|
اليسار المتحزّب واليسار المستقل: بين البيروقراطية والمقاومة.. من أجل يسار لم يُولد بعد.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 21:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زمن تلبدت فيه سماء الشعوب بسحب الهزائم المتراكمة، وضاع فيه البوصلة بين الحلم والتشاؤم، يطرح سؤال وجوديّ عاجل نفسه على كلّ من يؤمن بقضية العدالة والحرية: أين اليسار اليوم؟ هذا اليسار الذي كان يُروّج للأمل، ويحمل على كتفيه أحلام الملايين بالتغيير الجذري، ويقف كالطود في وجه الاستغلال والظلم، لم يعد ذلك الفاعل الحاسم الذي يُعيد تشكيل التاريخ، بل أصبح يعاني من أزمة داخلية لم تسبقها مثلها في فترات سابقة من الصراعات الاجتماعية والسياسية. لقد قال لينين ذات مرة: «لا يكفي أن تكون ثوريا في الكلام، بل يجب أن تكون ثوريا في الفعل»؛ لكن ما نراه اليوم هو يسار يتحدث كثيرا، وينتج الشعارات والمقالات و البيانات الالكترونية، ويختفي عند لحظة اتخاذ القرار الحاسم. في الجنوب كما في الشمال، من تونس إلى أمريكا اللاتينية، ومن فلسطين إلى أوروبا، يبدو اليسار وكأنه يسير في دوامة، يحاول أن يلتقط أنفاسه بين التحولات العنيفة التي يشهدها العالم، لكنه يغرق في أزمات التنظيم، ويتخبّط في غياب استراتيجية واضحة. هذا الإحباط ليس وليد الصدفة، بل نتاج تراكمات تاريخية مركبة. فقد كتب المفكر الألماني والتر بنجامين في محاضرته الشهيرة عن «الفرسان» أن «الثورة ليست حدثا ماضيا، بل هي واجب مستمر يتطلب استعدادا دائما». واليوم، نجد أن معظم أحزاب اليسار تحولت إلى ما يشبه «الفرسان الخاملين»، عاجزين عن النهوض بروح جديدة أو إحياء مشروعهم الثوري. بيروقراطية جامدة، تحكمها أهواء القادة المنغلقين على أنفسهم، ومنغلقة على نفسها، بعيدة عن نبض الجماهير ومعاناة الشعوب. وفي المقابل، نشهد بروز يسار مستقل، شبابي، نشط في الشارع وعلى وسائل التواصل، ينشد التغيير بلا قيود حزبية، ويناضل من أجل قضايا حقيقية، لكنه غالبًا ما يصطدم بجدار اللامبالاة التنظيمية، وغياب أدوات البناء السياسي الفعلي. كما قال الكاتب والشاعر اليساري الشهير أورتيغا إي غاسات: «لا تهمني الثورة التي لا تبني مجتمعا، بل فقط تُغير واجهة الظلم القديم». وهذا ما يفتقده الكثير من النشطاء المستقلين؛ فالحماسة وحدها لا تكفي لبناء مشروع بديل قادر على مواجهة الرأسمالية المتوحشة. في هذا السياق، نشهد أزمة متعددة الأوجه: أزمة تمثيل، حيث لا تستطيع الأحزاب اليسارية التقليدية تمثيل الطبقات الشعبية الحقيقية، وأزمة خطاب، حيث تغلب الشعارات الجوفاء على التحليل الواقعي. أزمة مشروع، حيث لم يتبلور بديل واضح يُجمع عليه الجميع، وأزمة ثقة بين قوى اليسار بعضها وبعض، وبين اليسار والشعوب التي ينشد تمثيلها. لقد قال جورج حبش، من أبرز مناضلي اليسار الفلسطيني، «الثورة لا تموت، لكنها تمرض، والمرض الأخطر هو أن ينسى مناضلوها لماذا بدأوا». هذه الكلمات تلخص حالة اليسار اليوم في كثير من مناطق العالم: مرض في القلب، انسداد في الرؤية، ضياع في الأفق. ولذلك، لم يعد الحديث فقط عن اليسار المتحزّب أو اليسار المستقل، بل عن أزمة وجودية تشمل ماهية اليسار ذاته، وحقيقة دوره في معركة التحرر من الاستغلال والهيمنة. هذا النص لا يهدف إلى استنكار الفشل فقط، بل إلى استجلاء أسباب هذا الفشل، ومحاولة رسم معالم يسار جديد، ليس من صنع الوهم أو الذكريات القديمة، بل من لحم الواقع وتحدياته. يسار لا يتنكر للماضي، لكنه لا يعيش فيه، يسار يبني ولا يهدم، يسار يلتقط نبض الشارع ويربطه برؤية استراتيجية واضحة. إنها لحظة مخاض عسيرة، تحمل في طيّاتها بذور النهوض الجديد، شرط أن نتمكن من التفكيك النقدي الصادق، والجرأة على التجريب، والاستعداد لتحمّل المسؤولية التاريخية التي تتطلبها المرحلة الراهنة. فاليسار الذي نحتاجه ليس مجرد تحالفات وتنظيرات، بل مشروع ثوري عضوي ينبثق من رحم الشعوب نفسها، يعيد بناء العلاقة بين الرأس والقلب، بين الفكر والنضال، بين الحلم والواقع. وهكذا، تبرز أمامنا ضرورة دراسة اليسار المتحزّب وأزماته، واليسار المستقل وتحدياته، ليس كطرفين متناحرين، بل كوجهين لذات المعركة، التي هي معركة تحرير الإنسان من كل أشكال الاستغلال والهيمنة.
■ المحور الأول: اليسار المتحزّب، من الطليعة إلى التكنوقراطية الحمراء.
في بداياته، ظهر اليسار المتحزّب كقوة طليعية قادرة على إحداث القطيعة الجذرية مع النظام الرأسمالي القائم. لقد كانت طليعيته نتاج تفاعل عضوي بين النظرية الثورية والممارسة اليومية، بين المناضل والمجتمع، بين المثقف العضوي والطبقات الشعبية. فكما كتب أنطونيو غرامشي: "المثقف الثوري ليس من يُنتج الأفكار في برجه العاجي، بل من يُترجم آلام الجماهير إلى وعي، ويُعيد للوعي زخمه حتى يصير فعلًا". وهذا ما ميّز اليسار الطليعي: قيادات مثقفة مرتبطة بالشعب، لم تكن تهدف إلى تسلق السلطة، بل إلى هدمها وبناء منظومة بديلة عادلة. لكن هذه الطليعية، التي انبثقت من صلب الصراع الطبقي، بدأت تفقد زخمها مع توالي الهزائم السياسية والعسكرية والاختراقات الأيديولوجية التي مارستها الأنظمة الحاكمة، سواء عبر القمع المباشر أو عبر الإدماج الجزئي في مؤسسات الدولة. ففقدت الأحزاب الطليعية دورها كأدوات تحرر، وتحولت تدريجيا إلى أجهزة بيروقراطية تنغلق على نفسها، وتعيد إنتاج علاقات سلطوية داخلية لا تختلف كثيرا عن النظام الذي تدّعي معارضته. أصبح الكثير منها، في تعبير أحد المفكرين الماركسيين الجدد، "أحزابا تشتغل بمنطق الصيانة لا بمنطق الانفجار". من أمثلة هذا التحول في السياق التونسي، نرى كيف تخلت بعض الأحزاب التي كانت تعتبر نفسها طليعة للثورة عن برامجها الجذرية، لتدخل في تحالفات تكتيكية مع قوى نيوليبرالية، تحت شعار "الدفاع عن الديمقراطية". لكنها ديمقراطية مشروطة بالوصاية، لا بالتحرر؛ مؤسساتها تخدم الأغنياء، وتحرس مصالح المانحين الدوليين. وهنا نتذكّر مقولة روزا لوكسمبورغ حين كتبت: "من يتخلى عن الاشتراكية باسم الديمقراطية، سينتهي بلا ديمقراطية ولا اشتراكية". وقد صدقت هذه النبوءة في العديد من الحالات، حيث ضُربت الثورات، وابتُلع اليسار في مؤسسات النظام حتى صار جزء من جهاز تبرير الواقع بدل تغييره. أما على المستوى التنظيمي الداخلي، فقد تحوّل البناء الحزبي إلى هرم مغلق، يتكرّس فيه الزعيم كأيقونة، وتتمركز فيه السلطة بيد نخبة ضيقة من القيادات التي ترفض التداول أو النقد. وهكذا، تم تحنيط الحزب في شكل تنظيمي خانق، يخنق كل مبادرة قاعدية، ويقمع الأصوات المختلفة، حتى صار العمل الحزبي في بعض الأحزاب نسخة يسارية من الدولة البوليسية. يتم فيها معاقبة كل من يُفكر خارج نص "الخط العام"، وتُختزل "الديمقراطية الداخلية" في مؤتمرات شكلية لا تفرز إلا نفس الوجوه، بنفس الخطاب، بنفس العجز. لقد نبّه فرانز فانون إلى خطورة هذا التحول حين قال في "معذبو الأرض": "الثورة التي لا تُحرّر هياكلها التنظيمية من روح التسلط، ستنتهي بإعادة إنتاج الاستعمار في شكل آخر". وهذا ما نشهده حين يصبح الحزب يساريا في الشعارات، لكنه يمارس داخل أجهزته منطق الإقصاء، وتصفية الخصوم، وتكريس التراتبية، في نوع من "التكنوقراطية الحمراء" التي تدير خطابا ثوريا بآليات بيروقراطية خانقة. هذا التحول البنيوي لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة لتغيّر في طبيعة الارتباط بين الحزب وطبقته الاجتماعية المرجعية. فبدل أن يكون الحزب صوت الطبقة العاملة والفلاحين والمهمشين، صار وسيطا بين هذه الطبقات ومؤسسات الدولة، ثم تحوّل تدريجيا إلى مدافع عن "استقرار الدولة" بدل أن يكون حاملا لرسالة قلب النظام الطبقي. وهو ما جعل الجماهير تنفضّ عنه شيئا فشيئا، حتى صار معزولا عن صراعات الناس اليومية، لا يعرف معاناتهم إلا من خلال التقارير. إن هذا الانعزال عن القواعد الشعبية أنتج مفارقة خطيرة: أحزاب ترفع شعار "تمثيل الشعب"، لكنها تخشى النزول إلى الحراك الجماهيري الحقيقي. تحضر في المنابر الإعلامية أكثر مما تحضر في الأحياء الفقيرة. تكتب البيانات أكثر مما تُوزّعها. تنظّر للثورة من مقاعد التنظير الأكاديمي، ولا تعيشها في الشارع، حيث يُصنع التاريخ الحقيقي. كما كتب المناضل الإيطالي ماريو تروتزي: "الثورة التي لا تُنبت قدميها في الوحل، لا تقوى على السير نحو الشمس". وقد تُرجمت هذه المفارقة، في تجارب عديدة، إلى فشل ذريع في فهم اللحظة التاريخية. فعندما اندلعت انتفاضة 2010/2011، وجدت الأحزاب اليسارية نفسها إما متأخرة، أو مترددة، أو متواطئة. وعوض أن تكون رأس الحربة في التغيير، تحوّلت إلى ذيل لقوى ليبرالية أو قومية أو حتى دينية، تحت شعار "المرحلة الانتقالية" و"إنقاذ المسار الديمقراطي". لكنها بذلك أنقذت النظام القائم، لا الشعوب. ولعل أكبر الخسائر التي دفعها اليسار المتحزّب، نتيجة انغلاقه وشيخوخته، هو فقدان الثقة الجماهيرية. فبمجرد ما يُذكر اسم حزب يساري، يتبادر إلى الذهن الخطابة الجوفاء، والتناحر الداخلي، والانقسام، والتصلّب، وفقدان البوصلة. لقد أصبح "اليسار" في المخيال الشعبي، لا يعني بالضرورة النضال أو التحرر، بل أحيانا الفشل والانقسام واللّغو. وهذا من أخطر ما يمكن أن يصيب حركة تحرر. من هنا، لا بد من مساءلة هذا اليسار المتحزّب لا بغرض التشهير، بل بغرض التحرير. التحرير من الأوهام، ومن عبادة الأشكال، ومن الانغلاق العقيم. لا يسار بدون نقد ذاتي جذري، يطال البنية والقيادة والثقافة التنظيمية نفسها. لا يسار إن لم يُعد تعريف نفسه، لا باعتباره جهازا يُوزّع المواقف، بل باعتباره حركة عضوية تُبنى مع الجماهير لا نيابة عنها. كما قال إرنستو تشي غيفارا: "على الثائر أن يكون أول من يشعر بمعاناة الناس، لا من يُملي عليهم كيف يشعرون". ولذلك، فإن الخطوة الأولى لاستعادة اليسار لروحه، تمرّ حتما عبر كسر قوالبه التنظيمية المهترئة، وتفكيك أوثانه الداخلية، والعودة إلى جوهره الأصلي: حركة تغيير اجتماعي جذري، مندمجة في واقعها، مرتبطة بصراعات الناس، متخلصة من ثقافة الزعامة، منفتحة على النقد، متواضعة في طموحاتها، جسورة في أفعالها.
■ المحور الثاني: اليسار المستقل، تمرّد دائم، لكن بلا جسد سياسي.
في الجهة المقابلة للبيروقراطيات الحزبية الهرمة، ينهض تيار يساري آخر... تيار شاب، مرن، غير مؤدلج في أغلبه، تحرّر من ثقل التنظيمات التقليدية، وانخرط في الفعل النضالي المباشر بلا وساطة ولا زعامات. يسار لا يرفع شعارات "الثورة" على الورق، بل يعيشها يوميا على رصيف الشارع، في مواجهة البوليس، في محطات النضال البيئي، في لجان الأحياء الشعبية، في ساحات الجامعات، في حملات التضامن، في مواكب العاطلين عن العمل ، في الاعتصامات و الوقفات الاحتجاجية. هذا اليسار المستقل هو ابن التمرّد، ابن اللحظة. لا يسكن المكاتب، بل الساحات. لا يتكلم لغة البيانات، بل لغة الشعارات الميدانية. لا يحمل بطاقة انخراط، بل يحمل وجع الطبقات المنسية. لكن هذه القوة العفوية، التي تمثل الروح الحيّة للغضب الشعبي، كثيرا ما تُستنزف في غياب التنظيم، وتضيع بين الأمواج العالية لغياب المشروع، وتتحطم على صخرة غياب الأفق. كما قال ميشال فوكو ذات مرة: "التمرّد لحظة نقية، لكنها لا تكفي لتغيير العالم. يلزمها جسد قادر على احتضانها، وتأطيرها، وتوجيهها حتى لا تتحول إلى رماد." وهنا تكمن المعضلة المركزية لليسار المستقل: أنه فعل بلا بنية، صوت بلا جسد، شجاعة بلا خريطة، إيمان بلا أدوات. هذا التيار لا يمكن الاستخفاف بقيمته؛ فقد كان دوما المحرّك الحقيقي لانفجارات الغضب الشعبي في تونس، العراق، السودان، لبنان، الجزائر، وحتى فرنسا مع "السترات الصفراء". كان المستقلون في مقدمة الصفوف، دون غطاء حزبي، دون حسابات تكتيكية، دون انتظار إذن من أحد. وكما كتب أحد المناضلين السودانيين عقب سقوط البشير: "ما أسقط النظام ليس مجلس قيادة، بل أجساد المتظاهرين، وحناجر النساء في الأحياء الشعبية، وشباب اللجان المقاومة." لكن هذه البطولات، حين لا يُصاحبها تنظيم متماسك، تذوب سريعا كالموج على الشاطئ. فالمستقلون الذين فجّروا الحراك، غالبا ما وجدوا أنفسهم خارج لحظة التفاوض، بل خارج المعادلة السياسية ككل، ليعود القديم متنكّرا في وجه جديد. في تونس، مثلا، أطلقت حراكات المستقلين جذوة الانتفاضات الطلابية والجهوية، من صفاقس إلى قفصة إلى سيدي بوزيد. لكن مع كل موجة، كانت السلطة تعرف جيدا أن هذا اليسار بلا رأس، بلا عمق تنظيمي، بلا أفق مشترك، يمكن استنزافه بالزمن، أو احتواؤه بالخطاب، أو تشويهه بالاختراق. هكذا ضاعت موجات الغضب في الهواء، وتحوّل الحلم بالتغيير إلى حسرة أخرى على جدار الذاكرة الجماعية. وما يزيد الطين بلّة أن هذا اليسار المستقل ، رغم طهارته النضالية ، ما يزال حبيسا في ردود الفعل: ينهض حين يُستفز، يغضب حين يُقمع، يحتشد حين يُجاع، لكنه لا يبادر في صياغة البدائل. وبهذا، يتحوّل من "يسار مقاوم" إلى "يسار احتجاجي"، لا يُراكم ولا يبني، بل يُفرغ طاقته في المعركة ثم ينسحب، كما لو أن الغضب قدر لا استراتيجية. ولعل أحد المنعطفات الخطيرة لهذا التيار هو ميله إلى العدمية السياسية. أي رفضه لكل ما هو قائم، دون القدرة على بناء تصور بديل. يرفض الدولة، يرفض الأحزاب، يرفض الانتخابات، يرفض الإعلام... لكنه لا يُنتج أدوات بديلة. لا يُكوّن مدارس تنظيمية، لا يُقيم شبكات تضامن دائمة، لا يُعمّق الوعي الطبقي، لا يبلور خطابا سياسيا مُتماسكا. كما كتب المنظّر الشيوعي الفرنسي "دانييل بن سعيد": "أن ترفض كل شيء لا يعني أنك تملك البديل. الثورة ليست تمرّدا دائما، بل عمل شاق من البناء والتنظيم والاستمرارية." هذا الغياب للبنية التنظيمية هو ما حوّل الكثير من مبادرات اليسار المستقل إلى ظواهر عابرة، تُضيء ثم تخبو. شباب في الأحياء ينظمّون أنفسهم، يواجهون البوليس، يُحدثون شرخا في الخطاب السائد، ثم يتلاشى حضورهم بسبب غياب الهيكل القادر على تأطيرهم وحمايتهم وتطويرهم. وما لم ينتج هذا الجسد السياسي القادر على حمل هذه الطاقات، فإنها ستُهدر في دورات احتجاج لا تنتهي. ولا يجب أن نغفل أيضا عن الفوضى الرمزية التي تُرافق اليسار المستقل. غياب الأطر لا يعني فقط غياب التنظيم، بل كذلك غياب المرجعيات المشتركة، غياب الخريطة الفكرية، غياب الأرضية النظرية التي تضمن وحدة الاتجاه. وهكذا يتحوّل الحراك إلى مجموعة جزر متنافرة، كلّ منها يعمل في اتجاه، دون تنسيق أو تراكم. وقد عبّر عن ذلك أحد ناشطي الحراك اللبناني بقوله: "نحن كالسيل الجارف... لكننا لا نعرف إلى أين نسيل." ورغم ذلك، فإن هذا اليسار المستقل يظل يحمل بذور التجديد. فيه تُولد أشكال نضال جديدة، فيه تُختبر العلاقة الحيّة مع الشعب، فيه يُكسر الخطاب النخبوي، وتُستعاد العلاقة المباشرة بين المناضل والواقع. لكنه لن يصير بديلا حقيقيا إلا إذا امتلك جسدا سياسيا. لا حزبا بالمعنى القديم، بل تنظيما أفقيا، مرنا، قادرا على احتضان الاختلاف، وتوجيه التعدد، وتحويل الطاقة العفوية إلى فعل تاريخي. إن الخطوة الضرورية أمام هذا اليسار المستقل، هي الانتقال من "لحظة الرفض" إلى "مرحلة البناء". من "اللا" الكبرى إلى "نعم" بديلة. من شعار "تسقط المنظومة" إلى مشروع "فلنصنع منظومة بديلة". وكما كتب الرفيق عبد اللطيف اللعبي: "أن تكون ثوريا، لا يعني أن تحرق العالم... بل أن تزرع فيه بذورا لا تموت."
■ المحور الثالث: صراع داخل اليسار أم أزمة يسار بأكمله؟.
في ظاهر المشهد، قد يبدو ما يحدث داخل اليسار مجرد صراع أجنحة، جدل بين من يريد "الاندماج في اللعبة السياسية" ومن يرفع شعار "لا حلّ إلا بإسقاط النظام"، بين من يرى في التحالفات تكتيكا ضروريا ومن يعتبرها خيانة، بين من يصرّ على البقاء في المؤسسات ومن يختار خندق الشارع. لكن الحقيقة أعمق من هذا بكثير. لسنا أمام خلاف حول أسلوب أو تموضع... بل أمام أزمة بنيوية شاملة تضرب أسس اليسار نفسه: مشروعه، خطابه، أدواته، تمثيليته، أخلاقياته، وجدواه التاريخية. لقد دخل اليسار، على امتداد العالم، في مرحلة أشبه بالتيه الوجودي. فلا هو قادر على أن يكون بديلا، ولا هو راغب في أن يموت. إنه يعيش بين ظلال الأمس ودهشة الحاضر، ينهك نفسه في نقد الآخرين، لكنه يعجز عن نقد ذاته. كما قال المفكر الثوري البولندي "روزالكسندر فافيلا": "عندما تصبح الثورة مجرّد ذكرى حزينة في خطابات الأحزاب، فاعلم أن اليسار قد فقد روحه."
● أزمة المشروع: إلى أين يريد أن يذهب اليسار اليوم؟.
قد تكون هذه أخطر الأزمات. فالكثير من تيارات اليسار اليوم لم تعد تملك مشروعا واضحا. لا ملامح، لا برنامج مرحلي، لا تصوّر لبنية المجتمع البديل. فقط خطاب عدائي ضد الرأسمالية، دون القدرة على اقتراح نظام آخر. البعض ما يزال يحلم بـ"دكتاتورية البروليتاريا" وكأننا في 1917، وآخرون يكتفون ببرامج إصلاحية أقرب لليبرالية الاجتماعية، لا علاقة لها بالثورة أو التحوّل الجذري. اليسار الذي لا يعرف إلى أين يريد أن يذهب، هو يسار يُعيد إنتاج نفس الدوران في الحلقة المفرغة. وكم هو مرعب أن يتحول الحلم الاشتراكي إلى مجرد جملة غائمة لا تجد سبيلا إلى الواقع. ● أزمة التمثيل: من يُمثّل الطبقة العاملة اليوم؟: في الماضي، كان اليسار يصنّف تلقائيا كصوت العمال والفقراء. اليوم، هذه العلاقة تآكلت. الأحزاب اليسارية أصبحت منعزلة عن أوساط العمل الميداني، متعالية على المهمّشين، متمركزة في المدن الكبرى، ناطقة بلغة نخبوية غريبة عن الجماهير. من يُمثّل من؟ هل اليسار ما زال يمثّل من يعملون في المصانع والحقول، من يبيعون في الأسواق، من يسكنون الأحياء الشعبية؟ أم أصبح يمثّل جيلا من المثقفين الراديكاليين المنفصلين عن القواعد؟ هذه أسئلة موجعة، لكنها ضرورية. في تونس، يكشف المشهد عن هذه الفجوة الفادحة. فبينما يفترض أن يكون اليسار حليفا طبيعيا لحركات العاطلين عن العمل، والنساء العاملات في الفلاحة، وسكان الأحياء المهمّشة، إلا أنه غالبا ما يظهر غريبا عنهم، أو متردّدا في الانخراط في معاركهم اليومية. وهو ما عبّر عنه أحد أبناء حراك "المفروزين أمنيا" ساخرا: "اليسار يحبّ الطبقة العاملة... لكن عن بُعد." ● أزمة الخطاب: من يسمع اليسار اليوم؟: لغة اليسار تعبت. صارت خشبية، مكرورة، مملة أحيانا. لا تُقنع جيلا جديدا نشأ في زمن الصور والاختزال، ولا تُحرك مشاعر من تعوّدوا على الصراخ العفوي لا التلاعب المفاهيمي. خطاب مكرر عن "التحرر الوطني"، "السيادة الشعبية"، "معاداة الإمبريالية"، دون أن يُربط هذا الكلام بواقع الناس المعيشي، بأجورهم، بغلاء الأسعار، ببطون أطفالهم الجائعة. الناس لا تريد دروسا في الأيديولوجيا، بل من يقول لها: كيف سنوقف هذا الجوع؟ كيف سنمنع تهجير الأبناء؟ كيف سنُعيد الكرامة للمُهانين في الإدارات والمستشفيات؟ كما قالت المناضلة الأمريكية أنجيلا دايفيس: "إذا لم يُحدث خطابك صدى في الشارع، فهو مجرّد صدى لصوتك في الفراغ." ● أزمة الثقة: هل ما زال الناس يثقون في اليسار؟: الأخطر من كل الأزمات السابقة، هي أزمة الثقة. الشعوب جرّبت اليسار، صدّقته في مراحل، خاب أملها فيه، فاستبدلته تارة بالإسلاميين، وتارة بالشعبويين، وتارة بالصمت. وكلّما عجز اليسار عن فهم هذا التحوّل، زاد نفور الناس منه. لم يعد الناس يصدقون أن اليسار مختلف جذريا عن غيره، حين يرون قادته يلهثون وراء المناصب، ويُبرّرون كل تحالف، ويعيشون في فقاعة نقاشاتهم العقيمة. بات الناس يخلطون بين من يُضحّي لأجلهم، ومن يستثمر في آلامهم. وهذه مسؤولية اليسار نفسه، لا فقط أدوات الإعلام المضادة. ● من مشهد تونس: يسار برلماني يسكن القصور، ويسار ميداني يسكن الخيام: الصورة التونسية نموذجية. يسار في البرلمان يفاوض على القوانين، ويتماهى أحيانا مع الليبرالية، بل يُزايد على المحافظين، ويسار في الشارع يُطارد من البوليس، يُضرب، يُحاكم، يُسجن. الأوّل يعيش كموظف سياسي، والثاني كمقاوم مطارد. التناقض بلغ ذروته، لا لأن هناك "طرفا خائنا" وآخر طاهرا، بل لأن اليسار لم يعد كلا عضويا. لقد تحوّل إلى "جزر معزولة"، لا تلتقي إلا في بيانات المناسبات، ولا تتوحد إلا في لحظات الانهيار. ● إذن، هل نحن أمام صراع داخل اليسار أم نهاية يسار قديم لم يعد يكفي؟: الجواب الأعمق ليس أن اليسار مريض، بل أن "يسارا بعينه قد مات". ذلك اليسار الذي وُلد في القرن العشرين، بصيغته الحزبية المركزية، بزعاماته الكاريزمية، بخطابه النصّي، انتهى أو يوشك. اللحظة التاريخية تتطلب ولادة يسار جديد، لا يواصل القديم بل يُعيد بناءه. يسار يُعيد التفكير في معنى التنظيم، معنى الزعامة، معنى الطبقة، معنى الثورة. كما قال أنطونيو غرامشي ذات مرة في لحظة مشابهة: "العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد لم يولد بعد. وفي هذا المخاض تظهر الوحوش." نحن الآن في مرحلة "الوحوش": الشعبوية، التسلّط، الأصولية، الاستبداد الناعم. وما لم يولد يسار جديد، سنغرق فيها.
■ المحور الرابع: نحو يسار عضوي جديد ، يربط الرأس بالقلب.
حين يتهاوى اليسار التقليدي، ويسقط المستقلّون في العدمية، لا يبقى إلا أن نعيد التفكير من الجذور: لا في التجديد السطحي للخطاب أو تغيير الوجوه، بل في ولادة يسار عضوي جذري، من رحم الهزائم، ومن قلب المعاناة اليومية. يسار لا يبدأ من فوق، من المكاتب أو المؤتمرات أو أدبيات الماضي، بل من تحت: من السوق، من الحيّ، من المقهى، من المصنع، من المعركة المباشرة ضد الغلاء والذل والتمييز. كما قال فرانتز فانون: "كل جيل، عليه أن يجد مهمته التاريخية، وأن ينجزها، أو يخونها." الجيل الجديد من المناضلين والمناضلات لا يملك ترف الخيانة. فالمهمّة الآن ليست إعادة تدوير أشكال يسارية فشلت، بل اختراع يسار عضوي، يُنتج نفسه من الواقع، وينحت أدواته من عرق الناس، ويفكر بالعقل ويشعر بالقلب. ● يسار لا يعيش في المكاتب، بل في الأسواق والمستشفيات والمدارس والمزارع: اليسار الذي نحتاجه ليس يسار المؤتمرات العقيمة أو التظاهرات المعلبة أو الوثائق المغلقة. بل يسار الحضور اليومي: مناضل يساعد على تنظيم العمال في معمله، مناضلة تُساند النساء العاملات في الحقول لا بالتضامن النظري بل بالوجود الفعلي، مثقف يُنتج المعرفة من الميدان لا من قاعة الدرس فقط. هذا ما قصده إدواردو غاليانو حين قال: "هناك من هم مثقفون لأنهم قرأوا كثيرا، وهناك من هم مثقفون لأنهم رأوا كثيرا." نريد اليسار الذي "رأى كثيرا" ولا يخشى اتساخ اليدين، الذي لا يأنف من الانخراط في معركة خبز أو إسعاف مريض أو مساعدة عجوز أو تنظيف مقرّ شعبي. يسار لا يسكن المسافة، بل الجوار. ● يسار لا يكتفي بعداوة الرأسمالية كخطاب، بل يناهضها كممارسة يومية: الرأسمالية ليست مجرد نظام اقتصادي، بل منظومة قيم، وطريقة في العيش، وبنية تسلّطية تُعيد إنتاج الاستغلال في كل زاوية. لذا، مقاومة الرأسمالية لا تعني فقط الحديث عنها في البيانات، بل بناء نقيضها في الواقع. حين ننشئ تعاونية إنتاج خارج منطق الربح، هذا مقاومة. حين نُنظّم مطبخا شعبيا لإطعام الفقراء دون إذلالهم، هذا مقاومة. حين نفتح فضاء ثقافيا حرا في حيّ مهمّش، هذا مقاومة. حين ندافع عن الكرامة الجسدية للمهاجر، هذا مقاومة. يقول راوول فانيغيم: "الثورة ليست ضجيج الشعارات، بل صمت الفعل الجذري حين يكون الجميع صاخبا بلا أثر." ● يسار يصنع أدواته: لا يستوردها، لا ينتظرها: اليسار الذي نحتاجه لا يُعلّق فشله على ضعف الإعلام، أو غياب التمويل، أو انعدام الدعم الدولي. بل يُنتج إعلامه من الوسائط المتاحة: صفحة، نشرة، مكبر صوت، جدارية على الحائط. يُنتج شبكاته التضامنية لا عبر التمويل بل بالثقة والمصلحة المشتركة. يُعيد بناء النقابات لا من فوق بل من احتياجات العمال أنفسهم. يُكوّن منصّاته الفكرية لا من نخب مغلقة، بل من حلقات تثقيف تُنظّم في المعامل، في الجامعات، في الحقول. هنا نستلهم من غرامشي مفهوم "المثقف العضوي"، ذلك الذي لا يعيش في برج عاجي، بل ينغرس في صلب الطبقة التي ينتمي إليها، يُنتج وعيها معها، ويُعيد صياغة ثقافتها الشعبية لتتحوّل إلى وعي نقدي مقاوم. ● يسار بلا أوثان حزبية ولا فوضى رمزية: لا حاجة لقادة ملهمين يُحتفى بهم كما تُحتفى الرموز الدينية. ولا حاجة لمقولات مقدسة تُردّد دون نقد. اليسار الذي يُبنى اليوم يجب أن يتحرر من الزعامة الفردية ومن عبادة الماضي. القيادة يجب أن تكون جماعية، منفتحة، خاضعة للنقد والمحاسبة. كما قالت روزا لوكسمبورغ: "الحرية هي دوما حرية المختلف، وإلا فهي قناع للاستبداد." وفي الوقت نفسه، لا بدّ من التمييز بين التحرر من البنية الحزبية البيروقراطية، والانزلاق إلى فوضى عدمية تحطم كل شيء دون أن تبني. لا نُريد يسارا مائعا بلا تصوّر، ولا يسارا ستالينيا يخنق المبادرة. نُريد يسارا حرّا، لكن منظما. حازما، لكن إنسانيّا. واضحا، لكن مُتواضعا. ● يسار عابر للقطاعات، لا يرى المجتمع بعيون الطبقات القديمة فقط: اليسار الجديد لا يمكنه أن يواصل الحديث عن "البروليتاريا" بصيغتها الصناعية كما في القرن التاسع عشر. اليوم، الطبقات تغيرت. هناك فقراء رقميون، عاملات غير مصنّفات، شباب يعملون بالهشاشة المطلقة، مهاجرون بلا أوراق، نساء يتحمّلن عبء الرعاية المنزلية دون أجر. إنّ فهم الطبقة العاملة اليوم لا يمكن أن ينفصل عن مسألة النوع الاجتماعي، عن سؤال العرق، عن علاقات الهيمنة الجديدة. نحتاج إلى ماركسية متقاطعة، تفهم التداخل بين الطبقة، والعرق، والنوع، والموقع الجغرافي. ● يسار يصنع ذاكرته من صراعات اليوم لا من أيقونات الأمس فقط: نعم، يجب احترام تاريخ اليسار، من كومونة باريس إلى كوبا، من الرفيق شكري بلعيد إلى جورج حبش، من جورج ابراهيم عبدالله إلى المنسيّين في الزنازين. لكن اليسار الذي لا يصنع ذاكرته من صراعات اليوم، من اعتصامات أهالي تطاوين، من معارك المفروزين، من مقاومة نساء جمنة، سيظل يعيش في الماضي. ذاكرة اليسار ليست فقط ما حدث، بل ما يحدث الآن ولا يُدوَّن. وعلينا أن نُدوّنه، أن نحفره في اللغة وفي الجدران وفي وجدان الناس.
■ نحو التجسيد: خطوات عملية لماركسية تونسية جديدة من لحم هذا الشعب وترابه.
إنّ الحديث عن "يسار عضوي جديد" سيظل خطابا جميلا، لكنه عاجز إن لم يُجسّد في الممارسة. فالماركسية ليست نظرية للمطالعة، بل أداة لفهم الواقع من أجل تغييره. وإذا أردنا فعلا ماركسية تونسية جديدة، فلا بد من ولادتها في الشارع، في الحقل، في المعمل، لا في النصوص فقط. لذلك، نطرح هنا سبع خطوات عملية، ليست وصفة جاهزة، بل رؤوس جسور للعبور من الحلم إلى الفعل. 1. القطع الجذري مع ثقافة الزعامة والتراتبية: أول مسمار في نعش اليسار التقليدي كان عبادة القادة. تلك "الزعيمولوجيا" التي حوّلت القادة إلى أيقونات مقدّسة، تُعفى من المحاسبة، وتُحيط نفسها بجوقات التبرير. هذا النموذج الهرمي، الأبوي، المتصلّب، لم يعد فقط غير صالح، بل مدمّر. علينا أن نغرس مبدأ القيادة الجماعية التداولية، حيث تُصنع القرارات من القاعدة، حيث تُحاسَب القيادات، ويُتداول المنصب، ويتحوّل "القائد" إلى خادم للناس لا سيّد عليهم. كما قال ريكاردو ألاندا أحد مؤسسي زاباتيستا: "نحن نقود من الخلف، ونُصغي من الأمام." 2. إعادة بناء التنظيم من القاعدة ، لا من النخب: الأحزاب التي تُبنى من فوق لا تصمد. هي أشبه بأبراج من زجاج: لامعة، لكنها قابلة للانهيار عند أول ارتجاج. لذلك، يجب إعادة التفكير في منطق التنظيم، بالاعتماد على الخلايا الشعبية القاعدية: في الأحياء، في المعاهد، في أماكن العمل، في الريف والمدينة. كل خلية تُبنى على الثقة، والتجربة المشتركة، والنقاش الجماعي. التنظيم يُبنى حيث يوجد القهر: في طابور الخبز، في زنزانة الاعتقال، في المصنع المسروق، في الجسد المُنهك. هذه الخلايا يجب أن تتواصل أفقيا، بلا مركزية قسرية، وأن تُنتج برنامجها من معاناة الواقع لا من لوائح قديمة تُترجم من الروسية أو الفرنسية. 3. تفكيك الأحزاب التي لم تعد تؤدّي دورا تحرّريا لنكن واضحين: هناك أحزاب يسارية لم تعد يسارية. هيكلها ماركسي لكن روحها ليبرالية. تُدافع عن الفقراء بالكلام، لكنها تتحالف مع من سحقوهم. تُطالب بالثورة في بياناتها، وتُعارضها في الشارع. يجب إعلان القطيعة الفكرية والتنظيمية مع هذه الأحزاب، لا من باب الشتم أو الغضب، بل لأن الحركة الثورية لا تحتمل الشلل. هذه الأحزاب ليست عدوة، لكنها لم تعد رفيقة الطريق. والمضيّ قُدما يقتضي أن نُدرك أن بعض الأجسام التنظيمية يجب دفنها لا إحياؤها. كما قال لينين: "هناك أحزاب تموت لأن الثورة تجاوزتها، وأخرى لأنها خانتها." 4. الانخراط اليومي في صراعات الناس المباشرة ، لا في جدل النخب: الصراع الطبقي ليس فكرة، بل واقع حي. ومن أراد أن يبني ماركسية تونسية جديدة، عليه أن ينخرط في كل معركة يخوضها الشعب: من معارك النقل العمومي، إلى مواجهة الغلاء، إلى الدفاع عن الأراضي الجماعية، إلى دعم نضالات الأمهات العازبات، إلى التضامن مع العمال المسرّحين...الخ. كل هؤلاء ليسوا "مواضيع نضال"، بل شركاء في بلورة الوعي والعمل. على المناضلين أن يعودوا إلى صف الحفر، إلى صفّ الوقوف مع الناس لا فوقهم. قال سلافوي جيجيك في إحدى خطاباته: "أهمّ ما يحتاجه اليسار اليوم: أن يُنصت قبل أن يتحدث، أن ينزل قبل أن يرتفع." 5. تأسيس خطاب جديد يعانق زمنه دون أن يفرّط في جوهره: اللغة ليست محايدة. فالخطاب اليساري يجب أن يكون جذريا في مضمونه، لكنه قريبا من الناس في أسلوبه. لا نحتاج إلى شعارات خشبية عن "ديكتاتورية البروليتاريا" تُرفع في بلد فقير نصفه لا يجد الماء. الخطاب الجديد يجب أن يكون: متواضعا لا استعلائيا، مفهوما لا نخبويا، ذا بعد عاطفي وإنساني، لا تقني بارد، مُرتبطا بالحاجات اليومية (الماء، العمل، النقل، الكرامة)، دون أن يفقد أفق التغيير الجذري. الخطاب لا يُقال فقط، بل يُمارَس. كلّ مبادرة يسارية في حي شعبي تُعدّ بيانا أكثر تأثيرا من ألف منشور. 6. التحالف مع كلّ نضال شريف دون ابتلاع أو وصاية: الماركسية الجديدة لا تسعى لابتلاع كل المبادرات. بل تسعى للتعاون، للنسج الأفقي مع كلّ نضال مستقل: بيئي، نسوي، شبابي، ثقافي، نقابي، محلي. المهم هو معيار التحرّر، لا شعار الانتماء. لا تُقصي المبادرات لأنها "ليست ماركسية"، بل تحتضنها إذا كانت في صفّ الجماهير، وتخدم مشروع التحرّر من الهيمنة. هذه الماركسية الجديدة تتقاطع مع النسوية الراديكالية، مع الحراكات البيئية، مع المنصّات الثقافية البديلة، وتفهم أن التحرّر لا يكون عموديا، بل شبكيا، متعدّد الجبهات. 7. استعادة الأممية من الجنوب... لا من المؤتمرات الأممية ليست مؤتمرا سنويا تنظّمه النخب اليسارية في فنادق أوروبية. الأممية الحقيقية تبدأ عندما يُضرب عمّال تونس تضامنا مع عمّال فلسطين، عندما تنسّق تنسيقية جهوية في الكاف مع تنسيقية في الجزائر، عندما ينشر رفاق من الكونغو بيانا ضد صندوق النقد تضامنا مع شعب سريلانكا. نحتاج إلى أممية جديدة: تبدأ من الجنوب، تُبنى على التضامن الميداني، لا على خطب المكاتب، تُنتج خطابا مقاوما عالميا، لكن من موقع المُستعمَر، لا المُستعمِر. قال جورج حبش: "كنا أمميين لأننا نعرف أن العدو نفسه في كل مكان، وأن الحرية لا تتجزأ."
■ما العمل إذا؟.
سؤال "ما العمل؟" ليس فقط عنوانا شهيرا للينين، بل لعله أكثر سؤال تكرّر في أعماق كلّ مناضل يساري عاش الهزيمة، ولم يستسلم لها. سؤال يُطرح بعد أن ينفضّ الجمع، بعد أن يُغلق المقرّ، بعد أن تُطوى اللافتات، وتبقى اليد فارغة إلا من الحيرة. والحق، أننا لا نعيش لحظة انتصار، بل لحظة مخاض. لا نملك الطريق معبّدا، ولا المفتاح الذهبي للثورة، بل فقط مطرقة النقد وشظايا الأمل. في لحظة كهذه، لا نحتاج إلى إجابات نهائية، بل إلى روح تشقّ الطريق حيث لا طريق. أول ما علينا فعله هو أن نعترف: نعم، لقد خسرنا كثيرا. سقطت الثورات، غاب التنظيم، ضاعت الثقة، وتفككت الأحلام. لكن هذا الاعتراف ليس استسلاما، بل بداية التجاوز. كما يقول أنطونيو غرامشي: "تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة." أن نكون يساريين في هذا الزمن، لا يعني أن نحمل بطاقات عضوية حزبية، بل أن نتحمل مسؤولية خلق المعنى حين ينعدم، وخلق الفعل حيث يُمنع. أن نكون من أولئك الذين لا يتكلمون فقط عن عالم أجمل، بل يبدؤون في نسج خيوطه من قاع البؤس. لكن كيف؟ ما السبيل في هذا الحصار الطبقي ، الإعلامي ، الأمني ، الأيديولوجي المتشابك؟: ¤أولا: من الطهرانية الثورية إلى النضال الواقعي: علينا أن نتجاوز ازدواجية مدمّرة: إما ثورة شاملة أو لا شيء. هذه الطهرانية الثورية التي لا تقبل إلا بالانفجار الكامل، وتحتقر كل خطوة صغيرة، قد تحوّلت إلى أداة تجميد للعمل لا لتسريعه. النضال الواقعي يبدأ من حيث يوجد الناس: من الحاجات اليومية، من الحاجات المباشرة، من المعركة ضد الغلاء، من اعتصام شباب بلا شغل، من معركة تثبيت عاملات النظافة، من فضح صفقة فساد. لا توجد قضية صغيرة حين ترتبط بالكرامة. كما قال تشي غيفارا: "الثورة ليست فعلا واحدا، بل سلسلة من آلاف الأفعال الصغيرة اليومية." ¤ ثانيا: من الهوية اليسارية إلى الفعل اليساري: كثيرون يدافعون عن هويتهم اليسارية أكثر من انخراطهم في الفعل الثوري. يعلّقون صور ماركس وغيفارا، يتبارون في الاقتباسات، يرفعون الشعارات، لكنهم غائبون عن الميادين. هذه اليسارية الشكلانية تُطمئن الضمير لكنها لا تُربك النظام. ما نحتاجه هو يسار لا يعرفه الناس فقط من اللافتات، بل من الوقوف معهم في اللحظات الحرجة. يسار موجود في النزاعات العمالية، في لجان مقاومة الخصخصة، في معارك الأرض والماء والهواء. يسار تكون هويته في فعله، لا في شعاراته. قال فانون: "كل حركة لا تشرح ذاتها في الفعل، محكوم عليها بأن تبقى في المتحف." ¤ ثالثا: من الحركات العفوية إلى مشروع سياسي عضوي: الاحتجاجات العفوية وحدها لا تُسقط نظاما. الغضب وحده لا يصنع بديلا. نحتاج إلى عقل جماعي، ينظم، يخطط، يحلم، يراكم. وهذا لا يعني العودة إلى النماذج القديمة، بل اختراع أشكال تنظيمية جديدة: أفقية، شفافة، متجذرة. المطلوب ليس فقط النزول للشارع، بل البقاء فيه، وتحويله إلى حقل دائم للعمل والتثقيف والتنظيم. تحويل كل معركة إلى لحظة تعلّم، كل خسارة إلى درس، كل خطوة إلى لبنة في مشروع واضح، طويل النفس، متجذر ومتجدّد. ¤ رابعا: من التحليل المغلق إلى الاجتهاد المتجدّد: لم يعد كافيا أن نكرّر نصوص ماركس أو لينين كما هي. السياق تغيّر، والأدوات تغيّرت، وعلينا أن نقرأ الواقع الجديد بعقل ماركسي مفتوح، لا بنص جامد. النيوليبرالية اليوم تتخفّى بألف وجه: في التضامن الزائف، في التطبيقات الذكية، في "التمكين" الذي يسلبك حقك باسم الحرية، في "المشاركة المجتمعية" التي تعفي الدولة من واجباتها. كل ذلك يتطلب أدوات تحليل جديدة، تفكّك الآليات الثقافية والرمزية للرأسمالية، وتعيد وصلها بجوهر الصراع الطبقي. كما يقول ديفيد هارفي: "علينا أن نعيد إنتاج الماركسية كلما تغيّر رأس المال." ¤ خامسا: من الشعور بالهزيمة إلى بناء طاقة جماعية للمواجهة: الهزيمة ليست فقط في الخارج، بل في الداخل أيضا. كم من مناضل فقد الثقة، لم يعد يصدق الجدوى، غرق في السخرية السوداء أو الحنين؟ علينا أن نُعالج هذا الإحباط الجماعي لا بالوعود، بل بالفعل المشترك. نحتاج إلى مساحات للحوار، للفضفضة، للدعم النفسي المتبادل، للبكاء الجماعي أحيانا... هذه أيضا أدوات مقاومة. فكما قال الشاعر: "حتى الحزن إذا صار جماعيا، يصبح شكلا من أشكال الكفاح." ¤ سادسا: من الانغلاق القطري إلى المدّ الأممي من الجنوب: علينا أن نُدرك أننا لسنا وحدنا. كل معركة في تونس لها صدى في تشيلي، وكل انتفاضة في السودان تُضيء شعلة في نابلس. علينا أن نبني شبكات تضامن من الجنوب إلى الجنوب: تبادل تجارب، تضامن إعلامي، دعم قانوني، تنسيق مباشر. الأممية اليوم ليست ترفا، بل ضرورة. فأعداؤنا موحدون: صندوق النقد، لوبيات الاستيراد، النخب المتفرنجة، الطغم العسكرية... ونحن، علينا أن نوحّد معاركنا، لا أن نغرق في قطريات بائسة. ¤ سابعا: من الفوضى التكتيكية إلى التمسك بالثابت الاستراتيجي: مهما تفرعت أساليب النضال وتعددت المواقع والساحات، فإن الثابت الحقيقي الذي يجب أن نتمسّك به هو القضية الفلسطينية باعتبارها بوصلة لكل الثوريين، والمقاومة بوصفها تعبيرا عن كرامة الشعوب. فلسطين ليست قضية خارجية، بل مرآة الداخل، واختبار كل خطاب تحرّري. وبالمثل، فإن معاداة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي لم تعد خيارا، بل ضرورة وجودية. فهذان الكائنان لم يُنتجا سوى الخراب في الجنوب: تفكيك القطاع العام، خوصصة التعليم والصحة، تجويع الشعوب عبر وصفات تقشفية. كما كتب سمير أمين: "لا يمكن تحقيق الاستقلال الوطني بدون القطيعة مع المؤسسات المالية العالمية." التحرر اليوم يعني مقاومة هذه الأدوات الإمبريالية كما نقاوم القمع الداخلي. لا بد من خطاب يُعيد ربط المعركة الاجتماعية بالمقاومة الوطنية، ويرى أن الكرامة لا تتجزأ: كرامة العاطل والمفقّر، كرامة اللاجئ والمحتل، كرامة المقهور من بوليس الداخل ومن هيمنة الخارج. ¤ ثامنا وأخيرا... ما العمل؟ العمل أن نُؤمن أن الغد ليس قدرا يُنتظر، بل مشروع يُنتزع. أن نبدأ بلا مثالية، ولا انتظار للشرعية، ولا خوف من الخطأ. أن نُعيد بناء اليسار لا كما كان، بل كما يجب أن يكون. يسار يُنصت أكثر مما يتكلم، يتحرك أكثر مما يُنظّر، يبني أكثر مما يهدم، ويُحب أكثر مما يكره. يسار لا ينفي الماضي، لكنه لا يُقيم فيه. يسار ليس يوتوبيا عائمة، بل مراكب صغيرة في بحر الغضب، تشقّ الموج نحو أفق ما يزال يُكتب.
■لا استراحة بعد الآن، بل انخراط شامل في معركة المصير: من قال إننا نملك ترف الانتظار؟ من أقنعنا بأن الصبر على الذلّ فضيلة؟ من سوّق لنا أن السياسة لعبة برلمانات، وأن الثورة قصيدة عاطفية؟ هذه الهزائم المتكررة ليست قدرا، لكنها أيضا ليست استراحة. من ينهزم ولا يتعلم، يعيد الخطأ. ومن ينهزم ثم يتأقلم، يموت وهو حي. أما من ينهزم ثم يُراكم، ويتعلم، ويغضب، ويعيد التسلّح بالإرادة والفكرة والتنظيم، فهو الثائر الحقيقي، حتى وإن طال الطريق. لا جدوى من الندب. لا معنى للتشاؤم المريح. لا وقت للمواعظ السياسية. المطلوب الآن هو الانخراط، بكل ما في الكلمة من تحدّ واستفزاز. المطلوب هو أن نغادر المواقع الرمزية، ونتجه مباشرة نحو الجمر: الجمر في حقول الفلاحات المنهكات. الجمر في صدور العمّال الذين يسكنون العراء. الجمر في حلق الأساتذة المهمّشين، والطلبة المطاردين، والعاطلين الذين يبيعون أعضاءهم ليشتروا خبزا. المعركة لم تعد مؤجلة، ولا محصورة في خطابات المؤتمرات، بل هي هنا، الآن، في كل حيّ ومدينة، في كل سوق ومدرسة ومستشفى. فلنبدأ من هنا: لنربط القضية الفلسطينية بكل معركة محلية، لأن فلسطين هي قلب كل مقاومة. لنجعل صندوق النقد الدولي عدونا المباشر، والبنك العالمي آلة النهب التي نفضحها. لنبن تنظيما أفقيّا يربط بين المهمشين والمقموعين، من تونس إلى غزّة، من قفصة إلى جنين. اليسار الذي نحتاجه ليس شعارا، بل فعلا. ليس صورة، بل معول. ليس حنينا، بل غضبا. لا مكان للرماديين بعد اليوم، لا مكان للمتردّدين، ولا للمجمّلين للخراب. الوقت وقت التحريض: حرّضوا العمّال، حرّضوا الأساتذة، حرّضوا العاطلين، حرّضوا النساء، حرّضوا الأحياء الشعبية، حرّضوا ضد الذلّ، ضد الجوع، ضد القمع، ضد الاحتلال، ضد صندوق النقد الدولي، ضد البنك العالمي، ضد كذب الحكومات. "عندما يصبح الظلم قانونا، يصبح التمرّد واجبا." الآن، لا غدا. في الميدان، لا في الورق. بالعرق والدم، لا بالتصريحات. ولْنقلها واضحة: يسار لم يولد بعد، لكنه قادم من رحم الفوضى، من تحت الأنقاض، من صوت الشعوب المكبوتة. فلنكن نحن من يهيّئ له الأرض. فلنكن نحن من لا يساوم. فلنكن نحن من يشعل الفتيل.
♧أكثر من خاتمة، هذه دعوة: دعوة إلى يسار لم يولد بعد. ليس يسارا بديلا عن القديم فقط، بل نقيضا له. يسار لا يركن للحنين ولا ينتظر المعجزات. يسار لا يعتقد أن الصراع يبدأ بانتخابات وينتهي بمقعد، بل يفهم أن الثورة تبدأ حين ترفع فلاحة معولها لا لتزرع، بل لتصدّ به جرافة شركة استغلال فاحشة. حين يُضرب عامل في منجم لا من أجل الأجر فقط، بل من أجل استرجاع كرامة طبقية مُهدورة. حين تعتصم أم فقيرة في مدرسة أطفالها لأن المدرسة مهددة بالإغلاق، فتتحوّل من "مواطنة" إلى "قيادية". "الثورة هي لحظة يدخل فيها المستضعفون التاريخ بصفتهم أسيادا." والتر بنجامين يسار لا مركزي، لكن لا فوضوي ينبغي أن يكون هذا اليسار القادر على النهوض: منظما لا بيروقراطيا. منفتحا لا انتهازيا. جذرا لا ظلا. يسار يُنبت من لحم الناس ومن لغة الأرض، يرى في ربات البيوت عاملات خفيّات، وفي المهملين من التاريخ روّادا للثورة. يسار يؤمن أن الخبز قضية سياسية، وأن الماء معركة طبقية، وأن الحب أيضا مقاومة حين يصير مستحيلا في عالم تُباع فيه المشاعر كالإعلانات. "الحرية لا تُمنح من فوق. الحرية تُؤخذ. واليد التي تأخذها، يجب أن تكون يدا جماعية." روزا لوكسمبورغ نحن في لحظة تاريخية نادرة... لحظة ليست فقط لحظة أزمة اليسار، بل لحظة أزمة الكوكب، أزمة الإنسان، أزمة الفكرة، أزمة الذاكرة. واليسار الذي لا يُدرك عمق هذه اللحظة، سيبقى يدور حول نفسه، كما يدور قطار معطّل على سكك الصدأ. نحن في لحظة تتقاطع فيها كل الأزمات: انهيار المناخ. تزايد اللاعدالة الطبقية. هيمنة الإمبريالية الرقمية والمالية. انسداد الأفق الديمقراطي حتى في أكثر البلدان "تقدّما". ومن لا يصوغ نفسه الآن كأداة جماعية للتغيير الجذري، سيُصاغ كوظيفة في ماكينة الهزيمة.
¤الخاتمة الحقيقية ليست نهاية، بل بدء جديد : ليست هذه الكلمات نداء من أجل الوحدة الشكلية، ولا بكائية على زمن مضى. بل هي صوت من داخل الحفرة، من تحت الركام، يقول: لا زال ممكنا. لا زال ممكنا أن نبني يسارا لا يتكلم بل يزرع، لا يشرح بل يحفر، لا يُراكم شعارات بل ينقّب عن الحقيقة في جسد الحياة اليومية. "لن تكون هناك ثورة إلا حين يتحوّل الخوف إلى ازدراء، والصمت إلى صراخ، واليأس إلى تنظيم." فرانز فانون إلى الذين تعبوا من الأحزاب، لا تيأسوا. إلى الذين ضجروا من المظلومية، لا تصمتوا. إلى الذين ما زالوا يحلمون بعالم أجمل، لا تعتذروا. اليسار الجديد لا يُصنع في اللجان، بل يُصاغ في النبض. في الحيّ. في الدمعة. في الرفض. في العناد. في الرؤية الواضحة والعاطفة العارمة. فليكن ما نكتبه هنا، لا مجرد مقال، بل مانيفستو لما لم يُكتب بعد. وثيقة حلم، دليل مقاومة، ورسم أوليّ للوجه القادم... وجه يسار لا يتنازل، ولا يتواطأ، ولا يُؤدلج الألم، بل يُحوّله إلى نار.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عالم متعدد الأقطاب الإمبريالية: خرافة التوازن وخطر التجزئة.
-
صدى النازية في قلب الحداثة.
-
قراءة سريعة في كتاب معذّبو الأرض لفرانز فانون
-
ردّ على تفاعل نقدي من رفيق مع مقال- هل لا يزال لليسار معنى ف
...
-
هل لا يزال لليسار معنى في ظل العولمة النيوليبرالية؟ .
-
من اضغاث حقيقة متّهمة بالحلم. من المجتمع المدني إلى الجبهة ا
...
-
الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للع
...
-
الإمبريالية في جسد جديد صراع الغاز، والمضائق، والعقول...
-
الحرب التي تعيد ترتيب الجحيم: حين لا يكون الاصطفاف كافيا.
-
قراءة لرواية -1984- لجورج أورويل. رواية ضدّ الزّمن ومركّبة ع
...
-
قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير
...
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
-
قراءة في قصّة “رحاب” من المجموعة القصصية - بلايك - للشاعر و
...
-
-منتصر السعيد المنسي-: حفر في منطوق شهادة ذاتية ضد نسيان الط
...
-
غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية
...
-
قراءة نقدية في المجموعة القصصية -ولع السّباحة في عين الأسد-
...
-
الإمبريالية الأمريكية بنَفَس ترامب: وقاحة القوة ونهاية الأقن
...
-
ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة
-
القصيدة ما بعد الّنثر
-
افكار حول البناء القاعدي والتسيير
المزيد.....
-
أمسك بها من رقبتها وجرها.. رجل يحاول اختطاف موظفة متجر في وض
...
-
دنيا سمير غانم وإيمي وكايلا معاً في -روكي الغلابة-
-
الأردن يجلي -الدفعة الأكبر- من الأطفال المرضى والمصابين من غ
...
-
مواطنو دمشق يدينون الغارات الإسرائيلية على العاصمة السورية
-
رغم انتهاء المعارك.. نزوح جماعي للعشائر ودعوات لمقاطعة تجّار
...
-
مذكرات أنصارية ..هكذا فتحنا مقر هركي في قرية (شيف أوصمانكا)
...
-
مواجهات السويداء.. فاديفول يدعو إلى الالتزام بوقف إطلاق النا
...
-
تجارب فرنسا النووية في بولينيزيا: سنوات من المعاناة ومطالب ب
...
-
استشهاد أسير بسجون الاحتلال وارتفاع عدد المهجّرين في طولكرم
...
-
حماس تدين استهداف الاحتلال لكنيسة اللاتين في غزة
المزيد.....
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
المزيد.....
|