أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - رياض الشرايطي - ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة















المزيد.....



ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 20:11
المحور: السياحة والرحلات
    


ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة - فندقة و وكالات اسفار - ، من خارج ايّام السّياحة و الصّناعات التقليدية بقفصة .

تحتل ولاية قفصة مكانة فريدة في التاريخ والثقافة والجغرافيا التونسية، إذ تجمع بين تراث حضاري عميق يمتد عبر آلاف السنين، وموارد طبيعية غنية ومتنوعة، إضافة إلى إرث صناعي وفلاحي يشكل جزء من نسيج الاقتصاد الوطني. ومع ذلك، فإن هذه المؤهلات الفريدة لم تُستغل بالشكل الأمثل في قطاع السياحة، الذي يمكن أن يكون رافعة قوية لتنمية الجهة ورافدا هاما للاقتصاد المحلي والوطني.
تواجه قفصة تحديات عدة تجعلها بعيدة عن تحقيق إمكاناتها السياحية الحقيقية، منها هشاشة البنية التحتية الفندقية، وضعف الخدمات المصاحبة، غياب التكوين والتأهيل المهني المناسب، والإهمال المستمر لتراثها الثقافي والطبيعي. كما أن غياب رؤية استراتيجية متكاملة تربط بين مختلف مكونات السياحة في الجهة – من مواقع أثرية إلى محميات طبيعية ومراكز تكوين – يعمق أزمة التنمية السياحية ويجعل قفصة محطة عابرة في الرحلات السياحية لا وجهة مستقلة ذات جاذبية دائمة.
في هذا الإطار، نرصد عبر مجموعة من النقاط واقع السياحة في قفصة، مسلطين الضوء على مكامن الخلل والتحديات، ومقدمين رؤية مستقبلية تتطلب تعاونا جديا بين السلطات المحلية، القطاع الخاص، والمجتمع المدني لإعادة الاعتبار لهذه الجوهرة المنسية. فالسياحة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل مشروع تنموي متكامل قادر على استعادة الروح الحضارية للجهة، وتأمين فرص العمل للشباب، وتحقيق التنمية المستدامة التي تضمن المحافظة على الموارد الطبيعية والثقافية للأجيال القادمة.

1. السياحة ليست فقط فندقة، بل منظومة متكاملة متشابكة الأبعاد.

غالبا ما يختزل البعض مفهوم السياحة في قفصة إلى مجرد عدد النزل والفنادق أو غرف الإقامة، مع تجاهل كامل للجانب التنظيمي الشامل والعديد من العوامل الأساسية التي تجعل من أي جهة وجهة سياحية حقيقية ومستدامة. لكن السياحة في حقيقتها منظومة معقدة تتداخل فيها عوامل متعددة ومتكاملة تبدأ من البنية التحتية للنقل (طرق، مطارات، وسائل نقل داخلية)، مرورا بالخدمات الفندقية والمطاعم، وصولا إلى الإرشاد السياحي، التكوين والتدريب، والحفاظ على التراث المادي وغير المادي، وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية والبيئية التي تحيط بالسياحة.
في قفصة، هذه المنظومة السياحية تعاني من تشتت واضح، حيث لا توجد رؤية استراتيجية موحدة أو خطة شاملة تنسق بين مختلف القطاعات: القطاع الفندقي يعاني من نقص حاد في عدد الفنادق والخدمات ذات الجودة، وشبكة الطرق الداخلية التي تربط بين المعالم السياحية هشة وغير مجهزة بشكل يضمن سهولة التنقل وأمانه. لا توجد أيضا بنية تحتية كافية للمواقع التاريخية والطبيعية مثل المغاور أو الواحات، ولا تتوفر خدمات إرشادية متخصصة تقدم محتوى ثقافيا وعلميا للزوار، مما يجعل التجربة السياحية ضعيفة وغير محفزة.
علاوة على ذلك، لا توجد مدارس أو مراكز تكوين تخصصية تجهز الشباب للعمل في القطاع السياحي بشكل مهني. وهذا ينعكس على ضعف جودة الخدمات المقدمة، وغياب أدلاء سياحيين قادرين على إثراء تجربة الزائرين من خلال سرد قصص المنطقة وتراثها بطريقة جذابة.
على مستوى المجتمع المحلي، لا تزال هناك فجوة في إدماج السكان في منظومة السياحة، مما يحد من إمكانات التنمية المستدامة التي تضمن استفادة الجميع وتشاركهم في حماية الموارد الطبيعية والثقافية. ويزيد من تعقيد المشهد غياب التنسيق بين مختلف الجهات الرسمية والخاصة، مما يولد حالة من الفوضى في إدارة المواقع وترويجها.
دون استثمار حقيقي في بناء منظومة سياحية متكاملة، قفصة ستبقى في وضع هش وغير قادر على منافسة الجهات الأخرى في تونس التي قطعت خطوات متقدمة في تطوير بنيتها السياحية. وعلى سبيل المثال، سوسة والحمامات و توزر و دوز ... الخ ،استفادت من خطط متكاملة شملت تحديث الفنادق، تطوير النقل، إنشاء مراكز إرشادية، وتنظيم مهرجانات ثقافية ترويجية، الأمر الذي لم يُطبق حتى الآن في قفصة رغم ما تملكه من موارد طبيعية وتراثية فريدة.
لذلك، يجب النظر إلى السياحة في قفصة كمسار تنموي يشمل كل هذه الجوانب، ولا يمكن القفز على أي منها دون أن يتضرر كامل البناء. هذا يتطلب إرادة سياسية واضحة، استثمارات مستدامة، تضافر جهود القطاعين العام والخاص، وتشجيع المجتمع المدني على المشاركة الفعالة.

2. ما الذي لدى قفصة لتكون وجهة سياحية فريدة على المستوى الوطني والدولي؟ .

قفصة ليست مجرد مدينة كبوابة صحراوية عادية في وسط تونس، بل هي مخزن حقيقي للتراث الحضاري والتاريخي، ومركز طبيعي غني بالتنوع البيئي، مما يجعلها ذات إمكانات سياحية فريدة وغير مستغلة بشكل حقيقي. هذه الإمكانات تتوزع بين عدة محاور متكاملة تؤهل قفصة لأن تصبح وجهة سياحية جاذبة إذا ما توافرت الرؤية الاستراتيجية والإرادة الحقيقية للاستثمار في تطويرها.

أ. الحضارة القبصية: رصيد تاريخي عالمي :

قفصة هي مهد الحضارة القبصية التي تعود إلى أكثر من 7000 سنة قبل الميلاد، وتعد من أقدم الحضارات الزراعية في العالم. هذا التاريخ الأثري العريق تمثله مواقع مثل الرماديات ، التي تقدم نموذجا متفردا للمعيشة البشرية البدائية في الكهوف والجبال، مع بقايا فنية وأدوات حجرية تروي قصص تطور الإنسان في تلك المنطقة. هذه المواقع الأثرية لم تحظ بعد بالتثمين الذي تستحقه، فهي لا تزال في غياب شبه تام من حيث الترميم والتوثيق العلمي، ناهيك عن عدم وجود بنية تحتية لاستقبال السياح (مسالك معبدة، إنارة، خدمات إرشادية، مراكز زوار).

ب. التراث الثقافي المتنوع:

تضم قفصة كذلك المدينة العتيقة التي تحوي حارة اليهود وكنيسهم القديم، وهو شاهد حي على تاريخ التعايش بين الأديان والثقافات في المنطقة. هذه المواقع تمثل ثروة تراثية تستحق الحفاظ عليها وتطويرها كجزء من البرامج السياحية الثقافية. برج الرومية في جبل عرباطة، كموقع دفاعي قديم، يقدم مناظر طبيعية خلابة، إضافة إلى إمكانية تنظيم رحلات سياحية تعليمية وتاريخية في محيطه.

ج. الطبيعة والبيئة: تنوع جغرافي وبيولوجي:

قفصة تقع على مفترق طرق بين الصحراء والجبال، وتتميز بمناظر طبيعية خلابة تجمع بين الكثبان الرملية، الواحات، والجبال. من أبرز المواقع الطبيعية منطقة جبل عرباطة الذي يحتوي على تنوع بيولوجي غني ومحمية طبيعية ذات أهمية كبيرة للحفاظ على النباتات والحيوانات النادرة. كذلك أم العلق ولالة و بوهدمة تمثل بيئات استثنائية للتنزه والسياحة البيئية.

د. الآثار الجيولوجية والعلمية :

لا يمكن إغفال الجانب العلمي الذي يمكن أن يصبح عامل جذب للسياحة المتخصصة، حيث تحتوي قفصة على مواقع جيولوجية مهمة مثل المتلوي التي تضم مخزونات فوسفاطية ضخمة، إضافة إلى بقايا أحفورية بحرية نادرة، ما يجعلها مركزا مهما للبحوث العلمية، ويمكن استثمار ذلك في تنظيم سياحة علمية تعليمية تجذب الباحثين والطلاب.

هـ. الصناعات التقليدية والتراث الحرفي :

قفصة معروفة أيضا بحرفها التقليدية التي تحمل بصمة تاريخية واجتماعية عميقة، مثل صناعة الفخار، النسيج، والأعمال الجلدية التي تعكس ثقافة الشعب القبصي. ومع ذلك، فإن هذه الصناعات تعاني من الإهمال وغياب التوثيق والتسويق، مع ندرة الأماكن التي تعرض هذه المنتجات في شكل متحف أو معارض دائمة، ما يحرم الزائرين من فرصة التعرف على الجانب الحي للتراث القبصي.

و. إمكانيات تطوير السياحة المستدامة :

من خلال دمج هذه المكونات المتنوعة (التراث التاريخي، الطبيعة، الثقافة، والحرف التقليدية) يمكن خلق تجربة سياحية شاملة تميز قفصة عن غيرها. إلا أن هذا يتطلب بناء مسارات سياحية تربط بين هذه المواقع، تجهيزها بمرافق حديثة، توفير خدمات نقل مناسبة، والاستثمار في تدريب الكوادر البشرية على الإرشاد والسياحة البيئية والثقافية.
كما يجب العمل على رفع الوعي المجتمعي بأهمية السياحة كمصدر دخل وتنمية، والحد من الممارسات التي تضر بالبيئة أو بالتراث، مثل الإهمال أو الاستغلال غير المسؤول.

ز. التحديات الحالية التي تحول دون استثمار هذه الإمكانات :

ورغم كل هذه الإمكانات، تواجه قفصة عدة عقبات: غياب استراتيجية تنموية واضحة تربط بين المواقع المختلفة، ضعف البنية التحتية، نقص في الخدمات السياحية (إرشاد، استقبال، تنقل)، الإهمال في الترميم والتراث، وعدم وجود تسويق سياحي فعال على المستويين المحلي والدولي.

قفصة تمتلك تراثا حضاريا وتاريخيا فريدا، وتنوعا بيئيا طبيعيا هاما، وحرفا تقليدية تعكس ثقافة أصيلة. هذه المكونات تجعل منها وجهة سياحية واعدة على المستوى الوطني وحتى الدولي إذا ما تم استثمارها بذكاء ووفق رؤية متكاملة تحترم خصوصية المنطقة وتحافظ على موروثها. إلا أن تحويل هذه الإمكانات إلى واقع سياحي ناجح يتطلب جهدا مكثفا على مستوى التخطيط، البنية التحتية، التدريب، والتسويق، بعيدا عن الخطابات الإنشائية أو التهميش المستمر.

3. البنية الفندقية في قفصة: هشاشة واضحة وعجز عن استيعاب السياحة المتنامية .

تعتبر البنية الفندقية العمود الفقري لأي صناعة سياحية ناجحة، فهي تمثل الواجهة التي يقيم فيها السائحون ويشعرون من خلالها بجودة التجربة ككل. في حالة قفصة، يعاني هذا القطاع من عدة مشكلات جوهرية تعيق استقطاب الزوار، سواء كانوا من داخل تونس أو من الخارج، وتجعل من الصعب على الجهة أن تنافس بقية المناطق السياحية في البلاد.

أ. قلة عدد الفنادق ونوعية الخدمات المقدمة :

قفصة تعاني من ندرة واضحة في عدد الفنادق مقارنة بحجم التراث والوجهات السياحية التي تمتلكها. عدد الفنادق محدود جدا، وغالبا ما تكون صغيرة الحجم وتفتقر إلى المواصفات والمعايير التي يطلبها السياح المعاصرون، سواء من حيث الراحة أو النظافة أو الخدمات المصاحبة. حتى النزل المتوفرة لا تلبّي عادة توقعات السائحين، ولا تتوفر على تجهيزات تكنولوجية حديثة أو خدمات ترفيهية تكميلية.

ب. ضعف التجهيزات والمرافق الفندقية :

المرافق الأساسية داخل الفنادق في قفصة، من غرف نوم ومطاعم ومرافق ترفيهية، غالبا ما تكون قديمة أو غير مكتملة. عدم تحديث هذه المرافق بشكل منتظم يؤدي إلى تراجع مستوى جودة الخدمة، مما يؤثر سلبا على تقييمات السياح ويحد من احتمالية عودتهم أو التوصية بالمنطقة.

ج. عدم التوازن بين العرض والطلب :

مع تنامي الاهتمام بالسياحة البيئية والثقافية في تونس، والظهور المتزايد لسياحة المغامرات والتاريخ، يزداد الطلب على الفنادق المتوسطة إلى الراقية التي توفر إقامة مريحة وآمنة. قفصة، في ظل بنيتها الفندقية الحالية، غير قادرة على استيعاب هذا الطلب، وهو ما يدفع بالسياح إلى التوجه نحو جهات أخرى مثل توزر و دوز .

د. غياب الاستثمار الخاص والعام في القطاع الفندقي:

أحد أسباب ضعف البنية الفندقية هو غياب سياسات جاذبة للاستثمار الخاص في قطاع الفنادق بالجهة. كذلك لا تتوفر خطط واضحة للاستثمار العام أو شراكات بين القطاعين لتطوير البنية التحتية الفندقية، ما يخلق حالة من الركود والجمود. إضافة إلى ذلك، فإن نقص الحوافز والتسهيلات للمستثمرين في القطاع يجعل من قفصة غير جاذبة مقارنة بوجهات أخرى.

هـ. التحديات المرتبطة بالموقع الجغرافي والاتصال :

تقع قفصة في منطقة داخلية غير ساحلية، وهذا يجعل الوصول إليها أقل سهولة مقارنة بالوجهات الساحلية التي تستفيد من السياحة الشاطئية. نقص الربط الجيد بالنقل الجوي أو السككي يؤثر سلبا على جاذبية الفنادق في قفصة، لأن السياح يفضلون الوجهات التي توفر سهولة الوصول والتنقل.

و. نقص الكوادر المدربة والفنية :

البنية الفندقية تحتاج إلى كفاءات مدربة على أعلى مستوى في مجالات الإدارة والخدمات الفندقية والضيافة، وهو ما يعاني منه قطاع السياحة في قفصة، حيث يفتقر إلى برامج تكوين متخصصة وميدانية تواكب معايير الجودة العالمية، ما ينعكس على جودة الخدمات الفندقية المقدمة.

ز. تأثير ضعف البنية الفندقية على السياحة المحلية والدولية :

ضعف البنية الفندقية يحد من قدرة قفصة على استقطاب السياح الدوليين، الذين يبحثون عن إقامة مريحة وفق معايير صارمة. كما أن السياح المحليين المتوجهين إلى قفصة يفضلون قضاء وقت أقل بسبب نقص الخيارات الفندقية المناسبة، مما يقلل من معدل الإقامة ويحد من فرص نمو الاقتصاد السياحي.

البنية الفندقية في قفصة تعاني من هشاشة واضحة وافتقار للمواصفات العالمية التي يتطلبها السوق السياحي الحديث. هذه النقطة تمثل عائقا كبيرا أمام تطور القطاع السياحي في الجهة، وتتطلب تدخلا عاجلا من جميع الفاعلين—حكوميا وخاصة خاصا—لتطوير فنادق عصرية ومجهزة جيدا، وتحسين جودة الخدمات، وجذب الاستثمارات، فضلا عن خلق برامج تدريبية متخصصة للكوادر الفندقية. فقط من خلال تقوية هذا القطاع يمكن لقفصة أن تستفيد بشكل فعلي من كنوزها الطبيعية والتاريخية والثقافية في مجال السياحة.

4. غياب البنية التحتية لزيارة الجبال والواحات: عائق رئيسي أمام التنمية السياحية في قفصة .

تتمتع قفصة بثراء طبيعي فريد من نوعه، يجمع بين الجبال الشاهقة والواحات الخلابة التي تشكل متنفسا بيئيا وتاريخيا هاما. جبال عرباطة والميدة، وواحات قفصة و محميات كلالة و بوهدمة و عرباط ، و مواقع كأم العلق، تمثل عناصر جذب سياحي يمكن أن تفتح آفاقا واسعة لسياحة المغامرات، البيئية، والثقافية، لكنها للأسف تعاني من إهمال بنيوي وبنية تحتية شبه معدومة. هذا النقص ليس فقط في المرافق، بل في التخطيط والموارد التي تحول دون استثمار هذه الثروات الطبيعية بشكل فعّال.

أ. سوء حالة الطرقات والربط المادي :

تعتبر الطرقات التي تؤدي إلى هذه المواقع السياحية الطبيعية من أهم عناصر البنية التحتية. للأسف، غالبية الطرق المؤدية إلى جبال عرباطة والميدة، وكذلك إلى الواحات النادرة مثل كلالة وأم العلق، في حالة متدهورة جداً. الحفر والتشققات، نقص الإشارات المرورية، وقلة الإنارة تجعل الوصول إلى هذه المواقع مغامرة بحد ذاتها، ولا تناسب السياح الباحثين عن راحة وأمان أثناء التنقل. هذا الوضع يعوق حركة السياح ويؤدي إلى عزوفهم عن زيارة هذه المناطق.

ب. غياب المرافق الأساسية الداعمة للسياحة:

لا تتوفر في هذه المواقع مرافق أساسية مثل مراكز الإرشاد السياحي، مواقف سيارات منظمة، مناطق استراحة مجهزة، ومرافق صحية نظيفة ومريحة. كذلك لا توجد نقاط للطوارئ أو محطات إسعاف مجهزة لاستقبال الحالات الطارئة، ما يجعل السياحة في هذه المناطق محفوفة بالمخاطر، خاصة مع ارتفاع نسبة الزوار من عشاق رياضات المغامرة وتسلق الجبال.

ج. عدم وجود علامات إرشادية ولوحات توعوية :

من أهم عناصر السياحة البيئية والثقافية وجود لوحات إرشادية واضحة تشرح تاريخ المكان، الخصائص الطبيعية، الطرق والمسالك، بالإضافة إلى القواعد التي يجب الالتزام بها للحفاظ على البيئة. في قفصة، لا تزال هذه اللوحات غائبة، مما يؤدي إلى تضليل الزوار أو تعرضهم لمخاطر بسبب عدم معرفة المسالك الصحيحة. كما يؤدي ذلك إلى ضعف الوعي البيئي بين الزوار وعدم احترامهم للموارد الطبيعية.

د. غياب الكوادر المدربة على الإرشاد البيئي والسياحي :

من أبرز النواقص في المنطقة هو افتقاد الكوادر المدربة التي يمكنها تقديم خدمات إرشادية للسياح، وتوفير معلومات علمية وتاريخية عن الجبال والواحات. وجود مرشدين سياحيين متخصصين يساهم بشكل كبير في تحسين تجربة السائح، ويساعد على نشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والتراث، لكن قفصة لم تستطع توفير برامج تدريبية وتوظيف الكفاءات اللازمة في هذا المجال.

هـ. عدم توفر شبكات إنقاذ وتأمين بيئي وصحي :

السياحة في المناطق الجبلية والبيئية تحتاج إلى وجود شبكات إنقاذ متخصصة، بالإضافة إلى تأمين صحي وبيئي يغطي كافة الطوارئ المحتملة. عدم وجود مثل هذه الشبكات يشكل خطراً على السائحين، خاصة في حالات الحوادث أو الظروف المناخية القاسية. هذا النقص يجعل الكثير من منظمي الرحلات السياحية يتجنبون إدراج هذه المناطق ضمن برامجهم.

و. غياب المشاريع التنموية والترويجية لهذه المواقع :

رغم وجود مؤسسات حكومية وجمعيات بيئية تهتم بالحفاظ على هذه المناطق، فإن غياب المشاريع التنموية والتسويقية التي تبرز هذه المواقع كوجهات سياحية متميزة يؤدي إلى عدم استقطاب الزوار بشكل كاف. لا توجد حملات ترويجية مكثفة أو تعاون بين الجهات المختلفة لتطوير هذه المواقع ودمجها ضمن مسارات سياحية متكاملة.

غياب البنية التحتية لزيارة الجبال والواحات في قفصة يمثل عائقا جوهريا يحول دون استثمار الإمكانات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها الجهة. يتطلب الأمر رؤية شاملة لاستثمار الموارد الطبيعية، تبدأ بتأهيل الطرقات، إنشاء مراكز إرشاد ومرافق داعمة، تجهيز مناطق الاستراحة، وتوفير كوادر مؤهلة وشبكات إنقاذ متطورة. كما يجب إطلاق حملات ترويجية متكاملة تبرز هذه المواقع كوجهات سياحية لا بديل لها، وتضمينها في برامج سياحية جهوية ووطنية تعزز من مكانة قفصة على خارطة السياحة في تونس والعالم.

5. قفصة: لماذا لا يمكن أن تكون وجهة سياحية منفردة في برامج الرحلات السياحية؟ .

في عالم السياحة، يعتبر تكوين مسارات سياحية متكاملة ومتنوعة من أهم عوامل النجاح في جذب السياح واستدامة القطاع. لكن قفصة، رغم غناها التاريخي والطبيعي، تواجه تحديات بنيوية تجعل من الصعب أن تتبوأ مكانة وجهة سياحية قائمة بذاتها ضمن برامج الرحلات الكبرى. هذا الأمر لا ينبع فقط من ضعف البنية التحتية أو قلة الخدمات، بل من غياب رؤية استراتيجية متكاملة تربطها بباقي الجهات وتُبرز مكانتها في المشهد السياحي الوطني والإقليمي.

أ. ضعف البنية السياحية كعائق رئيسي للاستقلالية السياحية :

أولا، البنية الفندقية والخدمية في قفصة لا تتيح استقبال أعداد كبيرة من السياح لفترات ممتدة. قلة الفنادق، ضعف تجهيزاتها، وقلة التنوع في الخدمات السياحية تجعل من الصعب توفير تجربة متكاملة للسائح، وهو ما يدفع منظمي الرحلات لتضمينها كمحطة عابرة ضمن مسارات أوسع تشمل مدنًا أخرى توفر خيارات أفضل.

ب. قلة التنوع السياحي مقارنة بالجهات المجاورة :

على الرغم من أن قفصة تمتلك مواقع أثرية وطبيعية مهمة، إلا أن التنوع السياحي لا يضاهي ما هو موجود في جهات أخرى مثل توزر، و قبلي و قابس، التي تجمع بين السياحة الصحراوية، البيئية، الثقافية، والفنية. هذا التنوع يسمح لهذه الجهات بأن تقدم برامج سياحية شاملة تغطي اهتمامات مختلفة للسياح، بينما قفصة لا تزال تعاني من تركز محدود في عدد ونوعية المواقع السياحية.

ج. غياب برامج سياحية جهوية متكاملة تربط قفصة بمحيطها :

إن السياحة الفعالة تحتاج إلى تخطيط جهوي يربط المواقع ببعضها البعض ضمن مسار متكامل ومترابط. في قفصة، لا توجد حتى الآن برامج متطورة تربطها بمناطق مثل توزر بجنوب تونس، أو مدن أخرى في الجنوب الشرقي مثل قابس وقبلي، مما يؤدي إلى عزلة نسبية للجهة في منظومة السياحة الوطنية. هذا العزلة تؤدي إلى فقدان فرص جذب السياح الباحثين عن تجارب شاملة ومتميزة.

د. الحاجة إلى تبني رؤية وطنية للسياحة الداخلية :

لتجاوز هذه التحديات، لا بد من اعتماد رؤية وطنية تجمع الجهات الجنوبية ضمن شبكة سياحية موحدة تدعم كل جهة وتعزز من نقاط قوتها، وتعمل على سد الثغرات في البنية التحتية والخدماتية. هذه الرؤية تتيح دمج قفصة في مسارات سياحية متعددة، مما يرفع من أهميتها السياحية، ويساعد على توزيع الفوائد الاقتصادية على نطاق أوسع داخل الجهة.

هـ. ضرورة تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص :

كما أن تطوير قفصة كوجهة سياحية قوية يتطلب تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لاستثمار المواقع السياحية بطريقة مهنية، وتطوير منتجات سياحية مبتكرة (مثل الرحلات البيئية، المغامرات، السياحة الثقافية، والمهرجانات التراثية). هذه الشراكات قادرة على توسيع عروض قفصة السياحية وجعلها أكثر تنافسية في السوق.

و. التسويق السياحي والترويج المشترك :

أخيرا، لا يمكن إغفال أهمية التسويق السياحي والترويج المشترك بين الجهات، حيث تُعد الحملات الإعلانية والترويجية المتناغمة مع الرؤية الجهوية والوطنية مفتاحا لجذب السياح، وتعزيز الوعي بخصوصية قفصة ومقوماتها الفريدة ضمن برامج سياحية متكاملة.

قفصة ليست وجهة سياحية قائمة بذاتها بعد، بل هي محطة حيوية يجب أن تُدمج ضمن مسارات سياحية أوسع تشمل جهات أخرى جنوبية مثل توزر وقبلي وقابس. تحقيق ذلك يتطلب بناء رؤية استراتيجية وطنية وجهوية متكاملة، وتطوير بنيتها التحتية، وتفعيل شراكات فعالة، وإطلاق حملات ترويجية مشتركة، ما سيحول قفصة من محطة عابرة إلى وجهة مفضلة لها مكانتها ضمن منظومة السياحة التونسية المتجددة.

6. مدارس التكوين السياحي في قفصة: واقع غائب عن المعادلة التنموية.

التكوين السياحي يشكل العمود الفقري لأي منظومة سياحية ناجحة ومستدامة. إذ لا يكفي وجود المواقع الطبيعية والتاريخية لتطوير السياحة، بل لا بد من توفير كفاءات بشرية متخصصة تمتلك المهارات والمعرفة التي تلبي حاجيات السوق السياحي المحلي والعالمي. في قفصة، على الرغم من وجود بعض الشعب التكوينية في مؤسسات التعليم العالي أو المعاهد التقنية، إلا أن هذه المدارس تعاني من غياب الرؤية الاستراتيجية التي تربط التكوين بالسياق المحلي وتحدياته، مما يجعلها غير قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل السياحي في الجهة.

أ. مناهج تعليمية غير ملائمة لخصوصيات قفصة:

تُدرَّس في مدارس التكوين السياحي بقفصة مناهج عامة لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التاريخية، الجغرافية، والثقافية للجهة. فمثلا، لا يتم إدراج دروس متخصصة عن تاريخ قفصة الحضاري، ولا يتم التركيز على مواقعها الفريدة كالمغاور البربرية أو المواقع الأحفورية . هذا النقص يجعل المتخرجين يفتقرون إلى القدرة على تسويق التراث المحلي وفهم عميق للسياحة المستدامة في منطقتهم.

ب. غياب التدريب الميداني والتطبيق العملي:

يشكل التدريب الميداني عنصرا حاسما في تأهيل الكوادر السياحية، إذ يتيح للطلبة فرصة التفاعل المباشر مع السياح والمواقع، واكتساب مهارات التواصل والإرشاد السياحي العملي. للأسف، في قفصة، لا توجد برامج تدريبية ميدانية منظمة ومستمرة في مواقع السياحة المحلية، ولا شراكات مع مؤسسات القطاع الخاص، مما يحرم الطلبة من التجربة الواقعية ويجعلهم أقل جاهزية لسوق العمل.

ج. قلة الربط بين التكوين والسوق المحلي :

هناك فجوة كبيرة بين ما يدرسه الطلبة في مدارس التكوين وما يحتاجه سوق العمل المحلي في قفصة. إذ يعاني القطاع السياحي من نقص في المرشدين السياحيين المؤهلين، وفي عمال الخدمات السياحية مثل الضيافة، النقل، والترويج الثقافي. في الوقت نفسه، لا تُجهز مدارس التكوين الطلبة بشكل كافٍ لتولي هذه المهام، مما يؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة بين خريجي التخصصات السياحية في الجهة.

د. غياب التعاون مع الحرفيين والمجتمع المحلي :

التكوين السياحي الناجح يتطلب دمج المجتمع المحلي والحرفيين في برامج التدريب، باعتبارهم سفراء التراث والثقافة. في قفصة، لا توجد مبادرات حقيقية لربط الطلبة بالحرفيين التقليديين، مثل صناع الفخار، النسيج، أو الحرف اليدوية الأخرى، ما يفقدهم فرصة فهم السياحة الثقافية وتطوير منتجات سياحية أصيلة تعكس هوية المنطقة.

هـ. نقص الدعم والإمكانيات المادية :

المدارس والمعاهد التكوينية في قفصة تعاني من نقص في التجهيزات الحديثة مثل المختبرات اللغوية، قاعات المحاكاة، ووسائل التعليم الرقمية، وهي أدوات ضرورية لتكوين مهني معاصر يواكب التطورات العالمية في قطاع السياحة. هذا النقص يؤثر سلبا على جودة التعليم ويحد من قدرة المؤسسات على إنتاج كوادر ذات كفاءة عالية.

و. الحاجة إلى تطوير استراتيجية تكوينية متكاملة:

تتطلب قفصة وضع استراتيجية تكوينية شاملة تُنطلق من احتياجات الجهة وتدمج بين التعليم النظري والتدريب الميداني، وتشمل تحديث المناهج، تدريب المدرسين، وتطوير شراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات السياحية الوطنية والدولية. كما يجب تضمين برامج تعليم اللغات الأجنبية الضرورية لسوق السياحة، وتنمية مهارات التواصل والابتكار لدى الطلبة.

غياب استراتيجية تكوين سياحي محلية ملائمة يجعل قفصة تواجه أزمة في توفير الموارد البشرية المؤهلة التي تحتاجها لتنمية السياحة. إن تطوير مدارس التكوين السياحي وتحويلها إلى مراكز متخصصة ترتبط بواقع الجهة وتحدياتها يعد شرطًا أساسيًا لتحويل الإمكانيات السياحية إلى مشاريع ناجحة ومستدامة تخدم التنمية المحلية وتعزز حضور قفصة على الخريطة السياحية الوطنية والعالمية.

7. مدارس اللغات الحية في قفصة: فرصة ضائعة في خدمة السياحة وتطويرها .

في عالم اليوم، تُعتبر اللغات الحية أداة جوهرية في بناء جسور التواصل بين الثقافات وتسهيل حركة السياح، لا سيما في قطاع السياحة الذي يعتمد بشكل مباشر على القدرة على التواصل مع زوار من جنسيات ولغات مختلفة. إن ضعف التكوين اللغوي في قفصة يشكل عائقا كبيرا أمام استقطاب السياح الأجانب، ويحد من فرص تطوير القطاع السياحي بشكل فعّال ومستدام.

أ. الغياب شبه الكامل لمعاهد متخصصة في اللغات الحية :

رغم أن اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية، الألمانية، الروسية، الإسبانية، والإيطالية تُعتبر ضرورية للسياحة الدولية، إلا أن قفصة تفتقر إلى معاهد متخصصة تُقدّم تكوينا متكاملا وعالي الجودة في هذه اللغات. المعاهد المتوفرة نادرة ومحدودة الإمكانيات، ولا تواكب احتياجات السياحة المتجددة والمتنوعة التي تستقبل زوارًا من مختلف أنحاء العالم.

ب. المحتوى التعليمي النظري دون التطبيق العملي :

في معظم مؤسسات تعليم اللغات في قفصة، يعتمد التعليم على المناهج النظرية التقليدية التي تركز على القواعد اللغوية والمفردات فقط، دون توفير فرص لممارسة اللغة في سياقات حقيقية أو شبه حقيقية مثل المحادثات الحية، التدريبات على الإرشاد السياحي، أو التفاعل مع ناطقين أصليين. هذا النقص في التطبيق العملي يحول دون تمكين المتعلمين من اكتساب الطلاقة والمرونة اللغوية اللازمة للتعامل مع السياح.

ج. نقص في التأهيل المهني المرتبط بالسياحة :

تعليم اللغات الحيّة في قفصة لا يدمج في أغلب الأحيان مهارات السياحة، مثل المصطلحات السياحية المتخصصة، فن الإرشاد السياحي، أساليب التواصل مع السياح ذوي الخلفيات الثقافية المختلفة، ومهارات حل المشاكل. هذا النقص يخلق فجوة بين تعليم اللغة والمهارات العملية التي يحتاجها العاملون في القطاع السياحي، مما يحد من قدرة الخريجين على النجاح في سوق العمل.

د. فرص ضائعة في جذب السياح من دول متحدثة بهذه اللغات :

تستقبل تونس أعدادا متزايدة من السياح من أوروبا الشرقية وألمانيا وروسيا وغيرها من الدول التي تتطلب مهارات لغوية خاصة في قطاع السياحة. إلا أن قفصة، بسبب ضعف البنية التكوينية في اللغات، لا تستطيع استقطاب هذه الفئات بشكل فعال. بالمقابل، الجهات الأخرى التي توفر تكوينا لغويا جيدا تستقطب السياح عبر مرشدين ومتطوعين قادرين على التواصل بلغات الزوار الأصلية، ما يضفي تجربة سياحية غنية ومريحة للزوار.

هـ. غياب برامج تدريبية مستمرة للمدرسين :

لكي تكون مدارس اللغات فعالة في دعم السياحة، يجب أن يتم تدريب المدرسين على أحدث الطرق التربوية واللغوية، وخصوصا تلك التي تتماشى مع متطلبات القطاع السياحي. في قفصة، يغيب هذا النوع من التطوير المهني المستمر، مما يجعل جودة التعليم دون المستوى المطلوب ويؤثر على قدرة المدارس على توفير تعلم لغوي عملي ومتجدد.

و. عدم استغلال التقنيات الحديثة في تعليم اللغات:

التعليم اللغوي الحديث يعتمد بشكل كبير على الوسائل التقنية مثل برامج المحاكاة، التطبيقات التفاعلية، ومنصات التعلم عن بعد التي تتيح فرصا كبيرة للتفاعل والممارسة. في قفصة، هناك نقص في استخدام هذه التقنيات، سواء بسبب ضعف الموارد أو عدم الوعي بأهميتها، مما يجعل التعليم أقل جاذبية وأقل فعالية في تحضير الطلبة لمواجهة تحديات التواصل السياحي الحقيقي.

ز. الحاجة إلى رؤية متكاملة لتطوير اللغات في خدمة السياحة :

لا بد من اعتماد استراتيجية شاملة لتطوير تعليم اللغات الحية في قفصة، تتضمن تحديث المناهج التعليمية بدمج مهارات السياحة، تطوير برامج تدريب مدرسي اللغة، فتح قنوات للتدريب الميداني، واستقطاب ناطقين أصليين للمساهمة في التعليم. كما يجب ربط هذه المدارس مع القطاع السياحي المحلي والمؤسسات السياحية الوطنية والدولية لتعزيز فرص التوظيف والتطوير المهني.

غياب مدارس لغات حية متطورة ومتخصصة في قفصة يشكل عائقا كبيرا أمام تطوير قطاع السياحة في الجهة. إذ بدون إتقان لغات الزوار المتنوعة، يصعب تقديم خدمات سياحية متميزة تستقطب زوارًا من مختلف البلدان وتوفر لهم تجربة غنية ومرضية. لذلك، إن الاستثمار في تعليم اللغات الحية وتحويله إلى رافد أساسي في منظومة التكوين السياحي يعد من الضرورات الملحّة لإحداث نقلة نوعية في قطاع السياحة بقفصة.

8. المدينة العتيقة في قفصة: كنز تراثي مهمل وفرصة سياحية ضائعة .

تُعتبر المدينة العتيقة في قفصة، بما تحويه من أحياء تاريخية وحارات عتيقة، وخصوصا حارة اليهود وكنيسها القديم، من أندر وأغنى الثروات التراثية التي تحمل بين جدرانها سجلات ثقافية وتاريخية لا تُقدر بثمن. هذه المدينة العتيقة ليست مجرد مجموعة من المباني القديمة، بل هي شاهد حي على تاريخ المنطقة وتراثها الثقافي والاجتماعي المتنوع، يعكس تعايشا بين الحضارات والثقافات عبر القرون. لكنها للأسف، وبسبب الإهمال المزمن والغياب التام لرؤية تنموية واضحة، لم تستغل حتى الآن لتكون رافدا سياحيا هاما يساهم في تنمية قفصة اقتصاديا واجتماعيا.

أ. الثروة التاريخية والثقافية للمدينة العتيقة :

المدينة العتيقة تضم عدة معالم مهمة، منها الحارات القديمة، الأسواق التقليدية، المنازل القديمة والمباني ذات الطابع المعماري العتيق، إضافة إلى المعابد الدينية مثل الكنيس اليهودي الذي يشكل شهادة على تاريخ الجالية اليهودية في المنطقة والتي تركت بصمة ثقافية واجتماعية مهمة. كذلك، تحوي المدينة العديد من الحكايات والأساطير المرتبطة بالسكان الأصليين والتاريخ . هذه المكونات تشكل مصدرا لا ينضب للسياحة الثقافية والتاريخية.

ب. الإهمال والتهميش المستمر :

رغم أهميتها، تعاني المدينة العتيقة من الإهمال الواضح في صيانة وترميم مبانيها وأحيائها، مما أدى إلى تدهور بنيتها العمرانية وتعرض العديد من المواقع للتآكل والانهيار. غياب الصيانة الدورية والتدخلات الوقائية يهدد بانهيار جزء كبير من هذا التراث الفريد. علاوة على ذلك، فإن نقص التمويل والافتقار إلى الخطط المعتمدة يجعل المدينة العتيقة عرضة للتدهور المستمر دون أفق واضح للتعافي.

ج. غياب البنية التحتية السياحية الداعمة :

لا توجد مسارات منظمة أو ممرات سياحية داخل المدينة العتيقة تسمح للزوار بالتنقل بحرية وأمان بين المعالم التاريخية. كما يفتقر المكان إلى لوحات تعريفية توضح أهمية كل موقع وتاريخ بنائه، ما يجعل الزائرين يجدون صعوبة في فهم القيمة الثقافية والتاريخية للمعالم التي يشاهدونها. عدم وجود أدلاء سياحيين مختصين يزيد من هذا التحدي، إذ إن التفاعل المباشر مع مرشدين على دراية بتاريخ المنطقة وحكاياتها يُعتبر عنصرا أساسيا لتعزيز تجربة الزائر.

د. المخاطر الأمنية والبيئية :

الكثير من أحياء المدينة القديمة مغلقة أو مهددة بالانهيار، الأمر الذي يجعلها غير آمنة للزيارة، خصوصا للزوار الأجانب الذين قد يفتقدون الخبرة في التنقل داخل بيئات عمرانية قديمة هشة. كذلك، عدم توفر خدمات طوارئ أو تأمين بيئي يحول دون الترويج لها كسياحة ثقافية جادة، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالنظافة والصرف الصحي التي تؤثر على الصورة العامة للمدينة.

هـ. غياب الربط بالمسارات السياحية الجهوية والوطنية :

المدينة العتيقة في قفصة معزولة عن باقي مواقع الجذب السياحي في الجهة مثل المواقع الأثرية، المتاحف، والواحات. لا توجد حملات دعاية وتسويق واضحة تربطها ضمن برنامج سياحي متكامل يشجع الزائر على التوقف فيها كجزء من رحلة ثقافية شاملة. وهذا يفقد الجهة فرصة جذب جمهور أكبر من السياح الباحثين عن تجربة ثقافية عميقة ومتكاملة.

و. الفرص المستقبلية لتنشيط المدينة العتيقة :

تطوير المدينة العتيقة يمكن أن يشكل نقطة انطلاق استراتيجية لتنشيط السياحة الثقافية في قفصة، عبر:
-إعادة تأهيل المباني التاريخية بحرفية تحافظ على طابعها الأصلي.
-تنظيم جولات سياحية منظمة بمرافقة مرشدين متخصصين.
-توفير لوحات تعريفية ومراكز زوار تقدم معلومات تاريخية وتربوية.
-إقامة مهرجانات وفعاليات ثقافية في الأزقة والساحات لتعزيز التفاعل مع التراث.
-تعزيز الربط مع المدارس والجامعات لإشراك الجيل الجديد في الحفاظ على التراث ونقله للسياح.
-تطوير حملات تسويق إلكترونية ووطنية ودولية تبرز المدينة العتيقة كوجهة فريدة.

المدينة العتيقة في قفصة هي كنز ثقافي وتراثي هائل لم تُستغل إمكاناته بعد بشكل فعّال. عبر تبني رؤية استراتيجية متكاملة تتضمن الترميم، البنية التحتية السياحية، التدريب والتوعية، يمكن تحويل هذا التراث إلى رافد اقتصادي وثقافي مهم يدعم تنمية الجهة ويعيد الاعتبار إلى تاريخها وهويتها. وإلا، فستظل المدينة العتيقة أسيرة الإهمال، وخسارة كبيرة لكل من قفصة والسياحة الوطنية.

9. الروابط السياحية الجهوية: ركيزة أساسية لإعادة إحياء السياحة في قفصة .

تتربع قفصة على موقع جغرافي استراتيجي هام، يربط بين الجنوب الغربي التونسي والجهات الجنوبية الأخرى، مثل توزر وقبلي وقابس و مدنين و جربة. هذه المواقع تشكل معا فسيفساء غنية من التجارب السياحية المتنوعة، بدءا من الواحات الخضراء، مرورا بالمواقع الصحراوية الفريدة، وصولا إلى التراث الثقافي والحضاري المتعدد الأبعاد. مع ذلك، تعاني قفصة من عزلة سياحية واضحة، نتيجة نقص الربط والتنسيق بين هذه الجهات، ما يجعلها تقع خارج دائرة الرحلات السياحية الرئيسية.
إن غياب هذه الشبكة السياحية الموحدة والمتكاملة يُضعف من قدرة قفصة على استقطاب الزوار، ويجعلها مجرد محطة عابرة لا يستحق الزائر فيها التوقف لفترة كافية. هذا الواقع يدعو إلى ضرورة بناء استراتيجية جهوية شاملة تنظر إلى السياحة في الجنوب التونسي كوحدة متكاملة وليست كسلسلة مناطق منفصلة ومجزأة. هذه الاستراتيجية يجب أن تركز على ربط المواقع السياحية بعضها ببعض عبر مسارات سياحية منظمة، تسهل تنقل الزائر بين المواقع المختلفة، مع توفير خدمات نقل سياحي مريحة وفعالة.
و تفعيل الربط السياحي الجهوي يشمل عدة محاور: -تطوير البنية التحتية للطرق التي تصل قفصة بالجهات المجاورة، تأمين النقل العام الخاص بالسياح، إنشاء محطات استراحة وخدمات داعمة على طول المسارات، إضافة إلى إنشاء شراكات بين الفاعلين السياحيين في مختلف الجهات لتنسيق البرامج السياحية. -كما ينبغي تعزيز الفعاليات المشتركة والمهرجانات الثقافية التي تدمج تجارب الجهات كافة، مما يخلق ديناميكية سياحية جاذبة ومستدامة.
علاوة على ذلك، يمكن استثمار التنوع الثقافي والبيئي بين هذه الجهات لتقديم عروض سياحية غنية ومتنوعة. فمثلا، يمكن للسياح الانطلاق من توزر للاستمتاع بجمال الصحراء، ثم التوجه نحو قفصة لاكتشاف التراث الأثري والبيئي، ثم المرور على قبلي للتعرف على الصناعات التقليدية والحياة الريفية الأصيلة. هذا الربط السياحي لا يوسع من خيارات السياح فحسب، بل يطيل مدة إقامتهم، ويزيد من إنفاقهم، مما ينعكس إيجابا على الاقتصاد المحلي.

لا يمكن لقفصة أن تحقق انتعاشها السياحي بشكل منفرد دون هذه الرؤية الجهوية المتكاملة التي تربطها بالمناطق السياحية المجاورة، وتعيد توجيه السياسات والتخطيط إلى أفق أوسع يشمل الجميع في مشهد سياحي متكامل.

10. محمية لالة المهملة: كنز بيئي مهمل يحتاج إلى إنقاذ واستثمار مستدام .

محمية لالة، الواقعة على مقربة من مدينة قفصة، هي واحدة من أهم المحميات الطبيعية في الجهة، وتتميز بتنوع بيولوجي فريد يضم العديد من الأنواع النباتية والحيوانية، بعضها مهدد بالانقراض على المستوى الوطني والدولي. هذه المحمية تلعب دورا بيئيا حيويا في المحافظة على التوازن البيئي للمنطقة، وتنقية الهواء، وتنظيم المناخ المحلي، بالإضافة إلى كونها مصدرا مهما للبحوث العلمية والبيئية.
مع الأسف، تحولت محمية لالة إلى مكان مهمل ومهدد بفعل الإهمال المستمر وقلة الموارد المخصصة للحفاظ عليها. انعدام الصيانة، غياب الأمن البيئي، وعدم وجود برامج توعية مجتمعية أدت إلى تدهور حالة المحمية، حيث تتعرض لبعض مظاهر التلوث، قطع الأشجار غير القانوني، والصيد الجائر، مما يُهدد بتقويض المنظومة البيئية الحيوية التي تحتويها.
هذا الإهمال لا يقتصر فقط على الجانب البيئي، بل يمتد إلى الجانب السياحي أيضا، فمحمية لالة يمكن أن تكون من أكبر عوامل الجذب السياحي البيئي في قفصة، من خلال تطوير مسارات سياحية بيئية، إنشاء مراكز للزوار مجهزة بمعلومات وورشات توعوية، وتوفير أدلاء متخصصين في البيئة والطيور والنباتات المحلية.
يمكن استثمار المحمية ضمن سياحة بيئية مستدامة تحترم الطبيعة وتدعم المجتمعات المحلية، مثل تنظيم رحلات مراقبة الطيور، ورش عمل في حفظ البيئة، ومهرجانات بيئية سنوية تستقطب الزوار والباحثين من تونس وخارجها. كما يمكن إقامة شراكات مع الجامعات ومراكز البحث لتطوير برامج تعليمية وبحثية تستفيد من هذا المورد الطبيعي الفريد.
إن إنقاذ محمية لالة وإعادة تأهيلها وتحويلها إلى وجهة سياحية بيئية نموذجية يتطلب إرادة سياسية واضحة، ميزانيات مخصصة، وتعاونًا بين مختلف القطاعات: البيئية، السياحية، التعليمية، والمجتمع المدني. وهذا الاستثمار لن يعزز فقط مكانة قفصة السياحية، بل سيساهم في حماية بيئة المنطقة وتحسين جودة حياة سكانها.

11. الحديقة وسط قفصة "جردة بورقيبة": فضاء عام مهمل يفقد قيمته السياحية والثقافية .

حديقة "جردة بورقيبة"، التي تقع في قلب مدينة قفصة، تمثل واحدة من أهم المساحات الخضراء والمرافق العامة التي من المفترض أن تكون متنفسا للسكان والزوار على حد سواء. تاريخيا، شكلت هذه الحديقة مكانا للتجمعات العائلية، الأنشطة الثقافية، والمناسبات الاجتماعية، كما كانت محط أنظار الزائرين الباحثين عن لحظات من الهدوء وسط صخب المدينة.
ومع ذلك، تعاني "جردة بورقيبة" اليوم من إهمال متزايد وانعدام للصيانة الدورية، ما أدى إلى تدهور حالة النباتات، تهالك المرافق، وانتشار النفايات. كما أن انعدام الأمن والرقابة يساهم في تحويل الحديقة إلى مكان غير آمن في بعض الأحيان، مما يقلل من جاذبيتها ويبعد عنها السكان والسياح على حد سواء.
هذا الإهمال ليس مجرد مسألة جمالية، بل يحمل تأثيرات عميقة على السياحة المحلية والبيئة الحضرية. إذ تؤثر الحالة المتدهورة للحديقة على صورة قفصة لدى الزوار، وتفقد المدينة واحدا من أبرز معالمها التي يمكن أن تكون جزءا من الرحلات السياحية الثقافية والترفيهية.
يُضاف إلى ذلك غياب الأنشطة المبرمجة والفعاليات الثقافية والفنية التي يمكن أن تُحيي الحديقة وتجعل منها مركزا نابضا بالحياة والفاعلية الاجتماعية. كذلك، فإن عدم توفير تجهيزات مثل المقاعد المؤهلة أن تكون مقاعد حقيقية ، الإنارة الجيدة، ومسارات المشي يحد من إمكانية استخدام الحديقة على مدار اليوم.
لإعادة جردة بورقيبة إلى مكانتها كوجهة سياحية محلية مهمة، هناك حاجة ملحة إلى خطة متكاملة تشمل إعادة تأهيل الحديقة، تطوير مرافقها، وتعزيز الأمن والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إدماج الحديقة في برامج سياحية تربط بين المواقع التاريخية والثقافية في المدينة، مع إقامة مهرجانات محلية منتظمة لتعزيز التفاعل المجتمعي وجذب الزوار.
يجب أيضا إشراك المجتمع المحلي والمنظمات المدنية في رعاية الحديقة وإطلاق حملات توعية حول أهمية المحافظة عليها، لتحويلها من مساحة مهملة إلى رمز حي يعبّر عن هوية قفصة وجمالها.
في ظل تزايد الاهتمام العالمي بالسياحة البيئية والثقافية، فإن إعادة تأهيل "جردة بورقيبة" يمثل فرصة استراتيجية لاستثمار هذه الحديقة كمورد سياحي حضري فريد، يعزز من مكانة قفصة كوجهة سياحية متعددة الأبعاد تجمع بين التراث الطبيعي والثقافي.

12. الجرذون الأحمر (قطار الباي القديم): إرث تاريخي وسياحي لم يستثمر بعد .

يعود تاريخ القطار السياحي “الجرذون الأحمر” إلى بداية القرن العشرين، حيث أهدته الدولة الفرنسية عام 1945 لـ”باي” تونس الأمين باي الذي حكم من سنة 1943 إلى سنة 1957، كما يقول طارق الديناري، المسؤول عن الحجوزات على متن القطار.
كان قطار “الجرذون الأحمر” أو “السحلية” مخصصا في ما مضى لتنقلات “الباي” وحاشيته من وسط العاصمة تونس إلى ضواحيها. ويذكر القطار الذي يشبه في شكله ولونه الأحمر السحلية، سكان العاصمة التونسية بتاريخ “البايات” في البلاد.
ووجدت العديد من البلدان، من بينها جنوب أفريقيا، المكسيك، أستراليا، وكندا، في القطارات الواجهة الترويجية الأولى لاستقطاب السائحين عبر تنظيم رحلات سياحية لاستكشاف جمال الريف وتضاريس الجبال.
ومنذ سنوات، حاولت السلطات التونسية استثمار قطار “الباي”، المسمى بـ“الجرذون الأحمر”، للترويج للسياحة الداخلية، بعد أن بقي مهملا لسنوات.
الإطلالة على جبال ثالجة محطة وفقرة قارة على متن القطار السحلية
ومنذ قرابة 25 عاما، قامت إحدى الشركات باستثمار هذا القطار عبر المسلك السياحي، الرابط بين جبال الثالجة، وهي جبال جرداء تشقها الأنفاق التي حفرتها فرنسا لتسهيل مرور قطارات نقل الفوسفات، ومدينة المتلوي، كبرى مدن الحوض المنجمي بمحافظة قفصة جنوبي تونس.
ويتكون قطار الجرذون من أربع عربات للمسافرين وعربتين للأمتعة. وما يفسد جمالية هذا القطار حاليا، هو القاطرة التي تجره، حيث إنها مصنعة حديثا مقارنة بتاريخ صنع القطار عام 1911، إذ تعذر إصلاح القاطرة القديمة.
وتستمر الرحلة على متن “الجرذون الأحمر” قرابة الساعتين ونصف الساعة ذهابا وإيابا، تتخللها وقفات قصيرة يستكشف فيها السائح جمالية المكان.
وعرفت رحلات “الجرذون الأحمر” اضطرابا في المواعيد بعد الثورة ،
في قطار الجرذون الأحمر
ومع الموسيقى المنبعثة، يخيّل لمن يعبر التواءات مرتفعات ثالجة أنه في جبال “كولورادو” الأميركية. وعند أول نفق يحبس المسافرون أنفاسهــم، ويعم الظلام المكان، ويبقى الجميع في انتظار بصيص نور، لتعود إليهم الحياة.
جمال المناطق الطبيعية والأنفاق الجبلية التي يشاهدها المسافر تختفي فجأة حين تتحول مياه العيون الجارية إلى مياه ملوثة بسبب الشوائب والمياه التي تستعملها شركة فوسفات قفصة في أحد مقاطع الإنتاج المحاذي لمحطة القطار النهائية في جبال ثالجة.
وتستوعب رحلة القطار ما بين 150 و200 راكب، لكن عادة لا تضم رحلة القطار سوى عدد ما بين 60 و70 راكبا، وتنتظم رحلتان أسبوعيا .
القطار يملك قيمة سياحية كبيرة، فهو ليس مجرد وسيلة نقل تقليدية، بل يحمل في طياته قصصا تاريخية وحكايات الحياة اليومية لأجيال مضت، ويتيح فرصة فريدة للسياح لاكتشاف الطبيعة الجبلية المحيطة بأسلوب مختلف وتاريخي. يمكن استغلال هذه القيمة لجذب السياح المهتمين بالسياحة التراثية، البيئية، وثقافة النقل القديم.
لكن لتحقيق هذا الطموح، هناك عدة تحديات يجب مواجهتها:
-تطوير البنية التحتية للخط الحديدي السياحي: ضرورة صيانة السكك الحديدية، تأمينها، وتحديث عربات القطار لتوفير تجربة مريحة وآمنة للزوار.
-تنويع برامج الرحلات: لا ينبغي اقتصار الرحلات على التنقل فقط، بل يمكن دمجها مع جولات إرشادية، عروض ثقافية، وورشات تفاعلية تشرح تاريخ القطار ودوره في اقتصاد المنطقة.
-الترويج والتسويق: غياب الدعاية والإعلام الكافي حول هذه المبادرة يحد من استقطاب السياح. يجب إعداد حملات تسويقية موجهة محليا ودوليا تبرز قيمة الجرذون الأحمر.
-الشراكة مع المجتمع المحلي: إشراك السكان المحليين والحرفيين في تقديم منتجات وخدمات ذات صلة بالرحلات، كبيع الحرف اليدوية أو تقديم المأكولات التقليدية، مما يخلق فرص عمل ويعزز الاقتصاد المحلي.
باختصار، الجرذون الأحمر يمثل كنزا تراثيا يجب تحويله إلى نقطة جذب سياحي فريدة. الاستثمار فيه بوعي واستراتيجية شاملة يمكن أن يعيد لجهة قفصة جزءًا من هويتها التاريخية، ويجعلها قبلة للباحثين عن تجارب سياحية متفردة، مزيجة بين التاريخ والطبيعة.

14. بدائل وحلول استراتيجية لتطوير السياحة في قفصة: نحو رؤية شاملة ومستدامة .

إن النهوض بالسياحة في قفصة لا يمكن أن يتحقق بمجرد مشاريع جزئية أو استثمارات عشوائية، بل يتطلب استراتيجية شاملة مبنية على فهم عميق لإمكانات الجهة، وإشراك جميع الأطراف المعنية. فيما يلي أهم البدائل والحلول التي يجب تبنيها لتحقيق تنمية سياحية متوازنة ومستدامة:

أ. وضع خطة تنموية جهوية متكاملة للسياحة:

تطوير رؤية سياحية تربط بين المواقع التاريخية، الطبيعية، والصناعية في قفصة، لتشكيل شبكة سياحية متجانسة تشمل المتلوي، جبل الميدة، قفصة المدينة، المواقع الأثرية، والمناطق الصحراوية المحيطة.
إشراك كل الجهات المعنية: المؤسسات الحكومية، القطاع الخاص، المجتمع المدني، والمنظمات الدولية المتخصصة في السياحة والثقافة.

ب. إعادة تأهيل البنية التحتية :

تحسين الطرق المؤدية إلى المواقع السياحية، بما في ذلك إضاءة وتطوير الطريق الحزامية التي تحولت إلى مسلك هروب غير آمن، مع تأمين نقاط الدخول إلى المدينة.
تأهيل مدخل المدينة من جهة العجامة وإعادة هيكلة المنطقة المحيطة بقنطرة وادي بياش لتكون مدخلا حضريا يحترم الهوية الجغرافية والتاريخية للجهة.
تطوير وتنظيف الحديقة المركزية (جردة بورقيبة) وتحويلها إلى فضاء ثقافي وترفيهي يرحب بالزوار.

ج. إنشاء متحف للصناعات التقليدية وتاريخ قفصة :

تأسيس متحف يسلط الضوء على الصناعات التقليدية المحلية مثل الفخار، الحياكة، والصناعات اليدوية، ويبرز تطورها عبر العصور.
دمج المتحف في مسارات سياحية تربط بين الصناعات، التراث الطبيعي، والآثار التاريخية، مما يخلق تجربة شاملة ومثرية للسائح.

ح. الاهتمام بالمحميات والحدائق الطبيعية :

إعادة تأهيل محمية لالة المهملة وحديقة الحيوانات عرباطة الشاسعة، وتحويلها إلى مراكز بيئية وتربوية تجذب العائلات والسياح المهتمين بالطبيعة.
تطوير زانوش و ام العلق ... الخ ، كمناطق جذب سياحي بيئي وتاريخي، مع توفير مرافق استجمام ومراقبة بيئية، بما يضمن حماية البيئة واستدامتها.

د. تفعيل النقل السياحي إلى جانب الجرذون ، كالكروسة و القطارات الصغيرة بعجلات مطاطية:

الى جانب الاستثمار في توسيع وتجهيز الجرذون الأحمر، ليصبح رمزا للسياحة البيئية والثقافية، مع برمجة رحلات تفاعلية تشمل قصصا عن التاريخ المحلي وطبيعة المنطقة.
بناء تعاون بين القطاع السياحي ومؤسسات التعليم لإشراك الشباب في الترويج والحفاظ على هذا الإرث ، وجب إعادة بعد العربات المجرورة بالاحصنة ، السياحية ، الكروسة ، و كذلك التشجيع على تربية الإبل و الخيول حتى يقوم السياح برحلات قصيرة على ظهورها في الواحة و غيرها .

ه. تعزيز التكوين والتأهيل المهني:

إنشاء مراكز تكوين متخصصة في اللغات الحية، الإرشاد السياحي، والحرف التقليدية، تضمن تجهيز الكفاءات المحلية لخدمة السياح بشكل مهني.
ربط التكوين بسوق العمل عبر برامج تدريب ميداني في المواقع السياحية، وتحفيز الشباب على المشاركة في القطاع السياحي.

و. تشجيع السياحة المجتمعية والثقافية :

دعم المبادرات المحلية التي تعكس الهوية الثقافية للجهة، مثل المهرجانات، الأسواق التقليدية، وورشات الحرف اليدوية.
تشجيع إقامة مشاريع سياحية تدار من قبل المجتمع المحلي، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويحفظ التراث الثقافي.

ز. التسويق السياحي الذكي :

إطلاق حملات دعائية وطنية ودولية تبرز خصوصية قفصة، من خلال محتوى رقمي متنوع (فيديوهات، مواقع تفاعلية، تطبيقات سياحية).
التعاون مع وكالات السفر ومنصات الحجز العالمية لدمج قفصة في برامج السياحة الداخلية والخارجية.

التنمية السياحية لقفصة ممكنة وواقعية إذا ما توفرت الإرادة السياسية، التخطيط المحكم، والشراكة الحقيقية بين مختلف الفاعلين. هذه الحلول، إذا ما نُفذت بجدية وبروح التعاون، ستعيد لجهة قفصة مكانتها التاريخية والثقافية، وتفتح أبوابا جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، بعيدا عن خطاب التهميش والاستسهال.
إن الحديث عن تنمية السياحة في قفصة يتجاوز مجرد إضافة مرافق فندقية أو ترويج سياحي سطحي. إنه مشروع حياة كامل يرتكز على استثمار عميق ومستدام في كل مقومات الجهة: من تراثها الأثري الغني، وطبيعتها الخلابة، إلى الصناعات التقليدية التي تشكل جزء لا يتجزأ من هويتها. دون ذلك، ستبقى قفصة مجرد محطة عابرة في رحلات سياحية منقوصة، ومصدرا لمشاريع منفردة لا تثمر تأثيرا ملموسا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
إن التحول الحقيقي يتطلب وضع استراتيجية وطنية وجهوية تجمع بين التخطيط الممنهج والتنفيذ الجاد، مع إشراك حقيقي للمجتمع المحلي الذي يمثل عماد أي تجربة تنموية ناجحة. يجب أن تُبنى البنية التحتية على أسس متينة، مع تأهيل بشري محترف قادر على تقديم خدمات سياحية راقية ومتنوعة تلبي تطلعات الزائرين وتعزز من صورة الجهة. من الضروري كذلك تفعيل شبكات النقل، إعادة تأهيل المواقع الطبيعية والتاريخية، وخلق برامج سياحية ثقافية بيئية تعليمية تساهم في إحياء الذاكرة الجماعية وإثراء التجربة السياحية.
علاوة على ذلك، لا بد من التوجه نحو تنمية سياحة مستدامة تراعي الأبعاد البيئية والاجتماعية، بحيث يتم الحفاظ على الموارد الطبيعية ومنع استنزافها، مع توفير فرص اقتصادية عادلة للسكان المحليين، خصوصا الشباب والنساء الذين يمكن أن يكونوا محركات التنمية الحقيقية في المنطقة.
إن استثمار الإمكانات السياحية لقفصة ليس خيارا بل ضرورة ملحة لتحقيق العدالة التنموية، ومساهمة فاعلة في التنمية الوطنية، ورسم صورة تونس متعددة الأبعاد والعصور، حيث يلتقي التاريخ العريق بالحياة المعاصرة في تآلف متناغم يفتح آفاق المستقبل. على الجميع – من سلطات، ومجتمع مدني، ومؤسسات تعليمية، وفاعلين اقتصاديين – أن يلتقوا على طاولة العمل الحقيقي ليكون صوت قفصة مسموعا ومؤثرا في السوق السياحي العالمي، وتتحول من «المدينة المنسية» إلى «الوجهة المحببة».

رياض الشرايطي / قفصة



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة ما بعد الّنثر
- افكار حول البناء القاعدي والتسيير
- قراءة في مجموعة -نون أيار- للشاعرة نسرين بدّور.
- القصيد ما بعد النّثر
- بيان
- بكاءُ السُندسِ في المنفى....
- عيد الشّغل: من نضال طبقي إلى مناسبة رسمية بروتوكولية.
- الحداثة وما بعد الحداثة بين ديكتاتورية البرجوازية وخيانة الت ...
- مراجعة مجلّة الشّغل التّونسية: بين تعزيز الاستغلال الرّأسمال ...
- نساء بلادي أكثر من نساء و نصف
- النّضال من أجل الدّيمقراطية والحرّيات العامّة والخاصّة
- الدولة البوليسية المعاصرة
- إرهابيّ أنا
- حاسي الفريد / ما يشبه القصّة
- المركزية الديمقراطية
- عالم يُنتج وآخر يستهلك: الثورات الصناعية الاربعة
- الصهيونية العربية: خيانة الداخل وخنجر في خاصرة الأمة
- ملمّ بي
- اسم الهزيمة


المزيد.....




- خلفت عدة وفيات.. شاهد صواعق وأعاصير تضرب ولاية كنتاكي الأمري ...
- مقتل رجل أمن خلال مظاهرة في العاصمة الليبية، وأنباء عن استقا ...
- -غروك- يثير الجدل: هل تروّج أداة إيلون ماسك لرواية -الإبادة ...
- المحكمة العليا الأمريكية تجهض محاولة ترامب استئناف عمليات ال ...
- غزة سوريا.. ملفات على طاولة قمة بغداد وسط غياب معظم القادة
- الكرملين: لقاء بوتين وزيلينسكي ممكن فقط بعد التوصل إلى اتفاق ...
- مراسلنا: مقتل 15 شخصا في قصف إسرائيلي على غزة
- صورة تجمع رؤساء الوفود المشاركة بالقمة العربية في بغداد
- باستريكين يوعز بالتحقيق في وفاة طفل روسي بفندق في مصر
- روسيا.. ابتكار نموذج أولي لأول -حاملة طائرات- مسيرة تعمل بال ...


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - رياض الشرايطي - ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة