|
قراءة في قصّة “رحاب” من المجموعة القصصية - بلايك - للشاعر و السارد منذر العيني .
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 14:01
المحور:
الادب والفن
تقدّم قصة “رحاب” (من مجموعة “بلايكْ” للكاتب منذر العيني) نموذجا صارخا لتجسيد الصراعات الطبقية، والقهر الجندري، وتحوّل الواقع إلى مسرح يفضح الأوضاع الاجتماعية المنحرفة. عبر لغة جمعت بين النثر الشعريّ والحوار المسرحيّ، يستدعي العيني في هذه النصوص ضمير القارئ اليساريّ ليفكّ شفرات الطبقات المهشمة، ويكشف كيف تؤدّي العائلة، والمال، والسلطة الأبوية، والأعراف الاجتماعية إلى إعادة إنتاج القهر والاستغلال. يقول دوستويفسكي: "الجمال سيخلّص العالم"، لكن أيّ جمال يقصده؟ أهو الجمال الذي يُبنى على الصدق؟ أم ذاك الذي يتآلف مع القبح حتى يُنتج تراجيديا الإنسان المعاصر؟ في قصة "رحاب"، لا نقرأ فقط حكاية فتاة تعيش تمزّقًا داخليًا بين حبّها للفنّ وحقيقتها المأساوية، بل نقرأ وجع جيل بأكمله، جيل لم يرث عن الماضي سوى نُسَخ مشوهة من القيم، ولم يملك من المستقبل سوى أوهام من ورق. العمل القصصي، في ظاهره، سرد لحكاية فتاة مسرحية وجَدّ مثقل بالحنين وأمّ منهارة، لكنّه في عمقه حفْرٌ وجودي في علاقة الفن بالهوية، والجسد بالذاكرة، والأنوثة بالتمرد. رحاب ليست بطلة فردية، بل تمثّل نموذجا للمرأة العربية العالقة في خنادق متعددة: خندق العائلة، خندق المجتمع، وخندقها الداخلي المُمزَّق بين الحرية والانتماء. هي أشبه بميديا العصر الحديث، تحاول أن تصرخ وسط ركام الصمت، لكن صراخها لا يُسمع إلا على ركح بائسٍ تُضاء فيه الأضواء لحظات، ثم تنطفئ لتتركها وحدها في العتمة. في هذا النص، نستشف حضورا لافتا للثنائية: بين الجَدّ والأب، بين الأم والابنة، بين الذكر والأنثى، بين الشمال والجنوب، بين الداخل والخارج... وتلك الثنائيات لا تُفضي إلى حلول، بل إلى مزيد من التعقيد والتمزّق الوجودي. وكأن الكاتبة – أو الكاتب – أراد أن يقول إن الحل لا يكون بالخروج من الدوامة، بل بمواجهتها وجهًا لوجه، أو كما يقول سارتر: "الإنسان محكوم عليه أن يكون حرا"، وهذه الحرية هي بالذات لعنة رحاب، ومأساتها، ومصدر قوتها في آن.
1. السياق الطبقيّ والاجتماعيّ: انعكاس الفوارق الاقتصادية .
تبدأ القصة بلقطة تبدو في ظاهرها حميمية عائلية: “ظلّت حفيدتي إلى مرآتها تعيد قراءة جملا مبهمة تتدرّب على حركتها، أدخل إليها بعصير البرتقال وبتفاحة حمراء طازجةً فتشربه وتتركها، ولا تلتفت إلا إلى أوراقها المبعثرة…” (النص). هذه السطور تكشف من اللحظة الأولى عن فجوة بين الرفاهية الظاهرة (تفاحة حمراء، عصير برتقال طازج) وبين فراغ داخليّ تعانيه “رحاب”. تمرّ هذه اللقطة ضمن “فياضنها من هذه الفوضى العارمة العامة”، لتشير إلى حياةٍ ميسورة ماديّا (فيلا مطلّة على البحر، إزار ملكيّ وأثاث ضخم)، لكنّها فارغة من المحتوى الإنسانيّ والعاطفيّ. النصّ: “منذ أن تركتها لي أمّها … خليج الملائكة في نهد تيكودا سوسة عمارات باذخة، السعوديّ أبوها أراد أن تكون له زوجة ثانية تحت سقف واحد…” (النص). هنا يظهر بوضوح أن ثروة العائلة مبنية على امتداد قناة استثمارية خليجية، تستثمر فيها أراض وعقارات، وبناء فيلات باهظة الثمن. منطق السوق الرأسماليّ يقذف بإزاء هذه الفتاة الصغيرة (رحاب) ثروة لا تمتّ إلى حياتها الداخلية بصلة سوى كونها “إطارا” لتحويلها إلى “منتَج” يعرضه الأب على أشكال اجتماعية معينة. إنجلز في “حالة الطبقة العاملة في إنجلترا” (1845) يشير إلى أن “الفقر ليس نتيجة للفرد الفاشل، بل إنتاج لهيكل اجتماعيّ عامّ يستثمر الفائض ويعيد إنتاج نفسه على حساب الطبقة العاملة” عند إسقاط هذه المقولة على “رحاب”، نجد أن الفتاة هي نتاج “فائض رأسماليّ” انبثق من استثمارات أبويها؛ لا تُمنح لها حرية أو قدرة على التشكّل بعيدا عن مصالح الطبقة الحاكمة (الأب الخليجي– الرجل الثري). والتناقض بين الثراء الماديّ والحرمان الروحيّ يؤكّد قدرة الطبقات الحاكمة على إذلال الأبناء باعتبارهم قطع شطرنج في صفقاتهم الاقتصادية.
2. التمثيل المسرحيّ كاستعارة للسيطرة الطبقية
تتجلّى مسرحيّة “رحاب” في قصة داخل القصة؛ حيث تبدو الفتاة وكأنّها “ملكة” أو “خادمة” أو “عسس القصر”، وتجري على أوراقها “الفصول” و”التشطيبات” و”الأقواس” وكأنّ النصّ هو “أرض صراع” تعبّر فيه عن رغبتها في تغييب الواقع وابتكار واقع افتراضيّ. تقول رحاب مخاطبة جدها الراوي: “أنا ألعبُ الملكة، هي هكذا القصة، هي ليست قصة بالضبط، أو هي الآن هكذا أوراق، أنساق في سياقات الإحتمال … مسرحيّة تشرع في هيكلة أركانها من الأساس إلى الرأس: وجوه، وجوم، فرح، مرح، وطقوس ومناخات، جرائم، ولائم ومسرّات، دوائر ومعقّفات، ما لا تمكّنه الحياة تعيره إلى حياة المسرح… من لا شيء تصنع أشياء، أي نعم يمكن، تفهمني؟!” (النص). ينزع النصّ إلى نبش واقع طبقيّ لا يترك مجالا للطفلة سوى الهروب إلى “مسرحها الخاصّ”، حيث تسعى “لخلق أشياء من لا شيء”، في إشارة إلى فقدانها كل مقوّمات الحياة الطبيعية (العائلة، الاستقرار، الحماية). وفي إطار النظرية الماركسية–اللينيّة، يُمكننا القول إنّ قدرتها على “خلق الأشياء” من اللاموجود هي انعكاسٌ للحسّ الثوريّ الموجود ضمن الطبقة “المنبوذة”، التي تضطرّ لابتكار عوالمها الخاصة كي تحيا. كما يشير تروتسكي إلى مفهوم “الثورة الدائمة” بأنها لا تنبعث إلا من رحم البؤس والاضطهاد، حيث يولَد الوعي الشديد بالواقع القائم ويؤدّي إلى تمردٍ داخليّ: “ليس غريبا أن يتوجّه الوعي السياسي الثوريّ غالبا إلى الطبقات التي تجردت من كل شيء، إذ تكون مبعثرة لدرجة صعوبة فرض سلطتها الاجتماعيّة. لكن من رحم ذاك الدمار ينبت وعي التحرر.” بنفس المنطق، نجد رحاب تمارس “ثورتها” عبر تكسير “تقليد” الأدوار: من الملكة إلى الخادمة، ومن العسس إلى الخيانة. هذه الرؤية تسعى إلى نسف التراتبية القشرية القائمة في بيت مكلّل بالتّرف. فالمنزل الفخم يُقدّم المسرح-الواقع بوجهين: وجه السلطة الأبويّة القمعية (الأب الخليجي)، ووجه الهروب إلى الحرية (رحاب المسرحيّة).
3. قهر الجندر ومسألة استلاب الطفولة .
يُمكننا قراءة “رحاب” ليس فقط كضحية للسلطة الأبوية الطبقية، بل أيضا كضحية لقوانين القهر الجنسيّة. فخروج الأب من بيت ليدخل بيتا آخر بـ”زوجة ثانية تحت سقف واحد” (النص) يُجسّد كيف تستثمر الطبقة الحاكمة في “سوق النخاسة الحديثة” (زواج مبنيٌّ على المصالح الاقتصادية)، أين تصبح المرأة (زوجة الأب الأولى وابنتهما رحاب) مجرد سلع تُتنازع عليها المصالح.: “لقد تركت لي رحاب عمرها العام”، و”دعاها لتكون زوجة ثانية، غير أن ابنتي دعاء رفضت بشدّة”، ثم “غادر وترك الجمل بما حمل هذه الفيلا الصّغيرة”… (النص). إن رفض أم رحاب (دعاء) دخل “سوق الزوجة الثانية” هو فعل مقاومة، لكنه يقابل بالعنف المجتمعيّ (“بشدّة كبيرة”). ورغبة الأب في إبقاء ابنته تحت جناحه ، تتحول إلى استلاب مستمرٍّ لطفولة تُسحب إلى متاهات الكبار الاقتصاديّة والجنسية، فتتحوّل الطفولة إلى “ثروة بشرية” في كتابها “الجندر والرأسمالية” (2017)،؛ تقول الباحثة ماريا ميشيل: “تتمثّل الماركسية النسوية في إسقاط فكرة ملكية الجسد من قبل الأب أو الزوج، وإعادة بناء الجسد كمساحة للحقوق الفردية والحرية. الحياة العائلية في ظلّ الرأسمالية هي مستقبلٌ لابتلاع الطفولة وتحويلها إلى أدوات استهلاكية” .
4. العلاقة بين السلطة الأبويّة والشخصيات الأبناء/الضحيّة.
تتجلّى السلطة الأبويّة في شخصيّة الجَدّ الذي يحاول – بقدر ما يستطيع – أن يحمي حفيدته رحاب، لكنّه في الوقت نفسه يجد نفسه محاصرا ضمن “شبكة” اجتماعية وقانونية قمعية: “قل لي يا papi سأعيد دوري … أنت أضحيت ملكي” (النص). وهذه العبارة تعكس انتقالا في السلطة؛ فالطفلة تحاول “استيلاد” دور أسطوريّ (أوديب) لتعيد توازن القوى. النصّ: “رفيق، صديق رحاب، البروفا، أنا أوديب…” (النص). “العلقة التي وضعها في تلك المرأة أصبحت ملكة ولا ترضى بخياناتك المتكررة، المرأة منذ أن وقفت إلى يمين فرجيل في تلك اللوحة هي نفسها الآن امرأة تونسية بكل كيانها” (النص). يعود الرمز الأسطوري “أوديب” ليتغلغل في المشهد، حيث يستخدمه الجدّ كمعادل للعدالة المنسية. والمفارقة هنا أن رحاب تنقلب على “أوديب” (رفيق) عندما يكتشف أنه ابن غير شرعي ، نتاج زواج عرفي و الأب ليس سوى الخليجي اب رحاب ، و بذلك رفيق شقيقها ، فتسقط مغشية. هذه الصدمة تعبر عن الصدام بين القيم الأسطورية المتعلقة بـ”الولاية” و”الحقّ”، وبين القيم المادية القمعية للرأسمالية الأبوية.
5. الانفصام بين الواقع والتمثيل: دلالة على اختلال الوعْي الثوريّ .
تُظهِر مشاهد الدمار والانهيار النفسي (سقوط رحاب مغشية، وإحراق المسرح) الصراع بين الحياة الواقعية وحياة المسرح التي حاولت الفتاة بنائها: “تسقط رحاب غير واعية من هول الواقعة، يسقط المصباح على الإزار تشتعل النار، نوبات من أعصاب موسيقية تنبعث من راديو الصّباح.” (النص). هذا الحرق الرمزيّ لـ”المسرح” يُمثِل محاولة النظام الأبويّ للرأسمالية للقضاء على أي أداة فكرية ثورية تنتجها الطبقات المقهورة. ففي الهدم المنزلي يُترجَم الهدم الذهني، ويغدو إحراق الأثاث “الأثاث الوهمي” الذي صنعه الجدّ بمثابة إدانة نهائية لفكرة “خلق الأشياء من العدم”، التي حاولت رحاب عبرها مقاومة القهر. يقول لينين في “اليقظة السياسية”: “إن الوعي الثوري لا يولد من تلقاء نفسه في الطبقة العاملة، بل ينتقل إليها من الطبقات المتقدمة. لكن بدون شروط اجتماعية تسمح للطبقة بإطلاق شلالها من الفكر الثوري، يظل صوتُ الثورات هامسا لا يُسمع” . تتماهي هنا الصيحة الثورية (وعي رحاب المسرحيّ) مع هدي الجماعة الاجتماعية التي يرمز إليها “رفيق” و”أهل رحاب” و”العسس”، فيتشتّت الصوتُ ويُصبح هامسا يُخمد بالحريق والعزل.
6. دلالة النهاية المفتوحة: استمرارية الصراع .
تنتهي القصة بمشهد مفتوح: “ضحكنا كثيرا من دعاء، تردّد رحاب كلّ فطور صباح: لا تعلم أنّه ركح، أنّه حياة داخل، أين سنلعب الليلة papi؟” (النص). النهاية تعيد تأكيد فكرة “المسرحية” كمنهج حياة: حتى بعد “الهدم” والإحراق، تقف رحاب رافعة رأسها مجدّدا لاستئناف اللعب والإبداع. هذا المشهد يذكّر بأنّ الوعي الطبقي لا يموت بإحراق المؤسسات، بل ينبعث من رمادها أقوى، حين يُدرك الفرد أنه ليس وحيدا في “ركحه”، وأن هناك “حياة داخل” يمكن استثمارها كمنبر للنضال. لويس ألتوسير يقول: “الأفراد لا يكونون أبدا وحدهم؛ إنهم دائما يشكّلون مثالا للفرد والجماعة معا. وعندما يحترق المسرح لم يعد بوسع القهر كبلهم، إذ إنهم قادرون على إعادة بنائه بذاتهم بنور فكرة جديدة” .
7. شخوص القصة و تفاعلاتها .
●. رحاب (الحفيدة – البطلة) ❖ الخلفية: رحاب شابة في العشرين من عمرها، تعيش مع جدّها بعد أن تركتها والدتها دعاء إثر زواجها الثاني. نشأت في عزلة نسبية عن والدها الخليجي، في بيئة ثقافية مشحونة بالإبداع المسرحي والحس الإنساني العميق، قرب البحر في "خليج تيكودا". ❖ الدور: هي محور القصة، الشخصية المحرّكة للحدث، والتي تتمركز حولها كلّ العلاقات والتوتّرات. تجسّد بحركاتها المسرحية وارتجالاتها صراعا داخليا يفيض إلى العالم المحيط بها. ❖ الصراع: -صراع داخلي: بين رغبتها في الانتماء والهوية، وبين إدراكها المؤلم لحقيقة نسبها وخيانة الأم والأب. -صراع خارجي: مع محيطها الاجتماعي الذي يحاول "إعادتها إلى الواقع"، ومع الأسرة الممتدّة (خاصة أهل أبيها). -صراع رمزي: بين المسرح والحياة، بين التمثيل والحقيقة، بين “أوديب” و”الملكة”. ❖ الدلالة الرمزية: رحاب هي استعارة للجيل الضائع الذي يحاول إعادة تشكيل نفسه على الركح لأن الواقع خذله. تذكّرنا بشخصيات أنتيغونا أو إلكترا، إذ تحاول تحطيم القوالب الأبوية والانتصار لحقيقة ذاتية. ●. الجدّ (Papi) – الراوي ❖ الخلفية: سبعينيّ، مثقف، يحمل شغفا بالمسرح والتاريخ، يعيش في فيلا صغيرة على الربوة، وقد ربّى رحاب منذ كانت رضيعة. زوجته (وداد) توفّيت بسبب الصرع، بعد أزمة عائلية مع ابنتهم. ❖ الدور: هو الراوي المشارك، ومرآة إنسانية لألم الأبوة المتكرّر. يشكّل عماد البيت والركيزة العاطفية لرحاب. ❖ الصراع: -داخلي: بين الرغبة في حماية رحاب، وبين إدراكه أنه عاجز عن تخليصها من تراجيديتها الشخصية. -خارجي: مع المجتمع الخارجي الذي يريد "استرجاع" رحاب أو تصنيفها كمريضة، بينما هو يراها كفنانة حقيقية. ❖ الدلالة الرمزية: الجدّ يمثّل "كاهن المسرح" أو "كاهن الذاكرة"، حارس الرمز، وهو تكرار رمزي لكهنة الإغريق الذين يفسّرون الغيب ويهيّئون الأرواح للعبور. ●. دعاء (الأم) ❖ الخلفية: ابنة وحيدة مثقفة، تخرّجت من كليّة الآداب، كانت في علاقة مع أستاذ ثم تزوّجت من رجل خليجي، وأنجبت رحاب ثم انفصلت عنه. اختارت الهجرة والزواج الثاني، وتركت رحاب لأبيها. ❖ الدور: تمثّل الأم المترددة، الباحثة عن خلاص شخصي حتى ولو على حساب ابنتها. تظهر لاحقًا وقد أنجبت ابنا آخر (عدنان)، وتحاول المصالحة. ❖ الصراع: -داخلي: الشعور بالذنب تجاه رحاب، مقابل إصرارها على اختياراتها. -خارجي: علاقتها المتوترة مع رحاب التي ترفض تسميتها بـ"أمّي"، وترى فيها خائنة. ❖ الدلالة الرمزية: دعاء تمثل الأم التي انهارت صورتها المقدّسة، المرأة المتعلّمة التي خانت المبادئ التي طالما بشّرت بها، رمز لانهيار الطبقة الوسطى الحداثية أمام الإغراءات الاقتصادية والاجتماعية. ●. رفيق (أوديب) ❖ الخلفية: شاب يتيم، تركته أمّه وهجره أبوه، يعيش وضعا شبيها برحاب، ويتقاطع معها في البروفا المسرحيّة. يُقدَّم على أنّه أوديب المعاصر، لكن يتّضح في النهاية أنه أخوها من الأب. ❖ الدور: شريك رحاب في المسرح وفي الحلم. هو المحرّك المفصلي للانفجار الدرامي، وحامل الصدمة الكبيرة (قرابة الدم). ❖ الصراع: -داخلي: بين الحبّ والهوية، بين دوره كأوديب ورهبة كونه الأخ. -خارجي: صدامه مع الأب والخروج من المشهد بانهيار نفسي. ❖ الدلالة الرمزية: رفيق هو تمثيل "أوديب الحديث"، المتورّط في قدره دون علم، والذي ينهار حين يكتشف الحقيقة. شخصيته مرآة لتفكّك الأنساب والتاريخ العائلي المعقّد. ●. الأب الخليجي (زوج دعاء الأول) ❖ الخلفية: رجل خليجي أراد أن يحتفظ بدعاء كزوجة ثانية في بيت واحد، تمّ رفضه من قبلها، فتخلّى عنها وعن طفلته. يظهر لاحقا في مشهد المواجهة ليعلن الحقيقة الصادمة. ❖ الدور: يمثّل الجذر المغيّب لرحاب ورفيق. حضوره قليل، لكن تأثيره بالغ. ❖ الدلالة الرمزية: هو صورة السلطة الغائبة، الذكورة العابرة التي تخلّت عن مسؤوليتها. يجسّد نوعًا من الهيمنة الذكورية اللاهية. ●. عدنان (الطفل – الأخ غير الشقيق) ❖ الخلفية: ابن دعاء من زواجها الثاني. لا يتكلّم في النص، لكنه يلعب دور المفاجأة، والاختبار الأخير لرحاب. ❖ الدور: رمز المستقبل، و"الأمير الصغير" الذي يُفترض أن يعيد التوازن، لكنه يُقابل برفض كامل من رحاب. ❖ الدلالة الرمزية: هو الوريث المفترض لعائلة مهشّمة، طفل بريء يتورّط في ماض لا يفهمه، ضحيّة جديدة في مسرح التراجيديا.
تتجلى الصراعات في شخصيات القصة بشكل حاد ومعقد، إذ تحمل كل شخصية صراعات داخلية وخارجية تبرز عمق الحكاية وأبعادها الرمزية. رحاب، بطلتنا، تعيش صراعا داخليا مستمرا بين الفن والحقيقة، بين حبها وارتباطها بأسرتها وبين رغبتها في التحرر والتمرد على واقعها. هذا الصراع يتحول إلى مواجهة مع محيطها الاجتماعي والعائلي، ما يجعلها رمزا لتراجيديا أوديبية معكوسة، حيث تتصارع مع ماضيها وحاضرها في آنٍ واحد. أما الجدّ، فهو يعيش صراع الحماية مقابل العجز، فهو يسعى لحماية حفيدته ويراقبها بعين مليئة بالحنان، لكنه عاجز عن تغيير الواقع أو فهم كل ما يمر به. يرمز الجد إلى كاهن الذاكرة والركح، حارس القصص والأجيال. دعاء، أم رحاب، تحمل صراع ذنب الأمومة والبحث عن الذات، فهي تقف بين مسؤوليتها تجاه ابنتها ورغبتها في تحقيق ذاتها، وهذا الصراع يظهر بوضوح في علاقتها المتوترة مع رحاب، مما يجعلها تمثل صورة الأم المنهارة. رفيق، الشريك المسرحي لرحاب، يعيش صراع الحب والهوية، متصارعا مع الأب ومع نفسه، ليصبح رمزا للأوديب الجديد الذي يجمع بين العشق والمأساة. الأب الخليجي، على الرغم من حضوره الباهت وغير الواضح، يثير صدمة عميقة، فهو يمثل الذكورة العابرة غير المسؤولة، التي تخلّت عن دورها وواجباتها. وأخيرا، عدنان، الطفل الأخ غير الشقيق، لا يخوض صراعا داخليا لكنه ضحية مرتقبة للواقع الذي ترسمه الخيانات والتعقيدات، حيث يُرفض وجوده من قِبل رحاب، ليصبح رمزا للبراءة المهددة والمستقبل غير المضمون.
7. الخلاصة: الشعر والإيديولوجيا والرفض الطبقي .
تختصر “رحاب” بلاغة اللّغة وعنف الواقع الطبقيّ في آنٍ معا. إذ باستخدامها الأسلوب الشعريّ المزيج بالحوار المسرحيّ، تضيء على أزمنة متناقضة: زمن الثراء الماديّ وزمن الوعي السياسي، وزمن القهر الأبوي وزمن مقاومة الطفولة. -البنية الطبقية: قدمت القصة نموذجا لكيفية إنتاج الثروة في المجتمع الرأسمالي (من خلال التحالف الأبوي الخليجيّ، والاستثمار العقاريّ)، وفي المقابل فقد استُنزفت الطفولة والحرية من رحاب، فجعلتها سلعة معروضة. -قهر الجندر: عبر ازدواجية الأب (زوجة ثانية، كنائس وزواج امرأة طاهرة)، ارتُكب إقصاء لرحاب ولقيمها الأنثوية، وجُردت من حقّها في تكوين كيانها الحرّ. -المسرح كاستعارة للثورة: مثَّل المسرح متنفسا لرحاب لكي تخلق واقعها الخاصّ، لكنّه أيضا عرضة لهدم النظام الطبقيّ الذي لا يرحم أي صوت ثائر. -النهاية المفتوحة: تشير إلى أنّ الوعي الطبقيّ الثوري لا يُقضى عليه بإحراق المؤسسات، بل يُبعث من جديد، فحتى عندما ينهار “ركحك”، تظلّ فيه بذور الانبعاث والمقاومة.
منهج العينيّ اليساريّ في “رحاب” يكمن في رصد بؤس الطفولة داخل آلة الرأسمالية الأبوية، والتأكيد على أنّ اللغة الشعريّة والسرد المسرحيّ يمكن أن يكونا أدوات نضالية تُظهر هشاشة النظام القائم. فالعيني لا يقدّم القصة كحلّ سحري لمشكلة البؤس، بل يدعونا للوعي بأنّ اللعبة لا تنتهي حين يُحرق المسرح، بل حين ينبثق صوت ثائر جديد من بين الرماد. في نهاية هذا النص، نجد أنفسنا أمام عمل لا يمكن تلخيصه في حدث أو عقدة أو نهاية؛ لأنه لا ينتمي إلى منطق "الحلّ"، بل إلى منطق "الانكشاف". انكشاف الذوات، وانكشاف الزيف، وانكشاف هشاشة العلاقات داخل الأسرة والمجتمع. "رحاب" ليست حكاية شخصية، بل مرايا متقابلة تعكس وجوهنا جميعا: مَن نحبّهم، ومَن هربنا منهم، ومَن لا نعرف كيف نصفهم. رحاب سارت في طريق لا يؤدّي إلى الخلاص، بل إلى المواجهة. واجهت أسرتها، الفن، جسدها، ماضيها، حتى الطفل عدنان، ذاك الذي يُفترض أن يكون "بريئا"، صار جزء من الأزمة. وهنا تكمن براعة النص: أنه لا يمنحنا شخصيات "صالحة" أو "فاسدة"، بل شخصيات حقيقية، مركّبة، متناقضة، تنبض بالتأرجح. لا الجدّ المخلّص أنقذ، ولا الأمّ الواهنة حمت، ولا رفيق المسرح كان نصيرا، ولا الأب الخليجي مثّل شيئا سوى الغياب الفجّ. كلّهم خذلوها، أو ربما هي من قرّرت أن لا تظلّ رهينة لأحد. في النهاية، رحاب تختار ألا تختار، وهي بهذا المعنى أقرب إلى شخصيات بيكيت أو سارتر، تعيش عبث العالم دون أن تفقد رغبتها في الكلام والاحتجاج. بهذا، تتحوّل القصة إلى سؤال مفتوح: هل الفنّ خلاص، أم مجاز للهروب؟ هل العائلة سند، أم قيد؟ هل الحقيقة تستحق المواجهة، أم أن الوهم أرحم؟ أسئلة يتركها النص معلقة، دون إجابة حاسمة، لأن كل إجابة ستكون خيانة للصدق الذي اتسمت به القصة منذ أول سطر. كما تقول فرجينيا وولف: "ليست الحياة رواية منسوجة بعناية، بل خليط من الضوء والظل، من ومضات الفهم، واللاجدوى"، وهكذا هي قصة "رحاب"، خليط من الجمال والتشظي، من الأمل والخيانة، من الركح والواقع… نصّ لا ينتهي عند نقطة، بل يبدأ فينا بعد أن نغلقه.
مصدر نص القصّة : https://www.facebook.com/share/p/1ChcwMjsTZ/
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-منتصر السعيد المنسي-: حفر في منطوق شهادة ذاتية ضد نسيان الط
...
-
غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية
...
-
قراءة نقدية في المجموعة القصصية -ولع السّباحة في عين الأسد-
...
-
الإمبريالية الأمريكية بنَفَس ترامب: وقاحة القوة ونهاية الأقن
...
-
ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة
-
القصيدة ما بعد الّنثر
-
افكار حول البناء القاعدي والتسيير
-
قراءة في مجموعة -نون أيار- للشاعرة نسرين بدّور.
-
القصيد ما بعد النّثر
-
بيان
-
بكاءُ السُندسِ في المنفى....
-
عيد الشّغل: من نضال طبقي إلى مناسبة رسمية بروتوكولية.
-
الحداثة وما بعد الحداثة بين ديكتاتورية البرجوازية وخيانة الت
...
-
مراجعة مجلّة الشّغل التّونسية: بين تعزيز الاستغلال الرّأسمال
...
-
نساء بلادي أكثر من نساء و نصف
-
النّضال من أجل الدّيمقراطية والحرّيات العامّة والخاصّة
-
الدولة البوليسية المعاصرة
-
إرهابيّ أنا
-
حاسي الفريد / ما يشبه القصّة
-
المركزية الديمقراطية
المزيد.....
-
“الخيال بقى حقيقة”.. Honor 400 Pro بيصور كأنك في فيلم وسعره
...
-
هل يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة قواعد صناعة الموسيقى؟
-
نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست
...
-
مصر.. منشور منسوب للفنان المصري أحمد آدم يثير ضجة بالبلاد
-
سلوتسكي: السلطات في لاتفيا مستعدة لحظر حتى التفكير باللغة ال
...
-
نجوم فيلم -Back to the Future- يجتمعون لاستعادة قطعة أثرية م
...
-
لمحة عن فيلم -Wicked: For Good-.. هذا ما كشفه الإعلان التروي
...
-
بوتين يدعو للاحتفال بيوم لغات شعوب روسيا في ذكرى ميلاد رسول
...
-
مصر.. تصاعد الخلاف بين محمد الباز وابنة الشاعر الراحل أحمد ف
...
-
-أجراس القبار- للروائي الأردني مجدي دعيبس.. رواية تاريخية في
...
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|