أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل الإنساني














المزيد.....

التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل الإنساني


يحي عباسي بن أحمد
كاتب

(Abassi Yahia Ben Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 20:11
المحور: قضايا ثقافية
    


مقدمة
منذ نزول القرآن، لم يتوقف الإنسان عن محاولة فهمه وتأويله. غير أن هذه المحاولات كانت دائمًا محكومة بحدود المعرفة والزمن والتجربة الإنسانية. فالنص القرآني مطلق المصدر والمعنى، بينما الإنسان نسبيّ الإدراك، محدود الأفق، متحوّل بتغيّر العصور. ومن هنا نشأ ذلك التوتر الدائم بين المطلق والتأويل؛ بين ما لا يتبدّل في الوحي وما لا يثبت في الفهم.
أولًا: طبيعة المطلق في النص القرآني
القرآن في بنيته ليس خطابًا مغلقًا، بل هو نصٌّ منفتح على تعدد في الدلالة، ضمن نظام لغوي محكم. فهو في الوقت ذاته كلام الله المطلق ولغة العرب المحدودة. وهذا الازدواج هو ما يجعل التأويل ضرورةً لا مهربًا منها.
يقول الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: "إن في القرآن من وجوه الإعجاز ما لا ينقضي، إذ تتجدّد معانيه بتجدّد العقول والأزمنة. "
فالمطلق هنا لا يُلغِي التأويل، بل يدعوه، شرط أن يكون التأويل بحثًا عن المقصد لا استبدالًا به.
ثانيًا: حدود التأويل الإنساني
منذ عصر الصحابة، وُجد تفاوت في فهم النص، لكن هذا التفاوت لم يكن خروجًا على المطلق، بل تنوّعًا في إدراك المقاصد.
غير أنّ المعضلة ظهرت مع تحوّل التأويل إلى أداة سلطوية أو فكرية.
فقد نبّه الإمام الغزالي في إلجام العوام عن علم الكلام إلى خطر "تأويلٍ بلا ضابط"، قائلًا:
"من جعل كل نصٍّ قابلاً لكل معنى فقد أبطل دلالته وجعل القرآن ألعوبة الأهواء. "
بينما رأى ابن رشد في فصل المقال أن التأويل ضرورة عقلية لحفظ الانسجام بين العقل والنقل، شريطة أن لا يُستخدم لتقويض العقائد، قائلاً: "فحيث ظهر أن ظاهر الشرع مخالف لما أدركه البرهان، وجب التأويل وفق قواعد اللسان." .
إذن، التأويل مشروع بقدر ما يبقى في دائرة اللغة والمقصد، لا الأيديولوجيا والهوى.
ثالثًا: التوتر في الفكر الحديث
مع الحداثة، برز اتجاه جديد يرى أن النصوص الدينية تخضع لقوانين القراءة مثل أي نص أدبي.
هنا بدأ التوتر يأخذ بعدًا فلسفيًا: هل يُقرأ الوحي بوصفه خطابًا إلهيًا أم نصًا ثقافيًا؟
نصر حامد أبو زيد في مفهوم النص طرح أن النص "يتأنسن بالتلقي"، أي أن المعنى لا يُولد إلا في الوعي الإنساني: "النص لا ينطق بذاته، بل في إطار الثقافة التي تتلقّاه. "
أما فضل الرحمن، فقد دعا إلى ما سماه "الحركة المزدوجة للتأويل" — من السياق التاريخي إلى المبدأ الأخلاقي العام، ثم من هذا المبدأ إلى الواقع الحديث: "القرآن لا يُقرأ بتكرار الماضي، بل باستحضار منطقه الأخلاقي في كل عصر. "
وفي المقابل، حذّر المفكر الجزائري مالك بن نبي من أن يتحوّل هذا التأويل الحديث إلى صدامٍ مع المطلق، قائلاً في الظاهرة القرآنية: "إننا لا نحتاج إلى قراءة تُحاكم القرآن، بل إلى وعيٍ يُعيد اكتشاف حضوره فينا. "
رابعًا: الإنسان بين السعي والصدام
من الناحية الوجودية، لا يصادم الإنسان المطلق من حيث الحقيقة، لأنّ المطلق لا يُصادَم، بل يُدرك بالتسليم.
لكن الإنسان قد يصادم صورته الخاصة عن المطلق — أي فهمه النسبي له. وهنا يتحوّل التأويل إلى حلبة صراع بين الإيمان والعقل، بين العبودية والحرية، بين القداسة والتاريخ.
كما يعبّر الفيلسوف محمد إقبال في تجديد التفكير الديني في الإسلام: "ليس في الدين جمود، لأن الوحي لا يُغلق الباب أمام العقل، بل يضع له الاتجاه الصحيح. "
خاتمة
التوتر بين المطلق والتأويل ليس خللاً في التجربة الدينية، بل هو جوهرها الحيّ.
فالمطلق يذكّر الإنسان بحدوده، والتأويل يذكّره بواجبه في الفهم.
وكل محاولة لتجاوز أحد الطرفين — بتقديس الفهم أو بتعطيل الوحي — هي سقوط في أحد نقيضين: الجمود أو التفلت.
إنّ التأويل لا يُلغى، لكنه يُطهَّر من الأهواء. والمطلق لا يُدرَك، لكنه يُستضاء به.
وفي هذا التوتر الخلّاق، تستمر رحلة الإنسان نحو الله، بين نور الوحي وظلّ الفهم.



#يحي_عباسي_بن_أحمد (هاشتاغ)       Abassi_Yahia_Ben_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسس المحورية في فكر مالك بن نبي وإعادة توجيه العقل العربي ...
- من الثورة إلى التوريث: الشرعية التاريخية في الجزائر بين الذا ...
- التأويل بين مالك بن نبي ومحمد أركون
- من الدين إلى الوعي: إعادة بناء الخطاب الإيماني المعاصر
- الدين والسياسة في الجزائر: من التقديس إلى التوظيف
- المثقف الجزائري بين الإيمان والنقد
- سلطة الدولة وسلطة المجتمع: من احتواء الفكر إلى تسطيحه
- العقل الجزائري بين التوجيه والحرية: سؤال البداية
- أزمة المفكّر لا العقل: تأملٌ في وعينا الحضاري
- هل يجب أن أكون تحت وصاية أحد؟
- تحوّل الله إلى أداة خطاب: قراءة في أزمة التمثيل الديني
- ردا على مقال : أخطاء بالقرآن لا تليق بكلام الله ل-مصطفى راشد ...


المزيد.....




- شركة تايوانية تستعرض سيارة كهربائية جديدة وروبوت بشري لتحضير ...
- تقرير: الإسرائيليون أصبحوا أكثر تديّنا.. ما علاقة الحرب في غ ...
- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- تونس: مطالب بإغلاق المجمع الكيماوي بقابس
- مفاوضات شائكة في قمة المناخ بالبرازيل حول خطة التخلص من الوق ...
- الخطة الأمريكية للسلام في أوكرانيا.. انحياز كامل للشروط والم ...
- الكشف عن موقع إلكتروني يدعو لاغتيال علماء إسرائيليين
- سنغافورة تفرض عقوبات على 4 من قادة المستوطنين بالضفة
- واشنطن تنفي التراجع عن مقاطعة قمة العشرين بجنوب أفريقيا
- ما أفضل أنواع الجبن؟


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - يحي عباسي بن أحمد - التوتر بين المطلق والتأويل قراءة في جدلية النص الإلهي والعقل الإنساني