستعملها كأدوات انتخابية لا كفضاءات ديمقراطية.
تحولت البلديات في تلك المرحلة إلى سوق سياسية لتبادل الولاءات، وتكريس شبكات النفوذ المالي – الدعوي.
لكن ما إن جاء قيس سعيد حتى استعار الأسلوب ذاته، مغيرا فقط الشكل لا الجوهر.
فمنذ حلّ المجالس البلدية المنتخبة سنة 2023 كحكم محلي، و سعى إلى استبدالها ضمنيا بمجالس محلية و”إقليمية” جديدة، يقدّمها على أنها تطبيق لمبدأ البناء القاعدي، بينما هي في الحقيقة هياكل تابعة مباشرة للسلطة المركزية.
فالديمقراطية القاعدية، تكون القرارات من الأسفل إلى الأعلى، وتنبع من القاعدة الاجتماعية المحلية، لكن في المنظومة الحالية، صارت هذه المجالس مجرّد خلايا تنفيذية تتلقى التعليمات من القصر، لا تملك استقلالية مالية ولا سياسية.
إنّ ما فعله الرئيس هو تأميم البلديات لصالح الرئاسة، تماما كما قامت النهضة قبلُ بخصخصتها لصالح الحزب.
بين الحالتين، ضاعت الفكرة الجوهرية للسلطة المحلية باعتبارها مدرسة للمواطنة ومجالا للعدالة الترابية.
فلا النهضة بنت ديمقراطية قاعدية حقيقية، ولا الرئيس أسّس جمهوريات محلية مستقلة، بل تواصل استحواذ المركز على المحلّي، وتواصلت معه التبعية الهرمية من فوق إلى تحت، في تناقض تام مع كل مبادئ اللامركزية التي نادت بها الانتفاضة.

3. الاقتصاد والديون: مجلس النواب كمكتب طلب للقروض:
يلتقي الطرفان أيضا في السياسة الاقتصادية التي أغرقت البلاد في الديون الخارجية، وربطت مصيرها بإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
فمنذ سنوات الترويكا، صار البرلمان بمختلف تشكيلاته – سواء تحت هيمنة النهضة أو لاحقا تحت سيطرة أحزاب الموالاة للرئيس – مجلس طلب القروض لا مجلس الشعب.
كانت كل جلسة برلمانية تقريبا مناسبة جديدة للتصويت على قروض من الخارج، تحت ذرائع مختلفة: تمويل مشاريع تنموية، دعم الميزانية، مجابهة جائحة، أو إصلاح المؤسسات العمومية.
لكن الحقيقة أن تلك القروض لم تؤدّ إلا إلى تعميق التبعية المالية والسياسية، وإلى خنق الطبقات الشعبية بالضرائب والتقشف ورفع الأسعار.
وحين استلم قيس سعيد الحكم، واصل الطريق ذاته، بل أغرق البلاد في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي بشروط أكثر قسوة، وأخفى تفاصيلها عن الرأي العام.
لقد أصبحنا أمام استمرارية كاملة في السياسة المالية: من النهضة التي كانت تعتبر القروض “ضرورة إصلاحية”، إلى قيس سعيد الذي يبررها بـ“الظروف الاستثنائية”.
في الحالتين، تُدفع الفاتورة من جيوب الفقراء، فيما تبقى الأرباح في يد الأقلية المسيطرة على مفاصل الاقتصاد الوطني.

4. وحدة الهدف: وأد الشعار المركزي للثورة:
بهذا المعنى العميق، تلتقي النهضة والرئيس حول نقطة أساسية واحدة: تدمير المعاني التي حملها شعار الانتفاضة “شغل، حرية، كرامة وطنية.”
-“الشغل” صار رهينة سياسات التداين والخصخصة، التي جعلت من البطالة سلاحا لتطويع الجماهير.
-“الحرية” حوصرت بالخطابات الأمنية، سواء في عهد النهضة تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، أو في عهد سعيد باسم “حماية الدولة من الخونة”.
-“الكرامة الوطنية” سقطت تحت وطأة التبعية للخارج، من واشنطن إلى بروكسل، ومن صندوق النقد إلى القروض الخليجية.
إنّ ما يجمع الطرفين ليس المشروع الوطني، بل نفس البنية الطبقية التي تستفيد من إدامة الأزمة: برجوازية ريعية، وإدارة بيروقراطية تابعة، ونخبة سياسية تتغذى من الانقسام وتخاف من الديمقراطية القاعدية الحقيقية.
ما يظهر لنا إذا هو أن الصراع بين “النهضة تريد” و“الرئيس يريد” ليس صراع مشاريع بل صراع مواقع داخل المنظومة ذاتها.
كلاهما استفاد من انهيار الوسيط الحزبي ومن ضعف الوعي الطبقي الشعبي، وكلاهما وظّف شعار الثورة ثم انحرف عنه.
إنها وحدة في الهروب من المحاسبة، وفي احتكار القرار، وفي إغراق البلاد في الديون والتبعية.
النتيجة واحدة:
دولة بلا عدالة دستورية، بلا استقلال محلي، وبلا سيادة اقتصادية،
وشعب يُستعمل اسمه في الشعارات ولا يُستمع إلى صوته في القرار.

خاتمة:

عند النظر إلى مسار تونس بعد ثورة 2010-2011، نجد أنفسنا أمام مشهد مركب ومعقد للغاية، يجمع بين الأمل الكبير الذي أثارته الانتفاضة، وبين الانحراف التدريجي لمبادئها الجوهرية، نتيجة مزيج من زعامات حزبية، سيطرة فردية، وانكسار المجتمع المدني. الثورة التي رفعت شعارات شغل – حرية – كرامة وطنية، لم تعد اليوم مجرد ذكرى أو شعارا شعاراتيا، بل أصبحت مرآة صافية لكل الاختلالات التي يمكن أن تصيب التحولات الثورية حين تواجه الواقع السياسي والاجتماعي الصعب والمعقد.
لقد بدا واضحا أن هناك تباينا جوهريا بين ما يريده الشعب وما تسعى إليه الأحزاب وما يفرضه الرئيس. "الشعب يريد" كان تعبيرا عن طاقة جماهيرية هائلة، عن رغبة حقيقية في تحقيق حياة كريمة وفرص عمل، عن رغبة في الحرية والمشاركة في القرار، وعن المطالبة بالكرامة الوطنية التي تضمن للمواطن الاحترام والمساواة والعدالة الاجتماعية.
في المقابل، "الحزب يقرر" مثّل محاولة الأحزاب التقليدية والجديدة لاختطاف هذه الطاقة الشعبية وتحويلها إلى أدوات سياسية بحتة، غالبا ما تخدم الولاءات الداخلية والزعامات الشخصية، مع تقليص تأثير المواطن العادي على القرار. وقد بدا واضحا أن الأحزاب استغلت الانتفاضة بشكل رمزي، مع التركيز على النجاحات الظاهرية، بينما استمرت المؤسسات الرسمية والاقتصادية في العمل لصالح النخبة. في هذا السياق، فشل خطاب اليسار في التوسع الشعبي، وعجز الجبهة الشعبية عن الحفاظ على استقلاليتها ودورها كشمعة أمل، أدى إلى تراجع القدرة الشعبية على ترجمة مطالب الشغل والحرية والكرامة إلى واقع ملموس.
أما "الرئيس يقرر"، فقد شكل مرحلة جديدة من تركيز السلطة الفردية والسيطرة المباشرة على كل مفاصل الدولة، من مؤسسات وتشريعات وإعلام ومجتمع مدني، مع تهميش المواطن العادي وفئات واسعة من المجتمع. القرارات أصبحت فردية ومفاجئة، المؤسسات مجرد أدوات تنفيذية، والمجتمع المدني غير قادر على ممارسة دوره الرقابي أو التأثير في السياسات اليومية. هذا التركيز الفردي يعيد إنتاج النمط السلطوي القديم، لكن بصيغة حديثة، حيث يظل المواطن مقيّدا، غير مؤثر، بينما النخبة والموارد الاقتصادية والسياسية تحت حماية مباشرة للسلطة الفردية.
لقد شهدنا كذلك انحرافا واضحا لشعار الانتفاضة المركزي: شغل – حرية – كرامة وطنية. الشغل تحول إلى خطاب انتخابي وحزبي أو أداة للسيطرة الاقتصادية، الحرية أصبحت محدودة ومقيدة، والكرامة الوطنية صارت شعورا مفقودا لدى المواطن العادي، بينما تُستغل السياسات والمؤسسات لتحقيق مصالح النخبة والسيطرة الفردية. النتيجة هي أزمة عميقة في المؤسسات، في الثقافة السياسية، وفي القدرة الشعبية على التأثير في مصيرها، ما أدى إلى شعور جماعي بالإحباط واليأس.
يمكن القول إن الانتفاضة أظهرت استمرار هيمنة النخبة على الموارد والسلطة، مع غياب فعلي للعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. المواطن العادي، سواء في المدن الكبرى أو القرى، أصبح متأثرا بسياسات اقتصادية تقصي الفئات الضعيفة، مع غياب فرص العمل، واستمرار الفساد، واستهداف الحلقات الصغيرة، بينما كبار الفاسدين محميون أو بعيدون عن المساءلة.
من الناحية التاريخية والثقافية، يمثل هذا المسار تكرارا لنمط السلطة المركزية الذي عاشته تونس منذ العهد البايلي، مرورا بالاستقلال وحتى ما بعد الثورة، حيث تتكرر محاولات تركيز القرار في يد فرد أو نخبة، مع استهلاك شعارات الحرية والكرامة والشغل دون تحقيقها فعليا.
إن الخلاصة الأساسية لهذا التحليل هي أن الشعب التونسي انتفض من أجل شغل حقيقي، حرية حقيقية، وكرامة وطنية حقيقية، لكنه وجد نفسه اليوم محاصرا بين سيطرة حزبية رمزية، وتركيز فردي للسلطة، مع غياب أدوات مؤسساتية ديمقراطية حقيقية للتأثير على القرار. هذا المشهد يؤكد أن الثورة لم تنتهِ بعد، وأن تحقيق شعاراتها يتطلب إعادة بناء مؤسسات قوية، شفافة، مستقلة، وإشراك المواطنين الفعلي في كل مستويات القرار، مع محاسبة النخبة وحماية مصالح الفئات الشعبية.
في الختام، فإن هذه الرحلة التحليلية عبر "الشعب يريد"، و"الحزب يقرر"، و"الرئيس يقرر"، توضح مدى الصراع الدائم بين الإرادة الشعبية والمصالح الحزبية والفردية، ومدى الحاجة إلى مشروع شعبي حقيقي يعيد تحقيق أهداف الثورة الجوهرية، ويعيد للشعب حقه في شغله وحرية قراره وكرامته الوطنية. هذه الخاتمة، إذا، ليست نهاية التحليل، بل دعوة مفتوحة للنقد والمراجعة، ومطالبة مستمرة بمساءلة كل من استولى على الثورة أو حرف شعاراتها، لاستعادة الأفق الحقيقي لشعب تونس، الذي ما زال يرفع شعارات شغل – حرية – كرامة وطنية، بعزم وإصرار لا ينطفئ.



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأفقية والقاعدية: تفكيك مفاهيمي وتحليل تطبيقي.
- البناء القاعدي والتسيير الذاتي: بين النظرية، التجارب، والتحو ...
- السلاح ، المخدرات و الادوية ، اسلحة للثراء و اخضاع الشعوب.
- تحليل مقتضب للنرجسية الفردية و السّلطة والشعبوية.
- الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد ال ...
- الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
- الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
- نقد الإبداع وإبداع النقد.
- بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
- اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا ...
- قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني ...
- 11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
- الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر ...
- رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال ...
- أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
- البيروقراطية
- السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
- قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش ...
- البناء القاعدي: من فكرة التحرر إلى أداة الهيمنة؟
- الحداثة والظلامية: وجهان لعملة واحدة في مأزق التاريخ العربي.


المزيد.....




- المتحدث باسم حماس يرد لـCNN على فرضية إمكانية استئناف إسرائي ...
- مصادر لـCNN: حكومة إسرائيل تجتمع للتصويت على اتفاق وقف إطلاق ...
- ترامب يعلن عزمه التوجه للشرق الأوسط: أنهينا حرب غزة وسيتم ال ...
- لقاء باريس يبحث -اليوم التالي- في غزة وسط تحذيرات فرنسية من ...
- بلجيكا: توقيف ثلاثة أشخاص يشتبه في تخطيطهم لهجوم إرهابي ضد ش ...
- -شبكات- ترصد ردود الفعل على اتفاق غزة وضرب معلمة سورية لطلاب ...
- الفلسطينيون في لبنان يحتفلون باتفاق إنهاء الحرب على غزة
- إدارة ترامب تفرض عقوبات على نحو 100 فرد وكيان لشراء النفط ال ...
- منظمة فلسطينية تطعن في قرار بريطانيا تصدير أجزاء -إف-35- لإس ...
- مطالب عربية بالالتزام بتنفيذ اتفاق غزة واستثماره للتوصل لسلا ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الشرايطي - من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر