|
السلاح ، المخدرات و الادوية ، اسلحة للثراء و اخضاع الشعوب.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 04:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدِّمة:
حين تقف أمام واقع هذا العصر وتلقي نظرة واحدة تمتد من المدينة إلى الريف، من مرفأ البضائع إلى سوق السموم، من مصابيح المصانع إلى نوافذ المستشفيات، لا ترى إلا وجها واحدا مُجزَّأً: وجهٌ لا يتوقف عن المطالبة بالربح وعلى إدامة السلطة. السلاح والمخدرات والدواء ليست ثلاث قضايا متفرقة يتحتم علينا التعامل معها بالترتيب أو بالحلول الجزئية. إنها شريط واحد من نفس الفيلم الذي يتكرر على مدار اليوم، مشاهد متصلة تتناوب فيها صور الموت، والهروب، والابتزاز. هناك من يربح ويزداد ثراء على حساب أناسٍ تُقطع أرزاقهم، ويُبتلع شبابهم، وتُسلخ أجسادهم من كرامتها. كل ما نراه ليس صدفة بل تصميم؛ تصميم احتكاري يقوم على استغلال الحاجات والآلام وتحويلها إلى سوق راسخة. في المدن التي تشبه جروحا، حيث تنفتح الحفر على حواف الأرصفة، نقرأ يوميا كيف يتحول السلاح إلى لغة مفهومة أكثر من أي خطاب سياسي؛ ففي الحال التي تتوق فيها جماهير إلى حياة كريمة، يأتي من يقدّم لهم لغة أخرى: بندقية، طلقة، نظام قمعي يُصهر كل محاولة تنظيم. في الأزقة نفسها، حيث تجلس أمّ تنتظر دواء لطفلها المريض، تبرز تجارة ثانية، أقل وضوحا لكنها أخطر لأنها تهجم على الوعي، على القدرة على الحلم بالمستقبل: المخدرات تأتي كبديل اقتصادي للبطالة والحرمان، وكدواء وهمي لآلام لا دواء لها في بنية النظام. في المستشفيات تُعرض الأدوية على طاولات الأسعار، وُتخطّ بطاقات المرضى كأنها سندات ربحية، فيُصبح حق الشفاء مرتبطا مباشرة ببطاقة الائتمان أو بوجود محفظة سمينة. هذه ليست مجرد صورة سوداوية؛ إنها منطق منظومة كاملة، تتداخل فيها المصالح. السلاح يولِّد مصالح جديدة في السوق، والمصالح تُسهِّل تداول الأموال التي تحتاج إلى إمكانيات غسل وتبييض، فتدخل المخدرات كسوق مظلم يختزن النقود ويعيد ضخها في دوائر جديدة، ومنها تمر أموال تُستثمر في قطاعات تبدو "مشروعة" كالأدوية والصناعات الطبية، فتُعطى صورة احترام للحياة بينما الربح يُترك لإدارة موت الآخرين ببطء. في قلب هذا السرد يكمن سؤال واحد: كيف نجعل من حق الوقاية، والوقوف في وجه العنف، والشفاء، قاعدة إنسانية لا سلعة؟ الإجابة لا تُختزل في اقتراحات تقنية، بل تتطلب إعادة تأسيس للعلاقات السياسية والاقتصادية — بناء بديل جذري يجعل من الكرامة أساسًا للقرار لا سوق الربح.
أ/ السلاح — سرد طويل عن آلة القوة والطبقات: حين نتحدث عن السلاح، لا نعني قبضة الحديد أو خزنة الذخيرة فحسب؛ نتحدث عن طريقة للحياة، عن منطق اجتماعي ينسخ نفسه عبر السياسات والاقتصاد والثقافة. السلاح هنا لا يُصنع في فراغ بل في مصانع معبّأة بالعمال الذين ينتجون أدوات القمع، وفي صفقات سافرة يجري توقيعها خلف أبواب مغلقة، وفي مكاتب بزعماء سياسيين يصفقون لعقود تدرّ ثروات. صناعة السلاح هي امتداد لرأسمالية في طورها الأكثر عنفا، حيث يُستثمر في الموت كما يُستثمر في أي سلعة، وتُرسم خرائط النفوذ بواسطة كثافة الأنفاق العسكرية والتقنيات الأمنية والاتفاقات الدولية التي تخفي وراءها مصالح الشركات الكبرى. السلاح يتحول سريعا إلى أداة داخلية، ليس فقط أداة خارجية للحرب، بل لفرض النظام داخل الحدود نفسها. عندما تُحكم دولة أو طبقة ما خوفا، فإنها لا تفعل ذلك بالكلمات بل بالأسلحة. الشرطة المزودة بأحدث العتاد، الجيوش التي تُجند الشباب من أهمّ مناطق الفقر، وحدات خاصة تُرسل لقمع الاحتجاجات، كلها أوجه لسياسة تستخدم العنف كأداة للحياة اليومية. في هذه المعادلة يصبح العامل نفسه، الذي صنع أدوات القمع، هدفا لها في لحظة المواجهة. هذه المعضلة ليست عرضًا من السيرورات التاريخية فحسب؛ إنها نتيجة لنظام يرى في القوة وسيلة للحفاظ على الربح وترتيب مصالحه. الحروب المعاصرة لا تتشابه مع حروب الماضي التي كانت تتقاطع على حدود واضحة وجيوش نظامية. اليوم نشهد حروبا بالوكالة تُشغّلها جهات إقليمية ودولية عبر ميليشيات محلية، ويتم تسليح هذه الفصائل ضمن سلاسل معقّدة تتجاوز الرقابة الدولية، و هنا لا نتكلم حول حركات التحرر و مقاومة الاستعمار . تشتعل النزاعات الصغيرة وتستمر، لأن استمرارها يوفر ما يشبه السوق المستديم لبيع الأسلحة، للصيانة، وللخدمات الأمنية، وأيضا لشرعية تنفيذ برامج "الأمن القومي" التي تبرر إنفاقا هائلا على هذا القطاع. وفي مكانٍ آخر، تنطلق قاذفات الطائرات بدون طيار والحروب الإلكترونية لتُظهِر أن السلاح اليوم لم يعد مجرد معدن بل شبكة معلوماتية وجيوسياسية تُغذّي نفسها بتوترات العالم. الثقافة التي تبنيها هذه المنظومة تغذي أيضا تسويغ العنف. تُصوَّر المعدات العسكرية كبطولة، وتُحتفى بالقوة في السينما والإعلان، ما يرسخ في الوعي العام فكرة أن الحل للأزمات هو دائما مزيد من العسكرة. لكن هذه الثقافة تخفي أن السلاح لا يحل جذور الاستغلال ولا يزيل الفقر؛ بل على العكس، يؤدي إلى تشديده. كل طلقة تُفرَغ هي ثروة تُحوّل إلى رصاصة في جسد المستقبل. إن السلاح، في أحسن تبريره، يُستخدم للدفاع؛ لكن في سياقنا، يُستخدم لحماية مصالح لا علاقة لها بالناس الذين يُقتلون أو يُجندون أو يُدفعون إلى المواجهة. إذا أردنا قلب هذا السرد، لا يكفي مجرد تخفيف الإنفاق على السلاح أو فرض رقابة على الصفقات، بل يجب أن نتجه إلى سياسات اجتماعية تعيد بناء الأمن على أساس اجتماعي لا قمعي: أمن للمعيشة، أمن للصحة، تعليم، عمل كريم. السلاح حين تُحاكمه الممارسة الديمقراطية سيصبح سلعة قديمة، وسنقلص مساحة المخاطر التي تبرر وجوده. ولكن هذا التحول يتطلب مواجهة مباشرة مع مراكز القرار الرأسمالي، مع اللوبيات، ومع شبكة المصالح التي تولّد الحرب كسوق.
ب/ المخدرات — سرد طويل عن الهروب والنهب الداخلي: عندما نقرأ تاريخ المخدرات ونتتبع آثارها عبر الأزمنة والأمكنة، نكتشف أنها كانت دائما أكثر من "سموم" تباع في السوق السوداء؛ كانت وسيطًا للاقتصاد السياسي النفطي والامبريالي، أداة للاستعمار، ووسيلةً لصناعة تبعيات جديدة داخل الدول. تجارة المخدرات تزدهر حيث تنعدم الفرص، حيث تُنهب الموارد، وحيث يُترك الناس وسط سياسات تقشف وخصوصا حيث تُستثمر شبكات الفساد لاستغلال المعاناة. الشاب الذي لا يجد عملا يلتقط ساقية الدخل غير الرسمي، لكن الثمن الذي يدفعه ليس فقط هو فقدان الصحة بل فقدان قدرة المجتمع ذاته على التنظيم والنضال. المخدرات تُشبه ظاهرة كيماوية تحول الروابط بين الناس. في المجتمعات التي كان من الممكن أن تتشكّل فيها شبكات تضامن قوية — نقابات عمل، جمعيات محلية، أنظمة دعم مؤسسي — تأتي المخدرات لتُقوّض هذه الروابط عبر تحويل العلاقات إلى علاقات سوقية، عبر خلق حالة من العزلة والاعتماد على الاستهلاك الفردي. إن الفرد الذي كان يمكن أن يكون عنصر مقاومة يُحوَّل إلى مستهلك يبحث عن الجرعة التي تخفف عنه ألم البطالة أو الخيبة. بهذا المعنى، لا تُهدِم المخدرات الجسد فحسب، بل تُهدِم التاريخ الجمعي للناس. في السرد المعاصر، ارتبطت تجارة المخدرات أيضا بالتمويل السياسي والعمليات الاستخباراتية. لا يمكن فصل الصعود التاريخي لبعض شبكات التهريب عن مسارات الدعم والتعاقدات التي تمر عبر دوائر قوة دولية وإقليمية. أنظمة ذات نفوذ استخدمت في لحظات ما صناعة المخدرات بوصفها موردا لتمويل مواجهات أو أدوات ضغط جيوسياسية. وفي بعض الحالات، لم تقف الدولة في مواجهة التهريب بل تواطأت معه، فأصبح تعاطي المخدر وتجارة المخدر جزء من آليات إعادة توزيع الدخل، حيث تضخ الأموال مجددا في قطاعات معينة، أو تُحضر أدوات للابتزاز والفساد. النتيجة على الأرض هي منظر مأساوي: أحياء تغرق في الإدمان، أسر تنهار، أطفال يبصرون العنف كخيار أو كطريقٍ لبقاء، والسجون تمتلئ بالضعفاء الذين يحملون طابعًا جنائيًا نتيجة سياسة عقابية أكثر من كونها معالجة صحية. إن الاستجابة القائمة على القمع تُغذّي دورة العنف بدلا من أن تكسرها. السجون لا تُعالِج، والقمع الجنائي يعمّق الإقصاء ويغذي سوق اليد العاملة الرخيصة داخل السجون وخارجها. معالجة هذه الآفة تتطلب نهجا مختلفا كليا: إزالة طابع التجريم عن المتعاطين، إنشاء برامج علاج وإعادة تأهيل تمكينية، توفير بدائل اقتصادية حقيقية، واستهداف بنى الجريمة المنظمة عبر محاسبة الفاعلين الكبار وليس مطاردة أضعف حلقة فيها. ثقافيا، ثمة سرد آخر يحيط بالمخدرات: سرد الفن والتمثيل الذي قدم المخدر أحيانا كرمز للتحرر أو البحث عن التجربة، بينما الواقع كان دائما أكثر سوداوية. الهروب الذي يروّج له الفن في حالات كثيرة لا يتعامل مع أسباب الألم الاجتماعي؛ إنه يغطيها بوشاح فردي يوهم الفرد بأنه يملك خيارا، بينما الخيارات الحقيقية مغلقة أمامه. إن تجريد الإشكالية من سياقها الاجتماعي سياسي، وهذا ما يسهّل على الليبرالية النيوليبرالية تحويل مسؤولية المشكلة إلى كفاح فردي ضد الإغراءات، في حين يبحث المجتمع عن جذور المشكلة في سياسات اقتصادية واجتماعية وأصول الاستغلال. لمواجهة ذلك، يجب أن نفكّر في بدائل تربط الصحة الاجتماعية بالعدالة الاقتصادية. لازم أن تتضمن الاستجابة استثمارات في التعليم، في الوظائف، في البنية التحتية المجتمعية، وفي بناء مؤسسات محلية تعيد تشكيل الأفق أمام الشباب، بحيث يصبح الخيار الحقيقي للعمل والتنظيم هو البديل الواعد. دون ذلك، ستبقى الشوارع سوقًا للمخدرات والآلام، وسنكتفي بعقوبات لا تُحوّل شيئًا جذريًا.
ج/ الدواء — سرد طويل عن تحويل الشفاء إلى سلعة: الدواء، في قصته الحديثة، مرّ من كونه إنجازا جماعيا للعلم والثقافة الإنسانية إلى منتج تجاري داخل محيط سوقي يتحكم به أرباح ونفوذ. في بداياته، كانت الأدوية اختراعات تُنسب إلى المجتمع العلمي بأسره؛ كانت المعرفة تُنتج في مختبرات عامة، وتنتشر عبر مستشفيات عامة، هدفها التخفيف عن البشر لا ملء حسابات البنوك. لكن مع هيمنة شركات خاصة عملاقة وسياسات ملكية فكرية صارمة، حوّل القطاع إلى إمبراطورية تُقاس قيمتها بمقدار الربح، وليس بمدى إنقاذ الأرواح. النتيجة أن الأدوية التي يحتاجها الملايين قد تُؤخّر أو تُحرَم عنها الشعوب لأن أرباحها ليست "جذابة" لشركات الربح. الأمثلة التاريخية كثيرة ومؤلمة: أدوية منقذة للحياة ظلّت لأعوام بعيد عن متناول دول الجنوب بسبب براءات اختراع، وفي أوقات الطوارئ الصحية تُظهر الأسواق العالمية الوجه العاري لتوزيع اللقاحات: دول تخزن كميات تفوق احتياجاتها بينما دول تُركت تنزف. هذا لا يتعلق فقط بالكفاءة الإدارية بل بحكم قوة المال على قرار الصحة. في هذا النظام، الصحة تُقاس ببطاقة دفع لا بكرامة إنسانية. من هنا يتحول مريض في حي فقير إلى رقم في معادلة تكلفة-فائدة. ورغما على ذلك، لا يقتصر الاستغلال على الأسعار. البحوث نفسها تُوزّع بطرق خدمية: تُمول أبحاث الأمراض التي تُؤثر على أسواق المستهلك الغني، بينما تُترك الأمراض التي تضرب الفقراء دون تمويل. إن المعرفة تُنتَج وفقا لمن يدفع، وهذا يوجّه النظام العلمي لصالح الربح لا الحق في الشفاء. وحين تظهر أوبئة عالمية، يتحول اللقاح إلى ورقة نفوذ بين الدول، وتبرز الدبلوماسية الدوائية كأداة جديدة للتبعية وإعادة ترتيب المصالح. تداعيات هذا على الطبقات الفقيرة كارثية. الأمهات اللواتي تبيعن ما لديهن من مال من أجل دواء طفل مريض، العمال الذين يفقدون وظائفهم لأنهم لا يستطيعون تحمل ارتفاع تكلفة العلاج، الشباب الذين يبتعدون عن التعليم لأن تكلفة الرعاية الصحية تعطّل مشاريعهم — كلها صور من نفس المشهد الذي يحول الحياة إلى رفوف دواء تُشترى وتُباع. السرد الطبي الذي يجب أن يرفق بالرعاية تحول إلى خطاب تسويقي: "ادفع لتحيا"، ومع ذلك تبقى الكرامة والعدالة المنسية. الرد على ذلك لا يمكن أن يكون مجرد إصلاح تنظيمي. يجب أن يجعل الدواء ملكية عامة، ويخضع قراره للمجتمع لا للشركات. يجب أن تُلغى براءات الاختراع للأدوية الأساسية، أو على الأقل تُمرّر آليات إلغاء الملكية الفكرية في حالات الطوارئ. يجب بناء قدرة إنتاج دواء جنيس محلية، ويجب أن تُعاد الأولويات البحثية إلى ما يخدم صحة العامة بدلا من الربح الخاص. هذا التغيير يتطلب تحالفات سياسية واجتماعية واسعة تجمع نقابات العمال، والحركات الشعبية، والعلماء، والمنظمات الصحية في مواجهة لوبيات المال.
حين نجمع هذه الخيوط معا يصير المشهد واضحا: السلاح يفرّغ من الدول طاقتها لصالح أجهزة قهر مسلحة، المخدرات تخدّر المجتمع وتحوّله إلى سوق للانزواء، والدواء يُباع بأثمانٍ باهظة تجعل من البقاء امتيازًا للقادرين على الدفع. هذه ليست مجرد مشاهد منفصلة، بل فصول متداخلة في رواية الرأسمالية التي تجترح آلياتها من أجل البقاء. ومن هنا ينبع النداء: ليس لإصلاح المساحات الصغيرة بل لإعادة ترتيب المنظومة بأكملها. ثورة لا تأتي من فراغ، بل من تراكمات الغضب والوعي والتنظيم. إن كنا نريد الحياة فوق الربح، فإن الطريق واضح في كونه يتطلب تحالفا شعبيا حقيقيا، سيطرة مجتمعية على مفاصل الاقتصاد الحيوي، وسياساتٍ اجتماعية تضع الكرامة والحق في الشفاء والأمن والعيش الكريم في مقدمة الأولويات.
المحور الاول: الدواء – حين تتحول الحياة نفسها إلى سلعة تباع وتشترى.
من بين أفظع مظاهر الرأسمالية المعاصرة وأكثرها قسوة، أن يتحول ما هو في جوهره فعل إنقاذ للحياة إلى أداة ابتزاز ومراكمة أرباح. إن الدواء، الذي يفترض أن يكون استجابة إنسانية للمرض، صار في زمن النيوليبرالية سلعة يُسعّرها السوق كما يسعّر القمح أو النفط، بل ربما بأسعار أكثر وحشية، لأن الحاجة هنا ليست مجرد تحسين مستوى عيش، بل إنقاذ حياة. من لا يملك ثمن العلاج، لا يملك الحق في الشفاء، وفي كثير من الحالات لا يملك الحق في الحياة ذاتها. شركات الأدوية الكبرى – ما يسمى بـ Big Pharma – ليست مؤسسات علمية كما يروَّج لها، بل إمبراطوريات مالية قائمة على تحويل المرض إلى فرصة للاستثمار. في كل مرة يظهر فيها فيروس جديد، أو مرض وبائي، أو حتى مرض نادر، تتحرك هذه الشركات بسرعة ليس لأنها تحمل همّ الإنسانية، بل لأنها ترى أمامها سوقا جديدة يمكن استغلالها. يكفي أن نسترجع مشهد جائحة كورونا لندرك تمامًا كيف تُدار اللعبة: اللقاحات التي طُورت بالسرعة القصوى، والتي مولتها الأموال العامة في كثير من الدول عبر الجامعات ومراكز البحوث، استحوذت عليها الشركات الخاصة واحتكرتها، ثم بيعتها للدول الغنية بأسعار فلكية، بينما تُركت شعوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا الفقيرة لتنتظر فتات الفائض. هكذا تكشف الأوبئة أن ما يحدد من يعيش ومن يموت ليس العلم ولا الطب ولا الحاجة، بل موقعك في السوق الرأسمالية. والأدهى أن هذه الشركات كثيرا ما تعيد إنتاج المرض نفسه لتضمن استمرار السوق. أدوية تُسوَّق بوصفات طويلة الأمد بدل أن تُطوّر حلول جذرية، لأن المريض الدائم أكثر ربحا من المريض الذي يُشفى. أدوية الاكتئاب مثلًا، تُنتج بمليارات الأقراص سنويا، في حين أن أسباب الاكتئاب الاجتماعية – الفقر، البطالة، العزلة – لا يلتفت إليها أحد. هنا يتحول الدواء إلى قناع يخفي واقعا اجتماعيا مأساويا، بدل أن يكون مدخلا لعلاج جذور الأزمة. من الناحية الطبقية، تُظهر خريطة الأمراض بوضوح هذه الفوارق: الأمراض المزمنة والقاتلة تنتشر أكثر بين الطبقات الشعبية، حيث سوء التغذية، ظروف السكن الرديئة، العمل الشاق، والحرمان من الرعاية المبكرة. لكن حين يحين وقت العلاج، يجد هؤلاء أنفسهم أمام حواجز مالية وإدارية مستحيلة. الفقراء يموتون بصمت، بينما تُتاح للأغنياء أحدث العلاجات والتقنيات. الدواء، الذي يفترض أن يوحّد البشر في إنسانيتهم المشتركة، صار رمزا للفصل الطبقي الأكثر وحشية: طول العمر للأغنياء، وقصر العمر للفقراء. وليس البعد الجيوسياسي بأقل قسوة. فالدول الإمبريالية، مثلما تحتكر السلاح والموارد الطبيعية، تحتكر أيضا الأدوية. صارت براءات الاختراع سلاحا جديدا، يمنع أي دولة من إنتاج نسخة جنيسة من الدواء إلا بترخيص، وغالبا مقابل كلفة مرتفعة. وهكذا يتحول الحق في الدواء إلى أداة ابتزاز سياسي: الدولة التي تتمرد على الإملاءات قد تُعاقب بحرمانها من الأدوية الأساسية، كما تُعاقب بالحصار الاقتصادي أو بالعقوبات. إن الدواء، في زمن العولمة، صار جزء من هندسة السيطرة الإمبريالية على شعوب بأكملها. فلسفيا وثقافيا، المسألة أعمق من مجرد اقتصاد السوق. ميشال فوكو حين تحدث عن "البيو-سياسة" كان يقصد هذا بالضبط: أن السلطة الحديثة لم تعد تكتفي بالسيطرة على الأجساد من الخارج (كما في التعذيب والسجن)، بل صارت تتحكم بالحياة ذاتها من الداخل، بتسييرها عبر الطب، الصحة، الإنجاب، والموت. الدواء هو التجسيد الأكثر وضوحا لهذه السلطة: حياة الإنسان تُدار بعلبة أقراص، أو بحقنة، أو بجرعة، تحدد إن كان سيعيش أسبوعا آخر، أو يموت. وهنا يلتقي الاقتصاد بالسياسة بالفلسفة في نقطة قاتلة: الرأسمالية لا تكتفي باستغلال العمل، بل تستغل الحياة ذاتها. إذا كان السلاح يبيع الموت، والمخدر يبيع الهروب، فإن الدواء يبيع الحياة نفسها. لكن لا أحد يملك القدرة على شرائه إلا من كان له موقع في السلم الطبقي. هذه ليست مجرد مأساة فردية، إنها فضيحة حضارية: أن يتحول العلاج إلى سلعة، بينما يبقى الملايين من البشر بلا دواء، كأن الحياة نفسها لم تعد حقا طبيعيا، بل امتيازا طبقيا.
المحور الثاني: التشابك الجدلي بين السلاح، المخدرات والدواء.
حين ننظر إلى هذه العناصر الثلاثة في مجملها، ندرك أنها ليست مجرد قطاعات اقتصادية متوازية، بل إنها تشكل ثلاثية مترابطة في قلب المنظومة الرأسمالية. هي وجوه مختلفة لعملة واحدة، تشتغل معا لتكريس الهيمنة وتوسيع دائرة السيطرة على الإنسان والمجتمع. فالسلاح، الذي يُنتج لقتل الشعوب وإخضاعها، لا يعمل في فراغ. كل حرب تفتح تلقائيا أسواقا جديدة للأدوية: جرحى، مصابون نفسيا، أمراض وبائية تنتشر مع اللاجئين ومع انهيار البنى التحتية. الحرب، إذن، هي أفضل "تسويق" ممكن لصناعة الدواء. من فيتنام حيث شهد العالم كيف استُخدمت أدوية مسكّنة لتمرير أهوال الحرب، إلى العراق وأفغانستان حيث انفجرت صناعة الأدوية النفسية لمعالجة الجنود العائدين. العلاقة هنا ليست عرضية، بل بنيوية: شركات السلاح تدمر، شركات الأدوية تبيع "العلاج"، والإنسان هو الضحية والزبون في آن واحد. أما المخدرات، فهي الرفيق الخفي للسلاح. في مناطق النزاع المسلح، تغزو المخدرات الأسواق بسرعة جنونية: الجنود يتعاطونها لتخفيف الرعب أو لزيادة القدرة على القتل، والمدنيون يستهلكونها للهروب من جحيم الواقع. في الحروب الأهلية، كما في أمريكا اللاتينية أو الشرق الأوسط، تختلط تجارة السلاح بتجارة المخدرات في شبكة واحدة: الميليشيا تشتري السلاح من أرباح المخدرات، وتؤمّن طرق التهريب بالسلاح نفسه. وهكذا يصبح العنف والإدمان وجهين لاقتصاد غير رسمي، لكنه يخدم النظام العالمي نفسه لأنه يبقي الشعوب في دوامة فوضى مستمرة، تمنعها من بناء أي مشروع تحرر جماعي. الدواء والمخدرات بدورهما يتقاطعان عند الحدود الغائمة بين "الدواء الطبي" و"المخدر غير القانوني". فبعض المواد التي تُباع في السوق السوداء باعتبارها مخدرات هي نفسها مشتقة من أدوية تُنتجها كبرى الشركات الدوائية. الأفيون مثلا، استُخدم طبيا كمسكن قوي، لكنه في الوقت ذاته غذّى واحدة من أضخم أسواق المخدرات غير المشروعة في العالم. هنا نرى كيف يشتغل النظام في دوامة متكاملة: شركة أدوية تنتج مادة، تتحول لاحقا عبر القنوات غير الرسمية إلى مخدر مدمر، بينما يُلقى اللوم على المستهلك الفقير بدل أن يُوجَّه إلى الشركات. وهذا التشابك لا يقتصر على الاقتصاد والسياسة، بل يتجذر في الثقافة اليومية أيضا. في الأفلام، في الأغاني، في ألعاب الفيديو، نرى تمجيدا للسلاح، رومانتيكية حول المخدر، وتسويقا للدواء كحل سحري. هكذا يُعاد إنتاج الهيمنة على مستوى الوعي، حيث تُغرس في الأجيال الجديدة صورة مشوهة: العنف طبيعي، المخدر ملاذ، والدواء سلعة. إن السيطرة لا تتحقق فقط بالرصاص والمال، بل أيضا بالخيال والرموز التي يتشبع بها الإنسان منذ طفولته. هنا يتضح أن الثلاثية تعمل كآلة واحدة: السلاح يقمع، المخدر يُخدّر، الدواء يبتز. وكلها تضمن أن تبقى الشعوب في حالة عجز دائم: عاجزة عن المقاومة لأنها مقموعة، عاجزة عن الوعي لأنها مخدرة، وعاجزة عن الحياة لأنها مريضة بلا علاج. هذه ليست مجرد مصادفات تاريخية، بل هي البنية العميقة للرأسمالية في مرحلتها الراهنة. والنتيجة أن الإنسان المعاصر، خصوصا في الطبقات الشعبية والعالم الثالث، يعيش في دائرة حصار شاملة: إن رفع رأسه ليقاوم، وُوجه بالسلاح. إن حاول الهروب، وُجدت المخدرات في متناوله. إن انهار جسده، وجد نفسه تحت رحمة شركات الدواء. وفي جميع الحالات، هو في موقع التابع، في حين تبقى الرأسمالية ممسكة بمصيره من كل الجهات. هذه الجدلية المميتة بين السلاح والمخدرات والدواء تكشف أن معركتنا اليوم ليست مع قطاع محدد من الاقتصاد، بل مع منطق كلي متكامل: منطق يعتبر الإنسان مجرد أداة للربح، جسدًا يُستغل بالعمل، يُقمع بالعنف، يُخدَّر بالمخدر، ويُباع له حق الحياة بالدواء. إنها معركة بين رأسمالية تحترف صناعة الموت وبين مشروع تحرري يحلم بحياة بلا قيود، حياة يُستعاد فيها الحق في الصحة والوعي والسلام كحقوق إنسانية طبيعية، لا كامتيازات سوقية.
المحور الثالث: التداعيات الاجتماعية والسياسية – حين تتحوّل الأزمات إلى منظومة قهرية شاملة.
إن التداعيات الاجتماعية والسياسية للسلاح والمخدرات والدواء ليست مجرد نتائج عابرة أو أزمات آنية، بل هي شبكة مترابطة من الأزمات التي تعيد إنتاج الهيمنة، وتعيد تشكيل كل جوانب حياة المجتمعات. كل انفجار سلاح، كل توزيع مخدرات، كل احتكار دواء، هو جزء من خطة غير معلنة، لكنها مترابطة في نسيجها الداخلي، حيث تُعاد إنتاج الطبقات والفقر والعزلة الاجتماعية بأسلوب يبدو للوهلة الأولى عشوائيًا، لكنه في العمق محسوب بدقة. في المدن، حيث تتكدس البنايات على مقربة من بعضها البعض، يظهر التفاوت الطبقي بصورة صارخة: أحياء مترفة محمية من العنف، وأحياء فقيرة يُترك سكانها لقانون الغابة. هنا، الشاب الذي لم يجد عملا محترما منذ تخرجه ، يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: الانخراط في سوق المخدرات ليكسب لقمة العيش ولو كانت حياته معرضة للخطر، أو البقاء متعاطفا مع آلامه، وفي النهاية مواجهة البطالة والفقر العميق. وبين هؤلاء، تبرز النساء والأمهات اللواتي يُجبَرن على تسيير الحياة اليومية بأقل الموارد، يحملن عبء العلاج، الطعام، التربية، في حين تُترك الدولة أو الشركات الخاصة لتمارس سيطرتها على احتياجاتهن الأساسية. سياسيا، التداعيات أكثر شمولا وقسوة. الأنظمة السياسية غالبا ما تعامل هذه القضايا كأدوات تحكم وليس كأزمات إنسانية يجب معالجتها. الجيش والشرطة، اللذان يفترض أنهما حماية للشعب، يتحولان في الواقع إلى أدوات لإعادة إنتاج الخوف والسيطرة، حيث يُدار العنف بشكل منهجي ويُفرغ في أحياء فقيرة أو مناطق نائية. المخدرات تُترك لتستمر ضمن "اقتصاد الظل" الذي يحافظ على ديناميات السلطة، بينما الدواء يظل سلعة حصرية للأغنياء، فتتجسد الهيمنة في كل جوانب الحياة اليومية، في من يأكل، في من يتعلم، وفي من يعيش أو يموت. الجدلية الاجتماعية هنا عميقة جدا. كل فرد في هذه المنظومة يصبح لاعبا مرغما ضمن دائرة القهر، وعاجزا عن المقاومة، إلا إذا تمكن من تجاوز قيود هذا الواقع المتشابك. الأطفال الذين يُربّون وسط هذه البيئة يتعلمون من صغرهم أن العنف طبيعي، والفقر قدري، والدواء امتياز. هذا يجعل المقاومة الجماعية صعبة، لأن الأجيال الجديدة تتربّى على هذه الهياكل، وتصبح جزء من إعادة إنتاج المنظومة دون وعي. إن التداعيات الاجتماعية والسياسية تتجاوز البعد المحلي لتصل إلى البعد الدولي، حيث تُستخدم هذه الظواهر في اللعبة الجيوسياسية. الدول الإمبريالية لا تكتفي بالسيطرة على الموارد الطبيعية، بل تتحكم أيضا في الصحة والعنف، مستغلة ضعف الدول الفقيرة. الحرب، تجارة المخدرات، احتكار الدواء، كلها أدوات لإعادة ترتيب القوى في العالم، بحيث يبقى الفقراء خارج دائرة القرار، بينما يُترك القرار الأساسي للأغنياء واللوبيات والشركات العملاقة. وإذا أردنا أن نلخّص العمق الفلسفي لهذه التداعيات، نستحضر قول روسو: "الإنسان وُلِد حرا، لكنه في كل مكان مكبّل"، فهنا المكبل ليس بالحديد فقط، بل بالمخدر، بالسلاح، وبسعر الدواء. الإنسان عاجز عن صنع مستقبله لأنه محاصر في دائرة مصالح طبقية غير متكافئة، محاصر في لعبة استراتيجية لا يملك فيها إلا الدور الثانوي.
المحور الرابع: بناء بديل – مشروع تحرري شامل لاستعادة الكرامة والحق في الحياة.
إذا أردنا أن نكسر هذه الدائرة المميتة، فإن البديل لا يمكن أن يكون مجرد إصلاحات ترقيعية، بل مشروع ثوري شامل، يربط بين السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والوعي الشعبي. السلاح والمخدرات والدواء ليست فقط ظواهر منفصلة، بل أدوات مترابطة لإعادة إنتاج الهيمنة، وإعادة تشكيل الإنسان كجسد خاضع، كوعي مخدر، وكمستهلك محدود، لذلك فمحاربة كل عنصر على حدة دون فهم العلاقات المتشابكة ستكون مجازفة بلا فائدة. يجب أن تتحوّل الدولة إلى أداة حماية حقيقية للمجتمع، لا آلة قمع للضعفاء. يجب إعادة توجيه الموارد من شراء السلاح إلى توفير الأمن المعيشي، التعليم، الصحة، الإسكان، والحد من الفقر. الموارد التي تذهب اليوم لصناعة الموت يجب أن تُستثمر في بناء مجتمع قادر على التقدم الجماعي، مجتمع يجعل الإنسان محور السياسة والاقتصاد، لا مجرد سلعة. في مواجهة المخدرات، يجب تحويل الاقتصاد الموازٍ إلى فرص حقيقية للاعتماد على النفس، عبر تشغيل الشباب، تمكين المرأة، ودعم المشاريع الجماعية. يجب أن تتحول الشوارع من ساحات للتهريب والإدمان إلى ساحات تعليم، عمل، وفن. الثقافة الشعبية والتعليم يجب أن يعيدا توجيه الوعي، بحيث يُفهم الشباب أن الخيار الحقيقي هو العمل المنتج، التنظيم الاجتماعي، والنضال الجماعي، لا الانزلاق نحو المخدرات والهروب الوهمي من الواقع. أما بالنسبة للدواء، فيجب أن يكون حقا إنسانيا لا سلعة. الإنتاج المحلي، الملكية العامة، التوزيع المجاني، والأبحاث التي تُوجه لخدمة البشرية وليس الربح، كلها خطوات أساسية. يجب أن تُلغى براءات الاختراع أو على الأقل تُمرّر آليات لإبطالها في حالات الطوارئ، ويجب بناء قدرة إنتاج دواء محلية، بحيث يصبح الحق في الشفاء متاحًا للجميع، بغض النظر عن الطبقة أو الثروة. هذا التحول يتطلب تحالفا شعبيا واسعا يضم العمال، الفلاحين، الشباب، النساء، الحركات الشعبية والمدنية، والمثقفين. التحالف ليس مجرد شعار، بل خطة عمل طويلة المدى، تشمل الرقابة على السوق، السيطرة على الإنتاج، توزيع الموارد بشكل عادل، وتمكين المجتمعات من تقرير مستقبلها. هذا التحالف هو الضامن الوحيد لتحويل المعركة من صراع فردي أو قطاعي إلى صراع شعبي شامل ضد المنظومة الطبقية الحاكمة. الثقافة تلعب دورا حاسما في هذا البديل. الفن، الأدب، الإعلام، والتعليم، يجب أن يصبحوا أدوات لإعادة بناء الوعي الجماعي، وإظهار أن العنف ليس طبيعيا، وأن الهروب عبر المخدرات ليس خيارا، وأن الحياة لا تُباع بالمال. يجب أن تتشكل الأجيال الجديدة على أساس الوعي الاجتماعي والسياسي، بحيث يصبح كل فرد عنصرا فعالا في مقاومة المنظومة، وليس مجرد متلقٍ سلبي لآثارها. الخلاصة: الحل لا يأتي من إصلاحات جزئية أو حلول ترقيعية. الحل هو إعادة بناء منظومة كاملة جديدة، حيث الحق في الحياة، الصحة، التعليم، والكرامة الاجتماعية هو قاعدة ثابتة، لا امتياز طبقي، حيث الإنسان هو محور السياسة والاقتصاد، حيث السلاح والمخدرات والدواء يخدمون حياة الإنسان، لا مصالح الربح والقمع. كما قال تروتسكي: "الثورة هي فعل جماعي، لا مجرد تمرد فردي"، وهنا، الثورة على السلاح والمخدرات والدواء هي فعل جماعي لتحرير الحياة نفسها، لتحويل الألم إلى وعي، والحرمان إلى تنظيم، والضعف إلى قوة جماعية، حتى يصبح المجتمع قادرا على صنع مستقبله بأيديه، بعيدًا عن منطق القهر والربح والهيمنة.
المحور الخامس : السيطرة الاقتصادية كأداة شاملة للهيمنة والتحكم في الحياة.
السيطرة الاقتصادية ليست مجرد أداة لتوزيع الثروة أو امتلاك رأس المال، بل هي نظام شامل يمتد ليهيمن على كل تفاصيل حياة الإنسان، منذ لحظة ولادته وحتى وفاته، ويشكل وعيه، صحته، تعليمه، حركته، خياراته، وطموحاته. إنها شبكة مترابطة من القهر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، تعمل على إعادة إنتاج نفسها عبر الأجيال، فتستمر الطبقة المهيمنة في السيطرة بينما تبقى الجماهير الشعبية محرومة من الموارد الأساسية والقدرة على اتخاذ القرار. السلاح، المخدرات، والدواء ليست أدوات عشوائية، بل أدوات استراتيجية مترابطة لإدامة الهيمنة. السلاح، عندما يكون متاحا فقط لمن يملك المال أو النفوذ، يخلق خوفا دائما يُبقي المجتمعات في حالة شبه استسلامية، ويجعل أي حركة احتجاجية أو مقاومة محدودة العواقب بسبب الرعب من العنف. المخدرات تعمل كأداة لتخدير الوعي، وإضعاف القدرة على التنظيم الاجتماعي والسياسي، بينما الدواء، عندما يتحول إلى سلعة باهظة الثمن، يجعل الحق في الحياة متوقفا على الثروة، ما يفرض على الفقراء قبول وضعية العجز والخضوع كأمر طبيعي. هذا النظام لا يقتصر على التحكم في الموارد المادية، بل يمتد إلى الوعي والثقافة والسلوك الاجتماعي. الإعلام المملوك للنخب الاقتصادية يعيد إنتاج قيم الفردنة الاستهلاكية، ويروج لنجاح الأفراد المنفصل عن العدالة الاجتماعية، ويخفي التفاوت الطبقي ويطمس مظاهر القهر اليومي. التعليم يُجهز الأجيال لتقبل الواقع القائم، يعيد إنتاج التسلسل الهرمي للطبقات، ويكرس التنافس الفردي بدل التعاون، ويجعل الشعور بالعجز واللامبالاة جزء من التجربة اليومية للأطفال والشباب. السيطرة الاقتصادية تحدد أيضا حرية الفرد والجماعة. حرية التعبير، حرية الحركة، حرية التنظيم، حرية الاحتجاج، كلها تصبح مشروطة بالقدرة الاقتصادية. أي محاولة لمقاومة النظام تواجه تضييقا قانونيا، اقتصاديا، واجتماعيا، بحيث يُصبح المجتمع يعيش في عالم مزدوج الأبعاد: البعد المادي من خلال الفقر والحرمان، والبعد الرمزي من خلال الانتهاكات المستمرة للكرامة والحق في القرار. التاريخ يقدم لنا نماذج عديدة لهذه السيطرة الشاملة. على سبيل المثال، في مجتمعات ما بعد الاستعمار، استخدمت النخب الاقتصادية المحلية بالتواطؤ مع الشركات العالمية والسلاح لتحقيق الهيمنة على الأرض والموارد، بينما أصبح المخدر والتبغ وسائل لتخدير الشعوب، والدواء سلعة نادرة لا يستطيع إلا الأغنياء الوصول إليها. هذا يعكس حقيقة أن الهيمنة الاقتصادية ليست مجرد قوة عابرة، بل منظومة مستمرة تعمل على إعادة إنتاج نفسها عبر التاريخ.
المحور السادس : الأمل في التغيير وبناء مجتمع مقاوم.
رغم كل هذه المنظومة المميتة، يظل الأمل موجودا، لكنه أمل استراتيجي، مبني على الوعي الجماعي والفعل المنظم، وليس مجرد شعور عاطفي عابر. الأمل الحقيقي ينبع من قدرة الجماهير على فهم العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ورؤية كيف يمكن تحويل الألم والقهر إلى قوة تنظيمية فاعلة. -أول خطوة في هذا البديل هي التعليم والوعي النقدي. يجب أن يدرك كل فرد أن الظلم ليس قدرا محتوما، وأن ما يعيشه هو نتيجة منظومة مترابطة من السيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية. الفن، الأدب، المسرح، الإعلام، والتعليم يجب أن يصبحوا أدوات لكشف النظام، فضح آلياته، وبناء وعي جماعي نقدي قادر على التحرك نحو التغيير. الأمثلة التاريخية كثيرة: شبكات المقاومة في جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري، الجماهير الشعبية في كوبا قبل الثورة، وحركات العمال في أوروبا في القرن التاسع عشر، جميعها بدأت بتوعية المجتمع، ثم الانتقال إلى العمل المنظم والمستمر. -ثانيا، التنظيم الاجتماعي والمجتمعي ضرورة حتمية. النقابات، الحركات الشعبية، الجمعيات، المبادرات المحلية، كلها أدوات لبناء شبكات حماية، توفير تعليم مجاني، رعاية صحية، ودعم اقتصادي متكامل. هذه الشبكات تقلل الاعتماد على السوق القمعي، وتمكن المجتمع من مواجهة التحديات اليومية بشكل جماعي، وتحويل المقاومة الفردية إلى قوة جماعية مستمرة وقادرة على الصمود. -ثالثا، البدائل الاقتصادية الاستراتيجية: يجب إنشاء دواء مجاني أو بأسعار مدعومة، مشاريع إنتاجية بديلة تقلل الاعتماد على السوق القمعي، تحويل الأموال المستثمرة في السلاح إلى مشاريع تنموية، وإعادة توزيع الموارد بشكل عادل. هذه البدائل ليست ترقيعية، بل أدوات لإعادة تمكين المجتمع، واستعادة السيطرة على الحياة اليومية، وتمكين الجماهير من التخطيط لمستقبل مستقر وحر. -رابعا، الجانب السياسي لا غنى عنه. يجب أن تكون الأحزاب والحركات السياسية التي تمثل مصالح الجماهير الشعبية قادرة على صياغة سياسات تحمي المجتمع، وتدافع عن الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والعمل والكرامة. القوة السياسية المنظمة تضمن استمرارية التغيير، وتحمي البدائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الانهيار أمام الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجنبية، وتؤسس لهيكل قوة متوازن بين المجتمع والدولة. -خامسا، الثقافة والوعي الشعبي يشكلان الدرع الحقيقي للمجتمع المقاوم. المقاومة يجب أن تكون متكاملة: جسدية، اقتصادية، ثقافية، سياسية، تعليمية. كل مشروع، نشاط، أو مبادرة تصبح حجرًا في بناء مجتمع جديد قادر على مواجهة الهيمنة واستعادة الكرامة. الفن والأدب والإعلام يجب أن يستخدموا لنشر وعي جماعي جديد، لكسر الغيبوبة الثقافية، وإعادة تعريف الحرية والعدالة والكرامة. -سادسا، المقاومة الجماعية المستمرة هي الوسيلة الوحيدة لتأمين مستقبل آمن وشامل. كل فعل جماعي، كل مشروع تعليمي، كل مبادرة إنتاجية، وكل نشاط ثقافي هو خطوة نحو مجتمع حر ومستقل، مجتمع لا يكون فيه السلاح والمخدرات والدواء أدوات للقهر، بل أدوات لحماية الحياة، الصحة، والحرية. كما قال تروتسكي: "الثورة ليست حدثا لحظة واحدة، بل سلسلة من الأفعال الجماعية المتواصلة." هنا، الثورة على السلاح والمخدرات والدواء والسيطرة الاقتصادية هي فعل جماعي شامل لتحرير الحياة نفسها، وإعادة الحق في الوجود، والصحة، والحرية، والكرامة الإنسانية لكل فرد، وتحويل الألم والقهر إلى قوة تنظيمية مستمرة قادرة على خلق مجتمع مقاوم ومستقل.
المحور السابع : الفقر كأداة للهيمنة والتحكم الاجتماعي والسياسي.
الفقر ليس مجرد حالة اقتصادية، بل هو منظومة كاملة لإعادة إنتاج الهيمنة، تربط الجوانب الاقتصادية بالسياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية. إنه ليس ناتجا عن قصور الأفراد، بل عن نظام متكامل من السيطرة التي تعمّق التفاوت الطبقي وتعيد إنتاج التبعية عبر الأجيال. الفقر يتحول إلى أداة لإحكام السيطرة على الجماهير، ويجعل العجز اليومي قاعدة حياتية، بينما تستمر النخب في الاستفادة من احتكار الموارد والثروة والمعرفة.
أ/ الفقر والوعي الاجتماعي: الفقر يضع قيودا على وعي الأفراد، إذ يصبح كل قرار حياتي مرهونا بالبقاء المادي اليومي، فيضعف التفكير النقدي والقدرة على التخطيط للمستقبل. في هذا السياق، يصبح الأمل في التغيير بعيد المنال، وتكرار التجربة اليومية للفقر يولد شعورا بالعجز الداخلي، وكأن الفرد يتقبل القهر كحقيقة طبيعية لا يمكن تحديها. تاريخيا، يمكن ملاحظة هذه الظاهرة في المناطق الصناعية الأوروبية في القرن التاسع عشر، حيث كانت الأحياء الفقيرة موطنا لملايين الأطفال الذين يعملون لساعات طويلة في المصانع، وكان الفقر أداة لإبقاء العمال تحت السيطرة ومنعهم من المطالبة بحقوقهم. وفي السياق الحديث، الأحياء الفقيرة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا أظهرت نفس النمط: حيث يستخدم الفقر لتقييد الحركة الاجتماعية والسياسية، وإجبار السكان على التكيف مع التفاوت الطبقي كأمر واقع.
ب/ الفقر والهيمنة الاقتصادية: الفقر مرتبط مباشرة بالهيمنة الاقتصادية، إذ يجعل الأفراد مرهونين بالنظام القائم، ويعتمدون على مساعدات مشروطة من الدولة أو النخبة الاقتصادية. هذه السيطرة الاقتصادية تتجلى في: - تقييد الوصول إلى الموارد الأساسية مثل الغذاء، الدواء، والتعليم. - فرض خيارات محدودة على الأفراد، مما يقلل من قدرة المجتمع على الابتكار والتنظيم الذاتي. - إعادة إنتاج العجز الطبقي عبر الأجيال: الأطفال المولودون في الفقر غالبًا ما يبقون فيه بسبب محدودية فرص التعليم والعمل.
ج/ الفقر كأداة للهيمنة السياسية: الفقر ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو أداة استراتيجية للسيطرة السياسية: - الأنظمة الاستبدادية تستخدم الفقر لضمان الولاء من خلال المساعدات المشروطة. - تهديد الجماهير بحرمانهم من الموارد الأساسية إذا تمردوا أو نظموا احتجاجات. - التحكم في التعليم والتوظيف لتقييد قدرات المجتمع على تحسين وضعه الاقتصادي والسياسي.
ح/ الفقر والسلاح والمخدرات والدواء: هذه العناصر تتشابك مع الفقر بشكل استراتيجي لإدامة السيطرة: - السلاح: يخلق خوفًا دائمًا ويمنع التنظيم الشعبي من تشكيل قوة جماعية مؤثرة. - المخدرات: تعمل على تخدير العقول، تقليص التفكير النقدي، وتحويل الأفراد إلى مستهلكين سلبيين لا يطرحون أسئلة عن الواقع. - الدواء: عندما يتحول إلى سلعة باهظة، يصبح الحق في الحياة مرتبطًا بالقدرة المالية، ما يضاعف من العجز الاجتماعي ويعزز التبعية للنظام القائم.
ث/ أمثلة تاريخية محددة: في جنوب أفريقيا خلال الفصل العنصري، استخدم النظام الفقر والفصل الاقتصادي كأداة لإبقاء الأغلبية السوداء تحت السيطرة، مع تقييد الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية. في شيلي تحت الديكتاتورية العسكرية، تم استهداف الطبقات الفقيرة اقتصاديا لضمان استقرار النظام، وخلق التبعية الاقتصادية والسياسية. في المناطق الحضرية الفقيرة في الهند، الفقر المزمن مرتبط بارتفاع معدلات الإدمان على الكحول والمخدرات كوسيلة لتخفيف الألم الاجتماعي والاقتصادي، وهو مثال حي على كيفية استخدام القهر الاقتصادي كأداة للتحكم في الجماهير.
المحور الثامن : الوعي الجماعي والمقاومة الشاملة كأداة للتحرر.
إذا كان المحور التاسع يوضح البنية القمعية للسيطرة والفقر الممنهج، فإن المحور العاشر يوضح البديل الثوري الشامل لإفشال هذه الهيمنة واستعادة الحرية والكرامة الإنسانية.
✓ التعليم والتحليل النقدي: الوعي الجماعي يبدأ بالتعليم النقدي، الذي يسمح للأفراد بـ: - فهم البنية الطبقية للهيمنة الاقتصادية والسياسية. - تحليل العوامل التي أدت إلى الفقر والقهر. - التخطيط لإجراءات عملية لتحرير المجتمع. مثال على ذلك، التعليم الثوري في كوبا بعد الثورة، الذي ركز على رفع مستويات القراءة والوعي السياسي، ومكافحة الجهل كوسيلة لإضعاف المقاومة الشعبية للهيمنة.
✓ التنظيم الجماعي المتكامل: المقاومة لا تكون فردية بل مؤسسية وجماعية، وتشمل: - النقابات العمالية للحماية الاقتصادية والتنظيم الاحتجاجي. - الحركات الشعبية لتعزيز الوعي المجتمعي والتضامن. - الجمعيات والمبادرات المحلية لتوفير التعليم والرعاية الصحية البديلة.
✓ البدائل الاقتصادية الاستراتيجية: -دواء مجاني أو بأسعار مدعومة لتقليل التبعية الاقتصادية. -مشاريع إنتاجية بديلة تقلل الاعتماد على النظام القمعي. -إعادة توزيع الموارد المالية المخصصة للسلاح والمخدرات لمشاريع تنموية.
✓ المقاومة الثقافية والسياسية: الثقافة والفن والأدب كوسائل لنشر الوعي وإعادة تعريف الهوية والكرامة. الحركات السياسية المنظمة لضمان تطبيق السياسات العادلة وحماية البدائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
✓ أمثلة على المقاومة الشاملة: -حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة: استخدمت العصيان المدني والمقاطعات الاقتصادية كمقاومة منظمة ضد العنصرية. -حركات التحرر في أفريقيا: استخدمت التنظيم الشعبي والمقاومة الثقافية ضد الاستعمار والأنظمة الديكتاتورية. -حركات المقاومة في أمريكا اللاتينية: نجحت في بناء شبكات جماعية للدفاع عن الحقوق الاجتماعية والسياسية، مثل حركة المزارعين في البرازيل.
✓ التحديات التي تواجه المقاومة: - القمع العنيف من الدولة والنخب الاقتصادية. - التقسيم الداخلي والخلافات الاجتماعية التي قد تضعف الحركة. - الضغوط الاقتصادية المستمرة التي تحد من قدرة الجماهير على الاستمرار في المقاومة.
✓الاستراتيجيات النهائية لتعزيز المقاومة الشاملة: -بناء تحالفات واسعة بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية. -استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي وتنظيم الاحتجاجات. -التدريب والتعليم المستمر على أساليب المقاومة السلمية والتنظيم الفعال. -التكامل بين المقاومة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية لضمان تحول الفعل الفردي إلى قوة جماعية مستمرة. كما قال تروتسكي: "الثورة ليست حدثًا لحظة واحدة، بل سلسلة من الأفعال الجماعية المتواصلة." هنا، الوعي الجماعي والمقاومة الشاملة يشكلان الأداة النهائية لتحرير المجتمعات، وتحويل الألم والقهر إلى قوة تنظيمية مستمرة، قادرة على مواجهة كل أشكال الهيمنة والظلم واستعادة الحرية والكرامة لكل فرد في المجتمع.
المحور التاسع : الطبقة العاملة كمحرك للتحرر والتغيير الاجتماعي.
الطبقة العاملة ليست مجرد شريحة اجتماعية، بل هي القوة الحقيقية التي تتحكم في مفاتيح الإنتاج، وتحمل الإمكانات الحقيقية للتحرر الاجتماعي والسياسي والثقافي. فهي التي تنتج الثروة، لكنها لا تمتلك السيطرة عليها، وتتحمل عبء استغلال النظام الاقتصادي والسياسي، لتبقى النخبة في موقع القوة. ومن هنا، تصبح الطبقة العاملة القوة التاريخية التي يمكنها قلب النظام القائم، وتحويل الألم والمعاناة اليومية إلى طاقة ثورية متجددة.
1. الوعي الطبقي: حجر الأساس للتحرر: الوعي الطبقي ليس مجرد إدراك للوضع الاجتماعي، بل هو فهم شامل لعلاقات الإنتاج، الهياكل الاقتصادية، القوة السياسية، والهيمنة الثقافية. هذا الوعي يمكن الطبقة العاملة من: -تحليل النظام الذي يحول الإنسان إلى مجرد أداة إنتاج، يخضع لقوانين السوق والقهر الاقتصادي. -إدراك السياسات والقوانين التي تعمّق التفاوت الطبقي، وتجعل الفقر واقعا متجددا عبر الأجيال. -تطوير استراتيجية جماعية للمقاومة تشمل التعليم النقدي، الثقافة، الفعل السياسي، والتنظيم الاقتصادي البديل. كما قال كارل ماركس: "الطبقة العاملة لا تملك سوى قيودها لتخسرها، لكنها تمتلك العالم لتبنيه". هذه المقولة توضح أن القوة الحقيقية ليست في الموارد، بل في الوعي الجماعي والقدرة على تنظيم الذات وتحويل المعاناة إلى قوة تاريخية.
2. الإنتاج والاقتصاد: موقع القوة والضعف: الطبقة العاملة تتحكم عمليا في الإنتاج اليومي للثروة والخدمات الأساسية، لكنها تعاني من: -استغلال اقتصادي من خلال أجور منخفضة وظروف عمل قاسية. -فقدان السيطرة على الموارد والسلطة الاقتصادية. -تقييد حريتها السياسية والاجتماعية عبر سياسات تمنع التعبئة الجماعية. إن فهم هذه العلاقة بين الإنتاج والسيطرة الاقتصادية يوضح كيف يمكن للطبقة العاملة أن تصبح قوة فعالة في بناء مجتمع متحرر، عندما تُحول إنتاجها اليومي إلى أداة مقاومة استراتيجية وليس مجرد عمل بائس يؤدي إلى استنزاف الطاقة والوقت.
3. المقاومة العملية: النقابات والإضرابات والمبادرات الشعبية: الطبقة العاملة عبر التاريخ أثبتت أن التنظيم الجماعي هو وسيلة عملية لتحدي الهيمنة الاقتصادية والسياسية. من أهم أدواتها: -النقابات العمالية: شكلت حاضنة للتضامن، وحماية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وسلاحًا ضد سياسات الاستغلال. -الإضرابات المنظمة: قوة ضغط مباشرة على النظم الاقتصادية والسياسية، تعيد توازن القوة بين العاملين والنخب. -المبادرات الإنتاجية والتعاونية: مشاريع تعاونية بديلة تقلل التبعية للنظام القائم، وتفتح المجال لإعادة توزيع الموارد والثروة بشكل أكثر عدالة. مثال تاريخي: في الثورة الصناعية الأوروبية، كانت الإضرابات الجماعية للنقابات العمالية العامل الحاسم لإقرار قوانين الحد الأدنى للأجور وساعات العمل، ما يظهر قوة التنظيم الجماعي في تحقيق الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية.
4. الثقافة المقاومة: الفن، الأدب، والمسرح العمالي: الطبقة العاملة ليست قوة اقتصادية فحسب، بل قوة ثقافية: -الأدب والموسيقى والمسرح العمالي يعكس تجربة العمال اليومية، ويحول المعاناة الفردية إلى قصة جماعية. -الثقافة المقاومة تكسر الصور النمطية التي يروجها النظام القائم، مثل تصوير الفقراء كضعفاء أو عالة على المجتمع. -الإنتاج الثقافي الشعبي يعزز التضامن، ويوحد الصفوف، ويشكل أرضية لإطلاق النشاط السياسي المنظم. مثال: الأغاني العمالية في أوروبا وأمريكا اللاتينية كانت وسيلة لتثقيف الجماهير، وتعزيز الروح الجماعية، وتحويل الاحتجاج الفردي إلى حركة جماعية متصلة.
5. التحديات المعاصرة للطبقة العاملة: الطبقة العاملة اليوم تواجه تحديات مركبة ومتعددة المستويات: -العولمة الاقتصادية: شركات عملاقة تتحكم في الأسواق، وتضغط على العمال لخفض الأجور وزيادة ساعات العمل. -التكنولوجيا والتحكم الرقمي: الاستبدال الآلي والرقمنة يهدد الوظائف التقليدية ويزيد التبعية للنخبة الاقتصادية. -التجزئة الاجتماعية والسياسية: الانقسامات داخل الطبقة العاملة وبين الفئات الاجتماعية تحد من القدرة على التنظيم الجماعي الموحد. -الفقر والبطالة: استمرار معدلات البطالة والفقر يعزز العجز الاجتماعي والسياسي، ويحول التركيز اليومي للبقاء على قيد الحياة إلى عائق أمام التفكير الاستراتيجي.
6. الطبقة العاملة كمحرك للتغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي: الطبقة العاملة ليست مجرد قوة اقتصادية، بل عمود أساسي لبناء مجتمع مقاوم ومستدام: -من خلال الوعي الطبقي والتنظيم الجماعي، يمكنها تحويل الألم اليومي إلى طاقة ثورية مستمرة. -الثقافة والفن الجماعي يعكسان القوة الاجتماعية، ويعملان كوسائل لنشر الوعي وتنظيم الجماهير. -عبر التحالف مع الشباب والفئات الشعبية الأخرى، تصبح الطبقة العاملة قوة قادرة على إعادة توزيع السلطة والموارد بشكل عادل. كما قال فريدريك إنجلز: "القوة ليست في امتلاك الأدوات، بل في القدرة على استخدامها لتحقيق التحرر الجماعي"، مما يوضح أن الطبقة العاملة هي المفتاح الفعلي لإحداث تحول شامل في المجتمع.
المحور العاشر: الشباب كمحرّك ثوري مستمر.
الشباب ليسوا مجرد شريحة عمرية عابرة في المجتمع، بل هم الشرارة الحية للطاقة الثورية، القوة المتجددة، وعمود المستقبل الاجتماعي والسياسي والثقافي. فهم يمثلون النقطة التي تتلاقى فيها الإمكانات الإبداعية، الطموح التغييري، والقدرة على المقاومة المنظمة، لتصبح لديهم القدرة على تحريك المجتمعات، قلب المعايير القائمة، وخلق بدائل شاملة ومستدامة.
1. الشباب والوعي النقدي: الشرارة الأولى للثورة: الوعي الشبابي يختلف عن الوعي التقليدي للكبار، لأنه نابض بالطاقة، بالفضول، وبالقدرة على المجازفة والفكر المستقل. هذا الوعي يشمل: -فهم علاقات القوة الاقتصادية والسياسية، وكيفية إعادة توزيعها لصالح الجماهير. -تحليل أسباب الفقر، البطالة، التخلف الاجتماعي، والقهر الثقافي والسياسي. -القدرة على التفكير النقدي، الذي يمكّنهم من التمييز بين المشاريع السطحية للمقاومة وبين الاستراتيجيات العميقة للتحرر. -مثال تاريخي: في "الثورات العربية" ، استطاع الشباب من خلال التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي نشر الوعي، تنظيم الاحتجاجات، وبناء شبكات دعم متكاملة، لم تكن ممكنة قبل عصر الإنترنت. هذا يظهر قدرة الشباب على استثمار الأدوات الحديثة في تحقيق تأثير اجتماعي وسياسي هائل.
2. الشباب كمقاوم ثقافي وفني: الشباب هم مصنع الثقافة المقاومة الجديدة. عبر الفن، الأدب، الموسيقى، والمسرح، يقومون بـ: -نقل تجربتهم اليومية ومعاناتهم إلى جماهير أوسع. -تحدي الصور النمطية التي يفرضها النظام عن الفقر، البطالة، والتبعية. -بناء هوية جماعية متماسكة، قادرة على حشد الطاقات المختلفة نحو مشروع تحرري مستمر. -أمثلة واقعية: شبان أمريكا اللاتينية في السبعينيات والثمانينيات استخدموا المسرح الشعبي والغناء السياسي كأدوات لمواجهة الأنظمة العسكرية، مؤكدين أن الثقافة أداة مقاومة لا تقل أهمية عن الإضرابات أو الاحتجاجات الجماعية.
3. الشباب والتنظيم الجماعي: القدرة على التنظيم هي ما يميز الشباب الثوري عن النشاط الفردي العابر. التنظيم يشمل: -الانخراط في النقابات، الجمعيات، والمبادرات الشعبية. -بناء تحالفات استراتيجية مع الطبقة العاملة والفئات الشعبية الأخرى. -المشاركة في إنتاج بدائل اقتصادية، تعليمية، وثقافية تقلل من تبعية المجتمع للنظام القائم. كما قال تروتسكي: "الثورة ليست مجرد فعل لحظة واحدة، بل سلسلة من التنظيم المستمر الذي يربط الأجيال بعضها ببعض". هذا يعكس أهمية الشباب في استدامة المقاومة وخلق استمرارية تحررية.
4. التحديات التي تواجه الشباب: على الرغم من إمكاناتهم، يواجه الشباب عدة تحديات: -القمع السياسي والقانوني: التشريعات والمراسيم التي تحد من حرية التعبير والتنظيم تعيق قدرتهم على التأثير الفعلي. -الفقر والبطالة: واقع اقتصادي قاسٍ يجعل التركيز على البقاء على قيد الحياة أولوية قبل الانخراط في المقاومة المستمرة. -التأثير السلبي للتكنولوجيا: الاستخدام السلبي للشبكات الاجتماعية يمكن أن يحوّل الشباب إلى متلقين سلبيين بدل أن يكونوا صناع التغيير.
5. استراتيجيات تعزيز دور الشباب: لتفعيل دور الشباب كثورة مستمرة، يجب التركيز على: -التعليم النقدي المستمر: تزويد الشباب بأدوات فهم الواقع، وتحليل هياكل السلطة والهيمنة. -المشاركة في التنظيم الجماعي: تشجيع الانخراط في النقابات والمبادرات الشعبية، لتصبح الطاقة الفردية قوة جماعية متواصلة. -إنتاج الثقافة المقاومة والفن الثوري: الموسيقى، المسرح، الأدب، والسينما كأدوات لنشر الوعي وتوحيد الصفوف. -بناء تحالفات استراتيجية مع الطبقة العاملة والفئات الشعبية: لضمان أن النشاط الشبابي ليس مجرد موجة عابرة، بل جزء من حركة متكاملة قادرة على التغيير الحقيقي.
6. الشباب كضمان لاستمرارية الثورة: الشباب ليسوا فقط محرك اللحظة الثورية، بل هم الضمان لاستمرارية المشروع التحرري عبر الأجيال. إذا تم تدريب الشباب على الوعي النقدي، التنظيم الجماعي، والمقاومة الثقافية والسياسية، فإنهم يصبحون القوة الحقيقية التي تضمن عدم عودة النظام الظالم، واستمرار مشروع التحرر الاجتماعي والاقتصادي والثقافي على المدى الطويل. مثال واقعي: بعد ثورات أوروبا وأمريكا اللاتينية، الشباب استمر في بناء الحركات النقابية والثقافية، مما أعاد إنتاج المقاومة ويمنع الهيمنة القديمة من العودة. كما قال فريدريك إنجلز: "الشباب هم المستقبل، وبدونهم لن يكتمل أي مشروع تحرري."
خاتمة :
في نهاية هذا التحليل العميق، يتضح أن الأنظمة القائمة لا تعتمد على آليات السيطرة الاقتصادية والسياسية فقط، بل تستخدم شبكة مترابطة من السلاح، المخدرات، والدواء، والفقر، والهيمنة الثقافية والاجتماعية، لضمان بقاء المجتمعات تحت السيطرة، وإدامة الاستغلال الطبقي، ومنع أي قوة شعبية من بناء مشروع تحرري حقيقي ومستدام. السلاح ليس فقط أداة للعنف المباشر، بل وسيلة لزرع الخوف، وإخضاع الجماهير، وتقييد قدرتهم على التنظيم والمقاومة. المخدرات تعمل على تخدير الوعي الاجتماعي، وإضعاف القدرة على التفكير النقدي، وتحويل الإنسان إلى مستهلك سلبي عاجز عن مواجهة القهر، بينما يتحول الدواء إلى سلعة اقتصادية تخدم النخبة وتزيد من تبعية الفئات الشعبية، بحيث يصبح الفقر الصحي أداة إضافية للهيمنة والاستغلال. الفقر، الذي يبدو أحيانا مجرد نقص في المال، هو في الحقيقة بنية اجتماعية معقدة، تعمل على إعادة إنتاج القهر، وإبقاء الإنسان تحت ضغط البقاء على قيد الحياة، مما يحد من قدرته على التنظيم، وتطوير وعي نقدي، والمشاركة في حركة مقاومة حقيقية. هذا الواقع يجعل الطبقة العاملة والشباب محورين لا غنى عنهما في أي مشروع تحرري، لأنهما القوة الحية التي يمكن أن تحوّل المعاناة اليومية إلى طاقة ثورية مستمرة، وتبني بدائل اقتصادية واجتماعية وسياسية حقيقية. الطبقة العاملة، بحمولتها اليومية من الألم والعمل والإنتاج، تحمل في طياتها القدرة على تحرير المجتمع من قيود الهيمنة الاقتصادية والسياسية، من خلال الوعي الطبقي والتنظيم الجماعي والمقاومة العملية والثقافية. فهي القادرة على استخدام إنتاجها اليومي كأداة استراتيجية لتحدي النخبة، وتحويل القوة الاقتصادية إلى قوة تحررية، مثلما فعلت الطبقات العاملة في الثورة الصناعية وأمريكا اللاتينية وأوروبا عبر النقابات والإضرابات والمبادرات التعاونية. الشباب، بدورهم، يمثلون الشرارة الحية للمقاومة، ومصدر التجديد والتفكير الإبداعي. قدرتهم على استخدام وسائل التواصل الحديثة، والفنون، والمسرح، والأدب، تجعلهم حاملين للوعي الجماعي، ووسيطًا بين الماضي والمستقبل، ومستدامي الثورة عبر الأجيال. كما أن التحالف الاستراتيجي بين الشباب والطبقة العاملة يمكن أن يخلق حركة مقاومة شاملة، متواصلة، قادرة على مواجهة كل أشكال القهر، وتحويل المجتمع من مجتمع مستهلك ومعتمد إلى مجتمع منتج، واع، ومقاوم. الثقافة والفن المقاوم هما العمود الفقري لهذه المقاومة، لأنهما يعملان على تعزيز الهوية الجماعية، كسر الصور النمطية، نشر الوعي، وتحفيز المشاركة الشعبية في كل أشكال النضال. الفن والثقافة ليسا مجرد وسائل ترفيه، بل أدوات استراتيجية لبناء قوة جماهيرية قادرة على تحدي النظم القائمة، واستعادة السيطرة على المصائر الفردية والجماعية. إن المقاومة الحقيقية ليست حدثا عابرا، بل سلسلة مستمرة من الأفعال الجماعية، تشمل الوعي، التنظيم، الثقافة، الفن، والفعل الاقتصادي والسياسي. وهي تتطلب استراتيجية متكاملة تربط بين الطبقة العاملة والشباب، بين الثقافة والفن، بين التعليم النقدي والمبادرات الشعبية، لتصبح قوة قادرة على التغيير الجذري والتحرر الشامل. كما قال تروتسكي: "الثورة ليست مجرد لحظة، بل سلسلة من الأفعال الجماعية المتواصلة." وهذه السلسلة، التي تتغذى من وعي الطبقة العاملة وحيوية الشباب، ومن المقاومة الثقافية والسياسية، هي الضمان الحقيقي لبناء مجتمع متحرر، عادل، ومتماسك، قادر على مواجهة كل أشكال القهر والاستغلال، وضمان الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية لجميع أفراده. في النهاية، يتضح أن الطريق للتحرر ليس سهلا، ولا يمكن اختصاره بالتحركات الفردية أو المبادرات العشوائية، بل يتطلب فعلا جماعيا منظما، مستمرا، واعيا، يستثمر كل موارد المجتمع البشرية والثقافية، ويبني شبكات مقاومة حقيقية تمتد عبر الزمن والمكان. ومن خلال هذا الفعل الجماعي، يمكن للإنسانية أن تتحرر من قيود القهر والاستغلال، وتعيد صياغة المستقبل على أسس العدالة والمساواة والحرية، بما يجعل كل فرد قادرا على أن يكون فاعلا في بناء مجتمع جديد، يتجاوز حدود السيطرة والنفوذ، ويؤسس لعالم يحكمه الوعي، التضامن، والمقاومة المشتركة.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل مقتضب للنرجسية الفردية و السّلطة والشعبوية.
-
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد ال
...
-
الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
-
الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
-
نقد الإبداع وإبداع النقد.
-
بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
-
اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا
...
-
قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني
...
-
11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
-
الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر
...
-
رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال
...
-
أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
-
البيروقراطية
-
السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
-
قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش
...
-
البناء القاعدي: من فكرة التحرر إلى أداة الهيمنة؟
-
الحداثة والظلامية: وجهان لعملة واحدة في مأزق التاريخ العربي.
-
ما بعد الجمهورية: زمن الوحوش أم زمن الاحتمال؟
-
الخديعة الأمريكية الكبرى: الإمبريالية وخراب فلسطين.
-
اليسار التونسي: بين الأمس الإيديولوجي واليوم السياسي.
المزيد.....
-
كولومبيا تطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية بعد اعتراض أسطو
...
-
تحليل لـCNN: لماذا يعد تعهد ترامب بالدفاع عن قطر -استثنائيا-
...
-
ما رد البيت الأبيض على سؤال عن استثمارات جاريد كوشنر مع دول
...
-
كيف دافع نتنياهو عن خطة ترامب بشأن غزة أمام المتشككين في حكو
...
-
ميتا ستستخدم قريبا محادثاتك مع روبوت الدردشة لبيع المنتجات
-
دراسة: الإشعاع أكثر أمانا من القسطرة في علاج اضطراب ضربات ال
...
-
+++التظاهرات الشبابية في المغرب تتجدد لليوم الخامس وسقوط قتي
...
-
دراسة: جرعة منخفضة من الإشعاع تخفف آلام التهاب المفاصل بأمان
...
-
تصويت الأسبوع المقبل على مذكرتين لحجب الثقة عن رئيسة المفوضي
...
-
محكمة في جنوب السودان توقف البث المباشر لوقائع محاكمة مشار
المزيد.....
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|