|
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد الاستعمار.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 23:08
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ قرنٍ كامل والقضية الفلسطينية تمثّل مرآةً مكثّفة لجوهر الصراع العالمي: صراع بين الشعوب الطامحة إلى التحرّر وبين الإمبريالية التي تسعى لتأبيد السيطرة ونهب الموارد. اليوم، حين أعلنت بريطانيا وأستراليا وكندا اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، لا يمكن قراءة الحدث في عزلة عن هذا السياق الطويل. إنه ليس مجرّد تحوّل ديبلوماسي، بل علامة على اهتزاز في التوازنات، دليل على أن دماء الفلسطينيين وصمودهم أحدثت شرخا في جدار التحالف الإمبريالي–الصهيوني. لكن، وبنفس القدر، علينا أن نقرأ هذا الاعتراف بما هو عليه: خطوة محمّلة بالتناقضات، نتاج ضغط الشارع العالمي أكثر من كونه قناعة مبدئية لدى هذه الحكومات. إنّ القوى الإمبريالية لا "تُهدي" الشعوب حقوقها، بل تساوم عليها، وتقدّمها بقدر ما يحفظ مصالحها ويضمن استمرار نفوذها. لهذا فإن الاعتراف، رغم أهميته الرمزية والسياسية، يظل ناقصاً ما لم يُترجم إلى إنهاء الاحتلال وتفكيك البنية الاستعمارية الإسرائيلية. فمنذ بداية القرن العشرين، لعبت بريطانيا دور "القابلة" التي أخرجت الكيان الصهيوني إلى الوجود، عبر وعد بلفور 1917، وحماية الاستيطان، وقمع الثورات الفلسطينية. ثم ورثت الولايات المتحدة هذا الدور وصار المشروع الصهيوني حجر أساس في هندسة الشرق الأوسط بما يخدم الرأسمالية العالمية. أما أستراليا وكندا، فهما صورتان أخريان لمجتمع استيطاني أبيض قام على أنقاض السكان الأصليين، وهو ما يجعل تضامنهما العضوي مع إسرائيل أمراً بديهياً من منظور تاريخي. لذلك فإن اعتراف هذه الدول لا يمكن فصله عن أزماتها الداخلية وضغط شعوبها، التي خرجت في مظاهرات مليونية واحتلت الجامعات وطالبت بقطع العلاقات العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل. اليوم إذن، نقف أمام مشهد مزدوج: من جهة، اعتراف متزايد بشرعية الدولة الفلسطينية، ومن جهة أخرى، استمرار للقتل والتهجير والحصار، وتوسّع للاستيطان. التناقض الصارخ بين "الاعتراف على الورق" و"الواقع على الأرض" هو ما يجعل هذه اللحظة خطيرة بقدر ما هي واعدة. السؤال الحاسم ليس: من اعترف بفلسطين؟ بل: أي فلسطين يريدون الاعتراف بها؟ أهي فلسطين الممزّقة، المحاصرة، المشروطة، المنزوعة السيادة؟ أم فلسطين التحرّر الكامل التي ناضل من أجلها جيل وراء جيل، والتي رآها غسّان كنفاني كرمز للعدالة الأممية حين كتب: "قضية فلسطين ليست قضية الفلسطيني وحده، بل هي قضية كل ثوري، لأنها قضية استعمار واحتلال وعسف".
النقطة ١. اعتراف على أنقاض الدم .
من المفارقات المريرة أن تعود بريطانيا، بعد أكثر من مئة عام على وعد بلفور، لتعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية. بريطانيا ليست مراقبا محايدا في هذه القضية، بل هي الطرف المؤسّس للمأساة. منذ انتدابها على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، فتحت أبواب الهجرة اليهودية المنظمة، سلّحت العصابات الصهيونية، وسحقت ثورات الفلسطينيين، ولا سيما ثورة 1936–1939، حيث استخدمت أسلحة كيميائية وطائرات لقصف القرى، وزجّت بآلاف المناضلين في السجون أو على أعواد المشانق. أيّ اعتراف يأتي منها اليوم لا يمكن أن يُقرأ إلا في ضوء هذا التاريخ الأسود. لكن اعتراف بريطانيا ليس مجرد "تصحيح" متأخر للتاريخ، بل هو نتاج ضغوط سياسية واجتماعية داخلية. منذ مجازر غزة الأخيرة، امتلأت شوارع لندن بآلاف المحتجين، خرجت النقابات العمالية في مواقف قوية لمقاطعة الشركات المتعاملة مع إسرائيل، وأطلق الطلاب حركة واسعة لاحتلال الجامعات رفضا للتواطؤ مع الكيان الصهيوني. أمام هذا الزخم الشعبي، وجدت الحكومة نفسها مضطرة لتقديم تنازل رمزي، اعترافاً بدولة فلسطينية، في محاولة لامتصاص الغضب وتبييض صورتها دوليا. أما أستراليا وكندا، فهما ليستا سوى نموذجين آخرين للاستيطان الأوروبي الأبيض. كلاهما بُني على أنقاض الشعوب الأصلية (الأبورجينيين في أستراليا، والهنود الحمر في كندا)، وكلاهما لعب دورا تابعا للهيمنة الأمريكية–البريطانية. لسنوات طويلة، اصطفّتا مع الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، حتى في مواجهة أبسط القرارات المتعلقة بحقوق الإنسان. اليوم، حين تعترفان بفلسطين، فإن هذا الاعتراف ليس تعبيرا عن مراجعة تاريخية، بل عن أزمة سياسية داخلية وضغط جماهيري متعاظم، خاصة من قبل الحركات المناهضة للاستعمار والتي ربطت بين نضال الفلسطينيين ونضال الشعوب الأصلية في تلك البلدان. لكن الأخطر هو أن الاعتراف جاء بعد أن غرق الفلسطينيون في بحرٍ من الدم. مئات آلاف الضحايا في غزة خلال العقود الأخيرة، آلاف البيوت المهدّمة، الأرض المجزأة بالجدار والمستوطنات، الأسرى الذين يقضون أعمارهم خلف القضبان. لم يكن بالإمكان لهذه الجرائم أن تبقى بلا أثر على الرأي العام العالمي. لقد أصبح الدم الفلسطيني فضيحة معلنة أمام شعوب العالم، ولم يعد ممكنا للحكومات الغربية أن تواصل التغطية الكاملة على الكيان الغاشم. بعبارة أخرى: الاعتراف جاء لأن كلفة الإنكار أصبحت أعلى من كلفة الاعتراف.
النقطة ٢. خطوة ديبلوماسية أم مناورة؟ .
لا يمكن أن يُؤخذ الاعتراف كإنجاز صافٍ. إنّه في جوهره خطوة ديبلوماسية محمّلة بالمناورة. فالدول الإمبريالية لا تتحرك من أجل مبادئ، بل من أجل مصالح. هي تمنح الاعتراف لتعيد السيطرة على مسار القضية الفلسطينية، ولتُعيد إدخالها في إطار تفاوضي عقيم، أشبه بمسرح دبلوماسي لا يمس جوهر الاحتلال. الإمبريالية تعرف أن "حل الدولتين" بات شعارا مستهلكا، لكنه لا يزال أداة فعالة لإبقاء الفلسطينيين في دائرة التفاوض اللانهائي. الاعتراف هنا يتحول إلى جزرة تُلوّح بها الحكومات الغربية مقابل فرض شروطها: -دولة بلا سيادة على الحدود والمعابر. -دولة بلا سيطرة على مواردها الطبيعية. -دولة مقطّعة الأوصال بالحواجز والمستوطنات. -دولة تُجبر على التخلي عن حق العودة، وتتنازل عن القدس كعاصمة. هذه ليست دولة، بل "بنتوستان" موسع، نسخة فلسطينية من نظام الفصل العنصري الذي عرفته جنوب أفريقيا. لذلك، لا بد أن يُقرأ الاعتراف على أنه ساحة جديدة للصراع: إما أن يتحول إلى ورقة ضغط بيد المقاومة لإحراج إسرائيل وعزلها دوليا، وإما أن يُستعمل لإدماج الفلسطينيين في مشروع تسوية استسلامية تُكرّس الاحتلال بأشكال جديدة. هنا تكمن خطورة اللحظة: إذا تُرك الأمر بيد النخب الحاكمة وحدها، سيتحول الاعتراف إلى أداة لإعادة إنتاج الهزيمة. أما إذا جرى استثماره من قِبل القوى الشعبية والمنظمات الثورية والحركات التضامنية العالمية، فإنه يمكن أن يصبح نقطة انطلاق لتوسيع عزلة الكيان الصهيوني، وتعزيز شرعية المقاومة، وإعادة الاعتبار لحق تقرير المصير كحق غير قابل للمساومة. كما كتب لينين يوما: "الإمبريالية تُشعل الحروب وتفرض السلم، لكنها لا تمنح الحرية. الحرية تُنتزع انتزاعا." الاعتراف لن يكون سوى بداية طريق إذا استُخدم كرافعة نضالية، أما إذا قُبل كمنحة من المستعمر، فإنه يتحول إلى قيد جديد بأقنعة ملوّنة.
النقطة ٣: الاعتراف كجزء من لعبة التوازنات الإمبريالية .
لا يمكن أن ينظر إلى الاعتراف البريطاني أو الأسترالي أو الكندي بالدولة الفلسطينية باعتباره مجرد تحول أخلاقي متأخر، بل هو في جوهره انعكاس للتوازنات داخل النظام الإمبريالي العالمي. هذه الدول التي بنت تاريخها على الاستعمار المباشر ـ من سحق السكان الأصليين في أستراليا وكندا، إلى تقسيم الشعوب وإغراقها في الدماء كما فعلت بريطانيا في فلسطين والهند وإفريقيا ـ لم تستيقظ فجأة على ضمير إنساني، بل أجبرت على إعادة تموضعها تحت ضغط وقائع ميدانية جديدة. إن المقاومة الفلسطينية المسلحة والشعبية، والانفجار الهائل لحركات التضامن في الشوارع العالمية، والوعي الأممي المتنامي خاصة بين الشباب، كلها فرضت على هذه الحكومات الليبرالية الغربية أن تبحث عن صياغة خطاب "أكثر توازنا"، كي تحمي نفسها من السقوط الأخلاقي والسياسي الكامل أمام شعوبها وأمام الرأي العام العالمي. فليس من قبيل الصدفة أن يأتي الاعتراف بعد عقود من الصمت والتواطؤ مع المجازر، بل هو محاولة لترميم صورة متصدعة لم يعد ممكناً تبييضها. ماركس كتب في "البيان الشيوعي": "البرجوازية لا تتحرك إلا حين تضطرها الظروف، فهي لا تعطي شيئا إلا إذا كان الثمن أكبر في حال رفضها." وهذا بالضبط ما يحدث اليوم: الاعتراف ليس هبة من أنظمة استعمارية، بل ثمرة نضال دموي طويل دفع ثمنه الشعب الفلسطيني بدمائه، وهو انتزاع لا منّة. لكن علينا أن نفضح الوهم: هذه الاعترافات لا تعني تراجعا جذريا في مواقف هذه الدول، ولا قطيعة مع الصهيونية، بل هي ورقة جديدة لتجديد نفوذها في المنطقة. إنها محاولة لضبط الإيقاع مع الولايات المتحدة التي بدأت تفقد سيطرتها الكاملة، ومع قوى ناشئة (كالصين وروسيا) تستثمر في الموقف المناهض للإمبريالية. إنّه شكل جديد من أشكال إعادة التموضع الإمبريالي، حيث تُستَخدم "الدولة الفلسطينية" كواجهة رمزية لإعادة إنتاج النظام نفسه، دون المساس بجذر الاحتلال الاستيطاني. هنا تكمن خطورة الموقف: أن يتم تحويل الاعتراف إلى قيد سياسي على المقاومة، وإلى أداة لإعادة إنعاش وهم "حل الدولتين"، وهو المشروع الذي أثبت فشله وأصبح مجرد قناع لإدامة الاحتلال وتقطيع أوصال الشعب الفلسطيني. الاعتراف إذن ليس نهاية المعركة، بل بداية جولة جديدة من الصراع، يكون على القوى الثورية والأممية أن تكشف فيها الوجه الحقيقي لهذه الخطوة وتمنع الإمبريالية من إعادة تدوير نفسها تحت قناع "الإنصاف".
النقطة ٤: من الاعتراف إلى بناء القوة الشعبية الأممية.
إذا كان الاعتراف، كما أسلفنا، محاولة لإعادة تموضع داخل لعبة التوازنات، فإن الرد الثوري لا يمكن أن يكون الاكتفاء بالتصفيق لهذه الخطوة، بل يجب أن يتحول إلى مناسبة لتعزيز قوة الجماهير في الداخل والخارج. الاعتراف في ذاته لا يحرر أسيرا ولا يوقف مستوطنا عن سرقة أرض، لكنّه يفتح ثغرة في جدار الصهيونية العالمية، وثغرة في التحالف الإمبريالي الذي يحمي إسرائيل منذ 1948. والثوري الحق هو من يحوّل هذه الثغرة إلى ممرّ لبناء حركة أممية أكثر جذرية. -أولا، على القوى اليسارية والأممية أن تطرح بوضوح: الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا معنى له إذا لم يكن مقرونا بالاعتراف بحق المقاومة بجميع أشكالها. فالدولة التي تُولد في حضن الاستعمار لن تكون إلا قيدا جديدا على الشعب، ما لم تُبْنَ على قاعدة التحرر الفعلي وتصفية الكيان الاستيطاني. -ثانيا، هذا الاعتراف يعكس ضعفا نسبيا في جبهة الإمبريالية، وهو ضعف يجب استثماره لتوسيع قاعدة التضامن العالمي، وربط القضية الفلسطينية بالنضالات الشعبية الأخرى: نضال الشعوب الأصلية في كندا وأستراليا، نضال العمال ضد النيوليبرالية، نضال النساء ضد النظام الأبوي، ونضال الشعوب الإفريقية واللاتينية ضد الاستعمار الجديد. ففلسطين ليست جزيرة معزولة، بل هي قلب معركة عالمية ضد الاستغلال. لينين كان يقول: "الثورة ليست فعلا محليا، بل هي جزء من عملية أممية، ولا يمكن لأي شعب أن يتحرر في عزلة." إن استحضار هذا المبدأ اليوم يعني أن تحويل الاعترافات الرمزية إلى قوة فعلية يتطلب بناء جبهة أممية تنظر إلى فلسطين بوصفها رمزا وصوتا لكل المضطهدين. -ثالثا، إن هذه اللحظة هي فرصة لتعرية الطابع الانتقائي لهذه الاعترافات: لماذا يُعترف بفلسطين بينما تستمر ذات الحكومات في تدمير اليمن ودعم الحرب في أوكرانيا والتدخل في إفريقيا؟ هنا يجب أن يكون الخطاب الثوري واضحا: لا نثق بنوايا المستعمرين القدامى، لكننا نستغل كل تناقض داخل معسكرهم لتوسيع فضاء المقاومة. وبالتالي، فإن الموقف الثوري من الاعتراف ليس الاحتفال ولا الرفض المطلق، بل استخدامه كرافعة لإطلاق ديناميكية جديدة: بناء سلطة الشعب لا سلطة النخب، وتكريس خيار المقاومة لا وهم التسويات، وتحويل فلسطين إلى بوصلة لحركة عالمية ضد الرأسمالية والإمبريالية.
النقطة ٥: الاعتراف كأداة لتجديد مشروع التسوية وخطر تحويله إلى فخ سياسي.
حين ننظر بعمق إلى اعتراف دول كبرى مثل بريطانيا وأستراليا وكندا و فرنسا بالدولة الفلسطينية، علينا أن نفكك الطابع المزدوج لهذه الخطوة. فهي من جهة تُظهر هشاشة المشروع الصهيوني وتكشف تراجعا نسبيا في قدرة الغرب الإمبريالي على فرض سرديته المطلقة؛ لكنها من جهة أخرى قد تتحول إلى أداة لتجديد مشروع التسوية الاستعماري، المشروع الذي تأسس منذ اتفاقيات أوسلو وما تلاها من مسارات تطبيعية عقيمة. إن الخطر الأكبر هنا أن يصبح الاعتراف مجرد غطاء لإعادة تدوير صيغة "حل الدولتين"، الذي لم يكن يوما سوى أداة لتثبيت واقع الاستعمار وتقطيع الأرض وتحويل الفلسطينيين إلى جزر محاصرة داخل "كانتونات" معزولة. الدولة التي يُراد الاعتراف بها على الورق ليست سوى "شبه-كيان" منزوع السيادة، بلا جيش، بلا حدود فعلية، بلا سيطرة على الموارد أو الأجواء أو المياه، بل خاضع لرحمة الاحتلال في كل تفصيلة حياتية. فهل يمكن للشعب الفلسطيني أن يقبل إعادة إنتاج القيد في شكل "علم" و"نشيد وطني" بينما يستمر القمع والنهب؟ هنا يجب أن يكون الموقف واضحا: الاعتراف لا يمكن أن يُعتبر مكسبا إلا إذا اقترن بتفكيك منظومة الاستعمار الاستيطاني كاملة، وإلا فهو ليس سوى قيد جديد. إن الإمبريالية بارعة في صناعة الأوهام السياسية: تمنح "شرف الاعتراف" مقابل أن تقايض المقاومة بحقها في النضال، وتفرض على القيادة الفلسطينية أن تتحول إلى شرطي داخلي لحماية أمن الاحتلال باسم "المسؤولية الوطنية". روزا لوكسمبورغ كانت قد حذرت مبكرا من أن: "المساومات مع النظام الرأسمالي لا تُضعفه بل تجعله أكثر قدرة على إعادة إنتاج نفسه." وهذا ما ينطبق اليوم على القضية الفلسطينية: الاعتراف الذي يُقدم من دول استعمارية لا يمكن أن يكون بريئا، بل هو محاولة لاستباق تطورات ميدانية قد تهدد الكيان الصهيوني جذريا. إن تحويل الاعتراف إلى مكسب ثوري يتطلب رفض الوقوع في فخ التسوية من جديد. المطلوب هو أن نُعرّي المشروع: أن نُبيّن للشعوب أنّ ما يُراد تسويقه ليس "دولة فلسطين" بل "سجن كبير بواجهة دولية". علينا أن نعيد التأكيد أن التحرر لا يُقاس بعدد الأعلام المرفوعة في المحافل الدولية، بل بمدى قدرة الشعب على السيطرة على أرضه وموارده وتقرير مصيره دون وصاية.
النقطة ٦: دور المقاومة في تحويل الاعتراف من ورق إلى قوة فعلية.
لا يملك الاعتراف وحده أي مضمون تحرري إذا لم يكن متكئا على المقاومة الفعلية. فالتاريخ علّمنا أن كل مكسب سياسي أو اعتراف دولي كان دوما ثمرة نضال ميداني طويل، لا نتيجة "كرم" القوى الإمبريالية. فلسطين ليست استثناءً، بل هي الدليل الأوضح على أن ما يُنتزع بالسلاح وبالانتفاضة هو ما يُرغم العالم على الانحناء ولو جزئياً أمام إرادة الشعب. لقد فرضت المقاومة الفلسطينية ـ رغم التضحيات الهائلة ـ وقائع جديدة على الأرض: من عجز الجيش الصهيوني عن حسم المواجهة في غزة، إلى تفجر الانتفاضات الشعبية في الضفة، وصولا إلى الامتداد العالمي لحركات المقاطعة والتضامن. هذه الوقائع هي التي دفعت بريطانيا وأستراليا وكندا إلى الاعتراف، خشية من أن تفقد السيطرة على سردية "الشرعية الدولية" التي كانت حكرا على الغرب. لكن ما قيمة الاعتراف إن لم يُترجم إلى قوة مادية؟ القوة الثورية الحقيقية تكمن في تحويل هذه الاعترافات إلى منصة لتوسيع الفعل المقاوم. على سبيل المثال: -يجب أن يُستثمر الاعتراف لفضح ازدواجية المعايير: إذا اعترفت هذه الدول بدولة فلسطين، فلماذا تواصل بيع السلاح لإسرائيل؟ لماذا تستمر في تغطية جرائمها في المحافل الدولية؟ هذا السؤال وحده يكشف نفاق الاعتراف ويجعله سلاحاً بيد الحركة الأممية. -يجب أن يُستغل الاعتراف لتوسيع حركة المقاطعة (BDS) والضغط من أجل تحويل القرارات الرمزية إلى عقوبات فعلية ضد الاحتلال. -يجب أن يكون الاعتراف مناسبة لتذكير العالم أن الدولة الفلسطينية لن تكون إلا على كامل التراب الوطني، وأن حق العودة غير قابل للتصرف. لينين كان يقول: "لا جدوى من الاعتراف بالشعوب ما لم تُعطَ هذه الشعوب القوة لتقرير مصيرها بيدها." هذا القول يصلح اليوم كقاعدة لفهم اللحظة الفلسطينية. فالقوة لا تأتي من قرارات البرلمان البريطاني أو الحكومة الكندية، بل من البندقية التي تقاوم على الأرض، ومن الحشود التي تملأ الشوارع في العواصم العالمية، ومن الإصرار الشعبي الذي لا يقبل الاستسلام. إن مهمة القوى الثورية اليوم أن تحوّل الاعتراف إلى ساحة صراع جديدة، لا إلى نقطة نهاية. الاعتراف ليس سوى ورقة في يد المقاومة، شرط أن يُستخدم بوعي ثوري لا بوهم دبلوماسي. إن جوهر المسألة هو أن الشعب الفلسطيني أثبت أن نضاله هو الذي يُنتج السياسة الدولية، لا العكس: المقاومة هي الأصل، وكل ما عداها مجرد انعكاس.
النقطة ٧: مأزق "الشرعية الدولية" وتفكيك أسطورة القانون الدولي .
منذ عقود، جرى تسويق وهم "الشرعية الدولية" كملاذ للشعوب المقهورة، واعتُبر القانون الدولي مظلة حيادية تضمن العدالة. لكن التجربة الفلسطينية تُظهر بوضوح أن هذه "الشرعية" لم تكن سوى أداة بيد القوى الإمبريالية لإدامة الهيمنة. فقرارات الأمم المتحدة التي أكدت حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير بقيت حبراً على ورق، بينما تحولت القرارات الأخرى (مثل 242 و338) إلى قيود تشرعن سرقة الأرض وتفرض معادلة "الأرض مقابل السلام"، أي الاعتراف بالاحتلال مقابل فتات سيادة وهمية. إن اعتراف دول مثل بريطانيا وأستراليا وكندا بالدولة الفلسطينية لا يمكن عزله عن هذا السياق: إنه محاولة لإعادة إنتاج وهم "الشرعية الدولية" من جديد، وإيهام الشعوب بأن القانون الدولي يمكن أن ينصفها. لكن الحقيقة أن القانون الدولي هو انعكاس لموازين القوى، لا العكس. فحين كانت إسرائيل بحاجة لغطاء في 1948، أنتجت الأمم المتحدة قرار التقسيم. وحين احتاجت إلى حماية بعد 1967، صدر قرار 242 الذي ألغى عملياً حق العودة وكرّس شرعية الكيان. وحين صار العالم يضج بجرائمها، خرجت هذه الاعترافات لتعيد ترميم صورة الشرعية. المطلوب اليوم أن يفضح هذا المأزق: -الشرعية الدولية ليست سلاح الشعوب، بل هي سلاح الإمبريالية لترويض الشعوب. فلسطين ليست بحاجة إلى اعترافات شكلية بقدر ما هي بحاجة إلى قوة مادية تُفرض على الأرض. وكما قال أنطونيو غرامشي: "القانون ليس إلا انعكاساً للقوة المادية المسيطرة، ولا يمكن تغييره إلا بتغيير موازين القوة ذاتها." -إن فضح أسطورة القانون الدولي لا يعني الانسحاب من الساحة الدبلوماسية أو تركها للرجعيات، بل يعني تحويلها إلى ميدان اشتباك: كل قرار اعتراف يُستثمر لكشف نفاق النظام العالمي، ولتبيان أن العدالة لا تأتي من فوق، من مؤسسات تهيمن عليها القوى العظمى، بل من الأسفل، من الشعوب التي تفرض إرادتها بالنضال المباشر. بهذا الفهم، يصبح الاعتراف لا هدفاً بحد ذاته، بل أداة لتوسيع معركة الوعي الأممي ضد النظام الإمبريالي الذي يصنع "قوانينه" كما يشاء.
النقطة ٨: فلسطين كبوصلة للثورات العالمية ومعركة الوعي الأممي .
الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، مهما كانت دوافعها البرجوازية، تكشف شيئا أساسيا: فلسطين لم تعد قضية محلية أو إقليمية، بل أصبحت رمزا كونيا يحرّك الملايين في الشوارع من نيويورك إلى لندن، ومن جوهانسبورغ إلى سانتياغو. إن قوة فلسطين لا تكمن فقط في مقاومتها البطولية على الأرض، بل أيضا في قدرتها على أن تتحول إلى بوصلة أخلاقية وسياسية لكل الثورات العالمية ضد الاستعمار والرأسمالية. لقد فجّرت المقاومة الفلسطينية وعيا جديدا لدى أجيال من الشباب العالمي، الذين رأوا في نضال الفلسطينيين مرآة لمعركتهم الخاصة: -شعوب أميركا اللاتينية رأت في غزة صورة لمقاومتها ضد الإمبريالية الأميركية. -العمال المضربون في أوروبا ربطوا بين نضالهم ضد سياسات التقشف ودعم حكوماتهم للكيان. -الشعوب الأصلية في كندا وأستراليا رأت في فلسطين انعكاسا لذاتها، حيث الاستعمار الاستيطاني لم ينته بعد. هذا البعد الأممي يجعل من الاعترافات الأخيرة، رغم طابعها الانتهازي، ساحة لتوسيع جبهة التضامن العالمي. إن الثوريين لا يكتفون بقراءة الخطوة في إطارها الفلسطيني الضيق، بل يحولونها إلى منصة لتأكيد الترابط بين نضالات الشعوب. كما قال إرنستو تشي غيفارا: "لا يمكن أن يكون هناك تحرير في جزيرة واحدة وسط محيط من الاستعمار؛ التحرر إما أن يكون أممياً أو لا يكون." إن استثمار الاعتراف يتطلب إذن العمل على مستويين: -الداخلي: تعزيز الوحدة الشعبية الفلسطينية على قاعدة المقاومة، لا على قاعدة التنافس بين سلطات وهمية على سلطة منقوصة. -الخارجي: توسيع التحالفات الأممية، وربط فلسطين بكل ساحات الصراع ضد الإمبريالية والرأسمالية والعنصرية. فلسطين هنا ليست مجرد "قضية وطنية"، بل هي نقطة التقاء لكل خطوط المقاومة العالمية، وهي ما يجعل الاعترافات، رغم محدوديتها، فرصة لإعادة بناء معسكر عالمي جديد ضد الإمبريالية. كما قال غسان كنفاني: "القضية الفلسطينية ليست قضية شعب بعينه، بل هي قضية كل ثائر، لأنها واجب ضد الاستعمار." وهذا هو جوهر النقطة: تحويل الاعتراف من خطوة رمزية إلى وقود لمراكمة وعي أممي ثوري، يرى في فلسطين رمزاً ومعركةً في آن.
النقطة ٩: من الاعتراف الرمزي إلى معركة السيادة الفعلية.
الاعتراف البريطاني أو الكندي أو الأسترالي بالدولة الفلسطينية قد يُقدَّم إعلاميا كخطوة "تاريخية"، لكن السؤال الجوهري هو: أيّ سيادة يَعني هذا الاعتراف؟ إنّ جوهر الصراع في فلسطين لم يكن يوما حول "علم" أو "مقعد في الأمم المتحدة"، بل حول السيادة الفعلية: السيادة على الأرض، على الحدود، على الموارد، على الأجواء، على البحر، وعلى المصير. فالدولة التي تُراد للفلسطينيين اليوم ليست سوى كيان ناقص، بلا جيش، بلا سيطرة على مياهه أو أجوائه، مقطّع الأوصال بالحواجز والجدران، ومُحاصر بمنطق "التنسيق الأمني" مع الاحتلال. من هذا المنظور، يصبح الاعتراف شكلا جديدا من أشكال إدارة الاستعمار، لا نقيضا له. فالإمبريالية تُدرك أنّ الكيان الصهيوني لم يعد قادرا وحده على ضبط الشعب الفلسطيني، ولذلك تحتاج إلى وسيط محلي – "دولة" شكلية – تحوّل المقاومة إلى "خروج عن القانون"، وتحوّل النضال إلى "عنف غير مشروع". إنها لعبة إعادة تعريف الشرعية: ما كان يُسمّى مقاومة يصبح "إرهابا"، وما كان يُسمّى احتلالا يصبح "نزاعاً حدوديا". وهنا يكمن التحدي الثوري: -أن نعيد التأكيد أنّ السيادة ليست وثيقة دبلوماسية ولا قرارا في البرلمان، بل هي فعل مادي يُفرض بدماء الشعوب. السيادة تُبنى من الأسفل، عبر سلطة الشعب، لا من الأعلى عبر اعتراف القوى الإمبريالية. السيادة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا حين يفرض الشعب الفلسطيني سيطرته الفعلية على كامل أرضه، ويُفكّك البنية الاستيطانية من جذورها. لينين كتب ذات مرة: "الدولة ليست سوى أداة قمع طبقي، ولا يمكن أن تصبح أداة للتحرر إلا إذا انقلب ميزان القوى لصالح الطبقات الكادحة." وهذا الدرس صالح تماما لفلسطين: "الدولة الفلسطينية" التي يعترف بها الغرب لن تكون سوى أداة قمع جديدة إذا لم تُبنَ على قاعدة المقاومة الشعبية والعمالية والفلاحية. لذلك فإن مهمة الثوريين ليست التصفيق للاعتراف، بل فضح طبيعته وتأكيد أنّ الطريق إلى السيادة يمرّ عبر التحرير، لا عبر التسوية.
النقطة ١٠: فلسطين كفضاء لصراع عالمي بين الثورات والرجعيات .
إنّ ما يجري اليوم من اعترافات متتالية ليس حدثا فلسطينيا صرفا، بل هو تجلٍّ لمعركة عالمية أوسع بين معسكرين: معسكر الإمبريالية والرجعية من جهة، ومعسكر الشعوب والمقاومة والثورات من جهة أخرى. ففلسطين كانت دوما نقطة ارتكاز للصراع الأممي، منذ أن استخدمتها الإمبريالية البريطانية كقاعدة متقدمة للهيمنة على الشرق العربي، وصولاً إلى اللحظة الراهنة حيث تتحول إلى رمز عالمي للنضال. الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية لا يمكن فصله عن هذا السياق: إنه محاولة من معسكر الرجعية لترميم صورته المتصدعة بعد أن انفضحت جرائمه في غزة أمام شاشات العالم. إنه أشبه بمحاولة "إنقاذ الوجه" أمام شعوب غاضبة لم تعد تقبل التواطؤ الصريح مع الإبادة. لكنه في الوقت ذاته يكشف هشاشة هذا المعسكر: إذ لو كان قادرا على فرض سطوته كما في القرن العشرين، لما اضطر إلى مثل هذه الاعترافات الشكلية. في المقابل، فإنّ معسكر الشعوب والمقاومة يجد في فلسطين ساحة مثالية لتوحيد قضاياه. كل انتفاضة ضد النيوليبرالية، كل إضراب عمالي ضد الاستغلال، كل ثورة نسوية ضد النظام الأبوي، كل نضال للشعوب الأصلية ضد الاستيطان – كلها ترى نفسها في مرآة فلسطين. وهنا تكمن خطورة الاعتراف: أن يُحوّل إلى محاولة لتفكيك هذا الترابط الأممي عبر تسويق "حل الدولتين" كخاتمة للنزاع، بدل أن تبقى فلسطين بوصلة للنضال العالمي. إنّ الموقف الثوري يفرض علينا أن نُبقي فلسطين في قلب الصراع الأممي. الاعترافات يجب أن تُستخدم لإعادة التأكيد أنّ فلسطين ليست "قضية دبلوماسية"، بل هي قضية ثورية عالمية. كل خطوة اعتراف يجب أن تُواجَه بالسؤال: ماذا بعد؟ هل سيُفرض حظر سلاح على إسرائيل؟ هل ستُحاسب على جرائم الحرب؟ هل سيُرفع الحصار عن غزة؟ إن لم يحدث شيء من هذا، فإنّ الاعتراف لا يساوي شيئاً سوى حبر على ورق. غيفارا كان يقول: "إنّ واجب كل ثائر أن يرى في كل رصاصة تُطلق على ثائر في أي مكان في العالم أنها موجهة إلى صدره هو." وفلسطين اليوم تجسيد لهذا القول: كل اعتراف كاذب، كل ورقة دبلوماسية بلا مضمون، هو رصاصة جديدة ضد المقاومة. لكن كل فعل تضامن شعبي، كل حركة مقاطعة، كل صوت ثوري في الشوارع، هو رصاصة مضادة في صدر الإمبريالية. وبذلك، فإنّ فلسطين تبقى فضاء للصراع العالمي، حيث يتواجه مشروعان: مشروع التحرر الأممي، ومشروع التسوية الإمبريالية. والمستقبل سيُحسم بقدر ما تستطيع القوى الثورية أن تحوّل هذه اللحظة إلى رافعة لنضال الشعوب، لا إلى قبر وهمي لقضيتها.
النقطة ١١: الاعتراف كأداة لامتصاص الغضب الشعبي العالمي.
حين اندلعت المجازر في غزة على مدى الأشهر الماضية، خرجت الملايين في شوارع لندن وملبورن وتورونتو، رافعة الأعلام الفلسطينية، ومندّدة بحكوماتها المتواطئة. هذه الحشود لم تكن مجرد فعل عاطفي، بل كانت انفجارا سياسيا يهدد مباشرة شرعية الطبقات الحاكمة في الغرب. فالشباب الذين كسروا صمت الجامعات، والنقابات التي رفعت شعار "لا سلاح لإسرائيل"، والجاليات المهاجرة التي وحّدت صوتها، كلها شكّلت جبهة ضاغطة لم تعد قادرة على احتوائها وسائل الإعلام المهيمنة. في هذا السياق بالذات، يمكن قراءة اعتراف بريطانيا وأستراليا وكندا بالدولة الفلسطينية. فهو ليس تعبيراً عن قناعة أخلاقية، بل محاولة امتصاص الغضب الشعبي، وإعادة توجيه بوصلة الاحتجاج نحو أفق دبلوماسي مُقيَّد. إنّ الطبقات الحاكمة في هذه البلدان تخشى أكثر ما تخشى من تحول التضامن مع فلسطين إلى وعي ثوري يربط بين جرائم الإمبريالية في الخارج وسياسات التقشف والقمع في الداخل. لذلك جاء الاعتراف ليؤدي وظيفة مزدوجة: -من جهة، إعطاء جرعة رمزية للشعوب الغاضبة، توحي بأنّ "صوتها مسموع"، بهدف تهدئة الشوارع. -ومن جهة أخرى، إعادة تثبيت سردية الدولة كفاعل "مسؤول"، يحافظ على "التوازن" ولا ينحاز بشكل فج لإسرائيل، وإن كانت سياساته العملية لا تزال داعمة لها في الخفاء. لكن الخطر هنا أنّ بعض قوى الإصلاحية والليبرالية قد تقع في فخ هذا الاعتراف، فتعتبره انتصارا وتدعو إلى خفض منسوب الاحتجاجات، وهو بالضبط ما تريده الطبقات الحاكمة. و بالتأكيد أن الاعتراف لا يوقف قصف غزة، ولا يُحرّر الأسرى، ولا يُعيد اللاجئين، ولا يوقف شحنات السلاح. إنّ الاعتراف، في أحسن الأحوال، مجرد "مسكّن" سياسي، والواجب هو تحويله إلى منصة لتصعيد النضال، لا لتبريده. كما قال المفكر الماركسي فرانز فانون: "المستعمِر حين يمنحك شيئا، فاعلم أنه يسلبك في الوقت ذاته شيئاً أكبر." والاعتراف هنا مثال ساطع: يُعطى للشعوب "فتات" رمزي، مقابل أن تُخدَّر طاقتها الثورية. لذلك، فإنّ الرد الثوري يجب أن يكون رفع سقف المطالب: لا نريد اعترافا شكليا، بل وقفا فوريا لكل أشكال التواطؤ مع الكيان الصهيوني، من الصفقات العسكرية إلى الغطاء الدبلوماسي.
النقطة ١٢: دور الإعلام والنخب في إعادة صياغة الوعي حول الاعتراف .
الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية لم تُمرَّر في فراغ إعلامي، بل جاءت مصحوبة بحملة ضخمة لإعادة صياغة الوعي. فجأة، امتلأت الصحف الغربية بالعناوين التي تتحدث عن "التغيير التاريخي"، وهرع المحللون الليبراليون لتقديم الاعتراف كـ"خطوة نحو السلام"، بينما احتفت النخب الأكاديمية والمؤسسات البحثية باعتباره بداية "مرحلة جديدة". لكن خلف هذه اللغة المخاتلة، يكمن مشروع خطير: صناعة وعي جديد يُفرغ الاعتراف من أي مضمون تحرري، ويحوله إلى سقف نهائي للمطالب. الإعلام الإمبريالي يُسوّق الاعتراف باعتباره نهاية للصراع، لا محطة في مسار التحرير. إنه يحاول أن يقدّم للفلسطينيين "دولة على الورق" كأقصى ما يمكن تحقيقه، في مقابل إسكات صوت المقاومة وتجريمها. إنّ دور النخب في هذه اللعبة جوهري: فالمثقفون الليبراليون يُعيدون إنتاج سردية "التعايش" و"الحل الوسط"، بينما تُستخدم الجامعات ومراكز الأبحاث لإقناع الأجيال الشابة بأنّ الاعتراف هو "الواقعية السياسية"، وأنّ المقاومة المسلحة "عقبة أمام السلام". هكذا يتحول الاعتراف إلى أداة أيديولوجية، تُحاصر الخيال الثوري وتُعيد إنتاج الهزيمة تحت غطاء "الانتصار الرمزي". لكن الوعي الشعبي بدأ يخرج عن سيطرة هذه النخب. مشاهد غزة التي ملأت الشاشات فجّرت وعيا جديدا لا تستطيع حملات الإعلام المهيمن احتواءه بسهولة. الجيل الشاب الذي يرى أطفال غزة يُسحقون تحت القصف لم يعد يصدق لغة "السلام" التي يروّجها الساسة الغربيون. وهنا تبرز مسؤولية اليسار الثوري: فضح تواطؤ الإعلام والنخب، وبناء خطاب بديل يربط الاعتراف بالمسؤولية الفعلية. إنّ المطلوب ليس فقط أن نسأل: لماذا اعترفت بريطانيا وكندا وأستراليا الآن؟ بل أن نكشف: لماذا واصلت هذه الدول لعقود دعم إسرائيل؟ ولماذا لا تزال تموّلها بالسلاح؟ ولماذا تصفّق حين تُباد غزة؟ إنّ هذه الأسئلة وحدها كفيلة بتفكيك خطاب "السلام" المزيّف، وتحويل الاعتراف من أداة تخدير إلى ساحة اشتباك. كما كتب غرامشي: "المعركة الكبرى ليست فقط معركة السلاح، بل معركة الوعي، حيث تسعى الطبقة المهيمنة إلى فرض رؤيتها كحقيقة مطلقة." والاعتراف الفلسطيني اليوم مثال حيّ على هذه المعركة: بين وعي شعبي يرى الدماء على الأرض، ووعي مصنّع تحاول النخب فرضه عبر الإعلام.
١٣ اليمن، الاستثناء الصامد في وجه العاصفة.
بينما تعرض محور المقاومة لضربات متتالية ومحاولات تفكيك منهجية، بقي اليمن — البلد الفقير الذي دُكّت أرضه بالقنابل والجوع والحصار — صامدا بوجه آلة الحرب الإمبريالية الرجعية. إن الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية تزامن مع انكشاف دور صنعاء كأحد أهم مراكز الفعل المقاوم الحقيقي. فاليمن الذي يُراد له أن يظل على هامش التاريخ، قد أصبح في قلب المعركة الكبرى ضد الكيان الصهيوني. لم يكتف اليمنيون بالبيانات والخطابات، بل حولوا البحر الأحمر إلى مسرح مفتوح للمواجهة، معرقِلين الملاحة المرتبطة بالاحتلال وحلفائه، متحدّين بذلك الولايات المتحدة وبريطانيا مباشرة. إن هذا الفعل لا يمثل مجرد تعاطف، بل يعبّر عن ممارسة سيادة ثورية شعبية تتجاوز حدود الدولة الوطنية التقليدية، وتعيد ربط المعركة الفلسطينية ببعدها الأممي. لقد قدّم اليمن درسا عميقا: الشعوب قادرة، حتى وإن كانت محاصرة ومجوعة، أن تفرض كلمتها على القوى العظمى. وفي هذا المعنى، يلتقي اليمن مع تجارب فيتنام وكوبا والجزائر، حيث لم تمنع الهشاشة الاقتصادية ولا الدمار من تحويل البلد إلى بؤرة مقاومة ملهمة. إن صمود اليمن يعرّي ضعف الأنظمة العربية الأخرى التي تمتلك المال والنفط والسلاح لكنها ارتمت في أحضان واشنطن وتل أبيب. اليمن اليوم لا يقاتل فقط باسم فلسطين، بل باسم الكرامة الإنسانية جمعاء، وهو يُظهر أن الشعوب حين تُدفع إلى أقصى حافة الجوع والقتل، قد تتحول إلى براكين ثورية لا تهدأ. ولذلك، فإن اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بالدولة الفلسطينية، مهما كانت دوافعه، يجد امتداده الموضوعي في واقع تؤكده بنادق اليمنيين وسفنهم التي ترفع علم المقاومة في عرض البحر.
١٤ الانعكاسات على موازين القوى الإقليمية والدولية.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قِبل قوى غربية كبرى لا يمكن فصله عن تحولات أعمق في ميزان القوى العالمي. فالمشروع الإمبريالي الذي قادته واشنطن منذ سقوط الاتحاد السوفياتي يعاني اليوم من تآكل استراتيجي، وهو ما فتح ثغرات أمام نهوض بدائل جديدة. الصين تبني طريق الحرير، روسيا تعود لاعبا مركزيا في النظام العالمي، أمريكا اللاتينية تستعيد موجات يسارية جديدة، وأفريقيا تبحث عن استقلال اقتصادي بعد قرون من النهب. وسط هذا المشهد، تتحول القضية الفلسطينية إلى معيار لقياس مواقف الدول من العدالة والحرية. إن التحولات الأخيرة تعني أن القضية لم تعد محصورة داخل الإقليم العربي، بل باتت قضية اختبار للمصداقية العالمية: من يقف مع فلسطين يُحسب ضمن معسكر التحرر، ومن يقف مع إسرائيل يُحسب ضمن معسكر الهيمنة. لهذا، فإن اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا، رغم طابعه الإصلاحي والبراغماتي، يعبّر عن إدراك نخبها بأن البقاء في جبهة الاحتلال أصبح مكلفا سياسيا وأخلاقيا. لكن الانعكاسات الأعمق تتمثل في إعادة توزيع التحالفات داخل المنطقة. فدول عربية كانت تلهث وراء التطبيع تجد نفسها اليوم في عزلة أخلاقية، بينما تصعد مكانة قوى المقاومة كحماس والجهاد وحزب الله، إضافة إلى اليمن الثائر. إن توازن الردع العسكري الذي كان الكيان يتباهى به بدأ يتهاوى، وهو ما ينعكس مباشرة على مواقف الغرب الذي يرى في الكيان الصهيوني عبئا أكثر من كونه ذراعا متقدمة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الصراع، حيث لم تعد القضية الفلسطينية شأنا شرق أوسطيا، بل تحولت إلى نقطة التقاء بين الشعوب الثائرة ضد النيوليبرالية، وضد عسكرة الاقتصاد العالمي، وضد الرأسمالية المتوحشة. وكما قال المفكر الماركسي سمير أمين: "فلسطين ليست قضية شعب وحده، بل مرآة تكشف علاقة العالم بالإمبريالية." واليوم، مع اعتراف دول غربية بالدولة الفلسطينية، تزداد وضوحا هذه الحقيقة: لا تحرر عالمي بدون تحرير فلسطين، ولا مستقبل لأي نظام عالمي عادل دون كسر هيمنة الصهيونية والإمبريالية معا.
النقطة ١٥: الاعتراف والدور الاستراتيجي للمقاومة المسلحة .
في ضوء الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية، يظهر بشكل صارخ الفرق بين الرمزي والفعلي. فالاعتراف السياسي، مهما بدا متقدما على الورق، لا يغير شيئا في واقع الأرض، ولا يوقف استيطان الضفة، ولا يرفع الحصار عن غزة، ولا يحرر الأسرى. القوة الحقيقية، التي تفرض تغييرا ملموسا، تأتي من المقاومة المنظمة، من بنادق الرجال والنساء، ومن الانتفاضات الشعبية التي تهز الاحتلال في عقر داره. المقاومة الفلسطينية ليست فقط ردا على القصف والحصار، بل هي أداة إعادة تعريف الواقع السياسي على الأرض، وإجبار القوى الإمبريالية على مراجعة مواقفها الرمزية. كل صاروخ أُطلق، كل حاجز أُقفل، كل حركة مقاومة جماهيرية في الشوارع، هي التي فرضت على بريطانيا وأستراليا وكندا أن تُعلن عن اعترافها. هنا يتضح جوهر المبدأ الثوري: الاعتراف ليس قوة ذاتية، بل انعكاس لقوة ميدانية ناضلت ودافعت، وأحيانا دفعت ثمنا دمويا هائلا، لتُرغم العالم على الاعتراف بالواقع الفلسطيني. كما قال فدريكو غارسيا لوركا: "ليس الدم هو ما يكتبه التاريخ، بل مقاومة من يعرف كيف يجعل من دمه كتابة." وهذا ينطبق على فلسطين اليوم: الاعتراف الغربي ليس سوى محاولة لتجميل التاريخ، بينما الواقع الحقيقي يُصاغ على الأرض، بدم الفلسطينيين وبصمودهم وإبداعهم في مواجهة آلة الاحتلال. إضافةً إلى ذلك، المقاومة تُشكل درعا يمنع الانزلاق الكامل للاعتراف إلى مجرد مسرحية دبلوماسية. فهي تُرغم المجتمع الدولي على التعامل مع فلسطين كطرف حي وفاعل، لا ككائن تابع بلا إرادة. كل نجاح دبلوماسي، كل خطوة رمزية، مُستمدة من الضغط الميداني وليس العكس، وهذا درس أساسي يجب أن تستوعبه كل القوى الثورية: لا تثقوا بالبرلمانات الغربية، بل بالشارع الذي يصر على تحرير الأرض واستعادة الحقوق.
النقطة ١٦: فلسطين محور التضامن الأممي وإعادة رسم الخريطة الثورية.
الاعتراف الدولي، مهما كان شكليا، يعيد طرح سؤال العلاقة بين النضال الوطني والنضال الأممي. فلسطين اليوم ليست مجرد قضية عربية أو إقليمية، بل أصبحت مركزا لصراع عالمي بين القوى الثورية والشعوب المضطهدة من جهة، والرجعيات الإمبريالية من جهة أخرى. الاعتراف الغربي يُظهر هشاشة الإمبريالية، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام إعادة ترتيب التحالفات العالمية. الشعوب في أوروبا وأميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا بدأت تدرك أن فلسطين ليست قضية منفصلة، بل رمز لكل أشكال المقاومة ضد القمع الاستعماري، الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي. كل حركة احتجاجية ضد السياسات النيوليبرالية، كل إضراب عمالي ضد استغلال رأس المال، كل نضال نسوي ضد الاستبداد الأبوي، وكل مطلب للعدالة البيئية والاجتماعية يمكن أن يجد في فلسطين مرآة له، ونموذجًا للصلابة في مواجهة آلة القمع. هنا تتجلى أهمية الاعتراف كفرصة وليس كهدف: فرصة لتوسيع التضامن الأممي، لبناء شبكات نضال موحدة، لإعادة ربط القضية الفلسطينية بقضايا الحرية والعدالة في كل أنحاء العالم. فلسطين تصبح بذلك بوصلة للثورات العالمية، مؤشرا لقياس مدى فعالية الحركات الثورية وقدرتها على مواجهة الإمبريالية والرجعيات المحلية. كما قال غرامشي: "الثورة لا تنتصر حيث يغيب الوعي الجماهيري، ولا يُفرض النصر بالقوة وحدها." فلسطين تُعيد هذا الدرس إلى الواجهة: الاعتراف الغربي مجرد بداية، لكنه يشكل منصة لإعادة بناء الوعي، لربط النضال المحلي بالنضال العالمي، ولتأكيد أن الحرية والعدالة لا تُكتسبان إلا عبر الصراع المستمر والمقاومة المنهجية. إن الاعتراف الدولي، رغم رمزيته، لا يمكن أن يكون حجر الزاوية للتحرير. القوة الحقيقية، والقدرة على تحويل كل اعتراف إلى انتصار ملموس، تأتي من المقاومة الشعبية المسلحة، من التضامن الأممي، ومن القدرة على ربط فلسطين بكل ساحات الصراع ضد الإمبريالية. فلسطين، في هذه اللحظة، ليست مجرد دولة على الورق، بل مركز مقاومة عالمي، ونموذج للثورات التي ترفض الانكسار، وتصر على تحرير الأرض والإنسان معا.
☆.فلسطين بين المقاومة والتضامن الأممي – الطريق إلى التحرر الحقيقي: إن فلسطين، بعد كل هذه الاعترافات الغربية الرمزية، تظل الاختبار الحاسم للوعي السياسي العالمي، ولقدرة الشعوب على التمييز بين الشكل والجوهر، بين الرمزي والمادي، بين الوعد والواقع. الاعتراف الذي منحته دول كبرى كبرى بريطانيا وكندا وأستراليا ليس سوى انعكاس لحالة ضعف الإمبريالية الغربية، ولم تعد قادرة على فرض هيمنتها المطلقة على حساب إرادة الشعوب. لكنه في الوقت ذاته تحذير للفلسطينيين وللقوى الثورية العالمية: لا شيء يُمنح، لا شيء يُكسب بمجرد التوقيع على ورقة أو الجلوس في قاعة الأمم المتحدة، فالتحرير الحقيقي لا يُنتزع إلا من خلال القوة المنظمة، والإرادة الشعبية، والمقاومة المستمرة على الأرض. لقد أثبتت التجارب التاريخية أن كل خطوة دبلوماسية، مهما كانت عظيمة في الإعلام والسياسة، تبقى ناقصة إذا لم تصاحبها مقاومة حقيقية وقوة شعبية ضاغطة. فالمقاومة الفلسطينية ليست مجرد رد فعل على القصف أو الحصار، بل هي أداة إعادة تعريف السيادة والحرية، وهي التي تجبر العالم على إعادة النظر في سياساته واعترافاته الشكلية. من خلال الانتفاضات، من خلال الكفاح اليومي، من خلال التضامن العالمي، يُفرض واقع جديد على الأرض، واقع لا تقوى على تجاهله أي قوة إمبريالية، مهما بلغت من جبروتها. اليمن، غزة، الضفة، لبنان، وكل ساحات المقاومة، أظهرت أن الشعوب، حتى في أقسى الظروف، قادرة على تحويل الصمود إلى قوة، وتحويل القهر إلى إرادة لا تلين. هذه التجربة، مع امتدادها إلى التضامن الأممي، تثبت أن فلسطين ليست قضية شعب وحسب، بل محور للثورات العالمية، نقطة التقاء لكل من يرفض الاستغلال، والاحتلال، والقمع، والظلم الاجتماعي. فلسطين اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تمثل البوصلة التي يختبر من خلالها العالم نزعة الحرية الحقيقية. الاعتراف الغربي، مهما بدا تقدميا، يظل محدودا إذا لم يُترجم إلى ممارسات ملموسة: وقف الاستيطان، رفع الحصار، تحرير الأسرى، ضمان حق العودة، وتقديم الدعم الكامل للمقاومة الشعبية على الأرض. أي اعتراف بدون ذلك هو مجرد حبر على ورق، محاولة لتجميل صورة الاحتلال، وتحويل المقاومة إلى "عنف غير مشروع". الثوريون يعلمون أن الطريق إلى الحرية طويل ووعر، وأن كل خطوة رمزية يجب أن تُحوَّل إلى منصة لتعزيز القوة الشعبية، وتوسيع التضامن الأممي، وربط فلسطين بكل ساحات الصراع ضد الإمبريالية والرجعية. كما قال أنطونيو غرامشي: "السلطة ليست فقط ما يُفرض بالقوة، بل ما يُفرض بالوعي الجماهيري." فلسطين هي الدليل الحي على ذلك: كل اعتراف، كل خطاب، كل ورقة دولية، هي اختبار لقدرة الشعوب على تحويل الرمزي إلى مادي، وتحويل الشكل إلى واقع، وتحويل الدعم الدولي إلى قوة عملية على الأرض. في النهاية، فلسطين ليست مجرد دولة على الورق، ولا اعترافا في البرلمان، ولا بيانا صحفيا. فلسطين هي مقاومة حيّة، شعوب صامدة، دماء تسيل، إرادة لا تنكسر، تضامن أممي يتوسع، وبوصلة للنضال العالمي. كل خطوة اعتراف يجب أن تتحول إلى فعل، وكل وعد رمزي يجب أن يُختبر على الأرض، وكل صمت يجب أن يُقابَل بصوت ثوري. فلسطين هي المستقبل، وهي الطريق إلى عالم أكثر عدلا، أكثر حرية، وأكثر تحررا من كل أشكال الاستعمار والإمبريالية
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
-
الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
-
نقد الإبداع وإبداع النقد.
-
بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
-
اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا
...
-
قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني
...
-
11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
-
الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر
...
-
رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال
...
-
أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
-
البيروقراطية
-
السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
-
قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش
...
-
البناء القاعدي: من فكرة التحرر إلى أداة الهيمنة؟
-
الحداثة والظلامية: وجهان لعملة واحدة في مأزق التاريخ العربي.
-
ما بعد الجمهورية: زمن الوحوش أم زمن الاحتمال؟
-
الخديعة الأمريكية الكبرى: الإمبريالية وخراب فلسطين.
-
اليسار التونسي: بين الأمس الإيديولوجي واليوم السياسي.
-
الأخلاق في الميزان السياسي في القرن 21.
-
الشعبية: من التحرير الرمزي إلى بناء السيادة الفعلية
المزيد.....
-
اعترافات غربية بـ-الدولة الفلسطينية-.. مسؤول في حماس يعلق لـ
...
-
غارة إسرائيلية على جنوب لبنان تسقط خمسة قتلى بينهم ثلاثة أطف
...
-
السودان يحذّر من استخدام الدعم السريع للمرتزقة
-
مقتل عنصري أمن وإصابة ثالث بانفجار عبوة ناسفة في الأنبار الع
...
-
واشنطن بوست: في الفاشر السودانية من لا يقتله القصف يموت جوعا
...
-
مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل سرقة -الإسورة الأثرية- وتحي
...
-
مصر ترد على تقارير حول انتشار الجيش في سيناء.. وخبير عسكري ي
...
-
المكاوية والبادم حلوى الزمن الجميل
-
سوريا: انتخابات برلمانية غير مباشرة في 5 تشرين الأول/ أكتوبر
...
-
غضب وحزن عارمان على المنصات بسبب مشاهد النزوح القاسية في غزة
...
المزيد.....
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
/ سعيد مضيه
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
/ سعيد مضيه
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
/ سعيد مضيه
-
تمزيق الأقنعة التنكرية -3
/ سعيد مضيه
-
لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي
/ سعيد مضيه
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|