أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي














المزيد.....

أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 08:18
المحور: الادب والفن
    


أحياناً يسكن الإنسان نقيضاه في اللحظة نفسها، كأن روحه ساحة تتقاطع فيها النار بالثلج دون أن يذوب أحدهما أو ينتصر الآخر. شيء يشبه وجود بركان يتنفس تحت الجلد، يتقد بشهوة الحياة، يثور على الصمت، يريد أن يقول كل ما أُخفي، وفي الوقت نفسه جليدٌ كثيف يكسو القلب بطبقاته الهادئة، يُعلّم صاحبه أن يتماسك، أن يبتلع صرخاته، وأن يواجه العالم بوجهٍ بارد لا يشي بما يدور في الأعماق.
هذا الازدواج الغريب ليس ضعفاً، بل تجربة وجودية يعيشها كل من تعلّم الحياة بالطريقة الصعبة. فالذي ذاق الخيبات يعرف كيف يشتعل قلبه غضباً وحنيناً وشوقاً، لكنه يتجمّد خارجياً حتى لا يُرى ضعيفاً. والإنسان الذي عرف الحب حتى حدود الإدمان، ثم فقده، يبقى محتفظاً بجمره الداخلي، لكنه يتظاهر بالبرود كي لا ينهار في لحظة واحدة.
إن وجود بركان وجليد في شخص واحد يعني أنك حملت أكثر مما كان يجب، وأنك خضت حروباً في داخلك قبل أن تحارب أحداً خارجه. وهو يعني أيضاً أنك لا تريد أن تُؤذي. لذلك تبقى نارك حبيسة صدرك، وجليدك حارساً يمنع الآخرين من الاقتراب أكثر مما يجب.
هذا التناقض يخلق نوعاً من الجمال الموجوع. فالنار تُعلّمك الشغف، وتذكّرك أنك ما زلت قادراً على الحب والدهشة .. والدهشة الثانية بعد كل سقوط. أما الجليد، فهو يمنحك حكمة الخسارات، ويجعلك تعرف حدودك وحدود الآخرين، وتعيد ترتيب قلبك بطريقة لا تسمح بانكسارات مجانية.
بعض الناس يرونك صامتاً فيظنون أنك جامد، ولا يعرفون أن حولك ضجيجاً لو نطق لاهتزت الأرض. وبعضهم يلمح في عينيك جمراً خافتاً فيظن أن فيك قسوة، وهم لا يدركون أنك أطفأت نصفك كي تُبقي نصفك الآخر حيّاً.
إن أصعب ما في هذا المزيج هو أنك لا تستطيع أن تكون بارداً تماماً ولا مشتعلاً بالكامل. تظلّ معلّقاً بين حالة وأخرى، تتقلّب مثل لوحة سريالية لا يستطيع أحد تفسيرها. لكنك، رغم كل التناقضات، تعرف حقيقتك جيداً .. أنت تحاول النجاة.
ربما لا يفهمك كثيرون، وربما لن يقترب إليك إلا من يشبهك، ذلك الذي يعرف معنى أن يكون القلب غرفة فيها نار وجليد، وأن يبقى الإنسان رغم ذلك قادراً على الحب… ولو من بعيد، وقادراً على الصمت… ولو كان يصرخ من الداخل.
وفي النهاية، أنت لست مضطراً لتفسير هذا الخليط لأحد. يكفي أنك تعرف كيف تشعل طريقك حين ينطفئ كل شيء، وكيف تبرد حين تحرقك الحياة أكثر مما يجب. أنت صنيعة البركان الذي لا يخمد، والجليد الذي لا يذوب، وهذا وحده كافٍ ليجعلك إنساناً أكثر عمقاً مما يظنه العالم.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمال الموت
- أجمل المحطات
- دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة
- جريح الثقة لا يُشفى
- لا تمنح الحقيقة كاملة .. انهم لن يفهموك !!
- بين الثائر والطاغي شعرة
- لقد كانت معركة عظيمة كلفتني قلبًا بأكمله
- ظل الآخر
- قلب مسافر عاشق
- رحيل في منتصف الطريق
- السيادة.. ليست علماً يرفرف ولا نشيداً يصدح
- خرابٌ تحت قبّة الجامعة: حين يتحوّل الجهل إلى لقبٍ أكاديمي
- عندما تتحوّل الكتابة إلى مطرقة لا ترحم
- الكتابة واشكالية المتلقي
- في المسافة بين إنسانيتهم… و ( انسانيتنا )
- حين يفقد الوطن كرامته
- من قال إن الزمن يشفي؟
- امرأة بين السطور
- حين تتحول العقول الى سجون
- في جامعاتنا .. ثقافة مشتعلة خلف أبواب مغلقة


المزيد.....




- شذى سالم: المسرح العراقي اثبت جدارة في ايام قرطاج
- الفنان سامح حسين يوضح حقيقة انضمامه لهيئة التدريس بجامعة مصر ...
- الغناء ليس للمتعة فقط… تعرف على فوائده الصحية الفريدة
- صَرَخَاتٌ تَرْتَدِيهَا أسْئِلَةْ 
- فيلم -خلف أشجار النخيل- يثير جدلا بالمغرب بسبب -مشاهد حميمية ...
- يسرا في مراكش.. وحديث عن تجربة فنية ناهزت 5 عقود
- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- أول متحف عربي مكرّس لتخليد إرث الفنان مقبول فدا حسين
- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافت ...
- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي