|
الخديعة الأمريكية الكبرى: الإمبريالية وخراب فلسطين.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 21:55
المحور:
القضية الفلسطينية
●الإمبراطورية التي تكذب كما تتنفس: ثمّة ما هو أفظع من الاستعمار العسكري. إنّه الاستعمار الذي يتقن الحيلة، ويتفنّن في تقمّص هيئة المخلّص. أمريكا، منذ أن خرجت من الحرب العالمية الثانية على ظهر القنابل الذرية، ما فتئت تعيد تشكيل نفسها لا كدولة، بل كـ"نظام كوني بديل"، يصوغ الخرائط، ويُدير العالم، ويعرّف القيم، ويصنّف البشر، ويوزّع الشرعية حسب مقتضيات السوق والهيمنة. في خطابها، تتحدث أمريكا عن الحريّة، لكنها لا تتردّد في قصف الشعوب. تتغنّى بحقوق الإنسان، لكنها تحاصر من يقاوم الاحتلال. ترفع راية الديمقراطية، لكنها تسند أنظمة القتل والفساد في العالم . وها هي منذ أكثر من سبعة عقود، تقدّم لنا فلسطين باعتبارها "ملفا شائكا"، لا قضية تحرّر وطني، بل "نزاعا"، يحتاج إلى "تسوية". أي تسوية هذه، حين يكون الطرف الأول منزوع السلاح والحقوق، والطرف الثاني فوق القانون، محصّنا أمريكيا، مسنودا بالسلاح، ويملك القرار العسكري والنووي؟ إنّ القضية الفلسطينية ليست فقط شاهدة على خيانة النظام العربي الرسمي، بل على شيء أعمق: إنّها المرآة الأكثر وضوحا لوجه الإمبريالية الأمريكية الحقيقي، وجه لا يتورّع عن تزييف التاريخ، وشيطنة المقاومة، وتحويل الضحية إلى مجرم. كتب المناضل الثوري هوغو تشافيز: "الإمبريالية الأمريكية لا تأتي فقط بجيوشها. تأتي أولا بأكاذيبها." وفي ظل هذه الأكاذيب، صار الفلسطيني مطالبا بإثبات إنسانيته، ومطالبا أن يقاوم الاحتلال بأدوات ترضي جلاده، وأن يموت بصمت كي لا يتّهم بالإرهاب. إنّ السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة تجاه القضية الفلسطينية، لا يمكن قراءتها إلا في إطار البنية الإمبريالية العالمية: ، حيث الاقتصاد يتحكم بالسياسة، ، والربح يعلو على العدالة، ، والدّم يسكب إن كان يدرّ نفطا أو يحمي مصالح. إنها ليست سياسة منحازة، بل سياسة مصمّمة لإبقاء الاحتلال، سياسة تدار في غرف البنتاغون وشركات الأسلحة، قبل أن تُعلّب في بيانات البيت الأبيض الناعمة.
1. "الوسيط النّزيه": حين تتقن الذّئاب لغة الحملان .
"أمريكا وسيط نزيه للسلام"... هذه العبارة تُكرّرها الدبلوماسية الأمريكية منذ سبعين عاما، حتى باتت عقيدة تروّجها مراكز الفكر، وتعيد إنتاجها وسائل الإعلام، وتستبطنها حتى بعض نخب "السّلام العربي". لكنّها ليست سوى كذبة فاضحة، يراد بها تزيين دور القاتل. فالولايات المتحدة لم تكن يوما طرفا محايدا في الصراع الفلسطيني-الصهيوني. بل كانت دوما المحرك الرئيسي، والمموّل الأكبر، والمشرعن الأبرز للمشروع الصهيوني. ومنذ النكبة، لم تكن واشنطن على الحياد: اعترفت بـ"إسرائيل" فور إعلان قيامها، متجاهلة المجازر والتهجير. سلّحت جيش الاحتلال في كل حروبه، وموّلته بأكثر من 3 مليار دولار سنويا. استخدمت أكثر من 45 "فيتو" لحمايته من المساءلة الدولية. أجبرت منظمة التحرير على الدخول في مسارات "سلام" بلا ضمانات. إن ما يسمّى بـ"الوساطة الأمريكية" هو في الحقيقة آلية استعمارية لإعادة صياغة الاحتلال بطرق مقبولة دبلوماسيا، أي احتلال مموّه، بلا كلفة سياسية دولية، وبشرعية مشوّهة. وحين جاءت اتفاقيات "أوسلو"، كانت أمريكا هي من أمسك بالخيوط. لكن هل جاءت بالحرية؟ لا. جاءت بمناطق "أ"، و"ب"، و"ج"، وجاءت بتنسيق أمني، وجاءت بسلطة بلا سيادة، وشعب بلا دولة، ومقاومة مطاردة لا يحميها أحد. إنّها الخديعة الكبرى: أن تجبر شعبا واقعا تحت الاحتلال على التفاوض مع جلاده، على طاولة تدار من واشنطن، وبقواعد وضعتها تل أبيب. قال إدوارد سعيد، وهو من أكثر من فضحوا هذا المسار: "ما يجري ليس مفاوضات، بل استسلام مبرمج باسم الواقعية السياسية." والأخطر من كل هذا، أنّ هذه الخديعة صارت "نموذجا"، تصدّر لدول أخرى، كما حصل في العراق وأفغانستان، حيث صارت أمريكا "تبني الديمقراطية" بالقصف، و"تصنع التوافق" بالاحتلال.
2. "حقوق الإنسان": ميزان يكيل بدمٍ مختلف .
أمريكا تتشدّق بـ"القيم الكونية"، تتحدّث عن الحق في التعبير، عن حقوق الأقليات، عن الكرامة الإنسانية... لكن هذه القيم تتبخّر حين يكون الضحية فلسطينيا. يبدو أنّ الدّم الفلسطيني أقلّ وزنا في موازين الأخلاق الأمريكية. فالمدني الأمريكي لا يجوز لمسه، لكن الفلسطيني الأعزل، إن قتل، يوضع تحت بند "الأضرار الجانبية". حين يُقصف حيّ سكني كامل في غزة، ويبيد الكيان الصهيوني عائلة تلو الأخرى، لا تسمع من واشنطن إلا عبارة مكرّرة: "نحث الطرفين على ضبط النفس". وكأنّ طرفا يملك طائرات "F-35"، والآخر يملك حجارة، يمكن وضعهما في ميزان واحد! وعندما ترتكب جريمة ضد الصحفية شيرين أبو عاقلة، يطالب البيت الأبيض بتحقيق، لكنه يغلق الملف بسرعة، لأن القاتل "حليف". بل إنّ أمريكا ترفض حتى وصف القصف الصهيوني للمستشفيات والمدارس بـ"جريمة حرب"، رغم تقارير مؤسسات دولية لها مصداقية. كما قال المفكر الأمريكي هوارد زن: "تستخدم أمريكا حقوق الإنسان كما يستخدم رجال الدين الخطيئة: أداة للمناورة، لا للإصلاح." تمنح أمريكا الكيان الصهيوني حصانة أخلاقية لا تمنح لأي كيان آخر في العالم، وتشيطن المقاومة بكل أشكالها. حتى الدفاع عن النفس صار إرهابا، وصاروخا بدائيا يطلق من غزة يعدّ تهديدا وجوديا، بينما آلاف القنابل التي تُسقطها الطائرات الصهيونية على المدنيين يُنظر إليها كـ"عمليات موجهة بدقة". هذا الميزان الأخلاقي المختلّ لا ينبع من جهل، بل من مصلحة. فكلما ازداد الربح من بيع السلاح، تُبرّر المجازر. وكلما زاد الضغط الشعبي الأمريكي ضد الاحتلال، تخرج ورقة "المحرقة" و"معاداة السامية" لتكميم الأفواه.
3. "السلام" الأمريكي: صناعة الخرائط لا تحرير الشّعوب .
للوهلة الأولى، تبدو كل تلك المؤتمرات والاتفاقيات والقمم التي رعتها الولايات المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية وكأنها خطوات نحو نهاية عادلة للصراع. لكن من يتأمّل جيدا، يدرك أنها لم تكن أبدا مشاريع تحرر، بل مشاريع إدارة للهزيمة وإعادة هيكلة الاستعمار بشكل ناعم. السلام الأمريكي لا يعني إنهاء الاحتلال، بل إعادة تعريفه وتجميله. لا يعني استرجاع الأرض، بل تقسيمها إلى مربعات تفاوض، كل واحدة محاطة بالأسلاك، يفاوض الفلسطيني على أقلّ القليل فيها، ويشكر المانحين إن أعطي بقعة منها. لا يعني استرداد الحقوق، بل إعادة صياغتها بلغة مائعة: "حل الدولتين"، "حدود آمنة لإسرائيل"، "تعويض اللاجئين بدل عودتهم"، "دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، "تبادل أراضٍ"… إنها صيغة سلام كتبها المنتصرون، بمداد سماسرة السياسة لا بدماء المقاومين. ولعلّ اتفاق "أوسلو" كان التجلي الأبشع لهذا النوع من "السلام". ففي الوقت الذي كان يُروَّج له كفتح جديد، كان يعيد رسم الاحتلال في خرائط جديدة: تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق (أ، ب، ج) يخضع معظمها للسيطرة الصهيونية. تحويل المقاومة إلى جريمة تلاحقها السلطة الفلسطينية نفسها بالتنسيق الأمني. الاعتراف بـ"إسرائيل" دون أن تعترف الأخيرة بأي حق فلسطيني. وتوقيع اتفاقيات اقتصادية تجعل اقتصاد الفلسطينيين مرتهنا للاحتلال ولأمزجة المانحين. بل إنّ كل هذه "المسارات السلمية" كانت مرفوقة على الأرض بـتصعيد في الاستيطان، وبناء الجدار العنصري، وتقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية، وتجفيف الموارد، وحصار غزة، وتشتيت الشتات أكثر فأكثر. فالسلام في المخيال الأمريكي ليس سوى أداة سياسية لخنق المقاومة، ونزع البعد التحرري عن القضية، وتحويلها من مسألة استعمار إلى مسألة إنسانية قابلة للتفاوض والمساعدات. كما كتب المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه: "حين تحوّل المقاومة إلى مشروع تنموي، تكون قد نزعت عنها حقيقتها، وحولتها إلى تابع للتمويل الخارجي." ثم جاءت "صفقة القرن"، لتكشف الوجه العاري للسلام الأمريكي، فقد أُعلن عن صفقة لم يشارك فيها الفلسطينيون، وُضعت خريطتها في البيت الأبيض، وتُرجمت بنودها بصوت ترمب ونتنياهو، ومفادها: – لا للقدس عاصمة لفلسطين، – لا لعودة اللاجئين، – لا لتفكيك المستوطنات، – نعم لضم الأغوار، – نعم لدولة فلسطينية "افتراضية" بلا سيادة، أشبه بالمحمية. صفقة لم تأت إلا لتصفية ما تبقى من الحلم الفلسطيني، تحت غطاء سلام هش، مشروط بالاستسلام الكامل وبالقبول بـ"أقصى ما يسمح به الكيان"، أي لا شيء تقريبا. وبين أوسلو وصفقة القرن، لم تكن أمريكا يوما تطرح حلا، بل تخترع آلية جديدة لاستدامة الاحتلال، وتثبيت الضعف الفلسطيني، وكسر أي محاولة لتجديد المشروع الوطني التحرري. فالسلام الذي لا يُنهي الاحتلال، ولا يُعيد الأرض، ولا يُحرّر الإنسان، ليس سلاما، بل إخضاع ناعم بإخراج دبلوماسي.
4. اللّغة المزدوجة: نفاق ناطق باسم "القلق" .
حين تشتعل فلسطين، تُغرق واشنطن شاشات العالم ببيانات مصقولة، مكتوبة بإتقان لغوي مدهش، لكنها مصابة بشلل أخلاقي كامل. تستعمل كلمات مثل "نحن قلقون"، "ندعو إلى ضبط النفس"، "نحثّ الطرفين على التهدئة"، "نأسف لسقوط ضحايا مدنيين"... كلمات تبدو محايدة، إنسانية، متوازنة ، لكنها خادعة وقاتلة. فحين تساوي بين الضحية والجلاد، تكون قد اخترت صف الجلاد. وحين تُدين "العنف من الجانبين" بينما يُسفك دم شعب أعزل، تكون شريكا في الجريمة. وحين تنصح الفلسطيني الذي تحت الحصار بعدم "التصعيد"، بينما تحمي من يقصفه بطائرات "أف-16"، فأنت لا تبني السلام، بل تُشرعن الاستعمار بلغة البلاغة. إنّ اللغة الأمريكية الرسمية تجاه فلسطين تمثّل أحد أكثر أشكال النفاق السياسي تطورا. هي لغة مصمّمة لا لتكشف الواقع، بل لتخدّر الوعي، وتضلّل الشعوب، وتصوغ كذبة كبيرة بحروف صغيرة. ومن المفارقات المؤلمة، أنّ هذه اللغة باتت تُقتبس في خطابات أممية، وفي تصريحات بعض الأنظمة العربية، وحتى في بعض تقارير منظمات دولية تموّلها أمريكا، مما يُشير إلى حجم السيطرة السردية التي تمارسها الإمبريالية على فهم العالم للقضية. كتب جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس: "أمريكا لا تخفي جرائمها، بل تعيد تعريفها. لا تقول إنها لم تقتل، بل تقول إنها أنقذت، وإنّ القتلى كانوا خطرا." هذه اللغة المزدوجة، التي تُتقن تزييف الكلمات، هي وجه آخر لسلاح الدمار الناعم. فإذا كانت القنابل تُسقط الأجساد، فإنّ الكلمات تُسقط الذاكرة، وتُربك الضمير، وتمنح القتلة حصانة أخلاقية. ولهذا، فإنّ مقاومة أمريكا في فلسطين ليست فقط مقاومة عسكرية أو سياسية، بل مقاومة سردية، مقاومة ضد لغتها، ضد مصطلحاتها، وضد قدرتها على احتكار المعنى. فنحن لسنا أمام "صراع"، بل أمام احتلال استيطاني دموي. ولسنا أمام "نزاع حدودي"، بل أمام جريمة تاريخية مستمرة. ولسنا أمام "طرفين"، بل أمام شعب أعزل يُذبح، وقوة نووية مدعومة أمريكيا حتى آخر صاروخ.
5. حين صار القتل سياسة رسمية: حرب الإبادة في غزة 2023–2025.
منذ 7 أكتوبر 2023، تاريخ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، لم تعد فلسطين المحتلّة ساحة صراع تقليدي كما دأب الإعلام المروّج لأسطورة "الطرفين". بل تحولت غزّة إلى مختبر علني للإبادة الجماعية الحديثة، وإلى ساحة لتجريب الأسلحة الأمريكية فائقة الدمار على أجساد الأطفال والمدنيين العزّل. تحت أنظار العالم، وبموافقة صامتة من القوى الكبرى، واصلت دولة الاحتلال تنفيذ أوسع محرقة في القرن الحادي والعشرين، إذ تجاوز عدد الشهداء عتبة الستين ألفًا، من بينهم ما يزيد عن 18 ألف طفل، ومثلهم من النساء، في حملة تشبه في وحشيتها ما جرى في سربرنيتشا، أو راوندا، أو قصف دريسدن. تم مسح أحياء كاملة من الخريطة، فيما استُخدمت قنابل أمريكية تزن 900 كلغ لتدمير بنايات من طوابق متعددة فوق رؤوس ساكنيها. لا مجال للخطأ هنا: ليس هذا عدوانا عسكريا تقليديا، بل مخطط استعماري ممنهج للإبادة الكاملة والمحو السكاني والجغرافي، يراد له أن يُنهي أي أثر لحياة فلسطينية في غزة، كتمهيد لتفريغ الأرض من سكانها، وفق خريطة أوسلو التي تأكل ذاتها. كتب نعوم تشومسكي مرة: "حين تُصبح كل مدرسة هدفا، وكل مستشفى جبهة حرب، وكل طفل إرهابيا محتملا، فنحن لا نتحدّث عن حرب، بل عن مشروع إبادة". وقد أكدت تقارير من منظمات كـ "هيومن رايتس ووتش" و"الأمم المتحدة" أن الأسلحة المستخدمة في قصف غزة تحمل تواقيع شركات أمريكية مثل Raytheon وLockheed Martin. وهي نفس الشركات التي تمولها وزارة الدفاع الأمريكية، والتي تزايدت أرباحها خلال الحرب بنسبة فاقت 40%. تزامنت هذه الحرب مع حصار غذائي كامل، حيث منعت سلطات الاحتلال إدخال الطحين، الأدوية، وحتى المياه الصالحة للشرب، ما جعل المجاعة جزء من أدوات القتل الجماعي. لم يكن الموت في غزة من القصف فقط، بل من الجوع والعطش والبرد، فيما العالم يتفرّج. إننا أمام مشهد عار من أي التباس: دولة استعمارية مدججة بدعم غربي تنفّذ علنا إبادة جماعية، وسط صمت عربي رسمي كامل، وتحريض إعلامي عالمي يبرر كل شيء باسم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
6. التجويع كأداة إبادة: حين يصبح الخبز أخطر من القنابل.
ما يجري في غزة ليس فقط حرب صواريخ وطائرات، بل أيضا حرب أرغفة. لقد تحوّل الخبز نفسه إلى سلاح مقاومة، بعد أن صار التجويع سياسة ممنهجة يستخدمها العدو لتكسير إرادة الفلسطينيين، لا أقل. وقد قالها رئيس وزراء الاحتلال السابق بكل وضوح: "لن ندع الفلسطينيين يموتون، لكن سنجعلهم على شفا المجاعة". هذا التصريح لا يحمل فقط روح السادية السياسية، بل يعكس بدقة استراتيجية "التحكم بالبقاء" التي باتت معروفة في أدبيات الاستعمار الجديد، حيث تُجعل الحياة نفسها ساحة قتال: أن تبقى حيا في غزة، يعني أنك اجتزت امتحان الجوع، العطش، الغبار، الأدوية المنتهية، الخيام الممزقة، والانتظار المهين على أبواب معابر لا تفتح إلا لأصحاب الحظ العاثر. تحوّلت طوابير النساء على أبواب شاحنات المعونة إلى صور تقشعر لها الأبدان، فيما وثّقت الصحافة العالمية قصصا عن أمهات يخفين الجوع عن أطفالهن، ويشربن الماء المالح ليسدّوا رمقا لا يسدّ. وبدل أن يتحرك الضمير العالمي، تحرّكت مصانع السلاح لمواكبة طلبات إضافية من القنابل، بينما كانت دولة الاحتلال ترفع الحصار عن الموانئ لتستورد شوكولاتة وأجبان فرنسية. حين يصبح الطعام أشبه بسلاح بيولوجي، فاعلم أن النظام العالمي سقط في الحضيض. لم يعد القصف وحده قاتلا، بل انعدام الغذاء، انقطاع الكهرباء، شحّ الأدوية، موت الخُدّج في الحاضنات، وانتشار الأمراض بسبب المياه الملوّثة. وفي هذه المأساة، لا أحد يُحاسب. لا محكمة دولية تتحرّك. لا إعلام غربي يسلّط الضوء. بل صمت تام يخنق الصوت الفلسطيني، كما يخنق الغاز السام الأطفال في الأنفاق التي لجؤوا إليها اتقاء القصف. بكلمات فرانز فانون: "الاستعمار لا يُناقش، بل يُصارع"، ونحن نضيف: والاستعمار حين يُجوّع، لا يُفاوض، بل يُسحق. فالجوع في غزة لم يكن حالة طارئة، بل أداة لحرب طويلة النفس تهدف إلى جعل البقاء ذاته فعلا مستحيلا، ليقبل الفلسطيني أخيرا بمغادرة الأرض، أو ببيعها، أو بالركوع التام.
7. السياسة الأمريكية وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط: كيف تصنع إسرائيل كيانا محميا لاستعمار جديد؟
السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية لم تكن فقط تدبيرا لحل نزاع إقليمي، بل جزء لا يتجزأ من مشروعها الاستراتيجي لإعادة ترتيب الشرق الأوسط. إسرائيل في هذه السياسة ليست دولة مجردة، بل أداة ذكية لإرساء قواعد السيطرة الإمبريالية في قلب المنطقة، وإعادة رسم خرائطها على مقاس المصالح الأمريكية. فمنذ منتصف القرن العشرين، أدركت واشنطن أن بقاء نفوذها يتطلب إقامة كيان حليف قوي على رأس الجغرافيا العربية، يكون رادعًا لأي تحرر شعبي أو وطني. وبالفعل، كانت إسرائيل الحارس الأمين لهذا النظام، الذي لا يهدد فقط الفلسطينيين، بل أي مشروع تحرر وطني عربي. تم بناء هذا الكيان بحماية سياسية أمريكية كاملة، حتى عندما كانت جرائمه تُدينها الأمم المتحدة. ففي 1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يُدين "الصهيونية" كنوع من العنصرية، فكانت أمريكا وحدها التي صوتت ضده. هذا التناقض لم يكن عابرا، بل كان تعبيرا عن استراتيجيّة واضحة: "إسرائيل ليست وطنا للشعب اليهودي فحسب، بل هي خط دفاع أمريكي بامتياز." — روبرت كوبر، دبلوماسي أمريكي استمر هذا الدعم في أوجه خلال كل الحروب العربية الصهيونية، من العدوان الثلاثي عام 1956 إلى حرب أكتوبر 1973، حيث دعمت أمريكا تل أبيب بكل السبل العسكرية والدبلوماسية، وحتى بعد أن بدأ الحديث عن "عملية السلام" في أوسلو، لم تتوقف عن تعزيز التفوق الصهيوني عبر مئات الصفقات العسكرية بمليارات الدولارات سنويا. هذا الدعم لم يقتصر على السلاح والمال فحسب، بل شمل أيضا إعادة تشكيل النظام السياسي العربي لصالح التوافق مع المصالح الأمريكية الصهيونية. اتفاقيات التطبيع، التي بدأت رسميا مع مصر ثم مع الأردن، ثم انتشرت في الخليج العربي، ليست سوى تعبير عن هذه الاستراتيجية: خلق جبهة عربية موالية تُغلق ملف القضية الفلسطينية، وتعيد توجيه الطاقات نحو مواجهة إيران أو قوى تحرر أخرى. وقد أكدت دراسة أعدها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن الصفقات العسكرية الأمريكية للكيان الثهيوني منذ عام 2000 وصلت إلى أكثر من 120 مليار دولار، وأن ميزانية البحث والتطوير الحربي الصهيوني مُموّلة بشكل كبير من قبل البنتاغون. ويقول الباحث الأمريكي جون بيرنز: "إسرائيل أصبحت في الحقيقة أحد أكثر المستفيدين من الإنفاق العسكري الأمريكي، وهي بمثابة جيش احتياطي للولايات المتحدة في المنطقة." لكن الأدهى هو أن الولايات المتحدة لم تكن ترسّم فقط حدود الأرض، بل كانت ترسّم حدود الفكر والاحتمالات السياسية في المنطقة. فالحديث عن "حل الدولتين" ظلّ قيد التجميد الدائم، فيما جرى توسيع المستوطنات وضمّ مناطق استراتيجية في الضفة الغربية. هذا كله مدعوم بسردية إعلامية غربية تُسوّق الكيان كـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، بينما يُصوّر الفلسطينيون على أنهم عقبة أمام الاستقرار والأمن، وهكذا تُطبع الاستعمارية الجديدة في أذهان الشعوب الغربية والعربية على حد سواء.
8. المقاومة الفلسطينية: بين العدو الخارجي والخيانة الداخلية .
في ظل هذه الخريطة الأمريكية لإعادة ترتيب المنطقة، تظهر المقاومة الفلسطينية كخطر وجودي على المشروع الاستعماري. ومن هنا، لم يكتفِ الكيان الصهيوني بالقمع العسكري، بل سعى إلى تفكيك البنية الوطنية الفلسطينية من الداخل. السلطة الفلسطينية، التي نشأت من اتفاقات أوسلو، ليست سوى نتاج أمريكي صهيوني بامتياز، أُنشئت لتكون أداة للسيطرة، تفصل بين الفلسطينيين، وتحدّ من نفوذ حركات المقاومة. هذا الكيان الذي يُسمّى أحيانا "الحكم الذاتي"، يعمل بتنسيق أمني كامل مع الاحتلال، ويقمع النشطاء والمقاومين، بينما يحصل على تمويل دولي هائل يُستخدم لشراء الولاءات السياسية والاجتماعية. يقول الكاتب والمحلل الفلسطيني رضا ماضي: "السلطة الفلسطينية هي مشروع إضعاف واحتواء، تُموّلها الدول الغربية لكي تتحول إلى أداة فصل وسجن لشعبها." هذه الخيانة الداخلية، أو التواطؤ إن جاز التعبير، أضاف بُعدا جديدا إلى الصراع، حيث صار الفلسطيني يحارب الاحتلال في الميدان، ويرى السلطة نفسها عقبة أمام تحرره. وقد أدت هذه الانقسامات إلى إضعاف الموقف الفلسطيني، وخلق حالة من التشتت الذي يستغله الكيان الصيوني وأمريكا بفعالية. ولكن المقاومة، رغم كل ما يعترضها من تحديات، تبقى مصدر الأمل والقوة الحقيقية. من حركات حماس و الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي و الجبهة الديمقراطية... الخ ، في غزة إلى الفصائل في الضفة، وحتى الانتفاضات الشعبية في الداخل الفلسطيني المحتل، تواصل المقاومة استنهاض الروح الوطنية وتقديم التضحيات في سبيل استعادة الأرض والكرامة. يقول المناضل اليساري الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد): "المقاومة هي التعبير الحقيقي عن الهوية الفلسطينية، وهي الضامن الوحيد لحقوقنا التي لا تُمنح بل تُنتزع." وفي هذه المواجهة، لا يمكن للمقاومة أن تنتظر من الولايات المتحدة أو "المجتمع الدولي" أن يكونوا عدلا نزيها، لأنهم، كما برهنا، شركاء في الجريمة ويدافعون عن الاحتلال بكل الوسائل. لهذا، فإن النضال الفلسطيني اليوم هو أيضا نضال ضد الخداع والتزييف، ضد الوهم السياسي الذي يروّج له الاحتلال وأسياده، ونضال من أجل استعادة الحق في تقرير المصير، وفي كسر الحصار، وفي مواجهة الاستعمار بمختلف أشكاله.
9. الإعلام الغربي والعربي: آلات الخداع وصناعة الوهم .
يمثل الإعلام، بكل أوجهه في الغرب والوطن العربي، أحد أعظم أدوات الخداع التي تستخدمها الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها لتبييض جرائم الاحتلال وإخفاء الحقيقة الفلسطينية، وتحويل عدوان واضح وممنهج إلى قصة "صراع بين طرفين" متكافئين. في الغرب، تسيطر على وسائل الإعلام الكبرى مجموعة شركات إعلامية عملاقة متشابكة مع المؤسسات السياسية والاقتصادية التي تخدم مصالح رأس المال الإمبريالي الأمريكي. هذه الوسائل لا تقدم الأخبار فحسب، بل تصنع الروايات وتوجّهها وفق أهواء الإدارة الأمريكية وسياسات الاحتلال. تُستخدم كلمات بعناية لتجميل الاحتلال، فالحديث لا يكون عن "احتلال" أو "جرائم حرب"، بل عن "صراع"، "أعمال عنف"، و"أمن إسرائيل". أي مقاومة فلسطينية تُصنف على الفور إرهابا، وأي مجزرة صهيونية تُوصف بأنها "رد فعل مشروع". وفي الوقت ذاته، لا تكتفي وسائل الإعلام الغربية بإخفاء الحقيقة، بل تفرض عقوبات على من ينتقد الاحتلال علنا، حيث تُستخدم اتهامات "معاداة السامية" كأداة تكميم حرية التعبير. يصف الكاتب والصحفي الأمريكي كريس هجز هذا الدور بقوله: "الإعلام الغربي هو ذراع حرب نفسية تساعد على إدامة الاحتلال وتحويل القتلى إلى أرقام لا تعني شيئًا، بينما يظل الاستعمار في الظل." في الوطن العربي، لا يختلف المشهد كثيرا. فالأنظمة الرجعية العربية، التي أرهقها الفساد والخضوع للنفوذ الأمريكي، تحوّلت هي الأخرى إلى مكمل للآلة الإعلامية الغربية، بل وتُضخم الخدعة بشكل أعمق. وسائل الإعلام الرسمية العربية لا تقوم فقط بتكرار رواية الغرب، بل تعزّزها عبر تقديم أمريكا كـ"وسيط نزيه" و"ضامن للسلام"، رغم تاريخها الطويل في دعم الاحتلال عسكريا وسياسيا. الحديث الرسمي عن "العملية السلمية" و"دعم المفاوضات" يُقدم وكأنه الطريق الوحيد للحل، بينما يستمر الكيان الصهيوني في التوسع وارتكاب المجازر. في كثير من البرامج التلفزيونية والمقالات الصحفية الرسمية، يتم تصوير الولايات المتحدة والغرب كطرف محايد، وكخصم أول لأي عنف، مع تجاهل تام لمسؤولياتهم في صنع الأزمة واستمرارها. الصحفي العربي الرسمي، بدلا من كشف الحقيقة، يتحول إلى ناقل للرسائل الأمريكية، مكرّرا ما يروج له الإعلام الغربي عن "الطرفين"، و"الحاجة إلى التهدئة"، و"ضرورة وقف المقاومة المسلحة"، وكأن الاحتلال طرف محق، والمقاومة خطأ. هذه السياسة الإعلامية العربية تخدم هدفا مزدوجا: تهدئة الغضب الشعبي الذي يثور على الخيانة الرسمية، وقمع أي صوت مقاوم يدعو إلى التحرك الحقيقي ضد الاحتلال. كما أن هذه الميديا تُسهم في إلهاء الرأي العام العربي عن المسؤوليات الحقيقية للحكومات، عبر تحويل الفلسطيني إلى "مشكلة داخلية" أو "حالة أزمة إنسانية"، بعيدا عن سياق الاحتلال والاستعمار. بهذا الشكل، تصبح وسائل الإعلام الغربية والعربية – بتلازم وتكامل غير معلن – أدوات في يد مشروع استعماري يسعى إلى تمرير الخدعة الكبرى، بأن أمريكا، كحاملة لواء الديمقراطية، تسعى للسلام، بينما هي في الواقع تدير آلة الحرب والتدمير.
10. الأنظمة العربية الرجعية: واجهة تزييف الخدعة والوصي على الصمت .
تتقاسم الأنظمة العربية الرجعية مسؤولية كبيرة في استمرار هذه الخدعة. إذ لا يقتصر دورها على التنسيق السياسي مع الإدارة الأمريكية، بل يمتد إلى إدارة خطابات إعلامية تروّج لفكرة أن الولايات المتحدة "الوسيط الحيادي" و"شريك السلام الأول"، وهو ما ينفي تاريخها الطويل في دعم الاحتلال. هذه الأنظمة، التي فقدت شرعيتها في كثير من البلدان العربية، تجد في هذا الترويج للخدعة طريقة لإثبات وجودها والتمسك بالسلطة، عبر تطويع الإعلام الرسمي ليكون صدىً للرواية الأمريكية والصهيونية، وتصوير أي معارضة داخلية أو خارجية بأنها "تثير الفتنة" أو "تعرقل السلام". من خلال هذا الدور، تسهل هذه الأنظمة تصفية القضية الفلسطينية على المستويين السياسي والرمزي، فتضع سقفا سياسيا ضيقا لكل نقاش حول الحقوق الفلسطينية، وتحصره في حدود التفاوض المزعوم مع الاحتلال، بينما تستمر مجازر غزة والصمت العربي يحيط بها. حكومة الاحتلال، التي تعرف جيدا هذا التنسيق الإعلامي والسياسي، تستغل هذه البيئة لترسيخ الاحتلال وتوسيع المستوطنات، مستفيدة من انشغال الشعوب العربية بأنظمة تصوغ لها رواية مزيفة عن السلام والحل. الكاتب الفلسطيني اليساري إبراهيم نصر الله قال ذات مرة: "الخيانة ليست فقط في اليد التي تحمل السلاح، بل في التي تُلوّن وجه المحتل لتبدو على أنها مخلّص." وهكذا، تصير الأنظمة الرجعية والأجهزة الإعلامية التي تتحكم بها أدوات تكريس للهيمنة الأمريكية والصهيونية، تصنع وهم السلام، وتغطي على المجازر، وتكسر إرادة الشعوب، وتدفن القضية الفلسطينية تحت ركام الأوهام.
11. الشعوب العربية والمقاومة الشعبية: نبض الحرية الذي لا ينطفئ.
في خضم المعاناة المروعة التي يعانيها الشعب الفلسطيني تحت وطأة الحصار والاحتلال، تجلت إرادة الشعوب العربية الحرة في مواقف وأفعال جسدت حقيقة التضامن العميق، وإصرار الأحرار على كسر جدار الصمت والخيانة الرسمي. لم تكن القضية الفلسطينية يوما مجرد نزاع جغرافي أو سياسي، بل كانت وما زالت تجسيدا لصراع وجودي بين مشروع استعمار جديد وأرادة تحرر لا تعرف الانكسار. من بين هذه المواقف البطولية التي تبرز قوة التضامن الشعبي، كانت محاولة سفينة الحرية الأولى "مادلين" التي انطلقت من أوروبا حاملة على متنها ناشطين عرب وأجانب، عازمين على كسر الحصار عن غزة. كانت هذه المبادرة تجسيدا عمليا للرفض الجماهيري للسياسات القمعية التي يمارسها الكيان بدعم أمريكي غربي. كانت سفينة "مادلين" ترفع راية التحدي وتعلن للعالم أن الشعوب لن تصمت أمام إرهاب الحصار. تبعها مباشرة انطلاق سفينة "حنظلة"، التي حملت اسم الطفل الفلسطيني الذي وقف صامدا في وجه الاحتلال، كرمز للثبات والرفض. انطلقت السفينة من إيطاليا وعلى متنها مناضلون عرب وأوروبيون، مجددين عهد التضامن مع الفلسطينيين في مواجهة آلة الحرب والتدمير. ومع ذلك، كان مصير "حنظلة" هو نفسه مصير "مادلين" اعتقال ومحاصرة وإجهاض لمحاولة كسر الحصار. في نفس الوقت، شهدت الساحة العربية محاولة تضامن برية حقيقية عبر قافلة المغرب العربي لكسر الحصار، التي جمعت المتضامنين من تونس والجزائر وليبيا والمغرب، متجهة صوب حدود رفح لتحطيم الحصار على غزة. لكن هذه المحاولة واجهت صدمة عنيفة على يد قوات اللواء الليبي خليفة حفتر التي منعت القافلة من التقدم بعنف قمعي، في تحالف واضح مع النظام المصري الذي يسيطر على المعبر، والذي بدوره يعطل كل محاولات فك الحصار. هذه المشاهد ليست سوى فصل آخر من سلسلة طويلة من الخيانات والعرقلة التي تستهدف التضامن الشعبي والمبادرات الحقيقية التي تسعى إلى إنقاذ الفلسطينيين. وهي دلالة واضحة على أن الخيانة لا تقتصر فقط على الاحتلال الصهيوني، بل تمتد لتشمل النظام الإقليمي الرجعي الذي يختار أن يحافظ على مصالحه عبر التعاون مع قوى الاحتلال وتصفية القضية. قال الثوري الفلسطيني الراحل جورج حبش: "إن المقاومة الحقيقية تبدأ حينما لا يعترف الناس إلا بحقهم في التحرر، وحين يفهمون أن التضامن الشعبي هو المحرك الأساسي للتغيير." في المقابل، يبقى الإعلام الرسمي، العربي والغربي، ذراعا أساسية في تضليل الشعوب وتزييف الحقائق، حيث يُحاول تصوير هذه المبادرات البطولية على أنها تهديدات أمنية أو عبث سياسي، مع إظهار الولايات المتحدة وأدواتها الإقليمية كوسطاء "صالحين"، بينما الواقع مختلف تماما.
12. الحراك الشعبي والتحولات السياسية: الأمل الثوري في وجه القمع والإجهاض.
في مواجهة هذه المحاولات لإجهاض التضامن وكسر الحصار، تستمر الحركات الشعبية في الوطن العربي، رغم القمع والتعتيم الإعلامي، في إبراز صوت الحقيقة والرفض. فالحراك الشعبي، سواء في المدن أو عبر المنصات الرقمية، يحمل إرثا نضاليا لا يستهان به، ويُعيد إحياء الأمل في مستقبل أفضل. شهدت السنوات الماضية موجات احتجاج وتضامن عديدة من شمال أفريقيا إلى المشرق، حيث ربطت هذه الحركات بين نضال الشعوب ضد الأنظمة السلطوية ودعمها المستميت للقضية الفلسطينية، معتبرة أن تحرير فلسطين جزء لا يتجزأ من مشروع التحرر الوطني والاجتماعي. المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد كان صرح: "التحرر الحقيقي لا يبدأ إلا حين تستعيد الشعوب حقوقها المغتصبة، وهذا يشمل حقها في دعم قضايا العدالة مثل قضية فلسطين." كما فرانز فانون عن روح الثورة قائلا: "الاستعمار لا يمكن أن يُقتلع إلا بثورة الشعوب، والحرية ليست شيئا يُمنح، بل تُنتزع بالإرادة الجماعية." في هذا الإطار، تشكلت شبكات تضامن واسعة، استخدمت كل الوسائل المتاحة لمواجهة الحملات الإعلامية الكاذبة، وكشف زيف الروايات الرسمية. من خلال المظاهرات الحاشدة، والإعلام البديل، والفعاليات الدولية، تحاول هذه الحركات كسر حاجز الخوف، وتعزيز الوحدة بين الشعوب الحرة. لكن التحدي يبقى كبيرا، حيث تستخدم الأنظمة الرجعية كل وسائل القمع والتخويف، بدء من الاعتقالات السياسية، مرورا بحجب المنصات الإعلامية، وحتى زرع الفوضى والانقسامات الداخلية، كل ذلك لمنع تبلور حركة شعبية قادرة على قلب المعادلات السياسية. وفي ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودا على وعي الشعوب وإصرارها، مؤمنين بأن: "الثورات لا تُكتب إلا بأقلام الشعوب الحرة، ولا يُنتزع التحرر إلا بالدم والعرق." رولان بارت وهكذا، فإن سفن الحرية والقوافل الشعبية التي تحدّت الحصار والقمع تمثل جبهات النضال الحقيقية، ومصباحا ينير طريق التحرر، ورسالة واضحة أن إرادة الشعوب هي التي تصنع التاريخ، وأن الحصار والاعتقالات والقمع ليست سوى حواجز مؤقتة ستنكسر أمام قوة النضال الشعبي.
13 – غزة ليست مجرد أرض، بل امتحان أخلاقي للعالم، وانهيار منظومة القيم في زمن الهيمنة الأمريكية.
غزة، بشوارعها المقصوفة، وأطفالها الذين ولدوا تحت الطائرات، ونسائها اللواتي يحملن العالم فوق أكتافهن، لم تعد مجرّد بقعة جغرافية محاصرة على ضفاف المتوسط، بل تحوّلت إلى مرآة قاسية تعكس القبح الكامن في ضمير هذا العالم. فالصمت الدولي لم يعد حيادا، بل صار شراكة كاملة في الجريمة، وصار القتل باسم "حق الدفاع عن النفس" تواطؤا عالميّا مكتمل الأركان. في غزة تُكسر القوانين الدولية علنا، وتُحرق الاتفاقات الأممية حرفا حرفا، وتُداس "حقوق الإنسان" ببيانات شكلية فارغة يصدرها الغرب ليغسل بها يديه من الدم الفلسطيني. ما عاد الصمت خيانة فحسب، بل صار تعبيرا دقيقا عن سقوط منظومة القيم الغربية برمّتها. تلك المنظومة التي طالما صدّرت نفسها باعتبارها راعية الحرية والعدالة، فإذا بها تلوذ بالصمت حين تسحق الدبابات طفلا تحت أنقاض بيته، وتختنق رضيعة تحت الحصار، وتُعدم أسرة كاملة في نومها تحت القصف. لقد كشفت غزة زيف المشروع الليبرالي الغربي، وحدود "الضمير الإنساني" حين يصطدم بمصالح الإمبريالية الأمريكية، وكشفت بالملموس كيف يُعاد تعريف القيم حسب لون الضحية، ودينها، وموقعها الجيوسياسي. ألم يُقَلْ "أنا أتألم إذن أنا موجود"؟ فماذا عن آلام الغزّاويين الذين يتألمون منذ عقود؟ أم أن الألم الفلسطيني لا يُسجَّل في دفاتر الحداثة؟ غزة عرّت نخبة العالم، فضحت مثقفيه ومنظّريه وسياسييه الذين صمتوا باسم “التعقيد”، أو “الحياد”، أو “توازن القوى”، بينما هم في الحقيقة يقدّسون هيمنة الكيان الصهيوني على الشرق، ويقدّسون أكثر حقّ الغرب في توجيه القتل وفق بوصلة المصالح. ليست غزة مجرد ساحة حرب، بل اختبار لكلّ من يدّعي الإنسانية، لكل مثقف يساري، لكل مفكر أخلاقي، لكلّ دولة تتشدّق بالقانون. وسقط فيه الجميع تقريبا. سقطت أوروبا التي استباحت أي مظاهرة تضامن، وسقطت أمريكا التي استعملت “الفيتو” لتجعل من مجازر الاحتلال شأنا داخليا، وسقطت الأمم المتحدة التي صارت أرشيفا مملوء بالشجب. غزة الآن ليست مدينة، بل بوصلة أخلاق. من ينحاز لها، ينتمي للضمير الإنساني. ومن ينحاز ضدها أو يلتزم الصمت، فهو يقف في صفّ الجلاد، بصرف النظر عن كلّ خطاباته عن الحرية. وفي النهاية، غزة هي مرآة الوعي الكوني، وهي الجرح المفتوح الذي لا يكشف فقط عن جرائم الاحتلال، بل يفضح أيضًا موت العالم المتحضر أمام هول الدم الفلسطيني.
14.عن خداع الإمبريالية الأمريكية، والمخططات السرية لإفراغ غزة، وتفريغ فلسطين من أهلها.
ليست الإمبريالية الأمريكية مجرّد قوة عسكرية أو هيمنة اقتصادية عابرة، بل هي بنية عقلانية شيطانية تقوم على الخداع المنهجي والمراوغة المعلنة والتخطيط البارد طويل الأمد، وتُدار بيد خفية تحرك خيوط المصير السياسي لشعوب بأكملها كما يُحرّك لاعب ماهر دُماه الخشبية. ولعلّ القضية الفلسطينية ، وفي قلبها غزة ، تمثل المسرح الأوضح لمكر هذه الإمبريالية ودهائها. فليست واشنطن فقط داعما ماليا أو عسكريا للكيان الصهيوني، بل هي صاحبة المشروع وعرّاب خطّته الأوسع: تفريغ الأرض من أهلها، وتفريغ الذاكرة من حقّها. إن الهدف الاستراتيجي الأهمّ الذي تعمل عليه الدوائر الأمريكية ، عبر أدواتها الإعلامية والسياسية والعسكرية ، ليس مجرد تدمير المقاومة، بل تحويل غزة إلى فراغ بشري، إلى مساحة مطواعة ومفتوحة للاحتمالات الاستيطانية، السياحية، الأمنية، حتى التجارية، تُجهّز لتكون "سنغافورة الشرق الأوسط" كما وصفها البعض ذات يوم، ولكن على أنقاض جثث الأطفال وركام البيوت وقبور الشهداء. لقد مارست واشنطن أبشع أنواع الابتزاز السياسي لتمرير مشروع تهجير الغزّيّين إلى سيناء، وهو مخطط قديم يعود إلى سبعينات القرن الماضي، وجد فرصته اليوم مع هشاشة النظام المصري وضعف موقفه الإقليمي. تفاوضت أمريكا سرا مع نظام عبد الفتاح السيسي، وربطت كل خيوط اللعبة بأعناق مصر: تهديد بقطع مياه النيل من خلال تواطؤ علني مع إثيوبيا في ملف "سد النهضة"، ضغط اقتصادي خانق، دعم مشروط من صندوق النقد الدولي، تسهيلات أمنية وسياسية مقابل تمرير هذا المخطط الكارثي، المسمّى كذبًا "مناطق آمنة للفلسطينيين في سيناء". لكن الحقيقة أن هذا التهجير ليس إنسانيا، بل جريمة استعمارية جديدة، تهدف إلى نزع الفلسطيني من أرضه، ونقل الجريمة خارج الحدود، ليصبح الضحية ، كما دائما ، هو المتهم، والمطرود من أرضه هو اللاجئ مجددا. وتتحدث تسريبات وتقارير عديدة، عن أن المخطط يشمل إقامة "حزام آمن" داخل سيناء بتمويل خليجي-أمريكي، وتحويله إلى منطقة شبه مستقلة، تُفرّغ من أي سيادة مصرية فعلية، لتكون مساحة عازلة تحمي الكيان الصهيوني وتخنق المقاومة. وقد عبّر الصحفي الأمريكي المخضرم سيمور هيرش في إحدى مقالاته عن هذا المشروع بقوله: "في الكواليس، كل حديث واشنطن عن السلام والإنسانية هو غطاء لتحريك حدود جديدة وصياغة خرائط ديمغرافية تخدم مصالح إسرائيل أولا وأخيرا." بل إنّ التصريحات العلنية لبعض المسؤولين الأمريكيين من قبيل "خلق فرص إنسانية للفلسطينيين خارج مناطق الحرب" و"البحث عن حلول انتقالية دائمة" ليست إلا تغطية سياسية لأكبر عملية تهجير قسري تُخطط في القرن الحادي والعشرين. أما في الإعلام، فقد تم تكييف الرواية بشكل يجعل من الضحية متواطئا مع مصيره، حيث يُقدّم الفلسطيني كمن "يرغب" في الرحيل بحثا عن الأمان، بينما الحقيقة أن أمريكا هي من تدفعه إلى البحر، وتسدّ عليه كل منفذ للحياة، ثم تمد له زورقًا وتطلب منه "النجاة". وفي المحافل الدولية، تعرقل الولايات المتحدة كل قرار يوقف المجازر أو يُدين التهجير، وتمارس الفيتو بدم بارد، وكأنها تقول للعالم: "نحن نملك القانون، والحق لا مكان له في حسابات القوة". إنها لعبة وقحة، لكنها محكمة، تجعل من الكارثة مشروعا قابلا للتداول، ومن التطهير العرقي حلا مقترحا يُناقش بأريحية على طاولات مؤتمر الأمن في ميونيخ أو في جلسات البيت الأبيض. وفي هذا السياق كتب الباحث الفلسطيني سليم تماري: "إن أخطر ما تفعله الإمبريالية الأمريكية اليوم، أنها لا تقتل الفلسطيني فقط، بل تقنعه ، بكل الأدوات النفسية والاقتصادية ، أن لا مكان له على هذه الأرض، وأن الطرد قدر لا مفر منه." إننا أمام استعمار من نوع جديد، لا يرفع السلاح فقط، بل يرفع شعار "المساعدات الإنسانية" فوق جثث الضحايا، ويُدير المؤامرات بربطة عنق وكأس نبيذ على موائد المؤتمرات الدولية. ولهذا يجب أن نقولها بوضوح: لا لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء. لا لتحويل غزة إلى منتجع للمستثمرين بعد أن كانت مقبرة للغزاة. لا لمن يسوّق الإبادة على أنها إغاثة. ولا لمن يهدد المياه ليكسر الإرادات. فالعدو اليوم لا يُخفي مشروعه، بل يُجمله. ولا يعلن الحرب، بل يعلن "خططا إنسانية". ولذا وجب فضح هذا المشروع، وكشف كل خيوطه، ومواجهته بثبات الشعب الفلسطيني ورفض الشعوب العربية للمؤامرة، خاصة في مصر، حيث ما زال صوت عبد الناصر في الذاكرة: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة." لكن المعركة اليوم هي معركة الوعي، قبل أن تكون معركة الجغرافيا.
15.غزّة، المسرح العاري للخداع الغربي والدبلوماسية المتواطئة.
غزّة ليست فقط رمزا للمقاومة، بل هي مرآة كاشفة تكشف كلّ نفاق العالم. في كلّ مرة تتعرض فيها غزة لمجزرة، يتكرر المشهد نفسه: الولايات المتحدة وأوروبا "تدعو" إلى "ضبط النفس"، و"تحث" على "العودة للمفاوضات"، ثم تُعقَد جلسات أممية مشبوهة تُدار بلغة خشبية، مفعمة بالتحايل، تضمن أن يخرج القاتل من الجريمة أكثر وقاحة. أما الضحية، فيُطلب منها دوما أن "تراجع نفسها" وتُظهِر "اعتدالا" و"واقعية". هذا هو الوجه الدبلوماسي للتواطؤ: كلمات تُصاغ بعناية، لتخفي أن اليد التي تصافح في العلن هي نفسها التي توقّع صفقات السلاح في السرّ. الإدارة الأميركية، وهي المموّل الأول للكيان الصهيوني، تتقمص في كل حرب على غزة دور "الوسيط النزيه"، وهي في الحقيقة شريك مباشر في الجريمة. كيف تكون وسيطا وفي ذات الوقت أنت مَن يسلّح أحد الطرفين، ويمنع حتى إصدار إدانة ضده؟ كيف تقف في المنتديات الأممية تذرف دموع التماسيح على المدنيين، وأنت مَن يدفع ثمن القنابل التي مزّقت أجسادهم؟ الغرب الليبرالي، الذي طالما قدّم نفسه حارسا لحقوق الإنسان، يكشف في غزة عن وجهه الاستعماري الحقيقي. يتحدثون عن "قانون دولي"، وعن "سيادة الشعوب"، بينما يبرّرون حصارا جائرا على أكثر من مليونَي إنسان، منذ أكثر من 18 عاما. يعاقبون شعبا بأكمله لأنه رفض الخضوع. وكلما رفع صوته، أو قاوم، اتُّهِم بالإرهاب. إنهم لا يريدون غزة أن تموت فقط، بل أن تموت وهي صامتة، خانعة، لا ترفع راية، ولا تصرخ. "إن ما يسمونه المجتمع الدولي، ليس إلا نادٍ للقَتَلَة يتبادلون فيه القوانين التي تُشرّع موتَ الضعفاء." نعوم تشومسكي الأنكى من ذلك أن بعض الأنظمة العربية، بواجهات إعلامية وثقافية ناعمة، باتت تروّج لنفس سردية الغرب: أن غزة هي من "تستفز"، وأن ما يحدث لها هو "نتيجة طبيعية" لرفضها "السلام". صار العدو في الرواية الرسمية ليس الاحتلال، بل من يقاومه! وكأنّ المقاومة هي الجريمة، وليس الاستعمار. تُحوَّل الضحية إلى جناة، ويُستبدل الحقّ بالواقعية السياسية، والكرامة بالإذعان. غزة اليوم، بهذا الحصار، بهذا الخراب، بهذا الموت اليومي، تُعري كل شيء: تعري نفاق المثقفين المتواطئين، وسكوت الإعلام المدجّن، وأكاذيب الليبرالية الغربية التي تقبل بحرية التعبير ما لم تشمل فلسطين. وحدهم الأطفال الذين يحملون الحجارة، والأمّهات اللواتي يغسلن دماء أبنائهن، يعرفون الحقيقة بلا رتوش. لقد قال فرانز فانون ذات مرّة: "حين تصير الشعوب مجرد رقم في نشرات الأخبار، فاعلم أن الموت صار سياسة رسمية." وغزّة ليست رقما. هي الجرح المفتوح الذي لا يلتئم، لأنها لا تنسى.
"الهواء صار مديّنا... وحقّ التنفس خاضع للتفاوض" حين ننظر إلى خريطة العالم، نراها تُرسم من جديد بالحبر الأسود الذي يقطر من أعين أطفال غزة، ومن جثثهم الصغيرة التي تتحوّل إلى أيقونات معلّقة في ضمائر الشعوب الحيّة. هذا العالم، الذي يقدّس القوانين في أوكرانيا، ويهدم البيوت فوق رؤوس الناس في رفح، عالم مشطور إلى نصفين: نصف يصيح بالعدالة حين تكون الضحية "أوروبية" والنصف الآخر يتلعثم حين تكون عربية، فلسطينية، سمراء، فقيرة. لقد فُضح كلّ شيء. الإعلام الغربي الذي يدّعي الموضوعية، لم يعد يُخفي تحيّزه. المحاكم الدولية التي تأسست "لإنصاف البشرية"، لم تُصدر حكما واحدا يُدين الاحتلال بوضوح. الأنظمة العربية، لم تعد تتستر على خيانتها، بل باتت تفاخر بها، تفتتح السفارات، وتُرسِل الوفود. حتى المنظمات الإنسانية التي يفترض أن تنقذ الأرواح، باتت تساوي بين الجلاد والضحية. لكن مع كل هذا الخراب، يظلّ في غزة ما يستحق الحياة. ليست عبارة شاعرية، بل حقيقة. ففي غزة، ما زال الناس يعلّمون أبناءهم رغم أن المدارس مهدمة. ما زالت النساء يُرضعن أطفالا لا يجدن حليبا، ولكنهن يرضعنهم الحلم والكرامة. ما زال المسعفون يركضون بلا وقود، والمعلمون يشرحون الدروس بلا كهرباء، والمزارعون يزرعون تحت القصف. في غزة، تنهض الحياة كلّ صباح على جثة الليل. يُرفع الأذان فوق الركام، وتُكتب القصائد على الجدران المتصدعة، وتُرسم أعلام فلسطين فوق جباه الأطفال بدلاً من القبّعات. غزة، التي أرادوا لها أن تكون مقبرة، صارت مدرسة. وكأنّها تقول: "نعم، ستموتون في عواصمكم الباردة من ترف السياسة، أما نحن، فسنحيا حتى لو متنا." إنّ ما يجري في غزة، ليس مجرد صراع محليّ، بل مفترق أخلاقي عالمي. من يصمت، فقد اختار أن يكون شريكا في الجريمة. ومن يساوي بين القاتل والضحية، فهو يقايض دماء الأطفال بمقعد في مائدة الاستعمار. ومن يتواطأ بدبلوماسية ناعمة، يضع وشاح النبل فوق جريمة مكتملة الأركان. فلتبقَ الخاتمة مفتوحة، لأن القصيدة لم تكتمل بعد... ما دام طفلٌ يُولد في غزة، فسيكتب سطرا آخر. وما دام حجرٌ يُرفَع، فسيضيف فاصلة في كتاب التاريخ. وما دامت أمٌّ ترفض أن تبكي، فإنّ النشيد لم يُغنَّ بعد.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار التونسي: بين الأمس الإيديولوجي واليوم السياسي.
-
الأخلاق في الميزان السياسي في القرن 21.
-
الشعبية: من التحرير الرمزي إلى بناء السيادة الفعلية
-
قراءة في رواية -1984- لجورج أورويل.
-
الكتابة فعل نضال
-
جنوب يخرج من ظلّ الأمم المتّحدة: مقترحات للفكاك من نظام الغل
...
-
الحرف ساحة صراع طبقيّ: تفكيك الخطاب وتحرير اللغة من الهيمنة.
-
بيان نواة مجموعة يسارية متمرّدة
-
الرّأس
-
الى الرفيق جورج ابراهيم عبدالله مباشرة
-
اليسار المتحزّب واليسار المستقل: بين البيروقراطية والمقاومة.
...
-
عالم متعدد الأقطاب الإمبريالية: خرافة التوازن وخطر التجزئة.
-
صدى النازية في قلب الحداثة.
-
قراءة سريعة في كتاب معذّبو الأرض لفرانز فانون
-
ردّ على تفاعل نقدي من رفيق مع مقال- هل لا يزال لليسار معنى ف
...
-
هل لا يزال لليسار معنى في ظل العولمة النيوليبرالية؟ .
-
من اضغاث حقيقة متّهمة بالحلم. من المجتمع المدني إلى الجبهة ا
...
-
الرّئيس العربي : حين يتحوّل الصندوق الانتخابي إلى بوّابة للع
...
-
الإمبريالية في جسد جديد صراع الغاز، والمضائق، والعقول...
-
الحرب التي تعيد ترتيب الجحيم: حين لا يكون الاصطفاف كافيا.
المزيد.....
-
عامل مزرعة في جنوب أفريقيا يقول إنه أُجبر على إطعام جثتي امر
...
-
ماتوا جوعًا قبل أن تمتد أيديهم للطعام.. جنازات في غزة لضحايا
...
-
لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. إيران تترقّب أول زيارة للوكالة ا
...
-
من الخطوط الأمامية.. زيلينسكي يتهم روسيا بتجنيد -مرتزقة أجان
...
-
وزير الصحة بدارفور: -الدعم السريع- مسؤولة عن انتشار الكوليرا
...
-
قتيل و4 إصابات بغارة إسرائيلية على بلدة الخيام جنوبي لبنان
-
إدارة ترامب تربط دفع تمويل للولايات والمدن بموقفها من إسرائي
...
-
حملة إسرائيلية لتبرئة وتلميع قاتل الناشط عودة الهذالين
-
صحة غزة: علاج -غيلان باريه- غير متوفر ونحذر من موت بالجملة
-
المرصد يتابع معاناة صحفيي غزة من حرب تجويع القطاع
المزيد.....
-
لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي
/ سعيد مضيه
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
/ غازي الصوراني
-
1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت
...
/ كمال احمد هماش
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|