أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه














المزيد.....

سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 20:51
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة
لا يمكن فهم المشهد الفكري في الجزائر دون تحليل التفاعل الخفي بين سلطة الدولة وسلطة المجتمع، فهما قوتان تتناوبان على احتواء الفكر وضبط مساحاته.
الدولة تسعى إلى إنتاج وعيٍ رسميٍّ منضبط، والمجتمع يسعى إلى حماية وعيٍ تقليديٍّ محافظ، وبينهما يضيع المثقف الذي يريد أن يُفكر بحرية.
وهكذا تتحول الجزائر إلى ساحة شدّ وجذبٍ رمزي، حيث لا يُسمح للفكر أن يرتفع إلا بالقدر الذي لا يُهدد توازن السلطة، ولا يُزعج سكون الجماعة.
الدولة وتدجين الفكر
منذ الاستقلال، بنت الدولة الجزائرية شرعيتها على ثلاث ركائز: الثورة، الوحدة، والاستقرار.
وباسم هذه الثلاثية تمّ تدجين الوعي الفكري عبر مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة.
المدرسة لا تُعلم التفكير النقدي بقدر ما تُكرّس الطاعة والانتماء، والإعلام لا يناقش بقدر ما يُروّج، أما الجامعة فتحولت في كثير من الأحيان إلى فضاءٍ للتكرار لا للبحث.
في هذا الإطار، لا يُنظر إلى المثقف كفاعلٍ مستقل، بل كأداة لتزكية الخطاب الرسمي.
وحين يحاول أن يخرج عن هذا الإطار، يُتَّهم بالتشويش أو بـ"اللاوطنية"، وكأنّ الاختلاف الفكري خطرٌ على الأمن العام.
وهكذا تصبح الدولة راعية للفكر من جهة، ومتحكمة فيه من جهة أخرى، في مفارقةٍ تُفرغ الحرية الأكاديمية من معناها.
المجتمع كسلطة رمزية موازية
إنّ المجتمع الجزائري، بتكوينه الديني والقبلي، يحمل سلطة رمزية لا تقلّ تأثيرًا عن سلطة الدولة.
فهو يفرض على المثقف حدودًا غير مكتوبة لما يجوز قوله أو التفكير فيه.
الرقابة هنا ليست سياسية بل اجتماعية أخلاقية، قائمة على الخوف من "العيب" و"الفتنة" و"المساس بالمقدس".
هذه الرقابة الاجتماعية أنتجت ثقافة الامتثال الجماعي، حيث يضطر كثير من المثقفين إلى ممارسة الرقابة الذاتية، فيختارون السلامة على الصدق، والسكوت على المواجهة.
فالمجتمع الذي يُقدّس الانسجام يكره السؤال، والمثقف الذي يسأل يُتَّهم بالخروج عن الجماعة.
وبذلك تصبح سلطة المجتمع أكثر فاعلية من سلطة الدولة، لأنها تُمارس من الداخل، باسم الأخلاق والهوية.
من الاحتواء إلى التسطيح
حين تتواطأ سلطة الدولة وسلطة المجتمع على الفكر، لا يبقى أمام المثقف إلا خيارٌ واحد: السطحية.
فمن أجل البقاء، يتعلم الخطاب الثقافي كيف يتكيّف مع الجميع:
يتحدث بلغةٍ محافظة كي لا يُغضب المجتمع، وبمصطلحات وطنية كي لا يُثير الدولة.
بهذا الشكل، يتحول المثقف إلى محترف توازنٍ لا مفكر إشكال، ويتحول الفكر إلى شعارات مكرورة حول الأصالة والهوية، دون أي عمق نقدي.
إنّ أخطر ما في هذه المرحلة ليس القمع، بل تفريغ الفكر من مضمونه الجدلي، أي تحويله إلى تزيين للواقع لا مساءلة له.
وهذا ما يمكن تسميته بـ"تسطيح الوعي"، حيث يفقد الفكر قدرته على إنتاج المفاهيم، ويكتفي بإعادة تدوير الخطاب السائد.
نحو استعادة الفضاء الحر
إنّ تحرير الفكر في الجزائر لا يعني التمرد على الدولة أو المجتمع، بل تحرير العلاقة بين الفكر والسلطة.
ينبغي أن يُعاد الاعتبار للمثقف كصوتٍ نقدي مستقل، لا تابعٍ لسلطة ولا رهينةً لجماعة.
التحرر الحقيقي يبدأ حين يُدرك المجتمع أنّ النقد ليس خيانة، والدولة أنّ الحرية الفكرية ليست خطرًا، بل ضمانة للاستقرار.
يحتاج العقل الجزائري إلى فضاءٍ جديد يتجاوز ثنائية الدولة والمجتمع، فضاءٍ تتعايش فيه المرجعية مع النقد، والإيمان مع الحرية.
فالفكر لا يزدهر في ظلّ الصراع، بل في ظلّ الاعتراف المتبادل بحقّ السؤال.
خاتمة
لقد حوّل تضافر سلطتي الدولة والمجتمع الفكر الجزائري من مشروعٍ للتحرر إلى مشروعٍ للتبرير.
لكنّ كل فكرٍ حيّ يحمل في داخله بذرة مقاومةٍ صامتة، وما يحتاجه المثقف اليوم هو أن يسقي تلك البذرة بالشجاعة والمعرفة، حتى يستعيد الفكر مكانه الطبيعي: مجالًا للبحث عن الحقيقة، لا أداةً لحراسة الحدود.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- دريسكول: الجيش الأمريكي مستعد لتحرك عسكري بشأن فنزويلا -إذا ...
- هويته الحقيقية لم تمنع احتجازه.. شاهد عملاء فيدراليين يعتقلو ...
- مصر تستضيف مبادرة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار بعد النزاع ...
- قطعان الأغنام تعبر مدن ألمانية نحو مراعي الشتاء
- حكومة نتنياهو تقرر تشكيل لجنة غير رسمية للتحقيق بأحداث 7 أكت ...
- أعطوا سوريا فرصة.. الكونغرس الأميركي يراجع عقوبات قانون قيصر ...
- نتائج 30 سنة من البحث العلمي: العلاقات الناجحة تبدأ من الطفو ...
- خطاب حرب أم ضغط تفاوضي؟.. نتنياهو وزامير يرفعان نبرة التهديد ...
- إعلان جبل العرب.. محاولة لكسر الاحتكار السياسي في السويداء
- حماس تحذر من -وصاية بديلة- وتطالب بقرار أممي لحماية وقف إطلا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه