أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي














المزيد.....

السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 20:49
المحور: قضايا ثقافية
    


في فضاء الفكر والسياسة، تتشابك العلاقة بين المعرفة والسلطة والجمهور بطريقة تجعل من فهم دور المثقف مهمة فلسفية بامتياز. فالمجتمع العربي والإسلامي الحديث يواجه أزمة مركبة: صراع بين إرادة السلطة، رغبات الجمهور، ومستقلية المثقف ذاته. ضمن هذا الإطار، يبرز الفرق الجوهري بين السياسي المثقف والمثقف السياسي، اختلاف يتجاوز مجرد التسميات ليصبح مفتاحًا لفهم طبيعة التأثير الفكري والسياسي في المجتمعات.

السياسي المثقف: السلطة أولا
السياسي المثقف هو من يُسخّر معرفته وثقافته لخدمة أهداف عملية وسياسية. ثقافته ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لفهم الواقع السياسي، صياغة القرارات، وتحصين موقعه أمام ضغط الجمهور أو المنافسين. هذا النوع من المثقف يضع السياسة في قلب اهتمامه، بينما الفكر يصبح أداة لدعم موقعه وتحقيق أهدافه.
الفلسفة هنا تكشف عن تعقيد العلاقة بين المعرفة والسلطة: حين يصبح الفكر وسيلة لتحقيق السلطة، تتحول الموضوعية الفكرية إلى خيار ثانوي، ويصبح القرار السياسي أولوية. الخطاب غالبًا براغماتي، متوازن بين مطالب الجمهور ومتطلبات السلطة، لكنه معرض دومًا للتنازل عن بعض استقلاليته الفكرية في سبيل استدامة الموقع أو النفوذ.
في العالم العربي، يمكن رؤية هذا النوع من المثقف في القادة الذين امتلكوا ثقافة واسعة، لكن أولويتهم كانت تنفيذ رؤية سياسية محددة، مثل جمال عبد الناصر، الذي جمع بين الثقافة والعمل السياسي، مستفيدًا من المعرفة لتحليل الواقع، لكن دون أن يجعل النقد المجتمعي محور عمله الأساسي .

المثقف السياسي: الفكر أولا
المثقف السياسي، بالمقابل، يضع الفكر في مركز اهتمامه. هدفه هو تحليل الواقع السياسي والاجتماعي، بناء وعي جماهيري نقدي، وتحريك المجتمع عبر الفكر. السلطة ليست هدفًا، بل موضوعًا للتحليل؛ الجمهور ليس وسيلة لتحقيق نفوذ، بل كيانًا يحتاج إلى التوجيه والوعي.
هذا النوع من المثقف يتطلب شجاعة فلسفية، إذ غالبًا ما يواجه تضييقًا من السلطة أو رفضًا من الجمهور إذا اقتضت الحقيقة ذلك. خطاب المثقف السياسي نقدي وموضوعي، يسعى إلى تقديم رؤية دقيقة عن الواقع، مستندًا إلى المعرفة والمنطق أكثر من الانحياز العاطفي أو البراغماتي.
أمثلة عربية وإسلامية لهذا النوع من المثقف عديدة: مالك بن نبي، الذي ركز على نقد الحضارة العربية والإسلامية ورفع وعي المجتمعات حول أسباب التخلف والتحديات، دون البحث عن مناصب سياسية ، أو محمد عابد الجابري، الذي حاول إعادة بناء العقل النقدي العربي عبر منهجية فلسفية وفكرية مستندة إلى التاريخ والتحليل النقدي .

الفلسفة الكامنة في التباين
الفلسفة تدفعنا للتأمل في طبيعة المعرفة والسلطة: هل المعرفة مجرد أداة لتطبيق إرادة سياسية، أم أنها قوة مستقلة تصنع الوعي وتؤثر في السلطة؟ السياسي المثقف يظهر الوجه الأول: السلطة تتحكم بالمعرفة، بينما المثقف السياسي يظهر الوجه الثاني: المعرفة تصنع فهمًا واعيًا للواقع، وقد توجّه السلطة أو تضبطها إذا ما أتيح لها المجال.
هذا التباين ليس مجرد وظيفة، بل مسؤولية أخلاقية وفكرية. السياسي المثقف قد يضحي بالموضوعية لإرضاء الواقع أو الجمهور، وبالتالي يخاطر بخيانة جزء من دوره الأخلاقي. أما المثقف السياسي، فقد يواجه العزلة أو التضييق، لكنه يبقى صادقًا مع دوره كناقد ومرشد فكري، يحمي استقلالية الفكر ويصون وعي المجتمع.

العلاقة بالجمهور
في هذا السياق، يظهر دور الجمهور كعنصر حاسم في تحديد طبيعة تأثير المثقف. السياسي المثقف قد يستخدم الجمهور لتحقيق أهدافه العملية، ما يحوله إلى أداة ضمن معادلة القوة. المثقف السياسي، بالعكس، يضع الجمهور في مركز اهتمامه النقدي، مستهدفًا بناء وعي مستقل قادر على التفكير النقدي واتخاذ القرارات العقلانية، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة الجماهير أو رفضها لبعض الأفكار الجديدة.
الفلسفة هنا تشير إلى أن الجمهور ليس مجرد متلقٍ، بل شريك في العملية المعرفية. لكن هذا الشريك قد يكون عامل ضغط يجر المثقف نحو الانحياز العاطفي، ما يهدد استقلاليته الفكرية إذا لم يكن واعيًا بهذا التوازن.

التفاعل بين السياسي المثقف والمثقف السياسي
في الواقع، كثيرًا ما تتقاطع الأدوار. يمكن أن يكون المثقف سياسيًا في مرحلة معينة، والسياسي مثقفًا في مرحلة أخرى، لكن كل انتقال يتطلب توازنًا دقيقًا بين الطموح الشخصي، الفعل العملي، واستقلالية الفكر. الصعوبة الحقيقية تكمن في الحفاظ على موضوعية النقد وسط الضغوط الواقعية والسياسية والعاطفية، وهو تحدٍّ واجهه معظم المثقفين العرب في القرن العشرين والحالي .

الخلاصة
يتضح أن الفرق الجوهري يكمن في الغاية والوسيلة:
• السياسي المثقف سياسي أولًا وثقافي ثانيًا.
• المثقف السياسي فكري أولًا وسياسي لاحقًا.
مع ذلك، يكمن التحدي الحقيقي في أن يكون المثقف قادرًا على التوازن بين الاستقلالية الفكرية والفاعلية العملية، بين النقد والمعرفة، وبين التفاعل مع السلطة والجمهور. هذا التوازن هو ما يتيح للمجتمعات العربية والإسلامية أن تتجاوز مأزق التيه الفكري، وتبني وعيًا قادرًا على التغيير والتطور.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين: المشكلة أم المرآة؟ إعادة التفكير في مركزية القضية دا ...
- المسألة اليهودية عند مالك بن نبي: قراءة تحليلية أكاديمية
- العفن كآلية داخلية لتراجع المجتمعات – قراءة تحليلية في فكر م ...
- الخلاف الفكري بين مالك بن نبي وجمعية العلماء المسلمين الجزائ ...
- سيد قطب ومالك بن نبي: مقارنة موسعة بين الفكر والإيديولوجيا و ...
- العلمانية والتطرف: جدلية الردود المتبادلة ونقاط الالتقاء مع ...
- التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل ...
- الأسس المحورية في فكر مالك بن نبي وإعادة توجيه العقل العربي ...
- من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذا ...
- التأويل بين مالك بن نبي ومحمد أركون
- من الدين إلى الوعي: إعادة بناء الخطاب الإيماني المعاصر
- الدين والسياسة في الجزائر: من التقديس إلى التوظيف
- المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد
- سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه
- العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- وزير خارجية لبنان يرد على تصريح مستشار خامنئي: -سيادتنا أهم ...
- إسرائيل تكشف -سرّها الأكبر- في المواجهة الأخيرة: كيف تعقّبت ...
- تقرير يُنذر بـ-مرحلة سوداء- في لبنان: ضربات إسرائيلية قد تقع ...
- الصراع الإسلامي-المدني وتداعياته على الحريات والمشهد السياسي ...
- انقلاب جديد في إفريقيا ... ضباط يستولون على السلطة في غينيا ...
- تنزانيا تلغي احتفالات الاستقلال وسط دعوات للتظاهر
- -مرسيدس بنز- تهدي عشاقها سيارة رياضية قادمة من المستقبل
- نواب ديمقراطيون يتهمون ترامب باستخدام -إف بي آي- لترهيبهم
- موقع استقصائي يكشف دور شركات النقل الأميركية في تمويل آلة ال ...
- فرك الوجه بقشور الموز.. هل يعادل تأثير حقن البوتوكس؟


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - السياسي المثقف والمثقف السياسي: بين الفكر والسلطة والوعي