أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - رياض الشرايطي - غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية بدعم إمبريالي و خيانات العرب المكشوفة و الخفية















المزيد.....



غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية بدعم إمبريالي و خيانات العرب المكشوفة و الخفية


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 18:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


المقدمة: حين صار الصراع أمميًا وصار الصمت خيانة
نحن اليوم أمام لحظة فارقة في تاريخ البشرية، حيث لم يعد الصراع مع الكيان الصهيوني مجرّد مسألة فلسطينية، ولا مجرّد قضية قومية أو دينية، بل صار صراعًا أمميًا ضد بنية عالمية من القهر والاستغلال، ضد منظومة من القتل المقنن باسم “الديمقراطية” و“حقوق الإنسان”، وضد شبكات متداخلة من رأس المال والهيمنة الأمنية والمعلوماتية.
لقد انكشف زيف الغرب الليبرالي الذي كان يقدّم نفسه حاميًا للحرية والعدالة، فإذا به يدعم نظام الفصل العنصري الصهيوني، يموّله، يسلّحه، ويبرّر جرائمه على الشاشات والموائد الدبلوماسية. انكشف الدور الخفي للأنظمة العميلة في المنطقة، التي تحالفت مع العدو أو صمتت عن جرائمه، لا بدافع الخوف فقط، بل بدافع الارتهان والاندماج البنيوي في نظام الاستعمار الجديد.
هذا النص ليس وصفًا لحالة، بل دعوة لإعادة تعريف مفردات الصراع، تمزيق الأقنعة، وتحديد الاصطفافات من جديد: من يقف مع الحرية، ومن يصطف مع الاحتلال؟ من يحمي الأرض، ومن يتواطأ على دماء الأطفال؟ من يقاوم، ومن يموّل أدوات القتل والتطبيع؟
نطرح هنا الأسئلة المفصلية بلا مواربة:
هل الصراع مع الكيان صراع ديني؟ أم قومي؟ أم طبقي أممي؟
ما موقع إيران في هذه المعركة، خاصة بعد خيانات "السنّة الرسميين"؟
أين الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟
ما دور الإخوان، والتنظيمات الإرهابية، ومخابر الاستخبارات الغربية؟
ماذا تبقى من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؟
وكيف يمكن بناء جبهة مقاومة أممية حقيقية، لا بالشعارات بل بالفعل الميداني والتحالف الصادق؟
في هذا النص، نعبر مختلف جبهات الجغرافيا السياسية، من جنوب لبنان إلى اليمن، من شمال إفريقيا إلى الخليج، من محور المقاومة العسكري إلى خيوط المخابرات، من الإعلام إلى الاقتصاد، من التطبيع إلى تفكيك أدوات الاستسلام الناعم.
إنه نص في المعركة، لا عن المعركة. وهو محاولة للإجابة على السؤال الأعمق: كيف نبني معسكرًا حرًا أمميًا، يقاوم، يفضح، ويُعدّ للانتصار؟
1.حرب الإبادة الجماعية التي يقودها الكيان الصهيوني ضد فلسطينيي غزة: أبعادها التاريخية والسياسية والاجتماعية .
الصراع الذي تشهده غزة اليوم هو استمرار لمشروع استعماري توسعي استيطاني له جذوره في حركة الصهيونية التي تأسست في أواخر القرن التاسع عشر. هذا المشروع يستند إلى فرضية عنصرية تقول إن الأرض "خالية" من سكانها الحقيقيين، أو أن سكانها أقلية غير جديرة بالعيش فيها. هذه الأفكار تبلورت في وثائق مثل "وعد بلفور" 1917، التي أعطت الضوء الأخضر لإقامة دولة يهودية في فلسطين، على حساب السكان الأصليين. منذ ذلك الوقت، لم يكن الفلسطينيون مجرد ضحايا نزاع حدودي أو أزمة قومية عادية، بل وقعوا ضحايا سياسة منظّمة للإبادة والتهجير والتهويد.
في قطاع غزة، الذي تحول إلى سجن مفتوح لما يزيد عن مليوني إنسان، تتكرر حلقات العنف والإبادة المنظمة، حيث تتحول العمليات العسكرية إلى حملات قصف ممنهجة تستهدف المدنيين، المنازل، البنية التحتية، وشبكات المياه والكهرباء. الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007 يُعد من أكثر الحصارات قسوة في التاريخ الحديث، إذ يمنع دخول المواد الأساسية مثل الأدوية، الغذاء، والوقود، وهو ما يفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع ويجعل من الحياة فيه جحيمًا مستمرًا.
هنا، يجب أن نتذكر كلمات المفكر الفلسطيني اليساري إدوارد سعيد، الذي شدد على أن الصراع ليس مجرد نزاع سياسي، بل هو "نزاع وجودي بين مستعمِر ومُستعمَر، بين طاغية ومقهور، بين قوة استعمارية تسعى لمحو هوية شعب وأرض، وشعب مقاوم يحاول الحفاظ على وجوده وكرامته".
إن السياسة الإسرائيلية تستند إلى منطق "الاحتواء والإبادة"، حيث تُستخدم القوة العسكرية العمياء والقتل الجماعي كأدوات لفرض الهيمنة ومنع أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة. هنا يتضح أن ما يحصل هو ليس مجرد صراع عسكري، بل إبادة متكاملة الأركان، تهدف إلى تدمير الروح الوطنية الفلسطينية عبر تدمير البنية الاجتماعية، الاقتصادية، وحتى النفسية لشعب بأكمله.
المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي يؤكد أن:
"ما يحصل في غزة ليس حربًا دفاعية إسرائيلية، بل هو نظام إبادة متكامل مدعوم من الغرب، يصم الآذان عن أصوات الأطفال المقتولين، ويحجب حقائق الاحتلال المستمر عن الرأي العام العالمي."
هذه الحقيقة تُبرز أن المقاومة الفلسطينية في غزة ليست خيارًا، بل واجب وجودي للدفاع عن الحياة والكرامة، في وجه آلة قتل مدججة بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة وبدعم سياسي لا محدود.

2. السكوت العربي الرسمي: خيانة تاريخية وتحالفات مضادة للتحرير الوطني
إن الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية لا يعكس إرادة الشعوب العربية، بل هو نتاج تحالفات سياسية واقتصادية مع القوى الاستعمارية والكيان الصهيوني. لقد تحولت القضية الفلسطينية من أولوية قومية محورية إلى ملف دبلوماسي يُدار في غرف مغلقة بعيدا عن الشعوب.
كتب المفكر العربي اليساري صلاح فضل في هذا الإطار:
"الأنظمة العربية التي رفعت شعارات التحرير الوطني كانت في الحقيقة ترسم خططًا سرية للتطبيع مع العدو، مستبدلة الشعارات الوطنية بالصفقات السياسية التي تخدم مصالحها الشخصية على حساب قضايا شعوبها."
هذه الخيانة لا تقتصر على التطبيع الرسمي، بل تشمل أيضًا التعاون الأمني والاستخباراتي مع الكيان الصهيوني، مما ساهم في قمع الحركات الوطنية الفلسطينية، وقطع أي أمل في بناء جبهة عربية موحدة تدعم التحرر الفلسطيني.
ولعل أبرز تعبير عن هذا التناقض هو معاهدة كامب ديفيد عام 1978، التي كانت بداية عملية تطبيع رسمية بدأت بها مصر، أعقبتها دول الخليج، لتتحول القضية من نضال قومي إلى لعبة دبلوماسية، تم خلالها بيع القضية الفلسطينية في الأسواق السياسية الدولية.
يرى الكاتب اليساري اللبناني طلال سلمان أن:
"التطبيع العربي الرسمي هو أكبر خيانة وطنية في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ أعطى الكيان الصهيوني الضوء الأخضر لتوسيع احتلاله والاستمرار في جرائمه بدون رادع عربي."
هذا الصمت والخيانة الرسمية يفتح الباب أمام الاحتلال لمزيد من التمادي، ويخلق حالة من اليأس في صفوف الفلسطينيين، بينما يتهمون شعوبهم بالتواطؤ مع الظلم.

3. دور دول الاتحاد الأوروبي: تناقض بين الخطابات الإنسانية والمصالح السياسية والاقتصادية
على الرغم من أن شعوب العديد من الدول الأوروبية تتضامن مع الفلسطينيين وتدين جرائم الاحتلال، فإن الحكومات الأوروبية غالبًا ما تتخذ مواقف متناقضة تعكس مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية مع إسرائيل.
في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا، إيرلندا، إسبانيا وبلجيكا، في إصدار بيانات وإجراءات تدين سياسة الاحتلال خاصة في ما يتعلق بحصار غزة والاعتداءات على المدنيين، لكنها تظل خطوات رمزية وغير كافية. كما يشير المفكر اليساري الفرنسي إيمانويل وارجا:
"لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون لاعبًا نزيهًا في القضية الفلسطينية طالما أن اقتصاده العسكري والاقتصادي مرتبط بشكل وثيق بإسرائيل، فهو يتأرجح بين خطاب حقوق الإنسان ومصالح السوق."
هذه المواقف الأوروبية المترددة لا تستطيع إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية، بل تساهم أحيانًا في تغذية تناقضات داخل المجتمع الدولي، حيث تستمر إسرائيل في التوسع الاستيطاني والاستيطان غير الشرعي، في وقت يعاني الفلسطينيون من العزلة السياسية والعقوبات الجماعية.
يتحول الاتحاد الأوروبي إلى لاعب هامشي في المعادلة، ما يبرز حاجة الفلسطينيين إلى بناء تحالفات دولية جديدة قائمة على التضامن النضالي والمقاومة الجماهيرية، بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة السياسية.

4. الهيمنة الأمريكية: الراعي الأساسي للاحتلال وداعم الإبادة
تلعب الولايات المتحدة دور الراعي الحصري للكيان الصهيوني، إذ يظل الدعم العسكري والسياسي الأمريكي هو العامل الحاسم في إبقاء الاحتلال متينًا. إن تقديم الولايات المتحدة للمساعدات العسكرية التي تتجاوز سنويًا عدة مليارات من الدولارات، وتوظيفها للفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرار يدين إسرائيل، يثبت أن واشنطن ليست وسيطًا نزيهًا بل شريكًا في الجريمة.
نعوم تشومسكي، وهو من أبرز المفكرين اليساريين المعاصرين، يقول في هذا السياق:
"الولايات المتحدة ترعى استمرارية الاحتلال وتغطّي جرائم الحرب الإسرائيلية، فهي تستخدم قوتها كعضو دائم في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من أي مساءلة، وهذا الدعم يشجع إسرائيل على مواصلة سياساتها العدوانية."
التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب مبني على مصالح اقتصادية وعسكرية، وأيضًا على الدور الذي يلعبه الاحتلال كأداة لتحقيق الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما يفسر عدم تحرك واشنطن الحقيقي لوقف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة أو الضفة الغربية.
هذه الهيمنة الأمريكية تدعم أيضًا استراتيجية "التصنيف الأمني"، حيث تُعتبر المقاومة الفلسطينية "إرهابًا"، ما يمنع دعمها سياسيًا وقانونيًا، ويشجع على استخدام العنف ضدها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهو تصنيف يُستخدم لإلغاء حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.

5. صمت الأنظمة العربية كأداة لقمع الحركات التحررية الداخلية وفرض الاستبداد
إن السكوت العربي الرسمي تجاه جرائم الاحتلال الإسرائيلي لا يخدم فقط المشروع الاستعماري الإسرائيلي، بل يُستخدم أيضًا كأداة داخلية لقمع الحريات وفرض الاستبداد في البلدان العربية.
يشرح المفكر المصري اليساري حسن نافعة هذا الواقع قائلاً:
"الأنظمة العربية، من خلال تعاونها مع الاحتلال، تستخدم قضية فلسطين كذريعة لقمع الحركات الديمقراطية واليسارية، وتحويل كل مطالب العدالة والحرية إلى تهديدات أمنية. هذا الاستغلال يرسخ دائرة القمع الداخلي ويطيل عمر الأنظمة السلطوية."
هذا النهج يخلق بيئة سياسية خانقة، لا تسمح بظهور أي حراك شعبي حقيقي يدعم الفلسطينيين أو يطالب بتحقيق العدالة. يتم وصم الناشطين الداعمين لفلسطين بـ"الإرهاب" أو "معاداة السامية"، وهو خطاب يتماهى مع الخطاب الإسرائيلي نفسه، مما يفتح المجال أمام حملات ملاحقة وتكميم أفواه المثقفين والناشطين.
كما أن هذه الاستراتيجية تعمّق الشرخ بين الشعوب وأنظمتها، حيث تتضامن الجماهير العربية مع الفلسطينيين، لكن القيادات السياسية تتعامل معهم كخصوم، ما يؤدي إلى أزمة شرعية حادة تهدد مستقبل الاستقرار السياسي في المنطقة.
6. استيقاظ الشارع العالمي الشبابي وسقوط كل سرديات الكيان الصهيوني: بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية
شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في وعي الأجيال الشابة، خاصة مع تزايد الوعي حول قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وخصوصًا القضية الفلسطينية التي أصبحت رمزًا عالميًا للنضال ضد الاستعمار والظلم. الشباب في مختلف أنحاء العالم، من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا، ومن آسيا إلى أفريقيا، شاركوا في تظاهرات ضخمة داعمة لفلسطين، ورفضوا كل محاولات الكيان الصهيوني لتجميل وجهه القمعي.
تزامن هذا الاستيقاظ مع انهيار كبير في سرديات الكيان الصهيوني الرسمية التي لطالما استخدمت خطاب معاداة السامية كغطاء لممارساته العدوانية. فقد تحولت هذه الخرافة إلى درع يستخدمه الاحتلال وحلفاؤه في الغرب لتكميم أفواه المنتقدين واتهامهم بـ"معاداة السامية"، في محاولة يائسة لإسكات الأصوات الداعمة للحق الفلسطيني.
لكن كما يقول المفكر اليساري الأمريكي أريك هولدر:
"إن محاولة اختزال النقد السياسي للاحتلال إلى معاداة السامية هي محاولة لتضليل الرأي العام، وللتهرب من المحاسبة. النقد الحقيقي هو رفض لنظام الفصل العنصري والاحتلال، وليس معاداة لشعب بأكمله."
هذا الاستيقاظ الشبابي لا يقتصر على التظاهر فقط، بل امتد ليشمل حركات مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها (BDS)، التي أصبحت أداة فاعلة على المستوى الدولي لكسر الحصار الإعلامي والسياسي المفروض على فلسطين.
في المقابل، تحاول السلطات الإسرائيلية وحلفاؤها تعزيز خطاب الخوف من "معاداة السامية" بغرض تعطيل الحركات التضامنية وخلق حالة من الاستقطاب والتشويه للمعارضة، لكن هذه الاستراتيجية بدأت تفقد فعاليتها أمام تضامن شعبي عالمي واسع ومتنامي.
7. الخليج العربي: بيع فلسطين في الخفاء والعلن، وثمن ذلك من دماء الشعوب
الأنظمة الحاكمة في دول الخليج العربي، وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين، لم تكتفِ بالانخراط في مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل باتت تبيع القضية الفلسطينية بشكل علني وسري، مقابل دعم سياسي واقتصادي يضمن بقاء هذه الأنظمة في السلطة، رغم مطالب شعوبها المتزايدة بالحرية والعدالة.
هذه الدول، التي كانت يومًا ما تدعم نضالات التحرر الوطني، تحولت إلى أدوات في يد الإمبريالية والصهيونية، حيث تبرمت بتمويل مشاريع استيطانية وأمنية ضد الفلسطينيين، بل وحتى دعمت حملات القمع ضد الحركات المناصرة لفلسطين داخل دولها وخارجها.
المفكر اليمني اليساري عبدالإله بلقيس وصف هذا الواقع بقوله:
"الخليج العربي اليوم هو سوق بيع فلسطين، حيث تُساق القضية كمجرد ورقة مساومة في لعبة السياسة الإقليمية. هذه الخيانة تدفع بها إلى أن تكون شريكًا في الجريمة، لا فقط متفرجًا عليها."
هذا الخضوع الخليجي للإمبريالية والصهيونية لا يقتصر على تقديم الدعم السياسي فقط، بل يتعداه إلى عمليات استخباراتية مشتركة تستهدف الفلسطينيين والمناضلين، سواء داخل الأراضي المحتلة أو في الشتات.
في المقابل، ما زال الشعب الخليجي يعبّر عن تضامنه الشعبي مع الفلسطينيين، لكن هذا التضامن يبقى مقموعًا ومكبوتًا بسبب القبضة الأمنية والسياسية التي تفرضها الأنظمة الحاكمة.
8. تحركات الدول الأوروبية: إجراءات محتشمة في مواجهة سياسة الاحتلال، وسط تباين في المواقف وصمت أمريكي وعربي
على الرغم من أن بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا، إيرلندا، إسبانيا وبلجيكا، بدأت في اتخاذ إجراءات وتوجيه انتقادات ضد السياسات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، إلا أن هذه التحركات لا تزال محتشمة وضعيفة، ولا ترقى إلى مستوى التصدي الفعلي للجرائم التي يرتكبها الاحتلال.
هذه الدول، بالرغم من تصريحاتها المتكررة عن احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، تبقى حذرة في مواجهة إسرائيل، خوفًا من تأثيرات ذلك على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، خصوصًا في مجال التكنولوجيا والطاقة.
المفكر الإسباني اليساري خوان كارلوس غوميز يقول:
"تخاذل أوروبا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ليس مفاجئًا، فهو تعبير عن ازدواجية في السياسات الأوروبية بين قيم الحقوق والواجبات الاقتصادية. أوروبا تخشى خسارة سوق مهم وشريك استراتيجي، فتختار الصمت أو الإدلاء بتصريحات رمزية فقط."
هذه المواقف الأوروبية تتناقض مع احتجاجات الشارع الأوروبي الواسعة، التي تعكس تضامنًا حقيقيًا مع الفلسطينيين، وتدعو إلى مقاطعة الاحتلال وفضح جرائمه. هذا الانفصال بين شعوب أوروبا وحكوماتها يعكس أزمة ديمقراطية عميقة، ويبرز الحاجة إلى تحركات شعبية تفرض على النخب السياسية مواقف أكثر جرأة وحسمًا.
في المقابل، يبقى الصمت الأمريكي الرسمي والعربي شبه مطلق، حيث تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بلا حدود، بينما تقمع الأنظمة العربية أي تعبير عن تضامن شعبي حقيقي مع القضية الفلسطينية.
9. الولايات المتحدة الأمريكية: الحامي الأكبر للاحتلال وأداة تنفيذ لسياسة الإمبريالية في الشرق الأوسط
تبقى الولايات المتحدة الراعي الأكبر للكيان الصهيوني، حيث تزوده بدعم مالي وعسكري هائل، وتستخدم نفوذها الدولي لمنع أي قرار أممي يدين الاحتلال أو يدعو إلى حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
المفكر اليساري نعوم تشومسكي يرى أن:
"الدعم الأمريكي لإسرائيل هو جوهر السياسة الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط. إسرائيل ليست مجرد حليف استراتيجي، بل هي عمود فقرات لاستراتيجية الهيمنة الأمريكية في المنطقة."
هذا الدعم الأمريكي لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يمتد إلى تبرير الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتصنيف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، مما يمنع تقديم أي دعم قانوني أو سياسي للمطالب الفلسطينية المشروعة.
كما أن الدور الأمريكي يشمل إدارة مفاوضات السلام الزائفة التي لم تجلب أي حل حقيقي للصراع، بل كانت مجرد وسيلة لشرعنة الاحتلال وتكريس الاستيطان.
هذا الواقع الأمريكي يعكس ازدواجية الخطاب السياسي الدولي، حيث تتحول شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أدوات سياسية تخدم مصالح القوى العظمى وليس شعوب المنطقة.
10. تواطؤ الأنظمة العربية: استخدام القضية الفلسطينية كغطاء لقمع الحريات واستمرار الاستبداد
الصمت العربي الرسمي ليس فقط خيانة سياسية، بل هو أيضًا أداة لقمع الحريات الديمقراطية داخل الدول العربية. هذه الأنظمة تستخدم الدعم الظاهري للقضية الفلسطينية لفرض سياسات قمعية، واستهداف الحركات اليسارية والنقابية والطلابية التي تدعم فلسطين.
المفكر المصري اليساري حسن نافعة يوضح أن:
"الأنظمة العربية تستغل القضية الفلسطينية كوسيلة لإخافة الشعوب وفرض هيمنتها الأمنية، بحجة حماية الأمن القومي، مما يبرر حملات القمع والتضييق على الحريات، ويمنع نشوء حراك شعبي حقيقي."
هذا الاستخدام السياسي للقضية الفلسطينية يخلق فجوة عميقة بين الشعوب وحكوماتها، ويعزز من أزمة الشرعية التي تعاني منها الأنظمة العربية، ويؤدي إلى تصاعد موجات الغضب الشعبي التي قد تتفجر في أي لحظة.
في هذه الظروف، تبرز الحاجة الملحة إلى تحالفات شعبية عربية فلسطينية تنطلق من أسس العدالة الاجتماعية والديمقراطية، لرفض الاحتلال وحكم الاستبداد في آن واحد.
11. الشارع العربي: ما بين الغضب المكبوت وغياب أدوات التعبير السياسي
رغم الصمت الرسمي العربي المُطبق، لا تزال القضية الفلسطينية تعيش في وجدان الشعوب العربية، وتشكّل نبضًا لا يمكن إطفاؤه، حتى في أحلك فترات القمع. فقد رأينا كيف تتحرك الجماهير تلقائيًا في مدن مثل عمّان وتونس والرباط وبيروت، رغم القبضة الأمنية الثقيلة، لإعلان رفضها للإبادة الجارية في غزة.
لكن هذه التحركات، ورغم دلالتها الثورية العميقة، تبقى جزئية وموسمية. فما ينقص الشارع العربي ليس الوعي، بل غياب التنظيمات الثورية الحقيقية التي تستطيع تأطير هذا الغضب وتحويله إلى مشروع تحرري شامل.
كما أن الأنظمة العربية تستبق أي انتفاضة محتملة بالردع الأمني والإعلامي، وتحاول تمييع الشعور العام تجاه فلسطين عبر حملات دعائية سطحية، وتحويل النقاش إلى مجرد “قضية إنسانية”، لا قضية تحرر وطني.
يقول المفكر اليساري اللبناني مهدي عامل:
"إن تعويم وعي الجماهير هو أداة السلطة الأولى في تكريس السيطرة الطبقية والسياسية، ومن ثم فإن جعل فلسطين مسألة دموع فقط، لا مقاومة، هو جزء من هذه الآلية."
إذن، المطلوب اليوم هو بناء أدوات فعل جماهيري جديد، قاعدي وعضوي، يعيد ربط النضال الفلسطيني بالنضال ضد الاستبداد والنيوليبرالية في الوطن العربي، ويوحّد بين معارك الحريات ومعارك التحرر.
12. الصهيونية كنظام استيطاني عنصري: من يافا إلى غزة، ومن دير ياسين إلى خان يونس
الصهيونية ليست مجرد مشروع سياسي، بل هي منظومة استعمارية عنصرية تستند إلى الإحلال الكامل لشعب مكان شعب، وهو ما يجعل من الكيان الصهيوني نموذجًا حيًا للاستعمار الكولونيالي الحديث. فكما أقيمت الولايات المتحدة على أنقاض السكان الأصليين، كذلك أُسست "إسرائيل" على جثث الفلسطينيين وخراب قراهم.
المذابح الصهيونية التي بدأت منذ دير ياسين، مرورًا بصبرا وشاتيلا، ووصولًا إلى مجازر غزة اليوم، ليست أحداثًا معزولة، بل بنية متكرّرة ومقصودة، هدفها الوحيد هو محو الإنسان الفلسطيني من الجغرافيا والتاريخ.
يقول المؤرخ اليساري اليهودي إيلان بابي:
"الصهيونية مشروع تطهير عرقي، وهذه ليست وجهة نظر، بل حقيقة مدعومة بالأرشيفات العسكرية الإسرائيلية نفسها."
الفصل العنصري في فلسطين ليس وهما، بل واقع حيّ. من الجدار العازل، إلى قانون القومية الذي يجعل من "اليهود فقط" أصحاب الحق في تقرير المصير، إلى نظام التصاريح والحواجز العسكرية في الضفة، يعيش الفلسطيني في سجن كبير لا يسمح له بالتنفس.
ولا يمكن فهم الصهيونية كاستثناء تاريخي، بل كنموذج يمثل عنف النظام العالمي الرأسمالي والإمبريالي في أقصى درجاته.
13. فلسطين اليوم: أيقونة عالمية للمقاومة ضد الإمبريالية والنيوليبرالية
لم تعد فلسطين مجرد قضية وطنية أو قومية؛ لقد أصبحت، في ظل التحولات العالمية، رمزا كونيا لكل الشعوب المضطهدة، ولكل الحركات المناهضة للرأسمالية والعنصرية والاستعمار. من تشيلي إلى جنوب أفريقيا، ومن بنغلاديش إلى فنزويلا، يُرفع علم فلسطين في كل مظاهرة ضد القمع الاقتصادي والسياسي.
هذا البعد الكوني لفلسطين جعل منها أيقونة للمقاومة اليسارية المعاصرة، وركيزة لتحالفات دولية جديدة تربط بين مناهضة الاستيطان ومناهضة الاستغلال.
يقول المناضل الثوري الجنوب إفريقي كريس هاني:
"حين تُضرب فلسطين، ترتجف كل حركات التحرر. نحن لا نعيش على هامش نضالهم، نحن في قلبه."
لقد فشلت محاولات العدو الصهيوني في شيطنة القضية، لأن الضحايا في غزة يقدمون للعالم مشهدا نقيا للكرامة البشرية في وجه آلة الإبادة، وهو ما يشكّل حرجا أخلاقيا هائلا للغرب الليبرالي، الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
وهكذا، تنبع القوة الرمزية لفلسطين من كونها آخر المعاقل الواضحة لرفض النظام الإمبريالي، ما يجعلها قضية طبقية أيضًا، وليست فقط قومية.
14. التحالف الصهيوني-الإمبريالي: وحدة السلاح والمال والدم في وجه الحرية
التحالف بين الصهيونية والإمبريالية ليس تحالفا عابرا أو ظرفيا، بل هو علاقة بنيوية، تقوم على تبادل المصالح الاستراتيجية والسياسية والعسكرية. فإسرائيل ليست فقط "قاعدة" أمريكية في الشرق الأوسط، بل هي رأس الحربة الأيديولوجية والعسكرية لضرب كل حركة تحرر حقيقية في المنطقة.
توفّر واشنطن الغطاء السياسي والدبلوماسي، وتضخ مليارات الدولارات سنويا، في حين توفّر إسرائيل الخبرة القمعية والعسكرية والتجريبية على حساب دماء الفلسطينيين. ومن هنا نفهم لماذا تُستخدم أساليب قمع المتظاهرين في باريس أو شيكاغو المستوحاة من أجهزة الأمن الإسرائيلية.
يقول المفكر الأمريكي اليساري مايكل بارنت:
"إسرائيل ليست أداة في يد أمريكا فقط، بل هي مخبر تجارب عالمي لتقنيات السيطرة على الشعوب، من الجدران إلى الطائرات بدون طيار، ومن تكنولوجيا المراقبة إلى نماذج الحرب النفسية."
هذا التحالف يجعل من أي دعم غربي لإسرائيل مشاركة مباشرة في الجريمة. لا توجد منطقة وسطى هنا: إما أنت مع التحرر أو مع الإبادة.
15. الصراع ليس دينيا: بل تحرري وطبقي في جوهره
أحد أخطر الأساطير التي روّج لها الإعلام الصهيوني والغربي هي أن الصراع في فلسطين هو صراع ديني، بين "اليهود" و"المسلمين"، أو بين "إرهاب إسلامي" و"دولة ديمقراطية". لكن الحقيقة أن الصراع تحرري بامتياز، بين شعب أعزل يُقاوم استعمارا عسكريا، وبين آلة قمع تُمثّل الامتداد المادي للإمبريالية العالمية.
في فلسطين يقاتل المسيحي إلى جانب المسلم، واليساري إلى جانب القومي، والفلاح إلى جانب العامل. المقاومة هناك لا تُفرز الناس على أساس دينهم، بل على أساس موقفهم من الاحتلال.
المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد كان دائم التذكير بأن:
"الصراع في فلسطين ليس صراع أديان، بل صراع تاريخي ضد استعمار استيطاني عنصري، يهدف إلى طمس شعب بأكمله من الوجود."
اختزال القضية في الدين هو خيانة لفهمها الحقيقي، وتشويه لها، ووسيلة فعالة لتقسيم صفوف المناصرين لها، خصوصًا في الغرب، حيث تُربط كل مظاهر المقاومة بالإرهاب.
الصراع في جوهره صراع من أجل الكرامة، الحرية، العدالة الاجتماعية، السيادة، والاستقلال، وهو ما يجعله قضية طبقية أممية، تهم كل المستضعفين في الأرض.
16. الجامعات الغربية كميدان صراع طبقي جديد: الطلاب ضد آلة الإبادة
الانتفاضات الطلابية التي اندلعت في الجامعات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ومن ثم انتشرت في عشرات المدن العالمية، لم تكن مجرد تعبير عن "تعاطف إنساني" مع غزة، بل كانت إعلانًا واضحًا عن نشوء وعي سياسي جديد في أوساط الشباب، ربط بين القضية الفلسطينية والنضال العالمي ضد النيوليبرالية والإمبريالية.
لقد احتلت الحركات الطلابية الساحات، ونصبت خيامًا في باحات الجامعات، رافعةً شعارات واضحة: "من فلسطين إلى كولومبيا، نفس الشرطة، نفس القضية"، و"من هارفارد إلى غزة: الحرية لكل الشعوب". هذا التحول النوعي أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز أجندة اليسار العالمي بعد سنوات من محاولات تهميشها أو شيطنتها.
ما يحدث ليس لحظة تضامن عابرة، بل ولادة جيل سياسي جديد يرفض الرأسمالية المتوحشة، ويضع فلسطين كمؤشر أخلاقي ومعياري: من لا يقف مع غزة، لا يمكنه الحديث عن الحريات، أو العدالة، أو حقوق الإنسان.
كما أظهرت هذه التحركات أن الجدار الحديدي الذي يحتمي خلفه الكيان الصهيوني — وهو اتهام كل من ينتقده بمعاداة السامية — قد بدأ يتشقق. فالطلاب اليهود التقدميون شاركوا في الاحتجاجات، وأعلنوا صراحة:
"نحن يهود، لكننا لسنا صهاينة. الصهيونية لا تُمثّلنا، والفصل العنصري لا يُعبّر عنّا."
بهذا، تتحوّل الجامعات إلى ساحات اشتباك معرفي وسياسي، ويُفتح الطريق أمام تكوين جبهة شبابية عالمية تضع الكيان الصهيوني في قلب المعركة ضد النظام العالمي القائم على الاستغلال والقمع.
17. سقوط سردية "الديمقراطية الإسرائيلية": حين يُصبح القاتل ضحية.
لأكثر من سبعة عقود، سوقت "إسرائيل" نفسها على أنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وأنها واحة للحداثة وسط "صحراء" من الأنظمة الاستبدادية. وقد تبنّى الغرب هذه السردية وكرّسها في إعلامه وسياساته.
لقد كشف المفكر اليساري الفرنسي آلان باديو زيف هذه السردية حين قال:
"أي ديمقراطية تلك التي تقوم على القصف اليومي للأطفال، وتجويع المدنيين، وتبرير الإبادة بالحق في الدفاع عن النفس؟ إنها ديمقراطية النخبة القاتلة."
اليوم، باتت هذه السردية تنهار حتى داخل أوساط الليبراليين الغربيين. لم يعد بالإمكان تبرير المجازر تحت يافطة "أمن إسرائيل"، بل أصبحت الرواية الصهيونية كلها عارية، مكشوفة، وموضوعة على المحك الأخلاقي.
هذا الانهيار يُمثّل فرصة تاريخية لليسار العالمي كي يعيد تقديم القضية الفلسطينية ليس كقضية شرق أوسطيّة، بل كأحد أعمدة النضال التحرري العالمي.
18. الخليج الرسمي: من التآمر في السرّ إلى التطبيع في العلن.
لم تعد الأنظمة الخليجية تُخفي تواطؤها. من اتفاقيات "أبراهام" إلى صفقات السلاح والتكنولوجيا المشتركة مع الكيان الصهيوني، مرورًا بمحاولات تجريم مقاومة التطبيع داخليًا، لم تعد المسألة مسألة "حياد" بل شراكة عضوية في الإبادة.
في الوقت الذي تُقصف فيه غزة، تُفتح الأجواء الإماراتية للطيران الصهيوني، وتُستقبل الوفود الاقتصادية في البحرين، ويتم تسويق السردية الصهيونية في القنوات السعودية. أسوأ من الصمت، أصبح الخليجي الرسمي شريكًا في التبييض السياسي للكيان.
بل وأكثر من ذلك، تقوم هذه الأنظمة بتمويل حملات ضغط في واشنطن دفاعًا عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وتشتري صمت المؤسسات الدولية عبر صفقات النفط والسلاح.
كما أشار الباحث العراقي فالح عبد الجبار:
"إن الطغاة الصغار في منطقتنا لا يستطيعون الصمود إلا في ظل حلف مع الإمبريالية الكبرى، وها هم اليوم يعيدون إنتاج سايكس بيكو بثوب رقمي."
إن هذا التحالف بين الخليج والكيان الصهيوني ليس استثناءً، بل ناتج طبيعي لنظام اقتصادي وسياسي يقوم على الاستبداد، والخوف من الشعوب، والارتهان للأسواق العالمية.
19. دور المثقف العربي: بين الخيانة والانحياز.
في لحظات الإبادة الكبرى، يُختبر المثقف: هل يقف مع السلطة أم مع الحقيقة؟ مع الضحية أم مع الجلاد؟ ومع الأسف، فقد ظهر جليًا كيف انقسم المثقفون العرب، بين من اختار الصمت، أو الاصطفاف خلف السردية الرسمية لأنظمة بلده، وبين من قرر أن يكون صوتًا حرًا وسط هذا الركام.
المثقف السلطوي، الذي طالما تحدّث عن "الاعتدال"، و"السلام"، و"أولوية التنمية"، سقط في هذا الامتحان. فحين يصبح القتل يوميًا، لا يمكن لحياد المثقف إلا أن يكون خيانة.
في المقابل، ظهر صوت المثقف المقاوم، المنحاز إلى المذبحة لا بالدموع فقط، بل بالتحليل، وبالتحريض الواعي، وبإعادة ربط غزة بقضايا الاستغلال والاستعمار.
يقول المفكر الماركسي سلامة كيلة:
"المثقف إما أن يكون في قلب الصراع الطبقي، أو لا يكون. وأي حياد في لحظة المجزرة هو اصطفاف مع القاتل."
اليوم، نحتاج إلى مثقف عضوي، لا يكتفي بكتابة المقالات، بل يربط فكره بالحركة، ويغذّي الوعي الجمعي بمنهج تحرري شامل.
20. الإعلام المقاوم: سلاح في معركة الوعي.
رغم الطوفان الإعلامي الذي تُديره الماكينات الصهيونية والغربية والخليجية، بدأت تتشكل نوى جديدة لإعلام مقاوم، يساري في الرؤية، أممي في الخطاب، وحرّ في الممارسة.
وسائل الإعلام البديلة، ومنصات الصحفيين المستقلين، والمحتوى الثوري على وسائل التواصل، كلها أصبحت أدوات كفاح فعلي، لا تقل أهمية عن السلاح. لأن المعركة اليوم لم تعد فقط على الأرض، بل أيضًا في العقول.
هذا الإعلام يكسر الحصار المضروب على غزة، ويفضح الأكاذيب، ويُعرّي التواطؤ الرسمي العربي والغربي. وهو إعلام لا يُموّل من شركات، بل من الناس، من قلوبهم، من غضبهم، من إيمانهم بالتحرر.
كما يقول المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي:
"الهيمنة لا تُنتَزع بالسلاح فقط، بل تُكسر أولًا عبر تفكيك منظومة الأفكار التي تحرسها."
الإعلام المقاوم هو رأس الحربة في هذه المعركة. فكل صورة شهيد، كل شهادة حيّة من داخل غزة، كل تحليل نقدي للواقع، هو رصاصة في وجه السردية الرسمية.
21. القطيعة مع الأمم المتحدة: عندما تتحوّل المؤسسات الدولية إلى وكلاء للإبادة
في كل حرب يشنّها الكيان الصهيوني، يتراجع الدور الأممي من الوساطة إلى التواطؤ، ومن الرقابة إلى التبرير، لكن ما جرى منذ 7 أكتوبر 2023 كشف بشكل فجّ حجم الانهيار الأخلاقي والسياسي الذي تعيشه الأمم المتحدة ومؤسساتها.
حين يُذبح الأطفال بالجملة وتُدكّ المستشفيات وتُجرف المقابر، ويكتفي الأمين العام أنطونيو غوتيريش بعبارات "القلق العميق" و"الدعوة إلى التهدئة"، فإن ذلك ليس مجرد ضعف، بل تواطؤ مؤسّسي. بل وبلغ الأمر أن وقفت الولايات المتحدة، بتواطؤ أوروبي مباشر أو صامت، في وجه كل محاولة لإصدار قرار يطالب بوقف إطلاق النار.
ومتى مرّ في مجلس الأمن قرار بوقف المجازر، فإن أمريكا تستعمل "الفيتو"، أي حق القتل المفتوح باسم القانون.
قال المفكر التقدمي الكولومبي إدواردو غاليانو:
"القانون الدولي يُطبّق على الضعفاء فقط، أما الأقوياء فتصنع لهم القوانين كما تُفصّل البذلات للأثرياء."
تاريخ الأمم المتحدة نفسه هو تاريخ مزدوج: هيئة وُلدت بعد الحرب العالمية الثانية باسم "السلام"، لكنها وُظّفت لحماية مصالح القوى المنتصرة. لذلك فكل قراراتها ضد الكيان الصهيوني بقيت حبرًا على ورق، من قرار 194 بخصوص عودة اللاجئين، إلى القرار 242 بخصوص الانسحاب، وصولًا إلى التقارير التي توثق جرائم الحرب.
أمام هذا الانكشاف، تتجه حركات التحرر ومناصرو القضية الفلسطينية إلى بناء شرعية شعبية أممية بديلة، شرعية الشارع، وشرعية الجماهير، وشرعية الحقيقة المجردة التي لا تحتاج لإذن دبلوماسي كي تصرخ في وجه القاتل: أنت مجرم.
22. لا "حلّ الدولتين" ولا "الدولة الواحدة": الاستعمار لا يُجمّل
في كل مرة تبلغ فيها آلة الحرب الصهيونية ذروتها، يعود الخطاب الغربي والعربي الرسمي إلى "حلّ الدولتين" وكأننا في تسعينات أوسلو، وكأن الزمان تجمّد، وكأننا لم نرَ كيف مزّقت إسرائيل الضفة الغربية بالاستيطان، وحوّلت غزة إلى معسكر اعتقال مفتوح.
الحلّان المطروحان — الدولتان أو الدولة الواحدة — هما مجرد واجهتين لعملة واحدة إذا لم يُطرحا ضمن منظور تحرري جذري. دولة فلسطينية على الورق بجانب دولة استعمارية عنصرية ليست حلاً، بل شرعنة للاستعمار. ودولة واحدة "لكل مواطنيها" بدون تفكيك المنظومة الصهيونية تعني تمديد نظام الأبارتايد باسم التعايش.
يقول المفكر اليساري الفلسطيني إيليا زريق:
"الدولة ليست قالبًا هندسيًا، بل تجسيدٌ للسلطة. ومن يملك الأرض والسلاح والحدود لا يمكنه تقاسم الدولة مع من لا يملك شيئًا."
الصراع ليس بين قوميتين، بل بين مشروع تحرر وطني من جهة، ومشروع استيطاني إحلالي من الجهة الأخرى. ومادامت البنية الاستعمارية قائمة، فلا معنى لأي حلّ لا يمر عبر تفكيك الصهيونية نفسها، كأيديولوجيا ومؤسسة وأداة عنف عنصري.
لهذا، يصرّ اليسار الفلسطيني والعالمي على أن فلسطين ليست فقط جغرافيا، بل مشروع تحرر لا يمكن أن يتحقق إلا بإسقاط نظام الفصل العنصري، وتفكيك الاستيطان، والعودة الكاملة لكل اللاجئين، وهو ما يتطلب نضالًا طويلاً يتجاوز الأوهام الدبلوماسية.
23. سلاح المقاطعة: معركة الاقتصاد من تحت.
في ظل عجز الأنظمة عن اتخاذ أي موقف، وفي ظل هيمنة الإعلام الصهيوني والرأسمالي، أصبحت المقاطعة سلاحًا فعّالًا بيد الشعوب. المقاطعة ليست موقفًا أخلاقيًا فقط، بل أداة نضال ماديّ واقتصاديّ وسياسيّ.
من مقاطعة المنتجات الصهيونية، إلى الضغط على الشركات الداعمة للكيان، إلى حملات سحب الاستثمارات من الجامعات والبنوك، بدأ يتشكل اقتصاد مقاومة عالميّ من تحت، يتحدّى تحالف الرأسمال مع الصهيونية.
تقول نعومي كلاين، المفكرة اليسارية الكندية:
"المقاطعة أداة الشعوب في وجه القوى التي لا يمكن الوصول إليها عبر صناديق الاقتراع أو المحاكم، وهي السبيل لإخضاع الشركات والدول التي تحمي القتل بالمال."
وليس غريبًا أن تقوم أنظمة عربية وخليجية بحظر حملات المقاطعة، وتجريم الدعوات لها، لأن هذه الأنظمة تعرف أن المقاطعة تعني وعيًا سياسيًا، وتنظيمًا شعبيًا، وتهديدًا مباشرًا للتحالف المالي العربي الصهيوني.
إن نجاح المقاطعة لا يُقاس فقط بخسائر الشركات، بل بقدرتها على إنتاج وعي تحرري جديد، يرى في كل دولار يُنفق أداة سياسية، وفي كل منتج يُستهلك موقفًا. إنها مقاومة بلا بنادق، لكنها تُصيب في مقتل.
24. غزة: مدرسة العالم في الصمود
غزة، هذه القطعة الصغيرة من الأرض المحاصرة، أصبحت رمزًا كونيًا للكرامة. فمن بين الركام، وتحت القصف، ووسط المجاعة، تنهض غزة كل يوم لتقول للعالم: لسنا ضحايا، بل مقاومون. لسنا ضعفاء، بل أصحاب حق.
غزة ليست مجرد مكان، إنها مفهوم. هي تحدٍ مباشر لعقيدة القوة العسكرية، وللإذعان العربي، ولليأس العالمي. حين تُقصف، وتعود للحياة بعد دقائق، فإنها تُعلّم البشرية معنى العناد الثوري.
قال إدوارد سعيد ذات مرة:
"أن تكون فلسطينيًا يعني أن تكون ساكنًا في المنفى، متجذرًا في اللاجئ، مزروعًا في التحدي."
وغزة هي التجسيد الأعلى لهذا المعنى. لأنها لا تملك جيشًا نظاميًا، ولا نظامًا اقتصاديًا مستقرًا، ولا دعمًا دوليًا، لكنها تملك ما لم تملكه الجيوش: الإرادة.
وغزة اليوم، بحصارها ومقاومتها ومجازرها، باتت تمثل فلسطين في أصفى صورها: مأساة مقاومة، وحصار من نار، وشعب لا يُكسر. إنها تذكير دائم لكل من يساوم أو يهادن أو ينسى: أن الصراع لم ينتهِ، وأن الأرض تنادي أبناءها، مهما طال الغياب.
25. فلسطين في قلب الثورة العالمية المقبلة.
لم تعد فلسطين "قضية العرب"، بل صارت قضية الثورة العالمية المقبلة. من بيرو إلى جنوب إفريقيا، من كوبا إلى كراتشي، من نيويورك إلى نيروبي، يُرفع العلم الفلسطيني كرمز لكل من يعاني من الهيمنة والإفقار والعنصرية.
لأن فلسطين تجمع كل التناقضات الكبرى: استعمار، تمييز، تهجير، إمبريالية، تواطؤ رسمي، مقاومة شعبية. وهي بذلك تصبح مختبرًا للنضال التحرري، وتجسيدًا حيًا لروح الثورة.
يقول سامي زبيدة، المفكر العراقي اليساري:
"في كل ثورة ستجد فلسطين: في الأغاني، في الشعارات، في الوجدان. إنها ليست فقط ضحية، بل نداء لما يمكن أن يكون عالمًا آخر."
ولهذا، فإن كل من ينخرط في النضال لأجل فلسطين، هو في الوقت ذاته يناضل لأجل حقوق العمال، وضد العنصرية، ومن أجل نساء العالم، ومن أجل العدالة المناخية، وضد الرأسمالية المتوحشة.
إن فلسطين ليست نهاية التاريخ، بل بدايته الجديدة. وبانتصارها، تنتصر كل الشعوب. وبفهمها، نفهم وجه العالم الحقيقي. وبالانحياز لها، نُعلن أننا ما زلنا على قيد الإنسانية.
26. لا سلام مع القتلة: عندما تتحول "المفاوضات" إلى شراكة في الجريمة
منذ اتفاقيات أوسلو سنة 1993، وُعد الفلسطينيون بالدولة، وبالسيادة، وبالسلام. لكن ما حدث فعليًا هو نزع سلاح المقاومة، تقسيم الضفة إلى مناطق (A، B، C)، وتمكين الاحتلال من إحكام السيطرة، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى وكيل أمني تابع.
لقد كانت "المفاوضات" مجرد غطاء لإعادة تشكيل منظومة الاحتلال تحت مسمى السلام، حتى صارت فيها المقاومة تُدان، والشهداء يُنكرون، والسجون تُملأ بالأحرار... كل هذا تحت رعاية "التنسيق الأمني" الذي قال فيه المفكر الفلسطيني ناصر السعدي:
"أن تتحول المقاومة إلى مجرم، والاحتلال إلى شريك، فهذه ليست عملية سلام، بل انقلاب على التاريخ."
وليس من العبث أن تتبنى إسرائيل "السلام الاقتصادي"، فهي لا ترى في الفلسطينيين شعبًا، بل يدًا عاملة يمكن استغلالها، وشريحة يمكن إدارتها أمنيًا واقتصاديًا، بلا سيادة ولا حقوق. وكل من يسير في هذا المسار، إنما يشارك في تزوير معاني العدالة.
اليسار الثوري يرفض هذه المسرحية المسماة "عملية سلام"، لأنها تنطلق من مبدأ مغلوط: أن العدل قابل للتفاوض. والحال أن العدالة لا تُقايض. لا يمكن أن تُسلب الأرض ويُقتل الشعب وتُنهب الثروات، ثم يُطلب منه التفاوض. إن العدو الصهيوني لا يحتاج إلى سلام، بل إلى شرعنة وجوده. وهذا ما نرفضه تمامًا.
27. الأنظمة العربية: بين خيانة القضية وتخدير الشعوب.
لم تكن الهزيمة أمام إسرائيل فقط عسكرية، بل كانت سياسية وأخلاقية وثقافية. لقد انهارت الأنظمة العربية الواحدة تلو الأخرى أمام سحر "السلام"، وتحوّل كثير منها إلى شريك مباشر في المشروع الصهيوني، سواء عبر التطبيع العلني أو التحالف الأمني أو التواطؤ الإعلامي.
من كامب ديفيد إلى وادي عربة، ومن اتفاقيات أوسلو إلى اتفاقيات أبراهام، خطّت الأنظمة طريق الخضوع، وصارت فلسطين عبئًا على حكام لا يريدون سوى البقاء في الحكم حتى ولو على جماجم الأمة.
يقول المفكر المغربي المهدي المنجرة:
"حين تسكت الأنظمة عن الجريمة، يتكلم الشعب. وحين تخون النخب، تنهض الجماهير من الصمت."
لقد باعت هذه الأنظمة فلسطين كي تشتري صكوك الرضا الأمريكي، وصارت تُطبع بلا خجل، وتُدين المقاومة باسم "الإرهاب"، وتمنع التظاهر وتُطارد أي دعم شعبي، بحجة الأمن أو "الواقعية السياسية".
لكنّ الشعوب، رغم القمع، لم تتخلّ عن فلسطين. بل إن أكبر التظاهرات في تاريخ المغرب، وتونس، والأردن، ومصر، والجزائر، ولبنان... كانت دائمًا لأجل القدس وغزة. لأن فلسطين بالنسبة للجماهير ليست ملفًا دبلوماسيًا، بل رمزًا للكرامة، ومنارة لكل ثائر.
28. الإعلام العربي الرسمي: بوق المستعمِر وأداة التطبيع.
في زمن الصورة، يتحوّل الإعلام إلى ساحة معركة حقيقية. والمفارقة أن الإعلام العربي، المملوك غالبًا للعائلات الحاكمة، أصبح أداة بيد الصهيونية، لا لكشف جرائمها، بل لغسلها وتبريرها وتبييضها.
من قناة "سكاي نيوز عربية" إلى "العربية"، ومن صحف الخليج إلى منصات مصر والأردن الرسمية، تحوّل الخطاب إلى شيطنة المقاومة و"التحذير من التصعيد"، والدعوة إلى "التهدئة" و"الواقعية"، بل وتمجيد "السلام مع إسرائيل" بوصفه ضرورة تاريخية.
ويقول الصحفي والباحث اللبناني جوزيف سماحة:
"من يقف على الحياد في قضية عادلة، هو شريك مباشر في الجريمة، أما من يبرر الظلم إعلاميًا، فقد صار جزءًا من بنية القتل."
هذا الإعلام لا يكتفي بالتضليل، بل يعمل على ترويج التطبيع الثقافي، واستضافة "محللين إسرائيليين"، والحديث عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وتجاهل القصف والمجازر. فهنا تُصنع الحرب الناعمة ضد الوعي، وتُهدم أسوار التضامن، ويُعزل الشعب الفلسطيني نفسيًا عن عمقه العربي.
لكن ظهور الإعلام المقاوم البديل، ووسائل التواصل الاجتماعي، يعيد رسم معادلة المواجهة. فقد صار الطفل الغزي بهاتفه المقاوم أخطر من ألف مذيع مأجور.
29. من النكبة إلى الانتفاضة: فلسطين كذاكرة مقاومة لا تموت
حين يتحدث البعض عن فلسطين باعتبارها قضية "معقّدة" أو "منتهية"، ينسون أن الشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي لم يتوقف لحظة واحدة عن المقاومة، منذ أكثر يكثير من 75 سنة، وبكل الأشكال الممكنة.
من النكبة سنة 1948، إلى العدوان الثلاثي، إلى اجتياح بيروت، إلى الانتفاضتين، إلى مقاومة غزة، إلى العمليات الفردية في الضفة، إلى المواجهات الشعبية في القدس... كل هذه ليست "جولات"، بل أشواط طويلة من الثورة المستمرة.
يقول المفكر الفلسطيني الماركسي بشير البرغوثي:
"النكبة ليست لحظة، بل بنية قائمة. والمقاومة ليست رد فعل، بل فِعلٌ في قلب المعركة الوجودية."
فلسطين اليوم ليست في حاجة إلى أن "تعود"، لأنها لم تغادر. الفلسطينيون في الداخل والخارج، في المخيمات والشتات، في غزة والضفة، في الشتات والمنافي، يحملون فلسطين في أسمائهم ولهجاتهم وأحلامهم. هي ليست فقط جغرافيا ضائعة، بل هوية تقاوم الزوال
30. الدرس الكبير: من فلسطين تتعلم الشعوب كيف تنهض.
إذا كانت كل قضية عادلة تعلّمنا درسًا، فإن فلسطين تعلّمنا دروسًا لا تنتهي: أن القوة لا تُحسم بالسلاح وحده، وأن الكرامة لا تُشترى، وأن الذاكرة لا تموت، وأن الوعي الشعبي هو رأس المال الحقيقي لأي تحرر.
في لحظة بدا فيها أن العالم قد خضع، وأن الهيمنة قد انتصرت، جاءت فلسطين لتُعيد تعريف كل شيء. أعادت تعريف "النصر" بأنه البقاء على الأرض. و"الهزيمة" بأنها الصمت. و"الشرعية" بأنها المقاومة.
قال المناضل الأوروغوياني إدواردو غاليانو:
"هم يملكون القنابل... ونحن نملك الوقت. هم يملكون الإعلام... ونحن نملك الذاكرة. هم يملكون المال... ونحن نملك السبب."
وفلسطين هي السبب. هي المرآة التي يرى فيها كل حرّ صورته. كل عامل مسحوق، كل لاجئ، كل امرأة منسية، كل طفل جائع، كل من قاوم الطغيان... يرى في فلسطين مرآته ومصيره وأمله.
إن نضال فلسطين هو نضال الإنسانية كلها ضد الفاشية، ضد العنصرية، ضد الإمبريالية، وضد أنظمة الخيانة. ومن لا يرى في فلسطين قضيته، فليس فقط لا يفهم السياسة... بل لا يفهم العالم.
31. سقوط "الاستثناء الصهيوني": نهاية خرافة الحصانة الأخلاقية والتاريخية.
طيلة عقود، ظل الكيان الصهيوني يتكئ على خرافة كبرى: أنه "دولة استثناء"، محصّنة ضد النقد، محمية من المحاسبة، مغطّاة أخلاقيًا وتاريخيًا بعباءة "الهولوكوست" و"معاداة السامية"، ومحصّنة سياسيًا بدروع الغرب الإمبريالي. لكن، مع مجازر غزة المستمرة منذ أكتوبر 2023، سقط هذا القناع، وبدأت البشرية ترى الوحش كما هو، لا كما أرادت الآلة الدعائية الإمبريالية أن تروّج له.
لقد تحطمت سردية "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، وتحولت إلى نكتة سوداء تثير الاشمئزاز في وجه أطفال يُدفنون تحت الأنقاض، ومستشفيات تُقصف عمدًا، وأجساد تُشوّه في المقابر الجماعية، وصحفيين يُستهدفون مباشرة. إن صور المجازر، والفيديوهات القادمة من رفح وخان يونس وجباليا، حجبت أي صوت دعائي، وأرغمت الشعوب على النظر في وجه الحقيقة دون وسائط.
إن تبريرات "محاربة الإرهاب" لم تعد تقنع أحدًا، بل صارت تُسمّى اليوم باسمها الحقيقي: "الإبادة الجماعية". وهذا السقوط السردي، الذي كان حلمًا بعيد المنال قبل سنوات، تحقق الآن بفضل دماء الفلسطينيين وصمودهم الأسطوري، لا بفضل أي توازن قوى سياسي.
يقول المفكر اليساري الفرنسي إدوارد لوي:
"حين تنكسر السرديات الكبرى، يولد وعي جديد. الوعي بأننا خُدعنا طويلاً باسم الضحية، حتى صرنا نرى الجلاد ضحية، والضحية جلادًا."
السردية الصهيونية اليوم في أزمة خانقة، حتى اللوبيات الصهيونية التقليدية في الغرب تجد نفسها محاصرة بموجات نقد شعبية غير مسبوقة. الجامعات تشتعل، الصحف الغربية الكبرى تنشر لأول مرة كلمات مثل "إبادة"، "تطهير عرقي"، "احتلال"، والمثقفون الأحرار من كل أنحاء العالم يكسرون حاجز الصمت، حتى في نيويورك ولندن وباريس.
أما ذريعة "معاداة السامية"، فقد تآكلت بفعل الاستعمال المفرط والابتزازي لها. لم تعد تُخيف أحدًا، بل أصبحت أداة مفضوحة لقمع الأصوات الداعمة لفلسطين. حتى يهودًا تقدميين، كجماعة "يهود ضد الصهيونية" و"الصوت اليهودي من أجل السلام"، يصرّحون علنًا بأن "انتقاد إسرائيل ليس معاداة للسامية، بل دفاع عن القيم الإنسانية"، كما جاء في بيانهم المفتوح لنقابات التعليم الأمريكية.
لقد انتهى زمن الاستثناء، وبدأ زمن الحقيقة: إسرائيل دولة استعمار استيطاني عنصري، تمارس الإبادة كسياسة ممنهجة، وتغلفها بكلمات مضادة للحقيقة. ومع كل بيت يُقصف، تنكشف طبقات الكذب، ويسقط قناع الضحية عن وجه الجلاد.
الشارع الأممي، بقيادة شبابه، هو الذي أطاح بهذه السرديات، لا دبلوماسية رسمية، ولا قرارات أممية. فكما قال غسان كنفاني:
"الثورة وحدها هي التي تكشف الحقائق، وكل ما عداها روايات مصنوعة على مائدة السادة."
32. أوراق الضغط العربية: قوة مُهملة في خدمة الخضوع لا المقاومة.
يمتلك العرب، من المحيط إلى الخليج، ما يمكن أن يشكّل أضخم ترسانة ضغط غير عسكرية في وجه الكيان الصهيوني وحلفائه. ولكن هذه الترسانة، عوض أن تُستخدم دفاعًا عن الحق الفلسطيني، تُركت لتصدأ تحت أنقاض الهزيمة النفسية والارتهان السياسي، بل ويُستخدم بعضها أحيانًا لخدمة المشروع الصهيوني نفسه عبر مقايضات خفية وتطبيع علني وخنوع متلفز.
لنتحدث بلغة الأرقام والمصالح: العرب يملكون النفط والغاز والممرات البحرية (مضيق هرمز، باب المندب، قناة السويس)، ولديهم سوق استهلاكية ضخمة تتجاوز 400 مليون نسمة، ويحتضنون أقدس الأماكن الدينية التي يحجّ إليها العالم الإسلامي، ناهيك عن الثقل المالي المهول الموجود في البنوك والصناديق السيادية الخليجية. ومع ذلك، لم تُستخدم أيّ من هذه الأوراق لتعرية الكيان أو الضغط على داعميه، بل تُستخدم هذه القوة الاقتصادية والإعلامية والدينية للتطبيع والترويج لـ"سلام المذلة".
أين حملة المقاطعة الرسمية للسلع الأمريكية؟ أين التهديد بإغلاق القواعد العسكرية الغربية في الخليج؟ أين قرار جماعي بخفض أو تجميد إنتاج النفط ردًا على مذابح غزة؟ أين استدعاء السفراء من واشنطن أو طرد سفراء دول الاحتلال؟ لا شيء.
يقول المفكر العربي السوري إلياس مرقص:
"الأنظمة العربية لا تعاني من نقص في الوسائل، بل من فائض في التبعية."
يبدو وكأن هذه الأنظمة لا ترى في نفسها طرفًا في المعركة، بل وسيطًا محايدًا في "صراع معقد"، رغم أن الدم الذي يُسفك في غزة هو دم عربي، والقضية التي تُدفن يوميًا هي القضية المركزية للكرامة العربية.
التحالف الصهيو-أمريكي يعرف جيدًا أن أوراق القوة موجودة، لذلك يُمسك بالأنظمة من أعناقها عبر الصفقات الأمنية، والدعم المالي، وحماية العروش. أما الشعوب، فهي محاصَرة بالقمع، والتجويع، والتطبيع القسري. ومع ذلك، لم تمت الروح. الشارع ما يزال ينبض، والمقاطعة الشعبية تزداد انتشارًا، والوعي يتسرب من تحت الحصار، كما الماء من تحت الحجر.
يقول الشهيد نائل البرغوثي:
"الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، والمقاومة لا تحتاج إذنًا من أحد."
لقد آن الأوان ليُسائل اليسار العربي هذه الأنظمة مباشرة: لماذا تُفرّطون في أوراق القوة وتوظفونها ضد شعوبكم لا ضد العدو؟ لماذا لا يُستثمر النفط لإطفاء نار الإبادة؟ لماذا لا تُستخدم الثروات العربية في دعم المقاومين بدل تقديمها على طبق من ذهب كجوائز للتطبيع؟
في زمن تتغير فيه السرديات العالمية، لا عذر لتأجيل المواجهة الأخلاقية والسياسية. من يمتلك أدوات الضغط ويرفض استعمالها في وجه مجازر القرن، هو شريك صامت في الجريمة.
في حين تنذر الانتهاكات الإسرائيلية في غزة بأكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، تبقى الأنظمة العربية أمام اختبار ذريع لأدائها السياسي والأخلاقي. فمع أن لديها في جعبتها أوراق ضغط متعددة وقوية، إلا أنها تخضع لصمت مريب، بل أحيانًا لتواطؤٍ مباشر مع أطراف الهيمنة الغربية والصهيونية.
منذ عقود، كانت بعض الدول العربية تملك القدرة على تعطيل هذا المسار المأساوي. يمكنها إغلاق الأجواء والموانئ أمام "الاحتلال"، ووقف تصدير النفط والغاز إلى الدول الداعمة له، ووقف التعاون الأمني والاستخباراتي، بل حتى تقديم الدعم الدبلوماسي اللامحدود للفلسطينيين. لكن للأسف، واقع الحال يختلف تمامًا.
هذا الصمت أو هذا "التواطؤ الناعم" ينبع من شبكة مصالح اقتصادية وسياسية وثيقة تربط هذه الأنظمة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، هناك خوف من تأثير أي قرار جريء على استقرار هذه الأنظمة نفسها، التي تواجه شعوبًا ساخطة ومطالب متزايدة بالحرية والكرامة.
يرى المفكر الفلسطيني اليساري غسان كنفاني:
"النخبة التي تخون قضايا شعبها، لا تختلف كثيرًا عن الاحتلال، فهي جزء من آلية القهر والهيمنة."
وفي السياق ذاته، قال الناشط والباحث المغربي عبد الله العروي:
"القدرة على الفعل السياسي تُقاس بمدى استقلال القرار الوطني، وما يحدث اليوم هو خضوع ذريع لإرادات أجنبية تُنتهك فيه حقوق شعوب بأسمائها."
تجليات هذا التواطؤ صارت واضحة أيضًا في التقارير التي تكشف عن تعاون بعض أجهزة الأمن الخليجية مع الاحتلال، بل إن التقارير الإعلامية تتحدث عن صفقات سلاح وتكنولوجيا استخبارات تُموّلها وتسهلها هذه الأنظمة.
في المقابل، يكفي أن نُمعن النظر في دور بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، بلجيكا، وحتى إيرلندا، التي بدأت تتخذ خطوات ولو محتشمة ضد "الاحتلال"، عبر تقديم استجوابات في البرلمان، واعتماد قرارات دبلوماسية، وفتح تحقيقات قضائية محدودة ضد بعض الشخصيات الصهيونية. هذه التحركات تُشكّل مؤشراً على تصدع مواقف الاتحاد الأوروبي رغم سيطرة اللوبي الصهيوني هناك، لكنها تبقى ضعيفة مقارنة بحجم المأساة.
أما في الولايات المتحدة، فالوضع أكثر تعقيدًا، حيث يستمر الدعم المالي والعسكري للكيان الصهيوني بأرقام خيالية، تصل إلى نحو 50 مليار دولار خلال العقد الأخير فقط، في مقابل الصمت الأمريكي الرسمي على جرائم الإبادة، مع تمويل وحماية سياسية كاملة عبر "الفيتو" في مجلس الأمن.
إذا لم تُستثمر هذه الورقة العربية القوية في الضغط السياسي والاقتصادي، وإذا لم تُترجم التحركات الأوروبية الضعيفة إلى سياسة موحدة وحاسمة، فإن غزة ستظل ساحة استنزاف وإبادة، سيُعاد فيها إنتاج معادلات الاحتلال التي تحمي القتلة، وتغتال الحقوق.
إن السؤال المركزي الذي يطرح نفسه على النخبة اليسارية العربية والعالمية:
هل سنظل نراقب سقوط الضحايا بصمت؟ أم سنعمل على بناء تحالف عالمي واسع ومتكامل بين القوى الشعبية، القانونية، والدولية لتحطيم هذا الصمت والتواطؤ، وفرض العدالة الحقيقية على الأرض؟
هذا التحرك الجماهيري والسياسي هو الطريق الوحيد لكسر دائرة العنف والإفلات من العقاب، وتحقيق التحرر الوطني الفلسطيني، وإعادة الاعتبار لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
33. محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات: عدالة معطوبة تواجه جدار الحلف الصهيو-أمريكي.
في وجه المجازر الموصوفة التي تُرتكب يوميًا في قطاع غزة، برزت أصوات العدالة الدولية خجولة لكنها ذات دلالة، تقودها مؤسسات أممية كـ"محكمة العدل الدولية" و"محكمة الجنايات الدولية". لكن هاتين المؤسستين، رغم قراراتهما الرمزية، تقفان الآن عاريتين أمام العالم، تُحاصَران وتُهددان وتُبتزان من قِبل القوة الإمبريالية التي تتصدر تحالف القتل: الولايات المتحدة، ومن خلفها الكيان الصهيوني.
في مايو 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا غير مسبوق، يدعو إسرائيل إلى "وقف فوري لعملياتها العسكرية في رفح"، محذّرة من خطر الإبادة الجماعية. القرار، بحد ذاته، كان بمثابة وثيقة تاريخية تُدين ضمنيًا السياسة الصهيونية، وتجعل من الاحتلال موضوعًا للمساءلة القانونية لأول مرة بهذا الوضوح. لكن ماذا كانت النتيجة؟ لا شيء. لم يُنفذ القرار، ولم تهتز جبهة الدعم الغربية للكيان، بل تعالت الأصوات في واشنطن ولندن لتقويض شرعية المحكمة، وتهميش قراراتها، بل وصل الأمر إلى تهديد القضاة أنفسهم، كما فعل نوّاب أمريكيون أعلنوا عزمهم "معاقبة" كل من يجرؤ على إصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو أو قادة الجيش.
أما محكمة الجنايات الدولية، فحين بدأت الحديث عن إمكانية إصدار مذكرات توقيف بحق قيادات إسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ثارت ثائرة اللوبي الصهيوني في واشنطن، وهدّد الكونغرس بعقوبات على المحكمة نفسها، ملوّحًا بوقف التمويل وملاحقة القضاة. مشهد لا مثيل له من الوقاحة الاستعمارية: محكمة دولية تُحاكم على نيتها تطبيق القانون الدولي على "الاستثناء الصهيوني".
يقول المفكر اليساري البريطاني طارق علي:
"لا توجد عدالة كونية في عالم محكوم بالهيمنة. كل محكمة دولية هي ساحة معركة بين الحق المجرد وإرادة الإمبراطورية."
هكذا، تصبح العدالة الدولية رهينة لمعادلة القوى. القانون الدولي لا يُطبق إلا على الضعفاء، أما الأقوياء، فمُحصّنون بالدولار والسلاح والـ"فيتو". لكن، ومع ذلك، فإن رمزية هذه التحركات القانونية تظل مهمة. لأنها تخلق تراكمًا أخلاقيًا، وتحاصر السردية الصهيونية قانونيًا، وتمنح الشعوب وأحرار العالم أدوات نضالية جديدة، وإن لم تكن فعّالة فورًا.
نحن أمام لحظة مفصلية: فإما أن تتحول هذه المؤسسات إلى أدوات مقاومة قانونية عالمية، أو تنهار نهائيًا تحت وطأة الضغط الأمريكي-الصهيوني، وتفقد آخر ما تبقى لها من شرعية.
ولذا، فإن واجب اليسار العالمي، والعربي منه خصوصًا، أن يدافع عن استقلال هذه المؤسسات، لا بوهم الحياد القانوني، بل من موقع الصراع الطبقي والسياسي العالمي. لأن إسقاط محكمة تُحاكم القتلة، هو نصر للقتل، وهزيمة للعدالة التي نحلم بها في كل الساحات، من غزة إلى الخرطوم، ومن بغداد إلى صنعاء.
34. ترامب، الكيان الصهيوني ومشروع تفريغ غزة: سياسة التهجير القسري وسيناريو الإبادة الممنهجة
لا يمكن فهم التطورات الكارثية التي شهدتها غزة دون الغوص في خلفيات سياسية وعسكرية، توجت عبر عقود طويلة من السياسات العدوانية التي تنفذها الدولة الصهيونية، بدعم مباشر وغير مباشر من إدارة دونالد ترامب، الذي كان رأس حربة في تعزيز مشروع الاحتلال وتصفية القضية الفلسطينية. لقد جاء ترامب ليُفعّل، بطريقة ممنهجة، رؤية الصهاينة في تفريغ غزة من سكانها الأصليين، وتحويلها إلى مساحة "مغلقة" خالية من الفلسطينيين، تُستخدم كموقع استراتيجي وعسكري، بينما يتم ترحيلهم قسرًا إلى أماكن أخرى خارج فلسطين التاريخية.
سياسة ترامب التي أعلن عنها في خطة "صفقة القرن" عام 2019، والتي تُعدّ محاولة لتصفية القضية الفلسطينية نهائيًا، لم تكن مجرد وعد إعلامي، بل ترجمها خلال فترة حكمه إلى إجراءات فعلية وميدانية، منها تجميد المساعدات الأمريكية لوكالة "الأونروا"، قطع الدعم عن غزة، وفتح أبواب التعاون العسكري والاقتصادي الكامل مع الكيان الصهيوني، بل وفرض عقوبات على الدول والشخصيات الداعمة لفلسطين.
تحت مظلة هذه السياسات، صعد الكيان الصهيوني منذ عام 2020 حملاته العسكرية ضد غزة بمعدلات غير مسبوقة، مستهدفًا البنية التحتية، المستشفيات، المدارس، وحتى منازل المدنيين، في محاولة لإحداث "نزوح قسري" لفلسطينيي القطاع. تهجير السكان عبر القصف والدمار المكثف، وفرض حصار خانق يحرمهم من الغذاء والدواء والكهرباء، هو جزء من استراتيجية إبادة ممنهجة تُعيد إلى الأذهان "التطهير العرقي" بوسائل متطورة.
يرى المفكر اليساري الإسرائيلي جيف بيكر:
"إفراغ غزة هو امتداد لفكرة الاستيطان التي تستهدف بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وهو مشروع فصل عنصري وتهجير ممنهج يتنكر خلف شعارات الأمن والسلام."
ومن جانب آخر، يلفت المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد إلى أن:
"محاولات تفريغ الفلسطينيين من أراضيهم ليست بجديدة، لكنها وصلت إلى مستوى جديد من الوحشية والدهاء السياسي، حيث يُستخدم القانون الدولي كواجهة، والعنف المسلح كأداة."
يضاف إلى ذلك الخطاب الأمريكي الرسمي الذي يُبرر هذه السياسات تحت شعار "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، مستثمراً في التحريض على المقاومة الفلسطينية ووصفها بالإرهاب، وهو خطاب يهدف إلى شرعنة جرائم الاحتلال والتغطية عليها إعلاميًا.
في مقابل ذلك، يرفض الفلسطينيون والشارع العالمي هذا المخطط الجهنمي، معتبرين أن حق العودة والتشبث بالأرض هو جوهر النضال، وأن محاولات تفريغ غزة وتهجير سكانها ستقابل بمقاومة شعبية مستمرة، ومساندة دولية تزداد توسعًا، خاصة بين الشباب واليساريين حول العالم.
هذه المواجهة المستمرة بين مشروع الإبادة والتهجير ومشروع التحرر الوطني، هي المحك الأساسي في المعركة الراهنة، حيث تحولت غزة إلى ساحة اختبار لمدى قدرة الإرادة الشعبية على الصمود وتحدي أعتى آلة احتلال في التاريخ الحديث.
35. المياه والغذاء والدواء: أسلحة إبادة ممنهجة في حصار غزة.
في قلب آلة القتل التي يشنها الاحتلال الصهيوني على غزة، لا تقتصر الحرب على القصف والدمار المباشر فقط، بل تشمل أيضًا استهداف مقومات الحياة الأساسية التي تُعد حقًا إنسانيًا مقدسًا: الماء، الغذاء، والدواء. هذه الموارد التي تُعتبر شريان الحياة لأي شعب، تحولت في سياق الحصار والسياسات العدوانية إلى أدوات إبادة منهجية تُستعمل لإذلال الفلسطينيين وتدمير صمودهم.
المياه في غزة، التي كانت قبل الحصار تُعتبر مصدرًا للحياة الزراعية والصحية، أصبحت مسرحًا لمعاناة لا تُحتمل. وفقًا لتقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) وبرامج الأغذية العالمية، أكثر من 90% من مياه غزة غير صالحة للشرب بسبب تلوثها ونقص البنية التحتية نتيجة القصف المستمر وقطع التيار الكهربائي. النقص الحاد في المياه الصالحة يفاقم أزمة الصحة العامة، وينذر بانتشار أوبئة وأمراض مزمنة، خاصة بين الأطفال والنساء.
أما الغذاء، فقد تحول إلى سلعة نادرة بفعل الحصار الذي يفرضه الاحتلال على المعابر، مما أدى إلى تفاقم معدلات الجوع وسوء التغذية. يقدر برنامج الأغذية العالمي أن ما يقارب نصف سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حيث تقل الكميات المتوفرة بشكل مقلق، ويُحرم السكان من التنوع الغذائي الضروري لصحة الإنسان. في هذا السياق، يصبح الحصار بمثابة حصار لجوع ممنهج يهدف إلى إذلال السكان وتحطيم إرادتهم.
الدواء بدوره هو الهدف الثالث في هذه الحرب التي تُدار عبر حصار خانق يمنع دخول المستلزمات الطبية الأساسية، خاصة في ظل تدمير العديد من المستشفيات والمرافق الصحية خلال الحروب الأخيرة. منظمة الصحة العالمية حذرت مرارًا من نقص حاد في أدوية الأمراض المزمنة، وأدوات الجراحة، ومواد الإسعاف، بالإضافة إلى تعذر توفير الرعاية الصحية اللازمة للجرحى والمرضى. إن حرمان الشعب الفلسطيني من الدواء لا يقل عن القتل المباشر، بل هو إبادة صامتة تُمارس عبر معاناة يومية متواصلة.
من الناحية القانونية، يعتبر استخدام هذه الموارد كوسائل حرب مخالفة صريحة لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، التي تحظر استهداف المدنيين وفرض عقوبات جماعية عبر تجويعهم أو حرمانهم من الرعاية الطبية.
يرى المفكر اليساري الفرنسي ميشيل فوكو في هذا السياق أن:
"الحصار الشامل والسيطرة على مقومات الحياة ليست فقط عنفًا جسديًا، بل عنفٌ نفسي واجتماعي يهدف إلى تدمير الهوية والمقاومة."
ومن المفكر الفلسطيني اليساري الراحل سامي حداد:
"هذه السياسات ليست مجرد حروب عسكرية، بل هي حرب على الوجود، على الحق في الحياة، على الأمل ذاته."
في المحصلة، تتحول المياه والغذاء والدواء إلى أسلحة إبادة، يُدار بها حصار مكتمل الأركان يحاصر غزة ويجعلها واحدة من أكثر المناطق الإنسانية معاناةً في العالم الحديث، ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح هذه السياسة في كسر إرادة شعب مقاوم، أم أن صموده سيكتب فصلاً جديدًا في تاريخ التحرر.
36. القتل كـ "هواية" سياسية: اعترافات صادمة من قيادات صهيونية معارضة لنتنياهو تكشف الوجه القاتم للاحتلال
في سياق الحرب الشرسة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، لم تعد مجرد أدوات أو سياسات باردة تُدار بحسابات عسكرية بحتة، بل تحولت إلى آلية قتل متكررة تُمارس بصورة منهجية، وكأنها “هواية” أو ممارسة اعتيادية في المنظومة الصهيونية نفسها. هذه الحقيقة المروعة لم تخرج فقط من فم المقهورين أو المتضررين، بل حتى من قيادات إسرائيلية معارضة لنتنياهو داخل المؤسسة السياسية الصهيونية، الذين عبروا عن رفضهم لطريقة إدارة الصراع، لكنها لم تنفِ أو تندد بعمق هذا السلوك، بل اعترفوا ضمنيًا بأن القتل قد أصبح جزءًا من المنظومة السياسية الإسرائيلية، بل أداة في الصراع.
تحدث سياسيون ومعارضون من داخل إسرائيل عن استشراء ثقافة العنف والقمع، التي لم تعد تقتصر على فئات متطرفة أو جيش الاحتلال فقط، بل باتت جزءًا من العقلية السياسية السائدة التي تبرر الإبادة الجماعية الفلسطينية تحت شعارات الأمن والسلام. في مقابلات وتصريحات مسربة، صرح بعضهم بأن العمليات العسكرية والقتل الجماعي المتكرر باتت “تُمارس كعمل روتيني”، وأن “الدم الفلسطيني يُعتبر جزءًا من اللعبة السياسية، لا عقبة أمامها.”
هكذا، تحولت آلة القتل إلى أداة داخلية في النظام السياسي الإسرائيلي، حيث تُستخدم لتكريس السلطة ولإدامة حالة الرعب بين الفلسطينيين، ما يصب في مصلحة اليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو وأعوانه. ويعكس هذا اعترافًا ضمنيًا بأن الكيان يعمل في إطار دولة احتلال تقوم على القتل الجماعي كسياسة رسمية.
يرى المفكر اليساري اليهودي عوفر نير:
"قتل الفلسطينيين أصبح ممارسة مدمجة في الآلة السياسية الإسرائيلية، ليست فقط سياسة حكومية بل أسلوب حياة للحفاظ على المشروع الصهيوني."
أما المفكر اليساري الأمريكي نعوم تشومسكي فقد قال:
"القتل العشوائي والإبادة المنظمة للفلسطينيين ليست فقط جريمة ضد الإنسانية، بل هي إشارة على فشل شامل للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في تحقيق السلام."
هذه الاعترافات من داخل إسرائيل تعكس أزمة أخلاقية وسياسية عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، لكنها لا تعني أبدًا وجود نية حقيقية للتغيير، بل تدل على عمق الاستعلاء والاحتقار للفلسطينيين كأشخاص بلا حقوق أو كرامة.
إن هذه الممارسة للقتل كأسلوب "هواية" أو روتين سياسي تؤكد أن الصراع في فلسطين ليس مجرد نزاع إقليمي أو ديني، بل هو صراع وجودي عنصري يستند إلى تبرير إبادة جماعية منظمة، وهو ما يجعل مقاومة الشعب الفلسطيني ورفضه لهذه الهجمات الإرهابية ضرورة لا غنى عنها في سبيل العدالة والحرية.
37: نحو مقاومة أممية شاملة.
●. من المقاومة القطرية إلى الجبهة الأممية.
منذ بدايات القرن العشرين، وخصوصًا بعد الثورات الكبرى (البلشفية 1917، الصينية 1949، الكوبية 1959)، بدأ يتشكل وعي عالمي مفاده أن التحرر من الاستعمار، ومن الامبريالية، لا يمكن أن يتم في نطاق قطري أو قومي ضيق، بل لا بد له من جبهة أممية توحّد المضطهدين من مختلف الأقطار، والأعراق، والهويات، والأديان، على قاعدة واحدة: تحرير الإنسان من آلة القمع الرأسمالية–الاستعمارية–الصهيونية.
وفي الحالة الفلسطينية، ورغم عدالة القضية، فقد أُريد لها أن تبقى معزولة، مختزلة في "صراع محلي" أو "ديني"، بينما هي في الحقيقة أكثر تمثيلًا لجوهر الصراع الأممي اليوم:
▪︎ صراع بين المحرومين وحماة النظام العالمي الظالم.
▪︎. صراع بين قوى التحرر وقوى الاستعباد.
يقول الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي:
"السيطرة لا تقوم فقط على الدبابات، بل على القبول الثقافي بمنظومة الظلم."
والمطلوب اليوم، هو هدم هذا القبول العالمي بالصهيونية كأمر واقع، وفضحها كأداة قمع كوكبية.

●. الصهيونية كأداة امبريالية عالمية.
لا يمكن فهم الكيان الصهيوني خارج إطار المشروع الامبريالي العالمي:
- الصهيونية ليست مجرد "حركة قومية يهودية" بل هي:
☆رأس جسر عسكري في قلب العالم العربي
☆ركز استخباراتي متقدّم لصالح القوى الغربية
☆حاضنة لأكثر منظومات الرقابة والتجسس تطورًا (مثل بيغاسوس وأخواته)
☆مختبر لتجريب أدوات السيطرة، القمع، والإبادة، قبل تصديرها لباقي الشعوب
وكل من واشنطن، ولندن، وباريس، وبرلين، وروما، وغيرها من العواصم الاستعمارية السابقة، لا تزال تستخدم "إسرائيل" كورقة قوة ضمن تقسيم دولي للأدوار:
▪︎.أميركا تسلّح وتحمي دبلوماسيًا.
▪︎.وروبا تبرّر وتبرمج إعلاميًا.
▪︎.الأنظمة العربية تطبّع وتغطي.
●. تحالف المضطهدين في الجنوب العالمي
اليوم، نعيش تحولًا جيواستراتيجيًا عميقًا:
▪︎.شعوب الجنوب العالمي (من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا وآسيا) بدأت تستعيد أدواتها التحررية القديمة.
▪︎.هناك عودة قوية للخطاب. المقاوم: يساري، اشتراكي، مناهض للامبريالية.
وهنا يظهر دور فلسطين كمفتاح:
▪︎.فلسطين ليست فقط قضية العرب أو المسلمين، بل قضية الهنود، الفنزويليين، الجنوب أفريقيين، المكسيكيين، الكوبيين، وحتى السود الأمريكيين.
▪︎.النكبة الفلسطينية أصبحت رمزًا لنكبات البشرية في كل مكان.
▪︎.مظاهرات أمريكا اللاتينية، مسيرات جنوب إفريقيا، وحتى أصوات المهمشين في أوروبا، كلها صارت ترى في القضية الفلسطينية اختزالًا لكفاحها هي ذاتها.
وكما قال إدوارد سعيد:
"علينا أن نربط فلسطين بكل قضايا التحرر... وأن نكسر طوق العزلة الذي فُرض عليها."

●. المقاومة الثقافية كقوة أممية بديلة
المقاومة اليوم لا تقتصر على الكلاشنيكوف والطائرات المسيّرة، بل تشمل:
▪︎.الجامعة والمنصة والأغنية والفيلم والقصيدة والرقصة والشارع والمنشور الرقمي.
▪︎.حينما تعتصم جامعات أمريكا، فذلك مقاومة.
▪︎.حينما يهتف عمال المرافئ الإيطالية ضد إرسال الأسلحة، فذلك مقاومة.
▪︎.حينما تنسحب فنانة أوروبية من مهرجان في تل أبيب، فذلك مقاومة.
إنها مقاومة شاملة: عسكرية، فكرية، إعلامية، فنية، حقوقية، قانونية، ثقافية.
وهذه هي طبيعة المواجهة الأممية القادمة: ساحة متداخلة متعددة الأدوات والتجليات.
●. من المقاومة الأممية إلى جبهة تحرر عالمية جديدة
المطلوب اليوم ليس فقط دعم غزة أو فلسطين، بل العمل على بناء جبهة تحرر أممية جديدة، تستلهم:
▪︎.تجربة حركة عدم الانحياز (لكن بشكل أكثر جذريًا).
▪︎.التجارب الثورية الأممية (كالحركة التروتسكية، والفيتنامية، والكوبية).
▪︎.الحركات العمالية، والفلاحية، والنسوية، والمناخية، في اندماج عضوي حول فلسطين كرمز، ولكن ليس كقضية منفصلة.
يقول هوغو تشافيز:
"من لا يرى فلسطين، لا يفهم شيئًا عن الحرية."

●. لماذا المقاومة الأممية ضرورة لا خيار؟
▪︎.لأن كل مقاومة محلية سيتم سحقها بسهولة إذا تُركت وحدها.
▪︎.لأن الخصم أممي: الصهيونية والامبريالية العابرة للقارات.
▪︎.لأن ما يربط شعوب الأرض اليوم، ليس فقط العدو المشترك، بل الألم المشترك، والدم المشترك، والأمل المشترك.
37: كيف تُبنى جبهة أممية مقاومة؟ الأدوات، القوى، والموقع العربي.
●. ضرورة الانتقال من رد الفعل إلى المبادرة
لقد ظلّت قوى المقاومة لعقود أسيرة منطق الدفاع ورد الفعل، أي التحرك بعد وقوع العدوان. لكن التحولات العالمية الجارية، وانكشاف نفاق الغرب، وتفاقم الأزمات البنيوية داخل المنظومة الرأسمالية–الامبريالية، يفتح اليوم فرصة استراتيجية نادرة لبناء مشروع هجومي، تحرّري، أممي، طليعي. أي الانتقال من المقاومة إلى الفعل التاريخي المقاوم.
وهنا تظهر الحاجة إلى جبهة أممية للمقاومة، تتجاوز الانتماءات الهوياتية والحدود القطرية، وتشترك في أرضية نضالية واحدة: مناهضة الامبريالية والصهيونية وأدواتهما.
●. مرتكزات الجبهة الأممية الجديدة
لنجاح هذه الجبهة، لا بد من بناء مشروع تحرري ينهض على خمسة مرتكزات أساسية:
أ) وحدة القضية وتعدد الجبهات
▪︎.القضية المركزية: كسر الهيمنة الامبريالية والصهيونية العالمية.
▪︎.الجبهات: فلسطين، اليمن، لبنان، السودان، فنزويلا، الكونغو، كوبا، سوريا، الصحراء الغربية، كوريا الشمالية، وغيرها.
ب) التنسيق بين الأذرع المختلفة للمقاومة
▪︎.عسكرية: دعم حركات التحرر المسلحة.
▪︎.إعلامية: تفكيك الرواية الصهيونية والليبرالية.
▪︎.شعبية: تحشيد الجماهير في الساحات والمظاهرات.
▪︎.حقوقية: توثيق الجرائم وملاحقة المجرمين في المحاكم الدولية.
▪︎.ثقافية: بناء سردية مضادة للرواية الغربية.
ج) الالتفاف على أدوات الهيمنة
▪︎.المال العالمي (الدولار): دعم مشاريع تبادل بديلة، مثل مبادرات البريكس.
▪︎.الاحتكار التكنولوجي: استخدام مصادر مفتوحة، وتشجيع الصناعة المحلية.
▪︎.التحكم الإعلامي: تأسيس شبكات مقاومة دولية، عبر قنوات مستقلة، ومراصد كشف التضليل.
د) نقد الانقسام اليساري–الإسلامي
▪︎.تجاوز الحساسيات العقائدية، وبناء أرضية نضالية مشتركة.
▪︎.كما قال جيفارا: "لا يهم من أين أتيت، ما يهم أين تقف حين تُستباح الإنسانية."
هـ) الانتقال من خطاب الشجب إلى استراتيجيا الفعل
▪︎.كسر ثقافة الاستعطاف.
▪︎.بلورة مشروع هجومي: مقاطعة، عقوبات شعبية، انتفاضات، اعتصامات عالمية، تحالفات غير تقليدية.
●. خلاصات استراتيجية
▪︎.لا مقاومة بلا أممية.
▪︎.لا أممية بلا وعي طبقي تحرري يتجاوز القطرية والطائفية.
▪︎.لا تحرر بدون وحدة المضطهدين ضد المستغِلين.
▪︎.لا مواجهة عادلة بدون تفكيك الأكاذيب الإمبريالية.
▪︎.ولا نصر بدون أدوات جديدة، وشجاعة خيال، وجرأة على كسر المسلمات.
وكما قال فانون:
"كل جيل عليه أن يجد مهمته التاريخية، إما أن ينجزها أو يخونها.".
39. القتل كأسلوب حياة سياسية في إسرائيل: تحليل أعمق لتطبيع العنف وتكريس الإبادة
إن اعتراف قيادات إسرائيلية معارضة لنتنياهو بأن القتل بات “هواية” أو ممارسة روتينية ليس مجرد تعبير عن قناعة فردية، بل هو كشف صارخ عن أزمة أخلاقية وجذرية في بنية الدولة الصهيونية التي استندت في مشروعها الاستعماري على استبعاد الفلسطيني وإلغائه، عبر سياسة إبادة ممنهجة ومتواصلة. هذا التحول إلى “قتل كنهج سياسي” يبرز عمق الفاشية التي يغلف بها هذا النظام، ويعيد تعريف مفهوم الدولة اليهودية ككيان يستند إلى العنف العرقي والتطهير الديموغرافي.
هذا الاعتراف الداخلي يؤكد أن القتل لم يعد خطأ استثنائيًا أو “زلة لسان” في ميدان المعركة، بل هو آلية مركزية للحفاظ على الهيمنة الصهيونية على الأرض الفلسطينية، وبناء رواية مزيفة عن “الأمن” الذي يُبرر كل أنواع الانتهاكات. يطرح هذا تساؤلات جوهرية حول مدى إمكانية تحقيق السلام أو العدالة في ظل دولة تعتمد على العنف كقيمة أساسية.
المفكر اليساري الفلسطيني إدوارد سعيد أوضح في كتاباته أن:
"العنف الاستعماري الإسرائيلي لا يُفهم فقط كأعمال عنف فردية، بل كآلة منظمة لطمس وجود الشعب الفلسطيني، وتحويل قضيته إلى مجرد قضية أمنية."
أما المفكر الفرنسي ميشيل فوكو، الذي تناول السلطة والعنف في مقارباته، فيقول:
"العنف السياسي، عندما يصبح جزءًا من النظام، يحول المجتمع إلى حقل تجارب مستمرة لإخضاع الإنسان الآخر، وتحويله إلى كائن أقل من الإنسان."
وبتطبيق هذا التحليل على إسرائيل، نجد أن الاعتراف بالقتل كـ”هواية” هو تعبير عن هذا النوع من السلطة التي تتحكم عبر العنف، وتُعزز هذا العنف عبر خطابات “معاداة السامية” المبالغ فيها، التي تُستخدم لإسكات النقد والاحتجاج الدولي، وخلق حالة من التبرير الأخلاقي للعنف الممارس ضد الفلسطينيين.
الأمر الأكثر خطورة أن هذا التبني الداخلي للقتل كأسلوب، يقابله دعم خارجي هائل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يوفرون للكيان الغطاء السياسي والعسكري، ويُغضون النظر عن الجرائم الممنهجة التي ترتكب في غزة والضفة الغربية. هذا التواطؤ الدولي هو ما يجعل من الاحتلال مشروعا لا يُمكن إنقاذه إلا بنضال شعبي فلسطيني وعالمي متجذر في رفض العنف والاحتلال.
في هذا السياق، صرح الكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي:
"الاحتلال الإسرائيلي يُمارس إبادة بطيئة، لكنها واضحة، ويحصل على دعم الولايات المتحدة كجزء من سياستها الإمبريالية في المنطقة."
ومن جهة أخرى، ترى الناشطة اليسارية الفلسطينية ليلى خالد:
"قتلنا ليس خطأ أو حادثة عابرة، إنه خطة ممنهجة لإزالة وجودنا، ونحن كمقاومين، نرفض أن نقبل هذا المصير."
إن الحديث عن القتل كهواية أو ممارسة روتينية في داخل النظام السياسي الإسرائيلي هو دعوة صريحة لفهم أن الصراع ليس مجرد مسألة حدود أو مفاوضات، بل صراع بين نظام عنصري استعماري يسعى للإبادة، وشعب يحاول البقاء والحرية.
40. عملية واشنطن في 22 ماي 2025: مؤشر خطير على تصعيد المواجهة العالمية ضد الكيان الصهيوني من الاحتجاج السلمي إلى المواجهة العنيفة
في يوم 22 مايو 2025، شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن حادثة استثنائية حين قام شاب أمريكي باستهداف وقتل اثنين من عناصر الكيان الصهيوني في محيط سفارة إسرائيل في الولايات المتحدة. هذه العملية التي هزّت المراكز الدبلوماسية الصهيونية في قلب الإمبراطورية الأمريكية ليست فقط حادثًا فرديًا، بل مؤشرًا دالًا على التحول النوعي في طبيعة المواجهة العالمية مع المشروع الصهيوني.
إن الانتقال من مجرد احتجاجات سلمية إلى تصعيد أشد يشمل المواجهات المسلحة يشير بوضوح إلى حالة الغليان الشعبي المتصاعد، خاصة بين الشباب حول العالم، الذين بدأوا يرفضون السرديات الرسمية التي حاولت عقودًا تقييد النضال الفلسطيني في حدود الشارع والاعتصامات الرمزية. لقد عبّر هذا الشاب الأمريكي، بفعله، عن حالة من الغضب المتصاعد ضد الاحتلال والجرائم التي يمارسها الكيان، وامتداده ليصل إلى قلب أكبر دولة داعمة لإسرائيل في العالم.
هذا الحدث يعكس عدة أبعاد سياسية واجتماعية:
1. الغضب الشعبي العالمي: لا يقتصر دعم القضية الفلسطينية على الفلسطينيين فقط، بل أصبح مبدأً عالميًا يتبناه الشباب في الغرب والجنوب العالمي، الذين يرون في الصهيونية تجسيدًا للظلم والاحتلال والإمبريالية. العملية في واشنطن رمز لهذا الدعم الملموس الذي تحول من كلمات إلى أفعال.
2. تحدي الحماية الأمريكية للكيان: تعتبر الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل، وتوفر لها حماية دبلوماسية وعسكرية غير مسبوقة. استهداف أفراد صهاينة في عقر دار الحليف الأكبر هو تحدٍ مباشر لهذا الحصانة، ويظهر هشاشة المظلة الأمريكية في مواجهة احتجاجات الشارع.
3. تصعيد المواجهة العالمية: العملية تشير إلى بداية مرحلة جديدة من المواجهة العالمية مع الكيان الصهيوني، من النزاعات السياسية والإعلامية إلى النزاعات الميدانية المباشرة. هذا التصعيد قد يفتح الباب لمزيد من العمليات الفردية والجماعية في مدن أخرى حول العالم.
4. انشقاق داخل المجتمعات الغربية: تتسبب هذه الأحداث في توترات داخلية، حيث يصطدم الدعم التقليدي لإسرائيل في أوساط النخبة السياسية والإعلامية مع موجة متصاعدة من التضامن الشعبي الواسع مع الفلسطينيين. هذه الصراعات الداخلية تخلق ضغوطًا على الحكومات الغربية لمراجعة سياساتها.
المفكر الفلسطيني اليساري الراحل إدوارد سعيد قال:
"الاحتلال لا يُقاوم فقط بالسلاح أو السياسة، بل بالمقاومة الشعبية التي تعيد تعريف معنى النضال ضد الظلم."
أما نعوم تشومسكي، فقد اعتبر أن:
"التضامن العالمي مع الفلسطينيين لم يعد مجرد حركة شعبية، بل صار تهديدًا حقيقيًا للنظام السياسي الصهيوني وحلفائه."
إن عملية واشنطن هي بداية فصل جديد في الصراع، يظهر أن الجيل الجديد من النشطاء لم يعد يقتنع بأساليب النضال التقليدية وحدها، بل يسعى إلى مواجهة الاحتلال وحلفائه بكل الوسائل، مما يجعل المواجهة العالمية مع الكيان الصهيوني مفتوحة على احتمالات تصعيد غير مسبوقة.
41. الصهيوني العامل في سفارات العدو: هدف مشروع لملاحقة جرائم الحرب أينما وجد
في ظل الجرائم الممنهجة التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وتحوّل الاحتلال الإسرائيلي إلى آلة إبادة منظمة، يصبح كل عنصر صهيوني، مهما كان موقعه، جزءًا من منظومة الاستعمار والجرائم ضد الإنسانية. الصهيوني العامل في سفارات الاحتلال في الخارج، خصوصًا في الدول التي تدّعي الحياد أو الدعم الظاهري، ليس إلا واجهة دبلوماسية لآلة القتل والتطهير، ويحمل مسؤولية مباشرة في دعم هذه السياسات الإجرامية.
من منظور يساري تحرري وطبقي، لا يمكن التفريق بين جنود الاحتلال على الأرض، والقناصل والسفراء الذين يروّجون للكيان ويعملون على تلميع صورته ونيل الدعم السياسي والمالي له، إذ كل هؤلاء شركاء في منظومة الجريمة. إن اعتبارهم أهدافًا مشروعة في إطار نضال تحرري ضد الاحتلال ينسجم مع مبدأ محاسبة مجرمي الحرب أينما كانوا.
المفكر والمفكر السياسي اليساري الأمريكي هوارد زين أكد في كتابه "تاريخ الشعب الأمريكي":
"التواطؤ في جرائم الحرب لا يقتصر على الذين يحملون السلاح، بل يشمل أولئك الذين يديرون النظام ويصنعون السياسات التي تسمح بهذه الجرائم."
وفي السياق نفسه، قال المفكر الفلسطيني اليساري جورج حبش:
"كل من يعمل لصالح الاحتلال، سواء كان جنديًا أو دبلوماسيًا، هو شريك في الجريمة، ويجب أن يُحاسب، وأن يعرف أن المقاومة حق مشروع في وجه الاستعمار."
إن التذرع بالحصانة الدبلوماسية أو القانون الدولي الذي غالبًا ما يُسيّس ويُسوّق بطريقة تخدم مصالح الاحتلال، لا يجب أن يحجب الحقيقة، فكل من يساهم في استدامة الاحتلال وإرهاب الشعب الفلسطيني هو مجرم حرب يجب ملاحقته قانونيًا ونضاليًا.
هذه النظرة تطرح ضرورة استنهاض الحركات الشعبية والقانونية والميدانية لملاحقة عناصر الاحتلال في كل مكان، وفك الحصانة الزائفة التي تحيط بهم، وكسر حاجز الخوف الذي يحاول الكيان وإعلامه فرضه على نشطاء التضامن.
في نهاية المطاف، ملاحقة كل من يساهم في الإبادة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بحق الفلسطينيين هي خطوة أساسية نحو تحقيق العدالة التاريخية، والتأكيد على أن لا مكان للإفلات من العقاب في ظل منظومة جائرة ومجرمة.
42. تأثير ملاحقة عناصر الاحتلال في الخارج على الحركات العالمية التضامنية مع فلسطين
ملاحقة الصهاينة العاملين في سفارات الكيان، الذين يمثلون امتدادًا دبلوماسيًا لمنظومة الاحتلال، لا تقتصر على كونها تحركًا رمزيًا أو احتجاجًا بسيطًا، بل هي خطوة استراتيجية تفتح أفقًا جديدًا في المقاومة العالمية ضد نظام الأبرتهايد الإسرائيلي. هذه الملاحقة، التي قد تشمل مقاطعة دبلوماسية، فضحاً إعلامياً، ومطالبة قانونية، وأحيانًا تحركات شعبية مباشرة، تساهم في:
1. فضح النظام الصهيوني أمام المجتمع الدولي: إن استهداف سفراء وجنود الكيان في الخارج، وحتى الضغط عليهم، يساهم في كشف حقيقة الاحتلال وحجم الجرائم التي يرتكبها، مما يضعهم في موقف دفاعي ويجبر بعض الحكومات الغربية على مراجعة مواقفها التقليدية.
2. رفع معنويات الحركات الشعبية: الشعور بأن الاحتلال ليس بمنأى عن المساءلة حتى خارج حدود فلسطين يعزز من ثقة الناشطين في قدرتهم على تغيير ميزان القوى، ويشجع الشباب حول العالم على الانخراط بنضالات أكثر جرأة.
3. إضعاف النفوذ الصهيوني في الدول الأجنبية: يشكل الضغط الشعبي والسياسي على السفرات الصهيونية عائقًا أمام قدرتهم على بناء تحالفات جديدة، ويسبب انقسامًا في مجتمعات الدول المضيفة بين من يدعم الاحتلال ومن يعارضه.
4. دعم الطابع القانوني والحقوقي للنضال الفلسطيني: مع تصاعد هذه الملاحقات، تتعزز المطالب بفتح تحقيقات دولية ومحاكمات لمحاكمة مجرمي الحرب، مما يعيد طرح القضية الفلسطينية كقضية حقوق إنسان تتطلب حلاً عاجلاً ومستدامًا.
المفكر اليساري الفرنسي إيمانويل والدشتاين، المعروف بتحليلاته الدقيقة حول الصراعات الإمبريالية، قال:
"محاكمة مجرمي الاحتلال هي الحجر الأساس لأي سلام عادل، وإن السماح لهم بالتحرك بحرية في الدول الأخرى يشجع على استمرار الجرائم."
وفي السياق العربي، أشار المفكر اليساري محمد عبده ياغي إلى أن:
"مواجهة دبلوماسيي الاحتلال في بلدان الغرب هي جزء من النضال الشعبي الذي يكسر حاجز الصمت الرسمي العربي ويؤكد أن المقاومة لا تقف عند حدود الوطن فقط."
في ظل هذا الواقع، يجب على الحركات العالمية التضامنية أن تستثمر هذه الفرصة لتطوير أدوات النضال، من خلال توحيد الجهود بين الناشطين، المدافعين عن حقوق الإنسان، والكتل السياسية الداعمة لفلسطين، وخلق شبكة ضغط دولية قادرة على تحجيم نفوذ الاحتلال في كل المجالات.
إن ملاحقة الصهاينة في سفارات العدو ليست مجرد رد فعل عاطفي، بل هي تكتيك استراتيجي يعكس تعميق وتوسع النضال ضد الاحتلال إلى كل أركان النظام الدولي الذي يواطئه.
☆.دروس مستخلصة للنضال ضد الكيان الصهيوني:
• الضغط على رموز الاحتلال في الخارج هو جزء أساسي من الحرب السياسية والثقافية ضد الاحتلال، ليس فقط المقاومة المسلحة على الأرض.
• الحملات الشعبية المستمرة ضد الدبلوماسيين والسفرات الصهيونية تكسر حاجز الصمت وتحول الاحتلال إلى قضية ذات بعد عالمي وحقوقي واضح.
• عزل النظام دوليًا عبر مقاطعة دبلوماسية واقتصادية وثقافية يزيد من كلفة الاحتلال ويجبر حلفاءه على إعادة النظر في مواقفهم.
• تجربة نضالات الشعوب الأخرى تثبت أن المقاومة لا تعرف حدودًا جغرافية، وأن القوة في التضامن العالمي الجماهيري والسياسي قد تحقق انتصارات استراتيجية عظيمة.
المفكر اليساري الجنوب أفريقي ستيف بيكو قال:
"لا يمكن لأية قوة احتلال أن تصمد أمام إرادة شعوب الأرض المتحدّة التي ترفض الظلم والعدوان."
وفي إطار فلسطيني، يؤكد المفكر اليساري الراحل سعيد الهندي:
"تحويل الاحتلال إلى قضية عالمية عبر محاربة رموزه في كل مكان، هو الطريق لإسقاط مشروع الاستعمار الإسرائيلي، وهو نضال يفتح الأفق نحو تحرر فلسطين.
42. تأثير ملاحقة عناصر الاحتلال في الخارج على الحركات العالمية التضامنية مع فلسطين (مطوّر ومُدمج مع الأمثلة التاريخية)
ملاحقة الصهاينة العاملين في سفارات الكيان، الذين يمثلون امتدادًا دبلوماسيًا لمنظومة الاحتلال، لا تقتصر على كونها تحركًا رمزيًا أو احتجاجًا بسيطًا، بل هي خطوة استراتيجية تفتح أفقًا جديدًا في المقاومة العالمية ضد نظام الأبرتهايد الإسرائيلي. هذه الملاحقة، التي قد تشمل مقاطعة دبلوماسية، فضحًا إعلاميًا، ومطالبات قانونية، وأحيانًا تحركات شعبية مباشرة، تساهم في فضح نظام الاحتلال أمام المجتمع الدولي، ورفع معنويات الحركات الشعبية، وإضعاف النفوذ الصهيوني في الدول الأجنبية، ودعم الطابع القانوني والحقوقي للنضال الفلسطيني.
إن استهداف سفراء وجنود الكيان في الخارج، وحتى الضغط عليهم، يساهم في كشف حقيقة الاحتلال وحجم الجرائم التي يرتكبها، مما يضعهم في موقف دفاعي ويجبر بعض الحكومات الغربية على مراجعة مواقفها التقليدية، كما يخلق حالة من الإرباك في أروقة النظام الصهيوني وحلفائه. الشعور بأن الاحتلال ليس بمنأى عن المساءلة حتى خارج حدود فلسطين يعزز من ثقة الناشطين في قدرتهم على تغيير ميزان القوى، ويشجع الشباب حول العالم على الانخراط بنضالات أكثر جرأة.
هذه الاستراتيجية لم تأت من فراغ، إذ نجد في التاريخ الحديث عدة حالات نجحت فيها الحركات التحررية والمقاومة الشعبية في توسيع نضالها ضد أنظمة الاحتلال أو الاستعمار إلى خارج حدود الأرض المحتلة، مستهدفة رموز السلطة والتمثيل الدبلوماسي للنظام القمعي.
ففي جنوب أفريقيا، خلال ثمانينيات القرن العشرين، استهدفت حركات التضامن مع جنوب أفريقيا المناضلة ضد نظام الأبارتهايد بعثات النظام في دول الغرب بالاحتجاجات والضغط الشعبي المستمر، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام في عدة دول وفرض مقاطعات اقتصادية وثقافية، ما أسهم في انهيار نظام الفصل العنصري. كذلك، خلال الثورة الجزائرية (1954-1962)، كانت هناك عمليات مقاومة داخل فرنسا نفسها ضد تمثيل النظام الفرنسي الاستعماري، شملت اعتصامات وتحركات شعبية وعمليات ضد رموز الدولة الفرنسية، أجبرت السلطات الفرنسية على التفكير في التكاليف السياسية للحفاظ على احتلال الجزائر. كما واجه نظام الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين خلال الثمانينيات احتجاجات دولية مستمرة من الجاليات الأرجنتينية ومنظمات حقوق الإنسان التي كانت تلاحق رموز النظام الديكتاتوري في السفارات، مما ساعد على فضح الانتهاكات ومحاسبة المجرمين. ولم تخل التجارب من حملات تضامن ومقاطعة سياسية ضد النظام الاستعماري البرتغالي في أنغولا وموزمبيق، التي أثرت على قدرته الدولية على استمرار الاستعمار.
هذه الدروس تثبت أن الضغط على رموز الاحتلال في الخارج هو جزء أساسي من الحرب السياسية والثقافية ضد الاحتلال، وليس فقط المقاومة المسلحة على الأرض. الحملات الشعبية المستمرة ضد الدبلوماسيين والسفرات الصهيونية تكسر حاجز الصمت وتحول الاحتلال إلى قضية ذات بعد عالمي وحقوقي واضح. عزل النظام دوليًا عبر مقاطعة دبلوماسية واقتصادية وثقافية يزيد من كلفة الاحتلال ويجبر حلفاءه على إعادة النظر في مواقفهم. تجربة نضالات الشعوب الأخرى تثبت أن المقاومة لا تعرف حدودًا جغرافية، وأن القوة في التضامن العالمي الجماهيري والسياسي قد تحقق انتصارات استراتيجية عظيمة.
المفكر اليساري الفرنسي إيمانويل والدشتاين قال:
"محاكمة مجرمي الاحتلال هي الحجر الأساس لأي سلام عادل، وإن السماح لهم بالتحرك بحرية في الدول الأخرى يشجع على استمرار الجرائم."
أما المفكر اليساري الجنوب أفريقي ستيف بيكو فذكر:
"لا يمكن لأية قوة احتلال أن تصمد أمام إرادة شعوب الأرض المتحدّة التي ترفض الظلم والعدوان."
وفي السياق العربي، أشار المفكر اليساري محمد عبده ياغي إلى أن:
"مواجهة دبلوماسيي الاحتلال في بلدان الغرب هي جزء من النضال الشعبي الذي يكسر حاجز الصمت الرسمي العربي ويؤكد أن المقاومة لا تقف عند حدود الوطن فقط."
وكذلك المفكر الفلسطيني الراحل سعيد الهندي:
"تحويل الاحتلال إلى قضية عالمية عبر محاربة رموزه في كل مكان، هو الطريق لإسقاط مشروع الاستعمار الإسرائيلي، وهو نضال يفتح الأفق نحو تحرر فلسطين."
في ضوء هذه المعطيات، يجب على الحركات العالمية التضامنية استثمار هذه الفرصة لتطوير أدوات النضال، من خلال توحيد الجهود بين الناشطين، المدافعين عن حقوق الإنسان، والكتل السياسية الداعمة لفلسطين، وخلق شبكة ضغط دولية قادرة على تحجيم نفوذ الاحتلال في كل المجالات. هذه المواجهة الشاملة للنظام الصهيوني في الخارج تُعَدُّ امتدادًا طبيعيًا وحتميًا لنضال الشعب الفلسطيني، وتفتح آفاقًا جديدة لتحطيم غطرسة الاحتلال وتحقيق العدالة والسلام.
43. وجوب فضح الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني وجعلها هدفاً بالمستوى ذاته لاستهداف الاحتلال
في خضم الحرب الإجرامية التي يقودها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، يتضح أن أحد أكبر أوجه الخيانة والتآمر لا يأتي فقط من الاحتلال نفسه وحلفائه المباشرين في الغرب، بل من أنظمة عربية كانت ولا تزال تمارس ما يمكن وصفه بـ "التطبيع الخفي والعلني" مع هذا الكيان. هذه الأنظمة التي اختارت، في لحظات ضعف أو مصالح ضيقة، أن تبيع القضية الفلسطينية، وترتكب جريمة مضاعفة، إذ لا تتوقف عند تجاوز حقوق شعب محتَلّ فقط، بل تضع نفسها في صف العدوان، وتغذي آلة القمع الصهيونية، وتمنحها شرعية داخل محيطها العربي.
فضح هذه الأنظمة وجعلها هدفاً بالمستوى ذاته لاستهداف الكيان الصهيوني، ليس فقط ضرورة أخلاقية ووطنية، بل هو فعل نضالي إستراتيجي عميق. لا يمكن مواجهة الاحتلال دون تحطيم شبكة التواطؤ والسكوت العربي الرسمي، إذ إن التطبيع العربي هو غطاء سياسي واقتصادي يسهّل على الكيان الصهيوني الاستمرار في احتلاله، ويمدّ سيطرته على الأرض والشعب الفلسطيني. وكلما استمر هذا الصمت والتواطؤ، كلما ازدادت معاناة الفلسطينيين وامتدت يد الاحتلال لتطال حيوات الأبرياء في كل مكان.
الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الرفيق أحمد سعدات، قال في مناسبة عدة:
"التطبيع مع العدو الصهيوني هو رصاصة في قلب القضية الفلسطينية، وهو عدوان جديد على المقاومة والنضال، ولذا يجب أن يكون التطبيع هدفاً للرفض الشعبي والمقاومة السياسية والثقافية بنفس قوة المواجهة مع الاحتلال."
يقول المفكر اللبناني إدوارد سعيد، و شدد على أن:
"أي تنازل عن القضية الفلسطينية من قبل الأنظمة العربية هو خسارة فادحة لكل العرب، ومن شأنه أن يشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه، لذا يجب كشف هذه الأنظمة ومحاسبتها أمام شعوبها وأمام الرأي العام العالمي."
إن المطبّعين لا يقدمون فقط دعمًا دبلوماسيًا أو اقتصاديًا للاحتلال، بل يساهمون في بث الفتن الداخلية بين الشعوب العربية، ويخففون من ضغط الرأي العام العالمي، كما أنهم يعطلون أي محاولة حقيقية لإعادة بناء جبهة عربية قوية ومتضامنة مع القضية الفلسطينية.
في هذا السياق، لا يجوز للمقاومة أن تقتصر على مواجهة الاحتلال فقط، بل يجب أن تشمل أيضًا نظام التطبيع الذي يغذي الاحتلال ويشجعه، إذ إنهما وجهان لعملة واحدة. جعل الأنظمة المطبعة هدفًا سياسيًا وثقافيًا وشعبيًا حقيقيًا، يعيد القضية الفلسطينية إلى مكانتها المركزية في وجدان الشعوب العربية، ويعيد تحريك القوى السياسية الحقيقية التي تؤمن بالتحرير.
لذلك، تستوجب المعركة الشعبية والسياسية اليوم:
• تصعيد حملات المقاطعة ضد الأنظمة المطبعة في الميادين الاقتصادية والثقافية والسياحية.
• كشف وتحليل كل الاتفاقيات السرية والعلنية التي تعقدها هذه الأنظمة مع الكيان الصهيوني.
• دعم القوى الشعبية المعارضة لهذه الأنظمة داخل بلدانها، وتمكينها من فضح خياناتها.
• بناء تحالفات جديدة على صعيد الجماهير العربية ترفض التطبيع وتدعو إلى الوحدة والتضامن الحقيقي مع فلسطين.
إن فضح الأنظمة المطبعة هو استثمار نضالي طويل الأمد يهدد وجود الاحتلال على المدى البعيد، ويكسر جدار الخيانة الذي يتغذى عليه الكيان الصهيوني، فبقدر ما يُصار إلى رفع مستوى الضغط على هذه الأنظمة، بقدر ما تتقلص قدرة الاحتلال على الاستمرار في جرائمه.
44. تطوير استراتيجية مواجهة الأنظمة المطبعة وتعزيز الحراك الشعبي العربي المناهض للتطبيع.
في مواجهة هذه الأنظمة التي اختارت طريق التطبيع مع العدو الصهيوني، لا يكفي مجرد فضحها إعلامياً أو سياسياً، بل يجب بناء استراتيجية شاملة تُركز على استنهاض الشعوب العربية ضد هذا المسار الخياني، وتفعيل كل الوسائل المتاحة لتحقيق ضغط مستمر ومؤثر عليها. وهذا يتطلب إعادة الاعتبار للأدوات النضالية التي تجمع بين المقاومة الثقافية والسياسية والاقتصادية، والتي تضع في محورها فلسطين كقضية مركزية لا تقبل التفريط أو المساومة.
أحد أهم المقاربات هو بناء شبكات تواصل شعبية عبر الحدود العربية، تُمكن من تبادل المعلومات، تنظيم حملات مقاطعة ضد الدول والشركات الداعمة للتطبيع، ودعم الحركات الشعبية المناهضة لتلك الأنظمة. هذه الشبكات يجب أن تنطلق من قاعدة شعبية ضاغطة على حكوماتها لتتراجع عن سياسات التطبيع، أو على الأقل لا تستمر في تعميقها.
كما أن استهداف الرموز السياسية والاقتصادية التي تمثل الحلقات الوصل بين هذه الأنظمة والكيان الصهيوني يشكل أداة فعالة في إرباك خطط التطبيع وعرقلتها. يجب رفع مستوى الوعي الشعبي بأن التطبيع ليس مجرد تفاهم دبلوماسي، بل هو عملية ذات تأثيرات مباشرة على حياة الفلسطينيين، ويمهد الطريق لاحتلال أوسع وتهجير أكثر.
يقول المفكر الفلسطيني اليساري نوري الجراح:
"المقاومة لا تقتصر على ساحات القتال فقط، بل هي معركة ثقافية وسياسية تستهدف كل من يساعد الاحتلال في بسط نفوذه، والتطبيع العربي هو من أهم أدوات الاحتلال."
وينبه الناشط والكاتب المغربي عبد الله العروي إلى أن:
"التطبيع هو شكل من أشكال الهيمنة الجديدة التي تستغل ضعف الدولة الوطنية العربية، وتحول القضية الفلسطينية من أولوية عربية إلى مجرد نزاع محلي، وهو بذلك يضعف من فرص تحقيق تحرر حقيقي."
الاستراتيجية الفعالة اليوم يجب أن تُعطي أولوية لتحويل الغضب الشعبي العربي المتزايد إلى فعل سياسي منظم وقوي، يقف في وجه سياسات التطبيع، ويضغط على الأنظمة لتغيير مسارها أو الاستقالة تحت ضغط شعوبها. كما يجب دعم كل أشكال المقاومة الشعبية والفلسطينية التي ترفض التطبيع، وتؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
على المستوى الدولي، يجب ربط حركة المقاطعة والشجب ضد الاحتلال بالضغط على الأنظمة المطبعة، وفضح علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع الكيان، بهدف عزلها سياسياً على الساحة الدولية، وقطع دعاماتها الاقتصادية التي تسمح لها بالاستمرار في سياسات الخيانة.
في النهاية، مواجهة التطبيع هي جزء لا يتجزأ من مقاومة الاحتلال، وإضعاف أحدهما ينعكس مباشرة على الآخر، ويقربنا خطوة من تحرير فلسطين، وتحقيق العدالة والسلام الحقيقيين.
45. وجوب مطالبة اليهود المواطنين العرب والعالميين بموقف صريح وواضح من الكيان الصهيوني وتحميلهم المسؤولية القانونية والأخلاقية.
في معركة التحرير والعدالة الفلسطينية، لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه الأفراد اليهود من مواطني الدول العربية والعالمية، لا بوصفهم جماعة دينية بحد ذاتها، بل بوصفهم مواطنين مسؤولين عن مواقفهم وأفعالهم تجاه الاحتلال الصهيوني. يجب أن يُطلب من اليهود الحاملين للجنسية العربية، سواء في دول الخليج أو شمال إفريقيا أو المشرق، أن يعلنوا موقفًا واضحًا وصريحًا، لا غبار عليه، تجاه جرائم الكيان الصهيوني، خصوصًا خلال حملات الإبادة الجماعية التي تُرتكب ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
هذا المطلب لا يستهدفهم كجماعة دينية، بل يطالبهم بتحمل مسؤولياتهم المواطنة والسياسية والأخلاقية، بحيث يصبحوا أمام اختبار واضح وعلني، يعكس موقفهم من العدوان الظالم، ويؤكد التزامهم بالحقوق والعدالة. إن هذا الموقف العلني والموثق، سواء بالإعلام المحلي أو الدولي، هو خطوة أساسية لكسر الحواجز التي يستخدمها الاحتلال لتبرير جرائمه وإخفاء شبكة الدعم العالمية التي تغذيه.
على الجانب الآخر، يجب على الدول العربية أن تتخذ إجراءات حاسمة ضد كل من يثبت مشاركته أو دعمه لعمليات الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، بغض النظر عن ديانته أو قوميته. يتضمن ذلك حجب الجنسية أو تجميد الحقوق المدنية، وفتح ملفات قضائية لمحاكمتهم كمجرمي حرب أمام المحاكم الوطنية والدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية.
وهذا المطلب يمتد إلى دول العالم التي تضم مواطنين من الديانة اليهودية، فمسؤوليتهم الإنسانية والسياسية لا تقل عن غيرهم، ويجب أن يُطالبوا أيضًا بمواقف واضحة ومعلنة، مع إلزامهم بمحاسبة كل من يثبت تورطه في دعم أو تنفيذ جرائم الاحتلال. عدم اتخاذ مواقف صريحة من قبل هؤلاء المواطنين يساهم في تعزيز خطاب الاحتلال الذي يحاول نسب جرائمه إلى عداوات دينية بحتة، متجاهلاً الأبعاد السياسية والاجتماعية الحقيقية للصراع.
الفيلسوف اليساري اليهودي عوفر نعمان قال في سياق نقده للمجتمع الإسرائيلي والشتات اليهودي:
"المسؤولية لا تقع فقط على الاحتلال بل على كل من يغض الطرف أو يدعم صمتًا هذه الجرائم، وعلى كل يهودي يحمل جنسية غير إسرائيلية أن يختار موقفه بوضوح، لأن الصمت في هذا السياق هو مشاركة فعلية في العدوان."
أما المفكر الفلسطيني اليساري الراحل إدوارد سعيد، فقد أكد:
"لا يمكن فصل مصير الفلسطينيين عن مسؤولية الشعوب والدول التي يعيش فيها اليهود، خصوصًا حين يكونوا مواطنين يشاركون في حقوق وواجبات الدولة التي ينتمون إليها، ويجب أن يُحاسبوا كما يُحاسب الجميع."
في هذا الإطار، يُعدّ هذا الطلب جزءًا من الإطار الحقوقي والإنساني النضالي، ويسهم في كسر الطوق الذي يحيط بالاحتلال، ويعزز جهود العدالة الدولية، ويساهم في إضعاف أذرع الدعم السياسي والمالي التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني في حربه الإجرامية ضد الفلسطينيين.
46. أمثلة ومقولات إضافية تؤكد على ضرورة موقف واضح للمواطنين اليهود في الدول العربية والعالمية من الاحتلال الصهيوني.
من بين الشخصيات التي دافعت عن موقف يساري صريح ضد الاحتلال وضرورة تحميل المسؤولية الجماعية والفردية، نذكر:
- نوربرت غوتشالوف، الناشط اليهودي الألماني والناقد البارز للاستعمار الصهيوني، والذي قال:
"المسؤولية ليست محصورة في إسرائيل فقط، بل تمتد إلى الشتات اليهودي، الذي لا يمكنه أن يتنصل من جرائم الاحتلال بإعلان براءته الصامت، أو عبر الدعم المالي والسياسي."
- ميخائيل وارشافسكي، الباحث اليهودي اليساري المعروف، أشار إلى:
"الدين لا يبرر الجرائم السياسية، ولا يمكن لأي يهودي يحمل جنسية غير إسرائيلية أن يظل محايداً أمام الإبادة التي تُمارس بحق الفلسطينيين. موقف واضح من الاحتلال واجب على الجميع."
- حنّا أرفيليم، الناشطة اليهودية الأمريكية، التي قالت:
"التمسك بالصمت أو الانتماء القومي الأعمى تجاه إسرائيل ليس تبريراً للجرائم، بل مشاركة فعلية في الجريمة. على يهود الشتات أن يتحملوا تبعات مواقفهم السياسية والإنسانية."
أما على المستوى الشعبي، فقد شهدت السنوات الأخيرة حركة متنامية داخل الشتات اليهودي تُطالب بالانحياز إلى حقوق الفلسطينيين، ورفض سياسات الاحتلال، مثل حركة Jewish Voice for Peace وIfNotNow، اللتين تؤكدان:
"العدالة لا تتجزأ، ورفض الظلم في فلسطين هو واجب أخلاقي لكل يهودي يحمل جنسية غير إسرائيلية."
في الوطن العربي، على الرغم من ندرة الأفراد اليهود الذين أعلنوا مواقف علنية مناهضة للاحتلال، إلا أن الأصوات المناصرة للعدالة الفلسطينية تحث دائماً على المساواة في الحقوق والواجبات، وتؤكد على:
"أن الموقف الوطني يجب أن يتقدم على الانتماء الديني، وأن المواطنة الحقة تعني الموقف الواضح والعلني ضد الاحتلال وظلم الفلسطينيين."
بهذا التوسيع، يتضح أن المطالبة بموقف واضح وعلني للمواطنين اليهود في الدول العربية والعالمية ليست مجرد مطلب أخلاقي، بل هي مطلب سياسي وقانوني يتداخل فيه الجانب الإنساني مع المسؤولية الوطنية، ويشكّل خطوة أساسية في تحرير فلسطين وإحقاق العدالة.
47.الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لموقف الشتات اليهودي في الصراع الفلسطيني الصهيوني، مع مقارنة بحركات تحررية أخرى.
عندما نتحدث عن الشتات اليهودي ودوره في الصراع العربي الصهيوني، لا يمكننا فصل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هذا الملف السياسي والإنساني. الشتات اليهودي، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا، ليس مجرد تجمع ديني أو عرقي، بل هو شبكة اقتصادية وسياسية ضخمة تمتلك تأثيرًا واسعًا على صناعة القرار العالمي، ويمتلك أدوات مالية وعلاقات سياسية تجعله شريكًا فاعلًا في دعم الكيان الصهيوني، بشكل مباشر أو غير مباشر.
الأبعاد الاقتصادية
تتجلى هذه الأبعاد في التمويل المباشر وغير المباشر للاحتلال عبر شركات ضخمة، مؤسسات مالية، تبرعات هائلة، وجماعات ضغط (لوبيات) ذات نفوذ قوي في برلمانات الدول الغربية. وفقًا لتقارير متعددة، تساهم هذه الموارد في تسليح الاحتلال، وتمويل البنية التحتية العسكرية، والدعم السياسي الدبلوماسي الذي يحمي الكيان من المساءلة الدولية.
يرى المفكر الاقتصادي الأمريكي نوام تشومسكي أن:
"اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو أداة مركزية للحفاظ على النظام الإمبريالي الذي يستفيد من استمرار الاحتلال والقمع، لأنه يخدم مصالح رأسمالية دولية ضخمة مرتبطة بأمن الطاقة والهيمنة الجيوسياسية."
هذه الشبكة الاقتصادية تخلق نظامًا معقدًا من المصالح المتبادلة بين رأس المال اليهودي والكيان الصهيوني، الذي لا يُفترض النظر إليه كمجرد كيان قومي فقط، بل كجزء من منظومة استثمارية وتحكم مالي عالمي.
الأبعاد الاجتماعية
اجتماعيًا، تواجه مجتمعات الشتات اليهودي تحديات داخلية عديدة، فهناك انقسامات واضحة بين تيارات يسارية تطالب بالعدالة والانسحاب من دعم الاحتلال، وبين تيارات يمينية قومية متطرفة تروج للعنف وتبرير الاستيطان والقتل. وهذا الصراع الداخلي يعكس انقسامات أوسع في الصراع الفلسطيني الصهيوني نفسه.
في المقابل، تحمل أجيال الشباب في الشتات اليهودي غالبًا مواقف أكثر نقدية تجاه إسرائيل وسياسات الاحتلال، وهو ما بدأ يتجلى في حركات مثل "IfNotNow" و"Jewish Voice for Peace"، التي تمثل حركة اجتماعية صاعدة ترفض الصمت الرسمي وتطالب بتغيير جذري في المواقف.
مقارنة بحركات تحررية أخرى
يمكننا أن نرصد أوجه تشابه واضحة بين هذه الحالة ونضالات تحررية أخرى، مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، التي شهدت تحولات كبيرة بسبب مشاركة البيض المناصرين لحقوق السود، وتضامن قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي مع مطلب العدالة.
أيضًا، نضال جنوب إفريقيا ضد نظام الأبارتهايد يُعد نموذجًا مهمًا، حيث لعبت جماعات من البيض المعارضين للنظام دورًا محوريًا في الضغط من الداخل والخارج لإنهاء النظام العنصري، وكان ذلك حاسمًا في تسريع التغيير السياسي.
في كل هذه الحالات، كان من الضروري أن يحمل أفراد المجتمع الأغلبية أو المهيمنين (سواء على أساس عرقي أو ديني أو طبقي) مسؤوليات واضحة وعلنية تجاه الظلم الواقع على الأقلية المضطهدة.
لذا، فإن الضغط على الشتات اليهودي ليتخذ موقفًا علنيًا وواضحًا ضد الاحتلال لا يعني مجرد مطالبة رمزية، بل هو مطلب استراتيجي يمس قلب شبكة الدعم السياسية والاقتصادية للكيان الصهيوني. وهو جزء لا يتجزأ من نضال عالمي من أجل العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستعمار الجديد، الذي يربط بين قضايا الشعوب المختلفة عبر سرديات النضال والمقاومة المشتركة
48. محور المقاومة العسكري ومحور المقاومة العالمي: الواقع الراهن والتحديات المعاصرة في مواجهة الكيان الصهيوني.
في ظل التطورات الأخيرة، يمكن القول إن محور المقاومة العسكري التقليدي في المنطقة قد شهد تغييرات جوهرية. حيث أصبح أنصار الله (الحوثيون) في اليمن اللاعب العسكري الأكثر نشاطًا واستمرارية في المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني وحلفائه، بينما شهدت الفصائل الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة تراجعًا نسبيًا في القدرة العسكرية المباشرة بسبب الحصار والضربات المتكررة.
محور المقاومة العسكري: أنصار الله في اليمن كقوة رئيسية
أنصار الله في اليمن يمثلون اليوم العمود الفقري للمقاومة العسكرية ضد المشروع الصهيوني، وذلك عبر استهداف العمق الاستراتيجي للكيان الصهيوني وشركائه، باستخدام صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة متطورة، ما خلق حالة من التوازن العسكري الردعي في المنطقة. ويجسد هذا المحور مواجهة إقليمية مستمرة ضد الهيمنة الأمريكية-الصهيونية في الشرق الأوسط.
من منظور يساري نقدي، يرى المحلل السياسي اللبناني نبيل نعيم:
"أنصار الله هم تجسيد حقيقي لإرادة المقاومة الشعبية، التي تحولت إلى قوة عسكرية فاعلة رغم الحصار والحرب الشرسة التي تقودها قوى الإمبريالية والرجعية العربية. هذا يشكل تحولا في ميزان القوى الإقليمي، ويعيد الاعتبار لمقاومة التحرر الوطني ضد الاستعمار الجديد."
هذا المحور لا يعمل بمعزل عن محور المقاومة الشعبي العالمي، بل يتكامل معه، حيث تُعتبر المواجهات التي يخوضها أنصار الله نقطة ارتكاز استراتيجية تضغط على الاحتلال من جهة العمق، بينما يستمر النشاط الشعبي والثقافي والسياسي في دعم القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
محور المقاومة العالمي: القوة الشعبية والتضامن العالمي
في المقابل، لا تزال شبكة المقاومة الشعبية العالمية، التي تضم الحركات اليسارية، النقابات، منظمات حقوق الإنسان، والشباب في مختلف القارات، هي القوة التي تحرك الرأي العام وتضغط على الأنظمة الغربية لوقف الدعم المالي والعسكري للكيان الصهيوني. هذه المقاومة الشعبية تجسد روح التضامن الدولي مع الفلسطينيين، وتحاول تعويض التراجع العسكري المباشر في الأراضي الفلسطينية عبر أدوات مثل المقاطعة، العقوبات، والحملات الإعلامية.
المفكر الفرنسي ريجيس دوبري يقول:
"المقاومة ليست فقط مسلحة، بل هي أيضًا معركة من أجل الوعي، من أجل قلب الموازين السياسية والاجتماعية على المستوى العالمي. التضامن الشعبي هو السلاح الأقوى الذي يمتلكه الفلسطينيون وحلفاؤهم في مواجهة آلة الاحتلال.
اليوم، يمكننا القول إن محور المقاومة العسكري التقليدي داخل الأراضي الفلسطينية يعاني من ضغوط كبيرة، في حين يبرز أنصار الله في اليمن كخط دفاع متقدم ومصدر قوة استراتيجية في المعركة ضد الكيان الصهيوني. بالمقابل، يزداد دور محور المقاومة العالمي الذي يحمل القضية الفلسطينية على عاتقه عبر النشاطات السياسية، الاجتماعية، والثقافية، مما يؤكد على أن المواجهة ليست فقط عسكرية، بل شاملة ومتعددة الأبعاد.


إيران بين امتلاك النووي وتموضعها الطائفي: موازين القوى الحقيقية في الصراع الفلسطيني-الصهيوني
في المشهد السياسي المعقد للشرق الأوسط، تلعب إيران دورًا محورياً في محور المقاومة، لكن فهم هذا الدور يستدعي تجاوز السرديات السطحية والطائفية التي يروج لها إعلام السلطة والاستعمار. إيران ليست مجرد دولة طائفية، بل هي قوة إقليمية تحاول استعادة توازن القوى ضد الهيمنة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، مستخدمة أحيانًا خطابها الطائفي كأداة سياسية ضمن صراع أوسع.
امتلاك النووي: رافعة استراتيجية مقاومة
امتلاك إيران لبرنامج نووي، أو على الأقل السعي الحثيث نحو ذلك، يشكل نقطة تحول استراتيجية في ميزان القوى الإقليمي. من منظور يساري نقدي، القدرة النووية لا تهدف فقط إلى تعزيز القدرة الدفاعية، بل هي تعبير عن محاولة للدفاع الوطني ضد التهديدات الإمبريالية المباشرة، وخصوصًا التهديدات الإسرائيلية التي تتمتع بدعم كامل من الولايات المتحدة.
الفيزيائي والمفكر اليساري نعوم تشومسكي، كان قد أكد:
"إيران، كدولة تحاصرها القوى العظمى وتحاول فرض إرادتها عليها بالقوة، تسعى لامتلاك قدرات دفاعية متقدمة، وهذا حق مشروع لأي دولة تسعى لحماية سيادتها."
الطائفية كأداة سياسية وليس مبدأً جوهريًا
التموضع الإيراني ضمن خطاب الطائفة الشيعية، لا ينبغي أن يُفهم بمعزل عن استراتيجيات القوة الإقليمية. إيران تستغل الانقسامات الطائفية في المنطقة، لكنها في الوقت ذاته تدعم مقاومات متعددة الطوائف، مثل حزب الله في لبنان وفصائل فلسطينية متنوعة، وتعمل على توحيد خطاب المقاومة بعيدًا عن الطائفية عند الإمكان.
المفكر اللبناني اليساري مروان حمادة يقول:
"الطائفية ليست سوى أداة في يد الأنظمة لحرف الأنظار عن الصراع الأساسي ضد الاحتلال والهيمنة. إيران تدرك أن القضية ليست مذهبية، بل قضية تحرر وكرامة وطنية."
49. خيانة الطائفة السنية للقضية الفلسطينية: تحليل سياسي لا طائفي
في المقابل، يشير الواقع إلى أن معظم الأنظمة العربية السنية الحاكمة — من السعودية، الإمارات، قطر، تركيا، وحتى سوريا والأردن ومصر — قد اختارت سياسات تطبيعية مع الكيان الصهيوني، أو على الأقل صمتًا مبررًا بـ "مصلحة الدولة" أو "حماية نفسها". هذه التحالفات ليست نتاجًا لمواقف طائفية فقط، بل هي استراتيجيات رعناء لخدمة مصالح اقتصادية وسياسية قصيرة الأمد على حساب القضايا الوطنية والقومية الكبرى.
المفكر الفلسطيني اليساري جلال سلمان يؤكد:
"الصمت أو التطبيع مع العدو الصهيوني من قبل أنظمة الخليج وسوريا وتركيا هو خيانة واضحة لمصلحة شعوبها، وهو إعادة إنتاج للهيمنة الإمبريالية عبر أدوات محلية."
إيران: قوة مقاومة وخصم داخلي
لا يمكن إغفال أن إيران، رغم موقفها المناهض للاحتلال ودعمها للمقاومة، هي أيضًا لاعب في اللعبة الإقليمية التي تتضمن صراعات نفوذ بين القوى الإقليمية نفسها. هذا التعقيد يجعل إيران خصمًا محتملاً لبعض القوى الوطنية داخل المنطقة، لكنها تبقى العمود الفقري الأبرز في مواجهة المشروع الصهيوني.
"النمر الورقي" المصري والأردني
مصر والأردن، اللتان تعتبران الركيزة الاستراتيجية للكيان في المنطقة، تلعبان دورًا تمويهيًا في دعم القضية الفلسطينية على المستوى الرسمي، مع استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال على الأرض. هذا الدور يجعل منهما "نمرًا ورقيًا" يغطي التوافق مع الاحتلال تحت غطاء المصالح الإقليمية.

إيران تمثل اليوم قوة إقليمية استراتيجية في مواجهة الهيمنة الصهيونية والأمريكية، مستفيدة من امتلاكها النووي ومن شبكة علاقاتها مع حركات المقاومة المتنوعة، رغم أوجه الضعف والتناقضات الداخلية والإقليمية. في المقابل، أنظمة الخليج والشرق الأوسط العربي السني الرسمي تمثل تحالفات تطبيعية تضر بالقضية الفلسطينية، مدفوعة بخيارات سياسية واقتصادية ضيقة، على حساب وحدة الأمة وحقوق الشعب الفلسطين

50. شمال إفريقيا بين التطبيع الصامت والتطبيع المعلن: فضاءات تحرك المخابرات وخيوط اللعبة
1. الإطار العام: شمال إفريقيا في مرمى التدخلات والإملاءات
شمال إفريقيا، كمسرح جغرافي وسياسي، يمثل محورًا مركزيًا في الصراع حول القضية الفلسطينية وفي لعبة التطبيع مع الكيان الصهيوني. فالبلدان الكبرى في المنطقة — ليبيا، تونس، المغرب، موريتانيا، والجزائر — تتوزع بين موقف رسمي متباين بين صمت مطول، إعلان مواقف وطنية رسمية، وتطبيع معلن أو شبه معلن، في سياق تتشابك فيه مصالح القوى المحلية والإقليمية والدولية، مع حضور مكثف للعمليات المخابراتية الدولية.
الكاتب والمحلل السياسي اليساري المغربي عبد الرحيم العلامي يشير إلى:
"شمال إفريقيا هي نقطة تماس استراتيجية في الصراع بين قوى الإمبريالية والصهيونية من جهة، وقوى المقاومة والتحرر من جهة أخرى. لكن المآلات تعتمد على القدرة على مقاومة المخططات التي توظف التطبيع كأداة لإعادة هيكلة المنطقة وفق أجندات خارجية."

2. ليبيا: الانقسام وصراع الوكالات
ليبيا، التي تعاني من أزمة سياسية وانقسام داخلي بين حكومتين متنافستين (حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة الشرق في طبرق)، باتت ساحة مفتوحة لتحركات مخابراتية دولية متعددة تشمل أطرافًا غربية، خليجية، وكيانات صهيونية تروج لتثبيت مصالحها عبر دعم أفرقاء محليين.
مع دعم مباشر وغير مباشر لبعض الجماعات المسلحة، تُستخدم ليبيا كورقة ضغط في لعبة التطبيع والتوظيف السياسي، ما يجعل الملف الفلسطيني والرفض الشعبي للتطبيع في ليبيا موضوعًا هشًا تحت رحمة الصراعات الإقليمية والدولية.
المفكر الليبي اليساري عمر الهوني يقول:
"ليبيا اليوم ليست مجرد ساحة نزاع داخلي، بل ساحة استنزاف لمصالح قوى عالمية تحاول فرض أجنداتها عبر أدوات محلية، وتطبيع الصمت مع الاحتلال هو جزء من هذه اللعبة."

3. تونس: بين الديمقراطية الهشة والتأثيرات الخارجية
تونس، التي تميزت بعد الثورة بـ"موجة" من الحريات السياسية، تواجه الآن موجات من الاستهداف المباشر عبر الضغوط الدولية والإقليمية، مع تحركات سرية للتطبيع، خاصة مع ضعف اقتصادي وأزمات داخلية عميقة. المشهد التونسي يظهر تحركات مخابراتية خليجية وغربية تحاول استثمار الفوضى السياسية لتمرير سياسات تطبيعية تدريجية، رغم رفض شعبي واسع.

4. المغرب: التطبيع الرسمي وأثره على السياسة الداخلية والخارجية
المغرب يمثل حالة فريدة في شمال إفريقيا، حيث أعلن عن تطبيع رسمي للعلاقات مع الكيان الصهيوني في 2020، مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. التطبيع المغربي يفتح أفقًا لتحركات مخابراتية مكثفة، ويضع البلاد في مواجهة مع معارضة شعبية وطنية عميقة تُدين هذا التحول.
المفكر اليساري المغربي عبد الله العروي قال:
"التطبيع المغربي هو نكسة سياسية تكرس إقصاء الشعب من صنع القرار، وتحوّل القضية الفلسطينية إلى ورقة مساومة في لعبة جيوسياسية أكبر."

5. موريتانيا والجزائر: صمت متحرك وتحديات وطنية
موريتانيا التي أعلنت في 2020 عن تجميد علاقاتها مع الكيان بعد سنوات من التطبيع الرسمي، تعكس معضلة بعض الأنظمة في شمال إفريقيا بين الحفاظ على علاقات دولية وضغوط داخلية للتمسك بالموقف المناهض للاحتلال.
أما الجزائر، فتبقى نموذجًا نادرًا للموقف الواضح والصريح الرافض للتطبيع، رغم الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها من القوى الغربية والخليجية، إضافة إلى تحديات أمنية واقتصادية تعيق تحركها.
الناشط اليساري الجزائري فريد بلقاسم يؤكد:
"الجزائر تمثل صوت المقاومة الحقيقي في شمال إفريقيا، ولكنها تواجه تحديات هائلة تجعل من ثباتها موقفًا بطوليًا يحتاج لدعم شعبي وإقليمي."

6. خيوط اللعبة: مخابرات متعددة، مصالح متضاربة
تحركات المخابرات في شمال إفريقيا معقدة، وتشمل مصالح الأجهزة الأمريكية، الأوروبية، الخليجية، والصهيونية التي تسعى لاستثمار نقاط الضعف السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان لتمرير أجندات التطبيع. هذه المخابرات تلعب أدوارًا مزدوجة في الوقت ذاته: دعم أطراف محلية معينة، تشويه سمعة القوى الوطنية المناهضة، وإجهاض أية تحركات شعبية حقيقية تدين التطبيع.

7. التحديات أمام المقاومة الشعبية والوطنية
أمام هذا المشهد، تواجه شعوب شمال إفريقيا تحديات ضخمة:
غياب الوحدة الوطنية الحقيقية في الكثير من البلدان،
استشراء الفساد السياسي والاقتصادي،
هيمنة الأجهزة الأمنية ومخابرات الأنظمة التي تتعاون أحيانًا مع قوى التطبيع،
ضعف الخطاب الإعلامي الحر، وقمع الحريات.
هذه التحديات تضع المقاومة الشعبية في مأزق، لكنها أيضًا تحفز على بناء تحالفات شعبية إقليمية وعالمية قادرة على مواجهة التطبيع من منطلق وطني وشعبي ديمقراطي حقيقي.

شمال إفريقيا اليوم جبهة حاسمة في معركة الصراع مع الاحتلال الصهيوني، تتشابك فيها مصالح دولية وإقليمية تتجاوز حدود القضية الفلسطينية، لتحولها إلى جزء من صراع أوسع حول مستقبل المنطقة. ولكن، وفي مواجهة كل هذا التعقيد، يبقى خيار المقاومة الشعبية والوطنية، المدعومة بوعي سياسي يساري ديمقراطي، هو السبيل الحقيقي لاستعادة الكرامة والحقوق.
والاقتصادية التي تعصف بشمال إفريقيا، برزت الحركات الشبابية كمصدر حيوي لنشر الوعي المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكذلك في دعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية في نضال الشعوب ضد الاستعمار والاحتلال.
الشباب كمحرّك ثوري:☆ الحركات الشبابية في تونس، المغرب، الجزائر، وليبيا تشكل العمود الفقري لأي مقاومة حقيقية. رغم محاولات قمعها وإخضاعها، فهي تنقل الخطاب المناهض للتطبيع عبر المظاهرات، الحملات الرقمية، وحتى الاحتجاجات المباشرة. هذا ما عبر عنه الباحث اليساري التونسي علي البجاوي:
"الشباب هم صوت الثورة الحي، حامل شعلة فلسطين في وجدانهم، ويعرفون أن التطبيع ليس فقط خيانة للقضية، بل خيانة للكرامة الوطنية."
☆.لفضاء الرقمي وحركة التغيير:
وسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى ساحة معركة جديدة، حيث تنشط المجموعات الشبابية في فضح جرائم الاحتلال، وتوثيق انتهاكاته، والتنسيق للاحتجاجات، وأيضًا لكشف خبايا الاتفاقيات التطبيعية. في المغرب مثلاً، استطاعت مجموعات شبابية فضح محاولات التضليل الإعلامي الرسمي الذي يحاول تلطيف صورة التطبيع.
☆.تحديات الحركات الشبابية:
تواجه هذه الحركات ضغطًا مزدوجًا: قمع حكومي مباشر بسبب نشاطها المناهض للتطبيع، وضغوط نفسية واجتماعية بسبب التحالفات التي تقيمها الأنظمة مع الكيان الصهيوني. مثل هذا الواقع يدفع الكثير من الشباب إلى تبني خطاب ثوري متشدد يرفض كل أشكال الانبطاح السياسي، كما يقول الناشط الجزائري اليساري كريم بن فهد:
"الشباب اليوم يعيشون في صراع بين إيمانهم بالقضية ومقاومة الهرولة نحو التطبيع، وبين محاولة السلطات إسكات صوتهم."
51.الإسلام السياسي السنّي كأداة: "الإخوان" وتنظيمات الإرهاب في خدمة المشروع الصهيوني الإمبريالي
منذ نشأتها، لم تكن جماعة "الإخوان المسلمين" تنظيمًا عفويًا نابعًا من تربة مقاومة فعلية، بل كانت منذ الأربعينات والخمسينات إحدى أبرز الأدوات التي راهنت عليها القوى الإمبريالية لضبط الإيقاع الشعبي وتفكيك الطاقات الثورية الصاعدة في المنطقة العربية، خاصة بعد المد الناصري واليساري. لقد تميّزت هذه الجماعة، ومن دار في فلكها لاحقًا، بتقديم قراءة وظيفية للإسلام – لا كمنظومة تحرر – بل كغطاء أيديولوجي للامتناع عن الصدام الجذري مع البنية الاستعمارية الصهيونية.
كما أشار المفكر اللبناني مهدي عامل:
"حين يتحوّل الدين إلى أداة بيد السلطة، يصبح وظيفة من وظائفها، ويُستَخدم لقمع العقل والتمرد معًا."
وهذا بالضبط ما حصل مع الإخوان المسلمين: لقد رفعوا شعار "نُحارب الجاهلية في الداخل" بدل مواجهة الاستعمار المباشر، واعتمدوا خطابًا مزدوجًا، ينادي بـ"تحرير فلسطين" لفظيًا، لكنه عمليًا يناهض كل فكر يساري مقاوم، ويصطف ضد أي جبهة تحررية لا تنطلق من مرجعيتهم.

من "القاعدة" إلى "داعش": جهاد مفبرك على مقاس حلف الناتو
التنظيمات الإرهابية التي وُلدت من رحم أفكار الإخوان (القطبية الجهادية تحديدًا) مثل القاعدة، ثم داعش، وهيئة تحرير الشام وغيرها، كانت على الدوام مشاريع استخباراتية، أُطلقت لتشويه فكرة المقاومة ولضرب المشروع القومي واليساري في المنطقة.
• القاعدة فتحت المجال أمام التدخل الأمريكي في أفغانستان والعراق.
• داعش زعزعت المجتمعات العراقية والسورية، وشكّلت ذريعة للتدخل الغربي مجددًا.
• هيئة تحرير الشام (فرع القاعدة في سوريا) اصطفت فعليًا مع الأجندة التركية الصهيونية في الشمال السوري.
بل إن تصريحات سفير أمريكي سابق (حسب ما ذكرته عدة تسريبات دبلوماسية) عن التخطيط لاستخدام أحمد الشرع – أحد كوادر هذه التنظيمات – كواجهة سياسية جديدة لسوريا، بعد إسقاط الدولة السورية عبر هذه المجموعات، ثم الدفع به نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، يؤكد البعد الوظيفي الصريح لهذا "الجهاد" المزيف.
كما كتب نعوم تشومسكي:
"حين تنشئ الولايات المتحدة أعداءها بيدها، فهي لا تبحث عن حرب، بل عن مبرر دائم لاستمرار هيمنتها."

52 .تركيا والكيان الصهيوني: الحلف غير المعلن
لعبت تركيا تحت حكم "العدالة والتنمية"، وهو فرع من فروع الإخوان، دورًا حاسمًا في تسليح وتسهيل تحركات الجماعات الإرهابية في سوريا، بل فتحت حدودها أمام آلاف المقاتلين الأجانب، بينما كانت تتعامل في الوقت نفسه مع إسرائيل في أعلى مستويات التعاون العسكري والاستخباراتي. هكذا التقت المصالح التركية – الصهيونية – الأمريكية في تدمير محور المقاومة، وتحويل الصراع من مواجهة مع الاحتلال إلى اقتتال داخلي أهلي طائفي.
كما كتب المفكر السوري ياسين الحافظ منذ سبعينات القرن الماضي:
"الرداءة لا تأتي من القمع وحده، بل من تلك الأوهام التي تحوّل الدين إلى برنامج إمبراطوري صغير، فتُختزل القضية الفلسطينية إلى صدقة لفظية، وتُحشر الثورة في قنينة الإسلام السياسي."

53. نحو تفكيك "الدين المأجور" وفضح جهاده الزائف
ما يجمع الإخوان وهذه التنظيمات "الجهادية" هو تحويل الدين من طاقة للتحرير إلى أداة قمع وتأبيد للهيمنة. لقد صمتوا عن جرائم الاحتلال، وتآمروا على فلسطين، وتحولوا إلى شركاء مباشرين أو غير مباشرين في المشروع الأمريكي – الصهيوني.
والمهمة اليوم، كما يطرح المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، ليست فقط "كشف زيف الرواية الصهيونية"، بل أيضًا تفكيك الأدوات التي خدمتها من الداخل، وعلى رأسها الإسلام السياسي المتواطئ.
●.الإخوان المسلمون: من كنف بريطانيا إلى حضن أمريكا
منذ نشأتهم في ثلاثينات القرن الماضي، لم يكن الإخوان المسلمون يومًا خارج دوائر النفوذ الإمبريالي. لقد احتضنتهم المخابرات البريطانية في البداية كقوة مضادة للمد الوطني اليساري، ثم التقطتهم الولايات المتحدة، خاصة منذ الخمسينات، بعد تبلور "عقيدة آيزنهاور" المناهضة للشيوعية. ومنذ ذلك الحين، أصبح الإسلام السياسي أداة وظيفية في يد واشنطن لضرب أي حراك تحرري حقيقي في العالم العربي.
روبرت درايفوس، أحد أبرز المحللين الأمريكيين في كتابه "لعبة الشيطان: كيف استخدمت أمريكا الإسلام السياسي لزعزعة الشرق الأوسط"، كتب:
"واشنطن موّلت الإسلاميين لمواجهة اليسار، كما سلّحت المجاهدين لضرب الاتحاد السوفييتي. لكن الأداة انفجرت لاحقًا، وها هي اليوم تُستخدم مرّة أخرى لضرب كل مشروع استقلالي حقيقي."
وفي هذا الإطار، فإن اللقاءات التي حصلت بين قيادات إخوانية والاستخبارات الأمريكية في خمسينات القرن العشرين لم تكن سرًا. بل اعترف بها لاحقًا عناصر من داخل الجماعة نفسها، وتم توثيقها في دراسات ومذكرات متعددة.

●. قطر والسعودية: التمويل الطائفي والاستثمار في الفوضى
خلال العقدين الماضيين، لعبت كل من قطر والسعودية دور البنك المركزي لتمويل الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية المسلحة. لكن بينما تبنّت قطر الخطاب "الإخواني"، مارست السعودية الرعاية السلفية الجهادية، وموّلتها تحت راية مواجهة "الشيعة" أو "الأنظمة الكافرة"، وفي الحالتين، كانت البوصلة موجهة نحو ضرب سوريا، العراق، اليمن، ليبيا... بينما كانت فلسطين دائمًا خارج دائرة الجهاد.
في إحدى الوثائق المسرّبة من بريد هيلاري كلينتون (2016)، يُذكر حرفيًا:
"كل من قطر والسعودية تستمران في تقديم الدعم المالي واللوجستي إلى داعش والنصرة في سوريا... بشكل يهدد التوازن الإقليمي."
إنه جهاد بأموال النفط، يُدار من واشنطن وتل أبيب، وتمر عملياته عبر تركيا، لتدمير المجتمعات العربية وتفكيك الدولة الوطنية.

●. تنظيمات من صناع المخابرات الامبريالية ة : من بن لادن إلى البغدادي.
لا يمكن الحديث عن القاعدة أو داعش دون الإشارة إلى دور المخابرات الغربية في تشكيل هذه الوحوش. أسامة بن لادن نفسه كان يُنسّق مع الـCIA في أفغانستان، واعترف بذلك ضباط أمريكيون. أما داعش، فقد اعتمدت في انطلاقتها على السجون الأمريكية في العراق، وخاصة سجن "بوكا"، الذي وصفه ضباط أمريكيون بأنه "الجامعة الكبرى لتخريج القادة الجهاديين".
كما أشار المفكر التونسي الراحل العفيف الأخضر:
"كل تنظيم مغلق يرفع شعار الفرقة الناجية هو مشروع مهيأ للاستخدام من الخارج في لحظة ما. الدغمائية بوابة العمالة، حتى لو لم يدرك أصحابها ذلك."
وهنا تتقاطع خيوط اللعبة: تنظيمات مولودة من رحم السلفية الجهادية، تُحرّكها أجهزة مخابرات، وتموّلها دول الخليج، وتُطلقها تركيا عبر الحدود، لتصل إلى شعوب مدمّرة ومنهكة ومقموعة.
●. من يدفع ثمن كل هذا؟ الشعوب والفلسطينيون أولًا
والسؤال الجوهري: من المستفيد من كل هذا الدمار؟
بالتأكيد ليس الفلسطينيون، الذين تُترك قضيتهم دائمًا في آخر الأولويات، وتُستبدل معارك تحرير القدس بمعارك إسقاط "العلويين" أو "الشيعة" أو "المرتدين"، في خطاب طائفي صريح يخدم التقسيم المذهبي الجغرافي الذي تسعى له الصهيونية.
كتب المفكر العراقي فالح عبد الجبار:
"الإسلام السياسي طائفي بالضرورة. لذلك فهو لا يملك مشروعًا وطنيًا، ولا رؤية تحررية، بل يعمل كأداة لتفكيك المجتمعات، لا لتحريرها."

●. نحو وعي ثوري: تفكيك القناع وكشف الخيانة
المطلوب اليوم ليس فقط محاربة الكيان الصهيوني، بل محاربة بنيته التوسعية داخل وعينا السياسي، أي محاربة الإسلام السياسي العميل، والتنظيمات الإرهابية التي تشوّه المقاومة، والأنظمة التي ترعى هؤلاء.
لا مقاومة حقيقية بدون تفكيك هذا الثالوث:
▪︎.الإسلام السياسي بوصفه أداة للهيمنة،
▪︎.الأنظمة النفطية بوصفها ممولًا للخيانة،
▪︎.الاستخبارات الغربية بوصفها المشغّل الأساسي للدمار العربي.
54. الإعلام الإخواني: قناة "الجزيرة" بوصفها منصة لشيطنة المقاومة وتبييض التطبيع
منذ تأسيسها عام 1996، لعبت قناة "الجزيرة" دورًا محوريًا في إعادة صياغة الوعي العربي ضمن أجندة الإخوان المسلمين، والتي تلتقي وظيفيًا – إن لم يكن عضويًا – مع المشروع الأمريكي في المنطقة. فبعناوين "الربيع العربي" و"التحولات الديمقراطية"، تم حرف بوصلة الشعوب من التحرر من الاستعمار الجديد إلى صراعات مذهبية داخلية، وتقديم العدو الداخلي كأخطر من العدو الصهيوني.
من خلال برامج مثل الاتجاه المعاكس، تمّ تشويه كل ما هو وطني ويساري وعلماني، وتقديم الإسلام السياسي بوصفه البديل الوحيد، والمقاومة الوطنية كأنها "أذرع لإيران".
وقد حذّر المفكر سمير أمين من هذا الانحراف الإعلامي بقوله:
"الجزيرة لا تعكس نبض الشارع العربي بقدر ما تعكس مصالح مموليها وحلفاء مموليها. هي ذراع ناعمة للإمبريالية القطرية الأمريكية."
وفيما كانت المقاومة تُقصف في غزة، كانت "الجزيرة" تستضيف صهاينة على شاشتها وتمنحهم المساحة الكافية لتبرير القتل تحت شعار "الرأي والرأي الآخر"، لكنها لا تستضيف أبدًا مقاومًا ماركسيًا أو مفكرًا تحرريًا. وهذا فرز إعلامي يعكس اصطفافًا أيديولوجيًا لا يمكن إنكاره.

55. الجماعات الجهادية والكيان الصهيوني: التقاء في الجغرافيا والاستخبارات
المفارقة الأخطر تتجلّى في العلاقات الخفية والواضحة بين الجماعات الإرهابية والكيان الصهيوني. لنأخذ مثلًا جبهة النصرة في جنوب سوريا، والتي اعترف قادتها بأنهم تلقوا مساعدات طبية ودعما لوجيستيًا من الاحتلال الإسرائيلي. وقد نشرت صحيفة هآرتس الصهيونية في 2015 تقريرًا مفصلًا عن نقل جرحى النصرة للعلاج في مشافي الكيان.
كما كتب الباحث الأمريكي سيمور هيرش:
"إسرائيل، التي تدّعي محاربة الإرهاب، لم تهاجم أي مواقع لداعش في الجولان، بل ركّزت على ضرب الجيش السوري وحزب الله، أي الجهات التي تقاتل فعليًا ضد الإرهاب."
وفي سيناء، ثمة تقارير عديدة تؤكد أن ما يُسمى بـ"ولاية سيناء" (فرع داعش) تلقّى تسهيلات لوجستية لا يمكن تفسيرها إلا بوجود تنسيق إسرائيلي-مصري غير معلن، خاصة في مرحلة تصفية المقاومة الفلسطينية من الحدود.
حتى في العراق، تم الكشف مرارًا عن أن داعش لم تشتبك مع البشمركة الكردية المدعومة من واشنطن وتل أبيب، بل خصّت معاركها ضد الجيش العراقي والحشد الشعبي، أي ضد القوى التي تُصنّف في خانة "محور المقاومة".
56. الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي: أذرع ناعمة لإجهاض الحلم العربي وتبرير العجز
1. الجامعة العربية: مقبرة القرارات… ومطية الأنظمة
منذ تأسيسها عام 1945، قدّمت الجامعة العربية نفسها كإطار وحدوي عربي يعكس "الإرادة الجماعية"، غير أن التاريخ أثبت العكس:
▪︎.في كل الحروب الكبرى التي خاضتها الأمة ضد الاستعمار أو الكيان الصهيوني، كانت الجامعة العربية حاضرة فقط ببيانات الشجب والتنديد، وكأنها دائرة صحفية لا كيان سيادي.
▪︎.بعد النكبة 1948، لم تضع الجامعة أي خطة مقاومة عملية، بل غطت على خيانة بعض الجيوش العربية.
▪︎. في الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، ثم في الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، وفي حروب غزة، لم تخرج الجامعة عن موقف المتفرج، وكأن فلسطين ليست "قضية العرب الأولى"، بل "عبء العرب الأول".
وكما قال الكاتب السوري سعد الله ونوس:
"الجامعة العربية موجودة لتضفي شرعية على العجز، وتلبس الهزيمة لباس التوافق العربي."
بل إن أسوأ ما في الجامعة العربية ليس صمتها، بل دورها النشط في كبح جماح المقاومة، إذ كانت رأس الحربة في:
تجميد عضوية سوريا بذريعة الثورة، لفتح الباب أمام التدخلات الغربية.
إعادة دمج النظام السوري الآن دون محاسبة، في مشهد يجسّد التسويات القذرة.
ترويج "مبادرة السلام العربية" (2002)، التي قدمت للعرب سقفًا للتنازل وأفقًا للاستسلام، مقابل تطبيع مجاني وفارغ من أي مضمون عملي.
2. منظمة التعاون الإسلامي: من "أمة الإسلام" إلى "أمة المؤتمرات"
تأسست سنة 1969 بعد حريق المسجد الأقصى، تحت شعار "التضامن الإسلامي"، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى جسم بيروقراطي عاجز:
▪︎ .لم تصدر المنظمة في تاريخها أي قرار فعّال يلزم الدول الأعضاء بقطع العلاقات مع الكيان، أو فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية.
▪︎. كانت منصة لتمرير التطبيع بهدوء عبر مخرجات "الحوار الديني" و"التسامح مع الآخر"، الذي استُخدم كمصطلح لتبييض جرائم الصهيونية.
▪︎. بعض دولها الأشد تأثيرًا (مثل تركيا وقطر والسعودية في فترات معينة) كانت تتعاون أمنيًا أو اقتصاديًا أو استخباراتيًا مع الكيان، دون أيّ مساءلة داخل المنظمة.
كما كتب المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد:
"كلما توسعت المنظمات الإسلامية أو العربية، ضاقت آفاق المقاومة، لأن تمثيل الأمة صار أداة لكبح الأمة."

3. صمت قاتل… وشراكة ضمنية
حين يُقصف أطفال غزة ويُدفن أهل رفح أحياء، تكتفي هذه الكيانات بـ:
▪︎ اصدار بيان بعد أربعة أيام من بدء العدوان.
▪︎.استخدام عبارات "ندعو الطرفين لضبط النفس"، وكأن القاتل والمقتول سواسية.
▪︎. ارسال وفود "إنسانية" مكونة من بيروقراطيين وديبلوماسيين لا يملكون سوى الكاميرات.
هي ليست منظمات صامتة، بل منظمات تغسل الجريمة وتبررها بلغة الحياد والتعقّل.
كما قال المفكر المغربي عبد الله العروي:
"الحياد في معركة الحق باطل، وإن لبس ربطة عنق وتحدث لغة القانون."
57. الجامعة العربية: جهاز مخترق صهيوني-أمريكي وأداة بيد الإمبريالية الغربية داخل قلب الأمة العربية
لا يمكن فهم واقع الجامعة العربية إلا من خلال الاعتراف بأنها ليست مجرد منظمة عربية تجمع الدول، بل هي أداة استخباراتية وسياسية مركبة اخترقتها وتسيطر عليها قوى خارجية، خصوصًا الصهيونية والأمريكية، بالإضافة إلى النفوذ الغربي العام.
▪︎. الهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية على الجامعة ليست خيالاً أو نظرية مؤامرة، بل هي حقيقة نابعة من السيطرة الأمريكية على مؤسسات القرار في المنطقة، والتي تستخدم الجامعة كواجهة لتبرير مصالحها.
▪︎. مخابرات إسرائيل وأجهزة المخابرات الأمريكية تدخلت بشكل مباشر وغير مباشر في تشكيل سياسات الجامعة، بل وفي اختيار أعضائها وأمينها العام، وحتى في صياغة قراراتها، لتضمن تفعيل خطط التطبيع والتطويق لفلسطين.
▪︎.الجهود المبذولة لضمان بقاء الأنظمة العميلة داخل الجامعة، مثل الأنظمة الخليجية والمصرية والأردنية، تحولت الجامعة إلى منبر لتمرير "مبادرات سلام" وهمية أو بيانات شجب لا تؤثر على الأرض.
▪︎.دور الجامعة في تصفية القضية الفلسطينية داخليًا عبر استبعاد فصائل المقاومة وحصرها في إطار سياسي يخدم مصالح الاحتلال.
قال المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد عن الجامعة:
"هي ليست إلا واجهة تخفي تحالفات القوى الخارجية مع نخبة عربية فاسدة تعتقد أنها تدير الصراع، في حين تُدار هي نفسها."
كما أوضح المفكر اليساري اللبناني إميل حبيبي:
"الجامعة العربية كانت، وما زالت، جهازًا مركزيًا لضبط الأمة، ليس لإصلاحها."
هذا الجهاز المختطف هو أحد أهم أدوات الإمبريالية في تفكيك وحدة الأمة العربية، وإجهاض أي مقاومة حقيقية، وتأمين بقاء الاستعمار الجديد في المنطقة.
58. زيارة ترامب لدول الخليج: قمة خليجية موازية للتقسيط مع الإمبريالية الأمريكية
▪︎. الزيارة ليست بريئة، بل هي رسالة واضحة لمن يعتقد أنه قادر على تحدي الهيمنة الأمريكية أو التخلي عن التطبيع مع الكيان الصهيوني. ترامب جاء ليؤكد استمرار العلاقة الوطيدة بين واشنطن وهذه الأنظمة، وللضغط على من تبقى من مقاومين أو مترددين داخل المنطقة.
▪︎. قمة خليجية موازية تحت غطاء اقتصادي: رغم الحديث عن التعاون الاقتصادي والاستثمار، إلا أن الجوهر الحقيقي للزيارة هو تركيع من لم يركع، وهو ما عبر عنه ترامب بسخائه في تلقي المليارات من الدولارات من خزائن هذه الدول، كنوع من "تقسيط" الولاء السياسي مقابل الحماية الأمريكية.
▪︎ .الأنظمة الخليجية تدفع ثمنًا باهظًا: مقابل هذا الدعم، تُغلق الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ويُعزز التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، ويتم تأمين مصالح الشركات الأمريكية الكبرى في النفط، الأسلحة، والبنية التحتية.
▪︎. الزيارة تشكل ضغطًا مزدوجًا على الجامعة العربية التي كان من المفترض أن تناقش قضايا الأمة، لكن بدلاً من ذلك، تأتي هذه الجولة لتُسقط أي آمال في مواقف عربية مستقلة أو مقاومة جادة للكيان.
▪︎. ترامب كرمز لسياسة الابتزاز الجديدة: إذ أنه لم يأتِ فقط ليبحث عن اتفاقات اقتصادية، بل ليحصّل "فدية سياسية" ويضمن بقاء النفوذ الأمريكي في الخليج، مع إبقاء القضية الفلسطينية في دائرة التهميش.
زيارة ترامب ليست مجرد زيارة، بل هي استعراض للقوة الإمبريالية التي تفرض على الأنظمة الخليجية شروطها السياسية والاقتصادية، وتجعل من القضية الفلسطينية ورقة تفاوضية تُصرف على مذبح مصالح هذه الأنظمة
كما ذكر المفكر اليساري العربي رياض النجار:
"اللقاءات التي تسبق مؤتمر الجامعة العربية تشير إلى أن الجامعة ليست سوى مسرح للدمى، حيث تٌجسد سياسات الغرب والإمبريالية، وتُكمم الأفواه التي تطالب بالتحرر."
59. زيارة ترامب لدول الخليج قبيل مؤتمر الجامعة العربية: قمة خليجية موازية وابتزاز سياسي واقتصادي في خدمة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية
زيارة ترامب في مايو 2025 إلى السعودية، الإمارات، وقطر، تزامنت مع انعقاد مؤتمر الجامعة العربية، ولم تكن مصادفة بل هي جزء من مخطط استراتيجي معقد تهدف من خلاله الإمبريالية الأمريكية إلى ترسيخ هيمنتها على المنطقة وإجهاض أي مقاومة حقيقية ضد الكيان الصهيوني. في العمق، يمكن تفكيك هذه الزيارة على عدة مستويات:
▪︎.الزيارات كأدوات لفرض التبعية وترسيخ "الاستقرار" الموجه
زيارة ترامب جاءت لترسخ ما يمكن تسميته بـ"الاستقرار الموجه"، وهو استقرار يبقى على حساب مطالب الشعوب وحقوقها، حيث تُفرض أنظمة موالية تبيع قضيتها الوطنية والقومية عبر تبني سياسة التطبيع مع العدو الصهيوني، وارتباط وثيق بالمخططات الأمريكية.
هذا الاستقرار لا يهدف إلى حرية الشعوب أو استقلال القرار، بل إلى ضمان مصالح الإمبريالية في النفط، الأسواق، قواعد عسكرية، وتأمين خطوط النقل.
المفكر اليساري الأمريكي نوام تشومسكي أكد منذ سنوات أن:
"الاستقرار الذي ترعاه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو استقرارٌ هشّ، قائم على الاستبداد والفساد، وعلى تهميش الشعوب، لا على الحرية أو العدالة."
▪︎.تطبيع العلاقات وتسريع "صفقات القرن" تحت غطاء اقتصادي
الرواية الرسمية للزيارة كانت تسويق التعاون الاقتصادي والاستثماري، لكن الواقع يؤكد أن الصفقة الحقيقية كانت سياسية بامتياز، حيث تستثمر الأنظمة الخليجية في تعزيز علاقاتها مع واشنطن ليس فقط كزبائن للأسلحة، بل كشركاء في تنفيذ مشروع التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، الذي بات يشمل تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى مجرد "نزاع حدودي" يُعالج عبر القنوات الدبلوماسية الخانعة.
المفكر العربي اليساري صلاح عيسى كتب:
"الأنظمة الخليجية باتت تمارس دور الشريك المطبّع في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، تحت شعار المصالح الاقتصادية، التي هي في الحقيقة أدوات إملاء أمريكي لصالح مشاريع الهيمنة."
▪︎. الابتزاز السياسي والمالي: تريليونات مقابل الولاء
ترامب لم يأت فقط طالباً دعمًا سياسياً، بل قام بعملية "تحصيل فدية" عبر تلقي تريليونات الدولارات من خزائن هذه الدول، في صورة صفقات سلاح، استثمارات، وتسويات مالية، تأكيدًا على أن ولاء هذه الأنظمة قابل للشراء والبيع، وأن هذه الأموال تُستخدم في تمويل الأجهزة الأمنية، وحماية الأنظمة من ثورات شعوبها التي تكشف الخيانة الوطنية.
المحلل السياسي الفلسطيني صبري الخوري قال:
"الصفقات المالية الكبيرة مع واشنطن ليست إلا تثبيتاً لاحتلال سياسي جديد، حيث تُباع القضايا الوطنية الكبرى بثمن بخس من المال، وما تبقى من كرامة وطنية يذوب في بريق الدولار."
▪︎. ضرب أي محاولة للضغط على الاحتلال داخل جامعة الدول العربية
بفضل هذه الزيارات وتفاهمات ما قبل مؤتمر الجامعة، تم توجيه الجامعة لتكون منصة تأييد لسياسات التطبيع، مع التركيز على بيانات شجب لا تلامس جوهر الاحتلال، بل تبرز كأدوات تضليل للرأي العام العربي والدولي، وتحييد أية مقاومة جدية.
المفكر الفلسطيني إياد أبو العينين قال:
"جامعة الدول العربية باتت مجرد هيئة بروتوكولية، لا تأثير لها على الأرض، تعمل على تجميل وجه الاحتلال إعلامياً عبر بيانات صورية لا أكثر."
▪︎.تركيع من لم يركع: رسائل إلى دول أخرى
الزيارة تمثل كذلك رسالة واضحة لكل من يظن أنه يمكنه الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية، أو مقاومة التطبيع، فالرسالة تقول: "الولاء السياسي يأتي أولاً، والاقتصاد مجرد غطاء لتأكيد هذا الولاء". النظام السعودي، الإماراتي، والقطري مثلوا المخلصين لهذا الدور، بينما أنظمة أخرى تحت المراقبة تنتظر حسابها.
الكاتب اللبناني اليساري سمير قصير كان يقول:
"الهيمنة لا تأتي فقط عبر القمع العسكري، بل عبر شبكة من الولاءات المالية والسياسية تُجبر الدول على الخضوع، حتى وإن بدت متباعدة."
▪︎.تجديد المليشيات الأمنية لحماية الأنظمة العميلة
المال الأمريكي والخليجي يذهب أيضاً لتمويل الأجهزة الأمنية، القمع الداخلي، والتدخل في شؤون الدول المجاورة، لمنع قيام أي حركة مقاومة شعبية حقيقية أو ثورات تزعزع أنظمة العملاء.
▪︎.الدور الصهيوني في تسهيل واستثمار الزيارة
الكيان الصهيوني بدوره استثمر هذه الزيارة لتوسيع نفوذه وشرعنته عبر دول الخليج، حيث تشكلت قنوات خلفية وتنسيق أمني وسياسي مكثف، وصولاً إلى تبادل معلومات أمنية لإجهاض أي تحرك فلسطيني أو عربي مقاوم.
زيارة ترامب لدول الخليج قبيل مؤتمر الجامعة العربية ليست مجرد لقاء دبلوماسي روتيني، بل هي عملية تقسيط سياسية واقتصادية تجسد طبيعة الهيمنة الإمبريالية على المنطقة، وتمثل رسالة واضحة بأن قضية فلسطين لن تجد حاضنة عربية حقيقية طالما استمرت هذه الأنظمة في هذا الطريق.
إنها زيارة تعبر عن "صفقة القرن" بوجهها الخليجي، حيث يتم بيع القضايا الوطنية وحقوق الشعوب بثمن من المال، مقابل حماية أمن الأنظمة وبقاء مصالح القوى الإمبريالية.
كما قال المفكر اليساري الفرنسي رومان رولان:
"الاستعمار لا يموت، بل يتبدل وجوهه، ويتحول إلى إمبريالية اقتصادية وسياسية، تستغل انقسامات الداخل لتبقى سيداً."
60. تقسيم الأدوار بين الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية: تحالف الهيمنة في قلب الصراع العربي الصهيوني
في سياق الصراع العربي الصهيوني، لا يمكن فهم مآلات القضية أو استمرارية الاحتلال والتوسع الاستيطاني دون التمعن في علاقة المحور الصهيوني الأمريكي، الذي يشكل تحالفًا استراتيجيًا وظيفيًا يجمع بين إمبريالية أمريكية عولمية وقوة استعمارية صهيونية تهدفان إلى فرض السيطرة على المنطقة بآليات مختلفة لكنها متكاملة.

▪︎.الكيان الصهيوني: اليد التنفيذية والواجهة العسكرية على الأرض
الكيان الصهيوني، منذ نشأته في 1948، يعتبر الأداة التنفيذية المباشرة للإمبريالية في فلسطين والمنطقة. فهو الجناح العسكري والاحتلالي، الذي يقوم بالاستيطان، القمع، التهجير، وارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، كجزء من مشروع توسعي استعماري يستهدف السيطرة على الأرض والثروات.
كما يقول المفكر اليساري الفلسطيني إدوارد سعيد:
"الصهيونية ليست مجرد حركة قومية، بل أداة استعمارية مرتبطة بالإمبريالية العالمية، تستهدف بسط النفوذ والسيطرة على المنطقة بحماية القوى العظمى."
الكيان هو من ينفذ الحروب والعمليات العسكرية مثل العدوان على غزة، واحتلال الضفة الغربية، ويشرف على بناء المستوطنات التي تسعى لتقسيم الضفة وتفكيك النسيج الوطني الفلسطيني.
الكيان يدير الأجهزة الأمنية، التي تكافح المقاومة الشعبية، ويدير سياسة التطهير العرقي والتطبيع القسري مع سكان فلسطين التاريخية.
▪︎.الإمبريالية الأمريكية: الراعي السياسي والاقتصادي والاستراتيجي
الإمبريالية الأمريكية تتخذ دورًا رئيسيًا في دعم الكيان، ليس فقط بالسلاح والمال، بل بالغطاء السياسي والدبلوماسي. فهي التي تحمي الكيان في المحافل الدولية، وتفرض السياسات التي تضمن بقاءه.
كما وصف المفكر اليساري الأمريكي هاورد زين العلاقة:
"الولايات المتحدة تملك اليد العليا في اللعبة، فهي التي تمنح الشرعية، الدعم العسكري، والغطاء السياسي اللازم لكيان لا يستطيع البقاء دون حمايتها."
أمريكا تمنع أي قرار دولي يهدد الكيان في الأمم المتحدة، وتحميه من العقوبات.
تقدم دعماً عسكرياً ضخمًا ومستمرًا (يُقدّر بمليارات الدولارات سنويًا).
تدير شبكة من التحالفات الإقليمية التي تضمن سيطرة الكيان على المنطقة، عبر دول خليجية متحالفة (السعودية، الإمارات، قطر، وغيرها).
▪︎. تقسيم الأدوار الوظيفي: تكامل في الاستعمار
هذا التحالف يقوم على تقسيم أدوار واضح:
الكيان الصهيوني يتولى الأرض والعنف المباشر، فهو القوة العسكرية التي تمارس القتل، الاستيطان، والاحتلال.
الإمبريالية الأمريكية تتولى الإدارة العالمية للملف، عبر الضغط السياسي والدبلوماسي، وتنسيق التحالفات الإقليمية، والحفاظ على النظام العالمي الرأسمالي الذي يخدم مصالحها.
يشرح المفكر اليساري اللبناني علي حرب:
"هذه العلاقة تقوم على مبدأ المسؤولية المشتركة : أمريكا تحمي الكيان، والكيان ينفذ السياسات القذرة على الأرض، وكل منهما يكمل الآخر."

▪︎. توزيع المسؤوليات في إدارة الصراع وإعادة تشكيل المنطقة
الكيان الصهيوني يقوم بعمليات "التغيير الديمغرافي" عبر تهجير الفلسطينيين وضم الأراضي، وخلق وقائع على الأرض تصعب العودة والحل العادل.
الإمبريالية الأمريكية تتدخل في المنطقة عبر حروب بالوكالة، دعم أنظمة عميلة، وضرب حركات المقاومة التي تهدد نفوذها.
أمريكا تستخدم "الإرهاب الدولي" و"محاربة الإرهاب" كذريعة لقمع الحركات التحررية، في حين يسمح الكيان بمستعمراته بالبناء والتمدد.
▪︎. المواجهة الدبلوماسية والقانونية
في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، تلعب أمريكا دور "الفيتو" لتمنع أي قرار ضد الكيان، وتحافظ على وضعه القانوني ككيان غير مسؤول.
المفكر الفلسطيني حسن عبد الوهاب يقول:
"واشنطن تمنع أي مساءلة دولية للكيان، وتحول دون تطبيق القانون الدولي على الاحتلال، مما يعطي الاحتلال غطاءً شبه كامل لجرائمه."
▪︎. المشروع الإيديولوجي: الهيمنة الصهيونية والهيمنة الإمبريالية
الكيان الصهيوني يحمل أيديولوجية استعمارية عنصرية تقوم على فصل الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم، في حين الإمبريالية الأمريكية تنشر أيديولوجية العولمة الرأسمالية التي تدمج هذه السيطرة ضمن نظام عالمي جديد يحافظ على مصالحها عبر استغلال الصراعات الإقليمية.
المفكر العربي اليساري محمد شحرور قال:
"العولمة الأمريكية تستخدم الصراعات الإقليمية كأداة لبسط هيمنتها، في حين الصهيونية تُمارس استعمارًا عنصريًا داخليًا."
الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية يشكلان تحالفًا استعماريًا متكاملًا ومترابطًا، حيث تكمن قوة الكيان في إمكانياته العسكرية وقدرته على إدارة الأرض بالقوة، بينما تبرز الإمبريالية الأمريكية كالداعم السياسي والاقتصادي الأساسي، وراعي الهيمنة الإقليمية.
هذا التقسيم الوظيفي لا يتيح للفلسطينيين والعرب سوى خيار المقاومة الشاملة، التي يجب أن تكون سياسية وعسكرية ودبلوماسية، لفضح هذه العلاقة، وتفكيكها لصالح نضال شعوبنا من أجل الحرية والكرامة.
▪︎. التواطؤ الأمريكي مع الأنظمة العربية العميلة لتعزيز الكيان
جزء من تقسيم الأدوار يشمل دور الولايات المتحدة في دعم وتحريك الأنظمة العربية التي تقبل التطبيع مع الكيان، وتستخدم هذه الدول لتمرير المشاريع الإمبريالية التي تدفع القضية الفلسطينية إلى هامش الاهتمام.
هذه الأنظمة تقدم الدعم السياسي والاستخباراتي للكيان، وتسهل من عمليات التجسس والتنسيق الأمني مع إسرائيل، مما يكرس تقسيم أدوار بين الأطراف المعنية.

▪︎. الشبكات الاستخباراتية المشتركة ودور الولايات المتحدة في دعم أمن الكيان
الولايات المتحدة لا تكتفي بالدعم السياسي والمادي، بل تلعب دورًا مركزيًا في أمن الكيان عبر:
• التعاون الاستخباراتي بين وكالة المخابرات الأمريكية CIA، ووكالة الأمن القومي NSA، مع المخابرات الإسرائيلية "الموساد" والشاباك.
• عمليات التجسس الإلكترونية، وحرب المعلومات، التي تستهدف حركات المقاومة والمجتمعات العربية.
المفكر اليساري الإسرائيلي إيلان بابيه وصف هذا التكامل قائلاً:
"الموساد وCIA يعملان كيد واحدة لضرب أي تهديد يواجه الكيان، وتدجين الأنظمة العربية."

▪︎. التحولات الدولية وتأثير الصراع
الصراع العربي الصهيوني ليس مجرد نزاع محلي أو إقليمي، بل جزء لا يتجزأ من النظام العالمي الجديد، حيث تلعب الولايات المتحدة وإسرائيل دور الحارس والحارس الخاص لأجندات الهيمنة.
الحرب الباردة انتهت، لكن التنافس بين القوى الكبرى يحتدم عبر الشرق الأوسط.
الولايات المتحدة تستخدم إسرائيل كعمود فقري لاستراتيجية احتواء الصين وروسيا في المنطقة.
هذه الاستراتيجية جعلت الدعم الأمريكي للكيان أكثر صرامة وتشدداً.
المفكر اليساري الأمريكي برانكو ميليشيفيتش يقول:
"إسرائيل هي جيب أمريكي داخل الشرق الأوسط، تُستخدم لمواجهة النفوذ الصاعد، وتحقيق مصالح الإمبريالية في عالم متعدد الأقطاب."

▪︎. التطور والتكامل
الكيان الصهيوني هو الوجه العسكري المباشر للمشروع الاستعماري في فلسطين والمنطقة.
الولايات المتحدة هي الراعي السياسي والاقتصادي، تدير العملية من الخلف، وتحول دون مساءلة الكيان في المحافل الدولية.
هناك تكامل وظيفي واضح يربط بين القوة العسكرية والاحتلالية للكيان، والغطاء الإمبريالي الأمريكي الاستراتيجي.
الأنظمة العربية العميلة تعمل كحلفاء ثانويين لهذا المشروع، وتتقاسم أدوار المساومة وقمع المقاومة.
هذا التقسيم يجعل المقاومة الشاملة هي الخيار الوحيد أمام الشعب الفلسطيني والأمة العربية، لمواجهة الهيمنة المشتركة.
61. الصين: الخصم الصامت – القوة الاقتصادية الصاعدة بتكتيك عدم التصادم المباشر
موقفها من القضية الفلسطينية
الصين تعترف بدولة فلسطين منذ 1988، وتدعم حل الدولتين، وتصدر مواقف ديبلوماسية تدين الاحتلال، لكن دون مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني.
▪︎. سبب الحذر الصيني:
الصين لا تريد مواجهة عسكرية أو حتى سياسية مباشرة مع إسرائيل، لأنها تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط تدريجياً عبر الاقتصاد، وتعلم أن مواجهة الكيان تعني الاصطدام بالمظلة الأمريكية التي تحميه.
▪︎. دور مبادرة "الحزام والطريق":
الصين تبني تحالفات اقتصادية قوية مع دول عربية عديدة مطبّعة (الإمارات، السعودية، مصر)، وتفضل ألا تثير خلافات مع هذه الأنظمة عبر ملف فلسطين.
المفكر اليساري الصيني "وو تشي بينغ" كتب:
"الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس صراعنا المركزي، لكن نتفهم أنه صراع مقاومة ضد الامبريالية التي تهددنا أيضاً."
الصين تقف مع فلسطين رمزياً، لكنها تتعامل ببراغماتية، ولا ترى من مصلحتها الآن التصادم مع إسرائيل أو حلفائها، وهي تراهن على استنزاف الإمبريالية الأمريكية على المدى البعيد، وليس كسرها بالمواجهة المباشرة.

62. روسيا: الوريث القيصري الجديد – من حليف للمقاومة إلى وسيط نفعي
دورها في سوريا:▪︎
روسيا أنقذت نظام الأسد، لكن مقابل تثبيت قواعدها العسكرية والتحكم بميزان القوى الإقليمي. ولم تحرك ساكناً إزاء الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا.
علاقاتها مع الكيان الصهيوني:▪︎
موسكو تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية قوية مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته تواصل التنسيق العسكري معها في سوريا، وهو ما يثير تساؤلات حول حقيقة دعمها للمقاومة.
موقفها في مجلس الأمن:▪︎
روسيا استخدمت الفيتو لصالح سوريا، لكنها لم تستخدمه في ملفات فلسطين إلا نادراً، مما يعكس أنها تتعامل بميزان المصالح لا المبادئ.
المفكر الروسي "ألكسندر دوغين" (نظّر للإمبراطورية الأوراسية) قال:
"الصراع في الشرق الأوسط ليس مجرد خلاف ديني أو قومي، بل صراع على السيادة بين منظومتين عالميتين، ونحن نرى في الهيمنة الأمريكية تهديداً لروسيا كما تهدد فلسطين."
روسيا تلعب ورقة "الوسيط"، تحاول الاستفادة من الصراع دون التورط فيه مباشرة، وتقدم دعمًا محسوبًا لبعض قوى المقاومة، لكنها في الواقع شريك في ضبط التوازن، وليست قوة تحرر ثورية.

63. كوريا الشمالية: العدو العقائدي للصهيونية – صوت ثوري وحيد في عزّ الصمت العالمي
موقفها الثابت والصريح:
كوريا الشمالية لا تعترف بوجود "إسرائيل" أصلاً، وتعتبرها "كيانًا لقيطًا" أنشأته الإمبريالية.
دعمها التاريخي للمقاومة الفلسطينية:
دعّمت كوريا الشمالية تدريبيًا ولوجستيًا عددًا من فصائل المقاومة (مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وأعلنت عدة مرات دعمها للكفاح المسلح.
خطابها الأيديولوجي:
كوريا الشمالية تعتبر أن المعركة ضد الصهيونية هي معركة ضد الإمبريالية الأمريكية بالأساس، وترى فلسطين رمزًا للمظلومية الكونية، تمامًا مثل كوريا المقسّمة.
قال الزعيم الراحل كيم إيل سونغ:
"فلسطين ليست فقط أرض شعب محتل، بل هي مرآة للضمير الإنساني... لا يمكن أن تتحرر كوريا إذا بقيت فلسطين تحت الاحتلال."
كوريا الشمالية تمثل الضمير الثوري العالمي في هذا الملف، لكنها معزولة ومحرومة من أدوات التأثير المباشر، نتيجة الحصار والشيطنة الغربية، وهو ما يُضعف من قدرتها على التأثير الميداني.

64. هل يشكل الثلاثي (الصين – روسيا – كوريا الشمالية) محورًا مقاومًا عالميًا؟
لا يوجد تحالف أيديولوجي موحد بين هذه الدول.
الصين وروسيا تبحثان عن مصالح استراتيجية، لا عن صراع تحرري جذري ضد الصهيونية.
كوريا الشمالية وحدها تتبنى خطابًا ثوريًا مناهضًا للصهيونية والإمبريالية، لكنها مكبلة دوليًا.
يقول المفكر الإيراني "صادق زيبا كلام":
"بين الصين البراغماتية، وروسيا المترددة، وكوريا المعزولة... وحدها الشعوب المظلومة قادرة على إشعال جذوة المقاومة."
الصراع مع الصهيونية ليس محصورًا في الجغرافيا العربية، بل هو صراع أممي بامتياز.
القوى العالمية الكبرى تتعامل مع هذا الصراع وفق ميزان الربح والخسارة وليس وفق مبدأ العدل أو التحرر.
المقاومة الحقيقية تبنى على تحالف أممي شعبي وثوري، لا على أنظمة ومصالح دولية متقلبة.
الرهان يبقى على حركات التحرر العالمية، والمقاومة الشعبية، والوعي الثوري الأممي.
65: أمريكا اللاتينية – الذاكرة الثورية الحية
☆الفية أيديولوجية: اليسار اللاتيني ونظرية العدو المشترك
أمريكا اللاتينية، منذ كاسترو وتشي غيفارا، تموقعت في خط نضال أممي ضد الإمبريالية الأمريكية، وأدركت مبكرًا أن الكيان الصهيوني ليس سوى ذراع استعماري دائم للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.
فلسطين بالنسبة لليسار اللاتيني ليست فقط أرضًا محتلة، بل رمزًا لذات المأساة التي عاشتها شعوب القارة من استيطان وإبادة واضطهاد طبقي.
مقولة تشي غيفارا الشهيرة:
"فلسطين هي الجرح المفتوح في جسد الإنسانية. ومن يقف ضدها، يقف مع الظلم والنهب والإمبريالية."

☆.مواقف تاريخية متقدمة
كوبا: قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل منذ 1973، وكانت داعمًا عسكريًا وسياسيًا لفصائل المقاومة.
فنزويلا تحت هوغو تشافيز ونيكولاس مادورو: طردت السفير الإسرائيلي، ودعمت حماس وحزب الله سياسيًا.
بوليفيا، نيكاراغوا، الإكوادور: حكومات يسارية دعمت القضية الفلسطينية ووصفت إسرائيل بأنها "كيان إرهابي".
☆. التحولات بعد "الربيع اليميني"
في العقد الأخير، عادت بعض الحكومات اليمينية إلى السلطة (البرازيل سابقًا مع بولسونارو، الأرجنتين مؤخرًا مع ميلي)، وبدأت تنسج علاقات مع الكيان الصهيوني.
لكن، لا تزال القاعدة الشعبية اليسارية والنقابات الطلابية والعمالية والمثقفين وفية لفلسطين، وتنظم سنويًا تظاهرات كبرى لدعم المقاومة.
☆. المفارقة: صمود الذاكرة الشعبية في مقابل خيانة الحكومات
الشعوب اللاتينية، خاصة الفلاحين والطبقات الفقيرة، ترى في فلسطين مرآةً لمأساتها التاريخية، وتتعاطف بشدة مع المقاومة.
في الأرجنتين مثلًا، نظّم اتحاد العمال مظاهرة مليونية ضد العدوان على غزة، رغم موقف الحكومة المتصهين.
66: إفريقيا – الذاكرة الاستعمارية وصراع الولاءات
☆. موقف التاريخي للاتحاد الإفريقي:
في السبعينات، كان صوت إفريقيا موحّدًا نسبيًا في دعم القضية الفلسطينية.
لكن مع التسعينات، بدأ الاختراق الصهيوني المنظّم، خاصة عبر المساعدات التكنولوجية والعسكرية لإثيوبيا، رواندا، أوغندا، والمغرب.
☆. الاختراق الصهيوني: إسرائيل كشرطي تكنولوجيا وأمن في إفريقيا
إسرائيل تقدم نفسها لإفريقيا كبديل عن الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وتبيع تقنيات الزراعة والمراقبة ومكافحة "الإرهاب".
هذا جعل العديد من الأنظمة (مثل إثيوبيا، الكاميرون، تشاد) تتحول إلى حلفاء استراتيجيين للصهيونية.
☆. لكن المقاومة موجودة
• جنوب إفريقيا: رغم التطبيع الرسمي، يبقى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ANC وفياً لفلسطين، ويصف الاحتلال بأنه نظام أبارتهايد صهيوني.
• الجزائر ومالي وبعض الحركات التحررية في السنغال والنيجر، ترى في فلسطين قضية إنسانية وثورية ضد الهيمنة الغربية.
☆. مقاومة التطبيع من تحت
حركات الشباب، جمعيات الطلاب، النقابات الفلاحية في كثير من الدول الإفريقية ترى في الكيان الصهيوني استعماراً جديداً بقناع التكنولوجيا.
وأُجهض منح إسرائيل صفة "مراقب دائم" في الاتحاد الإفريقي بفضل ضغط شعبي ودبلوماسي من الجزائر، جنوب إفريقيا، ونيجيريا.
☆. نحو مقاومة أممية شاملة
كما قالت المناضلة السوداء الأمريكية "أنجيلا ديفيس":
"من لم ير في غزة ساحة نضال أممي، لم يفهم بعد معنى العدالة."
الصراع مع الكيان الصهيوني لم يعد صراعًا عربيًا فقط، بل هو جبهة مواجهة أممية ضد الاستعمار الجديد.
من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا إلى آسيا، هناك وعي متزايد بأن:
o الكيان الصهيوني رأس حربة النظام النيوليبرالي العالمي.
o ومواجهته واجب كل القوى المناهضة للهيمنة الإمبريالية.
67: النسوية الغربية – بين انحراف النيوليبرالية والوعي النقدي المتصاعد
☆.النسوية النيوليبرالية والصمت الإجرامي
الكثير من الحركات النسوية "الرسمية" في الغرب (خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية) تمَّ احتواؤها ضمن منظمات تموّلها الشركات الكبرى، وأصبحت تستعمل لغة "التمكين" و"التحرر الفردي" بمعزل عن الصراع الطبقي والسياسي.
هذه الحركات سكتت عن المجازر في غزة، بل وبعضها انخرط في التنديد بـ"حماس"، على اعتبار أنها "قوة أبوية ذكورية إسلامية ضد حقوق المرأة"، في تجاهل كامل للسياق الاستعماري.
كما قالت سيمون دي بوفوار:
"من لا تكون ضد الاستعمار، لا يمكن أن تكون مع المرأة."
وهذا يفضح زيف تلك "النسوية" التي تساند الاحتلال.
☆. النسوية الراديكالية والمناهضة للاستعمار
بالمقابل، هناك صوت نسوي تقدمي متصاعد، يقوده مثقفات ومناضلات مثل:
أنجيلا ديفيس (الولايات المتحدة)
جوديث باتلر (فيلسوفة يهودية نقدت الاحتلال علنًا)
ناعومي كلاين (كاتبة وصحفية كندية)
هؤلاء النسويات يدركن أن تحرر المرأة لا يمكن فصله عن تحرير الشعوب من الاستعمار، وأن غزة ليست فقط مسألة "حرب"، بل ساحة عنف استعماري أبوي عرقي طبقي ضد النساء.

68: اليسار الغربي الجديد – عودة الوعي المضاد للصهيونية
●. ازمة اليسار التقليدي
الأحزاب الاشتراكية الأوروبية (مثل الحزب الاشتراكي الفرنسي أو حزب العمال البريطاني سابقًا) انهارت أو انخرطت في تواطؤ ناعم مع السردية الصهيونية.
بعضها صار يُدين مقاومة الفلسطينيين باسم "الاعتدال" و"الحلول السلمية".
●. ولادة يسار أممي جديد
ظهرت في السنوات الأخيرة قوى شابة يسارية، تؤمن بـ:
الربط بين النضال المناخي، والعدالة الاجتماعية، ومناهضة الاستعمار
رفض التحالف الصهيوني النيوليبرالي الذي يربط رأس المال العالمي بآلة القتل
أبرز هذه التيارات:
حركة Black Lives Matter الأمريكية: دعمت فلسطين علنًا.
منظمات طلابية في الجامعات الأمريكية (مثل Columbia، Harvard): اعتصموا ضد دعم إسرائيل علنًا رغم القمع.
اتحاد العمال الإيرلنديين: صوّت لصالح مقاطعة إسرائيل بشكل كامل.

69: نحو تحالف عالمي للمضطهدين
كما قال فرانز فانون:
"كل مستعمَر يملك وجعًا مشتركًا، مهما تباعدت الجغرافيا وتعددت اللغات."
ما يجمع جنوب إفريقيا، غزة، بوجوتا، باريس الفقيرة، ومنطقة الساو باولو المنسية، هو:
هيمنة نظام عالمي واحد.
مركزه الإمبريالية الغربية، وذراعه العسكرية–الإيديولوجية: الكيان الصهيوني.
لهذا، فإن بناء جبهة عالمية مقاومة تضع فلسطين كمفتاح للفهم والتحرر، ليس فقط خيارًا أخلاقيًا، بل ضرورة استراتيجية.
لم يعد من الممكن الاستمرار في ترف التحليلات المحايدة ولا في ترف التسويات "العاقلة". نحن في زمن انحياز مطلق: إمّا أن تكون مع المقهورين أو مع القاهرين. مع الأطفال تحت الركام أو مع الطائرات التي تقصفهم. مع الشعوب أو مع العروش.
ما كشفته الحرب الأخيرة في غزة – ومعها يقظة أنصار الله في اليمن، وتحدي حزب الله في الجنوب، وصمود المقاومة في العراق وسوريا – هو أن محور المقاومة، برغم الحصار والخسائر والتضحيات، لا يزال حيًا، نابضًا، يطعن المنظومة من قلبها.
لكن المحور لا يكفي. فالمعركة أكبر من المشرق العربي. نحن نحتاج إلى إعادة بناء جبهة أممية مقاومة، لا على أسس أيديولوجية مغلقة، بل على أساس وعي تاريخي واضح بأن الصراع مع الصهيونية ليس صراع حدود، بل صراع نظام عالمي. ليس معركة فلسطين فقط، بل معركة الإنسانية.
الصهيونية اليوم هي الوجه القبيح للامبريالية، وهي تسعى لتصدير نموذجها إلى باقي العالم:
عبر اختراق المجتمعات،
شراء النخب،
تجنيد الإعلام،
شيطنة المقاومة،
و"إسرائيلة" العالم العربي رويدًا رويدًا.
وهنا تطرح مهمات كبرى على المثقفين، الإعلاميين، النقابات، الحركات الطلابية، الجاليات العربية، الحركات المناهضة للعولمة، وعلى كل من لا يزال يؤمن بكرامة الإنسان.
علينا أن نطرح اليوم، لا شعارات فضفاضة، بل مشروعًا كاملاً يتضمن:
فضح أدوات الهيمنة الإعلامية،
تفكيك خطاب التطبيع،
تحشيد الجماهير،
تأسيس ميثاق مقاومة أممي،
ودعم البؤر الثورية القابلة للاشتعال.
"في زمن الانحطاط، تكون المقاومة شرفًا"، كما قال جوليان أسانج، و"في الزمن الذي يصبح فيه قول الحقيقة ثورة، فقولها واجب"، كما أكّد جورج أورويل.
ليست هذه الخاتمة، بل بداية لصياغة جبهة جديدة. جبهة تعرف عدوها، وتحدد بوصلتها، وتبني أدواتها من صلب معاناة الشعوب. جبهة أممية، عربية، إسلامية، إنسانية، لكن قبل كل شيء: ثورية، مناضلة، لا تخاف الصدام.
لأن التاريخ لا يصنعه "المعتدلون"، بل تصنعه أقلية حازمة، شجاعة، تُفضّل النار على الركوع.



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في المجموعة القصصية -ولع السّباحة في عين الأسد- ...
- الإمبريالية الأمريكية بنَفَس ترامب: وقاحة القوة ونهاية الأقن ...
- ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة
- القصيدة ما بعد الّنثر
- افكار حول البناء القاعدي والتسيير
- قراءة في مجموعة -نون أيار- للشاعرة نسرين بدّور.
- القصيد ما بعد النّثر
- بيان
- بكاءُ السُندسِ في المنفى....
- عيد الشّغل: من نضال طبقي إلى مناسبة رسمية بروتوكولية.
- الحداثة وما بعد الحداثة بين ديكتاتورية البرجوازية وخيانة الت ...
- مراجعة مجلّة الشّغل التّونسية: بين تعزيز الاستغلال الرّأسمال ...
- نساء بلادي أكثر من نساء و نصف
- النّضال من أجل الدّيمقراطية والحرّيات العامّة والخاصّة
- الدولة البوليسية المعاصرة
- إرهابيّ أنا
- حاسي الفريد / ما يشبه القصّة
- المركزية الديمقراطية
- عالم يُنتج وآخر يستهلك: الثورات الصناعية الاربعة
- الصهيونية العربية: خيانة الداخل وخنجر في خاصرة الأمة


المزيد.....




- إسرائيل تكثف ضرباتها ضد إيران وطهران ترد بوابل صاروخي على حي ...
- الحرس الثوري يعلن تنفيذ موجة جديدة من الهجمات ضد إسرائيل أقو ...
- -واينت-: مقتل 3 إسرائيليين جراء إصابة مباشرة بصاروخ إيراني ف ...
- الجيش الإسرائيلي يمنع نشر معلومات أو لقطات للقصف الإيراني وس ...
- لقطات لحرائق ودمار واسع في تل أبيب جراء القصف الإيراني غير ا ...
- لماذا فرضت إسرائيل حصارا تاما على الضفة أثناء قصف إيران؟
- بدء هجوم صاروخي إيراني واسع على إسرائيل الآن وصفارات الإنذار ...
- لقطات فيديو لسقوط صواريخ إيرانية على مناطق متفرقة في إسرائيل ...
- يديعوت أحرنوت: هجوم إيراني جديد بالطائرات المسيرة من المناطق ...
- مباشر: موجات متتالية من القصف والصواريخ بين إسرائيل وإيران ت ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - رياض الشرايطي - غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية بدعم إمبريالي و خيانات العرب المكشوفة و الخفية