أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على التخلف العربي














المزيد.....

عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على التخلف العربي


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 20:33
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة
تبدو ظاهرة الزعيم الملهم إحدى أخطر الظواهر التي شكّلت مسار التاريخ العربي المعاصر. فبدل أن تكون القيادة أداةً لتحديث المجتمع، تحوّلت في كثير من السياقات إلى معبودٍ جمعي يبتلع الدولة، ويؤمم الأدوات، ويشلّ المجتمع، ويعيد تشكيل الوعي بمنطق الخضوع والمغامرة والبطولة الخطابية.
ومن بين أبرز النماذج التي صنعت هذا المسار: جمال عبد الناصر، هواري بومدين، معمّر القذافي، صدام حسين وغيرهم ممن رسّخوا نمط الزعامة العاطفية بدل القيادة المؤسسية.
هذا المقال يحاول تحليل هذه الظاهرة بوصفها آلية رئيسية في إعادة إنتاج التخلف، لا مجرد خطأ سياسي عابر.

أولاً: صعود الزعيم كتعويض نفسي عن الهزيمة
تاريخياً، تظهر الزعامة الكاريزمية عادةً في لحظات الانكسار الجمعي، حيث يبحث الشعب عن رمزٍ قوي يعيد له الشعور بالكرامة.
في العالم العربي، تكثّف هذا الشعور بعد سقوط الخلافة، والاستعمار، وهزائم الجيوش، وتفكك المجال السياسي. وهكذا تحوّل الزعيم إلى:
• صورة الأب الحارس،
• والبطل الخارق،
• وصوت الأمة،
• و"المخلّص" الذي يحمل وحده مشروع النهضة.
وهو أمر يجعل الجماهير تتخلى طوعاً عن العقل النقدي، وتستبدله بعاطفة التقديس.
المخاض النفسي لأزمة ما بعد الاستعمار هو الذي أنتج الزعيم، لا المعادلات السياسية ولا برامج النهضة.
فالزعيم لم يكن مشروعاً فكرياً، بل علاجاً عاطفياً لجرحٍ حضاري.

ثانياً: تحويل الدولة إلى جسد الزعيم
ما يُسمّى بـ"الدولة" في تلك التجارب لم يكن سوى امتداد لشخص الحاكم.
فبعد أن يصبح الزعيم رمزاً مقدساً، تنصهر المؤسسات في إرادته، ويتحوّل القرار السياسي والاقتصادي والأمني والفكري إلى "إلهام" صادر منه، وليس نتيجة تراكم معرفي أو إدارة عقلانية.
وتتمثل السمات الكبرى لهذا النموذج في:
1. أدلجة الإدارة
يصبح الولاء أهم من الكفاءة، فينهار الجهاز الإداري الحديث.
2. تأميم المجال العام
النقابات، الصحافة، الجامعات، والجمعيات تُختزل في صوت واحد.
3. التغول الأمني
تحوّل الخوف إلى وسيلة إنتاج سياسية.
4. اقتصاد شعاراتي
مشروعات ضخمة بلا جدوى، موجهة للرمزية أكثر من التنمية.
5. تسييج الوعي
النقد يساوي الخيانة. البديل خيانة. السؤال خيانة.
هذه الممارسات صنعت ما نسميه "بالقابلية للزعامة" المستقاة من نظرية مالك بن نبي ـ"القابلية للاستعمار" بوصفها آلية تمنع المجتمع من بناء مؤسسات مستقلة وفعالة.

ثالثاً: خطاب العاطفة ضد عقل الدولة
تميز خطاب هؤلاء القادة بسمات واضحة:
• استدعاء التاريخ المجيد بدل التخطيط للمستقبل.
• تبسيط الصراعات وإخفاء التعقيد.
• مسرحة السياسة عبر الخطب والمهرجانات والتعبئة الجماهيرية.
• خلق عدوّ دائم يلغي الحاجة للنقد الداخلي.
وكلما غابت المؤسسات، تجذر خطاب الزعيم باعتباره "أقدر" من الجميع على فهم التحديات.
النتيجة هي تحويل السياسة من إدارة للموارد والفرص إلى استعراض بطولي، فيصبح النجاح مرتبطاً بالصوت العالي لا بالبناء الحقيقي.

رابعاً: أدوار الزعماء العاطفيين في تعميق التخلف
1. مصادرة الوعي السياسي
بإغلاق المجال السياسي والإعلامي، توقّف المجتمع عن إنتاج نخب جديدة، وبقيت الشعوب أسيرة نموذج واحد.
2. تعطيل المؤسسات
حين تصبح الدولة "أنا" كما قال لويس الرابع عشر، تفقد المؤسسات معناها، وتموت البيروقراطيات التي تنتج التنمية.
3. المغامرات الكارثية
الحروب العبثية، الانقلابات، المواجهات الخارجية، تمّت كلها باسم "كرامة الأمة"، لكن نتائجها كانت تفكيك الدول وتدمير الإنسان.
4. غياب المشروع الحضاري
لم يطرح أي من هؤلاء القادة مشروعاً معرفياً عميقاً للنهضة.
كانت هناك خطابات كبرى بلا بنى اقتصادية قوية ولا إصلاح ثقافي حقيقي.
5. تقديس الفرد وتهميش المجتمع
المجتمع يفقد القدرة على الإنتاج؛ يصبح مجرد "جمهور" لا "شعب".
والشعوب التي تتحول إلى جماهير تصبح قابلة للتلاعب manipulation السياسي.

خامساً: لماذا أصبح الزعيم وثناً في الوعي العربي؟
يمكن تلخيص الأسباب في ثلاثية:
1. الفقر المؤسسي
غياب الدولة الحديثة جعل الناس تبحث عن بديل: الزعيم.
2. الجرح الاستعماري
أنتج حاجة نفسية لشخص قوي يمحو الإهانة التاريخية.
3. الثقافة الشفوية والعاطفية
غياب العقل النقدي جعل الشخصية الكاريزمية أكثر تأثيراً من الفكرة.

سادساً: النتيجة التاريخية – تخلف يتغذى على ذاته
الزعيم العاطفي الذي ظهر باعتباره "الخلاص" صار أحد أهم أسباب الانهيار، لأن:
• الدولة تلاشت تدريجياً،
• النخب تفككت،
• الاقتصاد تعطّل،
• المؤسسات ماتت،
• والوعي تشوّه.
وبقيت الشعوب تكرر الحلقة نفسها: بحث عن زعيم جديد يعيد إنتاج الخراب القديم.
إنها دائرة مغلقة لا تُكسر إلا ببناء:
• دولة مؤسسية
• مجتمع مدني
• فكر نقدي
• اقتصاد حقيقي
• فصل بين الدولة والزعيم



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تيه المثقف بين إرادة السلطة وإرادة الجمهور قراءة في الانحياز ...
- السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...
- سيد قطب ومالك بن نبي: مقارنة موسعة بين الفكر والإيديولوجيا و ...
- العلمانية والتطرف: جدلية الردود المتبادلة ونقاط الالتقاء مع ...
- التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل ...
- الأسس المحورية في فكر مالك بن نبي وإعادة توجيه العقل العربي ...
- من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذا ...
- التأويل بين مالك بن نبي ومحمد أركون
- من الدين إلى الوعي: إعادة بناء الخطاب الإيماني المعاصر
- الدين والسياسة في الجزائر: من التقديس إلى التوظيف
- المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد
- سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه
- العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني


المزيد.....




- ميسي ورونالدو يرفعان مبيعات قمصان أنديتهما.. فمن تفوّق على ا ...
- المجلس العسكري في غينيا بيساو يعيّن حليف الرئيس المعزول على ...
- الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو بعد الانقلاب والعسكر ...
- ما دلالة تصدي المقاومة الشعبية في بلدة بيت جن للهجوم الإسرائ ...
- -قصر الباشا-.. بين التشويق المزيف والإثارة الحقيقية
- تهمة القتل العمد تنتظر الأفغاني مهاجم البيت الأبيض
- هيئة فلسطينية بيوم التضامن: المقاومة طريق هزيمة الاحتلال
- ترامب يلغي أوامر بايدن التنفيذية الموقعة عبر -القلم الآلي-
- علبي: هناك في إسرائيل من لا يريد أن تستعيد سوريا قوتها
- لبنان.. أسرة فضل شاكر تنفي تدهور صحته بانتظار استئناف محاكمت ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - عبادة الزعيم وخيانة الوعي: قراءة في أثر زعماء العاطفة على التخلف العربي