أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - بين السلطة والاتحاد: هشاشة الداخل ومساحات النفاذ الأجنبي















المزيد.....

بين السلطة والاتحاد: هشاشة الداخل ومساحات النفاذ الأجنبي


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هنالك قضايا وطنية خطيرة، نقاشها يحتاج إلى درجة عالية من الشعور بالمسؤولية تجاه البلاد. ولا يمكن بحثها على أساس معطيات أزمة عابرة أو أوضاع طارئة، وبمواقف عشوائية ولّدتها بيئة الاصطفاف التي تحتلّ فيها الغرائز مكان العقل.

ولمّا نتحدّث عن ردود فعل تتحكّم فيها الغرائز ليس المقصود القدح في أصحابها أو المبالغة البلاغية، بل هو توصيف هادئ لاختزال الاتحاد العام التونسي للشغل في نورالدين الطبوبي، واختزال الدولة التونسية في قيس سعيّد. وحينئذ ندخل في طور الهجوم البدائي على الدولة من جهة، وعلى الاتحاد من جهة أخرى. أما أصحاب العقول فمهما كانت مواقفهم تظلّ خشيتهم على أمن البلاد وعلى المنظمة هي الأساس. ذلك أنّ حياة الأشخاص تأتي مرة واحدة وتذهب للأبد. ولكن المنظمة النقابية مكسب مدني كبير لتونس وللتوانسة وللأجيال القادمة. والاتحاد العام التونسي للشغل ليس أمرًا بسيطًا حتّى يُستخفّ به، وهو الخزان الشعبي والمحصّلة النوعية للكفاح الوطني العمّالي على امتداد مئة عام. وقد استمرّ بالتضحية وبدم الشهداء الذين قدموا أرواحهم قرباناً للوطن، مستندين لإيمانهم بقوة شعبهم وطاقاته وفرادته.
وفي المقابل، الدولة التونسية هي الإطار الجامع الذي وحّد التوانسة وجعلهم شعبًا. ومن دونها تونس لا شيء.

عندما نتكلم عن التوتر الحاصل بين السلطة والاتحاد، من المهمّ أن نبتعد قليلًا ونأخذ مسافة، لنرى الأشياء التي لا يمكن لأطراف الصراع المنغمسين بالتفاصيل أن ينتبهوا إليها. وحين نبني موقفا، لا ينبغي أن نتأثر بمسألة ما إذا كان رأينا يناسب حلفاءنا وجماعتنا أم لا. بل يجب أن نفهم ما حدث ونبني موقفا موضوعيا أولاً، وبعد ذلك نرى إذا كان لدينا من يوافقنا أم لا. فالجدل الدائر اليوم، حول لقاء سفير الاتحاد الأوروبي بقيادة الاتحاد، علاوة على المستوى المُخزي للنقاش، نراهُ مُلوثًا بأسئلة انتهازية لا علاقة لها بحقيقة الحدث.

أولا، لماذا أصبح لقاء سفير الاتحاد الأوروبي وقيادة اتحاد الشغل حدثًا سياديًا؟

أثار اللّقاء الذي جمع سفير الاتحاد الأوروبي بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل دون علم الدولة جدلًا واسعًا، وفتح نقاشًا حادًا حول "حدود العمل الدبلوماسي: و"معنى السيادة". وقد جاء استدعاء رئيس الجمهورية للسفير الأوروبي واحتجاجه الشديد ليؤكد أن الأمر يتجاوز الخطأ البروتوكولي، إلى المسّ من هيبة الدولة.

هنا لا بدّ من التذكير بأن أي سفير هو ممثّل لدولته، وليس ممثلًا لمجتمع مدني خارجي أو فاعلًا مستقلًا. واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية تؤطر مهامهم ضمن علاقة دولة بدولة، وتحدّد بوضوح أن عملهم يتم عبر القنوات الرسمية. ومن هنا يصبح منع اللقاءات غير الرسمية منعًا ضمنيًا، لا يحتاج إلى نصّ صريح، لأن فلسفة الاتفاقية تقوم على حماية سيادة الدولة المضيفة ومنع إنشاء قنوات سياسية موازية.

ثانيا، لماذا كان يجب إعلام الدولة باللقاء؟

عندما يلتقي سفير أجنبي منظمة كبرى مثل اتحاد الشغل دون إعلام الدولة، في ظرف قطيعة بين السلطة والاتحاد، فمن غير المُستبعد أن يُقرأ اللقاء على أنه محاولة من الاتحاد الأوروبي لفتح قناة سياسية خارج الأطر الرسمية. أو محاولة من اتحاد الشغل للضغط على السلطة، أو إحراجها أو استفزازها أو الاستخفاف بها. وبكلّ الأحوال إذا كان هذا اللقاء فيه منفعة للبلاد، كان على الأمين العام إعلام الدولة لتفادي كل التأويلات الخاطئة والهواجس، ولتوفير أسباب نجاح اللقاء.

ثالثا، لماذا يفرض منطق الدولة احتكارها للعلاقات الخارجية؟

في بلد مثل تونس توجد فيه 62 سفارة ، وبعثة الأمم المتحدة وقرابة 60 بعثة غير مقيمة وعدد من القنصليات العامة، وأخرى فخرية. وفيه عشرات الأحزاب والمنظمات وآلاف الجمعيات، فإن السماح بهذه اللقاءات دون علم الدولة لا يفتح الباب للتدخل الخارجي وحسب، بل يهدّد وجود الدولة نفسها.
لأن الدولة، من خلال إفقادها ولايتها على العلاقة بالدول الأجنبية وتحويلها إلى قشرة فارغة تطفو فوق شبكة مصالح أجنبية لها قواعدها وارتباطاتها.

رابعًا، لماذا حدث التوتر؟

اللقاء لم يقع في سياق طبيعي. بل في ظرف تشهد فيه العلاقة بين السلطة واتحاد الشغل قطيعة واضحة (لا أريد إثارة أسبابها). ومن الطبيعي أن يستغل الاتحاد الأوروبي هذا الفراغ التواصلي في داخل البلد لينفذ منه تحقيقا لغايات تتعلق بمصالح الاتحاد الأوروبي. ومن الطبيعي أن تنظر الدولة بريبة لهذا اللقاء، وتفهمه على أنه تجاوزا لها.

ومهما كان الحال، حين تكون العلاقات الداخلية هشّة، يصبح أي تواصل خارجي رسالة سياسية، وربما ضغطًا. وهذا ما يفسر استدعاء رئيس الجمهورية للسفير الأوروبي، ونشره بيانا في هذا الشأن.

من جهة الاتحاد، قد يحتجّ بأن جسور التواصل مقطوعة مع السلطة السياسية. وهذا أمر مفهوم دون الدخول في أسباب القطيعة ومسبباتها، والوضع الداخلي للاتحاد الذي جمّد نشاطه. ومع ذلك علينا جميعا أن نتفق على كون الدولة وحدها هي صاحبة القرار في العلاقات الخارجية سواء كان رئيسها قيس سعيّد أو أي رئيس آخر. فهي وحدها التي لها الإمكانيات التي تسمح بتدبير العلاقات الخارجية، وتنظيم المصالح الاستراتيجية، مراقبة التأثيرات الأجنبية، حماية السيادة الوطنية، وضبط الأمن القومي... وإذا فقدت هذه الوظيفة، تفقد سيادتها فورا، وتترك المجال لخلق "جزر سياسية" تتحرك فيها السفارات بحرية، وتستطيع التأثير مباشرة في الداخل بألف طريقة وطريقة.

ما الذي يعني التوانسة في هذا كله؟

نحن معنيون بدولة تبني السيادة. وهذا يبدأ بتصحيح علاقتها المختلفة بالمجتمع المدني، وترميم جبهتها الداخلية، ومنع اختراقها من الفاعل الأجنبي، لأنه كلما غاب الحوار الداخلي، ملأت السفارات الفراغ، وتحوّلت هيئات المجتمع المدني والسياسي إلى ممرّات ومنصّات غير رسمية للسياسة الخارجية، وهذا ما تخشاه أي دولة تحترم نفسها.

ملاحظة أخيرة لا بدّ منها:
بعض الإخوة والأصدقاء يُردّدون من حين إلى آخر جملة مُضحكة، أرجّح أنها على حسن النيّة. يقولون: "إذا رئيس الجمهورية يستقبل السفراء، فلماذا نحن لا نستقبلهم"، أو بخصوص التمويل الأجنبي كثيرا ما قرأت جُمل من قبيل: "حتى الدولة تتلقى إعانات من الخارج".

