|
مشروع قانون المالية لسنة 2026: بين الوهم الاجتماعي وتكريس التبعية الاقتصادية.
رياض الشرايطي
الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدّمة: يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2026 في لحظة تاريخية تختلط فيها الأزمة الاقتصادية بالأزمة السياسية، وتتحوّل فيها الأزمة الاجتماعية إلى أزمة ثقة شاملة بين المواطن والدولة. منذ أكثر من عقد، لم تعرف تونس مثل هذا التشابك الحادّ بين الانهيار المالي واحتضار الأمل. نحن أمام ميزانية تُقدَّم بلبوسٍ اجتماعيّ جذّاب، لكنها تخفي في أعماقها منطقا تقشّفيا مموّها، وارتباكا بنيويا في إدارة الثروة وتوزيعها. كأنّ السلطة الحالية تعيد إنتاج المأزق القديم بوجوه جديدة: تخاطب الفقراء بلغتهم، لكنها تخدم المنظومة نفسها التي أوصلتهم إلى الفقر. تبدو الدولة وكأنها تمارس الشعبوية المالية كإستراتيجية بقاء، لا كخيار وطنيّ. فبدل إعادة بناء الاقتصاد على أسس العدالة الإنتاجية، تلجأ إلى إجراءات رمزية تسكّن الألم مؤقتا دون معالجة أسبابه. هي دولة تحاول شراء الوقت بالأجور والمنح والوعود، بينما تنزلق أكثر في فخّ الديون والارتباط بالمؤسسات المالية الدولية. لقد صارت “العدالة الاجتماعية” في الخطاب الرسمي أشبه بعملة رمزية تستعمل في سوق السياسة، لا في ميزان الاقتصاد الحقيقي. ولعلّ أخطر ما في الأمر أنّ هذا المشروع يأتي في ظرف تكشَف فيه حدود الدولة الوطنية التابعة، ويعاد فيه رسم الأدوار في المنطقة تحت ضغط الإمبريالية المالية العالمية. فالمسألة لم تعد مجرد عجز في الميزانية أو سوء إدارة مالية، بل صارت تعبيرا عن أزمة نمط تنموي بأكمله، عن اقتصاد يقوم على الريع والديْن بدل العمل والإنتاج، وعن دولة تنفق أكثر مما تخلق، وتعِد أكثر مما تملك. إنها دولة تخلّت عن جوهر وظيفتها الاجتماعية، واكتفت بتمثيله لفظيا أمام الشعب، في مشهد يذكّ بمسرحيات الإصلاح في دول أمريكا اللاتينية قبل سقوط أنظمتها النيوليبرالية. بهذا المعنى، فإنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليس مجرد نصّ محاسبيّ، بل هو مرآة سياسية تعكس طبيعة التحالف الطبقي القائم: تحالف رأس المال المحلي المندمج في السوق العالمية مع بيروقراطية الدولة التي تبحث عن شرعية اجتماعية مفقودة. ومن هنا، يصبح الخطاب الاجتماعي المضمَّن فيه أداة لإخفاء الأزمة لا لحلّها، وتتحوّل الوعود بالتنمية والعدالة إلى كلمات بلا أرجل في واقع اقتصادي يزداد هشاشة وتبعيّة.
الفصل الثاني: الخطاب الاجتماعي بين البلاغة الرسمية ووهم الإنصاف.
يتباهى مشروع قانون المالية لسنة 2026 بخطاب اجتماعي غزير المفردات: “ترسيخ العدالة”، “دعم الفئات الهشّة”، “تحقيق المساواة”، “الأجر العادل”، “التغطية الشاملة”... كلمات تتردّد بنغمة دافئة، لكنها أشبه بتعويذة لغوية تخفي ما وراءها من تناقضات. فحين ننظر إلى البنية الفعلية للمشروع، نكتشف أنّ هذا الخطاب ليس سوى ستار لغوي لتجميل التقشف، وأنّ الدولة لم تعد فاعلا اجتماعيا بقدر ما أصبحت وسيطا بين الدائنين والمواطنين. لنأخذ مثالا دقيقا: يتحدث المشروع عن “الترفيع في الأجور”، في حين أنّ الأرقام تكشف أنّ الزيادة المقترحة لا تتجاوز 6% في المعدل العام، أي أقل من نصف نسبة التضخّم المقدّرة بـ13% مع نهاية 2025، وفق معطيات البنك المركزي. أي أن “الترفيع” الحقيقي هو تراجع في القدرة الشرائية بنحو 7% إضافية. بهذا المعنى، لا يمكن اعتبار الإجراء “اجتماعيا” إلّا بالاسم، إذ يعيد إنتاج الفقر داخل الأجور نفسها. ثمّ إنّ ما يقدّم من “دعم للفئات الضعيفة” لا يتجاوز 1.7 مليار دينار، مقابل 9.3 مليار تخصّص لخدمة الدين العمومي ، أي أنّ كل دينار دعم يقابله خمسة دنانير تدفع للدائنين! هل هذه عدالة اجتماعية أم عبودية مالية مغلّفة بخطاب وطني؟ إنّ السلطة التي ترفع شعار “الإنصاف” وهي تفرغ خزائنها لصالح المؤسسات المالية الأجنبية، لا تمارس التضامن، بل تعيد إنتاج التبعية الطبقية على نطاق وطني. الخطاب الاجتماعي في المشروع إذا ليس سوى ديكور سياسي يراد منه امتصاص الغضب الشعبي وتسكين الحركات الاجتماعية. لكن هذا الخطاب يفشل في إخفاء واقعه الحقيقي: غياب رؤية هيكلية للنمو، وغياب إرادة حقيقية لتوزيع الثروة من الأعلى إلى الأسفل. إنّ العدالة الاجتماعية لا تقاس بعدد الشعارات في المقدمة، بل بنسبة ما يذهب من الميزانية إلى التعليم والصحة والنقل العمومي. وفي هذا المجال، تكشف الأرقام مفارقة صارخة: تخصّص الدولة في مشروع 2026 ما يقارب 4.5% فقط من الناتج الداخلي الخام للتعليم، مقابل 6.8% سنة 2010؛ و2.7% للصحة مقابل 3.9% قبل عشر سنوات. أي أنّ “الدولة الاجتماعية” تتقلّص عاما بعد عام، رغم أنّ خطابها يزداد “اجتماعية” في الشكل. إنها المفارقة التي تختصر روح المشروع: كلمات تقدّمية فوق أرقام رجعية. ولأنّ الخطاب لا يعيش في الفراغ، فإنّ علينا قراءة هذه اللغة ضمن سياقها السياسي: فالشعبوية المالية لا تظهر صدفة، بل هي استجابة لأزمة شرعية عميقة تعيشها السلطة. فحين تعجز الدولة عن تحقيق العدالة الفعلية، تلجأ إلى التمثيل البلاغي لها. تماما كما فعلت الأنظمة الشعبوية في أميركا الجنوبية زمن الأزمات ، من بيرون إلى شافيز في مراحله المتأخرة ، حيث تحوّلت العدالة إلى شعار تعبويّ يستعمل لتأجيل الأسئلة المؤلمة عن الإنتاج والثروة والاستقلال الاقتصادي.
الفصل الثالث: العدالة الجبائية الغائبة وازدواجية الدولة.
إذا كانت الدولة الاجتماعية الحقيقية تقوم على مبدأ العدالة الجبائية ، أي أن يدفع كلّ مواطن حسب قدرته ، فإنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 يكرّس نقيض ذلك تماما. فرغم إعلان الحكومة عن “ضريبة على الثروة”، فإنّ هذه الضريبة محدودة النطاق إلى حدّ الصورية: فهي لا تشمل العقارات الكبرى ولا الشركات متعددة الفروع، وتحتسب على الأصول المصرّح بها فقط، ما يجعلها بلا أثر فعلي على كبار المالكين، الذين يعرفون جيّدا كيف يخْفون ثرواتهم خلف الشركات الوهمية والملاذات الضريبية. في المقابل، تواصل الدولة الاعتماد المكثّف على الضرائب غير المباشرة ، أي الأداءات على الاستهلاك، الاتصالات، النقل، والمحروقات ، التي تمثل أكثر من 68% من مجموع المداخيل الجبائية. وهذه الضرائب هي بطبيعتها رجعية لأنها تطال الجميع بنفس النسبة، بغضّ النظر عن الدخل. فتصبح الفقيرة التي تشتري لتر بنزين تدفع نفس الأداء الذي يدفعه صاحب الشركة أو الوزير. إنها جبابة لا تميّز بين من يملك ومن لا يملك، بين من يستهلك ليعيش ومن يستهلك ليراكم. وبذلك تتحوّل الدولة من أداة لإعادة التوزيع إلى أداة لإعادة التفاوت. المفارقة أنّ نفس الدولة التي تتحدّث عن “العدالة الاجتماعية” هي التي تمنح امتيازات جبائية ضخمة للشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب، تحت شعار “تشجيع الاستثمار”. ففي سنة 2026، تتوقع الحكومة إعفاءات تقدّر بـ5.2 مليار دينار، أي ما يعادل تقريبا ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية كاملة! إنّ هذه الامتيازات لا تعني سوى نقل الثروة من جيب العمّال إلى جيب رأس المال، في حلقة استنزاف ممنهجة لا تختلف عن سياسات التبعية التي فرضها صندوق النقد منذ الثمانينات. هذا الانحراف الجبائي لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق الدولي. فالدولة الوطنية التابعة، حين ترغَم على التفاوض مع الدائنين، تفقد سيادتها المالية، وتصبح جباباتها خاضعة للمنطق النيوليبرالي الذي يقدّس رأس المال ويعاقب العمل. وفي هذا السياق، يمكن القول إنّ “الدولة الاجتماعية” قد تحوّلت في تونس إلى وهم قانونيّ: فهي تتكلّم باسم الفقراء، لكنها تجبي منهم ما تقدّمه للأثرياء في شكل إعفاءات واستثمارات. الأدهى من ذلك أن هذه السياسة تعيد إنتاج اللامساواة الطبقية على مستوى الأقاليم أيضا. فالولايات الفقيرة، التي تساهم بنصيب ضعيف في الجباية، تعاقب بقلة المشاريع والبنى التحتية، بينما تضخّ الأموال في المناطق الساحلية ذات الكثافة الصناعية والسياحية. إنها عدالة جبائية مشوّهة، تجعل المواطن في قفصة أو سيدي بوزيد أو الكاف يدفع نفس الضرائب التي يدفعها المواطن في المنار أو البحيرة، لكنه لا يحصل على نفس الخدمات. بذلك تتحول الجباية من أداة تضامن وطني إلى أداة تمييز جهوي مقنّع. إنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 لا يكرّس العدالة الجبائية، بل يكرّس ازدواجية الدولة: دولة صارمة مع الضعفاء، متسامحة مع الأقوياء؛ دولة تلاحق المخبزة الصغيرة التي لم تصرّح بفاتورة كهرباء، لكنها تغضّ الطرف عن الشركات العابرة للقارات التي تحوّل أرباحها إلى الخارج. وبهذه الازدواجية، تفقد الدولة آخر مقومات مشروعيتها الاجتماعية، وتتحوّل إلى جهاز تحصيل نيوليبراليّ بوجه وطنيّ.
الفصل الرابع: الشعبوية المالية بين البلاغة المهدّئة والسياسات الكارثية.
من يقرأ مشروع قانون المالية لسنة 2026 يدرك سريعا أننا أمام نصّ لا يعالج الاقتصاد بقدر ما يديره بمنطق التسويق السياسي. فكل ما يبدو فيه اجتماعيّا ومطمئنا هو في جوهره أداة دعائية تهدف إلى خلق وهم الاستقرار داخل واقع مختنق بالديون والعجز والبطالة. لقد تحوّل الخطاب الاقتصادي الرسمي إلى نوع من الدراما الحكومية التي تتقمّص فيها الدولة دور “الأم الحنون” بينما تواصل ذاتها دور “الجباية القاسية”. إنها ازدواجية لم تعد تخفيها الكلمات. تدرك السلطة أنّ الشارع لم يعد يحتمل وعود التقشف، لذلك اختارت طريقا آخر: شعبوية مالية مموّهة تعطي للناس شعورا كاذبا بأن الدولة استعادت روحها الاجتماعية، بينما هي في الواقع تعمّق ارتهانها للمؤسسات المالية الدولية. فرفع الأجور المعلن، مثلا، ليس نتاجا لإرادة سياسية في إعادة توزيع الثروة، بل نتيجة ضغط اجتماعي متصاعد وتخوّف من الانفجار الشعبي. أما تمويل تلك الزيادات، فسيأتي من جيب المواطن نفسه عبر الضرائب غير المباشرة أو عبر ديون جديدة تزيد من كلفة العيش مستقبلا. إنها معادلة خداع واضحة: يعطى المواطن بيد ما ستأخذه منه الدولة بعشر أياد أخرى.
▪ الشعبوية كبديل عن الإصلاح: في العمق، الشعبوية المالية ليست انحرافا بل هي خيار ممنهج لإدارة الأزمة دون تفكيكها. فبدل أن تتجه الدولة إلى إصلاح جبائي عادل، أو إلى إعادة هيكلة منظومة الدعم لتستهدف فعلا الفئات الهشّة، فإنها تختار الطريق الأسهل سياسيا: وعود قصيرة المدى تحقّق أثرا دعائيا، دون المسّ بالبنية الطبقية التي تنتج اللامساواة. وبذلك، تتحوّل السياسات العامة إلى ما يشبه “الترقيع الاجتماعي” الذي يبقي الجرح مفتوحا لكنه يغطّيه بضمادة جميلة. هذا المنطق ليس جديدًدا؛ لقد عرفته دول كثيرة سارت في نفس المسار النيوليبرالي، من الأرجنتين في عهد ماكري إلى لبنان في سنوات ما قبل الانهيار، حيث تمّ استخدام الخطاب الاجتماعي لإخفاء تفكك الدولة المالية. والنتيجة كانت واحدة: تضخم العجز، انهيار العملة، وتبخّر الطبقة الوسطى. تونس اليوم تسير في الاتجاه ذاته، لكن مع فارق واحد: أنّ الخطاب الرسمي يغلّف كلّ شيء بلغة وطنية تبعث على الثقة، بينما الأرقام تظهر عكس ذلك. فحجم الاقتراض المبرمج لسنة 2026 يقدّر بـ 25 مليار دينار، أي ما يعادل تقريبا 40% من ميزانية الدولة. أي أننا نقترض لننفق، لا لنستثمر. نقترض لندفع أجورا ومنحا مؤقتة، لا لبناء بنية إنتاجية جديدة. إنه دين استهلاكي لا ينتج سوى تبعية مالية متجددة.
▪ تغييب الإصلاح الهيكلي: في هذا السياق، يظهر بوضوح غياب أي إصلاح هيكلي حقيقي في مشروع القانون. فلا أثر لإستراتيجية صناعية، ولا لخطة لإحياء القطاع الفلاحي، ولا لمقاربة جدية لمعالجة الاقتصاد الموازي الذي يلتهم أكثر من 50% من الدورة المالية الوطنية. بدل ذلك، يقدّم المشروع “صناديق” جديدة (صندوق ذوي الإعاقة، صندوق السكن، صندوق التشغيل...) دون تحديد مواردها أو أهدافها بوضوح. إنها صناديق بلا روح، أقرب إلى مجرّد رموز لغوية تستعمل لتغليف العجز بالرحمة. هذه الشعبوية المالية تعيد إنتاج علاقة زبونية بين المواطن والدولة: المواطن لا ينظر إليه كفاعل اقتصادي أو كصاحب حقّ، بل كـ“مستفيد” من إحسان الدولة. وهذا في جوهره يناقض فكرة المواطنة الاجتماعية التي تقوم على المساواة في الحقوق والواجبات. وهكذا، تختزل السياسة الاجتماعية إلى شكل من أشكال “المنّة” لا “العدالة”، وتحوّل الدولة إلى ما يشبه جمعية خيرية تديرها البيروقراطية.
▪ البعد الإمبريالي للشعبوية المالية: من منظور أوسع، لا يمكن فهم هذه الشعبوية دون ربطها بالبنية الإمبريالية التي تحكم الاقتصاد التونسي منذ عقود. فالمؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، الاتحاد الأوروبي) لم تعد تفرض التقشف بشكل مباشر، بل عبر ما يمكن تسميته بـ“الإصلاحات اللينة” ، أي تلك التي تغلف شروطها بلغة اجتماعية مقبولة شعبيا. فيطلب من الدولة مثلا “دعم الفئات الهشّة” لكن عبر برامج رقمية ممولة من الخارج، تقنن الفقر بدل القضاء عليه. ويطلب منها “تحسين الحوكمة” لكنها تجبر على خصخصة المرافق العمومية لتخفيف العبء المالي. بهذا الشكل، تتحول الشعبوية المالية إلى أداة مثالية لتطبيق التقشف المموّه الذي ينفّذ تحت قناع “العدالة الاجتماعية”.
▪ النتيجة: تضخيم العجز وتفكيك الدولة: العجز المعلن في مشروع 2026 (أكثر من 11 مليار دينار) ليس مجرّد رقم، بل هو إعلان صريح عن نهاية النموذج المالي للدولة الوطنية القديمة. فالدولة التي كانت تموّل نفسها من إنتاجها أصبحت تموّل وجودها من ديونها. وهكذا، نرى أنّ الشعبوية المالية ليست فقط خيارا خطابيا، بل هي آلية بقاء لنظام اقتصادي مأزوم لا يملك القدرة على الإنتاج، فيكتفي بإعادة توزيع العجز على الطبقات الشعبية. إنها سياسة “الوقت بدل الإصلاح”، سياسة تؤجّل الانهيار لكنها لا تمنعه، تماما كما يفعل مريض يرفض العملية الجراحية خوفا من الألم فيكتفي بمسكّن أقوى كل يوم.
الفصل الخامس: نحو قراءة نقدية ختامية – من الدولة الاجتماعية إلى الدولة الرمزية.
يقدّم مشروع قانون المالية لسنة 2026 كميزانية “للاستقرار الاجتماعي”، لكنه في الحقيقة يمثّل لحظة فاصلة في تفكك الدولة الاجتماعية وتحولها إلى دولة رمزية ، دولة تعلن ما لا تفعل، وتعد بما لا تملك. لقد تحوّل الخطاب الاجتماعي الرسمي إلى مسرح لغويّ تدار فيه الأزمات بالألفاظ، وتختزل فيه العدالة إلى بيان حكوميّ. ومن هنا، فإنّ النقد الجذري لهذا المشروع لا يمرّ عبر تفاصيله التقنية، بل عبر تفكيك منطقه الطبقي والسياسي.
▪ من العدالة الاجتماعية إلى العدالة الرمزية: في الأنظمة النيوليبرالية التابعة، تصبح “العدالة الاجتماعية” مجرّد شعار ضروري لتثبيت النظام لا لتغييره. فالسلطة تحتاج إلى أن تظهر نفسها كحامية للفقراء كي تخفي حقيقة خضوعها للرأسمال المالي العالمي. وهكذا يتحول مفهوم العدالة إلى رمز تهدئة اجتماعية، لا إلى أداة تحرر. فالزيادات في الأجور تموّل بالدّين، والدّين يعاد تسديده من جيوب نفس الأجراء لاحقا عبر الضرائب والأسعار، في دورة مغلقة من الاستنزاف الطبقي. النتيجة: إعادة إنتاج الفقر في ثوب من العدالة الشكلية. تماما كما يقول المفكر الفرنسي بيار بورديو: “إن أخطر أشكال العنف هو ذلك الذي يمارس بلغة الشرعية.” فالدولة التي تتحدث باسم العدالة وهي تعيد إنتاج اللامساواة، تمارس عنفا رمزيا مضاعفا لأنها تجرّم الفقراء لغويا وهم ضحاياها فعليا.
▪ الدولة كأداة لتجميل العجز: لا يمكن لأي اقتصاد أن يبني دولة اجتماعية حقيقية دون قاعدة إنتاجية قوية. لكن تونس، منذ عقود، فقدت سيادتها الإنتاجية: – القطاع الفلاحي يساهم بأقل من 10% في الناتج الداخلي الخام رغم أنه يشغّل أكثر من 14% من اليد العاملة؛ – القطاع الصناعي يتراجع لصالح قطاع الخدمات الريعية (اتصالات، تحويلات مالية، سياحة...)؛ – أكثر من 55% من الشركات التونسية الصغيرة مهددة بالإفلاس أو التوقف. في ظل هذه البنية، يصبح “الخطاب الاجتماعي” مجرّد ستار لتغطية العجز البنيوي في الإنتاج. فلا يمكن للدولة أن توزّع ما لا تنتج، ولا أن تضمن حقوقا بلا موارد. ومن ثمّ، فإنّ مشروع 2026 ليس فقط تعبيرا عن أزمة مالية، بل عن أزمة فكرة الدولة نفسها: هل لا تزال الدولة قادرة على تمثيل المصلحة العامة، أم أصبحت مجرّد وكيل محليّ لإدارة الديون؟
▪ المقارنة التاريخية: من دولة الاستقلال إلى دولة الدّين: حين نعود إلى مرحلة الستينات والسبعينات، نرى أن الدولة التونسية، رغم محدودية مواردها، كانت تمتلك مشروعا واضحا: تعميم التعليم، بناء منظومة صحة عمومية، دعم المواد الأساسية. كانت العدالة الاجتماعية هدفا لا وسيلة، وكانت الدولة تنتج خطابها من عملها لا من مديونيتها. أما اليوم، فإنّ الاتجاه انقلب: تنتج الدولة خطابها من العجز، وتسوّقه بوصفه إنجازا. لقد تحوّلنا من “الدولة المنتجة” إلى “الدولة المستعيرة”، ومن سيادة القرار إلى سيادة القرض. هذا التحوّل البنيوي هو ما يجعل مشروع 2026 وثيقة سياسية أكثر من كونه قانونا ماليا. إنه نصّ الاعتراف بانتهاء العقد الاجتماعي القديم الذي ربط الدولة بمواطنيها عبر التضامن والعدالة، واستبداله بعقد جديد يقوم على الطاعة والديْن.
▪ نحو أفق بديل: لا يمكن الخروج من هذا المأزق إلا بقطعٍ جذريّ مع المنظومة النيوليبرالية التابعة. ذلك يعني إعادة تعريف الدولة لا بوصفها مديرا للمالية العمومية، بل كأداة لإنتاج الثروة الاجتماعية عبر القطاعات المنتجة: – تأميم القطاعات الإستراتيجية (الطاقة، النقل، المياه)؛ – إصلاح جبائي تقدّمي فعلي يفرض ضريبة تصاعدية على الثروة والدخل؛ – إعادة توجيه النفقات نحو التعليم والصحة والبنية الفلاحية؛ – كسر التبعية لصندوق النقد والمؤسسات الإمبريالية. فالعدالة الاجتماعية ليست مسألة صدقات، بل مسألة قوة طبقية. إما أن تمتلك الدولة أدوات الإنتاج فتوزّعها بعدل، أو تبقى مجرّد وسيط يدير العجز بين من ينتجون ومن ينهبون. مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليس مشروعا لمستقبل أفضل، بل وثيقة لعصر الدولة الرمزية التي تتكلم لغة التضامن وتنفذ سياسات التقشف. إنه يختصر مأساة وطنٍ يملك فائضا من البلاغة ونقصا من العدالة. فحين تتحوّل العدالة إلى شعار، والفقر إلى رقم، والدولة إلى وسيط بين رأس المال والمجتمع، نكون أمام مرحلة جديدة من الاستعمار المالي المغلّف بالوطنية. ولذلك، فإنّ المعركة الحقيقية ليست حول فصول هذا القانون، بل حول من يملك الحق في صياغة الاقتصاد ذاته: هل هو الشعب العامل، أم البيروقراطية المديونة؟ هل الاقتصاد أداة لتحرير الإنسان، أم وسيلة لتكريسه تابعًا للدين الخارجي؟ الجواب لا يوجد في أرقام الميزانية، بل في الشوارع والمصانع والحقول، حيث تصاغ العدالة لا بالكلمات، بل بالعرق والنضال. إن الدولة الاجتماعية لن تعود بنصّ في الجريدة الرسمية، بل بثورة اجتماعية تعيد للشعب ملكية اقتصاده وتاريخه ومستقبله.
الخاتمة :
إنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 ليس مجرد وثيقة مالية أو جدول حسابي لتقدير النفقات والمداخيل، بل هو بيان سياسي صريح يعبّر عن طبيعة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي اختارتها الدولة التونسية في ظلّ نظام التبعية والهيمنة النيوليبرالية. إنه مرآة كاملة للواقع الطبقي المختلّ الذي تعيشه البلاد، حيث تستمرّ السلطة في ترميم جدار الرأسمالية التابعة تحت شعارات “الإصلاح” و“التوازن المالي”، بينما تترك الفقراء والطبقات الوسطى يسحقون تحت وطأة الضرائب، وغلاء المعيشة، وندرة الخدمات الأساسية. إنّ المضمون العميق لهذا المشروع يكشف أنّ الوهم الاجتماعي لم يعد سوى غطاء بلاغي لتسويق سياسات مضادة للشعب. فالحكومة تتحدث عن “عدالة جبائية” و“مساندة للفئات الهشة”، لكنها في الواقع تمضي قدما في تعميق نفس الخيارات القديمة: تحميل الأُجراء عبء العجز المالي، وتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل حتى الفئات الدنيا، مقابل إعفاء كبار المتهربين، والمستثمرين الريعيين، ورجال الأعمال المتحالفين مع البيروقراطية السياسية. إنها إعادة إنتاج لاقتصاد الامتيازات الذي كرّس التفاوت الطبقي لعقود، في حين تقدّم لنا هذه السياسات كـ"ضرورة وطنية" أو "إصلاح مؤلم" لا بدّ منه لإنقاذ المالية العمومية. لكنّ أيّ “إنقاذ” هذا الذي يبنى على خراب السيادة الاجتماعية؟ كيف يمكن لوطنٍ أن ينقذ موازنته بدماء مواطنيه، وأن يحقّق توازنه المالي عبر اختلال اجتماعي شامل؟ الحقيقة أنّ هذا المشروع ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة الإملاءات الدولية الغير معلنة التي يفرضها صندوق النقد والبنك العالمي وشركاؤهما من الدول الإمبريالية، والتي تحوّل تونس إلى مخبر للسياسات النيوليبرالية في شمال إفريقيا. كل بند من بنوده يحمل رائحة “الإصلاح الهيكلي”: من تجميد الانتدابات، إلى رفع الدعم، إلى الخصخصة التدريجية للمؤسسات العمومية. إنها وصفة جاهزة، صيغت في مكاتب واشنطن، وتنفّذ اليوم بيد بيروقراطية محلية فقدت أيّ إحساس بالمسؤولية الاجتماعية أو الوطنية. وهكذا تتحول الدولة الوطنية من إطار سيادة إلى وكيل اقتصادي للاستعمار المالي. فبدل أن تكون أداة لحماية المجتمع، تصبح أداة لتحصيل الضرائب لصالح الدائنين، وبدل أن توزع الثروة، تعيد توزيع الفقر. منطقها لم يعد “الدولة راعية الشعب”، بل “الدولة خادمة السوق”. من هذا المنطلق، يمكن القول إنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 هو بمثابة إعلان رسمي عن موت الدور الاجتماعي للدولة. إذ لا حديث عن سياسات تشغيل فعلية، ولا عن دعم حقيقي للفلاحين الصغار، ولا عن برنامج وطني لإعادة بناء الصناعة أو الحدّ من التوريد العشوائي. بل العكس تماما: تتواصل سياسة التفقير الممنهج التي تجعل من العامل التونسي أرخص يد عاملة في الجنوب المتوسطي، ومن الفلاحة نشاطا ثانويا تابعا لدوائر التوريد والاحتكار الغذائي. إنّ ما يجري هو إعادة هندسة المجتمع من الأعلى، بحيث يعاد رسم حدوده الطبقية بما يخدم مصالح التحالف الجديد بين رأس المال المالي الخارجي والكمبرادور المحلي. هذا التحالف يجد في الخطاب الرسمي ما يبرّره أخلاقيا عبر مفاهيم مثل “الإصلاح”، “العقلنة”، “الحوكمة الرشيدة”، في حين أنّ جوهر هذه المفاهيم ليس سوى الخصخصة المقنّعة وتفكيك القطاع العام وتحويل الفضاء الاجتماعي إلى سوق مفتوح. وإذ تزعم السلطة أنها تدافع عن “الاستقلال المالي”، فإنّ هذا الاستقلال المزعوم يتحوّل إلى تبعية مزدوجة: تبعية للديون من جهة، وللمصالح الجيوسياسية من جهة أخرى. فالدائن لا يمنح قروضه مجانا، بل يفرض مقابلها شروطا سياسية واضحة: من التحكم في المسار الاقتصادي، إلى ضبط السياسات الاجتماعية، إلى التأثير في التوجهات الخارجية للدولة. وهكذا تصبح السيادة الوطنية بندا ثانويا في اتفاقيات القروض. أما الوهم الاجتماعي، فهو لا يقل خطورة. إذ تقدَّم للفقراء بعض المساعدات الظرفية أو المنح الرمزية، بينما تسلب منهم حقوقهم البنيوية في السكن والتعليم والصحة والنقل. إنها سياسة “المسكنات الاجتماعية” التي تخدّر الألم دون علاج المرض، والتي تجعل المواطن يعيش في انتظار “منحة”، بدل أن يعيش في إطار حقّ اجتماعي ثابت يضمن له كرامته. إن هذا المشروع تجسيدا عمليا لتحالف التبعية الطبقية، ويعتبر أنّ الردّ عليه لا يكون بالتنديد الخطابي فحسب، بل ببناء جبهة اجتماعية وسياسية واسعة تعيد طرح السؤال الجذري: لمن تبنى الموازنات؟ ولأيّ طبقة تدار الدولة؟ إنّ النضال اليوم لم يعد تقنيا أو إصلاحيا، بل أصبح صراعا بين من يريدون الحفاظ على تونس كمنطقة نفوذ مالي، ومن يريدون تحويلها إلى وطن منتج مستقلّ وسيّد على قراره. إنّ الخروج من هذه الدوّامة لا يكون إلا بـــقلب المعادلة: -من التقشّف إلى التوزيع العادل للثروة. -من الضرائب غير المباشرة إلى الجباية التصاعدية على رأس المال. -من الديون الخارجية إلى تعبئة الموارد الوطنية ومحاربة الفساد والتهرّب الجبائي. -من الخصخصة إلى استرجاع المؤسسات الاستراتيجية كملكية جماعية للأمة. فالمسألة ليست مالية بحتة، بل سياسية طبقية بامتياز. مشروع قانون المالية هو الميدان الجديد للصراع الطبقي في تونس، حيث تتواجه رؤيتان: +رؤية تسعى إلى تحويل الدولة إلى شركة خاصة، وشعبها إلى زبائن بلا حقوق؛ +ورؤية أخرى تؤمن بأنّ الدولة هي الإطار الجماعي للعدالة الاجتماعية والسيادة الشعبية. وختاما، يمكن القول إنّ مشروع قانون المالية لسنة 2026 هو وثيقة تبعية بامتياز، تحمل في طياتها كلّ معاني الانسلاخ عن المشروع الوطني الاجتماعي الذي حلم به جيل الاستقلال، وتعلن ، بهدوء بيروقراطي ، عن نهاية الدولة الاجتماعية وبداية مرحلة “النيوليبرالية المقنّعة بالقانون”. غير أنّ التاريخ لا يكتب بالأرقام، بل بالمقاومة. فكما قاوم الشعب الاستعمار بالسلاح، سيقاوم اليوم الاستعمار المالي بالو
#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديني و الماركسي في خندق المقاومة وحدود الالتقاء: من طهران
...
-
اتفاق شرم الشيخ: عودة الانتداب بثوب أمريكي – قراءة في مشروع
...
-
غزة والمقاومة: غنيمة التّاريخ وبوصلة الأحرار
-
من -الشعب يريد- إلى -النهضة تقرر- إلى -الرئيس يقرر
-
الأفقية والقاعدية: تفكيك مفاهيمي وتحليل تطبيقي.
-
البناء القاعدي والتسيير الذاتي: بين النظرية، التجارب، والتحو
...
-
السلاح ، المخدرات و الادوية ، اسلحة للثراء و اخضاع الشعوب.
-
تحليل مقتضب للنرجسية الفردية و السّلطة والشعبوية.
-
الاعتراف بالدولة الفلسطينية: خطوة ناقصة في معركة طويلة ضد ال
...
-
الأدب العربي والترجمة: ساحة المقاومة والوعي.
-
الأدب والتكنولوجيا: بين انفتاح النص وقلق المستقبل.
-
نقد الإبداع وإبداع النقد.
-
بقايا الطلائع القديمة: الثورة بين الخطاب والممارسة والخيبة.
-
اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام ا
...
-
قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني
...
-
11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
-
الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر
...
-
رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال
...
-
أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
-
البيروقراطية
المزيد.....
-
بعد مكالمة هاتفية.. ترامب يكشف ما اتفق عليه مع بوتين
-
السودان: من يتحمل مسؤولية المعاناة الإنسانية المتزايدة في ال
...
-
ترامب يطالب حماس بنزع سلاحها، بينما تسعى الحركة لفرض سيطرتها
...
-
باريس تندد بـ-أحكام تعسفية- أصدرها القضاء الإيراني ضد مواطني
...
-
تقدر بنحو 70 مليار دولار.. مباحثات دولية وإقليمية لإعادة إعم
...
-
المخابرات الروسية: بريطانيا وأوكرانيا تستعدان لتخريب أنابيب
...
-
إعلان قطاع غزة منطقة منكوبة و70 مليون طن من الركام
-
حرب لبنان وآثار -كوميدي- الفرعونية: بين التدمير الإسرائيلي و
...
-
غارديان: هل يمكن مقارنة الحرب على غزة باجتياح لبنان عام 82؟
...
-
تفاصيل اتصال ترامب ببوتين عشية استقباله لزيلينسكي
المزيد.....
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
المزيد.....
|