أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحي عباسي بن أحمد - هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟














المزيد.....

هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟


يحي عباسي بن أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 01:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ينبثق هذا السؤال من عمق التجربة الدينية والفكرية المعاصرة:
هل يحتاج الإنسان المسلم إلى أن يكون تحت وصاية جماعة أو حزب أو فرقة ليحيا إيمانه؟
في عالم تتنازعه المرجعيات الفكرية والدينية، يتحول السؤال إلى قضية هوية وانتماء، تتجاوز الممارسات التنظيمية إلى عمق الوعي الإيماني نفسه.
لقد عرف الفكر الإسلامي الحديث تعددًا في الجماعات والتيارات التي حملت راية الدعوة أو الإصلاح — من الإخوان المسلمين إلى السلفية، ومن الجماعات المحلية كـ"الجزأرة" إلى الطرق الصوفية — كلّها قدّمت نفسها بصفتها الطريق الأمثل إلى الله أو إلى النهضة. غير أنّ تجربة الأفراد داخل هذه الكيانات كثيرًا ما تكشف وجهاً آخر: وجه الوصاية الفكرية والتنظيمية التي تُضيّق مساحة الحرية الشخصية باسم الدين أو المصلحة.
هذا المقال محاولة للإجابة على سؤال الحرية والوصاية في التجربة الإسلامية المعاصرة، انطلاقًا من التجربة الجزائرية ومرورًا بالتأمل في العلاقة بين الفكر والدين والتنظيم.
الخلفية: الدين بين الفرد والجماعة
منذ فجر الإسلام، ظلّ السؤال مطروحًا حول علاقة الفرد بالجماعة. الإسلام دين جماعي في شعائره، لكنه إيماني فردي في جوهره: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر: 38).
غير أن التجربة التاريخية أظهرت ميلاً دائمًا إلى التنظيم، سواء في شكل قبائل، مدارس فقهية، أو جماعات دعوية، سعياً إلى ضبط العمل الديني والاجتماعي.
في الجزائر الحديثة، أخذت هذه التنظيمات أشكالاً متعددة:
•الإخوان المسلمون: قدموا مشروعًا دعويًا وسياسيًا منظمًا، يربط الإسلام بالحركة المجتمعية.
•السلفية: أعادت الاعتبار للنصوص والأثر، لكنها كثيرًا ما تحولت إلى فكر متشدد في التطبيق.
•الجزأرة: مجموعة مثقفة ظهرت في الثمانينات، وصفها محفوظ نحناح بهذا الاسم، اعتمدت على التوعية داخل المساجد دون نزعة سياسية مباشرة.
•المتصوفة: حافظوا على البعد الروحي والأخلاقي، وقدموا الإسلام في صورته الوجدانية.
هذه التيارات، رغم اختلافها، تشترك في رغبتها في احتواء الفرد داخل مرجعيتها الخاصة، ما يجعلها تمارس شكلاً من الوصاية الفكرية أو التنظيمية على أعضائها.

الوصاية الفكرية: من الحماية إلى السيطرة
الوصاية في معناها الأول حماية وتوجيه، لكنها تتحول، حين تفقد مبدئها الأخلاقي، إلى أداة ضبط وتحكم.
الانخراط في جماعة يمنح الانتماء والهوية، لكنه في الوقت ذاته يفرض الانضباط، والطاعة، والولاء، وهي مفاهيم قد تتجاوز حدود النص الشرعي إلى بنية بشرية مغلقة.
لقد بيّن مالك بن نبي أنّ مشكلة الفكر الإسلامي ليست في الغياب الفكري بل في «عجز الإنسان عن استعمال فكره خارج الأطر التي صاغها غيره» ؛ فالفرد الذي يتنازل عن تفكيره للجماعة، يفقد مسؤوليته أمام الله والناس معًا.
وهنا تتجلى الإشكالية الكبرى: هل الانتماء للجماعة تقوية للإيمان أم تعطيل للوعي؟

التجربة الشخصية: بين الجماعات والذات
لقد عشتُ — مثل كثيرين من أبناء جيلي — تنقلًا فكريًا ووجدانيًا بين جماعات متباينة:
•بين صرامة الإخوان وانضباطهم التنظيمي،
•وحرفية السلفية في التفسير والتطبيق،
•ومرونة الجزأرة في الخطاب والفكر،
•وروحانية المتصوفة في السلوك والمعنى.
كانت كل تجربة تحمل وعودًا بالصفاء، لكنها كانت — في لحظة الصدق — تُعيد إنتاج نفسها في صورة وصاية: وصاية فكرية أو روحية أو تنظيمية.
لقد فقدت أصدقاء، وتعرضت للمضايقات، وخرجت من كل تجربة محمّلاً بمزيج من الإعجاب والخذلان، حتى وصلت إلى القناعة التالية:
أني مسلم أتبع محمدًا ﷺ، لا جماعة ولا حزبًا ولا طائفة.

المثقف المسلم بين الإيمان والحرية
المثقف المسلم ليس ضد الجماعة من حيث المبدأ، ولكنه يرفض أن تكون الجماعة واسطة بينه وبين النص.
إنّ الحرية الفكرية ليست تمرّدًا على المرجعية، بل هي تحرّر من الوسائط التي تحجب المرجعية الأصلية.
فالله لم يجعل بين العبد وهداه إلا كتابه وسنة نبيه:
"فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الزخرف: 43).
الوصاية إذن ليست فكرًا دينيًا بقدر ما هي آلية اجتماعية للهيمنة، حين تتحول الجماعة إلى سلطة معرفية تتحكم في الوعي.
أما المثقف الحرّ، فهو الذي يظلّ مؤمنًا دون أن يُسلم عقله لأحد.
نحو وعي إيماني حرّ
من كل التجارب التي مرّ بها الفكر الإسلامي، يتبيّن أن الحرية لا تعني الفوضى، كما أن الانتماء لا يعني العبودية.
التحرر الفكري الذي لا يستند إلى الإيمان يتحول إلى ضياع،
والانضباط الذي لا يقوم على الوعي يتحول إلى قيد.
المسلم الحقّ هو الذي يجمع بين الاثنين:
•وعي حرّ يستنير بالعقل،
•وإيمان صادق يستمد من الوحي.
إن التحرر الحقيقي هو أن تكون مع الجماعة دون أن تذوب فيها، وأن تتبع النبي ﷺ دون أن تحجبك عنه رايات البشر.
الخاتمة
في النهاية، ليس السؤال: هل أنتمي إلى جماعة؟ بل: هل أنا حرّ في انتمائي لله؟
الجماعات، الأحزاب، والفرق قد تكون أدوات للخير، لكنها ليست سبيل النجاة.
النجاة هي في صدق العلاقة مع الله ورسوله، وفي الشجاعة الفكرية التي تجعل المثقف المسلم يقول:
"إني مؤمن حرّ، أتعلم من الجميع، وأتبع محمدًا ﷺ وحده".






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- ترامب يلوّح بالتدخل العسكري في نيجيريا لحماية المسيحيين.. وم ...
- تعايش سلمي: اليهود والمسلمون في البوسنة والهرسك
- ترامب يهدد نيجيريا عسكرياً بذريعة حماية المسيحيين
- ترامب يطلب من الجيش الاستعداد لـ -تحرك- ضد مسلحين إسلاميين ف ...
- بعد 10 أشهر على اعتقاله.. دعوات للتحقيق في دور لبنان بتسليم ...
- وعد بإقامة وطن لليهود.. كيف غيّر بلفور وجه الشرق الأوسط؟
- السودان.. -الإخوان- يواجهون زخم السلام بتحشيد جديد للحرب
- غارديان: جماعات إسلامية تقترب من باماكو فهل تنجح في تحويل ما ...
- لماذا ينقلب مسيحيو أميركا ضد إسرائيل؟
- ترامب يهدد بإرسال قوات أمريكية إلى نيجيريا بسبب -قتل المسيحي ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يحي عباسي بن أحمد - هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