أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد














المزيد.....

المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 19:13
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة
يعيش المثقف الجزائري اليوم في منطقة حرجة من الفكر، تتجاذبه رؤيتان متناقضتان: رؤية إيمانية ترى الثقافة امتدادًا للقيم الروحية، ورؤية حداثية تعتبر التحرر من الدين شرطًا لبناء العقل النقدي. وبين هذين الطرفين، يتشكل مأزق المثقف الجزائري الذي يسعى لأن يكون حرًّا دون أن يُتَّهم بالإلحاد، ومؤمنًا دون أن يُحسب على الخطاب الوعظي.
هذا التوتر بين الإيمان والنقد ليس عرضًا طارئًا، بل هو جزء من تاريخ تشكّل الفكر الجزائري الحديث، حيث ظلّ المثقف يتأرجح بين إرث ديني عميق وصدمة فكرية غربية لم يُستوعب بعد عمقها الفلسفي.
المثقف المتدين في مواجهة التهميش
منذ عقود، ارتبطت صورة المثقف في المخيال العام الجزائري بـ”المتحرر“ الذي يتبنى الفكر الفرنسي أو الماركسي، ويرى الدين عائقًا أمام التقدم. أما المثقف الذي يجمع بين الإيمان والوعي النقدي، فقد وُضع في خانة الالتباس: لا هو داعية ديني ولا هو مفكر علماني، مما جعل حضوره في الساحة الفكرية ضعيفًا رغم عمق طرحه.
لقد ساهم الإعلام والنخب الأكاديمية – عن وعي أو غير وعي – في تشكيل معيارٍ ثقافي زائف يجعل من نقد الدين علامة ذكاء، ومن الالتزام الروحي دليل تخلّف. بهذا التوصيف، أُقصي كثير من المفكرين المتدينين من دوائر التأثير، لأنهم رفضوا أن تكون الحرية الفكرية مرادفةً للقطيعة مع الثوابت.
بين الإيمان كمرجعية والنقد كمنهج
إنّ الإيمان ليس نقيضًا للعقل النقدي، بل هو فضاء مفتوح للتساؤل حين يتحرر من الوصاية المؤسسية.
المثقف المؤمن لا ينطلق من التسليم الأعمى، بل من وعيٍ متجددٍ بالوحي، يدفعه إلى مساءلة الواقع والنص معًا.
وإذا كان النقد في أصله يعني الفحص والتمييز، فإن أرقى أشكاله هو النقد من داخل المرجعية، أي من داخل منظومة المعنى التي ينتمي إليها الإنسان.
فالمثقف الجزائري الحرّ ليس من يهاجم النص، بل من يعيد قراءته في ضوء العقل والزمان، دون أن يخلع عنه قدسيته.
أما الخطر الحقيقي فهو حين يتحول الإيمان إلى سلطةٍ تكمّم الأفواه، أو يتحول النقد إلى عداءٍ مَرَضي لكل مقدّس.
المثقف كضميرٍ لا كسلطة
لا يمكن للمثقف أن يكون تابعًا لا لخطاب الدولة ولا لخطاب المؤسسة الدينية.
فالمثقف الحقيقي هو الذي يحافظ على مسافة نقدية من الجميع، ويرى أن مهمته ليست تبرير السلطة بل مساءلتها.
لكن في الجزائر، غالبًا ما يُحاصر هذا النموذج من الجانبين:
• السلطة السياسية تريد منه أن يكون صوت “الاستقرار”،
• والسلطة الاجتماعية تطلب منه أن يكون صوت “الطاعة”.
وبين الاستقرار والطاعة تضيع الوظيفة الأخلاقية للمثقف كضميرٍ للأمة، لا كموظف في أجهزتها الفكرية.
إنّ المثقف الذي يكتب انطلاقًا من إيمانه لا يخدم الدين كمؤسسة، بل يكشف زيف من يستعمل الدين لتبرير الهيمنة.
نحو خطاب إيماني نقدي
المثقف الجزائري مدعوّ اليوم إلى تأسيس خطاب جديد، يحرّر الدين من الوعظ السياسي، والعقل من الانبهار بالغرب.
خطابٌ يجعل الإيمان تجربةً فكرية وجودية، لا مجرد التزام طقوسي، ويجعل النقد وسيلة للبناء لا للهدم.
بهذا المعنى، يمكن للمثقف المؤمن أن يكون جسرًا بين المرجعية والتراث والحداثة، فيعيد الاعتبار للعقل الجزائري بوصفه عقلًا قادرًا على الجمع بين الإيمان والحرية، بين الأصالة والتجديد.
خاتمة
إنّ الصراع بين الإيمان والنقد في الجزائر ليس صراعًا بين الدين والعقل، بل بين نموذجين من الوعي:
وعيٍ يخاف السؤال، ووعيٍ يرى في السؤال طريقًا إلى الإيمان العميق.
وحين يدرك المثقف أنّ الإيمان لا يكتمل إلا بالنقد، وأن النقد لا يكون حرًا إلا حين يستمدّ معناه من قيمٍ إنسانية وإيمانية، عندها فقط يستعيد الفكر الجزائري روحه الحقيقية، روح التساؤل المسؤولة لا التمرد العبثي.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه
- العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- -قد تُلغى بأكملها-.. أول تعليق لهيئة الانتخابات في مصر بعد ب ...
- نواف سلام لوفد سعودي: لبنان لن يكون منصة تهدد أمن أشقائه الع ...
- العدد الجديد الستون المحكم من مجلة جامعة ابن رشد في هولندا
- الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في العثور على الكسور وعلاجها ...
- ردود فعل إسرائيلية وفلسطينية قبل التصويت على مشروع قرار في م ...
- مصر - هل تعاد المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري؟ ...
- -الكتلة الأكبر- في العراق .. كابوس السوداني لتشكيل الحكومة
- بسبب الجوع.. ملايين اليمنيين يحلمون فقط بالبقاء على قيد الحي ...
- ترامب يعفو مجددا عن أحد مداني هجوم الكابيتول
- ما أهمية إصدار مجلس الأمن قرارا يدعم خطة ترامب بشأن غزة؟


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد