|
-منتصر السعيد المنسي-: حفر في منطوق شهادة ذاتية ضد نسيان الطبقة والعقل.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8359 - 2025 / 5 / 31 - 06:55
المحور:
الادب والفن
لا تأتي رواية منتصر السعيد المنسي للكاتب بشير الحامدي كمجرد نصّ أدبي آخر ينضم إلى مدونة ما بعد الثورة في تونس، بل بوصفها فعل إدانة، شهادة طبقية، ومرافعة سردية في وجه النسيان الجماعي. ترفض الرواية منذ سطورها الأولى أن تهادن، وترفض أن تلعب دور المؤرخ المتسامح، أو المثقف المرقّع لخيبات الجماعة. إنها نصّ مكتوب بمداد الجرح، بأظافر السقوط، وبصرامة من لم يُمنح فرصة للانتصار، لكنه قرر ألا يُغفر للخيانة. تنطلق الرواية من يقين صادم: أن الثورة قد خُنقت لا فقط على يد أعدائها، بل بأيدي من ادّعوا حمايتها. لذلك لا تُكتب الحكاية هنا بوصفها مسارًا بل بوصفها انحدارا، ولا تُستدعى الشخصيات كمجرد شخوص بل كأدلة في محكمة ضمير جمعي. "من لا يكتب، يُمحى. ومن يكتب دون أن يصرخ، يشارك في الجريمة." – من رسالة خيري الدبوسي في هذا السياق، لا تعمل الرواية على سرد الحدث بل على تفكيك بنيته الطبقية. كل جملة فيها تُعيد تشكيل العالم من زاوية المهزومين، من الهامش، من ذاك الذي لم تُسمع شهادته بعد. لذلك يمكن اعتبار الرواية جزء من ما يُعرف في النقد اليساري بـ"الكتابة من الأسفل" (Writing from Below)، تلك الكتابة التي ترفض أن يكون الأدب عزاء، أو تسلية، أو بديلا ناعما عن النضال. يكتب بشير الحامدي روايته هذه وهو مدرك، كما كان أدورنو، أن: "كل كتابة بعد الألم الكبير هي مشروع محاكمة، لا مشروع عزاء." ومن هنا تتخذ الرواية طابعها الجارح، المتوتر، غير المصالِح. إنها ليست حكاية عن فرد، بل شهادة ضد بنية. ليست تأريخًا لما وقع، بل محاولة لتثبيت ما يُراد طمسه. ولذلك، فإن اللغة فيها لا تكتفي بالوصف، بل تتورط. الشخصيات لا تتحرك داخل الحبكة بل داخل جروحها. والضمير ليس فقط ضمير المتكلم، بل ضمير طبقي مُرّ لم يعد يقبل الاستعباد الناعم. هكذا تتحوّل منتصر السعيد المنسي إلى وثيقة سردية وموقف، إلى عمل ينتمي أكثر لمحاكم التاريخ منه إلى رفوف الأدب المصقول. وكما قال فالتر بنيامين: "ليس عمل المؤرخ أن يشرح، بل أن ينقذ بقايا المقهورين." وهذه الرواية هي محاولة إنقاذ من هذا النوع.
الفصل الأول: الرواية كشهادة طبقية – بين السرد الذاتي والوعي الجماعي .
1. الرواية كشهادة طبقية: بين السرد الذاتي والوعي الجماعي .
في رواية منتصر السعيد المنسي، يتحوّل العمل الأدبي إلى وثيقة سياسية تُمارَس فيها الكتابة بوصفها شكلا من أشكال المواجهة مع النسيان الطبقي ومع التواطؤ الرمزي الذي مارسته النخب في تونس ما بعد الثورة. لا تبدأ الرواية من نقطة حيادية، بل من موقع الهزيمة: هزيمة الثورة، هزيمة الأحلام الجماعية، وهزيمة الذات الكاتبة التي وجدت نفسها مطوّقة بين المنفى الخارجي والمنفى الداخلي. السارد – وهو في نفس الوقت مناضل سابق، مثقف عضوي، وضمير مضطرب – لا يحكي حكاية فردية، بل يدوّن ما يشبه المحضر الطبقي الذي يُدين تحولات النخب من الثورة إلى السوق. وكما قال فالتر بنيامين: "ليس هناك أي وثيقة للحضارة إلا وهي في الوقت نفسه وثيقة للبربرية." فكل سردية انتصار تخفي خلفها خيانة ما، وكل مشروع كتابة لا يُعيد الاعتبار للمقموعين هو جزء من عملية محو متواصلة. يتضح هذا منذ الصفحات الأولى، حين نقرأ قول السارد: "أنا لم أعد أثق في أحد... لا في الرفاق ولا في المؤتمرات ولا في خطابات الخلاص...". هذا الإقرار ليس فقط تشظيا ذاتيا بل كشف عن لحظة انقطاع رمزي بين الكاتب والمشروع الجماعي الذي كان ينتمي إليه. وما يجعل الرواية شهادة طبقية هو انحيازها الصريح لضحايا التاريخ، أولئك الذين لم يتم ذكرهم في خطب المنظمات، ولا في تقارير المانحين، ولا حتى في سطور الصحف التي كتبت عن “الانتقال الديمقراطي”. يشبه السارد هنا ما سماه غرامشي بـ"المثقف العضوي"، لكنه مثقف جريح، لم يعد يثق لا في أدوات التغيير ولا في رفاق السلاح، وهو ما يعطي الرواية طابعا مزدوجا: فهي من جهة تأريخ لتجربة ذاتية، ومن جهة أخرى مساءلة جماعية لذاكرة وطنية تم تجويفها وإعادة بيعها. تقول الرواية ضمنيا إن الذاكرة حين تُدار من فوق، تصبح مشروع سلطة، لا مشروع تحرّر. في هذا السياق، يتحوّل السرد إلى فعل مقاومة طبقية. ليست اللغة أداة فنية بل وسيلة إدانة. وكما كتب جان بول سارتر: "إن الكاتب الملتزم لا يستطيع أن يصف حتى زهرةً إذا لم تكن تلك الزهرة تهمّ شعبًا ما." وهنا، لا وجود لأي وصف محايد أو شخصيات مجانية. كل مشهد في الرواية يمرّ من امتحان: هل يُدين؟ هل يفضح؟ هل يكشف؟ فإن لم يفعل، لا مبرر له في النص. اللغة إذا لا تُستعمل هنا للتزويق، بل للكشف. هي بمثابة فأس تحفر في الطبقات المسكوت عنها من التاريخ. وكما قال كافكا: "نحن بحاجة إلى الكتب التي تؤلمنا، التي نُطعن بها… الكتاب يجب أن يكون فأسا للبحر المتجمد في داخلنا." في منتصر السعيد المنسي، ليس البحر المتجمّد هو العاطفة، بل هو التاريخ الذي تحوّل إلى صورة معلّبة. والسارد يريد تكسير هذه الصورة، لإعادة الصوت للذين صُمت عنهم، وللذين قرروا أن لا يصمتوا فاختفوا من المشهد.
الفصل الثاني: الذات المنفية – من الاغتراب الفردي إلى البصيرة الطبقية .
في منتصر السعيد المنسي، لا يُقدّم السارد نفسه ككائن هشّ أو مجرد كاتب ضائع في متاهة الحنين، بل بوصفه منفيا من الداخل والخارج، داخل طبقته التي خانت، وخارج وطن لم يعد له فيه موطئ قدم. هذا الاغتراب ليس حالا نفسيا، بل موقع طبقي. إنه يعيش منفىً مضاعفا: منفى جغرافي طارد، ومنفى رمزي تعمّد محو صوته، بل مسخه، ثم تمثيله من قِبل نخب هجّنت الثورة وأعادت تصديرها وفق مقاييس السوق النيوليبرالي. السارد لا يعاني من الوحدة بل من التواطؤ. يقول: "الناس يعيشون مع قاتلهم، يسالمونه، يجارونه، يسلّمون له ولسان حالهم يردّد... اِشتدّي أزمة تنفرجي..." هذا ليس توصيفا للرضا، بل تنديد بالمذلة. فالهزيمة ليست فقط سقوطا في العجز، بل تكيّفا معه، حتى أن الثورة التي كانت حلما صار لها موظفون بدوام كامل، وشعارات قابلة للتدويل، ونصوص تُراجع وفق دليل التمويل. السارد في هذا المشهد يُشبه ما وصفه فرانز فانون في كتابه معذبو الأرض: "المناضل الذي يرفض التحوّل إلى بيروقراطي، سيجد نفسه منفيا من وطنه ومن تاريخه، لكنه وحده من يحمل ذاكرة الحقيقة." ويظهر هذا المنفى الذاتي في قول السارد: "أنا لم أعد أعرف ما إذا كنت أكتب أم أُكتب... ما إذا كنت أُعبر عن ذاتي، أم أنني أُكتب من جهة أخرى في داخلي اسمها خيري." هذا القول لا يشير فقط إلى اضطراب الهوية بل إلى انكسار داخلي مصدره الضغط الرمزي الممارس من الضمير الطبقي المقموع – خيري الدبوسي. هنا تصبح الذات محكومة بما تبقّى من ذاكرة الطهارة، لا بما تفرضه السياسة الواقعية. مثلما فرّ "ستيفان ديدالوس" في صورة الفنان في شبابه لجيمس جويس من مجتمع خنقه، يفعل منتصر ذلك لا ليستكشف الذات، بل ليُبقي الوعد الثوري حيّا، ولو كندبة. "الكتابة عند من لا يُسمح لهم بالكلام، تتحوّل إلى مقاومة عنيفة ضد النسيان." – رولان بارت.
الفصل الثالث: خيري الدبوسي – الضمير الطبقي الغائب الحاضر .
خيري الدبوسي ليس شخصية داخل الرواية، بل جهاز رمزي، معادل سردي لما يمكن أن نسميه "الضمير الطبقي المنفي". هو كيان لا يظهر في المشهد لكنه يتحكم في إيقاعه، لا يتكلم لكنه يُملي، لا يكتب لكنه يُحرّك اليد الكاتبة. يقول السارد في واحدة من أبرز لحظات الكشف: "في الحقيقة أنا الكاتب لم أكتب شيئا من كل ما كتبت... أنا كنت عبدا لخيري الدبّوسي ولم أفعل إلاّ ما أمرني به." بهذا المعنى، لا يكون خيري الدبوسي صوتا ذاتيا، بل صوت الذاكرة التي لم تُخصخص، وعيٌ طبقيّ سرّي لم يتم تجريده من جذوره. إنه «الرفيق» الذي لم يمت. لا يحمل بطاقة حزبية، لكنه يحمل سجلا أخلاقيا صارما، يُحاسب به من خانوا ومن تواطؤوا ومن صمتوا. إذا أخذنا بمنظور ميشال فوكو عن السلطة التي لا تُرى بل تُمارَس، فإن خيري الدبوسي هو ممارسة مستمرة للرقابة الطبقية على ذات السارد. إنه ما يشبه "الأنا الأعلى الثوري" على حدّ تعبير فرويد، تلك الجهة في النفس التي تُذكّرنا بما يجب أن نكونه. "الضمير ليس صوت الله في الإنسان، بل صوت المقموعين في وعي من لم يخنهم بعد." – تأويل ماركسي إن خيري الدبوسي يعيد الاعتبار إلى وظيفة المثقف العضوي، لكنه لا يفعل ذلك من المنصة، بل من داخل الغرفة المعتمة للذات. هو المثقف الذي يرفض أن يُدجَّن، أن يُموَّل، أن يُمسَح تاريخه في برامج تدريبية تموّلها السفارات. "إن أخطر أنواع التصفية ليست تلك التي تتم بالسلاح، بل التي تحدث حين تُمسح الذاكرة تحت مسمّى الواقعية." – فالتر بنيامين في هذا السياق، يتحوّل خيري من كائن روائي إلى استعارة وجودية: هو ضمير الرواية، خازن وجعها، حارس سرديتها النقية. وإذا كان بعضهم يرى أن خيري هو تجل فني لصوت المؤلف، فإن التحليل اليساري يُلحّ على أن خيري هو طبقة اجتماعية متكلّمة من الهامش، تم استحضارها في النص لا لتُسرد بل لتحاكم الجميع.
الفصل الرابع: المنفى الطبقي المزدوج – العزلة كخندق مقاومة.
في رواية "منتصر السعيد المنسي"، لا يُطرح المنفى كموضوع جغرافي فقط، بل كشرط وجودي يلازم الذات الكاتبة التي لم تجد لها مكانا داخل التوازنات الجديدة التي صنعتها ثورة مغدورة. منتصر، الشخصية المركزية في الرواية، يعيش نوعا من النفي الرمزي المزدوج: من جهة هو منفي سياسيا واجتماعيا من وطنه، ومن جهة أخرى منفي من تاريخه الخاص، من الطبقة التي خانته، ومن الذاكرة الجماعية التي أُعيدت كتابتها دون اسمه. لا يتعلق الأمر هنا بمنفى طوعي أو اختيار رومانسي للعزلة، بل بحالة إقصاء ممنهج، كأن من لا يشارك في الحفل الديمقراطي الذي نظمته السوق ومموّلوها يُرمى خارج السياق. يقول السارد في أحد المقاطع: "أنا لم أعد أعرف ما إذا كنت أنتمي إلى هذا البلد... صرت أرى الوجوه وكأنها مُركّبة من أكاذيب" [فصل ما قبل البداية]. هنا لا يكون النفي خارجيا فقط، بل تحوّلا داخليا في الإدراك؛ إدراك أن الزمن الذي كنت تحلم فيه لم يعد قائما، وأن المكان الذي كنت تدافع عنه صار يرفضك. هذا ما يجعل من المنفى في الرواية منفىً طبقيا بالأساس، لأن من أُقصي من معنى الوطن ليس الفرد بل الفئة الاجتماعية التي رفضت أن تُطهى على نار المساومة. ينضم هذا الطرح إلى مقولة فالتر بنيامين: "الثورة ليست قاطرة التاريخ، بل هي محاولة لسحب فرامل الطوارئ." ومنتصر في الرواية لا يركب القاطرة، بل يصرخ من الهامش محاولا إيقافها. هو لا يريد استعادة ماضٍ مثالي، بل فقط لحظة كان فيها الحلم لا يُشترى. هذا ما يجعل من العزلة في الرواية موقفا، لا حالة. العزلة هنا شكل من أشكال المقاومة ضد تدجين الذات، وضد تحويل الفكرة إلى برنامج سياسي مدجّن. في هذا السياق، تشبه شخصية منتصر البطل الإشكالي في أعمال ألبير كامو، خاصة في "الغريب"، حيث تتحوّل العزلة إلى شكل من أشكال التمرد الصامت. لكن في منتصر السعيد المنسي"، ليست العزلة صامتة، بل صراخ داخلي متواصل يكتبه السارد بيد مرتجفة. كما يمكننا مقارنة هذه الحالة بما وصفه أنطونيو غرامشي بـ"تفاؤل الإرادة في مواجهة تشاؤم العقل". فالعقل في الرواية يدرك الهزيمة، لكن الإرادة تستمر في الكتابة، في المواجهة، حتى من خارج الدائرة. يقول السارد في أحد المقاطع: "الذين عادوا من المنفى صاروا موظفين في وزارات الثقافة، أما أنا فبقيت أقاتل في دفترٍ ممزّق." الجملة تحمل اختزالا مؤلما لمصير طبقة كاملة: من كان يحلم صار موظفا، ومن لم يساوم، كُتب عليه أن يواصل الصراخ في الصمت. هنا تتجلى الرواية كأداة فضح ورفض، وكوثيقة تصر على التذكير بأن المنفى ليس فقط موقعا مكانيا، بل موقعا أخلاقيا لا يُغفر.
الفصل الخامس: الكتابة كعملية تطهير طبقي – السرد بوصفه محاكمة.
في رواية منتصر السعيد المنسي، لا تُستخدم الكتابة كوسيلة للتعبير أو الترف الأدبي، بل كمنصة لمحاكمة رمزية، حيث تتحوّل كل فقرة إلى ساحة تقاضٍ، وكل شخصية إلى شاهد أو مدان. النص لا يُمنح للشخصيات لتعيش، بل لتُساءل. إنّ ما نراه في هذا العمل ليس إنشاءً روائيًا بقدر ما هو تمرين على إعادة محاكمة التاريخ، وإزاحة الرواية الرسمية لتونس ما بعد الثورة، واستبدالها بسردية ثورية مغموسة بالمرارة والانكسار. الكاتب لا يسرد، بل يُدين. لا يرسم شخصيات، بل يستخرج من كل شخصية عنصرا رمزيا يتم إخضاعه لفحص طبقي وأخلاقي. في هذا السياق، تتحوّل الرواية إلى ما يشبه "محكمة الحقيقة"، حيث يُستدعى الماضي لا من أجل البكاء عليه، بل من أجل فضح الذين اغتالوه. يقول السارد: "أكتب لأنهم يريدون أن يُجملوا ما كان يجب أن يُعاقب... كل جملة هي بندقية، وكل فاصلة هي طلقة مؤجلة." هذا التصريح يضعنا أمام مفارقة مركزية: حين تصبح اللغة لا مجالا للزينة، بل أداة للقصاص. فالرواية لا تعترف بمفهوم التجميل الأدبي التقليدي، بل تعتبره شكلا من أشكال التواطؤ مع سلطة المحو وإعادة الكتابة النيو-استعمارية. هنا يلتقي النص مع أطروحات أدورنو، الذي رفض أن يكون الأدب بعد الكارثة، أدبا محايدا. فكما قال: "الحياد بعد أوشفيتز جريمة." وكذلك في منتصر السعيد المنسي، فإن الحياد تجاه ما حدث – من خصخصة الثورة، إلى تدجين النخبة، إلى المتاجرة بالذاكرة – هو تواطؤ صريح. إنّ الكتابة هنا تُمارس عنفا أخلاقيا؛ إنها تطهّر النص من الزيف، وتُقصي كل ما لا يخدم الفكرة الثورية. يُمارس السارد سلطة خيري الدبوسي، لا كقناع فني، بل كضمير لا يقبل الغفران المجاني. خيري لا يسمح بأن تمرّ الفقرات دون جدوى، ولا أن تبقى الشخصيات دون موقف. وكما جاء في أحد المقاطع: "خيري الدبوسي هو الذي قال لي: اقتلهما، خفّف من وزن الحكاية بقتلهما." بهذا المعنى، يصبح السرد عملية تصفية رمزية. لا يُقتل الأفراد بل تُصفّى الرموز: يُقتل المتواطئ، يُقصى المهادِن، ويُحذف كل من يسعى إلى التوازن في عالم فقد اتّزانه. وهذا ما يجعل الرواية قريبة من مفاهيم "العنف الرمزي التحرري" الذي تحدّث عنه بيير بورديو، ولكن من زاوية نقيضه: التحرير لا يتم عبر التفاهم بل عبر التفكيك العنيف للخطابات السائدة. تُذكّرنا هذه البنية بما قاله فوكو: "في كل نظام من أنظمة الخطاب، هناك ما يُقصى لا لأنه لا يقول شيئا، بل لأنه يقول أكثر مما يُحتمل." في هذا السياق، تتحوّل الكتابة إلى شكل من أشكال النبذ العكسي: طرد الذين سيطروا على المعنى، وإعادة استدعاء من تمّ تهميشهم. وهنا تتحقق الوظيفة السياسية العليا للسرد: أن يُعيد توزيع الصوت. كل هذا يجعل الرواية تمارس وظيفة ما بعد الواقعية الاشتراكية، حيث لم تعد الأدلجة ظاهرة، بل أصبحت الضدية وحدها كافية. ضد الخطاب، ضد السوق، ضد النسيان، ضد التجميل. "الرواية التي لا تُقلق لا تُغيّر شيئا." كما كتب إدوارد سعيد في العالم والنص والناقد. ولهذا، فمنتصر السعيد المنسي ليست رواية تسرد، بل رواية تُحاكم. تُعلن عن نفسها كأداة لتفكيك بنية الكذب الجماعي، وتُقيم محكمة دائمة، لا لإصدار الأحكام فقط، بل لإبقاء الجرح مفتوحا، حتى لا يتسنّى للمصالحة المزيّفة أن تُغلقه بضمادة من شعر أو تمويل.
الفصل السادس: السرد بوصفه وثيقة إدانة – من كتابة الذات إلى تفكيك الجماعة.
في عالم الرواية الواقعي الذي يُقيمه بشير الحامدي، لا تمثل الحكاية مجرد تتالي أحداث أو مسارا بيانيا لتطور الشخصيات، بل تُطرح بوصفها وثيقة إدانة ذات طبيعة مزدوجة: أدبية وتاريخية. السرد هنا لا يتقدّم إلا بقدر ما يُفكّك الجماعة، ولا يبني عالَمه إلا بنزع الشرعية عن العوالم المزيفة التي سبقت الثورة وبعدها. السارد ليس راويا عليما أو محايدا؛ بل هو طرف في صراع. صراع ضد التزوير، ضد الخيانة، ضد المحو الرمزي. ولذلك فإن كل فقرة تُدوَّن هي بمثابة بلاغ سياسي بامتياز، وكل شخصية تُرسم إنما تُستنطق كمشتبه بها. "لقد كُتب عليّ أن أروي، لا لأنني أريد أن أُدوّن الذكرى، بل لأن الذاكرة الرسمية كادت تقتلني بالصمت." بهذه العبارة التي تستدعي طيف غرامشي، يُعلن السارد أن الكتابة هي شكل من أشكال المقاومة ضد سردية النظام لا ضد السلطة فقط. فالحقيقة لا تُمنح في الرواية، بل تُنتزع من بين الشقوق، من الفجوات، من غياب الشخصيات، من الصمت الذي يعلو حين يكون الكلام تواطؤاً. في هذا السياق، السرد لا يُمنح لمن تكلموا من المنابر، بل لمن خُرسوا في زوايا الواقع. وكما قال فالتر بنيامين: "من يروي التاريخ هو المنتصر، أما من عاشه فلا صوت له." منتصر – كما يُجسده السارد – هو شاهد على تهميش الصوت الشعبي لصالح خطاب النخبة. وهذا ما يربط الرواية بقوة بما يُسمى في الأدب السياسي بـ"الكتابة من تحت" أو Subaltern writing، وهو اتجاه نقدي يسعى إلى إعادة تمثيل من تم نفيهم خارج النص الرسمي. "السرد عند الحامدي لا يُعيد تشكيل الجماعة، بل يُفككها، لينقّيها من الخيانة." ولذلك فإن كتابة الذات لا تمثل انغلاقا في الحميمي أو تمركزا حول الذات البورجوازية كما في تيارات ما بعد الحداثة، بل تمثل لحظة كشف للذاتي بصفته طبقة، وبصفته ضحية مؤجلة في لعبة السلطة. هنا يمكننا استدعاء تصور بول ريكور للسرد كـ"موقع لمساءلة الهوية"، حيث لا يعود السرد تثبيتًا للكينونة، بل زعزعة لها. في منتصر السعيد المنسي، السارد لا يسعى لتأكيد ذاته، بل لهدمها – لا ليقول: أنا كنت هناك، بل ليعلن: هناك من لم يُسمح له بأن يكون. ومن اللافت في هذا السياق أن الرواية لا تقدم حلا، ولا تصور نهاية مريحة. إنها لا تسعى إلى الخلاص، بل إلى إعادة عرض الجريمة بحذافيرها، دون تزويق أو اختزال. وكأن الرواية تنحاز لمقولة رولان بارت: "ما لا يمكن أن يُنسى، لا يُغفر. وما لا يُغفر، لا يُسرد إلا على هيئة قذيفة." وهكذا فإن منتصر السعيد المنسي لا تقدم سردا شافيا، بل جرحا مفتوحا. وكل من يقترب منه عليه أن يقرر: هل سيُكمل الجريمة بالصمت؟ أم ينضم إلى حفّاري الذاكرة، الذين يحفرون في الجمر كي لا تنطفئ الحقيقة؟
الفصل السابع: خيانة الجماعة وتهافت النخبة – من الثورة إلى التسوية.
تُقدّم رواية منتصر السعيد المنسي بشير الحامدي نصّا يتقصّد فضح خيانة الجماعة التي ادّعت الثورة ثم باعتها، وسقوط النخب التي كانت تتحدث باسم المهمّشين فصار همّها الاستوزار وكتابة البلاغات الصحفية. النص لا يُدين فقط الأفراد، بل يُجرّم مرحلة بكاملها، مرحلة ما بعد الثورة، حيث تحوّلت الآمال إلى صفقات، والشهداء إلى أسماء تُستغلّ انتخابيّا، والمثقف إلى ناطق باسم السلطة أو ممثل لمنظمات التمويل الدولي. السارد، الذي يحكي من موقع العزلة والمنفى، لا يتردّد في كشف انكساره الشخصي باعتباره صورة عن الخيانة الجماعية. يقول في أحد المقاطع: "الرفاق لم يعودوا يكتبون غير تقارير التمويل، ودفتر الحلم صار دفتر جرد لأصول العجز." هذه الشهادة لا تكتفي بإدانة الخارج، بل تشمل الذات أيضا. ذلك أن من بقي وفيّا للفكرة، ظلّ في الظلّ. في حين أن من صعدوا على أكتافها صاروا "صانعي المعنى الجديد". وهنا تحضر مقولة فرانز فانون: "الثورات لا تُهزم فقط، بل تُباع في مزاد ما بعد الانتصار." الرواية تُحاكم هذه الحالة عبر هندسة سردية تقطع مع التجميل، وتفضح الاستعراض. خيري الدبوسي، ذلك الصوت الداخلي الذي يرافق السارد، لا يتسامح مع الانتهازيين، بل يأمر بتصفيتهم رمزيّا داخل النص. إنه الضمير الطبقي الذي يصرّ على أن الرواية يجب أن تُروى من موقع المهزوم لا من كرسي الوزير. في أحد المقاطع يقول السارد: "حين بدأت الكتابة، قال لي خيري: لا تترك لأحد أن يعيد تشكيل جثثنا في مقبرة الصحف. اكتب، حتى لو كتبت بأظافرك." هذه الجملة تختصر مهمة الرواية: أن تُعيد للمنسيّين صوتهم، لا من خلال نواح إنساني أو تباك أخلاقي، بل من خلال تفكيك خريطة النخبة، وكشف الأدوار الجديدة التي صار يُؤدّيها المثقف – من الوسيط إلى الناطق الرسمي، ومن الشاهد إلى المتواطئ. "الثورة ليست لحظة، بل اختبار مستمر للمواقف. من خان مرة، لن يتردد في بيع كل شيء لاحقًا." – لينين في هذا الإطار، يربط النص بين النخبة الحزبية والمثقفين الجدد ومهندسي الثقافة الدولية. الكلّ اجتمع حول مائدة واحدة: مائدة تبييض الثورة. وتُصبح الكتابة، في هذا السياق، ليست فقط شكلا من أشكال الوفاء، بل فعل شغب رمزيّ، محاولة لمنع التسوية من أن تُكتب باسم الجميع. في النهاية، السؤال مركزي هو: من يملك الحق في أن يكتب التاريخ؟ وهل يُمكن أن تُكتب السيرة الجماعية بضمير جمع مسروق؟ في رواية منتصر السعيد المنسي، الجواب واضح: لا يُمكن. ولذلك لا تُنهي الرواية سردها بخلاص، بل بجمر. لا تمسح الدماء، بل تضع إصبع القارئ عليها، وتقول له: "تذكّر من أين أتيت."
الفصل الثامن: البنية السردية بين الارتباك البنيوي وتماسك الفكرة.
في رواية منتصر السعيد المنسي، يبدو للوهلة الأولى أن البناء السردي متشظٍ، مبعثر، أقرب إلى دفتر شخصي ممزق منه إلى هيكل روائي متماسك. تتناوب الفصول بين صوت السارد وصوت خيري الدبوسي، بين مقاطع سردية ومونولوجات تأملية، بين أوراق وجدت بعد سقوط البيت، وتسجيلات ذهنية لذات منكفئة على نفسها. لكن هذا الارتباك الظاهري هو في جوهره إستراتيجية فنية واعية، هدفها تفجير التراتب الكلاسيكي للنص، وتقديم شكل سردي يُحاكي اضطراب الواقع السياسي والطبقي الذي يصوّره. الرواية تُبنى ككولاج سردي، تتجاور فيه الوثيقة، المونولوج، الرسالة، الشهادة، والدفتر الممزق. وهذا ما يجعل من بنية الرواية تجربة تقويضية لبنية الرواية الليبرالية التي تعتمد على التسلسل والخاتمة والوضوح. وكما قال جان فرنسوا ليوتار: "السرديات الكبرى ماتت، وما تبقّى هو شظايا تمشي على عكاز من المعنى." وهذه الشظايا هي ما تشكّل هيكل منتصر السعيد المنسي. فغياب الحبكة الصاعدة، والتحولات المتوقعة، والنهايات المريحة، يعكس انهيار سردية الثورة نفسها، وتحوّل الحلم الجماعي إلى فتات سردي. لم تعد الفكرة قابلة للحكي، بل للتبعثر. وفي هذا التبعثر تكمن القوة. فكل مقطع يُصاغ كندبة: ليس متينا، بل هشّا، لكنه صادق. هذا النوع من الكتابة يُحيلنا إلى ما أسماه رولان بارت "الكتابة البيضاء"، أي التي ترفض الأدلجة الظاهرة، لكنها لا تقبل الحياد. تترك للفراغ أن يتكلم، وللصمت أن يؤنّب. "البنية التي لا تعكس الفوضى الطبقية، هي بنية تجميلية خائنة." – نقد ماركسي بنيوي ولذلك فإن هذا الارتباك ليس خللا، بل هو تجل مباشر لوضعية الكاتب داخل مجتمع مكسور. فمن يريد أن يسرد ثورة خائنة، لا يمكنه أن يستعمل لغة النظام. ومن يريد أن يقول الحقيقة الطبقية، لا يمكنه أن يسير بخط واضح إلى خاتمة مغلقة. تتعدد الأصوات داخل الرواية، لكن دون تعددية ديمقراطية. فخيري الدبوسي، رغم أنه صوت داخلي، يُسيطر على الإيقاع، يُقصي الأصوات الأخرى، يُحدد مصائر الشخصيات. وهذا يجعل من الرواية في شكلها تعبيرا عن صراع داخلي بين صوت الثورة (خيري) وصوت الشكّ (منتصر). لكن لا شيء يُحسم. تبقى الشخصيات في قلق دائم، واللغة في نزاع مستمر، والبنية في انهدام مقصود. في أحد المقاطع، يقول السارد: "لقد هربت من البنية، لأن البنية صارت هيكلا لجنازة الكلمات." بهذه العبارة، يُدرك السارد أنه لا يستطيع أن يسرد بانسيابية لأن ما يرويه ليس سيلا بل شظايا. الثورة التي عايشها لم تكن رواية، بل زلزالا، فكيف يمكنه أن يرويها كحكاية ليلية؟ من هنا يتكشّف أن البنية الفوضوية لا تُضعف الرواية، بل تمنحها صدقها. إنها بنية المقاومة. كما قال محمود درويش: "اللغة لا تكفي... علينا أن نرتب الفوضى أيضًا." وهذا ما تحاوله الرواية: أن ترتّب الفوضى لا لتُخضعها، بل لتُظهر قبحها كما هو. أن تُبقي الجرح مفتوحا لا لتُبكي عليه، بل كي لا يُشفى بتواطؤ نقدي أو صمت نخبوي. فالبنية هنا، كما المضمون، هي حفرة مقاومة ضد كل خطاب مهيمن.
الفصل التاسع: اللغة والضمير – بين الإنشاء الجمالي والإدانة الأخلاقية.
اللغة في منتصر السعيد المنسي ليست مجرّد أداة للسرد، بل طرف في المعركة. لا تظهر اللغة في النص كحامل حيادي للأفكار، بل كقوة تضطلع بدور أخلاقي وسياسي. هي ليست وسيلة اتصال بل أداة اتهام، لا تُجمّل العالم بل تُشوّهه عمدا كي تُبرز قبحه. هذه اللغة لا تُصاغ بنحو الإنشاء الكلاسيكي، بل تتفتت، تتهشّم، تتلعثم، لأن ما تحاول قوله أعقد من أن يُقال بسهولة. يكتب السارد: "كل جملة أكتبها، أسمع خيري يقول لي: لا تصف، افضح. لا تُزيّن، عرِّ. لا تُشفق، دين." بهذه الجملة، يتكشّف أن الكتابة ليست فعلا جماليا، بل موقف أخلاقي، وأن الإنشاء الجميل – إن لم يكن مسنودا بضمير طبقي – يصبح تزويقا للخراب. ولهذا يتخلّى النص عن البلاغة السطحية لصالح بلاغة الجرح، عن الزينة لصالح الندبة، عن الأناقة اللغوية لصالح الخدش المتعمّد. تستعيد الرواية في ذلك تقاليد ما يمكن تسميته بـ"بلاغة المقهورين"، وهي البلاغة التي لا تسعى لإقناع القارئ بل لإرهاقه أخلاقيا، كي لا يبقى محايدا. وكما كتب جان بول سارتر: "على الكاتب أن يعرف أن كل جملة يكتبها تضع القارئ أمام خيار: إمّا أن يواصل، أو أن يصمت إلى الأبد." اللغة هنا إذا تقود فعل الإدانة. هي التي تجرّح، تفضح، تثير، وتوقظ. لا تُطرب القارئ بل تُربكه، لا تدله على الجمال بل على القبح المخفي تحت القشرة الليبرالية للواقع. وهذا ما يجعل النص يتجاوز جمالية الإنشاء إلى أخلاقيته. "في الأزمنة الفاسدة، تصبح البلاغة الحقيقية هي الصمت المكسور." – أدورنو ومن زاوية أخرى، يمكن فهم اللغة في الرواية بوصفها أيضا مرآة لتصدّع الضمير. فالسارد لا يكتب باستقرار، بل يتحدث من موقع الذنب، من موقع الشاهد العاجز عن التغيير. لذلك تتهجّن اللغة باللوم، وتُصاب بالتأتأة، وتعود مرارا إلى مشهد السقوط كأنها تسعى لتصحيحه بالكتابة. إن هذه اللغة المُذنبة تعكس انهيار المعنى الكلي، وتحاول ترميمه لا بالمفردات المحكمة، بل بالصدمة. وكأن الرواية تُعيدنا إلى لحظة ما قبل اللغة، حين كان الألم هو الجملة الوحيدة الممكنة. في النهاية، يتجلّى أن كل حرف في الرواية لا يقصد نقل مشهد أو وصف حالة، بل إثارة قلق، فتح جرح، كشف جريمة. ولذلك تصبح اللغة – لا فقط السرد – هي المحكمة الحقيقية التي تُقيمها الرواية ضد الزمن، ضد الجماعة، ضد الذات.
الفصل العاشر: الزمكان في الرواية – حين يصبح المكان فخًا والزمان لعنة.
في رواية منتصر السعيد المنسي، لا يعمل الزمكان كمجرد إطار تقني للأحداث أو خلفية خفية للسرد، بل يتكشّف كعنصر عضوي في البنية الرمزية للنص، وكقوة رمزية تشكّل الشخصيات وتؤثر على مصائرها. إن الزمان والمكان هنا ليسا ثنائيا خطيا متّسقا، بل هما فخّ روحيّ وطبقيّ. المكان لا يُحتضن، بل يُطرد منه. والزمان لا يُعاش، بل يُلاحَق كعقوبة. يقول السارد: "عدت إلى نفس الحي، فلم يعرفني أحد. حتى الأبواب صارت تُغلق في وجهي قبل أن أطرقها. لم يكن الزمان ما تغيّر، بل نحن الذين صار الزمن يُعاقبنا على وجودنا." (بشير الحامدي – السجل الممزق) هذا التصور يعكس ما وصفه فالتر بنيامين بـ"الزمن المفخّخ"، حيث تصبح اللحظة الحاضرة مكانًا لمحاكمة الذاكرة. فالماضي الذي كان منبعا للفخر الثوري، صار عبئا، والحاضر الذي بُشّر به كتحقيق للحلم، تحوّل إلى زمن خانق لا يعترف بالأبطال. أما المكان، فيتخذ هيئة منفية. هو مكان بلا حنين. لا حيّ شعبي يعيد الدفء، ولا مدينة تمنح الانتماء. يُشبه المكان في الرواية ما وصفه إدوارد سعيد بـ"الفضاء المسموم": مكان يُظهِر الحاضر لكنه يُخفي جذوره، ويُزيّن السطح لكنه يُقنِّع التشرد الرمزي. ولذلك فإن تنقّل الشخصيات في الأمكنة لا يُنتج تطوّرا بل تفكّكا. فكلما انتقل السارد أو منتصر، ازداد قلقه، كأن المكان نفسه يرفضه. ليس له مقرّ، ولا جهة، ولا بيت. حتى البيت العائلي الذي يسقط في النص، لا يسقط كحدث هندسي بل كرمز لزوال الحاضنة الطبقية. في أحد المقاطع يُكتب: "كان البيت هو الميراث الوحيد، فلما سقط، عرفت أن السقوط الحقيقي لا يكون في الساحات بل في الأساسات." الزمان كذلك لا يتقدّم في خط مستقيم. إنه زمن دائري، جرح يعيد نفسه، وخيبة لا تنتهي. وكأن الثورة ليست لحظة ماضية بل لعنة مستمرة. هذا الانحناء في الزمن يعيدنا إلى ما كتبه تروتسكي: "الثورة ليست تاريخا يُحتفى به، بل مستقبلا يُؤجّل بالقمع." من هنا تُعيد الرواية تعريف المكان بوصفه طردا، والزمان بوصفه إعادة إنتاج للهزيمة. وتُصبح لحظة السرد، لا استذكارا للماضي، بل نفيا للحاضر، ومطالبة بعدم تزييف الجغرافيا الرمزية للانتماء. في هذه الرؤية، ينفصل الزمان عن السرد التقليدي الذي يَعِد بالخلاص، وينفصل المكان عن كونه حيزا للهوية. فالهوية في الرواية لا تُبنى في المكان، بل تُهجّن وتُنفى. والذاكرة لا تعيش في الزمن، بل تُسحق فيه. هكذا، لا يعود الزمكان مسرحا للرواية، بل أحد أبطالها المعادين.
الفصل الحادي عشر: الجسد كأرشيف للقمع – من العلامة الفيزيائية إلى الندبة الطبقية.
في رواية منتصر السعيد المنسي، لا يظهر الجسد كبنية حسية محايدة، بل كوثيقة معذبة، كمخطوطة حية تنقش عليها الدولة والطبقة والتاريخ ندوبها. الجسد في هذا العمل ليس مجالا للرغبة، بل حيزا للألم. لا يُستعرض لتجميله، بل يُستدعى كشاهد مادي على القمع، كذاكرة لا تُكتب بالحبر بل بالدم والكدمات والارتجافات. منذ الصفحات الأولى، نرى كيف يُقدَّم الجسد بوصفه أولى ضحايا الخيانة الجماعية. الجسد المنهك، المعذَّب، المطرود من الصحة والراحة، يُصبح السجل الذي لم تتمكّن البلاغة من تزويره. يقول السارد: "كان ظهري يحكي أكثر مما يفعل لساني، ويداي المرتجفتان تُفسّران النص الذي عجزت عن كتابته." (الحامدي – السجل الممزق) في هذا التصوّر، يُعاد الاعتبار للجسد بوصفه لغة سابقة على اللغة، نصا سابقا على النحو. يُكتب الجسد عبر ما تحفره فيه الأنظمة، والعلاقات الاجتماعية، والأحلام المجهضة. كل ندبة على الجلد هي سطر مفقود من التاريخ، وكل انحناءة هي اقتباس من معجم القمع. "الأجساد تحمل الحقيقة التي يرفض اللسان نطقها خوفا من السياق." – ميشيل فوكو. ولا يكتفي السرد بتقديم الجسد كضحية، بل يُعيد تأويله كجهاز مقاومة. في لحظات الصمت، حين لا يتكلم أحد، يُصبح الجسد لغة احتجاج. العرق، الرعشة، الدم، كلها علامات على رفض غير ناطق. وهنا نلتقي مع ما قاله فرانز فانون: "إن الجسد المستعمر لا يُستعاد بالخطاب، بل بالصراخ." والصراخ في الرواية لا يُسمع فقط في الصوت، بل في التنهيدة، في الشلل، في رفض اليد أن تكتب أو في ميل الرأس على الطاولة. الجسد هنا لا يتعاون مع القهر، بل يقاومه بطريقة خام، بدائية، لا تحتاج إلى تنظير. كما أن الجسد في الرواية يرتبط بالطبقة بشكل عضوي. فالأجساد المتعبة ليست فقط نتيجة المرض، بل هي نتيجة فائض استغلال. أجساد الذين ظلّوا في الهوامش، خارج عدسة الكاميرا وخطاب التنمية. يقول السارد: "أقدامي تعرف الطرقات أكثر مما تعرفها الدولة، وركبتي تحفظ السلالم أكثر مما تحفظها مكاتب البلدية." بهذا المعنى، لا يعود الجسد متلقّ سلبي، بل ذاكرة طبقية حية، تستعيد من خلالها الرواية سرديات المسحوقين. الجسد الذي لا يُرى في التلفاز ولا يُذكر في الخطابات، يجد في النص مساحة للظهور كصوت غائب طال قمعه. وهكذا يُصبح الجسد هو النص الموازي، النص البديل، النص الصادق. لا تنميق فيه، لا ترتيب، لا حبكة، بل نسيج من الجروح والندوب، يصلح لأن يكون مرآة لحقيقة لا يجرؤ أحد على الاعتراف بها.
الفصل الثاني عشر: الحبكة والسرد – من الفعل الروائي إلى التكتيك الطبقي.
في رواية منتصر السعيد المنسي، تتراجع الحبكة التقليدية بمعناها الكلاسيكي لتفسح المجال أمام نوع من البناء السردي المفتوح، الذي لا يعتمد على الإثارة أو التطور المتصاعد للأحداث، بل يُفضّل التراكم الهادئ للخيبة، والانغماس في الطيف الكامل لانهيارات الذات والجماعة. لا شيء يتحرك في الرواية كما تتحرك الشخصيات في روايات النموذج البرجوازي، بل كل شيء ينزلق، يتهاوى، ويغرق في تكرار مُتعب للخذلان. الرواية لا تبحث عن عُقدة تُحل أو صراع يُحسم، بل تصوغ سردها بوصفه تمرينا مستمرا على الاعتراف. الاعتراف بالخذلان، بالهزيمة، بالخيانة. لذلك تبدو الحبكة أقرب إلى وثيقة تتراكم فيها الشهادات، منها إلى سيناريو متماسك يُفضي إلى نهاية واضحة. الشخصيات لا تتطوّر بقدر ما تُجرّب أن تبقى واقفة وسط انهيارات متتالية. في هذا المعنى، تتقاطع الرواية مع ما يُعرف في النقد الماركسي بـ"تفكيك التراتب السردي البرجوازي"، الذي يُفضّل بناء متماسكا يقود إلى خلاص. أما هنا، فالسرد نفسه هو شكل من أشكال النفي: نفي التجميل، نفي الخاتمة، نفي الحلول الوسط. يقول السارد: "لا أبحث عن نهاية، بل عن طريقة لكتابة هذا الألم دون أن أتحوّل إلى مهرّج في حفل ثقافي." لذلك يصبح السرد نفسه تكتيكا طبقيا. ليس لأن الرواية ترفع شعارات مباشرة، بل لأن بنية السرد ترفض منطق التسلية، وترفض المسافة المريحة بين النص والقارئ. النص هنا لا يُسلّي، بل يوجع. لا يُقنع، بل يُورّط. يورّطك كقارئ في حالة من التهشيم البطيء. وفي غياب الحبكة الصاعدة، تتكرّس البنية بالتوازي مع ما وصفه لوكاتش بـ"الرواية التي تمثل هزيمة الفعل الثوري". وهي تلك الروايات التي لا تنتهي إلى انتصار، بل إلى إدراك مفجع بأن اللحظة الثورية تمّت خيانتها. منتصر السعيد المنسي، بهذا المعنى، لا تُحاكي الثورة بل تحاكمها، ولا تسعى لاستعادة منطق الحكاية بل لتفكيكه. وهكذا فإن السرد يصبح تموقعا طبقيا، والحبكة تتحوّل إلى مرآة لهشاشة الواقع. الرواية لا تُقدّم حكاية بل تُسجّل ارتباك الحكايات، وتُعلن أن الخلاص ليس سرديا، بل سياسيا. ومن لا يدرك ذلك، سيجد نفسه يقرأ في رواية أخرى، ليست هذه.
الفصل الثالث عشر: خيري الدبوسي – من قناع السارد إلى صوت الضمير الجماعي.
منذ ظهوره الأول، لا يُقدَّم خيري الدبوسي في رواية منتصر السعيد المنسي كشخصية تقليدية لها دور درامي في الحبكة، بل كصوت داخلي – حادّ، قاطع، حازم – يقيم في وجدان السارد كمثل أخلاقي، وكمعيار طبقي لا يرحم. إن خيري لا يخرج من فم الكاتب، بل يخرج من أعماقه. لا يُكتب بل يُستدعى، كأنّه سلطة معرفية وأخلاقية كامنة، كأنّه تجل للضمير الطبقي المُؤرَّق. هو ليس شخصية تُبنى وفق منطق السرد، بل كينونة رمزية تتقاطع فيها وظيفة الرقيب والمحرّض والجلاد والمُلهم. هو ليس الآخر، بل الأنا وقد تطهّرت من المهادنة. في أحد المقاطع يقول السارد: "لم أعد أفرّق إن كنت أكتب بصوتي أم بصوته. خيري لا يُملي عليّ بل يستخرج مني ما كنت أخجل أن أكتبه." وهنا يتجاوز خيري وظيفة الشخصية الروائية، ليصبح جهازا مناعيا ضد الخيانة السردية. في الأدب التقليدي، تكون الشخصيات وسائل توصيل؛ أما هنا، فخيري هو أداة تطهير، آلية رقابة ذاتية ترفض التزييف، وتطالب الكاتب بأن يُحاكم قبل أن يحاكم الآخرين. "ليست هناك كتابة بريئة في زمن الخيانة." – جان جينيه خيري بهذا المعنى يشبه "الضمير الجمعي المقموع"، هو الحارس الغائب الذي لا يسمح للكاتب أن ينزلق في الحنين أو في الاعتدال. كلما لانت العبارة، جاء صوته كالصفعة. كلما اقترب النص من التعاطف، قساه. وكلما أوشك أن يتصالح، زعزعه. وهذا ما يجعل من الرواية سردية ضمير أكثر مما هي سردية حدث. في رمزيته، يُحيل خيري إلى مفاهيم ماركسية مثل "الوعي الطبقي المضاد"، ذلك الوعي الذي لا ينعكس في الواقع الظاهري بل في الصراعات الكامنة. السارد لا يملك هذا الوعي، بل يُمتلك به، وخيري هو صوت هذه الملكية الثورية. "خيري ليس فقط من يملي السرد، بل من يمنع النسيان." ولا ننسى أن خيري هو أيضا استعارة للمثقف العضوي الغائب. في زمن تسلّل فيه المثقفون إلى الإدارات والمنصات المموَّلة، يظهر خيري ليقول: "لا معنى للكلمة إن لم تكن طعنة في خاصرة السلطة." هذه المقولة تحضر دون أن تُقال، لأن خيري، في صمته العنيف، يُمثّل البديل الرمزي لمثقّف سقط في السوق. في بُنية الرواية، لا يُمنح خيري دورا محدودا، بل يظل طيفا دائما. هو لا يُقتل، لا يختفي، لا يُهزم. إنه يقيم في كل جملة، في كل بياض بين الفقرات، كأنّه سلطة غير مرئية على اللغة نفسها. "الصوت الآخر لا يأتي من بعيد، بل من داخل ما كنا نظنه أنفسنا." وهكذا يتحوّل خيري من شخصية إلى جهاز نقد داخلي، من كائن روائي إلى سلطة أخلاقية، من شخص إلى استعارة. استعارة تقول: "المنسيّون لا يموتون، بل يتحولون إلى صدى، إلى ضمير، إلى خيري."
الفصل الرابع عشر: النهاية المفتوحة – حين يُترك الجرح بلا ضماد.
تُختتم رواية منتصر السعيد المنسي لا بنهاية تحسم المصير أو تعيد ترتيب الفوضى، بل بانفتاح متعمد على الجرح. لا مصالحة، لا استقرار، لا خلاص. فالنص لا يُنهي سرديته كما تفعل الروايات البرجوازية التي تُعيد ترتيب النظام بعد الفوضى. بل يختار أن يترك الفوضى قائمة، ويعلن بصراحة أن الجرح لن يُشفى، وأن الحقيقة لا يمكن ترميمها عبر السرد. هذا النوع من النهايات يخرج عن النمط الأدبي السائد، ويُقارب ما سماه بول ريكور بـ"اللاختتام الضروري"؛ حيث يُترك القارئ في مواجهة الانهيار دون تعليمات للتعامل معه، فقط بإحساس خفي أن ما انتهى لم ينتهِ حقًا، بل سيعود بطريقة ما. في الرواية، لا يموت المنتصر ولا ينتصر. لا يُكافأ ولا يُعاقب. يبقى معلقًا في حالة تشبه الحياة ولكنها لا تنتمي إليها. كأنه نُزع من العالم الحقيقي، لا ليُدفن، بل ليُروى كشاهد. يقول السارد: "لست أدري إن كنت قد كتبت كل شيء، أم أن ما تبقّى هو الأهم. لكن خيري قال: لا تُنهي، فالنهاية تعني أنهم ربحوا." بهذا المعنى، تصبح النهاية فعل مقاومة. المقاومة هنا ليست ثورية بمعناها الفعلي، لكنها روائية: رفض أن يُمنح القارئ الخاتمة التي تُريحه. رفض أن يُغلق الملف، أن يُطوى الشاهد، أن تُدفن الجثة الرمزية. "كل نهاية مرتّبة هي بداية للكذب." – رولان بارت ولعل ما يزيد هذه النهاية قوة هو أنها تُبقي خيري الدبوسي في حالة تيقظ. لم يُغلق دفاتره، لم يختفِ صوته، لم ينسحب من السرد. يظلّ هناك، حاضرا بين الفقرات، كأنّه الشاهد الذي لم يُسْتَدْعَ بعد. وهذا ما يجعل من النهاية مساحة فارغة بقدر ما هي مشحونة. ومن الزاوية الطبقية، تعني هذه النهاية أن الهزيمة لم تُقبل بعد. أن الانحناء لم يتحوّل إلى خضوع. أن المنسيّين، حتى وإن لم ينتصروا، لم يُسجَّلوا كمهزومين بعد. الرواية لا تمنحهم تمجيدا ولا تماثيل، لكنها تمنع نسيانهم. وهكذا تُصبح النهاية المفتوحة وجها آخر لفكرة الرواية كلها: أن الكتابة ليست اعترافا، بل رفض. ليست تسجيلا للتاريخ، بل توقيفا له قبل أن يُزوّر. ليست إغلاقا للصفحة، بل تمزيقا لها كي لا تُصبح مستندا رسميا. "أكتب كي لا تُقفل القصة، لأن القصة إذا أُقفلت، لن تعود لنا." – من الرسالة الأخيرة في الرواية وهكذا، تختم الرواية مسيرتها كما بدأت: صرخة، لا نتيجة.
الفصل الخامس عشر: الرواية كوثيقة طبقية – ضد محو الذاكرة وتحنيط الثورة.
منذ أولى صفحاتها، تعلن رواية منتصر السعيد المنسي انحيازها الصريح للذاكرة المضادة. ليست الرواية تمرينا على إعادة التذكّر، بل على استرجاع الوعي الطبقي المسحوق الذي سعت الثورة المضادة إلى مسحه. إنها ليست فقط نصا روائيا، بل وثيقة، أو بالأحرى مضاد-وثيقة، ضد ما سُمي بالانتقال الديمقراطي وضد تحنيط الثورة في المتاحف الإعلامية والخطابية. في عالم ما بعد الثورة التونسية، حيث تمت مصادرة الحلم وتحويله إلى فقرات بلاغية، تأتي الرواية لتفتح جرحا بدلا من وضع ضماد. إنها لا توثّق الحدث بقدر ما ترفض الرواية الرسمية عنه. وهذا ما يجعلها تشبه ما وصفه فالتر بنيامين بـ"وثيقة مضادة للتاريخ الرسمي"، ذلك التاريخ الذي لا يُكتب بأقلام المهزومين. "كل تاريخ هو تاريخ المنتصرين، وما تُهملُه الأرشفة تُكمله الرواية الصادقة." – فالتر بنيامين، أطروحات في مفهوم التاريخ تمنح الرواية صوتا لا للمركز بل للهامش، لا للمُدوَّن بل للمَحذوف، ولا للمؤرَّخ بل للمنسي. فهي تكتب من قلب الطبقة، لا من شرفة النقد الأكاديمي، ولا من مقعد التحليل السياسي. إنها لا تسعى إلى شرح الأسباب بل إلى فضح القبح. يقول السارد: "كنت أكتب لأنني لم أعثر على صفحة واحدة لم يمسها التزوير. حتى في جثث الشهداء، كانوا يفتشون عن معنى لا يشبههم." في هذه العبارة تكثيف لوظيفة الرواية كوثيقة مضادة: لا لتضيف إلى السرد، بل لتفككه. لا لتُذكّر فقط، بل لتمنع النسيان المتواطئ، وتعيد تثبيت الحكاية من وجهة نظر الذين لم يُسمح لهم بكتابتها. ومن هنا، تتحوّل الرواية إلى شكل من أشكال التاريخ المضاد: تاريخ تُدوّنه اللغة لا لتأريخ الماضي بل لكشف استمرارية القمع في الحاضر. وهذا يُعيدنا إلى مقولة أنطونيو غرامشي: "إن معركة الذاكرة، هي معركة ضد احتكار المعنى." وهكذا تُمثّل منتصر السعيد المنسي معركة رمزية ضد قوى تمحو وتُعيد تدوير الوجع في صيغ قابلة للاستهلاك. إنها تُعيد للمأساة حقيقتها، وترفض أن تتحوّل إلى مشهد فلكلوري أو ملصق دعائي. من هنا جاءت صرامة السرد، وحدّته، ورفضه للانغلاق في نهاية. إن الرواية ليست فقط رواية بل موقف، ليست حكاية بل أرشيف مفتوح، لا يُطلب تصديقه بل يُفرض كندبة في ضمير القارئ.
أخيرا لا تترك رواية منتصر السعيد المنسي مجالا للحياد. إنها لا تُخاطب القارئ لتسلّيه، بل لتستنطقه. لا تُقدّم الحكاية بوصفها بديلا عن المواجهة، بل بوصفها استمرارا لها بوسائل رمزية. لقد اختار بشير الحامدي أن لا يكتب رواية عن الثورة، بل أن يكتب رواية تُمارس الثورة، أن لا يُدوّن السقوط، بل أن يُدين من تسبب فيه. هذا النصّ ليس مجرد سرد، بل بيان سردي، جبهة لغوية مفتوحة، حيث تتحول الجملة إلى خندق، والفقرة إلى منبر، والشخصية إلى شاهد إثبات. لا توجد حيادية هنا، لأن الحياد هو نوع من التواطؤ. ولا توجد نهاية مغلقة، لأن التاريخ نفسه ما زال مفتوحا على احتمالات الخيانة والانبعاث معا. تُذكّرنا الرواية أن "الكتابة ليست مرآة للواقع، بل مطرقة لكسره"، كما قال برتولد بريخت. وأن اللغة التي لا تُربك، لا تُوقظ. وأن الكاتب، إذا لم يكن شاهدا طبقيا، فهو إما أداة تزويق أو شاهد زور. "ليست الكتابة ترفا فكريا، بل دفاعا عن الذين لا يملكون صوتا." – تروتسكي وفي رواية بشير الحامدي، تُعاد للمنسيين لغتهم، وتُسحب من الخونة البلاغة. إذ ما فائدة الأدب إذا لم يفضح؟ وما جدوى الحكاية إذا لم توقف الكذب؟ تخرج الرواية من بين أيدي قرّائها لا لتُريحهم، بل لتضعهم في قفص الاتهام. من قرأها ولم يشعر بالخجل، فاته كل شيء. ومن أنهى آخر صفحاتها دون أن يفكر فيما سُلب، فربما هو من الجناة. بهذا المعنى، منتصر السعيد المنسي ليست فقط رواية. إنها ذاكرة، دعوى قضائية، مرآة، وسؤال لم يُجب عليه بعد: من الذي خاننا؟ ومن الذي سيكتب بعد ذلك دون أن يخون؟.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية
...
-
قراءة نقدية في المجموعة القصصية -ولع السّباحة في عين الأسد-
...
-
الإمبريالية الأمريكية بنَفَس ترامب: وقاحة القوة ونهاية الأقن
...
-
ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة
-
القصيدة ما بعد الّنثر
-
افكار حول البناء القاعدي والتسيير
-
قراءة في مجموعة -نون أيار- للشاعرة نسرين بدّور.
-
القصيد ما بعد النّثر
-
بيان
-
بكاءُ السُندسِ في المنفى....
-
عيد الشّغل: من نضال طبقي إلى مناسبة رسمية بروتوكولية.
-
الحداثة وما بعد الحداثة بين ديكتاتورية البرجوازية وخيانة الت
...
-
مراجعة مجلّة الشّغل التّونسية: بين تعزيز الاستغلال الرّأسمال
...
-
نساء بلادي أكثر من نساء و نصف
-
النّضال من أجل الدّيمقراطية والحرّيات العامّة والخاصّة
-
الدولة البوليسية المعاصرة
-
إرهابيّ أنا
-
حاسي الفريد / ما يشبه القصّة
-
المركزية الديمقراطية
-
عالم يُنتج وآخر يستهلك: الثورات الصناعية الاربعة
المزيد.....
-
المسيح في مصر بين المصادر الدينية القبطية وخيال الرسامين الأ
...
-
باستخدام الدم وقشر البيض ويرفض الأدوات الحديثة.. هذا الفنان
...
-
إطلاق مشروع ترجمة خطبة -يوم عرفة- بـ34 لغة
-
نجم أمريكي يثير الجدل بعد تقبيله علم فلسطين خلال حفل ضخم في
...
-
ظلال سايغون.. كيف تعيش فيتنام حربها بعد نصف قرن؟
-
فنانة تُجسد لحظات الأمومة الحميمة من خلال لوحات معبرة
-
راهبتان برازيليتان تفاجئان مقدم برنامج ديني بالرقص والغناء
-
37 مليون جنية في أسبوع واحد بس! .. ايرادات فيلم مشروع اكس بط
...
-
-أريد موتًا صاخبًا لا مجرد عدد-.. ماذا قالت بطلة فيلم وثائقي
...
-
هونر تشعل المنافسة بين الهواتف العملاقة بهاتفها HONOR X9c ال
...
المزيد.....
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
المزيد.....
|