أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أميركا بعد حرب غزة















المزيد.....

طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أميركا بعد حرب غزة


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 07:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي

2 ديسمبر 2025

كان ذلك يحدث بصمت أول الأمر؛ كأنّ ماكينات السياسة في واشنطن بدأت تفقد دقّتها القديمة. الوجوه نفسها التي إعتادت التصفيق لإسرائيل بلا تردّد، صارت تتردّد. والعبارة التي كانت تُقال بثقة — «إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» — صارت تلفظها الألسن بحرج، كما لو أنّ الزمن تجاوزها.
ثم جاءت غزة.
وجاءت الصور.
وجاءت الأرقام التي لا يتسع لها القلب: المجاعة، الأطفال الذين إختفوا تحت الركام، الطوابير أمام الصيدليات المقفرة، وأحلام مدينة تُقصف ببطء ولؤم.
هنا، إهتزّ شيء عميق في الضمير الأميركي.
شيء كان صامتًا طويلاً… فأفاق.
وبين أنقاض قطاع صغير يُطوَّق كما تُطوَّق الحقيقة، بدأت تنهار واحدة من أقوى الأساطير في واشنطن: أسطورة AIPAC — ذلك العملاق الذي كان يستطيع أن يقرر مصير سياسيّ بين فجر وغروب.

أول الفصول: رسائل الكونغرس… وشقوقٌ في جدار مقدّس

لم تكن رسالتي الكونغرس المتعارضتين مجرد بيانين متناقضين. كانتا أشبه بتصدعيْن في جدار ظلّ لعقود رمزًا لصلابة التحالف الأميركي–الإسرائيلي.
كتب ميتشيل بليتنيك، بقلم هادئ يشبه مشرط الجراح: «للمرة الأولى، يتجرأ أعضاء في الكونغرس على توقيع رسالة تنتقد إسرائيل بينما لا يخشون إنتقام AIPAC.»
كانت هذه الجملة في أميركا أشبه بوثيقة ميلاد جديدة.
فالخوف من AIPAC لم يكن خوفًا سياسيًا فحسب، بل خوفًا وجوديًا.
واليوم، بدأ يتبخر.

ثاني الفصول: الديمقراطيون يتنصلون… كأنهم يخلعون جلدًا قديمًا

في أكتوبر 2025، كتب مايكل آريا تقريره الذي هزّ واشنطن: إن AIPAC قد أصبحت سامّة سياسيًا».
تعبير لا يجرؤ مسؤول واحد على قوله قبل سنوات قليلة.
لكن آريا، الذي يكتب بنبرة الصحافة التي لا تزال تؤمن بأن الكلمات تستطيع أن تُحدث ثقبًا في الجدار، لاحظ أن أول من تخلى عن AIPAC لم يكونوا التقدميين.
بل الوسطيون.
أولئك الذين يفضلون عادةً الدفء الرمادي لا الضوء الفاقع.
«لم تعد علاقة المرشح بـ AIPAC سببًا للطمأنينة، بل مصدرًا للقلق. إنها لحظة إنقلاب في الحسابات الإنتخابية.»، - أضاف آريا.
تبدو الجملة كأنها قادمة من زمن آخر، زمن تتغيّر فيه القناعات العامة كما يتغيّر مسار الريح.

ثالث الفصول: غزة… المرآة التي تكسرت فيها الرواية

غزة لم تكن حربًا. كانت إمتحانًا أخلاقيًا.
أمام ملايين الشاشات، ظهر ما لا يمكن تبييضه ولا يمكن تغطيته بخطاب عن «الأمن».
صور الأطفال المبتورين والأحياء الجائعة لم تعد مجرّد صور؛ أصبحت مذكرة إتهام حُفرت في الوعي الأميركي.
وهكذا كتبت صحفية شابة في ميشيغان على حسابها: «لقد خسرنا جزءًا من إنسانيتنا حين صمتنا».
وفي إستطلاعات الرأي، بدأ الإنقلاب: الأغلبية الساحقة من شباب أميركا — بما في ذلك اليهود — صارت على الضدّ من الرواية التقليدية.
لم تستطع AIPAC أن تحارب هذه الصور.
لم يصلح المال.
ولا المؤتمرات.
ولا الخطب التي تشيخ قبل أن تُكتب.
كانت غزة — ببساطة — حدثًا كشف ما لا يُكشف.

رابع الفصول: المال الأسود… آخر المحاربين على جبهة الماضي

عندما شعرت AIPAC بإرتخاء قبضتها السياسية، أطلقت ذراعها الأكثر فتكًا: لجنة العمل الديمقراطي UDP*— تلك الآلة الهائلة التي تُغرق الإنتخابات بالمال، وتُسقط كل مرشح “يجرؤ” على نقد إسرائيل.
لكن المفارقة أنّ هذه القوة صارت فضيحة بحدّ ذاتها.
كتب آريا: «لقد أصبحت أموال UDP مرادفًا لمحاولة خنق الديمقراطية داخل الحزب الديمقراطي.»
وفي فرنسا يسمّون هذا النوع من النفوذ «l’argent qui parle trop» — المال الذي يتكلم بعلوّ صوتٍ، فيكشف نفسه.

خامس الفصول: الأصوات التي كسرت الطوق

لم يسقط جدار الصمت من الداخل فقط.
سقط أيضًا لأن أصواتًا كبرى في الفكر والإعلام قررت أن الوقت حان لكسر الإستثناء الأميركي.

تاكر كارلسون
النجم اليميني الذي لم يتردد في القول: «أميركا ليست مقاول دفاع عن حكومة أجنبية.»
صدى عبارته إنتشر في القواعد الإنتخابية الجمهورية، حتى تلك التي كانت تعتبر دعم إسرائيل من ثوابت الإيمان السياسي.

جون ميرشايمر
عاد الرجل الذي كُفّرت أفكاره عام 2007 ليقول بوضوح: «إسرائيل لم تعد حليفًا إستراتيجيًا. إنها عبء».
كلمات ثقيلة تسقط في قلب مؤسسة الأمن القومي الأميركي.

جيفري ساكس
ذلك الصوت اليهودي الأميركي الذي كتب: «الشعب اليهودي أكبر من أن يُختزل في AIPAC.»
بهذه الجملة، أصبح ساكس رمزًا لجيل يهودي جديد لا يعتبر إنتقاد إسرائيل خيانة للهوية.


سادس الفصول: ممداني في البيت الأبيض — حين تعبر الفكرة عتبة السلطة

لحظة تاريخية لم ينتبه إليها العالم كما يجب:
ممداني بعد فوزه في نيويورك— المفكر الذي بنى أطروحته على نقد المشاريع الإستعمارية — يدخل البيت الأبيض ليلتقي دونالد ترامب.
هو مشهد يكسر قواعد اللعبة: أكاديمي يصف الصهيونية بأنها «مشروع إحلالي»، يجلس مع رئيس أميركي من الطراز الذي طالما إحتفى بإسرائيل.
كان اللقاء إشارة إلى شيء أعمق: الفكرة التي كانت هامشية، صارت الآن موضع نقاش في أعلى دوائر السلطة.

الفصل السابع: AIPAC… الجسد الذي يبحث عن ظلّ

لم تفقد AIPAC المال.
ولم تفقد شبكاتها.
لكنها فقدت عنصرًا واحدًا لا يُعوَّض: الخوف منها.
تقول إحدى العبارات التي إقتبسها آريا: «AIPACقوية… لكنها لم تعد مُرهِبة».
والقوة التي لا تُرهب، في لغة السياسة الأميركية، قوةٌ تبدأ في الذبول.

الفصل الأخير: النهاية التي لا أحد تجرّأ على تخيّلها

حين نقرأ اليوم مقالات بليتنيك وآريا، نشعر وكأنهما يكتبان عن نهاية عصر.
لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا:
إنهما يصفان نهاية نوع من الصمت، لا أكثر.
ففي بلد يعتزّ بقدرته على إعادة كتابة نفسه، لا يبقى شيء ثابتًا إلى الأبد.
لقد عاشت AIPAC سبعين عامًا في قلب السلطة، مستعدة لتأديب أي صوت شاذ.
لكنّ غزة — تلك البقعة الصغيرة التي لا تُرى على خريطة الإمبراطوريات —
هزّت هذا البناء العتيق.
اليوم، السؤال الذي كان محرّمًا أصبح متاحًا: هل العلاقة مع إسرائيل ما زالت مصلحة أميركية؟
وهذا وحده كافٍ لنعرف أن المعبد بدأ يتصدّع…
وأن صمتًا جديدًا يولد،
صمتًا سيكون أكثر صخبًا من كل الهتافات القديمة.
*****

المراجع الأساسية

1. Mitchell Plitnick, “AIPAC’s and Israel’s influence is falling in Congress, two opposing letters show just how much”, Mondoweiss, 1 October 2025.

2. Michael Arria, “AIPAC has become so politically toxic that even centrist Democrats are abandoning the group”, Mondoweiss, 22 October 2025.

3. Michael Arria, “AIPAC is suddenly a political liability. Is the Israel lobby in trouble?”, Mondoweiss, 12 November 2025

*****
هوامش


1) ميتشيل بليتنيك Mitchell Plitnick
سياسي وكاتب أميركي مهتم بالسياسة الخارجية الأميركية وقضية فلسطين؛ وهو رئيس «ReThinking Foreign Policy»، وعمل سابقًا نائب رئيس «Foundation for Middle East Peace» ومدير مكتب «B Tselem» في الولايات المتحدة، كما كان قد شارك في قيادة «Jewish Voice for Peace».


2) ميشيل أريا Michael Arria
مراسل أميركي ومحلّل سياسي، ويعمل كـ “U.S. correspondent” لموقع Mondoweiss.
تُنشر مقالاته في منصات عدة (مثل Truthout وThe Intercept وIn These Times)، وهو مؤلف كتاب Medium Blue: The Politics of MSNBC.

3) موندوفايس Mondoweiss
موقع إخباري وتحليلي أميركي مستقل يركّز على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وخاصة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ويقدم تغطية نقدية للسياسات الأميركية تجاه إسرائيل.
تأسس الموقع في 2006 على يد الصحافي Philip Weiss، ويشتهر بمقالاته التحليلية المستفيضة والتقارير الميدانية، مع التركيز على حقوق الفلسطينيين والمجتمع اليهودي المناهض للاحتلال.

4) مشروع الديمقراطية المتحدة
UDP – United Democracy Project
هي لجنة عمل سياسي Super PAC أنشأها AIPAC عام 2021 لتمويل الحملات الانتخابية مباشرة، وهدفها الأساسي هو هزيمة المرشحين المنتقدين لإسرائيل ودعم من ينسجمون مع أجندة اللوبي.
أصبحت خلال انتخابات 2022–2024 واحدة من أكبر جهات الإنفاق السياسي في الولايات المتحدة.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 786 - في المسألة الكردية: تنازع النفوذ بين الأح ...
- ألكسندر دوغين - «خطة السلام ذات النقاط الثماني والعشرين… تُغ ...
- طوفان الأقصى 785 - السعودية في موقع الحليف الأول؟ قراءة في ا ...
- طوفان الأقصى 784 - سوريا بين تفكّك السلطة وإعادة إنتاجها
- طوفان الأقصى 783 - ألمانيا تفتح أبوابها لحميرٍ من غزة… وتغلق ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا - ملف خاص - الجزء 6
- طوفان الأقصى 782 - أحمد الشرع بين السرديات الروسية والتركية ...
- خطة ترامب للسلام في أوكرانيا – ملف خاص – الجزء 5
- طوفان الأقصى 781 - ترامب – إبن سلمان: تحالف القوة والمال… وص ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 4
- طوفان الأقصى 780 - غزة… والولايات المتحدة… وإسرائيل: حين تصط ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص -3
- طوفان الأقصى 779 - فلسطين: الذاكرة التي لا تنام - حين يصبح ا ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 2
- طوفان الأقصى 778 – العراق بعد الإنتخابات – صراع النفوذ وتواز ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا - ملف خاص - 1
- ألكسندر دوغين - تصاعد الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات ال ...
- ألكسندر دوغين - ماغا MAGA والصليب في زمن “السلام الكاذب”
- طوفان الأقصى 776 - واشنطن – تل أبيب: ترامب يطلب العفو عن نتن ...
- طوفان الأقصى 775 - غزة بين الخطة الأمريكية والإعتراضات الإقل ...


المزيد.....




- كيف تلتقط صورة مميزة للقمر العملاق بهاتفك؟
- المعارض التونسي جوهر بن مبارك يعلق إضرابه عن الطعام
- بوتين زار الجبهة.. القوات الروسية تسيطر على بوكروفسك
- الاتحاد الأوروبي يمنح كندا حق المشاركة في برنامج التمويل الد ...
- مصادر تكشف: ترامب رفض شروط مادورو للخروج الآمن من فنزويلا
- إدارة ترامب لم تشارك في إحياء اليوم العالمي للإيدز.. ومسؤول ...
- وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية توصي بـ-فرض حظر سفر كامل على ك ...
- مع اقتراب -عام الانتخابات- في إسرائيل.. حكومة نتنياهو تستهدف ...
- روسيا تعلن الاستيلاء على مدينتين أوكرانيتين استراتيجيتين، وز ...
- واشنطن تبدي تفاؤلا بإنهاء الحرب في أوكرانيا وروسيا تحقق أكبر ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - طوفان الأقصى 787 - حين يتصدّع المعبد: حكاية تراجع AIPAC في أميركا بعد حرب غزة