الدّولة دولة، والجمعية جمعية يا سي محمد !
الدولة، بأجهزتها وسيادتها وقوانينها ومؤسساتها، وأمنها وجيشها وتمثيليتها كخلية في المجتمع الدولي، تُدير أمة كاملة بمسؤوليتها على الحدود والبر والبحر والجو وباطن الأرض والاقتصاد والموارد والتعليم والصحة والقضاء ... أمّا الحزب أو المنظمة، فمجرد هيكل محدود العضوية، قد ينهار اجتماع بعضها إذا غاب ثلاثة أعضاء أو انقطع الويفي.
يعني غير معقول التحجج بمثل هذه المقارنات السخيفة. ففي كل دول العالم، مهما كانت درجة انفتاحها أو ديمقراطيتها، توجد قاعدة ثابتة: العلاقات الخارجية هي اختصاص حصري للدولة وليس للمجتمع المدني. والسفير الأجنبي يمثل دولة أخرى أجنبية ولا يُمثل جمعية أو نقابة. ثمّ الدولة ليست جهازًا إداريًا فقط، هي أيضا منظومة سيادية، وإذا أصبحت السفارات قادرة على التأثير في الاتحاد العام للشغل، واتحاد الأعراف، والمحامين والقضاة والمهندسين والأطباء، وتتواصل مع الأحزاب السياسية، وتدعم الجمعيات وتوجّهها، وتعقد لقاءاتها، وتقدم مقترحاتها، وتخلق لوبياتها المحلية عبر التمويل، دون علم الدولة… فهذا يعني أن المشهد السياسي والاجتماعي سيتم التحكم فيه من الخارج، وليس من داخل المؤسسات الرسمية. وبهذا المعنى، يصبح للدول الأجنبية جمعياتها ومنظماتها وأحزابها، وبالتالي "وجودها السياسي" داخل تونس، في حين تصبح الدولة التونسية مجرد إطار شكلي. وأنا على يقين بأنه لا يوجد تونسي واحد يرضى لبلاده وضعًا كهذا.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيادة الوطنية
- عوامل سقوط النظام
- سوريا ليست تونس: نقد القياس السياسي وبيان شروط سقوط الأنظمة.
- المسافة بين التجربتين: في بطلان قياس تونس على سوريا.
- التونسيون ليسوا ضد الديمقراطية، بل ضد من يختزلها في تجربة ال ...
- بين خطاب -التاسعة- وواقع العولمة: هل كلّ ناشط في المجتمع الم ...
- براغماتية الدولة: قراءة في التصويت الجزائري على القرار الأمر ...
- القرار 2803 أخطر ما صدر عن مجلس الأمن بشأن فلسطين منذ تأسيس ...
- منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول
- هل المشكل في الفساد أم في مكافحة الفساد؟ قراءة نقدية في الخط ...
- المشهد الرّمزي حول زيارة أحمد الشرع لواشنطن
- فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي
- مشروع قرار أمريكي لمجلس الأمن بصدد -إنشاء قوة استقرار دولية ...
- خصوصية الانتقال الديمقراطي في تونس وعوامل فشل التجربة
- لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟
- المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري
- الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
- الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
- في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
- مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ ...


المزيد.....




- رسالة من مؤلف مسلسل -كارثة طبيعية- بشأن -شروق- و-محمد-
- مئات المفقودين في كارثة حريق هونغ كونغ.. وجدل يتجدد حول سقال ...
- أحدث ظهور للفنّانة المصرية نجاة الصغيرة في العاصمة الجديدة
- هل تخسر طهران مكانتها كعاصمة لإيران بسبب الجفاف؟
- إسرائيل لا تتوقع أن ينزع حزب الله سلاحه طوعاً في المهلة الدب ...
- من داخل استعدادات ليغو لموسم الأعياد: كيف تلبي مكعبات ليغو ا ...
- بعد 18 شهرا بالسجن .. تونس تفرج عن سنية الدهماني المنتقدة لل ...
- البابا يدعو تركيا لتكون -عامل استقرار- في مستهل جولته الخارج ...
- فرنسا: أي رسائل من إعلان ماكرون عودة الخدمة العسكرية الطوعية ...
- من أبقى على الخدمة العسكرية الإلزامية في أوروبا ومن أعاد فرض ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - بين السلطة والاتحاد: هشاشة الداخل ومساحات النفاذ الأجنبي