أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رياض الشرايطي - الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للعزلة والقمع.















المزيد.....

الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للعزلة والقمع.


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 22:02
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في لحظة ما، تقرّر الشّعوب العربيّة أن تمنح ثقتها لشخص مدني، لا خلفية عسكرية او أمنية له، لم ينقلب على دستور، ولا دخل القصر في دبّابة، بل جاء عبر صناديق الاقتراع، ورافقته الوعود والشّعارات والصّور العائلية والملامح المتواضعة والكلمات الحانية التي تلمس أوجاع النّاس. تلك كانت لحظة الحلم. لحظة الاعتقاد بأنّ بإمكان صناديق الاقتراع أن تنجب خلاصا، أو أن تعيد السّياسة إلى مكانها الطبيعي: في خدمة المجتمع، لا في استعباده. ولكنّ ما إن يُفتح باب القصر الرّئاسي، حتى يغلق باب التّواصل الشّعبي.
فالرّئيس في الوطن العربي، لا يكاد يطأ بلاط الحكم حتى يبدأ بالتحوّل. ليس فقط تحوّلا في الخطاب أو الشّكل، بل تحوّلا في الجوهر والسّلوك والانتماء الطبقي. يتبدّل صوته، وتختنق لغته، وتتخشّب إيماءاته، ويزداد وجهه صرامة وجفافا، ويتحوّل من مرشح شعبي إلى رجل بلاستيكي، من لحم إلى قناع، ومن ابن للحارات الشعبيّة إلى خادم لأروقة الأجهزة.
وما يحدث ليس فرديّا أو نفسيّا فقط، بل بنيوي وسياسي. إنّه نتاج نظام لا يسمح بالحكم إلّا بشرط الخضوع المسبق لمنظومة السّيطرة، ورضا العروش الخفيّة التي تحكم دون أن تظهر. من هنا، يصبح الرّئيس أكثر ولاء لأجهزة الدّولة العميقة من الجنرال نفسه. فهو يعرف أنّه دخيل على هذه القلعة، وأن "الشّرعية الانتخابيّة" في بلادنا لا تحمي صاحبها بل تضعفه، وتدفعه منذ اللّحظة الأولى إلى البحث عن شرعيّة بديلة، لا يمنحها إلا الجيش، أو الأمن، أو المال السياسي الفاسد.
فلا يكفي أن تفوز بالصندوق، يجب أن يرضى عنك الحاكم الحقيقي: الرّعب المتجسّد في المؤسسات الأمنية.

1: من "رئيس منتخب" إلى "رهينة أمنيّة": الرّئيس كزائر غير مرغوب فيه.

منذ اللحظة التي يعلن فيها فوزه، لا يعامل الرّئيس في الأنظمة العربية كناتج طبيعي لإرادة شعبيّة، بل كغريب على السّلطة، وكمن تسلّل إلى قلعة تدار منذ عقود على منطق الهيمنة لا التّداول. يدخل الحكم، لا كحاكم بل كـ"زائر ثقيل"، فتتغيّر أولوياته لا نحو خدمة الشّعب، بل نحو طمأنة الحاكم الحقيقي: الأمن.
في أوّل خطوة، يتوجّه إلى وزارة الدّاخلية أو قيادة الأركان. لا لفرض مدنية الدولة، بل لضمان حمايته الجسديّة. ولتوقيع "ميثاق ضمان البقاء". يعلم أنّه يحكم شعبا فقط على الورق، بينما القوة الفعليّة بيد الامن والمخابرات ورجال المال المرتبطين بهما. فيبدأ بخطوته الأولى نحو فقدان الاستقلاليّة.
🔻 "الديمقراطيّة في بلادنا تبدأ عند الصّندوق وتنتهي عند باب وزارة الدّاخلية."
نزار قباني
وبدل أن يُحدث قطيعة مع الإرث السّلطوي، يسارع إلى استرضائه، لأنّ بقاءه في المنصب مرهون بتوازنات لا علاقة لها بالصّندوق ولا بالنّاس. فيرضخ، ويتحوّل من مشروع تغيير إلى موظّف في منظومة القمع، من رئيس إلى وسيط بين الشّعب والدّولة البوليسيّة.
وهكذا، يصبح هذا الرّئيس، الذي لم يحمل سلاحا، حليفا متحمّسا للمؤسّسة الأمنية أكثر من الامني نفسه، لأنّه يدرك أنّه بلا حمايتها لا يستطيع أن يصدر حتى بيانا. يتحوّل إلى رهينة بربطة عنق، وإلى جسد هشّ يخاف من الظلّ الشّعبي الذي جاء به.
الرّئيس في النّظام العربي ليس رئيسا، بل رقما سريّا في معادلة لا يملك مفاتيحها.

2: بين الحماية والبقاء: عندما يصبح الحكم فعل خوف لا مشروعا سياسيّا.

بعد أن يطمئن الرّئيس الجديد حماة النّظام الحقيقيين، يبدأ بالتّفكير في أولويات الحكم، لكنّ الأولويات لا تأتي من خطاب القسم، بل من فوبيا السّقوط. فيتحوّل من صاحب برنامج انتخابي إلى شخص مأخوذ بالكامل بفكرة البقاء.
السؤال الأوّل في ذهنه لم يعد:
"ما الذي أريد أن أغيّره؟"
بل:
"كيف لا أسقط؟ وكيف لا أغضب ، من يجب ألا يُغضب؟"
"كيف احصّن نفسي دستوريا من المحاسبة و عائلتي عندما أغادر الرّئاسة؟"
ومن هنا، تبدأ رحلة السّقوط السّياسي الأخلاقي. فتصبح الحماية الشّخصية لا أحد ملفّات الحكم، بل قاعدته التّأسيسية. يضيف الحراسات، ويقصي الأصوات النّقدية حتى داخل دائرته، ويبحث عن تحالفات مع رجال المال ووسائل الإعلام المرتزقة، لا ليخدم النّاس بل ليجمّل صورته، ويوزّع رعبه الوقائي على الجميع.
🔻 "الحاكم الخائف من السّقوط لا يحكم، بل يتدلّى فوق هاوية النّظام."
علي حرب
ثم تتوالى الانحرافات: بدل الإصلاح، يركّز على العلاقات العامّة، وبدل توزيع الثّروة، يوزّع الخطابات، بدل مواجهة الاستبداد، يصبح حليفا له. يتحوّل من منتخب إلى بقايا شعبوية تموّه الفراغ السّلطوي.
كلّ ما يصدر عنه منذ تلك اللّحظة ليس مشروعا وطنيّا بل إعلانات ترويجيّة لحملة انتخابية دائمة لا تنتهي. يصبح في حالة استنفار دائم، لا بسبب حيويّته السّياسية، بل بسبب قلقه العميق من أن يفقد الكرسي، فيُغرق البلاد في خطابات إنجازيّة، ولو لم ينجز شيئا.
🔻 "الحاكم الذي لا ينهي حملته الانتخابية، لا يعرف كيف يبدأ في الحكم."
عبد الرحمن منيف.
ولأنّه بلا سلطة فعليّة مستقلّة، يلجأ إلى تصعيد رمزي للسّلطة: يكثر من المواكب، يحيط نفسه بالمصفّحات، ويشيّد الأسوار العالية حول خطبه و يصنع عدوا داهما هو فقط من له القدرة على مواجهته. الشّعب الذي انتخبه يصبح ذكرى، والبرنامج يصبح مجرّد شعار قديم على جدار قاعة الاجتماعات.

النقطة 3: الرّئيس كـ"مرشّح دائم": من وظيفة الحكم إلى وظيفة التّسويق.

في الأنظمة الدّيمقراطية، تنتهي الحملة الانتخابية يوم إعلان النّتائج، ليبدأ العمل السّياسي الحقيقي. أمّا في الوطن العربي، فإنّ فوز المرشّح لا يعني إلّا انطلاق موسم جديد من العلاقات العامّة السّياسية، يتحوّل فيه الرّئيس إلى "مرشّح دائم"، في حملة متواصلة، لا يدير فيها دولة بل يدير صورته، لا ينجز مشاريع بل يراكم الخطابات.
في هذا السّيناريو المأساوي، يصبح الرّئيس منشغلا بتجميل وجهه أكثر من تغيير الواقع. تصبح لغة الإنجاز مرهونة بعدسات الكاميرا، وتصبح القرارات مؤجّلة إلى حين ظهور الفرصة الدّعائية المناسبة. كلّ فعل سياسي يقاس بمدى ما سيخلّفه من لقطات قابلة للمونتاج، لا من أثر في حياة النّاس.
🔻 "حين تتحوّل السّلطة إلى مسرح، يصبح الشّعب مجرد متفرّج صامت على تمثيلية الرّداءة."
إدوارد سعيد
الرّئيس الذي كان بالأمس في الأزقّة الشّعبية، بات اليوم في استوديو دائم البثّ، و لا يسمع صدى صوته، بل فقط تصفيق موظّفي الدّولة، والوجوه المتخشّبة التي تحاوطه في كلّ زيارة ميدانيّة مبرمجة بعناية للتصفيق و التهليل .
كلّ نشاط يصبح فرصة انتخابيّة مؤجلة: تدشين مصنع لم يبدأ العمل، أو افتتاح طريق لم تكتمل، أو إعلان خطّة اقتصادية لم تناقش. المهمّ أن تلتقط الصّورة، أن يعرض الحدث، أن يقال للرّأي العامّ: “الرّئيس لا ينام”.
🔻 "السّياسة عندهم ليست فنّ الممكن، بل فنّ الإيهام."
عبد الكبير الخطيبي
لكنّ الواقع يصرخ بعكس ذلك. الشّعب لا يجد تغيّرا في المعيشة، التّعليم منهار، الصحّة تحتضر، والفقر يتمدّد، بينما الرّئيس يشيّد قصرا في الإعلام، ويسكنه وحده.
هكذا يتآكل معنى الحكم، لأنّ الرّئيس لم يعد يحكم، بل يسوّق لنفسه كعلامة سياسيّة تجاريّة: وجه ملمّع، وخطابات متكرّرة، لا تتغيّر إلّا في القوافي والدّيباجات. أمّا الجوهر، فهو الخوف: الخوف من السّقوط، من المعارضة، من تراجع الصّورة. فيصبح شغله الشّاغل: كيف أبقى؟ بدل أن يكون: لماذا جئت؟

النقطة 4: التحوّل الجسدي والنفسي: من المواطن إلى "الرّمز المصفّح".

التحوّل الأكبر لا يحدث فقط في السّياسة، بل في الجسد نفسه. لقد دخل هذا الرّجل السّلطة ببذلة بسيطة، ووجه منفتح، وخطاب دافئ، لكنّه يخرج منها ، أو يختفي فيها ، بجسد جديد: جسد مشلول بالعزلة، غارق في البروتوكول، غير قادر على الخطأ أو الاعتراف.
يتغيّر مشيه: يصبح متخشّبا.
يتغيّر صوته: يصير مفلترا.
تتغيّر نظراته: منفتحة على الشاشة، مغلقة على الناس.
تتغيّر لغته: من التواضع إلى الجزم، من "أعدكم" إلى "أقرر".
🔻 "حين تعزل السّلطة عن الجسد، تصبح تمثيلا بصريا لا حياة فيه."
ميشيل فوكو
الرّئيس الجديد لا يخطئ. لا يعطس. لا يغضب أحدا علنا. يتصرّف كما لو كان مقيما في تمثال من الرّخام، لا إنسانا يحكم. كأنّ البذلة الفاخرة لا تغطي جسده، بل تخنق روحه. لقد تمّت "أمنَتته" جسديا، وأصبح يتحرّك كمشهد محسوب، لا كإنسان فاعل.
هذا التخشّب الرّمزي لا يدلّ على قوّة بل على رعب داخلي. الرّئيس لم يعد بين النّاس، بل صار بينهم وبين الشّاشات. لم يعد يتحدّث بلغة الشّارع، بل بلغة معقّمة لا تحمل حرارة ولا شكّا. وكأنّ الصّدق السّياسي أصبح تهديدا، والضعف البشري صار خيانة وطنيّة.
في هذه اللحظة، يفقد الرّئيس إنسانيته، ويكسب رمزيته، لكنّه يخسر القدرة على الحكم. لأنّه لا يمكنك أن تحكم شعبا لا تشبهه. ولا أن تصلح واقعا وأنت لا تراه إلّا من زجاج سيارتك المصفحة.
إنّه التحوّل من "ابن الشّعب" إلى "ظلّ الدّولة". لا يلامس الأرض، لا يعرف حرارة الشّمس، لا يسمع صوت الاحتجاج. ينفصل عن الواقع تدريجيّا، إلى أن يصبح هو نفسه، واقعا منفصلا عن كلّ ما يجري تحته.

النقطة 5: من ديمقراطيّة الأصوات إلى ديكور سلطوي: صناديق اقتراع تنتج استبدادا منمّقا .

يبدو في الظّاهر أنّ الرّئيس وصل إلى الحكم عبر آليات ديمقراطيّة: انتخابات، حملات، مناظرات، صناديق، أصوات. لكنّ الحقيقة المرّة تكشف أنّ هذه الدّيمقراطية مشهديّة، زائفة، ومضبوطة على قياس النّظام القائم. إنّها ديمقراطية بلا مضمون، بلا مؤسّسات مستقلّة، بلا موازين قوى فعليّة، وخصوصا: بلا قدرة على المحاسبة.
🔻 "الصندوق لا يساوي شيئا إذا كان معدّا مسبقا لإنتاج الحاكم الذي يريده النّظام لا الشّعب."
جورج طرابيشي
الانتخابات هنا لا تنتج سلطة، بل تجدّد شكلها الخارجي. تجمّلها. تبرّرها. لكنّ كل مفاصل الدّولة من قضاء، أمن، إعلام، وإدارة، تظلّ وفيّة للمنظومة القديمة، تحرسها لا من الشّعب، بل من خطر التغيير. ولذلك، فإنّ أي رئيس ينجح، يجد نفسه وسط شبكة معقّدة من القوى التي لا يقدر على اختراقها، بل يسعى إلى إرضائها و حتّى انّه اذا لزم الأمر يبدع في الإضافة لها بما يرضيها أكثر و يحصّنها أكثر و خاصّة في شان القضاء و تدجينه ، و ضرب لحرية التعبير و الرأي، و ضرب لحق النقابي و الجامه.
هكذا، يتنازل تدريجيا عن وعوده، ثم عن حرّيته، ثمّ عن سلطته. يتحوّل من رئيس منتخب إلى منفّذ إداري لأجندة ثابتة لا تقبل التّعديل. يعزل دون أن يقال. يفرّغ دون أن يهاجم. يتحوّل وجوده إلى صدفة ديمقراطيّة لا تؤثّر على شيء.
🔻 "الاستبداد الحديث يرتدي اليوم بدلة ديمقراطية، لكنّه يحتفظ بالحذاء الحديدي نفسه."
نعوم تشومسكي
وهكذا، لا يبقى من التجربة الانتخابيّة سوى صور الرّئيس في قصره، ومقاطع خطاباته في القنوات، بينما الشّعب يزداد فقرا، والطّبقات الوسطى تتآكل، واحتكار السّلطة والثّروة يشتدّ باسم الإصلاح.
إنّها ديمقراطية النّوافذ المغلقة: نوافذ تفتح فقط للتّصفيق، لا للنّقد. نوافذ تظهر الرّئيس كمنتصر، بينما السّلطة الفعلية خلف السّتار، تواصل إنتاج البؤس.

النقطة 6: رؤساء اللاتين وسكّان القصر العربي: الفارق بين "التكليف الشّعبي" و"التحصّن من الشّعب" .

حين ننظر إلى رؤساء أمريكا اللاتينية، نجد تجارب تحكمها علاقة مباشرة ومفتوحة مع الجماهير. الرّؤساء في بوليفيا، الأورغواي، البرازيل ، وحتى المكسيك، جاؤوا من رحم الحركات الاجتماعيّة، وواصلوا علاقتهم الحيّة مع الشّارع حتّى بعد دخول القصر.
"إيفو موراليس" على سبيل المثال، كان يزور الأسواق بلا مواكب، ينام في بيوت الفلاحين، ويهاجم الشّركات الأمريكية الكبرى. "لولا دا سيلفا"، عامل المعادن الذي أصبح رئيسا، ظلّ حتّى في أشدّ لحظاته ضعفا قريبا من النّاس، و لم يخنهم.
في المقابل، نجد الرّئيس العربي ، يتحوّل إلى رجل ظلّ منذ الأسبوع الأوّل لحكمه. لا يظهر إلّا في مناسبات مغلقة، يحيط نفسه بجيوش من الحرّاس، ولا يزور المدن إلا بعد "تأمينها"، ولا يتحدّث إلاّ من خلف منصّة مزيّنة بالأعلام والابتسامات المصطنعة.
🔻 "السلطة التي تخاف من شعبها لا تمثّله، بل تحتقره."
إدواردو غاليانو
لا يركب الحافلة، لا يتنقّل بين النّاس، لا يرى كيف يهان الفقراء في المستشفيات، لا يشهد كيف يداس العمّال في المزارع والمصانع. يكتفي بتقارير مكتبيّة امنية، وبيانات وزاريّة، ونشرات دعائيّة تقول له إنّ "كل شيء بخير".
هذا الانفصال عن الجسد الشّعبي، عن الأرض، عن العرق والدّم والكدح، لا ينتج إلّا حكما شكليّا، مرعوبا، خائفا من الشّعب الذي يفترض أنّه يمثّله. وبدل أن يحكم باسم النّاس، يصبح حاكما ضدّهم، وبدل أن يحتمي بالشّعب، يحتمي منه.
🔻 "الثّوري الحقيقي هو الذي لا يغلق بابه أبدا أمام النّاس."
تشي غيفارا
وهكذا، تتحوّل الرّئاسة إلى قصر مغلق، وتتحوّل الدّولة إلى جهاز مراقبة، ويتحوّل الشّعب إلى عدوّ افتراضي، ينبغي رصده وتسكينه بالخطابات لا بالعدالة.

7: التجميل بدل الفعل: الدّولة كشاشة والرّئيس كعارض أزياء سياسي .

كل ما يصدر عن الرّئيس بعد انخراطه في منظومة البقاء السّلطوي ليس سياسة، بل تسويق سياسي مفرغ من المحتوى. ينشغل بنفسه أكثر مما ينشغل بالنّاس. يعيد إطلاق المبادرات نفسها مرارا، يعلن مشاريع مكرّرة، يعيد افتتاح ما سبق تدشينه، يغيّر أسماء الخطط ويترك جوهرها على حاله.
لا يوجد مضمون جديد، بل أسماء جديدة لواقع بائس ثابت. هذه هي الدّولة المجمّلة، التي تخفي بشاعتها بالكلمات والصّور. والرّئيس فيها ليس حاكما، بل عارض أزياء سياسي، تتبدّل بدلته في كلّ مناسبة، دون أن يتبدّل شيء في حياة الشّعب.
🔻 "حين تتحوّل الدّولة إلى استعراض، فإنّ الفقر يصبح خلف الكواليس، حيث لا تذهب الكاميرات."
بول فيريليو
هذا النّموذج من الحكم لا يريد أن يحكم عليه، بل أن يصفّق له فقط. لذلك، فهو يتقن فنّ الظّهور لا فنّ الحكم. يتقن التّجاهل لا الاستماع. ويتقن التحصّن لا المواجهة.
إنّه الرّئيس الذي أصبح صورة. "ماركة وطنيّة". شعارا اجوف لا يمكن محاسبته لأنّه لا يقول شيئا حقيقيّا. لأنه ببساطة: لم يعد معنا، بل معنا شكليّا فقط.

ليس المشكل في الأشخاص، ولا حتّى في شخص الرّئيس بعينه. بل في البنية السّياسية التي تفرغ السّياسة من معناها، وتفرغ الرّئيس من شعبيّته، وتفرغ الدّولة من "عدالتها"، وتحوّل كلّ شيء إلى تمثيل بلا جمهور واع، ولا معارضة حقيقيّة، ولا سلطة فعليّة للنّاس.
🔻 "الثّورة الحقيقيّة لا تبدأ بتغيير الحاكم، بل بتفكيك بنية الحكم."
روزا لوكسمبورغ
ما نعيشه هو إعادة إنتاج يومي للاستبداد، لكن بوسائل أكثر نعومة، وأكثر خبثا. استبداد بالأقنعة، استبداد مموّل من الشّعب وموجّه ضدّه، استبداد يخاطب النّاس بلغة منمّقة، لكنّه يزدريهم في القرارات والميزانيات والأولويات.
إنّ المعركة لا يجب أن تكون من أجل وجوه جديدة، بل من أجل نظام جديد. لا نريد رؤساء برتبة موظّفين في وزارة الدّاخلية، بل نريد من يمثّل الفقراء، من يفتح قصره للمعطّلين، من يركب القطار، من يحاسَب، من يعزَل، من يخطئ ويعتذر.
الرّئيس الذي نخاف منه، والرّئيس الذي يخاف منّا، كلاهما ليس أهلا للحكم. وحده من يخوض المعركة إلى جانب الطّبقات الشّعبية، دون درع ولا قصر، هو من يستحقّ أن يكتب عنه يوما أنّه كان من الشّعب، وإليه عاد.



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمبريالية في جسد جديد صراع الغاز، والمضائق، والعقول...
- الحرب التي تعيد ترتيب الجحيم: حين لا يكون الاصطفاف كافيا.
- قراءة لرواية -1984- لجورج أورويل. رواية ضدّ الزّمن ومركّبة ع ...
- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ...
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
- قراءة في قصّة “رحاب” من المجموعة القصصية - بلايك - للشاعر و ...
- -منتصر السعيد المنسي-: حفر في منطوق شهادة ذاتية ضد نسيان الط ...
- غزة تحترق: تاريخ حرب إبادة جماعية تقودها الصهيونية العالمية ...
- قراءة نقدية في المجموعة القصصية -ولع السّباحة في عين الأسد- ...
- الإمبريالية الأمريكية بنَفَس ترامب: وقاحة القوة ونهاية الأقن ...
- ورقة من محترف قديم في قطاع السّياحة
- القصيدة ما بعد الّنثر
- افكار حول البناء القاعدي والتسيير
- قراءة في مجموعة -نون أيار- للشاعرة نسرين بدّور.
- القصيد ما بعد النّثر
- بيان
- بكاءُ السُندسِ في المنفى....
- عيد الشّغل: من نضال طبقي إلى مناسبة رسمية بروتوكولية.
- الحداثة وما بعد الحداثة بين ديكتاتورية البرجوازية وخيانة الت ...
- مراجعة مجلّة الشّغل التّونسية: بين تعزيز الاستغلال الرّأسمال ...


المزيد.....




- البيت الأبيض لخامنئي: -عليك أن تحفظ ماء وجهك-
- اثنتا عشر قنبلة على فوردو : كيف أنقذت إيران 400 كغ من اليورا ...
- بعد -نصر- ترامب في الناتو: أي مكانة لأوروبا في ميزان القوى ا ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو لـ-وقف فوري- لإطلاق النار في غزة وإسبا ...
- كريستيانو رونالدو يواصل اللعب في النصر حتى 2027
- -نرفض حصول إيران على سلاح نووي-.. القمة الأوروبية: ندعو لفرض ...
- البيت الأبيض يتّهم خامنئي بمحاولة -حفظ ماء الوجه-
- بخيوط من ذهب وحرير أسود.. الكعبة ترتدي كسوتها الجديدة مع بدا ...
- رافائيل غروسي يكشف معلومات مهمّة عن البرنامج النووي الإيراني ...
- ترامب يضغط لوقف حرب غزة ونتنياهو يرى فرصة لاتفاقات سلام جديد ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رياض الشرايطي - الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للعزلة والقمع.