أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - احمد صالح سلوم - من أنبوب كولن باول إلى أنابيب غاز ترامب: نفس النكتة،















المزيد.....


من أنبوب كولن باول إلى أنابيب غاز ترامب: نفس النكتة،


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 01:07
المحور: كتابات ساخرة
    


قرار ٢٨٠٣: عندما يُسلم مجلس الأمن غزة لجلادها


قرار مجلس الأمن الدولي بتشكيل مجلس سلام برئاسة دونالد ترامب يمثل ظاهرة تكشف عن تناقضات العصر و أشباح التاريخ . هذا القرار، الذي يحمل رقم 2803 وصدر في نوفمبر 2025، يُقدم كخطوة نحو السلام في غزة، لكنه في جوهره يعيد إنتاج نموذج الاحتلال المقنع، مستذكراً تلك اللحظات التاريخية التي شهدت فيها الأمم المتحدة تحولاً إلى أداة للهيمنة الإمبريالية. إن تشكيل "مجلس السلام" هذا، أو "Board of Peace" كما يُسمى في النصوص الرسمية، برئاسة رجل يُوصف في أوساط كثيرة بأنه مجرم إبادة جماعية، ليس سوى فصل جديد في مسرحية الاستعمار الحديث، حيث يُستخدم السلام كغطاء للنهب والسيطرة. دعونا نغوص في أعماق هذا القرار، مستلهمين دروس التاريخ لنفهم كيف يتحول الوعد بالسلام إلى سلاح للدمار. يعود بنا الذاكرة إلى عام 2003، عندما فوض مجلس الأمن الإدارة الأمريكية باحتلال العراق تحت ذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل غير موجودة. كان ذلك الوقت يشهد ضعفاً روسياً مؤقتاً، وتردداً صينياً، مما سمح للولايات المتحدة بأن تمضي في مشروعها الاستعماري، هدفه السيطرة على أسعار النفط لتقييد نمو الصين والهند، وإضعاف روسيا من خلال خفض عوائد الطاقة. كما كان احتلال أفغانستان جزءاً من الاستراتيجية ذاتها، لمنع أي تقارب استراتيجي بين الهند والصين وروسيا، وإثارة القلاقل قرب حدود هذه الدول، بالإضافة إلى السيطرة على نفط آسيا الوسطى. لكن المقاومة الشعبية في العراق وأفغانستان حوّلت ذلك القرار إلى كارثة للإمبراطورية الأمريكية، مما أدى إلى تدمير ممنهج لقوتها العسكرية والاقتصادية. اليوم، نرى آثار ذلك الضعف في عجز الجيش الأمريكي عن خوض حروب مباشرة، مفضلاً استخدام بيادق مثل فولوديمير زيلينسكي في أوكرانيا وبنيامين نتنياهو في فلسطين. في أوكرانيا، دُمر الجيش إلى حد الانهيار، مع خسائر تصل إلى مليوني قتيل وجريح، ووصول البلاد إلى مرحلة التقسيم الفعلي. أما في فلسطين، فقد أصبح جيش الكيان الصهيوني عاجزاً عن خوض حرب برية حقيقية، مكتفياً بالقصف الجوي الذي لا يغير المعادلات الاستراتيجية، بل يعمق الكراهية والمقاومة. هذا القرار الجديد، الذي يُقدم كـ"خطة شاملة لإنهاء الصراع في غزة"، يعيد إحياء تلك الذكريات المرة. فمجلس السلام برئاسة ترامب ليس سوى هيئة احتلال مقنعة، تهدف إلى السيطرة على غاز غزة، الذي يُعتقد أنه يحتوي على احتياطيات هائلة، ليس لصالح نتنياهو وحده، بل لعصابة ترامب وشركائه. يتوهم ترامب أن هذا سيمنحه نفوذاً اقتصادياً، غافلاً عن أنه يزرع قنابل متفجرة داخل البيت الأبيض والمجتمع الأمريكي نفسه. فالتغييرات الهيكلية في شكل السلطة الأمريكية بدأت تظهر، كما في انتخاب عمدة نيويورك الشيوعي المناهض للكيان الصهيوني وللمجرمين في البيت الأبيض، والذي يتحدى نفوذ العائلات المالية الكبرى مثل بلاك روك وفانغارد..أظهرت دراسة نشرتها جامعة كامبريدج عام 2017 (وحدثت في تقارير لاحقة حتى 2025) أن الثلاثة الكبار (BlackRock، Vanguard، State Street) يُشكلون أكبر مساهم فردي في 88% من شركات مؤشر S&P 500 (أكبر 500 شركة أمريكية). في أوروبا، يمتلكون حصصاً كبيرة في حوالي 90% من الشركات الكبرى، خاصة في قطاعات مثل الطاقة والتكنولوجيا، من خلال صناديق الاستثمار السلبي التي تجذب 82% من الاستثمارات الجديدة في العقد الماضي.
. إن هذا القرار، الذي حصل على 13 صوتاً مؤيداً وامتناع روسيا والصين عن التصويت، يعكس توازناً دولياً جديداً، حيث لم تعد الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها دون تنازلات. لكنه في الوقت نفسه يعيد إنتاج نموذج النهب الذي شهدناه في العراق، حيث نُهب البنك المركزي واستفادت شركات اللوبيات الأمريكية، لكن النتيجة كانت خسارة استراتيجية لأمريكا، وصعود الصين وروسيا والهند. خلال فترة الاستنزاف الأمريكي في العراق وأفغانستان، تحولت الصين إلى المصدر الأول في العالم، مطيحة بصناعات مثل السيارات حتى في قلب الدول الرائدة. اليوم، في غزة، ستكون المقاومة هي الفيصل. فأم المقاومة في غزة لن تموت، وأي جهة تسلم سلاحها سيتخلى عنها الشعب الفلسطيني، كما تخلى عن فتح، ليعطي ولاءه للمقاومين الحقيقيين مهما تغيرت مسمياتهم. إن محميات الخليج الصهيونية الأمريكية تنازع اليوم، وتتعرى من أكاذيبها أمام الشعوب العربية، تماماً كما تعرت مقاولات السي آي إيه مثل أردوغان. الشعوب ليست غبية، تميز بين الأقوال والأفعال، وترفض الخضوع لخيالات النهب الاستعماري. قرار مجلس الأمن لا يساوي حبر الطابعة التي طبع بها، فالمقاومة الشعبية هي من تقرر أشكال الأمن الدولي. نرى اليوم سورية تحولت إلى جبهة مقاومة أشد شراسة بعد عمليات مثل بيت جن، واليمن وإيران أقوى بدعم روسي وصيني، بعد أن أثبتتا قدرتهما على تغيير معادلات الهيمنة. كما أصبحت مقاومة لبنان أقوى، ومقاومات أخرى قادمة من جهات غير متوقعة، بما في ذلك تصفية المحميات الخليجية. في هذا السياق، يبرز قرار مجلس الأمن كمحاولة يائسة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لكنه يتجاهل ديناميكيات الشعوب. الخطة الشاملة التي أعلنها ترامب في 29 سبتمبر 2025، بالتنسيق مع نتنياهو، تتضمن مراحل تؤدي إلى نزع سلاح حماس وإنشاء قوة استقرار دولية من دول إسلامية، لكنها في الواقع تمنح إسرائيل سيطرة غير مباشرة على غزة. هذا يذكرنا بكيف حوّلت المقاومة قرارات سابقة إلى فخاخ للقوى الاستعمارية. إن تاريخ المنطقة مليء بأمثلة على فشل مثل هذه المشاريع، من احتلال العراق الذي أدى إلى صعود إيران كقوة إقليمية، إلى أفغانستان التي عادت إلى طالبان بعد عقود من الاحتلال. اليوم، في غزة، ستكون المقاومة الفلسطينية هي الرد الحاسم، مدعومة بشعوب عربية ترفض الخنوع. قرار ترامب يزرع بذور تفككه الخاص، فالغاز الذي يطمع فيه لن يكون سوى شرارة لثورات جديدة. في أعماق التاريخ، حيث تتشكل مصائر الأمم، يظهر هذا القرار كدليل على ترنح الإمبراطورية الأمريكية، التي فقدت قدرتها على السيطرة المباشرة، مفضلة الاعتماد على وكلاء ينهارون واحداً تلو الآخر. إن السلام الحقيقي لا يأتي من قرارات مجلس أمن يسيطر عليه الغرب، بل من إرادة الشعوب التي تقاوم الاستعمار. ومع ذلك، يستمر القرار في إثارة الجدل، فهو يعكس تحولاً في التوازنات الدولية، حيث امتنعت روسيا والصين عن التصويت، مما يشير إلى عدم رغبتهما في مواجهة مباشرة، لكنهما في الوقت نفسه يدعمان محور المقاومة بشكل غير مباشر. هذا الامتناع ليس ضعفاً، بل استراتيجية تسمح لهما باستغلال الاستنزاف الأمريكي. في غزة، حيث يستمر القصف رغم الهدنة الهشة، يصبح مجلس السلام أداة لتقسيم القطاع إلى مناطق خضراء تحت سيطرة إسرائيلية ومناطق حمراء للفلسطينيين النازحين، مما يعزز استراتيجية التقسيم والسرقة للأرض. هذا النموذج ليس جديداً، فهو يعيد إحياء اتفاقيات التقسيم البريطانية القديمة، لكنه اليوم يواجه مقاومة أكثر تنظيماً ودعماً دولياً. إن ترامب، بصفته رئيساً لمجلس السلام، يُقدم كبطل للسلام، لكنه في الواقع يمثل استمراراً لسياسات الإبادة والنهب. اتهامات الإبادة الجماعية التي تلاحقه، خاصة في سياق دعمه غير المحدود لإسرائيل، تجعله شخصية مثيرة للجدل، غير قادرة على بناء سلام حقيقي. بدلاً من ذلك، سيعمق هذا المجلس الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي نفسه، حيث يزداد الوعي بين الشباب والأقليات ضد السياسات الاستعمارية. الانتخابات المحلية في الولايات المتحدة، مثل انتخاب عمدة نيويورك المناهض للصهيونية، تشير إلى بداية تغيير جذري. على الصعيد الإقليمي، تحولت سورية إلى جبهة مقاومة أقوى، مع عمليات ناجحة ضد القوات المدعومة أمريكياً، بينما أصبح اليمن قوة قادرة على تعطيل الملاحة الدولية، مدعوماً بتكنولوجيا إيرانية ودبلوماسية روسية صينية. هذه التطورات تجعل قرار مجلس الأمن غير قابل للتنفيذ، فهو يتجاهل واقع المقاومة الذي يشكل المعادلات الجديدة. في لبنان، تعززت قدرات حزب الله، مما يجعل أي محاولة لنزع السلاح مستحيلة دون حرب شاملة، وهي حرب لا تستطيع إسرائيل خوضها بعد خسائرها في غزة. كما أن مقاومات جديدة تلوح في الأفق، من العراق إلى الأردن، وحتى داخل المحميات الخليجية التي تواجه اضطرابات داخلية بسبب دعمها للكيان الصهيوني. إن هذا القرار، رغم ادعائه السلام، هو في الواقع إعلان حرب على الشعوب، لكنه سيفشل كما فشلت قرارات سابقة. التاريخ يعلمنا أن المقاومة تحول الضعف إلى قوة، والاحتلال إلى انهيار. في ختام هذه المقالة، يجب أن نتذكر أن السلام الحقيقي يأتي من العدالة، لا من قرارات تُملى من أعلى. قرار مجلس الأمن بتشكيل مجلس سلام برئاسة ترامب هو مجرد حلقة في سلسلة الخداع الاستعماري، لكنه سيكون بداية النهاية لهيمنة تتآكل يوماً بعد يوم. الشعوب ستكتب التاريخ، لا مجالس الأمن. ومع استمرار المقاومة، ستنهار أوهام النهب، تاركة وراءها عالماً أكثر عدلاً. لكن لنعمق النظر أكثر، فالخطة الترامبية تتكون من 20 نقطة، تبدأ بهدنة فورية وإطلاق سراح الرهائن، ثم تنتقل إلى نزع السلاح وإعادة الإعمار تحت إشراف دولي. لكن هذه النقاط تخفي نوايا السيطرة على الموارد، خاصة الغاز الطبيعي في غزة، الذي يُقدر بتريليونات الدولارات. هذا الطمع هو الدافع الحقيقي، كما كان في العراق. والرد سيكون مقاومة شعبية تحول الخطة إلى فخ لأمريكا. في السياق الاقتصادي، أدى الاستنزاف في الحروب السابقة إلى صعود الصين كقوة اقتصادية، وستكرر غزة ذلك. الصين اليوم تتحكم في سلاسل التوريد العالمية، والولايات المتحدة تفقد نفوذها. قرار مجلس الأمن سيسرع هذا الانهيار، فهو يعزل أمريكا عن حلفائها التقليديين. أوروبا، على سبيل المثال، مستبعدة من المجلس، مما يعكس تراجع دورها. روسيا والصين، بدورهما، يستفيدان من الوضع، مدعمتين محور المقاومة. في إيران، تعززت القدرات الصاروخية، واليمن يسيطر على مضيق باب المندب، مما يهدد التجارة العالمية. هذه العناصر تجعل القرار غير فعال. داخل فلسطين، ستستمر المقاومة، فالشعب يرفض أي سلطة تتعاون مع الاحتلال. حماس وغيرها ستتحول، لكن الروح المقاومة تبقى. محميات الخليج تواجه ثورات داخلية، فشعوبها ترفض التحالف مع الصهيونية. أردوغان، كمثال، كشف كونه وكيلاً للسي آي إيه، وفقد مصداقيته. الشعوب العربية تيقظت، وستقلب المعادلات. قرار مجلس الأمن، إذن، هو وهم، والحقيقة في الميدان. المستقبل للمقاومة، لا للاستعمار. ومع ذلك، يستمر الجدل حول شرعية القرار، فهو ينتهك مبادئ القانون الدولي بفرض هيئة احتلال. المنظمات الحقوقية تندد به، معتبرة إياه تواطؤاً في الإبادة. في الولايات المتحدة، تزداد الاحتجاجات ضد ترامب، خاصة بين الشباب. هذا القرار سيفجر تناقضات داخلية، مسرعاً سقوط النظام. في الختام، قرار مجلس الأمن ليس نهاية الصراع، بل بداية مرحلة جديدة من المقاومة، ستغير وجه العالم.



…….


المادة الساخرة :


من أنبوب كولن باول إلى أنابيب غاز ترامب: النكتة نفسها، نسخة مُحدَّثة


كيف يمكن أن نصف ، كوميديا، القرار الأعجوبة ٢٨٠٣ ، الصادر عن مجلس الأمن ؟ أنه ، لحظةٍ كونيةٍ لا يُضاهيها إلا مشهدٌ من مسرحيات أريستوفانيس وقد أُعيد إخراجه بيدي تشارلي تشابلن وهو سكران، وكأن موليير نفسه قد نبش قبره ليصرخ: «يا إله الكوميديا، ما أبدع هذا العبث!»، أصدر مجلس الأمن الدولي، ذلك النادي الراقي الذي يجتمع فيه خمسة أمراء دائمين يملكون الفيتو وآخرون مؤقتون يملكون حق التصفيق الحار، قراراً يُعدّ قمة الفن الرفيع في فنّ «الكوميديا السوداء المُطلقة»، قرارٌ رقمه ٢٨٠٣، عنوانه الرسمي «إنشاء مجلس سلام دولي لإنقاذ غزة وإعمارها»، وعنوانه الشعبي المتداول في الخفاء: «ترامب يفتتح فرع مار-أو-لاغو على شاطئ البحر المتوسط والفاتورة على حسابكم يا عرب».

تخيّلوا المشهد أيها السادة كأنكم تشاهدون فيلماً هوليوودياً من إنتاج الأيام السوداء: يقتحم دونالد جون ترامب قاعة الجمعية العامة مرتدياً رداءً رومانياً ذهبياً، وعلى رأسه إكليلٌ من أوراق الدولار المقدّدة، وفي يده مضرب غولف من البلاتين النقي، وخلفه جاريد كوشنر يحمل خريطةً هائلةً مكتوب عليها بخطٍّ ذهبيّ «غزة الجديدة: أجمل منتجع في الشرق الأوسط بعد دبي»، وفي الخلفية يقف بنيامين نتنياهو يبتسم ابتسامةً أوسع من شارع روتشيلد، ثم يرفع ترامب يده ويهتف بصوته الذي يشبه بوق فيلٍ مصاب بالزكام المزمن: «يا جماعة! أنا هأحلّ المشكلة دي في يومين، يومين بس! هنعمل صفقة كبيرة أوي، أكبر من صفقة القرن، هنسميها صفقة الفقرتواي! يعني إيه فقرتواي؟ يعني الفلسطينيين يفقروا وإحنا نتواي! هههههه! أنا عبقري، مش كده؟».

ثم يلتفت إلى نتنياهو ويغمز له قائلاً: «يا بيبي، خلّي القصف مكمّل شوية كمان، لازم ننظّف الأرض زي الفل عشان البناء يطلع شيك، ومتقلقش، هأجيبلك مقاولين من نيوجيرسي، دول بيهدّوا ويبنوا في نفس الثانية، وهياخدوا فلوسهم من المساعدات الأمريكية، يعني الفلسطينيين هما اللي هيدفعوا فاتورة هدم بيوتهم، صفقة عادلة مية في المية!».

وكان أعضاء مجلس الأمن في قمة النشوة الكوميدية: بريطانيا رفعت يدها وقالت بلهجة أرستقراطية: «نحن نؤيد القرار لأننا نثق بتجربة ترامب في بناء الجدران، هو بنى جداراً مع المكسيك… تقريباً… كان هيبنيه لو دفع المكسيكيون». فرنسا أضافت بأناقة باريسية: «نحن مع السلام، خاصة إذا كان يُقدَّم مع كرواسون وقصف جوي». أما الدول الإفريقية الثلاث فصوّتت بنعم لأن أحدهم كان نائماً، والثاني يلعب «كاندي كراش ليفل ٨٧٦٥»، والثالث ظنّ أن كلمة «غاز» تعني أنهم سيحصلون على بوتاجازات مجانية.

وامتنعت روسيا والصين عن التصويت بأدبٍ آسيويٍّ رفيع، وهما تتبادلان الابتسامات الماكرة وتتناولان الشاي الأخضر والفشار، لأنهما تعلمان أن كل قرار من هذا النوع هدية مجانية: كلما غرقت أمريكا في مستنقع جديد، ازدادت الصين تصنيعاً وازدادت روسيا بيعاً للغاز لأوروبا التي اكتشفت فجأة أن «نورد ستريم» كان أرخص بكثير من «حرية الغاز» الأمريكي الذي يأتي في سفن تُكلّف الضعف وتنفجر أحياناً لأسباب غامضة جداً.

ولأن التاريخ يعشق إعادة تمثيل نكاته بنفس الطريقة التي يعيد بها الكوميدي نكتةً قديمةً لأن الجمهور لا يزال يضحك، فلنتذكّر أجمل قرارات الأمم المتحدة السابقة التي أصبحت الآن مادةً للضحك في الأعراس والجنائز معاً:

أولاً: قرار ١٤٤١ الخالد عام ٢٠٠٢، حين وقف كولن باول في مجلس الأمن يلوّح بأنبوب ألمنيوم وقال بكل جدية ممثل شكسبيري: «هذا دليل قاطع على أن صدام يصنع قنبلة نووية!»، فصدّقه العالم كله، ثم تبيّن أن الأنبوب كان لتصليح مدفع رشاش من أيام الحرب العالمية الأولى، لكن لا بأس، دخلت أمريكا العراق، سرقت النفط، نهبت البنك المركزي، دمرت بلداً كاملاً، وخرجت بعد عشرين سنة بخسارة ثلاثة تريليونات دولار، وصيني يبيع لكم الآن هاتفاً بمائة دولار فيه كاميرا أفضل من كاميرات الدرونز الأمريكية.

ثانياً: قرار ١٩٧٣ الخاص بليبيا، حين قالت هيلاري كلينتون «جئنا، رأينا، مات!» وضحكت كأنها في حفلة عيد ميلاد، ثم تحولت ليبيا من أغنى دولة إفريقية إلى سوق عبيد مفتوح، والأمم المتحدة ما زالت تبحث عن «منطقة حظر الطيران» التي فُقدت منذ ذلك الحين.

ثالثاً: أكثر من ثمانين قراراً بشأن فلسطين منذ ١٩٤٨، كلها تُدين إسرائيل، وكلها تُوضع في درج الأمين العام تحت عنوان «أوراق للتنشيف عندما نسكب القهوة»، لأن أمريكا تملك الفيتو، والفيتو عند أمريكا كالبطاقة الائتمانية بلا سقف: تشتري بها كل شيء، حتى ضمير العالم.

والآن يأتي قرار ٢٨٠٣ ليكمل السلسلة الذهبية، قرارٌ يُعيّن ترامب، الرجل الذي يُتّهم في محاكم دولية عديدة بالشراكة في جريمة إبادة جماعية، رئيساً لمجلس السلام، كأن نُعيّن الذئب وزيراً للزراعة ونطلب منه حماية الخراف، أو نُكلّف دراكولا بإدارة بنك الدم الوطني مع وعد بميدالية «أفضل مصاص دماء نباتي».

وتفاصيل «صفقة الفقرتواي» التي أعلنها جاريد كوشنر في مقابلة مع فوكس نيوز وهو يرتشف قهوة ستاربكس باثني عشر دولاراً، تستحق أن تُدرَّس في معاهد الكوميديا العليا: الفلسطينيون سيُنقلون «طواعية» إلى مدينة جديدة في سيناء اسمها «نيو غزة»، عبارة عن خيام من إنتاج شركة إسرائيلية، وكل خيمة مكتوب عليها «تبرع سخي من الشعب الأمريكي»، وفي وسط المدينة تمثال لترامب يحمل مشعلاً من الغاز الطبيعي، وتحته عبارة «أنقذتكم من حياة الكرامة».

أما من يرفض هذه «الفرصة التاريخية» فيُعرض عليه وظائف راقية في المنتجع: نادل، منظف حمامات، راقص شرقي، أو كومبارس في إعلانات «ترامب غازا» يبتسم ويقول «شكراً يا دونالد، دلوقتي بنعيش في الجنة». والراتب؟ ثلاثة دولارات يومياً، وكل نهاية شهر قسيمة خصم ٥٪ في ماكدونالدز رفح، شريطة أن يغني نشيد «أمريكا العظيمة» بالعربية الفصحى.

وفي الخليج بدأ الحكّام يتصببون عرقاً بارداً، واكتشفوا أن دورهم في الصفقة هو دفع الفاتورة فقط. قال أحدهم لمستشاره وهو يبكي: «يعني ندفع تريليونات عشان أمريكا تحمينا، وبعدين ترامب يجي يبني كازينو في غزة ويخلينا خدم فيه؟» فأجاب المستشار: «لا يا مولاي، أنتم شركاء، تدفعون ٩٠٪ وهو يأخذ ١٠٠٪، ولو اعترضتم يسمونكم إرهابيين ويقطعون عنكم الغاز ويرسلون لكم بيليه يرقص أمام قصركم».

حتى أردوغان، ذلك الممثل العبقري الذي يجيد دور «صديق فلسطين» نهاراً وبائع النفط المسروق لإسرائيل ليلاً، أصبح يصرخ في ميكروفوناته: «غزة خط أحمر!» ثم يتصل سراً بتل أبيب ويقول: «يا جماعة، سيبولنا حتة صغيرة في الكازينو، عندنا راقصات محجبات بيرقصوا أحلى من بنات لاس فيغاس».

وفي واشنطن بدأ الشعب الأمريكي يفهم أن ضرائبه تذهب لتمويل «ترامب غازا ريزورت آند سبا»، فخرج في مظاهرات يحمل لافتات «أفضل أن أعيش في خيمة في غزة على أن أموّل كازينو ترامب»، وانتخبوا عمدة نيويورك الشيوعي الذي قال في أول خطاب له: «سنحوّل سنترال بارك إلى مخيم تضامن مع غزة، ومن يريد غازاً فليذهب إلى ترامب ويشم عادمه».

أما المقاومة في غزة فتضحك ضحكةً تُسمع في المريخ، لأنها تعرف أن كل من سلّم سلاحه في التاريخ الفلسطيني تحول إلى موظف في السلطة يوقّع فواتير كهرباء إسرائيلية، وكل من تشبث بسلاحه بقي حياً وكتب التاريخ بدمه. وسيأتي اليوم الذي يقف فيه ترامب أمام «ترامب غازا تاور» ليفتتحه بالشريط الأحمر، فيجد أن البرج تحول إلى منصة إطلاق صواريخ، والكازينو إلى معسكر تدريب، والنافورة الذهبية تطلق ماءً مالحاً في وجهه وهي تصرخ: «ارجع يا برتقالي، الأرض دي مش للبيع».

وتبقى الأمم المتحدة جالسةً في قاعاتها الزجاجية تُصدر بياناتٍ جديدةً كل ساعة، كل بيان أجمل من سابقه، وكلها تذهب إلى سلة المهملات التاريخية حيث تنام قراراتها السابقة في سلام أبدي، بينما العالم يضحك حتى البكاء، لأن الكوميديا وحدها تستطيع أن تشرح هذا العبث الأعظم: أن يُعيّن العالم مجرم إبادة رئيساً لمجلس السلام، وأن يُطلب من شعب يُذبح كل يوم أن يصفق لجلاديه، وأن تُسمى سرقة غازه وأرضه وبحره «صفقة القرن الجديدة – إصدار الفقرتواي الفاخر».

ويبقى الفلسطيني واقفاً وسط الركام يضحك ضحكةً عاليةً تسمعها كل أرض الله، ويقول لترامب من بعيد: «تعال يا دونالد، تعال نلعب غولف، الكورة قنبلة، والحفرة قبرك، والجائزة حريتنا، وهتكون مجانية، والله».

وتستمر المسرحية، والجمهور يضحك حتى الإغماء، لأن هذا هو العالم الذي نعيش فيه: مسرحية عبثية كتبها مجانين، يخرجها مجرمون، يدفع فاتورتها الفقراء، ويضحك عليها الأحرار فقط، وتبقى النهاية مفتوحة… لأن الشعب الفلسطيني لم يقل كلمته الأخيرة بعد، وسيقولها بالدم والنار والضحك الأعلى من كل قنبلة ترامب وكل قرار أممي وكل صفقة فقر..تواي في التاريخ كله.

ملاحظة فقر تواي تعبير مصري باللغة العامية للسخرية
تُستخدم في مصر كثيرًا في التعبيرات الساخرة مثل «كده تمام يا معلم؟ … تواي!» أي «تمام جدًّا، ممتاز!».
فيصبح المعنى الكلي: «أفقِرْهم تمامًا، خلّيهم فقرا جدًّا … تواي!»



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا تحت ظلال الفصل السابع رحلة نحو نهاية مكتوبة بأيدي من ظ ...
- عندما تصبح الدراسات الجامعية برنامجاً حكومياً: رؤية حزب العم ...
- عندما التقت الدبّة بالتنين: سقوط الهيمنة الغربية بهدوء
- عبوديةٌ بثياب الحرية.. تحقيقٌ في استلاب الكرامة الإنسانية تح ...
- من بغدادَ العلم إلى رياضِ و دوحة الخيانة: سقوطُ الضمير العرب ...
- عندما يصبح الربحٌ إلهاً: سيرة الإبادة الرأسمالية:من بوتوسي إ ...
- مجرمو السيليكون: من وادي الكاليفورنيا إلى قبور غزة
- القرم إلى الأبد والغاز بالروبل
- الاغتيالات : كيف تكشف ضربات إسرائيل الأخيرة عجزها الاستراتيج ...
- الجنوب يتحرّر والمركز يتفكّك ( كتيب )..مقارنات بين امين وبري ...
- الجنوب يتحرّر والمركز يتفكّك(كتيب )..مقارنات سمير امين مع بر ...
- «الفراغ العظيم: انهيار النظام الإمبريالي وإمكانية العالم الج ...
- من أوشفيتز إلى غزة: دراسة نقدية أدبية في شهادات بريمو ليفي و ...
- «قمرٌ على سريرٍ وميلٌ في قامة» كتيب حول مداخلة في الشعر العر ...
- -من أوشفيتز إلى غزة: ذاكرة الناجين وصرخة الأحياء- ..بين شهاد ...
- «دمٌ تحت الشمس ودمعٌ تحت القمر» مقارنة بين رواية رجال تحت ال ...
- سوريا الأسد: مقاومة العقل أمام دواعش الريال والدرهم
- رواية : ارض الرماد والأنين ..فصلان
- رواية : شجرةُ لينَ تُضيءُ الكونَ
- الصين: أمل البشرية في اشتراكية عالمية


المزيد.....




- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - احمد صالح سلوم - من أنبوب كولن باول إلى أنابيب غاز ترامب: نفس النكتة،