|
ما بعد الجمهورية: زمن الوحوش أم زمن الاحتمال؟
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 02:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
●.حين تَشيخُ الأوهام وتتعرّى الأشكال .
لم يكن سقوط الجمهوريات حدثا مدوّيا، بل كان انقراضا بطيئا يشبه اضمحلال الكواكب. لم يأتِ على ظهر دبابة، ولم يُعلن في بيان رقم 1، بل تمّ بصمت قاتل، من داخل المؤسّسات نفسها التي طالما تباهت بكونها "ديمقراطية" و"شعبية" و"جمهورية". في الواجهة، ما زالت الشعارات تُرفع، والانتخابات تُنظَّم، والمجالس تُعقَد، والدساتير تُقرأ في المدارس. لكن خلف الكواليس، تفكّكت الروح التي منحت الجمهورية معناها الأول: السيادة الشعبية، العدالة الاجتماعية، التوزيع العادل للثروات، المشاركة في القرار، والانتماء الجماعي إلى حلم وطني مشترك. إنّ "ما بعد الجمهورية" ليس مجرد لحظة سياسية، بل مأساة اجتماعية وفكرية، لا تعبّر فقط عن تحوّل في شكل الدولة، بل عن انهيار عميق في علاقة الناس بالوطن، بالمجتمع، بالسلطة، وبأنفسهم كمواطنين. لقد غادرت الجمهورية أجسادنا قبل أن تُسحب من مؤسساتنا، ماتت في الشوارع قبل أن تُدفن في القوانين. وما نحن بصدده اليوم، في تونس، كما في أغلب بلدان الجنوب، ليس أزمة عابرة، ولا انحرافا يمكن إصلاحه، بل هو نهاية مرحلة وبداية تَفسّخ شامل لما سُمّي بالجمهوريات الوطنية، التي لم تنجح في التحرّر لا من الهيمنة الإمبريالية، ولا من الطغيان الداخلي، ولا من قَدَر السوق. ما بعد الجمهورية هو الزمن الذي فيه تفقد الدولة روحها، ويضيع المواطن بوصلته، وتتآكل المؤسسات من الداخل، وتتحوّل الوطنية إلى واجهة تُستخدم لتبرير القمع أو التسوّل باسم السيادة. وما نعيشه ليس مجرد أزمة سياسية، بل أزمة عميقة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين الحاكم والمُحكوم، بين المؤسسات والوجدان الجمعي. فالجمهورية، بما هي عقد اجتماعي، تُفترض أن تكون القالب الذي تتماهى فيه الإرادة الشعبية مع سلطة القرار. لكن حين تتآكل هذه العلاقة، ويصبح الحكم قرارا فوقيا يُدار من خلف الستار، تدخل الدولة طور "ما بعد الجمهورية": حيث الشكل موجود، لكن الجوهر ميت
1. الجمهورية في المهد: الولادة المُجهضة لمشروع التحرر .
حين خرجت الجماهير العربية من نير الاستعمار، ظنّت أن الجمهورية ستكون البوابة إلى مستقبل أكثر عدالة وكرامة. كان الحلم كبيرا: سيادة وطنية، دولة اجتماعية، تعليم مجاني، أرض للفلاح، عمل للعاطلين، وصوت للمهمّشين. لكنّ ما حصل فعليا، هو أن الدولة الجديدة وُلدت على عجل، من رحم الصفقة لا الثورة، من أحشاء الأجهزة لا من رَحِم الشعب. في تونس مثلا، وُلدت الجمهورية سنة 1957 بعد إلغاء الملكية، لكنّ الذي وُلد لم يكن نظاما شعبيا قائما على توزيع السلطة والثروة، بل جهاز حكم مركزيّ شديد التسلّط، هندس مجتمعا من فوق، وفرض مشروعا تحديثيا نخبويا، قطع مع البُنى القديمة، دون أن يُنتج بُنى عادلة جديدة. "منذ البداية، أُقيمت الدولة الجديدة على رُكام مجتمع لم يُسمح له بأن يشارك في بنائها، بل فُرض عليه أن يتلقّى قراراتها كمُنحٍ من فوق." عبد السلام المسدي الجيش في مصر، الحزب الواحد في تونس، البعث في سوريا والعراق، جبهة التحرير في الجزائر... كلها مؤسسات تولّت "إدارة" مرحلة ما بعد الاستعمار، لكنها احتكرت التحرّر، واحتجزت السيادة، وحوّلت الاستقلال إلى رخصة دائمة للسلطة. لم يُبنَ الاقتصاد على قاعدة توزيع الثروات، بل على ما ورثته الدولة من الشركات الاستعمارية. لم يُبنَ التعليم على فلسفة التحرّر، بل على إعادة إنتاج النخب المُطيعة. لم تُبذل جهود جدية لتفكيك علاقات الهيمنة الاجتماعية التي رسّخها الاستعمار، بل تمّ استيعابها وإعادة إنتاجها داخل أجهزة الدولة الحديثة. وبالتالي، لم تكن جمهورياتنا منذ البدء سوى "ممالك مقنّعة" أو "عسكريات ناعمة"، اتخذت من الدستور قناعا، ومن الانتخابات شكلا، ومن التحرّر خطابا، دون أن تتحقق في جوهرها. "الجمهورية التي لم تُنجز ثورة، لن تُنجز عدالة." فرانز فانون
2. الجمهورية كواجهة بيروقراطية للحكم الطبقي.
مع مرور الزمن، بدأت "الدولة الوطنية" تُظهر وجهها الحقيقي: آلة بيروقراطية ضخمة تدير المجتمع باسم القانون، لكنها تُخضعه بمنطق الطاعة، وتُعيد إنتاج التفاوتات الاجتماعية باسم المصلحة الوطنية. في تونس مثلا، تمّ بناء طبقة بيروقراطية وسطى تتحكم في مفاصل القرار، تتكوّن من كبار الموظفين، مديري المؤسسات العمومية، الأمنيين، وجزء من النخب الأكاديمية والإعلامية، وشكلت هذه الطبقة "حزام أمان" سياسيا واجتماعيا للسلطة، تمكّنت عبره من عزل الشعب عن أدوات القرار. الجمهورية كانت تُدار من مكاتب مكيّفة، لا من الساحات العمومية. تحوّلت الدولة إلى أداة ضبط اجتماعي، لا إلى رافعة تحرير. وتمّ تفريغ المواطنة من بعدها التحرّري، ليُختزل المواطن إلى "رَقْم إداري" أو "مُستهلك للسياسات"، يُستدعى فقط خلال الانتخابات، أو حين يكون مطلوبا منه الصمت. في قطاع التعليم مثلا، تمّ تعميم البرامج، لكن لا لتأمين التحرّر الفكري، بل لإنتاج يد عاملة قابلة للاستغلال ضمن السوق الوطنية والعالمية. التعليم الذي وُعد بأنه سلّم الارتقاء الاجتماعي، صار في الحقيقة أداة فرز طبقي رهيبة. فالأحياء الراقية تُخرّج قضاة ومهندسين، والجهات المهمشة تُخرّج عاطلين عن العمل أو حشودا مكسورة على أبواب الهجرة غير النظامية. في الصحة، نفس الشيء: وُضعت المستشفيات في الجبال، لكنها بلا أطباء ولا تجهيزات. وُعِد الفقراء بالعلاج المجاني، لكنهم يُرسَلون إلى الموت المجاني. وفي كل هذا، كانت الجمهورية تحافظ على شكلها القانوني البراق، بينما تترسّخ داخلها بنية طبقية استغلالية صلبة، تتوارث فيها العائلات والجهات والنخب سلطة القرار والثروة. الدولة صارت نادٍ مغلق، لا بطاقة دخول إليه إلا بالنسب أو النفوذ أو الصمت. ولأن السلطة فقدت بعدها التمثيلي، استعاضت عنه بالأمن، فتمّ تضخيم وزارة الداخلية، وتوسيع صلاحيات البوليس، وتجريم الاحتجاج، وتجفيف النقابات، ومطاردة الحركات الشعبية. وهكذا تحوّلت الجمهورية إلى "حالة طوارئ دائمة"، تُعلنها دون مرسوم، وتُمارسها دون مساءلة.
3. ما بعد الجمهورية: حين يتكلّس الشكل ويتعفّن الجوهر .
في زمن ما بعد الجمهورية، لا تسقط الدولة، بل تُفرَّغ. تبقى الوزارات، تبقى الانتخابات، تبقى نشرات الأخبار تتحدث عن "تقدّم"، عن "إنجازات"، عن "مشاريع كبرى"، لكن في العمق، تكون البلاد قد انزلقت إلى مستوى آخر من الانهيار: انهيار في الثقة، في التمثيل، في الحلم، في القدرة على الحلم. يتجلى ذلك في كل شقوق الحياة اليومية: الدولة تتكلّم بلغة القانون، لكنها لا تملك سيادة على قرارها الاقتصادي. تشرّع البرلمان قوانين، لكنها تصاغ تحت أعين المؤسسات المالية الدولية. يتحدث السياسيون عن "الحوكمة"، و"النجاعة"، و"التحول الرقمي"، بينما يموت الفقراء في الطوابير، ويُطرد الشباب من المدارس، وتُنهب الأراضي بأسماء الخصخصة والاستثمار. ما بعد الجمهورية ليس غياب الدولة، بل وجودها كآلة دون روح. ماكينة قانونية بدون مشروع وطني. في هذا الزمن، المواطن يُحوَّل إلى "مستخدم" في علاقة زبائنية مع الدولة، لا يُطالب بحقوقه كمواطن، بل كـ"حريف". الطالب يُقوَّم بنقاط السوق، العامل يُستغَل تحت غطاء "العقد المؤقت"، الفلاح يُطرد من أرضه باسم التنمية، والعاطل يُلام لأنه لم "يخلق فرصته". كل أدوات الحكم تُستخدم لإخفاء الحقيقة العارية: أنّ الجمهورية لم تعد تحكم باسم الشعب، بل ضدّه. لم تعد إطارا جامعا، بل جهاز فرز طبقي يومي. "حين يتحوّل الدستور إلى ملصق، والبرلمان إلى مسرح، والوزير إلى ناطق باسم المقرضين، نكون قد دخلنا زمن ما بعد الجمهورية." نزيه عبد الحميد
4. تفكّك الدولة وتذرّر المجتمع: من الوحدة إلى الشظايا .
ما بعد الجمهورية هو أيضا تفكّك اجتماعي رهيب. فحين تفقد الدولة دورها كمعبّر عن الكل، يبدأ المجتمع بالانقسام إلى هويات متناحرة، وجهات متباعدة، وطبقات معزولة، وفئات مهمّشة تُحاول النجاة بوسائلها الخاصة. كل فئة تعيش في جزيرتها: الطبقة الوسطى القديمة، التي كانت ترى في الجمهورية أداة للترقّي، تآكلت وتراجعت، وتحولت إلى كتلة خائفة، تبحث عن الخلاص الفردي. البرجوازية الجديدة، المتحالفة مع المال الدولي، أعادت تعريف الوطنية بمنطق الربح والخسارة. الشباب المهمّش، الفاقد للأمل، يتحوّل إما إلى طاقة غضب لا تُحتمل، أو إلى مهاجر يبحث عن وطن بديل. الجهات الداخلية، بعد أن فشلت الجمهورية في إدماجها، صارت تعتبر نفسها خارج الدولة، وخارج التاريخ. لم تعد هناك سردية وطنية مشتركة. صار الوطن نفسه محلّ شك. من نحن؟ وإلى من ننتمي؟ وما الدولة؟ وما الذي يجعلنا "جمهوريين" غير بطاقة تعريف صمّاء؟ "حين يسقط الحلم المشترك، يبدأ كل فرد في بناء قوقعته، وكل جهة في رفع سورها، وكل طبقة في حماية امتيازاتها بالسلاح أو بالمال أو بالصمت." رزان الزعيتر، ناشطة أردنية في زمن ما بعد الجمهورية، تغيب السياسة وتحلّ محلها التقنية. لا نناقش العدالة، بل "النجاعة". لا نحاسب الدولة على فشلها في حماية العمال، بل نلوم العامل لأنه لم "يواكب السوق". وهكذا، تتحول السياسة إلى إدارة أزمات، والحكم إلى تقنية، والشعب إلى رقم، والمستقبل إلى احتمال مستحيل.
5. ما بعد الجمهورية: جمهورية مضادّة لا تُحكم بل تُدار .
في مرحلة "ما بعد الجمهورية"، لم تنهار الدولة، بل استمرّت في الوجود كقالب مؤسساتي فارغ يُعيد إنتاج نفسه عبر الروتين، والمرسوم، والتقنية. لكنّ ما تغير بشكل جوهري هو الوظيفة السياسية لهذه الدولة: لم تعد حَكَما اجتماعيا، بل طرفا طبقيا في صراع مفتوح تُدار فيه المجتمعات، لا تُحكم، وتُسَيّر لا تُقود. الجمهورية، كما تعرّفها النظرية السياسية الكلاسيكية، تقوم على ثلاث ركائز: سيادة الشعب. الفصل بين السلطات. تمثيل الإرادة العامة. لكن في ما نعيشه اليوم، تحوّلت هذه الركائز إلى أوهام مُدارة عبر بيروقراطيات تحمي مصالح القلة. فـ"سيادة الشعب" أصبحت مشروطة بموافقة صندوق النقد، و"السلطات" اندمجت في خدمة رأس المال، و"الإرادة العامة" تُشكّلها شركات سبر الآراء وقنوات التمويل السياسي. "الديمقراطية التمثيلية ماتت، لكنها تواصل الحديث." تيري إيغلتون البرلمان الذي كان يُفترض أن يكون صوت الشعب، تحوّل إلى نادٍ ضيق للنخب، تُدار فيه المصالح مثل الأسهم. الأحزاب، عوض أن تعبّر عن الطبقات والفئات الشعبية، أصبحت وسائط لإعادة تدوير السلطة. والدستور، الذي كان يُفترض أن يكون تجسيدا لإرادة جمعية، صار أداة تقنية تُستخدم حسب الحاجة، أو يتمّ تعليقه بحجج واهية مثل "الاستثناء"، أو "حالة الطوارئ"، أو "المصلحة العليا للدولة". لقد تحوّلت الجمهورية إلى جمهورية مضادّة ، تحافظ على مظهرها القديم، لكنها تقوم فعليا بعكس ما وُجدت من أجله. تُنظم الانتخابات، لكن دون بدائل حقيقية. يُفتح الإعلام، لكن يُملّك لرأس المال أو يُكمّم حين يُهدد السردية الرسمية. يُعلن الاستقلال، لكن القرار الاقتصادي يُؤخذ في بروكسيل أو واشنطن أو في دفاتر شروط المؤسسات المانحة. حين تُنظّم الدولة الانتخابات لتُعيد إنتاج نفس الحاكمين، فإنّها لا تحكم، بل تُشرف على عملية تدوير النفايات السياسية. وهنا تظهر السلطوية الجديدة: ليست سلطة عسكرية صريحة، بل إدارة ناعمة، تكنوقراطية، لا تُظهر وجهها، لكنها تتحكم في كل شيء من خلف ستار الأرقام والموازنات والتقارير التقنية. نحن في عصر "الحكم بلا سياسة، والسلطة بلا مساءلة". وهذا أخطر من الديكتاتورية، لأنّ القمع الصامت لا يُرَى، ويُمرَّر من خلال الإعلام، والقانون، و"الاختيارات الاقتصادية الضرورية". وهكذا، تصبح الجمهورية المضادّة سجنا مفتوحا: الناس أحرار على الورق، لكنّهم مكبّلون بالديون، بالبطالة، بالفساد، بالخوف، بالعجز.
6. ما العمل؟ نحو جمهورية اجتماعية شعبية من الأسفل .
أمام هذا التصدّع العميق، لا يكفي أن نُطالب بإصلاحات شكلية، أو بعودة "الديمقراطية" التي لم تشتغل أصلا. ما نحتاجه هو إعادة تأسيس الجمهورية من جديد، لا كإجراء سياسي، بل كمشروع شعبي جذري يغيّر مضمون الدولة ويقلب علاقتها بالمجتمع. الجمهورية الحقيقية لا تبدأ بالدستور، بل تبدأ بتوزيع الثروة، وباستعادة القرار الاقتصادي، وبالتحرّر من منطق السوق، وبإعادة السلطة للشعب، لا للنخب. إنّ المشروع الجمهوري الأصيل لا يمكن أن يتحقق دون عدالة طبقية، ودون قطيعة مع التبعية، ودون بناء أدوات ديمقراطية قاعدية من الأسفل. "لا يمكننا الحديث عن حرية سياسية، بينما الأغلبية مقموعة بالجوع. لا ديمقراطية دون اشتراكية، ولا سيادة دون سيطرة شعبية على الثروات." جيفارا ماذا يعني ذلك عمليا؟: -استرجاع الدولة من السوق: عبر وقف الخصخصة، وتوسيع القطاع العمومي، وربط التخطيط الاقتصادي بالحاجات الاجتماعية لا بمعدلات النمو الوهمية. -تأسيس اقتصاد شعبي تشاركي: يُدار من طرف المجتمعات المحلية، النقابات، التعاونيّات، والمجالس الشعبية، لا من مكاتب البنك المركزي أو غرف رجال الأعمال. -تحويل الدولة من جهاز ضبط إلى أداة تحرير: بإلغاء القوانين الزجرية، وتقليص دور الأمن، وتوسيع المشاركة القاعدية في البلديات والمؤسسات العمومية. -تأميم الثروات الكبرى: من الفسفاط، إلى الطاقة، إلى المياه، إلى الأراضي، باعتبارها ملكا جماعيا لا يُمكن المتاجرة به. -إعادة بناء المدرسة العمومية كمصنع للوعي النقدي لا كمدجنة لسوق الشغل. ولن يتحقق ذلك من فوق، بل بصراع طبقي مفتوح، تُخاض فيه المعركة في الشارع، وفي المزرعة، وفي المعمل، وفي الجامعة، وفي النقابة. الجمهورية القادمة لن تأتي من "مبادرة رئاسية"، ولا من "طاولة حوار"، بل من جبهات المقاومة الشعبية، من انتفاضات الجوع، ومن حناجر المهمّشين، ومن تنظيم القواعد خارج الأطر الرسمية. "الشعب لا يُمنح السيادة... الشعب ينتزعها." فلاديمير لينين لذلك، ما العمل؟: ليس إصلاح الجمهورية. بل تغييرها من الجذور، وإعادة بنائها كأداة تحرر طبقي، لا كواجهة لاستدامة الظلم.
7.نهاية الدولة الاجتماعية: الجمهورية التي رفعت شعار السيادة الشعبية لم تحمِ السيادة الاجتماعية.
حين نتحدث عن انهيار الجمهورية، فإننا لا نتحدث فقط عن انهيار مؤسسات أو عن فشلٍ في البنى السياسية التمثيلية، بل عن شيء أكثر خطورة وأعمق جرحا: تفكّك العقد الاجتماعي نفسه. لم تكن الجمهورية مجرد هندسة دستورية، بل كانت وعودا كبرى بالعدالة والمساواة، وضمان الحقوق الأساسية لكل المواطنين، لا سيما الحق في العمل، في الصحة، في التعليم، في الكرامة، وفي الحماية من تقلبات السوق. لكن هذه الوعود، بمرور الوقت، تحولت إلى وثائق أرشيفية معلّقة على الجدران أو محفوظة في كتب القانون. لقد كانت الدولة الاجتماعية إحدى أبرز إنجازات القرن العشرين، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، حين اضطرت الأنظمة الحاكمة إلى التخفيف من التفاوت الاجتماعي والتنموي كي لا تلد الأزمة النازية من رحم الفقر مجددا. في تونس، وُعد الشعب في لحظة الاستقلال بتجسيد شكل من أشكال هذه الدولة الاجتماعية، ولو بملامح معتدلة، تضمن له حقّ النفاذ إلى التعليم، العلاج، والسكن. لكن مع صعود الليبرالية الجديدة في ثمانينات القرن الماضي، تمّ تفكيك هذه الدولة قطعة قطعة، وبيعت مؤسساتها على مذابح الخصخصة، تحت يافطة "الإصلاحات الضرورية". أصبحت الدولة التي من المفترض أن تكون راعية للطبقات الشعبية، تتحول تدريجيا إلى أداة قمع لها حين تطالب بحقوقها. لم تعد الدولة تضمن الخبز، بل أصبحت تلاحق من يطالب به. لم تعد توفّر التعليم، بل تدفع الأسر الفقيرة إلى بيع أثاثها كي تدفع أقساط المدارس الخاصة. لم تعد توفر الصحة المجانية، بل بات الفقير يُترك في طابور الموت بمستشفى عمومي متهالك بينما الوزير يُعالج في مصحة أوروبية. يقول المفكر الفرنسي بيير بورديو: "الدولة التي تتخلى عن مسؤولياتها الاجتماعية، تفقد شرعيتها الرمزية قبل السياسية". في هذا السياق، يمكن فهم كيف أن الجمهورية، التي نُصبت كأفق للعدالة الاجتماعية، أصبحت عاجزة حتى عن الإيهام بذلك. إنها دولة مخصخصة، مفككة، تائهة بين نزعات بوليسية ومؤسسات بيروقراطية غير منتجة. والمفارقة المرّة أن خطاب "إعادة هيبة الدولة"، الذي يُرفع اليوم، لا يعني أبدا إعادة بناء دولة اجتماعية حامية، بل يعني بالأحرى إعادة ترميم جهازها القمعي، ومضاعفة الحواجز بين السلطة والناس. دولة بلا عدالة، بلا خدمات، بلا مساءلة… فقط بقبضة أمنية.
8.موت العقد الجمهوري: من "شعب المواطنين" إلى "شعب المطيعين" .
في الأسطورة السياسية للجمهورية، كان المواطن هو النواة المركزية للسلطة: يشارك، يقرر، يُحاسب، يثور إن لزم الأمر. لكن هذا المواطن، كما كان يُراد له أن يوجد، لم يعد إلا ظلّا باهتا في مجتمعات تم تفريغها من الفعل السياسي، وتحويلها إلى حشود مستهلكة، خائفة، ومجردة من أدوات الفهم والنقد. ما حدث ليس مجرد "أزمة سياسية" عابرة، بل "موت للعقد الجمهوري". هذا العقد، الذي بُني على مساواة نظرية أمام القانون، وعدالة اجتماعية، وحرية تعبير، انتهكته الأنظمة المتعاقبة مرة تلو الأخرى، إلى أن فقد الناس أي ثقة في مفهوم الجمهورية ذاته. انتقلنا من فكرة "المواطن الناقد" إلى "الرعية الصامتة"، ومن "السيادة الشعبية" إلى "الطاعة الوطنية". في الأصل، كان العقد الجمهوري يشترط شروطا واضحة: أن تضمن الدولة الحريات مقابل احترام القانون، وأن تُوفر العدالة الاجتماعية مقابل الالتزام الضريبي، وأن تحترم الاختيارات السياسية للمواطنين مقابل أن يُحترم التداول على السلطة. لكن هذه الشروط خُرقت بالكامل، وأُفرغت من مضمونها. أصبح المواطن يدفع الضرائب دون أن ينال شيئا مقابلها، يُستدعى فقط حين الانتخابات كي يُمنح الوهم، ثم يُعاد إلى الخواء. قال المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: "حين يصبح العقد الاجتماعي حبلا لخنق الطبقات الكادحة، فإنه لم يعد عقدا بل قيدا". وهذا ما حدث بالضبط. لقد تم تشويه معنى المواطنة وتحويلها إلى مجرد حالة قانونية فارغة، بلا مضمون سياسي أو اجتماعي. بل إن النظام جعل من المواطن "مدينا أبديا" للدولة، لا مستحقا لحقوق، بل متهما دوما بالتقصير، في الوطنية، في الأداء، في الانضباط. إننا نعيش اليوم في ظل "جمهورية التأديب"، لا "جمهورية الحقوق". أمام هذا الانهيار، من الطبيعي أن ينمو التمرد الصامت، وتتفجر نزعات الهروب، إما نحو البحر (الهجرة) أو نحو الذات (الانغلاق)، أو نحو الغيب (التطرف الديني). هذه ليست أزمات أخلاقية، بل ارتجاجات في جدار العقد الجمهوري المتصدع.
9. من شعار الجمهورية إلى قناع الدولة – حين غطّت الرمزية على المضمون.
لم يكن شعار "الجمهورية" في تونس – منذ إعلانه في 25 جويلية 1957 – سوى واجهة لفظية لمعمار سلطوي شديد المركزية، قام على تحييد المجتمع، وتدجين مؤسساته، وزرع الخوف في أعماقه. لقد تحوّل هذا الشعار، بمرور الوقت، إلى ما يشبه القناع السياسي الذي يغطّي وجها متسلطا، لا ديمقراطيا، ولا جمهوريا بالمعنى الذي بشّرت به الفلسفة السياسية الحديثة. ما لبثت الجمهورية التونسية أن تحوّلت إلى مجرّد لوحة معدنية معلقة على جدار وزارات القمع. صارت "الجمهورية" كلمة تُذكر في الافتتاحيات وتُحذف من الواقع. يقول الفيلسوف ميشال فوكو: "السلطة لا تحتاج إلى مبررات إن امتلكت الرموز"، وهكذا بالضبط تحوّلت الجمهورية إلى رمز فارغ، يغطي هيمنة الحزب الواحد، ثم استبداد الرأسمالية التابعة، ثم ديكتاتورية الأزمات الاقتصادية. فأين هي الجمهورية حين تُفرغ النقابات من معناها، وتُزجّ بالأجساد في السجون لمجرّد معارضة خطاب رسمي؟ وأين هي حين تصير السياسات العمومية رهينة لتعليمات صندوق النقد الدولي، وتُختزل السيادة في تمرير الميزانيات؟ بل أين هي حين تصبح أجهزة الدولة مجرّد أذرع لمحاسيب المنظومة، ومنابر الإعلام أبواقا للرداءة؟ لقد انحرفت الجمهورية، شيئا فشيئا، من مشروع تحرر شعبي قائم على السيادة والمساواة والعدالة الاجتماعية، إلى مجرّد لغة خشبية تُستخدم لتبرير الخيارات الليبرالية الوحشية، أو لتغليف القمع بخطاب المؤسسات. كما يقول المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي: "حين تعجز الدولة عن تحقيق وعودها، تتحوّل اللغة إلى أداة للخداع". وهكذا، كلما اشتد فشل النظام، ارتفعت الأصوات تتغنّى بالجمهورية، لا لكي تُنقذها، بل لكي تُبرّر بها استمرار نفس النظام، في ثوب "جمهوري" مزيف.
10. نداءات الترميم... حين تتحوّل "الجمهورية" إلى مشروع تقني بلا شعب.
في كل أزمة تهزّ النظام السياسي في تونس، يتعالى النداء القديم الجديد: "يجب إصلاح الجمهورية"، أو "علينا ترميم مؤسساتها". لكن هذه النداءات، في جوهرها، لم تكن سوى محاولات لترقيع ثوب مهترئ دون المساس بجوهر الانقسام الطبقي أو بنية السلطة. فما معنى ترميم "جمهورية" لم تُبنَ يوما على إرادة الشعب؟ ما معنى إصلاح دولة تأسست على حكم النخب واحتقار العمّال والكادحين والمهمّشين؟ لقد خُدِع الشعب مرارا بأوهام الإصلاح، وتحوّلت "اللجان" و"الهيئات" و"مبادرات الحوار" إلى أدوات لدفن المطالب الاجتماعية تحت ركام "الإجماع"، وكأنّ الصراع الطبقي ترف فكري، أو كأنّ الفقراء لا صوت لهم في "الجمهورية". في الحقيقة، كما يعبّر روزا لوكسمبورغ: "حين يُطلب من المظلومين أن يختاروا بين الجوع والصمت، فلا معنى للحديث عن إصلاح". أين الشعب في ما يُسمى بـ"إصلاح القضاء" إذا ظلّ قضاء الأغنياء قائما؟ وأين هو في "إصلاح المنظومة السياسية" إن كانت نفس الوجوه والدوائر المالية هي التي تقرّر المصير؟ أيّ إصلاح ممكن في غياب المساواة الاقتصادية؟ وكيف نتحدث عن جمهوريتنا بينما التعليم العمومي يُحتضر، والصحة العمومية تُنهب، والعمال يُسحقون ؟ ترميم الجمهورية من داخل المنظومة التي خربتها، يشبه محاولة إنقاذ السفينة عبر ثقب جديد في بدنها. هو وهم مريح للنخب، وكارثة دائمة للشعب. إن تجاوز هذا الوضع لا يكون عبر الإصلاحات التجميلية، بل عبر قطيعة ثورية مع المنظومة، تعيد تأسيس الجمهورية على أسس جديدة: جمهورية الشعب، لا جمهورية رأس المال. جمهورية تنتصر للعدالة الاجتماعية، لا للتوازنات المالية. جمهورية تفتح باب القرار لمن ينتجون الثروة، لا لمن يحتكرونها.
11. حين تُصبح الدولة حارسة للخراب لا الحلم.
حين تتحوّل الدولة، بكل أجهزتها، من راعية للعدالة إلى راعية لمصالح قِلّة ضئيلة، فإنّها تنقلب من مشروع جماعيّ إلى آلة لقمع الجماعة. الجمهورية، في أصلها، حلم جمعيّ تجتمع فيه إرادة الأفراد على فكرة التعايش العادل والمساواة في الحقوق والكرامة. لكن ما نشهده اليوم ليس استمرارا لهذا الحلم، بل نقيضه التام: دولة تحرس الخراب، وتقف على أطلال التعليم العمومي المنهار، والصحة العمومية المتعفّنة، والأرياف المهجورة، والمدن المتآكلة بالبطالة والمخدّرات. الدولة التي تُدار اليوم وكأنها شركة خاصّة، لا ترى في المواطن سوى رقم في معادلة الربح والخسارة. تتخلّى عن مسؤولياتها في الرعاية والتوزيع العادل، لتتحوّل إلى وكيل للدوائر المالية العالمية، تُمرّر قوانين التقشف، وتُحاصر النقابات، وتُعادي الفقراء. بتعبير روزا لوكسمبورغ: "كل دولة ليست سوى جهاز قمع في يد الطبقة السائدة." الدولة الجديدة لا تبني مستشفيات بل تبني سجونا، لا تُنشئ معاهد بل تُغلق المدارس الريفية، لا تدعم الفلاح بل تدعم المستورد، لا تحاور المعلمين بل تقمعهم، ولا تسمع للعاطلين بل تضعهم في خانة "الخطر الداهم". بهذا المعنى، تُصبح الدولة حارسة للخراب، تخاف من أحلام الناس، وتحاصر طموحاتهم بالبيروقراطية والتهميش والعقوبات. إنّ ما نراه اليوم ليس دولة تنهار، بل دولة تتقن فنّ إدارة الانهيار. دولة تُبقي الخراب في مستوى لا يُثير الثورة، وتُفرّق بين الطبقات بنجاعة مذهلة، حتى يبقى الفقراء حطبا لصراع البقاء، لا للكرامة.
12. ما بعد الجمهورية: حين يُصبح المواطن فائضًا عن الحاجة.
في صلب مفهوم "ما بعد الجمهورية"، يتبدّى مشهد مواطنٍ لم يعُد في حاجة إليه أحد. لا الدولة تريده، ولا السوق تستوعبه، ولا المشروع الوطني يشمله. يصبح فائضا عن الحاجة، عالة على المنظومة، رقما غير منتج في منطق الاقتصاد النيوليبرالي. لا يستهلك بما يكفي، ولا يُنتج بما يلزم. فيُدفع به إلى هامش الحياة، حيث يقيم المتسوّلون، والمهاجرون غير النظاميين، وأبناء المناطق المهمّشة الذين يموتون بصمت على أبواب المستشفيات أو في قوارب الموت. هذا المواطن ليس "العدو" التقليدي للدولة، بل هو الغائب، المُهَمَّش، المنسي. مثله كمثل من كتب عنهم فرانتز فانون: "إنّهم غير المرئيين، أولئك الذين لا يُحسب لهم حساب، إلا حين يحتجّون." في لحظة الاحتجاج فقط، يُستدعى البوليس، لا الحوار؛ تُستدعى القوانين، لا السياسات. "ما بعد الجمهورية" هي المرحلة التي يُصبح فيها المواطن غير ذي جدوى، تماما كما تُصبح القيم الجمهورية مجرّد لافتة زُيّنت بها أنقاض وطن. المواطن فيها لا يُسأل عن رأيه، ولا يُدعى للمشاركة، بل يُستَخدَم فقط كمبرّر لقرارات اتُّخذت باسمه دون علمه. يُدعى للانتخاب، لا للاختيار؛ يُطلَب منه الولاء، لا النقد. ولعل أخطر ما في هذا المشهد، أنّ المواطن يبدأ هو ذاته في تصديق خرافة عدم جَدواه، فيُقنع نفسه بأن لا مكان له، وأنّ مصيره الوحيد هو الهروب: إلى الخارج، أو إلى المخدرات، أو إلى الدين المتشدّد، أو إلى العدم. وهكذا، تُصبح الديمقراطية جثّة بلا نبض، ويُصبح الشعب جمهورا يشاهد نهايته على شاشة الوطن.
13. من الانفصال عن الدولة إلى العدمية السياسية: حين يصير المواطن بلا سياسة ولا دولة.
لم يعد المواطن في الدولة "ما بعد الجمهورية" يشعر بأنه ينتمي فعليا إلى نظام سياسي يُمثّله أو يُخاطبه أو يراعي وجوده. لقد طُرد من المجال العمومي طردا ناعما، حتى وهو يدلي بصوته في الانتخابات، فإنه يفعل ذلك كمن يوقّع على ورقة طلاق لا عودة فيها. ليس لأنه لا يفهم اللعبة الديمقراطية، بل لأنه بات يفهمها أكثر من اللازم: يعرف أن مخرجات الصناديق لا تصنع الفارق ما دامت السياسات الاقتصادية والاجتماعية تُكتب في مكاتب مؤسسات مالية دولية، لا في قاعات برلمان وطني. في هذا السياق، تتحوّل السياسة من أداة تحرّر إلى طقس عبثي، وتُصبح صناديق الاقتراع مجرد ديكور للشرعية. هكذا يُولد العدم السياسي، حين يفقد المواطن ثقته لا في الأشخاص فقط، بل في الفكرة نفسها: فكرة السياسة. وإذا كانت السياسة، كما يقول الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبن، "هي الاسم الآخر للحياة المشتركة"، فإن العدم السياسي هو انكفاء الفرد على ذاته في عزلة كاملة، لا تثق في الجماعة، ولا في الفعل الجماعي، ولا حتى في التغيير. وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لصعود أشكال مشوهة من التعبير السياسي: الفردانية المتطرفة، نظريات المؤامرة، العبث التآمري، والحنين المرضي إلى "يد من حديد" تنقذ ما تبقّى من وهم الدولة. ما بعد الجمهورية إذن هو لحظة العدم السياسي، لا لأن الناس كفروا بالسلطة، بل لأنهم فقدوا إيمانهم حتى بإمكانية وجود سلطة تختلف. وهي ذروة الأزمة السياسية: أن يصير المواطن بلا سياسة، وبلا حلم، وبلا أفق.
14. العدالة كأمل مؤجل: حين تتآكل السلطة القضائية وتتهاوى الثقة في القانون.
في الدولة الجمهورية، لطالما كانت العدالة تُقدّم بوصفها الركن الأساسي للدولة الحديثة، والمقياس الذي يُفرّق بين "النظام" و"الفوضى". لكن ما بعد الجمهورية هو لحظة سقوط القناع عن هذه العدالة، لحظة الانكشاف المرير، حين يرى المواطن أنّ القوانين لم تعد تُكتب لحمايته بل لحماية الأقوياء منه، وأنّ القضاء لم يعد سلطة مستقلة بل وظيفة خاضعة لميزان القوى. إنّ تفكّك الثقة في المؤسسة القضائية لا يتمّ بين ليلة وضحاها، بل هو ثمرة تراكمات طويلة من التدخلات، الإملاءات، والإفلات من العقاب. وحين يصير القضاء مجرّد ملحق تنفيذي لإرادة السلطة أو وسيلة تصفية سياسية، فإن المواطن لا يرى فيه إلا صورة مشوهة للعدالة، تشبه ما قاله "فرانز كافكا" في روايته القضية: "القانون يقف هناك، ضخما، غامضا، بعيدا، ولا سبيل للدخول إليه". في هذه اللحظة، لا يعود المواطن يطلب العدل، بل يتجنّب القانون. لا يعود يلجأ للمحكمة، بل يهرب منها. ويبدأ يتعامل مع فكرة العدالة كأمل مؤجل، لا كمؤسسة قائمة. وهنا تكمن الخطورة القصوى: حين يصبح القانون بلا روح، والمؤسسات بلا ضمير، ويصير العدل مؤجلا إلى أجل غير مسمّى. ومن هنا نفهم كيف تنشأ حالات العدالة الموازية: "العدالة الشعبية"، "الثأر"، "التشهير الرقمي"، وحتى "عدالة السوق" التي تحكم الناس حسب قدرتهم على الدفع لا حسب حقهم في الحياة الكريمة. ولعل ما قاله المؤرّخ التونسي عبد الجليل بوقرة، في وصفه لانهيار الدولة الحديثة في بعدها القانوني، يلخص المأساة: "حين يفقد القانون احترامه، يفقد الناس احترامهم لبعضهم البعض. وتسقط الجمهورية لا بانقلاب عسكري، بل بانهيار صامت يبدأ من قاعة المحكمة".
15. من جمهورية الشهداء إلى دولة المراقبة: تحوّلات العنف الرمزي.
لم تعد الدولة التونسية في ما بعد الجمهورية تعتمد فقط على عنفها المادي الصلب، بل استبطنَت نماذج جديدة من العنف الرمزي الناعم، الذي بات يمارس بوسائل أشد إيلاما من الرصاص والهراوات: مراقبة دائمة، ترهيب ناعم، محاصرة اجتماعية واقتصادية للمعارضين، واحتكار للمعنى واللغة والخطاب. انتقلت السلطة من التجسّد في صورة البوليس إلى التجسّد في البثّ المتواصل لـ"المعنى الواحد"، ولتأميم التفكير ذاته. لم تعد "جمهورية الشهداء" سوى شعار فارغ يتكرّر في المناسبات الرسمية، أما الواقع فهو دولة تراقب الجميع، تُصنّفهم، وتقرّر عنهم، وتستعمل التكنولوجيات الحديثة (الكاميرات، الذكاء الاصطناعي، تقنيات التعرف على الوجوه، التصنت، تحليل البيانات) لترسيخ رقابة كلية لا تترك هامشا للحياة الخاصّة ولا للرأي الحرّ. فالمواطن في ما بعد الجمهورية هو "موضوع مشبوه دائما"، يُفترض فيه الجرم حتى يثبت العكس، وتُختزل حقوقه في مجرّد شعارات دستورية لا أثر لها في أرض الواقع. يصف الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو هذا النمط من السلطة في كتابه "المراقبة والمعاقبة" بقوله: "لم تعد السلطة تُمارس بالقتل، بل تُمارس بإدارتك وإدخالِك في نسقٍ يُعيد تشكيلك." وبالفعل، فإن ما يحدث اليوم في تونس هو شكل مستحدث من السلطة، لا تسحق الجسد بالضرورة، بل تستبيح الوعي وتعيد تشكيله داخل منظومة إعلامية وتعليمية وثقافية موالية، تُحوّل المواطن إلى تابع، وتُعيد صياغة الفرد وفق نموذج المواطن "الآمن"، أي الصامت، المطيع، المستسلم. هكذا، نكون قد انتقلنا من "الدولة الوطنية" إلى "الدولة الأمنية"، ومن "السيادة الشعبية" إلى "الهندسة المجتمعية". وتكمن الخطورة في أن هذا النمط الجديد من العنف غير مرئي، غير مباشر، وغالبا ما يُقدَّم بوصفه "ضرورة لحماية البلاد من الفوضى" أو "وسيلة لضمان الاستقرار"، وهي نفس الحجج التي استعملها نظام بن علي، لكنها اليوم تتغذّى من الخوف العام ومن إرادة جزء من الشعب في التضحية بالحريات مقابل الشعور بالأمن، ولو كان أمنا وهميا.
16. انهيار المشهد الحزبي وانكماش الفعل السياسي الجماعي: من المواطن إلى المستهلك السياسي.
في ظل التراجع الحاد للمشهد الحزبي، تحوّل الفعل السياسي من فعل جماعي قائم على البرامج والمبادئ والتأطير، إلى سلسلة من ردود الأفعال المتفرّقة، الهامشية، والفاقدة للتأثير. فالأحزاب التي كانت تعبّر ، ولو نسبيا ، عن مصالح طبقات اجتماعية مختلفة، أصبحت كيانات ورقية أو موسمية، تظهر في الانتخابات وتختفي بعدها، دون أي جذور فعلية في المجتمع. تعيش البلاد أزمة تنظيم سياسي حادة، لا تتمثل فقط في انعدام الثقة الشعبية في الأحزاب، بل في فقدان القدرة على تأطير الغضب الشعبي وتوجيهه. وهكذا، صار الفضاء السياسي فارغا، تتجوّل فيه السلطة كما تشاء، بلا رقابة، وبلا معارضة جماهيرية منظّمة. أصبح "المواطن" في ما بعد الجمهورية مجرّد "مستهلك سياسي"، يتلقّى العرض السياسي كما يتلقّى منتجا تجاريا: يغيّر رأيه باستمرار، يحكم انطلاقا من انطباع، لا من موقف فكري، ويتحرّك وفق ردّات فعل عاطفية لا تُبنى على وعي طبقي أو مشروع تغييري. وقد عبّر الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك عن هذه الحالة بقوله: "في ديمقراطية السوق، يتحوّل المواطن إلى مستهلك، والرأي إلى سلعة، والحقيقة إلى شيء يُفصّل حسب الطلب." إن هذا التفتّت في الجسم السياسي هو في حد ذاته هدف من أهداف ما بعد الجمهورية: تفكيك إمكانات الفعل الجماعي، وضرب التنظيمات الوسيطة (نقابات، أحزاب، جمعيات) كي لا يبقى أمام المواطن إلا خياران: الانخراط الفردي السلبي، أو الانفجار العشوائي غير المؤطر. وفي الحالتين، تظلّ السلطة ممسكة بزمام المبادرة، تتفرّج على المشهد من أعلى، وقد باتت تُفضّل "الشعب المشتّت" على "الشعب المنظم"، لأن الأول لا يهدّدها، بل يغذّي وجودها.
17. انهيار أفق الدولة الوطنية وتحوّلها إلى جهاز لإدارة الانهيار بدل بناء المستقبل.
في زمن ما بعد الجمهورية، لم تعد الدولة كيانا فاعلا يمتلك مشروعا وطنيا أو أفقا تاريخيا. لقد تحوّلت، شيئا فشيئا، إلى جهاز بيروقراطي ثقيل، يفتقد للرؤية ويعاني من شلل إداري، حتى غدت دولة بلا طموح، بلا أفق، وبلا مشروع. لم تعد تُسيّر وفق منطق التخطيط والمستقبل، بل باتت تُدار بمنطق اليومي، بمنطق "الترقيع" لا "البناء"، بمنطق "تأجيل الكارثة" لا منعها. هذا الانهيار في المخيلة الوطنية سبقته علامات، من غياب مشروع اقتصادي بديل، إلى تفكك السياسات العمومية، وصولا إلى تقهقر التعليم والصحة والخدمات الأساسية. الدولة اليوم لا تملك أجوبة على أسئلة البطالة، الهجرة، التفاوت الجهوي، الانهيار البيئي، الجريمة، بل تسير فوق ركامها محاطة بخطاب إنكاريّ يتحدث عن "استعادة السيادة"، بينما السيادة نفسها تُنهش على طاولات التفاوض مع صندوق النقد الدولي و"شركاء التنمية". بتعبير سمير أمين، "الدولة التي تفقد مشروعها التحرّري والتنموي تتحوّل إلى مجرد خادم لسوق عالمي لا يرحم." و الدول العربية، اليوم، دول بلا حلم جماعي، بلا عدالة اجتماعية، بلا تحفيز، بلا خيال… هي دول ماتت، لكنها ما زالت تمشي.
18. الفشل الكامل في صوغ "نموذج تونسي" جديد للعدالة والحرية، واستنساخ ردئ لكل تجارب الحكم السابقة.
ما بعد الجمهورية لم تنتج بديلا، بل أعادت إنتاج الرداءة. لم تُطرح أفكار كبرى، ولا تصورات جديدة، ولا تم تخيّل نموذج تونسي خاص يجمع بين الحرية والعدالة، بين التحرّر الوطني والتوزيع العادل للثروات. على العكس، صار استنساخ الماضي القريب والبعيد هو القاعدة. عاد الخطاب البورقيبي التسلّطي بنسخة كاريكاتورية، وعاد الخطاب الشعبوي بنسخة متأخرة من ثورات الموز، وعادت النيوليبرالية بأشدّ عنفها وتوحّشها، بلا أي "تونسة" حقيقية. لقد فشلنا في توليد نموذج تونسي نابع من الأرض، من معاناة الناس، من صبر الفلاحات، من عرق العاملات، من جراح الأحياء المهمّشة. فشلنا لأن النخبة السياسية ، بكل أطيافها ، لم تؤمن يوما بأن تونس يمكن أن تقترح على العالم مسارا خاصا بها. كما يقول فرانتز فانون: "إن النخبة التي تستنسخ نماذج الآخرين دون أن تُنتج تاريخها، لا تصنع سوى استعمار جديد بأيدٍ محليّة." لم تُبنَ الجمهورية الثانية على عقد اجتماعي جديد، بل على موازين قوى هشّة، ومؤسسات منقولة من الدساتير الأجنبية، دون أن تُطرح الأسئلة الجوهرية: من يملك الأرض؟ من يملك القرار؟ من يحكم فعلا؟ من يربح ومن يخسر؟ لم تكن لنا شجاعة تخيّل نموذج للعدالة قائم على مراجعة جذور التفاوت، نموذج للحرية لا يُختزل في الحريات الفردية فقط بل يشمل الحرية من الجوع والقهر والجهل. هكذا ظلّت الحرية في تونس كلمة جوفاء، والعدالة شعارا بلا مضمون، فكانت "ما بعد الجمهورية" مجرد نسخة باهتة من فشل مكرور.
19.نهاية التعاقد الجمهوري وتحلّل الشرعية الرمزية.
لم تكن الجمهورية، منذ نشأتها، عقدا شفافا بين الشعب ومؤسساته، بقدر ما كانت هندسة سياسية لبسط هيمنة طبقة على أخرى، تحت غلاف التمثيل والشرعية. ومع ذلك، ظل هذا "التعاقد الجمهوري" قائما على وهم مشترك: أن الدولة، بمؤسساتها ونصوصها ومراسمها، تمثل "الإرادة العامة" وتصون "المصلحة العليا". غير أن هذا التعاقد بدأ يتآكل منذ أن أصبحت الجمهورية نفسها جهازا بيروقراطيا طفيليا، منفصلا عن الناس، مشغولا بإعادة إنتاج ذاته، وخاضعا لاختراقات لوبيات المال والدين والمصالح الأجنبية. إن التصدع لم يقع فقط في مؤسسات الدولة، بل في الوجدان الجماعي الذي كان يرى في "الجمهورية" إطارا للعدالة الاجتماعية والكرامة. كما كتب جان بودريار: "ما يحكم اليوم ليس النظام، بل خيانة النظام لفكرته عن نفسه." ومع هذا التفكك الرمزي، برزت ظواهر ما بعد-جمهورية: زحف الفردانية المفرطة، تسليع السياسة، تفكك الفضاء العمومي، وسيطرة آليات ما بعد-التمثيل (مثل الإعلام والرأسمال) على القرار. لم تعد السلطة تُنتخب بل تُنتَج، كما تُنتج السلع، في مصانع السرديات والدعاية والتسويق السياسي. وهنا تنتقل "الجمهورية" من فكرة تأسيسية إلى قشرة مهترئة تُخفي جوفا فارغا.
20.البدائل الممكنة في أفق ما بعد الجمهورية.
في خضم انهيار شكل الحكم الجمهوري كما نعرفه، لا يمكن للاشتغال النقدي أن يكتفي بالرثاء أو الحنين، بل ينبغي أن يطرح سؤالا ملحا: ما البديل؟ البديل لا يمكن أن يكون عودة إلى الملكية، ولا استبدال الوجوه داخل نفس النموذج، ولا مغامرات "شعبوية" تستثمر الغضب دون رؤية. البديل في أفق ما بعد الجمهورية، لا يعني تجاوزا شكليا بل قطيعة معرفية وسياسية مع منظومة التمثيل الطبقي النيوليبرالي، نحو أفق أكثر ديمقراطية وشفافية وعدالة. وبتعبير إتيان باليبار: "علينا أن نفكر في الديمقراطية، لا كنظام حكم، بل كحقل صراع دائم لتوسيع شروط المساواة السياسية." البديل إذن، ليس "نظاما آخر" فقط، بل منطقا آخر للحكم، قائم على: تفكيك الهرمية السياسية: عبر توسيع الحكم الذاتي المحلي، والمجالس الشعبية القاعدية، وتجريب الديمقراطية المباشرة. إعادة ربط السياسة بالحياة اليومية: لا كمجال للنخب، بل كأفق مشترك للعيش والعمل والتقرير الجماعي. نزع الطابع المقدس عن الدولة: الدولة ليست إلها أرضيا، بل جهاز يمكن مساءلته، ومحاسبته، وحتى تجاوزه إن اقتضت الحاجة. تجذير العدالة الاقتصادية والاجتماعية: لا مساواة سياسية بلا عدالة طبقية، ولا كرامة دون إعادة توزيع جذري للثروة. في النهاية، ما بعد الجمهورية ليس فراغا، بل فرصة لتخيل سياسة أخرى، تنبثق من الأسفل، من الناس، من الألم والاحتجاج والحلم، سياسة لا تعود إلى المربع الأول، بل تنقض الفكرة الجمهورية لتؤسس ما بعدها. كما قال والتر بنيامين: "الثورات ليست قاطرات التاريخ، بل هي قبضة يد تشد فرامل انهياره."
21.ما بعد الجمهورية: من استعصاء الدولة إلى احتمالات التأسيس الجديد.
إذا كانت الجمهورية قد لفظت أنفاسها، ليس كصيغة دستورية فحسب بل كمنظومة أخلاقية وسياسية، فإن المرحلة التي نعيشها ليست مجرد "ما بعد الجمهورية"، بل هي تخبّط تاريخي بين زمن مات وزمن لم يُولد بعد. نحن بإزاء استعصاء دولة بكل أدواتها ومؤسساتها على أداء دورها المركزي: تمثيل المجتمع، تأمين العدالة، ضمان شروط العيش، حماية الحقوق، وضبط التوازنات. الاستعصاء لا يعني فقط الجمود، بل السقوط في دوامة من الفوضى المعمّمة: فوضى اقتصادية، فوضى قيمية، فوضى في المرجعيات، وفوضى في طبيعة العقد الاجتماعي نفسه. وحدهم الفقراء يعرفون تماما معنى أن "تسقط الدولة"، لأنهم أول من يدفع الثمن حين تُختزل الدولة في شكلها الأمني، وتُختزل الديمقراطية في مشهد انتخابي بلا مضمون، وتُختزل الجمهورية في خطابات جوفاء. كتب والتر بنيامين: "الطوارئ ليست الاستثناء، إنها القاعدة". في هذا السياق، يصبح الحكم الفردي، أو "السلطويّة الجديدة"، تمظهرا لحالة انكسار جماعي في البنى القديمة، دون أن يحمل مشروعا بديلا يؤسّس لجديد. إننا نشهد نهاية مرحلة ما بعد الاستقلال، وولادة عصر جديد لا تزال ملامحه ضبابية. والفراغ الذي خلّفه سقوط المشروع الوطني الاجتماعي (الدولة التنموية، المدرسة العمومية، القطاع العمومي، النقابات) لم تملأه لا السوق الحرّة، ولا السلطة المطلقة، ولا حتى الخطابات الشعبوية. يقول الفيلسوف أنطونيو غرامشي: "القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد، وفي هذه المرحلة الانتقالية تظهر العديد من الأعراض المرضية". لكن هل من بدائل؟ نعم، ولكنها لن تكون جاهزة أو سريعة أو سهلة. البدائل الحقيقية لا تولد في أروقة الحكومات ولا في مكاتب السفارات، بل تُخلق من رحم المعاناة الشعبية، من الفلاّحات المنسيات، من الشباب المقموع في الأحياء، من المعلمين المحتجّين، ومن الحركات الاجتماعية الصغيرة التي ترفض الاستسلام. البديل هو ما أسماه إرنستو لاكلو "هيمنة شعبية مضادة"، تخلق سردية جديدة تُعيد ترتيب الأولويات حول الكرامة، السيادة، العدالة، والمساواة. التحرر من الجمود يبدأ بإعادة طرح السؤال التأسيسي: "لمن الدولة؟" هل هي لأرباب السوق أم لأبناء الوطن؟ هل هي لمن يملكون أو لمن يكدحون؟ هل هي خادمة للمستثمرين الأجانب أم حامية لكرامة المواطن؟ وهنا يبرز الدور المركزي للنضال الفكري والنقابي والسياسي البديل، القادر على إنتاج أفق جديد من داخل الجماهير لا من فوقها، مشروع يؤسس لتعاقد اجتماعي جديد، لا يرتكز فقط على الحقوق والحريات الفردية، بل على العدالة الاجتماعية والمساواة الطبقية والسيادة الوطنية.
●.حين يسقط الشكل ويستمرّ الشعب في الحلم.
في ختام هذا المسار التحليلي، لا بد أن نُدرك أن الأزمة ليست فقط في المؤسسات، بل في الفكرة التي حكمت : فكرة الدولة التي ترعى دون أن تُحاسب، التي تعلّم دون أن تحرّر، التي تدير دون أن تشارك، التي تمنح الحقوق لكنها تصادر السيادة. ومع سقوط هذه الفكرة، لم تسقط أحلام الشعب، بل تجذّرت في عمق الوجدان الجماعي، في صمت الفلاّحات، في تمرّد الشباب، في عناد النقابات، وفي سرديّات الشعراء والمناضلين والمنسيين. قد يكون النظام السياسي قد بلغ حدّ الإفلاس، لكن الاوطان لم تُفلس. ما زال فيها نساءٌ يخبزن العيش بكرامة، ورجالٌ يحرثون الأرض بأيديهم العارية، وطلبةٌ يحلمون بالتغيير رغم الخراب. في هذا الشعوب بقايا نار لا تنطفئ، واحتياطي من الحلم لا ينفد. إن الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد. ما عشناه كان مخاضا، والآتي لن يكون مجرّد إعادة إنتاج، بل إعادة بناء. وكما كتب جان بول سارتر: "الثورة ليست ما يحدث، بل ما يظلّ ممكنا". والممكن الآن، وسط هذا الركام، هو أن نعيد ترتيب الحلم من جديد، لا على شكل يوتوبيا فارغة، بل على هيئة مشروع شعبي جذري، يساري، وطني، عادل، منبعث من الأرض التي لم تخن يوما، ومن الناس الذين ظلوا أوفياء لوطن لم يكن يوما وفيا لهم. إن ما بعد الجمهورية ليس نهاية التاريخ، بل بدايته الحقيقية.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخديعة الأمريكية الكبرى: الإمبريالية وخراب فلسطين.
-
اليسار التونسي: بين الأمس الإيديولوجي واليوم السياسي.
-
الأخلاق في الميزان السياسي في القرن 21.
-
الشعبية: من التحرير الرمزي إلى بناء السيادة الفعلية
-
قراءة في رواية -1984- لجورج أورويل.
-
الكتابة فعل نضال
-
جنوب يخرج من ظلّ الأمم المتّحدة: مقترحات للفكاك من نظام الغل
...
-
الحرف ساحة صراع طبقيّ: تفكيك الخطاب وتحرير اللغة من الهيمنة.
-
بيان نواة مجموعة يسارية متمرّدة
-
الرّأس
-
الى الرفيق جورج ابراهيم عبدالله مباشرة
-
اليسار المتحزّب واليسار المستقل: بين البيروقراطية والمقاومة.
...
-
عالم متعدد الأقطاب الإمبريالية: خرافة التوازن وخطر التجزئة.
-
صدى النازية في قلب الحداثة.
-
قراءة سريعة في كتاب معذّبو الأرض لفرانز فانون
-
ردّ على تفاعل نقدي من رفيق مع مقال- هل لا يزال لليسار معنى ف
...
-
هل لا يزال لليسار معنى في ظل العولمة النيوليبرالية؟ .
-
من اضغاث حقيقة متّهمة بالحلم. من المجتمع المدني إلى الجبهة ا
...
-
الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للع
...
-
الإمبريالية في جسد جديد صراع الغاز، والمضائق، والعقول...
المزيد.....
-
هل عقوبات -النفط الروسي- ستطال الصين بعد الهند؟.. ترامب يرد
...
-
ترامب يؤكد تحقيق -تقدم كبير- في المحادثات الأمريكية الروسية،
...
-
العلاقات الفرنسية الجزائرية: تصعيد مرحلي ام قطيعة؟
-
السودان يعلن تدمير طائرة إماراتية تقل مرتزقة كولومبيين في دا
...
-
لبنان.. غارات إسرائيلية على الجنوب والحكومة تناقش الورقة الأ
...
-
أزمة مياه خانقة تحاصر 60% من أحياء الخرطوم منذ عامين
-
متخذًا قرارات جديدة.. ماكرون: على فرنسا أن تتحرك بمزيد من ال
...
-
شبكات تجسس ومسيّرات.. كيف تستعد تركيا للحرب مع إسرائيل؟
-
الأزمة الإنسانية في غزة تتفاقم وسط انقسام دولي حاد
-
ترامب يعلن تبرعه براتبه لتمويل تجديدات البيت الأبيض: -ربما أ
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|