أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذاكرة والسلطة














المزيد.....

من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذاكرة والسلطة


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 21:12
المحور: قضايا ثقافية
    


تمهيد
منذ استقلال الجزائر سنة 1962، ظلّ سؤال الشرعية السياسية معلّقًا بين ذاكرة التحرير وواقع الحكم. فالذين حملوا السلاح ضد الاستعمار الفرنسي هم أنفسهم من حملوا شرعية السلاح لتأسيس الدولة، ثم احتكروها لتبرير استمرارهم في السلطة. وهكذا تحوّل التاريخ من ذاكرة وطنية إلى مرجع أيديولوجي يُستدعى عند الحاجة السياسية.
فالشرعية الثورية التي كانت في بداياتها رمزًا للكرامة الوطنية، أصبحت مع مرور الزمن أداة تبرير للنفوذ ووسيلة لإقصاء الجيل الجديد من المشاركة الفاعلة. وكأنّ الثورة، التي حرّرت الأرض، لم تحرّر الوعي بعد .
أولًا: من الذاكرة إلى العقيدة – حين يُؤلَّه التاريخ
يبدو أن الجزائر لم تتصالح بعد مع تاريخها، لا لأنها تجهله، بل لأنها تخاف من قراءته نقديًا. لقد تحوّلت الذاكرة الوطنية إلى عقيدة سياسية تُفرض في الخطاب الرسمي، ويُعاد إنتاجها في المناهج والإعلام، حتى غدا التساؤل عن “الثورة” فعلاً من أفعال العصيان الرمزي.
في هذا السياق، يقول بول ريكور إنّ «كل أمةٍ تُحوِّل ذاكرتها إلى معبدٍ تُغلق على نفسها أبواب المستقبل». هذه المقولة تنطبق تمامًا على الحالة الجزائرية، حيث تحوّل نوفمبر إلى نصٍّ مقدّسٍ سياسيٍّ لا يُراجع بل يُتلى.
إنّ ما يُسمّى “الوفاء للشهداء” تحوّل من قيمةٍ معنوية إلى آليةٍ لإسكات النقد: كل من يعارض، يُتَّهم بأنه يمسّ بالشهداء والثورة. لقد أصبحت الذاكرة سلاحًا في يد السلطة بدل أن تكون وعيًا في يد الأمة.
ثانيًا: الشرعية الثورية – من السلاح إلى السلطة
في السياق الجزائري، اكتسبت “الشرعية الثورية” وظيفةً مزدوجة: إيديولوجية وتاريخية. فهي من جهة تُمنح كمصدر شرعيٍّ للحكم، ومن جهة أخرى تُستخدم كأداةٍ لتقييد الوعي النقدي.
فالمجاهد، الذي كان رمزًا للتحرر، أصبح وصيًّا على الدولة، بينما تحوّل “الشهيد” إلى أيقونةٍ مغلقةٍ يُستدعى اسمه كلما اهتزّت مشروعية النظام. ويُلاحظ ريجيس دوبريه في دراسته حول الثورات أنّ «كل ثورةٍ تُهدَّد بأن تُستعاد ضد ذاتها حين تتحوّل إلى سلطةٍ تحرس ذكراها» لقد تحوّلت الثورة في الجزائر من حدثٍ تحرّري إلى نظام قيمٍ مغلق يُقصي من خارجه كل من لا ينتمي إلى “عائلة الشرعية التاريخية”. وبذلك صار التاريخ رأسمالاً سياسياً يُستثمر لا يُناقش.
ثالثًا: التوريث الرمزي والمادي – من القداسة إلى الامتياز
يعبّر الوعي الشعبي الجزائري عن هذه المفارقة بعبارةٍ متداولة: “في الجزائر، عندما يريدون أن يورطوك، يتهمونك بأنك تمسّ الشهداء والثورة.”
فالمجاهد مقدس، وابنه مقدس، وابن الشهيد مقدس، ولكلٍّ امتيازٌ ماديٌّ أو رمزيٌّ خاص. هذه الظاهرة التي يمكن تسميتها بـ“التوريث الثوري” جعلت من الثورة رأسمالاً عائليًا لا ذاكرةً جماعية.
يشير عبد الله شريط إلى أن الخطر الحقيقي الذي يهدد الدولة الوطنية ليس في نسيان الثورة، بل في احتكارها من طرف قلةٍ ترى نفسها وصيةً على التاريخ
كما يحذر المفكر عمار بلحسن من “تحوّل الرمز الوطني إلى أداة استهلاك سياسي تُفرغ الذاكرة من بعدها التحرري” .
رابعًا: جيل الثورة وجيل الاستقلال – صراع وعيٍ لا أجيال
الجزائر اليوم ليست في صراعٍ بين الأجيال بقدر ما هي في صراعٍ بين قراءتين للثورة:
• قراءةٍ تُريد إبقاءها ماضيًا مغلقًا،
• وقراءةٍ تُريد استعادتها كفعلٍ تحرّري متجدد.
جيل الاستقلال لا يحمل بندقية، لكنه يحمل سؤالًا وجوديًا:
هل تحررنا فعلاً؟
وهل أصبح الاستقلال حقيقةً سياسية أم أسطورةً تاريخية تُدار من فوق؟
إن ما يطلبه هذا الجيل ليس نكران التاريخ، بل تحريره من الوصاية. وهنا يبرز وعيٌ جديد يرى في نوفمبر بداية مشروعٍ لا نهايته.
خامسًا: نحو وعيٍ نقديٍّ جديد
الخروج من عبادة التاريخ لا يعني التنكّر له، بل إعادته إلى وظيفته الإنسانية: أن يُنير المستقبل لا أن يُغلقه.
احترام الشهداء لا يكون بترديد أسمائهم في الخطب، بل بإكمال رسالتهم في الحرية والعدالة والمساواة.
كما يذكّر مالك بن نبي في شروط النهضة: “الثورة ليست أن تهدم نظامًا فاسدًا، بل أن تبني إنسانًا جديدًا.” .
إنّ الثورة التي لا تُراجع ذاتها تتحوّل إلى نقيضها، والذاكرة التي تُقدَّس تتحول إلى سلطةٍ ضد الوعي.
لذلك فإنّ استعادة روح نوفمبر ليست في إحياء طقوسه، بل في تجديد معناه: حرية لا تُستعمل، وعدالة لا تُورَّث، وذاكرة لا تُستغلّ.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأويل بين مالك بن نبي ومحمد أركون
- من الدين إلى الوعي: إعادة بناء الخطاب الإيماني المعاصر
- الدين والسياسة في الجزائر: من التقديس إلى التوظيف
- المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد
- سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه
- العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- شاهد ما قاله الأمير محمد بن سلمان أمام منتدى الاستثمار الأمر ...
- ترامب: سنبيع السعودية بعض أعظم المعدات العسكرية التي بُنيت ع ...
- طلب غريب من برشلونة لليفاندوفسكي: توقف عن تسجيل الأهداف
- أوكرانيا: معركة دارينا وليبوف لاستعادة أطفال انتزعتهم روسيا ...
- ناشطون: قصف -عين الحلوة- محاولة لتصفية المخيمات الفلسطينية ف ...
- واشنطن بوست: صراع على تسلّم روسي مرتبط بشحنات الطرود التي هز ...
- خبير عسكري: إسرائيل توسّع بنك أهدافها وتختلق ذرائع لتبرير غا ...
- شاهد.. ستيف جوبز يتحدث عن -بيكسار- في مقابلة تنشر للمرة الأو ...
- لحظة وصول ترامب والأمير محمد بن سلمان لحضور منتدى الاستثمار ...
- ولي العهد السعودي يلتقي قادة وأعضاء في مجلس النواب الأمريكي ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذاكرة والسلطة