أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية














المزيد.....

العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية


يحي عباسي بن أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8526 - 2025 / 11 / 14 - 23:17
المحور: قضايا ثقافية
    


مدخل السؤال
حين نتأمل المسار الفكري في الجزائر، نجد أنفسنا أمام سؤال مركزي لا يفتأ يتكرّر بأشكال مختلفة:
هل يفكر الجزائري حقًا بحرّية، أم يفكّر داخل منظومات جاهزة، صيغت له منذ زمن طويل باسم الوطن أو الدين أو التقاليد؟
إن هذا السؤال ليس طارئًا، بل هو جذرٌ عميق في الوعي الجمعي الجزائري، لأن تجربة الجزائري مع الفكر كانت دوماً تجربة توجيه قبل أن تكون تفكيرًا؛ منذ المدرسة التي تُعلّمه ما يجب أن يُقال لا ما يجب أن يُفكَّر، إلى المنبر الذي يحدّد له ما يجوز وما يُحرَّم، وصولًا إلى الإعلام الذي يصنع رأيًا عامًا لا رأيًا حرًّا.
التوجيه بوصفه بنية تاريخية
العقل الجزائري نشأ في ظل سلطتين متتاليتين:
• سلطة استعمارية فرضت عليه نمط تفكير غربيًا غريبًا عن لغته وروحه.
• وسلطة وطنية ما بعد الاستقلال حاولت أن توحِّده، لكنها في الوقت نفسه أخضعت الوعي لمنطق الدولة المركزية، التي رأت في الفكر الحر خطرًا على التماسك العام.
هكذا تشكّلت آلية التوجيه: لا قمعًا دائمًا، بل عبر خطاب أبوي يرى أن حماية المجتمع لا تكون إلا بتقييد الفكر. فالتعليم لم يُبنَ على الحوار، بل على الحفظ، والمنابر لم تُفتح للنقد، بل للتمجيد.
أما المثقف، فكان عليه أن يختار بين الولاء أو العزلة، بين أن يكون "صوت النظام" أو "صوتًا بلا جمهور".
بين الدولة والمجتمع: ازدواجية السلطة
من المفارقات العميقة أن التوجيه في الجزائر ليس دائمًا من الدولة وحدها؛ فالمجتمع نفسه أصبح جزءًا من منظومة الضبط.
فالخوف من التهمة — سواء كانت “الإلحاد” أو “الخيانة” أو “العمالة” — جعل المفكر يعيش داخل شبكة من الرقابة الناعمة، يفرضها الناس أكثر مما تفرضها القوانين.
بهذا المعنى، يعيش المثقف الجزائري تحت رقابتين:
• رقابة الدولة التي تتحكم في المنابر والمؤسسات.
• ورقابة المجتمع التي تتحكم في الشرعية الأخلاقية.
النتيجة أن الفكر الحر يجد نفسه في منطقة معزولة، يُنظر إليه بريبة من الجميع، بينما الفكر التوجيهي يحظى بالتصفيق من الدولة والجمهور معًا.
الوعي المزدوج: بين الإيمان والارتياب
العقل الجزائري ليس خاملاً ولا تابعًا، لكنه منقسم بين إيمان عميق وارتباك وجودي.
فهو يؤمن بالدين كهوية، لكنه في الوقت نفسه يرفض استغلال الدين لتبرير الجمود.
ويؤمن بالحرية كقيمة، لكنه يخشى أن تقوده الحرية إلى فقدان الثوابت.
هذا الوعي المزدوج هو ما يجعل الفكر الجزائري متوتّرًا دائمًا: فهو لا يريد أن يكون غربيًا، ولا يريد أن يبقى أسير الماضين؛ يريد طريقًا ثالثًا، يوازن بين الانتماء والجرأة، بين الإيمان والتساؤل، بين الذاكرة والتجديد.
المثقف كحالة مقاومة رمزية
في قلب هذا التناقض يولد المثقف الجزائري الحقيقي — لا بوصفه معارضًا بالضرورة، بل بوصفه ضميرًا ناقدًا.
هو من يرفض أن يكون مجرد صدى لخطاب رسمي، أو تابعًا لمزاج الجماعة، بل من يحاول أن يُفكّر من داخل الجرح الجزائري نفسه، دون أن يهرب إلى تنظيرات مستوردة.
تحرّر المثقف هنا ليس تمرّدًا على الدين أو المجتمع، بل تمرّد على الكسل الفكري، على عادة التكرار، على الخوف من السؤال.
فالمثقف الحر لا يخاف من الدين، بل من تأويل الدين حين يتحوّل إلى سلطة، ولا يخاف من الدولة، بل من عجزها عن احتضان الفكر المختلف.
في أفق التحرّر من الداخل
التحرّر الفكري في الجزائر لن يكون في القطيعة مع المرجعية، بل في تحرير المرجعية نفسها من الاستخدام السياسي والأيديولوجي.
فالمرجعية ليست سجنًا، بل طاقة إلهامية يمكن أن تُستعاد بعقل جديد.
التحرر هنا ليس “الانفصال”، بل “الاستنطاق”: أن نقرأ القرآن والعقل والواقع بعيوننا نحن، لا بعيون غيرنا، وأن نعيد للإيمان وظيفته الأولى — تحرير الإنسان من الخوف، لا إخضاعه باسم الطاعة.
إن سؤال الحرية في الجزائر ليس سؤال الفعل فقط، بل سؤال الوعي:
كيف نُفكر بحرية دون أن نُكفَّر، وكيف نحافظ على ثوابتنا دون أن نجمد فيها؟
ذلك هو الطريق الصعب، ولكنه الطريق الوحيد نحو ولادة عقل جزائري حرّ ومسؤول.
خاتمة تأملية
العقل الجزائري اليوم في مرحلة تحوّل بطيء لكنه عميق؛
من عقلٍ يتلقى إلى عقلٍ يسائل، من فكرٍ يبرر إلى فكرٍ يختبر، ومن ثقافة الخوف إلى ثقافة الوعي.
والرهان القادم ليس على الشعارات، بل على تربية الحرية في المدرسة، وفي المنبر، وفي الجامعة، وفي النصّ.
حين يتعلم الجزائري أن يسأل دون خوف، وأن يختلف دون خصومة، حينها فقط يمكن أن نقول إن الفكر في الجزائر بدأ يتحرر حقًا.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- قضية إبادة الإيزيديين.. بلجيكا تحكم بالمؤبد على جهادي -ميت؟- ...
- هل تجهض موسكو مشروع واشنطن بشأن غزة في مجلس الأمن؟
- ما تصورات أطراف اتفاق غزة لخطوات المرحلة الثانية؟
- المؤبد لبلجيكي لضلوعه في عمليات قتل استهدفت إيزيديين
- جنوب أفريقيا ستسلّم رئاسة مجموعة العشرين إلى كرسي أميركا الف ...
- -مقبرة الأرقام- تستقبل 212 جثمانا مجهول الهوية بغزة
- إسرائيل تقضم أراضي لبنانية بجدار حدودي يمتد 70 كيلومترا
- طهران على حافة العطش.. هل تصبح غير صالحة للسكن؟
- خبير عسكري: التحرك الأميركي بالكاريبي رسالة إلى روسيا والصين ...
- بعثة أممية للتحقيق في انتهاكات الفاشر.. والبرهان يعلن التعبئ ...


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية