|
البناء القاعدي والتسيير الذاتي: بين النظرية، التجارب، والتحوّلات الرقمية.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 08:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
✓•المقدمة: البناء القاعدي والتسيير الذاتي – من الجذور الفكرية إلى الأفق الكوني.
في زمن يتسم بتركيز السلطة، وتنامي الاحتكار الاقتصادي، وتوسّع مظاهر التحكم الرقمي في حياة الأفراد، تبدو فكرة البناء القاعدي والتسيير الذاتي أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. إنها ليست مجرد نظرية سياسية، بل مشروع فلسفي واجتماعي شامل، يضع القرار في يد المجتمعات المحلية، ويعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والدولة، بين الفرد والجماعة، وبين المجتمعات والطبيعة. تاريخيًا، ارتبطت فكرة البناء القاعدي بممارسات الأناركية والتحررية، حيث رأى مفكرون مثل ميخائيل باكونين وبيير جوزيف برودون أن الدولة بطبيعتها أداة قمع، وأن السلطة يجب أن تُمارس مباشرة من قبل الشعب عبر مجالس ومؤسسات محلية ذاتية التنظيم. هذا الطرح لم يقتصر على النظرية، بل تجسّد في تجارب عملية مثل ثورة إسبانيا 1936، حيث نظمت النقابات العمالية الاقتصاد والمجتمع دون تدخل الدولة، مؤسِّسة نموذجا حيا للتسيير الذاتي. أما من منظور الماركسية الديمقراطية، فقد جاءت رؤية روزا لوكسمبورغ لتكمل هذا الخط، مؤكدة أن الديمقراطية العمالية ليست مجرد شعار، بل جوهر الاشتراكية نفسها. لوكسمبورغ انتقدت السيطرة المركزية للحزب الواحد في الاتحاد السوفيتي، وحذّرت من أن غياب الرقابة الشعبية يؤدي حتما إلى استبداد جديد. كانت تدعو إلى مشاركة دائمة للعمال في اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية، مع التأكيد على ضرورة استمرار الثورة من الأسفل إلى الأعلى، وليس عبر قيادة طليعية تحتكر السلطة باسم الشعب. مع مرور الزمن، تطورت القاعدية، لتتجاوز أسسها النظرية التقليدية، فتقاطع اليوم مجالات الاقتصاد الرقمي، التضامن العالمي، الثورة البيئية، ودور المرأة في التنظيم المجتمعي. القاعدية المعاصرة ليست مقتصرة على البعد السياسي المحلي، بل تمتد إلى الأفق الكوني، حيث يصبح التحكم في الموارد الطبيعية، المعلومات، والطاقة، جزء من مشروع التسيير الذاتي. في هذا السياق، تظهر الشبكات الرقمية، الإنترنت، والمنصات المعلوماتية كأدوات تمكّن المجتمعات من إعادة بناء تواصلها الوطني والإقليمي والعالمي، ومقاومة احتكار المعرفة والقرارات من قبل الدولة أو الشركات متعددة الجنسيات. تجارب العالم منذ عام 2011 أظهرت تنوع أشكال القاعدية الحديثة. من تونس بعد ثورة 2011، إلى المجالس العمالية في روج آفا، إلى شبكات التعاونيات في أمريكا اللاتينية، وإلى المبادرات الرقمية في أوروبا والعالم العربي، برزت مقاومة متعددة الأبعاد تجمع بين السياسة، الاقتصاد، الثقافة، والبيئة. هذه التجارب تثبت أن القاعدية لم تعد مجرد ممارسة تنظيمية محلية، بل أصبحت وعيًا كونيا شاملا، يربط بين الحرية الفردية والمصلحة الجماعية، بين الاستقلال الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وبين حماية البيئة وحقوق الإنسان. لكن هذه الأفكار لم تخلو من التحديات. فقد ظهرت ظاهرة الشعبوية القاعدية، حيث يُستغل خطاب القاعدية لتبرير سلطة فردية مركزية، وتصبح المجالس القاعدية مجرد أدوات لتمرير قرارات الزعيم، بدلا من أن تكون أدوات للمجتمع نفسه. التجربة التونسية، خاصة بعد 2021، توضح هذا التناقض: فقد تبنى الرئيس خطاب البناء القاعدي، لكنه أعاد إنتاج الدولة المركزية، وأضعف الأحزاب والمجالس الشعبية المستقلة، مؤكدًا أن تحقيق البناء القاعدي الحقيقي يتطلب وعيا مستمرا ومقاومة دائمة للانحراف السلطوي. البناء القاعدي الحديث يتجاوز الحواجز التقليدية بين النظرية والتطبيق، بين المحلي والعالمي، بين الفرد والمجتمع. إنه مشروع ديناميكي ومتعدد الطبقات، يدمج بين الفلسفة، الاقتصاد، الثقافة، التقنية، والبيئة، ليخلق نموذجًا شاملًا للحرية والمشاركة الشعبية. ومن خلال قراءة متأنية للتجارب التاريخية والمعاصرة، يمكن استنباط معايير القاعدية الحقيقية: استقلالية المجالس، مشاركة فعالة للنساء والرجال، تسيير ذاتي اقتصادي، توعية سياسية، وحماية للبيئة والموارد، مع بناء شبكات تضامن إقليمي وعالمي. في هذا السياق، يبدو البناء القاعدي ليس مجرد استراتيجية سياسية، بل مشروع إنساني كوني. مشروع يهدف إلى إعادة توزيع السلطة والثروة، وتمكين الإنسان من التحكم في مصيره، وفي الوقت نفسه، الحفاظ على الأرض باعتبارها حقًا جماعيًا لكل الكائنات. إنها رؤية متكاملة، تجمع بين الفكر والتحليل التاريخي، التجربة العملية، والتطلعات المستقبلية، لتصبح خارطة طريق للتحرر الإنساني المستدام. إن هذه المقدمة، إذ تطرح البناء القاعدي كإطار فكري وعملي شامل، تفتح الباب أمام استكشاف المحاور المختلفة للمقالة: من الجذور النظرية، التجارب العالمية والمحلية، الثورة الرقمية، دور المرأة، الاقتصاد التضامني، الوعي البيئي، وصولا إلى القاعدية الكونية، وتبيّن أهمية المقاومة المستمرة للشعبوية والانحراف السلطوي، لضمان أن يبقى المشروع حرًا، ديمقراطيًا، ومفتوحًا على المستقبل.
√•01: الجذور الفكرية للقاعدية — قراءة تاريخية ونقدية معمّقة.
القاعدية ليست فكرة عابرة؛ هي نتيجة تراكم نقد نظري وتجربة عملية امتدت عبر قرون. لكن لا يكفي استدعاء أسماء (باكونين، برودون، روزا لوكسمبورغ) لشرحها؛ علينا تفكيك المقولات الأساسية التي تولّد عنها، ومساءلة نقاط التماس والاختلاف بينها، ومتابعة كيفية تطوّرها عبر تفاعلها مع واقع العمل والحرب والثقافة.
1. الأناركية: رفض السلطة كمبدأ منظّم: الأناركية، في قراءتها الكلاسيكية، شدّدت على أن كل مركزية مهما ارتدت لبوسَ الشرعية تخفي ميلًا نحو التسلّط. لكن هذا الرفض ليس نظريا: هو اقتراح لأنماط بديلة من التنظيم الاجتماعي تقوم على: -اللامركزية المؤسسية: شبكات من تعاونيات ومجالس تتواصل أفقيا عبر كونفدراليات طوعية. -الممارسة الاقتصادية البديلة: امتلاك وسائل الإنتاج جماعيا أو ممارسات شائعة للملكية المشتركة. -أخلاق المشاركة: قِيَم تُعلي المسؤولية المشتركة والرعاية المتبادلة بدل الطاعة. عند باكونين وبرودون مخاطبة مباشرة لمفارقة الحداثة: الدولة جاءت كمحاولة لتمكين المجتمع، لكنها سرعان ما أصبحت حاجزا بين البشر وقدرتهم على إدارة مشكلاتهم بأنفسهم. الأناركية تُعيد الاعتبار للمجتمع كقوّة منتجة للسياسة نفسها، لا كمجال يتم فيه تنفيذ سياسات مفروضة من فوق.
2. روزا لوكسمبورغ: ماركسية ديمقراطية ، الثورة كمسار قاعدي: روزا لوكسمبورغ لم ترفض الدولة كأداة مبدئيا، لكنها ربطت بين شرعيّة الثورة وعمق المشاركة الجماعية. نقدها للينين والالتزامات الطليعية قام على نقطتين أساسيتين: -المسألة الديمقراطية: أن تكون الثورة فعلا ديمقراطيا يجب أن يعني نفاذ آليات المشاركة داخل المجتمع العامل نفسه، وليس مجرد تمرير القرار إلى حزب يدّعي تمثيلا شاملا. -الثورة كعملية مستمرة: ليست حدثا تاريخيا معزولا، بل سيرورة تُعيد إنتاج نفسها عبر ممارسات ديمقراطية يومية. هنا تتبلور إشكالية مركزية: كيف تُحافظ الثورة أو التحول الاجتماعي على حدّتها التحررية دون أن تكرّس إدارة بيروقراطية جديدة؟ لوكسمبورغ تُجيب بوضوح عبر الدعوة لِـ«مجالس عمالية» تتحكم في الاقتصاد والسياسة، وتبقي السلطة تحت رقابة القاعدة.
3. فاصل نقدي: لماذا لم تنجح القاعدة بالمفهوم النظري التاريخي وحده؟: التجارب التاريخية للكومونات والمجالس لم تستمر غالبًا لأسباب مركبة: -الضغط الخارجي: قوى سياسية–عسكرية لا تتردد في سحق أي تجربة تخرق منظومة مصالحها. -نقص التكامل الاقتصادي: صعوبة تحقيق استقلالية اقتصادية كافية لتمكين المجالس من اتخاذ قرارات متينة في وجه السوق والأمن القومي. -الوسط الثقافي والسياسي: انعدام الثقافة السياسية التشاركية التي تحتاج لوقت طويل من التكوين والتجربة. وهنا يظهر واضحا أن البناء القاعدي ليس مشروعا تنظيميا فحسب؛ هو مشروع ثقافي وتصاعدي يتطلب بنية اجتماعية قادرة على تحمّل إدارة الحياة اليومية بعقلية مشتركة.
4. قراءة مفاهيمية: السلطة كعلاقة وإعادة تعريف «القاعدة»: لفهم القاعدية علينا إعادة تعريف «السلطة» نفسها. السلطة ليست مجرد جهاز؛ هي علاقة اجتماعية تُعبر عن كيفية توزيع موارد اتخاذ القرار. لذلك تكون القاعدية: -إعادة توزيع للعلاقات: من ملكية القرار إلى ملكية الأداء؛ من استمرار الهياكل الحاكمة إلى الاستحقاق الذاتي. -إقامة ممارسات بديلة: مؤسسات تجريبية (تعاونية، مجالس، أندية للخدمة العامة) تعمل يوميا وتكوّن أشكالا من الاعتماد المتبادل. -مشروع تضامني: لا يمكن أن تنجح القاعدية إذا لم تُبنى على نسيج تضامني يضمن الاستحقاق الاجتماعي والاقتصادي.
5. الجذر الإسلامي–البلدي: كيف تقاربت أشكال محلية مع القاعدية؟: في مناطق العالم غير الأوروبية برزت أشكال قاعدية تتكامل مع التقاليد المحلية: مجالس القرية، التعاضد العائلي، الجمعيات الدينية التي تؤدي وظائف رعاية اجتماعية — كلُّها قد تتفاعل مع مشروع قاعدي حديث. فهم هذه التداخلات مهمّ لتكييف العمليّة الثورية مع خصوصيات المجتمع ولتفادي فرض نموذج معياري غربي على مجتمعات مختلفة.
√•2 : القاعدية الحديثة — تشكّلها، أدواتها، وحدودها التحليلية.
القاعدية اليوم ليست نسخة من الماضي؛ هي تطوّر تاريخي. سنغوص هنا في تفكيك كيف نشأت، ما الأدوات التي استعملتها، وكيف تتحوّل في سياق الرأسمالية والشبكات الرقمية.
1. البنية الشبكية: الإنترنت كميدان ومنصة ومنطق تنظيمي: الإنترنت لم يكن مجرد وسيلة نقل معلومات؛ هو الآن بنية تنظيمية تغيّر شروط السياسة نفسها. بواسطته: تبنى شبكات تنسيق ميداني (هاشتاغات، مجموعات مُغلقة، منصات مُنظّمة) تتيح للحركات الانبعاث السريع. تنشأ أجسام تمثيل لحظية تتبلور في ساحات فعلية (مثل الميادين)، ثم تتفكك أو تتحول إلى هياكل دائمة. تُثَبّت ذاكرة رقمية للنضال: أرشيفات، بثّ مباشر، تقارير لحظية، ما يجعل من الحركة كيانا مرئيا عالميا. لكن التحوّل الشبكي يأتي مع تناقضات صارخة: ما يمنح حركة القدرة على الوصول السريع يعرضها أيضا للمراقبة، التشويه الرقمي، والحظر الخوارزمي. لذلك لا يكفي أن تستعمل الحركات الوسائل الرقمية؛ يجب أن تُطوّر بنية معلوماتية مقاومة (تشفير، شبكات محلية، بروتوكولات تعاون).
2. إعادة تعريف المساحة السياسية: من الشارع إلى الشاشة وإلى الكونفدرالية: -العمل السياسي القاعدي اليوم يشتغل في تقاطعات: •الفضاء المادي: الميادين، الحارات، المصانع، الساحات. •الفضاء الرقمي: المنصات، القنوات، القواعد الجماعية على الإنترنت. •الفضاء القانوني: التشريعات المحلية والدولية التي تحدّ أو تبيّح أنشطة التسيير الذاتي. •الفضاء الدولي: شبكات التضامن العابرة للحدود، المنظمات غير الحكومية، الحركات الاجتماعية العالمية. القاعدة الحديثة تنجح حين تُدرج عناصر هذه المساحات ضمن هندسة تنظيمية متكاملة: ساحة محلية تُغذّيها شبكة رقمية وتدعمها روابط تضامن إقليمية.
3. أشكال اتخاذ القرار: آليات، مزايا، وأخطار: المجالس القاعدية تعتمد آليات مختلفة؛ كل آلية تحمل مزايا ومخاطر: -الإجماع: يعطي شرعية عالية وعمقا ديمقراطيا، لكنه قد يشلّ الحركة في السياقات المعقّدة. -التوافق التشاركي: يسرّع القرار ويحافظ على مشاركة واسعة، لكنه يحتاج مهارة تفاوضية عالية. -التصويت الدوري/المعياري: فعال للإجراءات الإدارية، لكنه قد يُضعف شرعية الأقليات. -تحليلاً نقديا: الانخراط الحقيقي يتطلب نهجا هجينا—إجماع للقضايا الجوهرية، تصويت للقضايا التقنية، وإمكانية استئناف القرارات عبر آليات مراجعة شعبية.
4. موارد الحركة: الاستقلال الاقتصادي كشرط للبقاء: أحد أسباب فشل كثير من المشاريع القاعدية تاريخيا هو الاعتماد على موارد خارجية (دعم أحزاب، تمويل مؤسسات، مساعدات دولية) التي تتحوّل سريعا إلى أدوات للهيمنة. لذلك، مناهج الاستقلال تُشمل: -التعاونيات الاقتصادية: تجارة، زراعة، إنتاج خدمات تُديرها القاعدة نفسها. -صناديق تضامن محلية: تمويل جماعي يضمن الاستمرارية. -آليات تبادل بديلة: اعتمادات محلية، عملات اجتماعية، شبكات تبادل الخدمات. القاعدة التي تتحكّم في مواردها تُصبح أقل عرضة للاختراق والمؤتمرات الزائفة.
5. الأجندة الثقافية والاجتماعية: بناء المواطن/ة الجديد/ة: القاعدية ليست إدارة شؤون بَعدَ العمل؛ هي مشروع ثقافي طويل الأمد. لذلك ضروري الاستثمار في: -التكوين السياسي: مدارس شعبية، دورات في الحوكمة التشاركية، فهم الآليات القانونية. -العمل في مجال الرعاية: تنظيم خدمات صحية وتعليمية بديلة يُعطي القاعدة مصداقية اجتماعية. -الفن والممارسات اليتيمة: ثقافة الاحتجاج تتحوّل إلى ثقافة حياة حين تُصاحبها أشكال فنية تعبر عن الحداثة التنظيمية. هنا تلتقي القاعدية بالتحول الثقافي: إنتاج لغة مشتركة، تاريخ يُكتب من القاع، وطقوس جديدة للمساءلة والشفافية.
6. البنية الأمنية والسياسية: بين الدفاع الذاتي واللجوء إلى العسكرة: تجارب مثل روج آفا أو حركات مقاومة محلية أظهرت بعدا أساسيا: الصوت الديمقراطي يجب أن يُدافع عنه. لكن عسكرة التنظيم تُغيّر طبيعته وتخلق هرمية جديدة. لذا من الواجب على المشاريع القاعدية: -تطوير نماذج للدفاع المدني/الذاتي تُحافظ على الطابع المدني. -فصل واضح بين مهام الدفاع ومهام القرار السياسي (آليات مساءلة لقوات الدفاع المحلية). -آليات لوقف العسكرة وتحويل التجربة إلى مدنية طليقة بعد انتهاء الطوارئ.
7. حدود القاعدة في مواجهة الدولة والسوق: لماذا تحتاج إلى شبكة أوسع؟: القاعدة المحلية القوية وحدها قد لا تكفي: الدولة تملك أدوات القوّة والقياس المالي، والسوق له آليات الضغط. من ثم، القاعدة تحتاج إلى: -كونفدرالية موسعة: شبكة من قواعد مترابطة توفر دعمًا لوجستيًا وسياسيًا. -تحالفات اجتماعية: اتحادات عمالية، جمعيات استهلاكية، أحزاب جديدة إن لزم، لكن تحت شروط المساءلة. -خطة إمكانات تصعيدية ومفاوضات استراتيجية: القدرة على إدارة مفاوضات مع الدولة دون خسارة الاستقلال.
8. القاعدية الرقمية: من المزايا إلى الأخطار التقنية: المنظومة الرقمية تمنح القاعدة أدوات قوية: نشر فوري، تجنيد سريع، أرشيف موثّق. لكنها تحمل أخطارًا جوهرية: -المراقبة والتتبّع: قواعد بيانات وبيانات مستخدمين يمكن أن تُستخدم لاعتقالات واستهداف نشطاء. -التحكم الخوارزمي: ظهور خوارزميات تُخفي أو تُبرز محتوى معينا يحد من إمكانية تنظيم الرؤية العامة. -الاستقطاب والانقسام: فقاعات المعلومات تُضعف النقاش العمومي وتُبقي الحركات في دوائر إيكوية صغيرة. الحلّ ليس رفض التكنولوجيا، بل تطوير بنى رقمية بديلة: منصات مفتوحة المصدر، شبكات لا مركزية، تشفير، وبنى تشاركية لإدارة البيانات.
9. معيارية الاصطفاء: كيف نعرف أن حركة قاعدية «حقيقية»؟ يمكن تفكيك «الواقعية» القاعدية عبر معيارية تقيم المشاريع عمليًا عبر مؤشرات: -مصدر القرار: هل المبادرة نشأت من القاعدة أو فُرضت عليها؟ -تحكم الموارد: هل تتحكم المجالس في مواردها الاقتصادية؟ -آليات المساءلة: هل هناك دورات انتخابية/سحب للمناصب؟ -شموليّة المشاركة: مشاركة النساء، الشباب، والأقليات فعّالة أم ظاهرية؟ -الاستدامة: قدرة المشروع على الصمود في وجه الأزمات الاقتصادية والسياسية. -الترابط الشبكي: وجود روابط قوية مع قواعد أخرى محليا وإقليميا ودوليا. -القدرة على التحول: هل تُنتج القوة قنوات قانونية للتأثير على السياسات الأوسع؟ -الشفافية الثقافية: وجود لغة ومعايير وممارسات ثقافية قادرة على الإحاطة بالخلافات. -التكوين السياسي: استثمار مستمر في التربية السياسية والتدريب. -المرونة التقنية: قدرة على إدارة بياناتها رقمياً بأمان. هذه المؤشرات ليست قائمة جامدة، لكنها إطار تشخيصي يساعد القاعدة والمحلّلين في تمييز التجارب المبنية من تلك المشروخة.
10. سيناريوهات تطور القاعدة (تحليل بدائلي): السيناريو الأمثل — الفيدرالية القاعدية: -قواعد محلية قوية تُكوّن كونفدراليات متبادلة الدعم، تحافظ على استقلالها الاقتصادي والسياسي وتنجح في تغيير السياسات العامة تدريجيا. -السيناريو المتوسط — الهجين المؤسسي: قواعد تتحول إلى فاعل مؤسسي يُدخلها ضمن أطر قانونية وتثبت بعض الاستقلال، لكنها تُقيد جزئيا بسبب الشراكات التمويلية أو اللوائح. -السيناريو الأسوأ — التوظيف السلطوي أو الاستحواذ: تحويل القاعدية إلى واجهة شرعية لقيادة مركزية أو أعضاء احترافيين يُسيطرون على الآليات، ما يؤدي إلى فقدان الروح الحقيقية للقاعدة.
11. تدابيرٍ وقائية (قابلة للتطبيق) من أجل حماية القاعدة: قواعد داخلية للشفافية: -كشف دوري للميزانيات، تقارير مفتوحة، ومراجعة مجتمعية. -دورات تدريبية مستمرة: لتمكين المشاركات/المشاركين من إدارة الشأن العام. -آليات سحب التفويض: تمكين القاعدة من عزل ممثليها بسهولة. -بناء بنى اقتصادية بديلة: تعاونيات، صناديق ائتمانية محلية، وتأمين اجتماعي قاعدي. -بنى رقمية محمية: استثمار في شبكات ومعدات تُبقي البيانات تحت سيطرة المجتمعات نفسها. -قواعد مشاركة النوع الاجتماعي: نسب إلزامية أو آليات إصلاح لتمثيل النساء والأقليات. في العمق، ما نراه اليوم هو لحظة مفصلية: احتمال انزياح تاريخي بعيدًا عن نموذج الدولة-الأحادية نحو أشكال جديدة من التحكّم الذاتي، لكنّ هذا الاحتمال مشروط بقدرة القواعد على تجنّب الفخاخ المعروفة — من العسكرة إلى التوظيف السلطوي وإلى التبعية الاقتصادية. القاعدية الحديثة إذا مشروع معقّد: ليست مجرد شكل إداري بل مشروع ثقافي–اقتصادي–سياسي يستدعي حياكة من الممارسات الجديدة، من الشبكات الرقمية المقاومة، ومن اقتصادٍ بديلٍ قادر على الصمود.
√•3: من الثورات إلى الشبكات القاعدية: الموجة الثانية من التنظيم من الأسفل.
لقد شكّلت سنة 2011 نقطة انعطاف كبرى في تاريخ النضال الاجتماعي والسياسي العالمي. فقد انفجرت، في تزامن يكاد يكون ميتافيزيقيا، حركات احتجاجية متباعدة جغرافيًا لكنها متقاربة في جوهرها الطبقي والسياسي والرمزي. من تونس إلى القاهرة، ومن مدريد إلى نيويورك، ومن إسطنبول إلى سانتياغو، ولد جيل جديد من النضالات التي لم تعد تبحث عن التمثيل في البرلمان أو المفاوضة مع السلطة، بل عن إعادة بناء السلطة ذاتها من القاعدة. إن هذه الثورات — أو لنقل الانتفاضات الكبرى — أفرزت ظاهرة فكرية جديدة: القاعدية الشبكية. فما الذي يجعل شابا في القصبة بتونس يهتف بالمطالب نفسها التي يهتف بها ناشط في ميدان التحرير بالقاهرة أو آخر يعتصم في ساحة سول بمدريد؟ الجواب يكمن في نهاية الشكل التقليدي للتنظيم السياسي الذي ساد القرن العشرين، أي الحزب المركزي والنقابة البيروقراطية، وصعود بديل أفقي تعددي يتغذى من شبكات التواصل الاجتماعي ومن تقنيات التنظيم الذاتي. «لم تعد الثورة حدثا منفصلا، بل عملية مستمرة من إنتاج الوعي والروابط والممارسة الجماعية» – (أنطونيو نغري). لقد كشفت انتفاضات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عن تحول بنيوي في مفهوم الفعل الجماعي. فلم تعد الجماهير تنتظر من الحزب أو النقابة قيادة النضال، بل باتت المبادرة تُخلق في الشارع، في الفضاءات الافتراضية، وفي المجالس المحلية، وفي أشكال التضامن العفوي التي تتجاوز الحدود الطبقية والجغرافية. هكذا وُلدت الحركات القاعدية الجديدة: من القصبة في تونس إلى حركة الغاضبين بإسبانيا (Indignados)، ومن احتلوا وول ستريت إلى غريتا ثونبرغ ومناصري المناخ، ومن شباب بيروت والسودان إلى المجالس الكردية في روج آفا. ما يجمع بين هذه التجارب هو رفضها لكل وساطة، ولكل سلطة تدّعي الحديث باسم الجماهير. فهي تؤمن بأن التحرر لا يُفوَّض، وأن التمثيل السياسي، حين يُحتكر، يصبح شكلا آخر من القمع. ومن هنا جاء شعارها غير المعلن: «كل من يعيش الظلم يملك الحق في أن يثور عليه دون إذن من أحد». لكن هذه الحركات، رغم حيويتها، اصطدمت بحدودها البنيوية: غياب التنظيم المستدام، افتقارها إلى أدوات بناء السلطة البديلة، وصعوبة الانتقال من الفعل الاحتجاجي إلى الفعل المؤسّس. ورغم ذلك، فإنها تركت أثرا عميقا في بنية الوعي العالمي، لأنها نقلت فكرة التنظيم من الهرم إلى الشبكة. فبعد أن كانت السلطة تصعد من القمة إلى القاعدة، صارت القاعدة هي من تبني السلطة من جديد — سلطة الأفكار، التشاركية، والمصير المشترك. في تونس مثلا، لم تكن الثورة فقط انفجارا اجتماعيا ضد البطالة والفساد، بل كانت ولادة قاعدية لعقل جمعي جديد. ذلك أن الاعتصامات في سيدي بوزيد والقصرين وتالة والرديف لم تكن «مظاهرات» تقليدية، بل كانت تجارب فعل جماعي تشاركي، حيث كان الناس ينظمون أنفسهم لإطعام المحتجين، لتأمين المستشفيات، لتبادل الأخبار، لتصحيح الشائعات. لقد تحوّل المجتمع ذاته إلى جسم ذاتي التنظيم، ولو مؤقتا، قبل أن تعيد الدولة إنتاج قبضتها لاحقا. القاعدية إذن ليست شكلا تنظيميا فحسب، بل هي حالة ذهنية جديدة، هي انتقال من وعي الفرد المستسلم إلى وعي الجماعة الفاعلة. وهي أيضا إحياء لفكرة الكومونة التي حلمت بها روزا لوكسمبورغ وطبّقها عمال باريس سنة 1871: أن تُدار المدينة من سكانها، وأن يُدار الوطن من أبنائه لا من بيروقراطية خارجة عنهم.
4. القاعدية والرقمنة: من التواصل المحلي إلى الشبكات العالمية: لقد أدخلت التكنولوجيا الرقمية مفهوما جديدا في العمل القاعدي: الذكاء الجمعي الشبكي. ففي الوقت الذي كانت فيه الثورات القديمة تعتمد على الهياكل الحزبية والنقابية، جاءت القاعدية الحديثة لتستثمر في الفضاء الرقمي كحقل للتحرر. ومنذ عام 2011، أصبح الإنترنت ليس مجرد أداة لنشر المعلومة، بل ساحة نضال موازية، بل أحيانا أكثر تأثيرا من الشارع ذاته. في تونس ومصر والمغرب والسودان، كان الفيسبوك وتويتر ويوتيوب بمثابة المجلس الشعبي الرقمي، حيث تُصاغ البيانات وتُنشر المقاطع وتُفضح الأكاذيب ويُبنى الوعي الجماعي. لقد تحولت هذه المنصات إلى ما يشبه المجالس القاعدية الإلكترونية، التي تتيح للناس المشاركة في صياغة الموقف السياسي وتحديد وجهة الحركة دون وساطة. كما قال مانويل كاستيلز: «الإنترنت لم يخلق الثورة، لكنه أعاد تعريف العلاقة بين الإنسان والسلطة». بهذا المعنى، القاعدية المعاصرة هي تحالف بين الإنسان والمعلومة، بين الجسد في الشارع والعقل في الشبكة. فالاحتجاج لم يعد يحتاج إلى زعيم، بل إلى فكرة تنتشر كالفيروس في الفضاء الرقمي، فتتحول إلى طاقة ميدانية حقيقية. هكذا وُلدت حركة Occupy Wall Street من منشور إلكتروني بسيط، وانتشرت حركة MeToo عبر وسم صغير، وتحولت حملة Save Gaza إلى موجة عالمية من التضامن الرقمي والفعلي. أما في تجربة الأكراد في روج آفا، فقد شكلت الرقمنة بعدا استراتيجيا في التنظيم القاعدي. فالمجالس المحلية كانت تتصل ببعضها عبر شبكات تواصل مشفرة، لتبادل القرارات والمعلومات في لحظة واحدة، مما جعل البنية التنظيمية أفقية تمامًا ومرنة إلى أقصى الحدود. لقد استخدموا التكنولوجيا ليس للهيمنة، بل لتوزيع السلطة والمعرفة، وهو جوهر الفلسفة القاعدية الجديدة التي تمزج بين الفكر التحرري والوعي التكنولوجي. في المقابل، استشعرت الأنظمة السلطوية خطر هذه القاعدية الشبكية، فبدأت بتسليح نفسها بالرقابة الإلكترونية، بالجيوش السيبرنية، وبترسانة التشريعات لتجريم التعبير الرقمي. لكن حتى في هذه المواجهة، كانت القاعدية الرقمية أقدر على التكيّف، إذ تنشأ من كل قمع وسيلة جديدة للالتفاف عليه، ومن كل جدار أمني أفق جديد للتسلل والمقاومة. إن بناء التواصل الوطني والإقليمي والعالمي عبر المنصات الرقمية ليس فقط وسيلة للتعبئة، بل هو نواة لهوية كونية جديدة. فهناك اليوم شباب تونسي يتواصل يوميا مع ناشط من تشيلي أو اليونان أو سوريا، يتبادلان الأفكار والأساليب والأحلام نفسها، ما يعني أن الوعي القاعدي أصبح عابرا للقوميات. لقد تشكلت لأول مرة في التاريخ حركة أممية رقمية، لا تقودها الأحزاب، بل تبنيها التجارب المتناثرة، في نسيج متصل من التضامن العمّالي، البيئي، النسوي، والحقوقي. -إننا أمام طور ثالث من الوعي الثوري: •الأول كان وعي الطبقة العاملة الكلاسيكية في القرن التاسع عشر. •الثاني كان وعي الشعوب المستعمَرة في القرن العشرين. •أما الثالث، فهو وعي الشبكة – وعي الإنسان الذي يعيش في فضاء واحد من المعلومات والهمّ الإنساني المشترك، ويبحث عن تحرر جماعي يتجاوز الحدود السياسية والاقتصادية للدولة الحديثة.
5. التجارب العالمية للقاعدية الجديدة: من روج آفا إلى تشيلي والزاباتيستا: لقد كانت الموجة الثورية التي تلت سنة 2011 بمثابة مختبر عالمي للفعل القاعدي، حيث تفتقت التجارب الشعبية عن أشكال متنوّعة من التنظيم الذاتي، تختلف في السياقات السياسية لكنها تتشابه في الجوهر: بناء السلطة من الأسفل دون وصاية حزبية أو مركزية بيروقراطية. •أولًا: روج آفا – الثورة النسوية والبيئية والقاعدية: تجربة روج آفا (شمال سوريا) تمثل واحدة من أكثر التجارب نضجًا في إعادة تشكيل القاعدية على أسس فلسفية حديثة. فمنذ 2012، ومع انسحاب سلطة الدولة السورية من بعض المناطق الكردية، انطلقت تجربة غير مسبوقة في الإدارة الذاتية تقوم على ما يُسمى الكونفدرالية الديمقراطية، وهو مشروع فكري مستمد من أطروحات عبدالله أوجلان الذي تجاوز الماركسية الكلاسيكية نحو نموذج ديمقراطي لا دولتي. لقد بنت روج آفا منظومتها على ثلاث ركائز مترابطة: -المجالس القاعدية المحلية في القرى والأحياء والمدن، حيث يشارك السكان مباشرة في القرارات المتعلقة بالحياة اليومية، الأمن، التعليم، والزراعة. -المساواة الجندرية من خلال نظام الرئاسة المشتركة (امرأة ورجل) في كل مجلس، وتأسيس قوات نسائية مستقلة (YPJ) حملت السلاح دفاعا عن الأرض والفكرة في آن واحد. -البيئة والمجتمع الإيكولوجي كإطار وجودي يربط الإنسان بالأرض دون استغلال. لقد دمجت هذه التجربة بين الموروث القومي الكردي وبين الفكر التحرري العالمي، فخلقت نموذجًا لمجتمعٍ لا يُختزل في الدولة، بل ينظّم ذاته بذكاء جماعي تشاركي. إن تجربة روج آفا، رغم حصارها الوحشي من كل الجهات، تمثل اليوم مدرسة حيّة في التحرر من التراتبية السلطوية وبناء نموذج ديمقراطي ميداني قائم على المشاركة لا على التفويض. يقول أوجلان في أحد نصوصه: «ليست الحرية أن نكسر السلاسل، بل أن نخلق عالماً لا حاجة فيه إلى السلاسل». هكذا تتحول القاعدية في روج آفا من شكل تنظيمي إلى رؤية كونية للإنسان والمجتمع والبيئة، تشبه إلى حد بعيد حلم باكونين وروزا لوكسمبورغ، لكنها تتجاوزه من حيث التطبيق الميداني والقدرة على الصمود في وجه الحرب والعزلة. •ثانيا: الزاباتيستا – قاعدية الغابة والكرامة: في أقصى الجنوب المكسيكي، في ولاية تشياباس، يواصل الزاباتيستا (EZLN) منذ انتفاضتهم سنة 1994 كتابة أحد أجمل فصول القاعدية الإنسانية المعاصرة. لقد واجه هؤلاء السكان الأصليون، الفلاحون الفقراء، جبروت النيوليبرالية والعسكر ببساطة الكلمة والتنظيم الذاتي. بقيادة رمزية من القائد الشاعر ماركوس، أعلنوا أنهم لا يريدون إسقاط الدولة بقدر ما يريدون العيش خارج منطقها. لقد بنوا مدارسهم، مستشفياتهم، مجالسهم المحلية، وأقاموا ما سموه “العالم الذي يتسع لعوالم كثيرة”. تُظهر تجربة الزاباتيستا كيف يمكن للفعل القاعدي أن يكون جماليا بقدر ما هو سياسي. إنهم لا يرفعون شعار الاستيلاء على السلطة، بل شعار «فلنبنِ الحياة حيث لم تعد السلطة قادرة على الوصول». وهو ما جعل من حركتهم ملهمة للحركات الاجتماعية في أميركا اللاتينية وأوروبا، بل حتى في إفريقيا، حيث أصبحت تُدرّس كأحد أنجح أشكال الإدارة الذاتية في زمن العولمة المتوحشة. •ثالثا: تشيلي – الشعب يصوغ الدستور من الأسفل: في سنة 2019، شهدت تشيلي واحدة من أهم الانتفاضات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية ضد التفاوت الطبقي والإصلاحات النيوليبرالية. لكن المختلف في هذه الانتفاضة هو أنها لم تتوقف عند إسقاط الحكومة أو الاحتجاج، بل تحوّلت إلى حراك قاعدي جماهيري لصياغة دستور جديد عبر مجالس شعبية محلية. لقد كان الناس يجتمعون في الساحات والمقاهي والمنازل لتبادل الأفكار حول طبيعة الدولة التي يريدونها، وكأنهم يعيدون إحياء روح الكومونة الباريسية ولكن في القرن الواحد والعشرين. ورغم أن النتيجة النهائية أجهضت جزئيا بفعل القوى المحافظة، إلا أن التجربة تركت إرثا عميقا: أن الدستور لا يجب أن يكون منحة من الدولة بل ثمرة من الحوار الشعبي القاعدي. •رابعا: القاعدية المناخية والنسوية العالمية: في أوروبا وأميركا، وُلدت حركات مثل Extinction Rebellion وFridays for Future لتضع البيئة والمناخ ضمن النضال القاعدي. كما أعادت الحركات النسوية، من الأرجنتين إلى بولندا، تعريف الفعل القاعدي عبر بناء شبكات تضامن نسوي مستقلة عن الأحزاب والنقابات، جعلت من الجسد الأنثوي ساحة مقاومة للسلطة الأبوية والرأسمالية معا. في كل هذه التجارب، يتكرر الدرس ذاته: أن التغيير الحقيقي لا يُمنح من الأعلى، بل يُبنى من الأسفل عبر التشاركية، الشبكية، والمقاومة اليومية. وهكذا أصبح العالم، رغم الفوضى، أقرب إلى قرية قاعدية كونية تتناقل فيها الشعوب تجاربها في التنظيم الذاتي كما تتناقل الأغاني والأحلام.
√•6: الشعبوية القاعدية والتحوّلات السلطوية: حين تتحول الجماهير إلى أداة للهيمنة.
إذا كانت القاعدية الحديثة قد ولدت من رحم التمرد على السلطة، فإن الأنظمة السلطوية سرعان ما أدركت خطورتها، فسعت إلى احتوائها وتحويلها إلى واجهة شرعية جديدة. هكذا ظهرت ما يمكن تسميته بـالشعبوية القاعدية، وهي شكل مشوّه من القاعدية، يقوم على توظيف الخطاب الجماهيري والدعوة إلى «السلطة من الشعب» بينما تظل السلطة الحقيقية متركزة في يد الفرد أو الزعيم. لقد رأينا هذا التحول بوضوح في أكثر من بلد عربي وأفريقي وأميركي لاتيني، حيث استُخدم الخطاب القاعدي لإعادة إنتاج الاستبداد. تُرفع شعارات “الشعب يريد” و“القرار من القاعدة”، لكن القرار يُتخذ في القصر لا في الشارع، وتُحوَّل المجالس المحلية إلى أدوات للتزكية لا للمشاركة. وهكذا، يتم تفريغ المفهوم الثوري للقاعدية من محتواه التحرري، ليُعاد تدويره في شكل إدارة بيروقراطية خاضعة للمركز. في تونس، على سبيل المثال، بُعثت الفكرة القاعدية في الخطاب السياسي بعد 2021، لكن لا بوصفها امتدادا للحراك الشعبي الأصلي، بل كآلية لإعادة تركيز السلطة في يد الرئاسة. تحوّل “البناء من الأسفل” إلى تعيين من الأعلى، وبدل أن تكون القاعدة سلطة المجتمع، أصبحت ذريعة لتفكيك المؤسسات التمثيلية وإلغاء استقلال القضاء والنقابات والأحزاب. إنها المفارقة المرّة: أن يتحول شعار المشاركة إلى غطاء للهيمنة، وأن يُستعمل خطاب التحرر لتبرير الإقصاء. كما قال كورنيليوس كاستورياديس: «كل مشروع للتحرر يمكن أن يتحول إلى مشروع للسيطرة إذا لم يُؤسس على الوعي الذاتي الجماعي». في أمريكا اللاتينية أيضا، رأينا كيف انجرفت بعض الحركات التقدمية نحو شكل من الشعبوية السلطوية، حين ارتكزت على الزعيم أكثر من الجماعة. فانتهى الأمر بتأليه القائد بدل تقديس الفكرة، وبإعادة إنتاج الهرمية التي جاءت القاعدية أصلا لهدمها. ولذلك، فإن القاعدية الحقيقية لا يمكن أن تُختزل في خطاب، بل يجب أن تُترجم إلى بنية ديمقراطية مستدامة تضمن تداول السلطة ومشاركة الجميع في القرار. الشعبوية القاعدية إذن هي صدى زائف للثورة، تشبهها في الشكل وتخالفها في الجوهر. فبينما تدعو القاعدية إلى التوزيع الأفقي للسلطة، تعمل الشعبوية على تركيزها عموديا باسم الشعب. إنها “قاعدية من الأعلى”، تُفرغ المضمون التحرري من روحه وتحيله إلى طقس احتفالي يخدم الزعيم. إن هذا التحول يضعنا أمام سؤال جوهري: هل يمكن للقاعدية أن تبقى ثورية في عالم تُحوَّل فيه كل فكرة إلى سلعة وكل شعار إلى وسيلة للهيمنة؟ ربما الجواب يكمن في قدرة الوعي الجماعي على التمييز بين المشاركة الحقيقية والمسرحية، بين التنظيم الذاتي والمسرح السلطوي. فكلما حافظت الجماهير على حقها في النقد والمساءلة والمبادرة، بقيت القاعدية حية. أما حين تصمت، فإنها تتحول إلى ديكور ديمقراطي بلا روح.
√•07 : الثورة الرقمية والقاعدية الشبكية – من الميدان إلى السايبرفضاء.
1. من الشارع إلى الشاشة: التحوّل في أدوات الصراع: لم يعد الصراع الاجتماعي محصورا في الشوارع والمصانع والجامعات، بل امتدّ إلى الفضاء الرقمي بوصفه مجالا جديدا للهيمنة والمقاومة في آنٍ معا. الإنترنت، في بدايته، لم يكن سوى شبكة تبادل أكاديمي، لكنه تحوّل في العقدين الأخيرين إلى أداة سياسية ثورية، ومختبر جديد للوعي الجمعي. لقد فهمت الحركات القاعدية أن السيطرة على السردية توازي السيطرة على الأرض، وأن “الخطاب” صار سلاحا في يد الجماهير. فحين حاصرت السلطة المدن بالشرطة، اخترقت القاعدية جدران الصمت عبر الهواتف الذكية، وبنت من “المنشورات” و”الهاشتاغات” ما يشبه لجان الأحياء الرقمية، حيث تنعقد النقاشات وتتداول القرارات وتُصاغ الشعارات. لقد تحوّل الفضاء الافتراضي إلى “كومونة رمزية”، كما يقول الفيلسوف الإيطالي فرانكو براردي (بيفو)، حيث تذوب الحدود بين المحلي والعالمي، ويتحوّل كل ناشط إلى “مركز بثّ” مستقل، يخلق شبكته الخاصة ضمن الشبكة الكونية الأوسع.
2. المعلوماتية كقوة إنتاج جديدة: المعلومات لم تعد مجرد أداة في يد الدولة أو الشركات الكبرى، بل صارت موردا سياسيا واقتصاديا. في عالم ما بعد الصناعة، حيث تراجع العمل اليدوي وازدهر العمل الرمزي والمعرفي، غدت البيانات “وسيلة الإنتاج الجديدة”. وهنا برزت مفارقة كبرى: الحركات القاعدية استفادت من الأدوات التي وفّرها النظام النيوليبرالي نفسه — الشبكات الاجتماعية، الهواتف الذكية، تقنيات البثّ المباشر — لكنها أعادت توظيفها ضدّه. لقد تمكّن “الهامش” من احتلال قلب “النظام”، إذ صار في مقدور فلاح من الجنوب التونسي أو عامل من غواناخواتو أو طالبة من روج آفا أن يخاطب العالم في لحظة واحدة، وأن يخلق تضامنا عالميا لحظيا يتجاوز الحدود القومية والإعلام الرسمي. إنها إعادة تعريف لفكرة “الأممية”: ليست تلك التي تنظَّم عبر الأحزاب والنقابات المركزية، بل تلك التي تولد من شبكات التواصل القاعدي — أممية بلا رأس، بلا قيادة، بلا وساطة.
3. من الإعلام البديل إلى التنظيم الشبكي: حين انبثقت وسائل الإعلام المستقلة على الإنترنت، تغيّر شكل الصراع الطبقي نفسه. لم يعد الماركسي المعاصر ينتظر صحيفة الحزب أو بيانات النقابة، بل يخلق منصفحةٍ بسيطةٍ ساحة نقاش وفضاء توجيه وتحريض. هكذا تحوّلت القاعدية إلى نظام شبكي أفقي، لا يملك مركزا واضحا، ولا هرما بيروقراطيا، بل يقوم على ما يسميه مانويل كاستلز “الذات الشبكية” — أي فاعل جديد لا يعرّفه موقعه الطبقي التقليدي فقط، بل موقعه داخل تدفقات المعلومات. لكن هذه الثورة الرقمية لم تخلُ من التناقض: فالشركات الكبرى نفسها (ميتا، غوغل، تيك توك) تحتكر الخوارزميات وتعيد إنتاج السيطرة الرمزية. لذلك، فإن النضال القاعدي المعاصر لم يعد فقط ضدّ الرأسمال الصناعي، بل أيضا ضدّ الرأسمال المعلوماتي الذي يراقب، يسجّل، ويبرمج الوعي. كما قال الفيلسوف الفرنسي برنار ستيغلر: “المعرفة حين تُخزَّن في الخوادم وتُدار بالخوارزميات، تتحوّل من أداة تحرر إلى سلاح استعباد”.
4. التواصل الوطني والإقليمي والعالمي: لقد منحت الرقمية للحركات القاعدية في الجنوب العالمي فرصة فريدة لبناء تضامن عابر للحدود. حين انتفض شباب تونس سنة 2011، لم تمضِ أيام حتى التقطت القاهرة نبضهم، ثم الرباط، ثم صنعاء. لم تكن هناك قيادة توجّه، بل تدفّق وعي جماعي تشكّل في الزمن الحقيقي. وفي المقابل، حين انتفض الأمريكيون السود بعد مقتل جورج فلويد، خرجت مسيرات التضامن في باريس وتونس والخرطوم — ليس لأن هناك تنسيقا بيروقراطيا، بل لأن الوجدان القاعدي العالمي صار مشتركا. إنها لحظة ما بعد القومية، حيث يتكوّن الوعي الأممي من الصور والمقاطع والتغريدات أكثر مما يتكوّن من المؤتمرات. وكما قال الفيلسوف سلافوي جيجك: “لم تعد الأممية حلم البروليتاريا، بل واقع الميمات (memes)”.
5. الفضاء الرقمي كساحة صراع طبقي: في الظاهر، يبدو الإنترنت فضاء حرا، لكن في الجوهر، هو ميدان تنازع بين من يحتكر البيانات ومن يحاول استعادتها. القاعدية الحديثة لا تكتفي باستعمال التكنولوجيا، بل تسعى لتفكيكها وإعادة توجيهها نحو المصلحة الجمعية: من تطبيقات مفتوحة المصدر إلى شبكات بديلة تحرّر الاتصالات من هيمنة الشركات. إن الصراع لم يعد فقط حول الأجور أو ساعات العمل، بل حول الزمن الرقمي نفسه: من يتحكّم في انتباهنا، في ذاكراتنا، في “الخوارزميات” التي تحدّد ماذا نرى وماذا نفكّر؟ وهنا تكمن المفارقة الكبرى: لقد تحوّل “الوعي الطبقي” في القرن الحادي والعشرين إلى “وعي معلوماتي طبقي”، أي إدراك الجماهير لضرورة السيطرة على أدوات الاتصال مثلما سيطرت قديمًا على أدوات الإنتاج.
√•8: البدائل القاعدية الجديدة – نحو أممية بلا مراكز.
1. من التنظيم إلى التشبيك: تجاوز نموذج الحزب: تجاوزت القاعدية المعاصرة النماذج التقليدية للثورة التي هيمنت منذ القرن التاسع عشر: الحزب، النقابة، الجبهة، المركز. ذلك أن التجارب السابقة، رغم عظمتها، غالبا ما انتهت إلى بيروقراطيات جديدة. من هنا وُلدت فكرة التنظيم الشبكي، أو “اللامركزي”، الذي يقوم على التنسيق الأفقي والمساءلة الجماعية. لم تعد الثورة تُقاس بالاستيلاء على السلطة، بل بخلق مساحات حرة داخل النظام نفسه — مجتمعات مصغّرة تحيا خارج منطق السوق والدولة، كما في تجارب “الكومونات الريفية” أو “التعاونيات الرقمية”. بهذا المعنى، لم تعد القاعدية مشروع استيلاء بل مشروع انسحاب خلاق، يرفض المشاركة في اللعبة القديمة ليعيد اختراع المجتمع من القاعدة.
2. التجربة الكردية: نموذج الأمة الديمقراطية: ربما تُعتبر تجربة روج آفا (شمال سوريا) واحدة من أكثر التجارب القاعدية تطورا في القرن الحادي والعشرين. هناك، بنى الأكراد نظاما يقوم على “الكونفدرالية الديمقراطية” — أي اتحاد مجالسي شعبيّ مستقل عن الدولة القومية، يعتمد على الديمقراطية المباشرة، والتمثيل النسوي، والاقتصاد التعاوني. تستلهم هذه التجربة أفكار عبد الله أوجلان، الذي أعاد قراءة الماركسية والأناركية في ضوء فشل الدول القومية، معتبرا أن “الدولة ليست إطار التحرر، بل قيد عليه”. في روج آفا، تُدار القرى والمدن عبر مجالس، وتُقرّر القوانين محليا، وتشارك النساء بنسبة تفوق 40% في الهياكل التنفيذية. ليست المسألة هنا مجرد تجربة محلية، بل نموذج لمجتمع ما بعد الدولة، حيث تتحقق فكرة “السلطة من تحت”، لا من فوق. هذه التجربة، رغم حصارها وحروبها، أثبتت أن البديل ليس utopia، بل ممارسة واقعية تعيش رغم العنف والدمار، وتخلق بذور عالم جديد داخل أنقاض العالم القديم.
3. الأفق الأممي الجديد: لقد عادت “الأممية” إلى الحياة، لكن بوجه جديد: لا تتشكّل من مؤتمرات الأحزاب الشيوعية، بل من شبكات النضال المترابطة — بين عاملات المزارع في المغرب، والمحتجّين في تشيلي، والمدافعين عن البيئة في ألمانيا، والمبرمجين المفتوحي المصدر في الهند. هذه الأممية لا ترفع علما موحدا، لكنها تتشارك الوجع ذاته، وتواجه خصما واحدا: الرأسمالية الشاملة التي تلتهم الأرض والإنسان. من هنا يمكن القول إن “القاعدية” ليست تيارا واحدا، بل حالة وعي عالمي، تلتقي فيها النضالات البيئية والنسوية والطبقية والمناهضة للاستعمار. وكما قالت روزا لوكسمبورغ في عبارتها الخالدة: “الاشتراكية أو البربرية”، فإن القاعدية الحديثة تضيف: “الأفق الجماعي أو الانقراض”.
4. نحو مفهوم جديد للتحرر: لم يعد التحرر يعني إسقاط نظام فحسب، بل بناء بدائل من القاعدة: في التعليم، في الصحة، في الاقتصاد، في التكنولوجيا. من المدارس التعاونية في أميركا اللاتينية إلى مختبرات البرمجيات الحرة، تتجسّد اليوم فكرة “التحرر الملموس” الذي يُنتج مؤسسات جديدة بدل أن يطالب بها. إنها عودة إلى المبدأ الأناركي الأصلي: “الوسيلة هي الغاية”، لكن في صيغة أكثر نضجا، حيث الوعي الرقمي والبيئي والنسوي يتداخل في رؤية شمولية للحرية. وكما يقول دافيد غريبر: “الثورة ليست حدثا يقع، بل طريقة جديدة للعيش”.
√•8: القاعدية كوعي إنساني كوني – تجاوز الصراع الطبقي نحو صراع الوجود.
1. من الطبقة إلى الوجود: تحوّل المعركة: لقد كانت الماركسية الكلاسيكية تضع الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية في مركز التحليل التاريخي، لكن القاعدية الحديثة أعادت صياغة المعادلة: فالمسألة لم تعد فقط من يملك وسائل الإنتاج، بل من يملك شروط الحياة نفسها. في عصر الاحتباس الحراري، والتدمير البيئي، والمراقبة الرقمية الشاملة، صار الصراع يدور حول حق الإنسان في الوجود، لا فقط حول الأجر والملكية. إن السلطة الرأسمالية الجديدة لم تعد دولةً ولا شركةً فحسب، بل منظومة بيولوجية–تقنية تتحكم في الهواء والماء والغذاء والبيانات، وتحيل الحياة نفسها إلى سلعة. وهنا تكمن حداثة القاعدية: إنها مقاومة من أجل “الأنسنة” في وجه “الآلية”، ومن أجل الكوكب في وجه الاقتصاد. وكما قال الفيلسوف الفرنسي فيليكس غاتاري: “الثورة القادمة ستكون بيئية، أو لن تكون”.
2. الإنسان كمجال للصراع: إذا كان ماركس قد كشف عن استلاب العامل في المصنع، فإن القاعدية اليوم تكشف عن استلاب الإنسان في ذاته — حين تتحوّل رغباته وذاكرته ووقته إلى بيانات تُباع وتُشترى. العمل لم يعد يُقاس بالعرق العضلي، بل بالانتباه والوقت الرقمي، و”الاستلاب” لم يعد ماديا فقط بل نفساني–معرفي. من هنا برزت حركة “ديجيتال سابوتاج” (التخريب الرقمي) التي يقودها مبرمجون ومناضلون ضد خوارزميات السيطرة، معتبرين أن “الوعي المعلوماتي هو ساحة الصراع الطبقي الجديدة”. القاعدية إذا ليست مجرد شكل تنظيم، بل وعي مضاد للهيمنة الشاملة، يرى أن الثورة تبدأ من استعادة الإنسان لجسده، لزمنه، لذاكرته.
3. الأممية البيئية الجديدة: لم يعد بإمكان القاعدية المعاصرة أن تفصل بين الاجتماعي والبيئي. فالاحتباس الحراري وتدمير الغابات والبحار جزء من منطق الربح ذاته الذي يستغل العمال. لقد تشابكت النضالات الطبقية مع النضالات البيئية، وظهر جيل جديد من “القاعديين الخضر” الذين يرون أن الأرض نفسها صارت طبقة مضطهدة. من إضرابات المناخ في أوروبا إلى مقاومة شركات النفط في دلتا النيجر، ومن اعتصامات الأمازون في البرازيل إلى تحركات المزارعين في الهند، تتكوّن اليوم أممية بيئية–قاعدية تدافع عن الحق في الحياة ضد منطق الربح الأعمى. وكما كتب نعوم تشومسكي: “المعركة لم تعد بين اليمين واليسار، بل بين البقاء والانقراض”.
4. نقد الدولة الكوكبية الناشئة: في مواجهة هذه الحركات، يتشكّل نوع جديد من الدولة: الدولة الكوكبية الرقمية، التي لا تُمارس سلطتها عبر الحدود بل عبر الخوارزميات والاتفاقيات المالية. لم تعد المراقبة تحتاج إلى شرطة ولا إلى قمع مادي، فالهاتف الذكي صار سجنا ناعما. وهنا يبرز البعد الفلسفي للقاعدية: إنها رفضٌ للسيطرة غير المرئية، وتفكيكٌ لآليات السلطة التي تختبئ داخل التقنية. إنها ثورة ضدّ “نظام ما بعد الدولة”، لا من أجل العودة إلى الماضي، بل من أجل اختراع شكل جديد من الحياة المشتركة لا يخضع لمنطق المراقبة أو السوق. وهذا ما يجعل القاعدية أقرب إلى فلسفة الوجود المقاوم منه إلى مجرد مشروع سياسي. كما قال ميشال فوكو: “حيث توجد سلطة، يوجد مقاومة” — والقاعدية اليوم هي تجسيد شامل لهذا المبدأ، على مستوى الكوكب بأسره.
5. نحو وعي تحرّري شامل: القاعدية المعاصرة ليست فقط ضد الرأسمالية، بل ضد التشيؤ العام للحياة. إنها استعادة للروح في زمن الأتمتة، وإحياء لفكرة أن الإنسان ليس وحدة إنتاج بل كائن جماعي له حق في المعنى والمصير. بهذا المعنى، تتحوّل القاعدية إلى ما يشبه الفلسفة الأخلاقية للقرن الواحد والعشرين — فلسفة ترى في كل كائن حي شريكا في التحرر، من العامل إلى الشجرة إلى النهر. إنها ليست يسارا جديدا فحسب، بل إنسانية جديدة، تتجاوز الانقسام الإيديولوجي القديم بين الدولة والفرد، بين الاشتراكية والليبرالية، لتبني مجالا ثالثا: مجتمع المشاركة.
√•10: نحو بيان القاعدية الكونية – الإنسان، الأرض، والمعنى.
1. ما بعد الثورة: من التمرّد إلى البناء: القاعدية ليست مجرد احتجاج دائم، بل مشروع بناء طويل المدى. لقد فشلت الثورات حين اختزلت نفسها في لحظة إسقاط، بينما القاعدية تدرك أن التحرر لا يتحقق إلا حين تُبنى البدائل في قلب النظام القائم. إنها تسعى إلى اقتصاد تضامني، تعليم أفقي، إعلام تشاركي، وزراعة مجتمعية — أي إلى إعادة صياغة الحياة اليومية نفسها على أسس جماعية. فالثورة الحقيقية ليست التي تقتحم القصر، بل التي تغيّر المطبخ والمدرسة والمصنع، وتخلق وعيا جديدا يجعل القصر غير ضروري أصلا. كما قال إرنستو غيفارا: “الثائر الحقيقي مدفوع بحب عظيم للإنسان”.
2. القاعدية كوعي جمعي مقاوم: في عالم يروّج للفردانية والانعزال، تذكّرنا القاعدية بأن الحرية لا تُمارس في الوحدة، بل في الجماعة. فهي ترفض أن يُختزل الإنسان في مستهلك أو متابع أو رقم، وتعيد تعريف الذات بوصفها علاقة، لا جوهرا. وهذا التحول الأنطولوجي هو جوهر الثورة: أن نعيد اكتشاف ذواتنا ككائنات متداخلة، تشترك في المصير والمعنى. من هنا، تتحول القاعدية إلى تربية على “العيش المشترك”، على المشاركة لا الهيمنة، على المساواة لا التراتب، على المسؤولية لا التفويض. وهكذا يصبح الفعل السياسي فعلا تربويا وجماليا في آن واحد.
3. الأخلاق الجديدة للتحرر: القاعدية ليست مجرد مشروع اقتصادي أو تنظيمي، بل أخلاق جديدة في مواجهة أخلاق السوق والمنفعة. إنها أخلاق تقوم على العطاء بدل الربح، على التعاون بدل المنافسة، على الارتباط بدل التملك. بهذا المعنى، تستعيد القاعدية جذور الإنسانية الأولى: الجماعة، القرابة، الرعاية المتبادلة. وفي وجه الحضارة الرقمية التي تفرّغ المعنى، تطرح القاعدية سؤالا وجوديا: كيف نعيد للعيش قيمة غير نقدية؟ كما كتب الفيلسوف كورنيليوس كاستورياديس: “الثورة الحقيقية هي تلك التي تخلق معنى جديدا للوجود”.
4. من الأرض إلى الكوكب: الوعي البيئي كجوهر للتحرر: لا يمكن لأي حركة تحرر أن تتجاهل اليوم مأساة الكوكب. القاعدية ترى في الدفاع عن الأرض جزءًا من الدفاع عن الإنسان، فكل استغلال للطبيعة هو استغلال للإنسان ذاته. ولهذا تتقاطع الحركات القاعدية مع النضالات البيئية والنسوية والريفية، لتشكّل نسيجا واحدا من المقاومة ضد المنطق التدميري للعصر النيوليبرالي. إنها ثورة مزدوجة: ضد الرأسمالية وضد النزعة التكنولوجية العمياء التي تجرّدنا من علاقتنا بالكوكب. وهكذا تعيد القاعدية تعريف الاشتراكية نفسها كعلاقة أخلاقية مع الأرض والآخر.
5. الأفق الأخير: الإنسان الحر في مجتمع بلا سيّد: في النهاية، لا تسعى القاعدية إلى تدمير العالم، بل إلى تحريره من الخضوع. إنها تطمح إلى مجتمع بلا سيّد، بلا طبقات، بلا مركز، حيث تُمارس السلطة كمسؤولية جماعية لا كهيمنة. هذا هو “الحلم الواقعي” الذي يجمع بين أناركية باكونين، وإنسانية ماركس، وحلم روزا بالحرية كإبداع دائم. وحين نعيد قراءة التاريخ من هذا المنظور، ندرك أن القاعدية ليست حركة عابرة، بل روح العصر الجديد — الروح التي تقول للإنسان: “أنت لست ترسا في آلة، بل بذرة في أرض مشتركة.” إنها دعوة للعيش، لا للقتال فحسب؛ للبناء، لا للهدم فقط. دعوة لأن نكون بشرا بمعنى أعمق، في زمنٍ صار فيه كل شيء قابلا للبرمجة والمراقبة والبيع. وكما قال المفكر الماركسي أندريه غورز في وصيته الأخيرة: “لن ننجو إلا حين نعيد اختراع معنى البساطة، ونحرّر أنفسنا من وهم الثراء اللامتناهي.” هكذا تلتقي القاعدية مع الفلسفة ومع الشعر ومع الحلم: أن نعيد للإنسان صوته، وللأرض تنفّسها، وللمعنى حضوره في العالم.
11. القاعدية والمرأة – الديمقراطية التشاركية والتحرر النسوي.
1. المرأة كمركز للقوة القاعدية: لطالما كانت النساء عنصرا حيويا في الحركات القاعدية، سواء في التاريخ القديم أو الحديث. من الثورة الإسبانية 1936 إلى روج آفا، لعبت المرأة دورا مزدوجا: مقاومة اجتماعية وسياسية، وبناء اقتصادي واجتماعي. القاعدية الحديثة تعيد الاعتبار للمرأة بوصفها فاعلا مستقلا لا مجرد متلقٍ للسياسات. فهي التي تدير التعاونيات، تنظم الأسواق المحلية، تشارك في مجالس الأحياء، وتبني شبكات الدعم المتبادلة. كما قالت روزا لوكسمبورغ: “الديمقراطية العمالية لا يمكن أن تكون حقيقية إذا لم تشارك فيها كل النساء والرجال على قدم المساواة.” في هذا السياق، تتحوّل القاعدية إلى أداة لتفكيك الهياكل الأبوية التقليدية، وتحويل السلطة من النماذج الذكورية إلى مشاركة متساوية بين الجنسين.
2. التجارب المعاصرة: من روج آفا إلى أمريكا اللاتينية: في روج آفا، شكلت النساء أكثر من 40% من مجالس الإدارة المحلية، وتولت القيادة في مؤسسات الأمن والمجالس الاقتصادية. في أمريكا اللاتينية، من البرازيل إلى الأرجنتين، برزت “جمعيات النساء الفلاحات” التي أنشأت شبكات إنتاجية مستقلة، وأظهرت أن المبادرات القاعدية لا تكتمل إلا بمشاركة المرأة. إنها تجربة تثبت أن القاعدية ليست مجرد تنظيم سياسي، بل إعادة توزيع القوة الاجتماعية والجندرية.
3. القاعدية والتمكين الاقتصادي للنساء: النساء في الحركات القاعدية لا يكتفين بالمشاركة في القرار السياسي، بل يبتكرن نماذج اقتصادية بديلة: تعاونيات، مشاريع إنتاجية، أسواق محلية مستدامة. هذه المبادرات لا تخلق استقلالا ماليا فحسب، بل تحرر المجتمعات بأكملها من التبعية الاقتصادية للدولة أو السوق الرأسمالي. إنها ممارسة حقيقية للتسيير الذاتي، حيث التمكين الاقتصادي للمرأة يصبح حجر الزاوية لأي مشروع قاعدي مستدام.
4. التربية والمجال الثقافي: القاعدية النسوية لا تقتصر على الاقتصاد والسياسة، بل تمتد إلى التربية والثقافة. المدارس التشاركية، النوادي الثقافية، والمكتبات الشعبية تشكّل مساحات للوعي القاعدي، حيث يتم تعليم قيم المشاركة، التضامن، والمساءلة. هذه التجربة تؤكد أن القاعدية الحديثة ليست مؤقتة، بل استراتيجية طويلة المدى لإعادة إنتاج القيم الديمقراطية في المجتمع.
√•12: القاعدية والاقتصاد – التسيير الذاتي والاقتصاد التضامني.
1. الاقتصاد من أسفل إلى أعلى: القاعدية الحقيقية تعتمد على اقتصاد من أسفل إلى أعلى، حيث تتخذ المجتمعات المحلية القرارات حول الإنتاج والتوزيع وفق احتياجاتها وليس وفق متطلبات السوق أو الدولة. التجارب التاريخية مثل الثورة الإسبانية، وتجارب المجالس العمالية، تثبت أن المجتمعات القادرة على التسيير الذاتي تنتج وفرة حقيقية وتحقق العدالة الاجتماعية.
2. التجارب المعاصرة: التعاونيات والقواعد الرقمية: في تونس، المبادرة جمنة تُعد نموذجا حيا للتسيير الذاتي الاقتصادي، حيث يتولى السكان إدارة الموارد بشكل مستقل عن الدولة. أما على الصعيد العالمي، فهناك شبكات التعاونيات الرقمية مثل “FairCoop”، التي تستخدم العملات الرقمية لتأمين معاملات اقتصادية شفافة ومستقلة، بعيدا عن البنوك الكبرى والشركات متعددة الجنسيات. هذه التجارب تظهر أن القاعدية الحديثة تتجاوز الاقتصاد التقليدي، فهي تمزج بين الإنتاج المحلي، التضامن الإقليمي، والاستفادة من أدوات الرقمنة العالمية.
3. مواجهة الرأسمالية المهيمنة: التحدي الأكبر أمام القاعدية الاقتصادية هو الرأسمالية المركزية التي تتحكم في الأسواق العالمية. الحركات القاعدية اليوم لا تكتفي بمقاومة سياسات الدولة أو الشركات الكبرى، بل تعيد التفكير في آليات الإنتاج والتوزيع نفسها. فالعمل الجماعي والتعاوني، والمشاركة في اتخاذ القرار، والتحكم في الموارد المحلية، كلها عناصر تعيد التوازن بين الإنسان والطبيعة، بين المجتمع والسوق.
4. التضامن الاقتصادي كأفق قاعدي: الاقتصاد القاعدي لا يقتصر على المجتمع المحلي، بل يشمل شبكات التضامن الإقليمي والعالمي. فكما تترابط الحركات الرقمية والأممية في المجال السياسي، تتقاطع المبادرات الاقتصادية عبر الحدود: من التعاونيات الزراعية في المغرب، إلى شبكات الإنتاج التعاوني في أوروبا وأمريكا اللاتينية، إلى العملات الرقمية التشاركية. هذا التضامن يعكس أن القاعدية ليست مجرد استراتيجية محلية، بل أفق عالمي جديد للتضامن والعدالة الاقتصادية.
5. التعليم الاقتصادي والتحرر من التبعية: إحدى الركائز الأساسية للبناء القاعدي الاقتصادي هي التربية الاقتصادية الشعبية: تعليم المجتمعات كيفية إدارة الموارد، اتخاذ القرارات، ومساءلة المسؤولين. فبدون الوعي والقدرة التنظيمية، تصبح أي تجربة اقتصادية عرضة للانحراف أو السيطرة المركزية. إن التربية الاقتصادية الشعبية ليست رفاهية، بل شرط لنجاح أي مشروع قاعدي مستدام، يضمن استقلالية المجتمعات وتمكينها الحقيقي.
✓•الخاتمة: بيان القاعدية الشاملة – من النظرية إلى الثورة الكونية.
عندما ننظر إلى القاعدية اليوم، ندرك أنها ليست مجرد تجربة سياسية محدودة أو مشروعا تنظيميا عابرا، بل نموذج كامل لإعادة صياغة العالم على أساس المشاركة، التسيير الذاتي، والوعي الجماعي. إنها رؤية تتجاوز الأحزاب، الدولة، وحتى الاقتصاد التقليدي، لتعيد الإنسان إلى موقعه الطبيعي: كائن مسؤول عن نفسه، مجتمعه، وأرضه. لقد انطلقت القاعدية من جذورها الأناركية والتحررية، ومن تأملات روزا لوكسمبورغ في الديمقراطية العمالية، لكنها اليوم تتجاوز ذلك، لتدمج الثورة الرقمية، التضامن العالمي، والوعي البيئي في مشروع واحد متكامل. لم تعد القاعدية مجرد ممارسة محلية، بل حركة كوكبية تتحدى الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على حد سواء. من تونس إلى روج آفا، ومن أمريكا اللاتينية إلى شبكات التضامن الرقمية، تبرز القاعدية المعاصرة كمسار طويل نحو تحرر حقيقي: حرية المرأة، الاقتصاد التشاركي، التربية الشعبية، والسيطرة على البيانات والموارد الطبيعية. كل تجربة محلية تصبح جزء من نسيج عالمي، وكل مجالس قاعدية حقيقية، مهما صغرت، هي حجر بناء في هذا المشروع الكوني. لكن القاعدية ليست هدية تأتي من الأعلى؛ فهي نتاج نضال مستمر، ووعي جماعي، وثقافة ديمقراطية متجددة. التحدي الأكبر أمامها هو الشعبوية القاعدية: تلك التي تُحوّل المشروع التحرري إلى أداة للهيمنة الفردية، وتستغل الشعارات القاعدية لتبرير قرارات سلطوية. في تونس كما في أماكن أخرى، يثبت التاريخ أن القوة الحقيقية للبناء القاعدي تكمن في استقلالية المجالس والمبادرات، وفي مراقبة الشعب لنفسه أولًا قبل أي سلطة خارجية. القاعدية اليوم، وهي تواجه الرأسمالية الرقمية، الاحتباس البيئي، وإعادة إنتاج السلطة، تقدم نموذجا جديدا للمقاومة الإنسانية المتكاملة: مقاومة وجودية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وأخلاقية. إنها تقر بأن الثورة الحقيقية لا تبدأ ولا تنتهي عند حدود الدولة أو الحزب، بل في كل مطبخ، كل مدرسة، كل سوق، كل شبكة اتصال، وكل قرار جماعي. إنها دعوة لإعادة اختراع معنى الحرية في القرن الحادي والعشرين: -الحرية ليست مجرد حق دستوري أو قانوني، بل ممارسة يومية، واعية، متواصلة. -الديمقراطية ليست فقط انتخابات، بل قدرة على اتخاذ القرار المشترك ومساءلة الآخرين بما يضمن المصلحة الجماعية. -الاقتصاد ليس مجرد ربح، بل أداة لبناء مجتمع متوازن ومستدام، يضمن حقوق الأفراد والمجتمع والكوكب معا. -الثقافة والوعي ليسا هامشيين، بل جوهر أي مجتمع قادر على مقاومة الانحراف السلطوي والتجدد باستمرار. في عالم يزداد فيه التمركز الرقمي، وتضاؤل المساحات العامة للحرية، تُذكّرنا القاعدية بأن التحرر لا يمكن أن يكون مفصولا عن المجتمع والطبيعة والتكنولوجيا والمستقبل. إنها رؤية شاملة، حيث كل جزء من حياتنا اليومية يصبح ساحة لممارسة الحرية، وكل قرار جماعي هو مقاومة للنظام المركزي أو الهيمنة الاقتصادية. وفي ختام ، يمكننا القول إن القاعدية الحديثة ليست مجرد تجربة سياسية، بل فلسفة حياة، تتحد فيها النظرية بالتطبيق، والفلسفة بالشعر، والسياسة بالوعي الإنساني. إنها دعوة للبناء المستمر، للنضال المتواصل، للحرية العملية والواقعية، ولإعادة الإنسان إلى مركز العالم الذي يحق له أن يعيش فيه بكرامة، مساواة، ومعنى. القاعدية ليست غاية بحد ذاتها، بل مسارٌ مفتوح، عملية مستمرة، حلم يتحقق عندما يصبح كل إنسان، وكل مجتمع، وكل كوكب، فاعلا ومالك هوا لمصيره. إنها أفق التحرر الشامل: من الفرد إلى الجماعة، من الأرض إلى الكوكب، ومن الحرية السياسية إلى الحرية الوجودية، لتشكل بذلك إعلانًا عالميًا للإنسانية الجديدة.
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلاح ، المخدرات و الادوية ، اسلحة للثراء و اخضاع الشعوب.
-
تحليل مقتضب للنرجسية الفردية و السّلطة والشعبوية.
-
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد ال
...
-
الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
-
الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
-
نقد الإبداع وإبداع النقد.
-
بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
-
اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا
...
-
قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني
...
-
11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
-
الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر
...
-
رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال
...
-
أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
-
البيروقراطية
-
السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
-
قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش
...
-
البناء القاعدي: من فكرة التحرر إلى أداة الهيمنة؟
-
الحداثة والظلامية: وجهان لعملة واحدة في مأزق التاريخ العربي.
-
ما بعد الجمهورية: زمن الوحوش أم زمن الاحتمال؟
-
الخديعة الأمريكية الكبرى: الإمبريالية وخراب فلسطين.
المزيد.....
-
ليلة من الأحداث الدامية في حلب.. واتهامات متبادلة بين دمشق و
...
-
ألبانيا: مصرع قاض إثر حادثة إطلاق نار داخل المحكمة
-
اليمن: الحوثيون يعتقلون تسعة موظفين أمميين وغوتيريس يدعو إلى
...
-
أوروبا أصبحت أكبر مناصر لغزة والمستقبل يحتاج خطة
-
عاجل | وسائل إعلام إسرائيلية: صفارات الإنذار تدوي في شمال قط
...
-
مباحثات شرم الشيخ.. مخاوف حماس و-الخط الأصفر- الإسرائيلي
-
-سيري- تحت المجهر.. تحقيق فرنسي جديد ضد شركة -آبل-
-
مصر.. مباحثات حماس وإسرائيل تهدف لوضع -إطار زمني- للهدنة
-
ترامب: أريد أن أعرف ماذا ستفعل أوكرانيا بصواريخ -توماهوك-؟
-
ميركل: دول البلطيق عطلت الحوار مع بوتين قبل حرب أوكرانيا
المزيد.....
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|